الثلاثاء، 9 يونيو 2009

نظرية الحقول الدلالية

الدكتور أحمد عزوز

أصــــول تراثــــــية
فـــي
نظرية الحقول الدلالية

- دراســــة -








من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق - 2002













] وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي علْمَاً [

سورة طه/ الآية 111




مقّدمـــة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
لقد كان تطوّر الدراسات اللّسانية في النصف الأخير من القرن الأخير سريعاً، ونتج هذا التطوّر عن أهمّية اللّغة في عملية التواصل، والتفاهم ونقل المعارف والعلوم عبر الأجيال وبين الحضارات والشعوب.
وإذا كانت اللّغة نظاماً من العلامات، تحكمها أنساق معيّنة، فإنَّه لا يمكن فهم مكوّناتها الأساسية إلاَّ إذا حلّلنا دلالات مفرداتها ضمن تراكيب خاصّة وسياقات محدّدة.
وترتبط اللّغة ارتباطاً وثيقاً بالتّفكير الإنساني والمظهر السلوكي اليومي، وهي تعبّر عن نظم المجتمع الاجتماعية والثقافية وغيرها، وتكوّن لأفراده التصوّر للعالم فيصنّف الواقع انطلاقاً منه ويرتّبه بناء عليه. ولعلم الدلالة أهمّية قصوى في فهم الرؤية التي تعبّر عنها اللغة وتحليل التراكيب والخطابات.
واختيارنا لموضوع "أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية"، لا ينبع من مطلبه الجليل من جهة، ومن أهمية الحقول الدلالية كنظرية ومنهج اكتسحا مجالات مختلفة من المعرفة الحديثة فحسب، بل يعود ـ أيضاً ـ إلى ندرة الدراسات في هذا الميدان على الرغم من أنَّ لجذورها امتداداً في تراثنا اللغوي العربي.
ورأينا أن يكون عملنا هذا موزّعاً على خمسة فصول، حيث خصّصنا الفصل الأول: "لمفهوم نظرية الحقول الدلالية"، وبدأنا بالتحديد لأنّنا نعلم أنَّه عملية معقّدة ومتشابكة خاصّة في مجال اللسانيات التي ما يزال فيها مدّ وجزر في كثير من مصطلحاتها.
وانتقلنا في الفصل الثاني من التحديد إلى "إبراز جذور النظرية في التراث اللغوي العربي"، مركّزين على الرسائل ومعاجم الموضوعات في أوج تطوّرها، وهو ما يدعونا من إعادة قراءة التراث لثرائه الذي غالباً ما اكتسحته الاختزالية، وأُهمِلَ جانبه القويّ والحيويّ، وذلك بغية إغناء الفكر اللساني العربي في رسم آفاقه المستقبلية وإعطاء النّظريّة مكانة خاصة بها.
وجاء الفصل الثالث مبرزاً "نشأة نظرية الحقول الدلالية عند الغربيين"، وتطوّرها، وحاول أن يوضّح أسسها ومنهجيتها.
وكان الفصل الرابع خاصّاً بالتحليل التكويني للمعنى الذي له علاقة وثقى بنظرية الحقول الدلالية، وهو يرتكز على جمع عدد من المفردات في الحقل الواحد تبدو متقاربة الدلالة، ثمّ تحليل معانيها إلى عناصرها الصغرى وإبراز الخاصّية الدلالية لكلّ منها، والعناصر المشتركة والممّيزات والفروق بينها.
وقد اجتهد الفصل الخامس في توضيح المجال التطبيقي لنظرية الحقول الدلالية في صناعة المعاجم، كيف تفيدها وتضع أسسها ورؤية جديدة لبنائها خاصة عند المقارنة بين الحقول الدلالية في لغتين مختلفتين أو أكثر.
ولا نزعم أنّنا أحطنا الموضوع من جميع جوانبه، أو استوفينا كلّ مسائله، وإنّما حسبنا أن يكون هذا العمل قطرة في بحرٍ لا تستبين حدوده، وخطوة نرجو أن تتبعها خطوات أُخْر تكمل ما فيه من نقص وتقوّم ما قد اعوجّ منه.
وعلى الرغم ممّا في هذا الجهد من هنات وثغرات وفجوات فهو يضاف إلى ما يبذله الألسنيون من بحث في مختلف أصقاع البلاد العربية في سبيل بناء نهضة لسانية عربية، لا تكفّ عن الحوار والجدل بين ماضٍ مجيد نخشى أن نفقد حيويته، وحاضر يتراوح بين القوّة مرّات والنّكسة حيناً، وأفق مستقبل له رهاناته ينتظر مزيداً من التحدّي والعمل للتغلّب على مصاعبه.
وأخيراً، نرجو أن يكون هذا العمل المتواضع نافعاً ومفيداً لما يصبوا إليه.
والله ولي التوفيق.


ÙÙÙ



الفصل الأوّل:مفهوم نظرية الحقول الدلالية.


يفرض التواصل بين الأفراد وجود قائمة من الكلمات مشتركة بينهم يفهمون معانيها بكيفية متشابهة أو متقاربة، ولكن دلالات الكلمات المعنوية يصعب عليهم الاتفاق حول تحديدها، لأنَّ درجة فهمها تتفاوت من شخص لآخر، تبعاً للتجربة التي مرّ بها كلّ فرد، وطبيعة البيئة التي ينتمي إليها المتكلّمون باللغة، ومستوى التعلّم، وغيرها من العوامل التي تسهم في تحديد الدلالة.
ويكون فهم الكلمات متماثلاً أو متشابهاً حينما يكون اتفاق ضمني حول توظيفها واستخدامها، ومن هنا كان تعريف الكلمة الذي يعدّ تحقيقاً لهذا الاتفاق أمراً مهماً في استعمال المعاجم(1).
وأحسن طريقة لفهم معنى الكلمة هو وجودها في التركيب الذي يسهم في إبراز معناها ويجعلها متباينة عن تلك التي تقاربها أو تبدو مشابهة لها، بالإضافة إلى الوظائف الدلالية ذات الارتباط بالمحيط والثقافة اللذين يعبران عن دلالة اللفظ المستقلة عن كلّ كلمات اللغة(2).
فالعالم كما هو موجود ومتصوّر هو إنتاج لثقافة المجتمع ولنظام اللغة المعجمي الذي يتواصل به الأفراد، وكلّ كلمة لها مرجعها في العالم الخارجي، توظّف في تركيب ترتبط بالعالم أو بجزء منه بطريقة تختلف عن الكلمات الأخرى.
فمعنى الكلمات محدّد وفق قائمة بمفردات اللغة، وترتبط فيما بينها بمجموعة من الظواهر المتشابهة والقابلة للمقارنة والاستبدال، ويتحدّد المعنى أكثر حين ظهوره في بنية المعجم الذي يمتلكه المتكلم، أو وفق التغيّرات التي تطرأ على معاني الكلمات المرتبطة بالحقل المعيّن(3).
وبناءً على ما سبق يمكن التفريق بين المعجم واللغة ومفرداتها:
ـ فالمعجم هو مجموع الكلمات التي تضعه لغة ما في متناول المتكلمين.
ـ والمفردات هي مجموع الكلمات المستعملة من لدن متكلّم معيّن في ظروف معيّنة.
أمّا المعجم فهو حقيقة اللغة التي يكتسبها الفرد عن طريق معرفة المفردات الخاصة، التي تتوافر على تشكيل الخطاب وبنائه، فالمعجم يتجاوز المفردات، ولكن لا يبلّغ إلاّ بها، ولا تكون المفردات إلاَّ بوجود المعجم لأنَّها تعدّ عيّنة منه، وعلى الرغم من أنَّه يصعب معرفة عدد الكلمات التي تكوّن معجم اللغة، إلاَّ أنَّ عددها محدّد نسبياً في اللغة المعيّنة، وهو قابل للإثراء والازدياد والافتقار(4).
وكلّ لغة تمتلك صورة عن الوجود خاصة بها، وتتميّز نظرة الناطقين بها إلى الحياة عن غيرهم، لاختلاف لغتهم عن اللغات الأخرى، ومجموع كلماتها يدلّ على الجنس، أو النوع، أو أصناف الموجودات المادية والمعنوية، والكلمة الواحدة في أيّة لغة تندرج تحتها مجموعة تطول أو تقصر من الألفاظ كالمكتب والكرسي والناقة والفرح والحزن، فكل لفظ من هذه الألفاظ يضمّ عدداً من الأفراد أو الأحداث جمعت تحت عنوان واحد، وكوّنت صنفاً واحداً، ولذلك كانت مفردات كلّ لغة من اللغات ضرباً من التصنيف للموجودات الذي يعدّ أساسياً في فهم العلاقة بينها، وهو إدراك لنظرية الحقول الدلالية(5).
والتصنيف هو تقسيم الأشياء أو المعاني وترتيبها في نظام خاص، وعلى أساس معيّن، بحيث تبدو الصلة واضحة بين بعضها البعض، مثل تصنيف الكائنات، وتصنيف العلوم.(6).
كما تقدّم اللّغة لكل فرد ألفاظاً تدلّ على عموميات وكلّيات وأنواع وأجناس. فإذا قال قائل "قعدت تحت الشجرة"، أو "ركبت السيارة"، أو "حزنت لخبر مؤلم"، فالمخاطب ـ بفتح الطاء ـ لا يتمكّن لمجرد سماعه هذه العبارات أن يتصوّر تلك الشجرة التي أرادها بذاتها، ولا هيئة القعود، ولا السيارة المقصودة بعينها، ولا هيئة الركوب ولا درجة الحزن وحقيقة الخبر، لأنَّ الألفاظ عامّة يندرج تحتها أنواع لا تحصى من الشجر والسيارات والأخبار وهيئات القعود والركوب ودرجات الحزن والألم"(7).

وليس من اليسر كما هو متداول ومتعارف عليه، أن يتّفق الدارسون على تعريف دقيق لمصطلح من المصطلحات، أو كلمة من الكلمات، وبخاصة إذا تعلّق الأمر بالمفاهيم الحديثة الظهور والاستعمال.
ومن ثمَّ، فإنَّ تعريف الحقل الدلالي يعتبر كغيره من المصطلحات التي لم يتمكّن الباحثون من التوصل إلى إعطاء تحديداتها وتعريفاتها إلاَّ بعد أبحاث عديدة وجهود مكدّة، وعمق نظر لدقائق مجالات المعنى، ومع ذلك فقد اتّضح لهم أنَّ "التحليل الدلالي لبنية اللغة من الأمور الضرورية والأساسية لدراسة دلالة الكلمة، سواء أ كانت الدراسة تاريخية أم مقارنة أم تقابلية"(8).
وأدّى ما سبق إلى إبراز منهج يمتلك الأدوات الإجرائية لتحديد الدلالة في المستوى اللغوي الواحد، فبرزت مقاربات كثيرة في اللسانيات تهدف إلى البحث في الدلالة وكان من أهمّها نظرية الحقول الدلالية(9).
وليس ثمّة لبس أو خلط بين المنهج والنظرية حين التطرّق إلى الحقول الدلالية، لأنَّ النظرية هي مجموع الأفكار والآراء والقوانين الخاصة بمجال معيّن، أما المنهج فهو انتقال هذه الأفكار والقوانين من مجالها النظري المجرّد إلى التطبيق والاختبار والإجراء.
فحين القول بنظرية "الحقول الدلالية"، فالمقصود هو مستوى المادة الخام، التي يستلهمها الدارس منهجاً تجريبياً على موضوع من الموضوعات اللسانية أو الأدبية، أي أنَّ النظرية هي مجموعة منظّمة ومتناسقة من المبادئ، والقواعد، والقوانين العلمية التي تهدف إلى وصف وشرح مجموعة من الأحداث والظواهر(10).
أمَّا المنهجية فهي مجموعة من القواعد والمبادئ والمراحل، منظّمة بطريقة منطقية وتعدّ وسيلة توصل إلى نتيجة معيّنة(11).
ولمّا كان من الصعب أن تدرك جميع تقنيات المنهج يفضّل بعض الدارسين ومنهم "لوهير" (LEHEUR) استعمال مصطلح "اتجاه" و "مقاربة" بدل مصطلح النظرية أو المنهج: "لأنَّ معظم الدراسات الحقلية ليست كاملة بصورة كافية، وليست متبلورة بشكل يجعلها نظريات موحّدة متناسقة"(12).
ويطلق مصطلح المجال الدلالي على الحقل الدلالي عند بعض الدارسين، وهما وجهان لعملة واحدة، وكلّما كان الحديث في اللسانيات عن الحقل الدلالي فإنَّ التفكير يتّجه نحو "ترير" (TRIER) ودراسته في سنوات الثلاثين من هذا القرن حول مفردات اللغة الألمانية للمعرفة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي.
وما هو مؤكّد أنَّ المصطلح لم يكن من إبداع "ترير"؛ لأنَّه كان يستعمل الحقل المعجمي، الحقل اللساني للعلامات، الحقل المفهومي، الحقل، الدائرة المفهومية.(13).
وإذا كان الحقل بالمفهوم اللغوي العام يقصد به المساحة من الأرض المخصّصة للفلاحة(14)، فإنَّه لا يعلم يقيناً من هو أوّل من وظّف لأوَّل مرَّة مصطلح الحقل الدلالي في اللسانيات، ولكن حسب دوشاك (O DUCHCEK)، التشيكي فإنَّ "سطور" (A STOR) يكون من الأوائل الذين استعملوا المصطلح في كتابه الذي صدر سنة 1910(15).
وتبرز ملاحظة سوزان أوهمان (OHMANN SUZANNE) بشأن توظيف المصطلح أنَّ استعماله كان سنة 1874، على يد السويدي تيجنر ( E. TEGNER) (16).
ومهما كان التاريخ الدقيق الذي استعمل فيه المصطلح في معناه اللساني، فإنَّنا نلفيه في عشرات المؤلّفات قبل صدور كتاب "ترير" (TRIER) في 1931، الذي لا يعود إليه الفضل في إدخال المصطلح إلى الحقل اللساني، وإنّما يكمن فضله في المناظرات والدراسات العديدة التي أقامها، فاصبح الباحثون لا يتطرّقون إلى نظرية الحقول الدلالية دون الوقوف على أعماله بصورة دقيقة ومتأنية، إذ بدراسته التنظيمية لحقل الذكاء (الفكر) في اللغة الألمانية استطاع أن يبلور، ويجمع في انسجام الأفكار الموجودة في فترته بطريقة أسّست مدرسة أو تيّاراً أو منهجاً عرف بنظرية الحقول الدلالية(17).
ويمكن تلخيص فرضيته الأساسية في الآتي:
ـ إنَّ معجم لغة ما مكوّن من مجموع الكلمات المتدرّجة(أو حقول معجمية).
ـ وكلّ مجموعة من الكلمات تغطّي مجالاً محدّداً في مستوى المفاهيم (حقول مفهومية).
ـ وكلّ حقل من هذه الحقول (معجمية كانت أو مفهومية) مكوّنة من وحدات متقاربة مثل حجارات غير منتظمة من الفسيفساء(18).
ومعنى ذلك أنَّ كلَّ مدلولات اللغة تنتظم في حقول دلالية، وكلّ حقل دلالي مكوّن من عنصرين هما:
ـ الأوَّل: تصوَّري(champ conceptuel).
ـ والثاني: معجمي(Lexical).
ومدلول الكلمة مرتبط بالكيفية التي يشترك فيها مع الكلمات الأخرى في الحقل المعجمي نفسه لتغطية أو تمثيل الحقل الدلالي، وتكوّن كلمتان في الحقل الدلالي عينه إذا أدّى تحليلهما إلى عدد من العناصر المشتركة، وبقدر ما يكثر عدد العناصر المشتركة بقدر ما يصغر الحقل الدلالي(19).
وما يلاحظ هو أنَّ الدراسات اللغوية العربية الحديثة لم تعرّف المصطلح إلاَّ بعد اطلاعها على الدراسات اللغوية الغربية، بل يمكن القول إنَّ التعاريف المتناثرة في تلك الدراسات متماثلة ومتشابهة ومترجمة، على الرغم من أنَّ الدراسة العربية قد عرفت الحقول الدلالية تطبيقاً وإجراءً في أكثر من مصدر وعبر قرون متعاقبة.
ويرى جون دوبوا (Jean Dubois) أنَّ تحديد الحقل في اللسانيات ـ حسب الافتراضات الإبيستيمولوجية ـ هو البحث عن استخراج بنية المجال أو اقتراح بنائه(20).
وعرّف أولمان الحقل الدلالي بأنَّه "قطاع متكامل من المادة اللغوية يعبّر عن مجال معين من الخبرة"(21). ومفاده أن الحقل الدلالي يشمل قطاعاً دلالياً مترابطاً، مكوّناً من مفردات اللغة التي تعبّر عن تصوّر أو رؤية أو موضوع أو فكرة معيّنة.
ويعرفه جون ليونز قائلاً: "إنَّ الحقل الدلالي هو مجموعة جزئية لمفردات اللغة"(22)، ومؤدّاه أنَّ الحقل يتضمّن مجموعة كثيرة أو قليلة من الكلمات، تتعلّق بموضوع خاص وتعبّر عنه.
ويرى جورج مونان أنَّ الحقل الدلالي هو "مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشتمل على مفاهيم تندرج تحت مفهوم عام يحدّد الحقل"(23)، أي إنّه مجموع الكلمات التي تترابط فيما بينها من حيث التقارب الدلالي، ويجمعها مفهوم عام تظلّ متصلة ومقترنة به، ولا تفهم إلاَّ في ضوئه.
والحقل الدلالي يتكوّن من مجموعة من المعاني ِأو الكلمات المتقاربة التي تتميّز بوجود عناصر أو ملامح دلالية مشتركة، وبذلك تكتسب الكلمة معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى، لأنَّ الكلمة لا معنى لها بمفردها، بل إنَّ معناها يتحدّد ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة(24).
وهو ما عبّر عنه فندريس: "قائلاً: إنَّ الذهن يميل دائماً إلى جمع الكلمات، وإلى اكتشاف عرى جديدة تجمع بينها، فالكلمات تتثّبت دائماً بعائلة لغوية"(25).
وعلى هذا الأساس فإنَّ الكلمات لا تشكل وحدة مستقلّة، بل إنَّ بعض اللغويين يرفض وينكر أن يتمّ اكتساب اللغة في شكل كلمات مفردة، أو يكون المتكلّم واعياً بالكلمات منعزلة أثناء عملية الكلام(26). وإذا بدا له ذلك في بداية الأمر، فإنَّ الاكتساب يكون انطلاقاً من تركيب مقدّر أو مضمر أو محذوف تفهم ضمنه الكلمة التي يتعلّمها الفرد.
وتتّضح الفكرة أكثر حين تعلّم لغة أجنبية، فمهما حفظ المرء من مفرداتها، فإنَّه يظل عاجزاً عن فهم نصوصها ومضمون خطاباتها، مالم يتزوّد بمعرفة نظامها التركيبي والنحوي والصوتي والصرفي والدلالي والأسلوبي.
ويستشف من قول فندريس أنَّ جمع الكلمات في مجموعات يعتبر من خصائص العقل الإنساني الذي من طبيعته الميل نحو التصنيف والبحث عن العلاقة التي تكوّن أجزاء هذه المجموعة أو تلك حتى يتسنّى لها فهمها ووضع قوانيها ثمّ الحكم عليها والاستنتاج.
ولهذا فإنّ الجزء المعجمي المعبّر عن مجال ما في اللغة ليس نظاماً أو تشكيلاً بسيطاً مكوّناً من وحدات مستقلة، فلو كان كذلك لتمكّن الدارس أو المستعمل للغة أن يفهم هذا الجزء ويصفه في وقت معيّن.
وبناءً على هذا الاعتبار اعتمد أصحاب نظرية الحقول الدلالية على الفكرة المنطقية التي ترى أنَّ المعاني لا توجد منعزلة الواحدة تلو الأخرى في الذهن، ولإدراكها لابدّ من ربط كلّ معنى منها بمعنى أو بمعان أخرى، فلفظ إنسان مثلاً يعدّ مطلقاً، وبالتالي لا يمكن أن نعقله إلاَّ بإضافته إلى حيوان، ولفظ رجل لا نعقله إلاَّ بإضافته إلى امرأة، ولفظ حار لا يفهم إلاَّ بمقارنته ببارد وهكذا(27).

والكلمات التي تعبّر عن التقديرات التي تمنح في جامعة من الجامعات والصادرة عن التقويم للامتحانات ومناقشة الرسائل الأكاديمية مثل: مشرّف جدّاً، مشرّف، ممتاز، جيّد جداً، جيّد، حسن، مستحسن، متوسط، مقبول، وضعيف، لا يمكن فهم الواحدة منها إلاَّ بالنظر إلى الكلمات التي فوقها أو في مستواها أو دونها، أي من خلال مجموعة الكلمات الأخرى التي تنتمي إليها(28)، والهدف من ذلك هو جمع الكلمات التي يتركب منها الحقل الدلالي ثمّ استخراج العلاقات الرابطة بينها(29).
ويصدق ماسبق على الكلمات التي ترتبط دلالتها ضمن مفهوم الحيوانات الأليفة أو المتوحشة أو السكن، أو الألوان أو القرابة أو أي جزء من المادة اللغوية الذي يعبّر عن مجال معيّن من الخبرة والاختصاص(30)، فكلمة "طاولة"التي تعدّ مصطلحاً عامّاً نجد تحتها مجموعة من الكلمات التي لها علاقة فيما بينها كطاولة العمل، طاولة القاعة، طاولة الأكل، طاولة اللوغاريتم، طاولة القانون(31).
فكل لغة تضمّ سلسلة أو نسقاً من الكلمات تتّضح اختلافاتها وعلاقاتها بمعرفة خصائصها الدلالية وملامحها المشتركة، ففي الظواهر المرئية مثلاً يلاحظ أنَّ الأطفال يتعلمّون الألوان الأساسيةـ على الأرجح ـ في ردح من الزمن مثل: أحمر، أخضر، أزرق، أصفر، أبيض، وأسود.
ومن المؤكّد أنَّه لا يتم إدراك دلالة الأحمر ككلمة تدلّ على اللون ـ وبخاصة بعد استعمالها في الجمل ـ إلاَّ بمعرفة الكلمات التي تشير إلى الألوان المماثلة لها أو التي تقاربها في المعنى مثل: وردي ـ بنفسجي ـ برتقالي ـ وكلمات أخرى تحتوي على هذا المعنى مثل أحمر أرجواني ـ قرميدي وغيرهما(32).
ويرى "ليونز" (Lyons)، أنّنا نفهم معنى الكلمة بالنظر إلى محصّلة علاقاتها بالكلمات الأخرى، داخل الحقل المعجمي، ومن ثمّ يهدف تحليل الحقول الدلالية إلى جمع كلّ الكلمات التي تخصّ حقلاً معينّاً، والكشف عن صلة الواحدة منها بالأخرى، وصلتها بالمفهوم العام، وعلى هذا الأساس يكون فهم معنى الكلمة بفهم مجموعة الكلمات ذات الصلة بها دلالياً(33).

ويعدّ البحث في الحقول الدلالية مثمراً وخصباً وبخاصة في الميدان الأدبي الذي يتميّز بالمعاني الإيحائية والنادرة، كدراسات الحقل الدلالي لمفردات عند كاتب أو في جنس أدبي، فيبحث عن مجموع المعاني الذي يحمله لفظ في خطاب أو خطابات معيّنة، مثل تحليل كلمة من الكلمات انطلاقاً ممّا كتبته صحيفة من الصحف فيهتّم بتعريفها بناء على استعمالاتها واستخراج الكلمات التي تشاركها أو تناقضها أو تعاكسها في المعنى(34).
وأقيمت دراسات عديدة حول الحقول الدلالية من أهمّها: ألفاظ القرابة، والألوان، والنبات، والأمراض، والأدوية، والطبخ، والأوعية، وألفاظ الأصوات، وألفاظ الحركة، وقطع الأثاث.
وكذلك الخواص الفكرية، والأيديولوجيات، والجماليات والمثل، والدين، والإقطاع، ومؤيّدي البلاط، والخارجين عليه، والأساطير، والخرافات، والتجارة، والعداوة، والهجوم، والاستقرار، والإقامة، والحيوانات الأليفة، وصفات العمر، وأعضاء البدن، وغيرها(35).
ويمكن القول إنَّ أصحاب نظرية الحقول الدلالية يهتّمون ببيان أنواع العلاقات الدلالية داخل كل حقل من الحقول المدروسة، فيحصرون تلك العلاقة في الأنواع الآتية: الترادف، الاشتمال، علاقة الجزء بالكل، التضاد، التنافر، وليس من الضروري أن يكون كلَّ حقل مشتملاً عليها جميعاً، لأنَّه قد تضمّ بعض الحقول كثيراً منها، على حين تقلّ بعض منها في حقول أخرى (36).
وتأسّست نظرية الحقول الدلالية على فكرة المفاهيم العامة التي تؤلّف بين مفردات لغة ما، بشكل منتظم يساير المعرفة والخبرة البشرية المحدّدة للصلة الدلالية، أو الارتباط الدلالي بين الكلمات في لغة معينة (37)، التي يجمعها لفظ عام، لأنَّ اللغة نظام، وقيمة كلّ عنصر من عناصرها لا يتعلّق بهذا النظام بسبب طبيعته، أو شكله الخاص, بل يتحدّد بمكانه وعلاقته داخل هذا النظام، ممّا يؤكّد التراصّ القائم بين الكلمات وما يجاورها من كلمات أخرى داخل الحقل الواحد، أو في مجموعة من الحقول، بحيث لو أقحمت كلمة في حقل متناسق أو أبعدت عنه أو غيّر موضعها أدّى ذلك إلى اضطراب يؤثر في مجموع مفردات الحقل(38).
وأهمّ مبادئ نظرية الحقول الدلالية تتلخّص فيما يأتي:

1 ـ إنَّ الوحدة المعجمية تنتمي إلى حقل واحد معيّن.
2 ـ كل الوحدات تنتمي إلى حقول تخصّها.
3 ـ لا يصح إغفال السياق الذي ترد فيه الوحدة اللغوية.
4 ـ مراعاة التركيب النحوي في دراسة مفردات الحقل (39).
ولاشكّ في أنَّ اللغويين العرب القدامى قد اهتدوا في فترة مبكّرة إلى تصنيف المدلولات في حقول دلالية ومفهومية، فكانت لهم الريادة في هذا المجال، وتأليفهم الرسائل ومعاجم المعاني والفروق في اللغة دليل على طريقتهم التصنيفية للمعاني.
وما يثبت ما سبق أن الأمَّة الغربية لم تؤلّف معاجمها الموضوعية إلاَّ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولكن يمكن القول: إنَّ نظرية الحقول الدلالية تطوّرت على أيدي علمائها، ونمت بعد جهودهم المتواصلة، فكانت واضحة المعالم ومعروفة الحدود، ولم تعد نظرية فحسب بل أصبحت منهجاً له تطبيقاته في مجالات كثيرة مثل النص الأدبي والترجمة والتعليمية وصناعة المعاجم وما إلى ذلك من الميادين.
وما يلاحظ أيضاً أنَّ الكلمات داخل الحقل الواحد ليست ذات وضع متساوٍ لأنَّ من أهمّ مميزات الحقول أنَّها تنقسم إلى أقسام أو تصنيفات، وكل حقل منها يحتوي على المجموعة التي تخصّه، ثمّ تدخل تحت كل قسم من الأقسام، أقسام صغرى تتفرّع عن الكبيرة.
ولذلك كانت هناك كلمات أساسية أو مفاهيم مركزية بالنسبة للحقول الدلالية، تتحكّم في التقابلات الهامّة داخل الحقل وأخرى هامشية(40)، تزوّدنا بالبنية الداخلية لهذه الحقول كالفضاء والزمن والكم والعلّة(41).
ولذلك يختلف حجم الحقول الدلالية وحيّزه المكاني باختلاف مجالات واهتمامات الإنسان في البيئة المعينة، ويعدّ مجال الكائنات والأشياء من أكبر المجالات، ويليه مجال الأحداث، ويتبعه المجرّدات وفي آخر المراتب ما يتّصل ويرتبط بالعلاقات(42).
وهناك اتّجاهات متعدّدة حول تصنيف المفاهيم الموجودة في اللغة، تستند بعضها إلى افتراض وجود أطر مشتركة أساسية للتصورات والمفاهيم بين لغات البشر، إذ تتقاسم اللغات جميعها عدداً من التصوّرات التي يصحّ أن تدعى تقسيمات، وإلى تصنيفات ومفاهيم دلالية عالمية مثل "حيّ"، و"غير حي"، و"حسيّ" و"معنوي"، و"بشري"، و"غير بشريّ"، وهو منهج مطبّق في التحليل التكويني للمعنى.
ويذهب أصحاب هذه الاتّجاهات إلى أنَّه من الممكن تصنيف الموجودات بعد القيام بتجريدات للأشياء الموجودة في العالم الواقعي الذي يحيط بنا، ويبنى هذا التصنيف على أساس الوظيفة أو الحجم أو الشكل أو اللون(43).
وكان موضوع تصنيف المفاهيم إشكالية أعمال المؤتمر العالمي السابع لعلم اللغة الذي عقد في لندن عام 1952، واقترح فيه "هاليج" (Hallig) و"وايتبرج" (Watburg) تصنيفاً يقوم على ثلاثة أقسام وهي:
1 ـ الكون.
2 ـ الإنسان.
3 ـ الإنسان والكون.
وهو تصنيف عام اعتبره بعض الباحثين يصلح لكلّ اللغات(44).
والمتأمّل في معجم مفردات اللغة العربية يلاحظ أنَّ الحيز المكاني الذي تشغله ألفاظ مثل الجمل والناقة والأسد والصحراء يعتبر غنياً وثريّاً إذا ما قورن بتشبيهه في اللغات الأخرى التي تكاد تهمله تقريباً كاللغة الإنجليزية والفرنسية، لأنّ وصف الكون الطبيعي يتمّ بواسطة التقسيمات المفهومية، وهي متغيّرة، بشكل واضح وجليّ من مجموعة لغوية إلى أخرى تبعاً لخصوصية العلاقة بالكون، والنظر إليه والتفاعل معه.
أنواع الحقول الدلالية:
يقسّم الدارسون الحقول الدلالية إلى أنواع وهي كالآتي:
1 ـ الكلمات المترادفة والكلمات المتضادة التي تكوّن العلاقة بينها على شكل التضاد "لأنَّ النقيض يستدعي النقيض في عملية التفكير والمنطق، فعندما نطلق حكماً ما نتأكّد من صحته وتماسك بنيته بالعودة إلى حكم يعاكسه، ومن هنا تنشأ الحقول المتناقضة.
فاللّون الأسود يستدعي الأبيض، والطويل يناقض القصير، والكبير يعاكس الصغير، والغني عكس الفقير وهكذا(45)، ويعد "جولز" (A.Jolles)، من الذين اعتبروا هذا النوع من التقسيم يندرج ضمن الحقول الدلالية.

2 ـ الأوزان الاشتقاقية: وهي حقول صرفية، تلاحظ في اللغة العربية بصورة أوضح ممّا في اللغات الأخرى، وتُصنّف الوحدات في هذا المجال بناءً على قرابة الكلمات في ضوء العلامات الصرفية التي تعد سمّة صورية ودلالية مشتركة بينها داخل الحقل الواحد.
وهذا النوع من الحقول موجود في اللغة العربية أكثر من غيرها من اللغات، فقد تدلّ صيغة "فعالة" ـ بكسر الفاء ـ على المهن والصنائع مثل : جزارة ـ سفانة ـ نجارة، في حين تدلّ صيغة "مفعل" على المكان مثل: مسبح ـ منزل ـ مربد(46).
وتنمّ الأوزان الاشتقاقية والبناء الصرفي للكلمات عن القرابة الدلالية التي تجمع الألفاظ في حقل معيّن، فالكلمات الفرنسية المنتهية بـ(RIE)، تشكّل نظاماً صورياً ودلالياً في ذات الحقل مثل، (BOUCHERIE)، (EPICERIE)، (Boulangerie)، (CREMERIE) فهي تدلّ جميعها على المكان، وتختلف عن بعضها في المادّة التي تباع فيه أو ما يقام فيه، وكذلك الكلمات المنتهية بـ(GIE) مثل (ANALOGIE)، (GEOLOGIE)، (BILOGIE)، (PSYCHOLOGIE)، فهي تشترك في أنها تتصّل فيما بينها في العلم، ويختلف كلّ علم عن الآخر في اختصاص معيّن.
فالمعيار الصرفي يدلّنا على العلاقة الموجودة بين الكلمات ذات التشابه في الصيغة الصرفية، غير أنَّه ليس ثمّة ما يدلّ على أنَّ هناك علاقة بين (COQ) ديك، و(POULE) دجاجة أو بين (HOMME)، رجل و(FEMME) امرأة، ويسمّي كانتينو (CANTINEAU)، هذه التقابلات بالتقابلات المعزولة(47).
3 ـ عناصر الكلام وتصنيفاتها النحوية.
4 ـ الحقول التركيبية: وتشمل مجموع الكلمات التي ترتبط فيما بينها عن طريق الاستعمال، ولكنّها لا تقع في الموقع النحوي نفسه، وكان "بورزيغ" (W.PORZIG) أوّل من درس هذه الحقول إذ اهتمّ بالكلمات الآتية:
كلب ـ نباح طعام ـ يُقدّم يرى ـ عين
فرس ـ صهيل يمشي ـ يَتقدّم يسمع ـ أذن
زهرة ـ تفتح ينتقل ـ سيارة أشقرـ شعر(48).
وواضح ممّا ذكر أنَّ العلاقة بين هذه الكلمات لا يمكن أن تكون مع غيرها، فنباح يطلق على الكلب فقط، بينما الصهيل لا يكون إلاَّ للفرس والحصان، ولعل هذا البحث ذو صلة بالتحليل المؤلفاتي لمعاني الألفاظ ولذلك لا يمكن أن تركّب كلمة سيارة، مع يسمع على أساس أنَّها فاعل ليسمع.
5 ـ الحقول المتدرجة الدلالة، وهي التي تكون فيها العلاقة متدرّجة بين الكلمات، فقد ترد من الأعلى إلى الأسفل، أو العكس أو تربط بين بناها قرابة دلالية، فجسم الإنسان كمفهوم عام يتجزّأ وينقسم إلى مفاهيم صغيرة (الرأس ـ الصدر ـ البطن ـ الأطراف العلوية ـ الأطراف السفلية)، ثمّ يتجزّأ كل منها إلى مفاهيم صغرى، فأصغر الأطراف العلوية مثلاً (اليد، الرسغ، الساعد، العضد)، واليد (الكف، الراح، الأصابع)، وهكذا...(49).


¡¡

¡ الهوامش:
(1)- Voir, Francis Vanoy, Expression et Communication, p: 35.
(2)- Voir, R. H. Robis , Linguistique générale, une Introduction, p: 70- 71.
(3)- Voir, Ibid, P.71.
(4)- Voir, Jacqeline Picoche, Précis de communication Francaisep: 44- 45.
(5) ـ ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص: 307.
(6) ـ ينظر المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، ص: 45.
(7) ـ ينظر محمد المبارك، المرجع السابق، ص: 311.
(8) ـ عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 28- 29.
(9) ـ ينظر: عمار شلواي، المرجع نفسه، ص 29.
(10)- Grand dictionnaire Encyclopédique, T: 10, P: 10193.
(11)- Voir, Ibid, T. 7. P.6884.
(12) ـ د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص: 79.
(13)- Claude Germain, Sémantique Fonctionnelle, p: 39.
(14)- Le Petit Robert, T: 1, P: 283.
(15)- Voir , C.Germain, Sémantique Fonctionnelle, P: 40
(16)- Voir. Ibid, P:40.
(17)- Voir. Ibid, P:41.
(18)- Voir. Ibid, P:42.

(19) ـ ينظر: د. عبد القادر الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص: 370.
(20)- J. Dubois, Dictionnaire de Linguistique, P: 83.
(21) ـ ينظر: د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص : 79.
(22) ـ د. أحمد مختار عمر، المرجع نفسه، ص: 79.
(23)- Voir. G. Mounin, Dictonnaire de Linguistique, p: 65.
(24) ـ ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 294.
(25) ـ فندريس، اللغة، ص: 333.
(26) ـ ينظر: د.كريم زكي حسام الدين، المرجع نفسه، ص: 294.
(27) ـ ينظر: د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 294.
(28) ـ ينظر: د.بلعيد صالح، مصادر اللغة، ص: 104.
(29) ـ ينظر: أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 302.
(30) ـ ينظر: أحمد محمد قدور، المرجع نفسه، ص: 302.
(31) ـ ينظر: د.بلعيد صالح، المرجع السابق، ص: 104.
(32)- Voir, R.H.Robinson, Linguistiquegénérale, Une introduction: p.71- 71.
(33) ـ ينظر: د. أحمد مختار عمر، المرجع السابق،ص: 80.
(34)- Voir, Francis Vanoy , Expression Et Communiction . P: 30.
(35) ـ ينظر: د. أحمد مختار عمر، المرجع السابق،ص: 80.
(36) ـ ينظر: د. أحمد محمد قدور، المرجع السابق، ص: 305.
(37) ـ ينظر: د.ريمون طحان، الألسنية العربية، ص: 93.
(38) ـ ينظر: د.ريمون طحان، المرجع نفسه، ص: 14.
(39) ـ ينظر: د.نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر، ص: 149.
(40) ـ ينظر: د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص: 96، وينظر: د.نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر، ص: 150.
(41) ـ ينظر: د.عبد القادر الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية
(42) ـ ينظر: د.نور الهدى لوشن، المرجع السابق، ص: 149.
(43) ـ ينظر: د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة،ص: 87.
(44) ـ ينظر: د.أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 303.
(45) ـ ينظر: عمار شلواي، درعيات أبي العلاء،ص: 34.
(46) ـ ينظر: شاكر سالم، مدخل إلى علم الدلالة، ترجمة: محمد يحياتن، ص: 46.

(47) ـ ينظر، شاكر سالم، المرجع نفسه، ص: 46.
(48) ـ ينظر: د.أحمد عمر مختار، علم الدلالة، ص: 80- 81.
(49) ـ ينظر: د.ريمون طحان، الألسنية العربية، ص: 96- 97.



¾¡¾




الفصل الثانينظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي


عندما نؤرّخ لنظرية الحقول الدلالية العربية، فإنّنا لا نجد في التراث اللغوي العربي ما يشير من بعيد أو قريب إلى المصطلح، والذي يذكر بالضرورة هو أنَّ اللغويين العرب القدماء تفطّنوا تطبيقاً وممارسةً في وقت مبكر إلى فكرة الحقول.
وهو أمر لا مجال لإنكاره أو إغفاله، على الرغم من أنَّهم لم يعرفوا النظرية بالمفهوم المتداول عند الدارسين العرب أو الغربيين في العصر الحديث.
ويعود ذلك إلى "أنَّ منهج تصنيف المدلولات حسب الحقول الدلالية صار أكثر المناهج حداثةً في علم المعاني، لأنَّه يتجاوز تحديد البنية الداخلية لمدلول الكلمات بكشفه عن بنية تؤكّد القرابة الدلالية بين مدلولات عدد منها"(1).
فقد عرف علماء اللغة القدامى الحقول الدلالية انطلاقاً من اللغة نفسها إذ تضمّنت تصنيفاً شاملاً لألفاظها منذ العصر الجاهلي إلى ظهور الإسلام، فالدارس يلفي ما يدلّ على تصنيف الموجودات بمجموعها كالعالم ـ بفتح اللام ـ والعالمين، ويشتمل على الخلق كلّه، والتقسيم للوجود إلى ما يدلّ على الحسّ والشهادة والرؤية والملموس، وماهو مغيّب عن الحسّ، ويجد ألفاظاً تدلّ على الوجود والعدم والمكان والزمان والدهر والأبد والأزل.
ومنها ما يدلّ على أنواع الموجودات كالنبات والحيوان، وللحيوان أنواع منها الإنسان والوحوش والطير، وأنواع أخرى فيما عدا الإنسان من السباع والهوام والسوام والحشرات والجوارح والبغات، وضمّ هذا التصنيف الأخلاق والمشاعر مثل المكارم والمثالب والمحاسن والمساوئ والفرح والحزن(2).
ويدلّ هذا التصنيف الذي يدعو إلى الدهشة والإعجاب على المستوى الفكري الذي بلغته العقلية العربية، والتي قلّما وصلت إليها الأمم في مثل هذا الطور المبكّر من تاريخ حياتها(3)، على الفهم لمفردات لغتها التي توحي للباحث بمعرفتهم بالحقول الدلالية والعلاقة الموجودة بينها والاتّصال القائم بينها.
وفكرة التصنيف عينها قديمة في التأليف العربي، إذ نلفي الجاحظ يشير إلى جانب منها في كتابه "الحيوان"، حين صنّف الموجودات الرئيسية في الكون قائلاً: "إنّ العالم بما فيه من الأجسام على ثلاثة أنحاء: متّفق، ومختلف، ومتضادّ، وكلّها في جملة القول: جماد ونام.. ثمَّ النامي على قسمين: حيوان، ونبات، والحيوان على أربعة أقسام: شيء يمشي، وشيء يطير، وشيء يسبح، وشيء ينساح، إلاَّ أنَّ كلّ طائر يمشي، وليس الذي يمشي، ولا يطير يسمّى طائراً. والنوع الذي يمشي على أربعة أقسام: ناس، وبهائم، وسباع وحشرات"(4).
والجاحظ بهذه الإشارة موفّق في التحليل التكويني أو السيمي للمعنى الذي أصبح منهجاً متداولاً لدى كثير من الباحثين.
ولا ريب في أنَّ اللغويين العرب القدامى حينما جمعوا اللغة من مصادرها الأصلية، ومنابعها الصافية، وتمييزهم بين أرباب الفصاحة، وانتهائهم من البحث الميداني، غلبت عليهم نزعة التصنيف والتنظيم والتبويب، فأخذ كلّ عالم يجمع مادّته في الموضوع الذي يودّ التصنيف فيه(5).
وهو التأليف الخاص الذي يعنى بالحذق الشامل والإدراك لمختلف صوره؛ لأنَّ العامَّة لا يعنيهم من اللغة إلاَّ القدر الضئيل الذي عليه يعيشون، وبه يتفاهمون(6). وهي جهود تبيّن أنَّ العرب كانوا سبّاقين إلى تصنيف المفردات بحسب المعاني أو الموضوعات.
وتوّجت مرحلة التجميع للألفاظ العربية، بالخطوة الأولى لهذا التصنيف وهي مرحلة الرسائل الكثيرة التي احتوت كلّ واحدة منها على ألفاظ خاصة في مجموعات دلالية صغيرة تتعلّق كلّ منها بموضوع مفرد في موضع مفرد، وهي رسائل من صميم الحقول الدلالية، وإن لم يشر القدماء إلى المصطلح.
وتشكّل رسائل "اللبن" و"المطر لأبي زيد الأنصاري(7)، و"النبات" و"الشجر" و"خلق الإنسان" للأصمعي (ت 216هـ)، و"الخيل" لأبي عبيدة معمر بن المثنّى(9)، أهمّ الأعمال التي طبعت مرحلة تدوين اللغة، فكانت اللبنة الأولى لمعاجم العربية كما عرفت فيما بعد(10).
بالإضافة إلى رسائل في "النخل" و"الكرم"، و"الشاء"، و"الإبل" وأسماء "الوحوش"، و"الخيل"، و"النبات"، و"الشجر"، و"النبات" لأبي حنيفة الدينوري.
وكتب أبو عبيد القاسم (ت 224هـ)، عن "الغنم" (النعم)، و"البهائم"، و"السباع" و"الطير"، و"الهوام"، و"حشرات الأرض"، واشتهر ابن السكيت (ت244هـ)، في هذا اللون من التأليف.
كما اشتهر ـ أيضاً ـ أبو حاتم السجستاني (ت248هـ)، وابن خالويه وكتب أحمد بن وتد (ت299هـ)، عن "النبات والأنواء"، وألّف ابن دريد (ت321هـ)، في "السرج"، و"اللجام"، و" المطر" و"السحاب"، والزجاج (ت 415هـ)، وعبد الله بن سعيد الخوافي (ت480هـ)، ومن المتأخّرين الصاغاني (ت659هـ)، وشرف الدين علي بن يوسف بن حيدرة الطبيب (ت 667هـ)، (11).
ويقال إنَّ أوَّل من ألّف في الحيوان هو أبو خيّرة الأعرابي، إذ أخذ عنه أبو عمرو بن العلاء، ثمَّ أبو عمرو الشيباني، فكتب عن النخل والعسل، كما كتب أبو عبيد عن الحّيات والعقارب، وألّف في ـ الخيل ـ خاصة ـ أبو مالك عمرو بن كركرة، والنضر بن الشميل (ت204هـ)، وهشام الكلبي (ت 204هـ)، والأصمعي(12).
وتتابعت الرسائل الموضوعية فعمدت بعضها إلى التصنيف الصرفي، وكثرت الرسائل اللغوية في الإبدال والأبنية ليونس بن حبيب، وابن مرار الشيباني كرسائل الهمز والأبنية نحو (فعلت) و(أفعلت)، وألّف في هذه المواضيع الفرّاء أيضاً.
وتطوّرت الرسائل إلى التفريع الصرفي المبني على الأصوات الذي أضحى في ضوء النظرية الدلالية مقياساً يعوّل عليه في توزيع النظام اللساني إلى مجموعات متميّزة، تكوّن في مجملها نسقاً أو شبكة ا لعلاقات لهذا النظام.
وتبنّى منذ القديم كثير من الباحثين هذا المقياس، فوظّفوه في تصنيف الحقول الدلالية انطلاقاً من بنية صرفية صوتية تعدّ نواة لتشكيل نظام الكلمة، وهو الأمر الذي جعل بعضهم يفرد كتباً لأنواع هذه الحقول نحو(المقصور والممدود) لـ(ابن دريد) (ت321هـ)، فضّمنه مجموعات فرعية قائمة على التقابل الصرفي الصوتي، ويمكن توضيح ذلك بالشكل الآتي:

ـ ما يفتح أوّله فيقصر ويمد والمعنى مختلف.
ـ ما يكسر أوّله فيقصر ويمدّ والمعنى مختلف.
حقل المقصور والممدود ـ ما يكسر أوّله فيقصر ويفتح ويمدّ والمعنى واحد.
ـ ما يضمّ أوّله فيقصر ويكسر فيمدّ والمعنى واحد.
ـ ما يفتح أوّله فيقصر ويكسر فيمدّ والمعنى واحد(13).

وظهرت رسائل البلدان والمواضع كجبال العرب لـ(خلف الأحمر)، ومنازل العرب لـ(ابن المطرّف)، والبلدان لـ(ابن هشام الكلبي)، فبهذه الأعمال يكون العرب قد بلغوا في هذا الميدان الغاية والمبتغى والقصد(14).
"ويلاحظ أنَّ التصنيف الدلالي توسّع في اتّجاه آخر، إذ وجد بعض اللغويين حاجة المتأدبين إلى انتقاء ألفاظ معيّنة لمعان محدّدة تحديداً دقيقاً، فكان من ذلك كتب متعدّدة مثل (جواهر الألفاظ)، لـ(قدامة بن جعفر)، و(سحر البلاغة وسرّ البراعة) لـ(الثعالبي) وغير ذلك".(15).
وتعدّ كتب الحشرات ولى أولى الرسائل من حيث الظهور، والظاهر أنَّهُ التفت إليها اللغويون وألّفوا فيها بسبب تأثّرهم بالمفسّرين الذين تطرّقوا إلى أنواعها لأنَّ القرآن الكريم أشار إلى طائفة منها مثل النحل، والنمل، والذباب، والعنكبوت، والجراد والبعوض...(16).
والثابت أنَّ معاجم المعاني أو الموضوعات التي تنطلق من "ماهية الفكر إلى المفردات، أو ترصد التسميات المختلفة التي تنطبق على مفهوم معيّن أو على منظومة من المفاهيم ترتبط ببعضها البعض بوحدة الحال"(17). أي أنّها "ترتّب الألفاظ في مجموعات تنضوي كلّ منها تحت فكرة واحدة، فالأسرة كفكرة، أو محور عام، يجد فيه الباحث جميع الألفاظ الدالّة على الأقارب سلفاً كانوا أم أنداداً، أم خلفاً، وهذا بطبيعة الحال يسهّل مهمّته ويساعده في البحث عن مطلبه والحصول عليه في أسرع وقت ممكن"(18).
وكانت نتيجة مرحلة الرسائل الدلالية ذات الموضوعات المفردة، أن سعى بعض اللغويين إلى ضمّها إلى معاجم مع الإبقاء على التصنيف الدلالي، كـ(الغريب المصنف) لـ(أبي عبيد القاسم بن سلاّم الهروي)(ت224هـ)(19)، و(كتاب الألفاظ)، لـ(ابن السكيت)(ت224هـ)(20)، و(مبادئ اللغة للإسكافي)(ت421هـ)، و(فقه اللغة وأسرار العربية) لـ(الثعالبي) (ت429هـ)، و(نظام الغريب في اللغة)، لـ(الربيعي) (ت480هـ)،(21) و(المخصّص) لـ(ابن سيده) (ت485هـ)، و(كفاية المتحفّظ ونهاية المتلفّظ في اللغة العربية)، لـ(ابن الأجدابي) (ت600هـ)(22).
ويصرف (الهمذاني) (ت 320هـ)(23) في كتابه "الألفاظ الكتابية" همّه إلى انتقاء تعبيرات، بعضها جمل كاملة، مرتّبة بحسب الموضوعات لإمداد الكتّاب بها ومساعدتهم فيما يكتبون، ولا سيّما كتّاب الدواوين الذين يحتاجون إلى أساليب فصيحة يضعونها في خطاباتهم(24).
ولا ريب في أنّ عمل اللغويين العرب القدامى يختلف عن مثيله لدى الأوربيين في العصر الحديث، لأسباب أهمّها الزمان وتوسّع آفاق الدرس وعمق تقنياته ومناهجه، وليس في هذا ضير يلحق بهم، إذ كانوا في عصرهم سبّاقين مبتكرين، وما زال في آثارهم كثير من الأفكار الرائدة التي تحتاج من أجيال الأمّة العربية دراستها والدعاية لها حتّى تصل إلى حلقات الدرس اللساني المعاصر(25)، وتوضيحها للّذي لم يتمكّن من الاطلاّع على تراثهم في أصله، وذلك بترجمته ونقل معارفهم بأنفسهم إلى غيرهم من الأمم حتّى لا يصيبها التشويه، وتكون إنتاجاتهم المعرفية بين غيرهم ويشعرون بمساهمتهم في الثقافة الإنسانية.
ولا يمكن القول إنّ التأليف العام المتعلّق بالمعاجم المختلفة كـ "العين" للخليل ابن أحمد الفراهيدي لم يبدأ إلاّ حين انتهى التأليف الخاص بالرسائل، ولكن ما يمكن الإشارة إليه هو أنّ تلك المرحلة الخاصّة سبقت المرحلة العامّة في التفكير أوّلاً ثمّ في التأليف ثانياً.
ولا يمكن اعتبار التدوين الخاص معاصراً للتدوين العام وكأنّهما نشأا معاً، لأنّ ما وصلنا من ذلك التراث في هذا أو ذاك، ضاع منه كثير من المؤلّفات، ولا ننسى أنّ التأليف الخاص كان في عصر الرواية، حتّى إذا جاء عصر التدوين، أخذ التأليف المعجمي العام طريقه ابتلع من هذا التأليف الخاص ما ابتلع، وعوق أكثره عن أن يأخذ وجوده المستقل.
وحين نشأ التأليف العام، نشا متأثّراً بهذه الخصوصية، فلم تخضع تلك المعاجم العامة للمنهج اللفظي، أي الترتيب الأبجدي الذي يعدّ مفتاحها الطبيعي، ثمّ من ناحية أخرى وما يجب أن يتّصف به كلّ ما هو عام يفيد العامّة في يسر، إذ خضعت تلك المعاجم لمناهج خاصة ذات أسلوب عقلي يستلزم جهداً خاصاً هو للخاصة"(26).
ونظراً لأهمّية المعاجم المتخصّصة في تأسيس نظرية الحقول الدلالية عند العرب، نعطي أمثلة ممّا ألّف في مجال "خلق الإنسان" وهي:
1- كتاب خلق الإنسان للأصمعي (ت216هـ).
2- كتاب خلق الإنسان لثابت بن أبي ثابت (ت 270هـ).
3- خلق الإنسان للزجاج (ت310هـ).
4- مقالة في أسماء أعضاء الإنسان لأحمد بن فارس (ت 395هـ).
5- كتاب خلق الإنسان للإسكافي (ت 421هـ) –مخطوط (27).
كتاب خلق الإنسان للأصمعي:
هو أوّل كتاب يصل متكاملاً في هذا الموضوع، وهو يضمّ الحمل والولادة، وأعمار الإنسان، أسماء جماعة الخلق، جسم الإنسان وتسمية كل الأعضاء، الرأس، العنق، الكتف، الظهر، القلب، الصدر، البطن، اليد، الرجل، أعضاء التناسل عند الرجل والمرأة، وأوصاف عامة عن كلّ منهما.
وممّا تميّز به هذا الكتاب هو عناية الأصمعي بالوصف التشريحي لجسم الإنسان من الخارج ومن الداخل على السواء، وإشارته إلى وظائف هذه الأعضاء، وأدقّ خصائصها، وعيوبها وأمراضها وطرق مداواتها.
ويعتمد في كتابه على إيراد الكلمات الخاصّة بكلّ عضو دون ترتيب، وذكر كلّ معنى على حدة، كما يكرّر أحياناً عن طريق ذكر شيء ثمّ الاستطراد إلى شيء آخر ثمّ العودة إليه مرّة أخرى وهكذا.
والأصمعي مبدع في هذا التأليف، إذ جمع مفرداته وعرف معانيها من الأعراب والبادية، وإن كان لا يسجّل الإحالات، اللهمّ إلاّ الاستشهاد بالشّعراء والرجّاز وممن يحتج بلغته(28)، فكان بحثه أصيلاً.
ويعدّ كتاب الأصمعي مصدراً لغوياً مهمّاً، استقى منه العلماء الذين ألّفوا في الموضوع نفسه، فمنهم من أشار إلى إفادته منه، ومنهم من نقل عنه دون توثيق يذكر.
وألّف ثابت بن أبي ثابت كتاباً على منوال الأصمعي في "خلق الإنسان"، فخطا خطوات جيّدة تمثّلت في التنسيق والتبويب وكثرة الشواهد ومناقشتها، وتفوّق في تأليفه بإيراد آراء علماء اللغة والنحو والصرف على خلاف الأصمعي الذي كان يهمّه المعنى أكثر من أيّ شيء آخر.
ولاحظت "وجيهة السطل" تشابهاً كبيراً بين كتاب الأصمعي وكتاب ثابت الذي رجحت أنّه نقله عن الأصمعي دون الإشارة إليه(29).
أمّا الزجاج فقسّم مؤلّفه على أبواب وهي:
- باب كلّ عضو ومن تحدّث عنه.
- باب في صفات هذا العضو أو ذاك.
والملاحظ أنّه نقل عن الأصمعي وثابت فيما يتعلّق بالمادّة اللغوية، وطريقة عرضها أو منهجها، إلاّ أنّه حذف الحمل والولادة وأسماء الإنسان في مختلف مراحل عمره(30).
والتطوّر الذي طرأ على التأليف في "خلق الإنسان" واضح وجليّ، فعلى حين يخلط الأصمعي بين الحديث التشريحي حول الأعضاء وصفاتها، يخصّص ثابت أبواباً من كتابه لصفات بعض الأعضاء، ولمّا كان الزجّاج متأخراً عنهما، لجأ إلى تنسيق أفضل حيث تحدّث عن كلّ عضو في باب ثمّ عن صفاته في باب آخر(31).
أمّا مقالة أحمد بن فارس في أسماء أعضاء الإنسان فهي صغيرة الحجم، ولا تتعدّى عشر ورقات، وعن سبب تأليفها يقول في مقدّمتها: "إنّه ألّف فيما ينبغي على المرء حفظه من خلق الإنسان، حتّى لا يشكو من وجع يعتريه في عضو من أعضائه، ولا يعرف اسمه"(32).
واتّبع ترتيب سابقيه فبدأ من الرأس، وعرّج على أعضاء التناسل عند الرجل والمرأة، ثمّ ذكر أسماء الشخص عامّة، وموجز رحلة العمر البشرية بقولـه: "يكون ابن آدم طفلاً رضيعاً، ثمّ فطيماً، ثمّ يافعاً"، وينهي مقالته قائلاً: "هذا أوجز ما يقال في خلق الإنسان"(33).
ولاحظت وجيهة السطل أنّ أحمد بن فارس أهمل ذكر بعض الصفات فقط، وأرجعت ذلك إلى الإيجاز الذي اعتمده، ممّا جعل مقالته تخلو من أيّ شاهد أو استطراد لغوي أو أيّ اسم لغوي آخر(34).
وألّف الإسكافي –أيضاً- كتاباً في "خلق الإنسان"، وبدأه بمرحلة ولادة الولد، فسمّى مراحل طفولته المبكّرة، وتابع سلسلة أسماء الإنسان مع تدرّجه في السنّ ونموّه، ووقف عند مرحلة الشيب وقفة لغوية، وعرض لجسم الإنسان عرضاً تشريحياً عضوياً مفصلاً، بادئاً بالرأس ومنتهياً بالقدمين، وخصّص في الأخير باباً للحمل والولادة.
وما تميّز به الكتاب هو التنظيم والأسلوب المتماسك المفضي بعضه إلى بعض دون تكلّف أو عناء.
وعلى الرغم من وحدة الموضوع واللغة والمعاني إلاّ أنّ الإسكافي يتميّز عن متقدّميه بذكر مرادف اللفظ وشرحه التفصيلي، وأورد أسماء العضو المتحدّث عنه أوّلاً، ثمّ تحدّث عنه من الناحية التشريحية، وصفاته وعيوبه(35).
ومن التعريفات الغريبة في هذا المجال: "البكر: التي لم تتزوّج، والبكر التي ولدت ولدا واحداً"، وهو يندرج ضمن المشترك اللفظي الذي تتعدّد فيه معاني الكلمة الواحدة.
وإذا كان الإسكافي قد تأثّر بسابقيه فإنّه لم يراع الروح العلمية لأنّه غمط حقّهم ولم يشر إليهم بإحالة أو ذكر.
من المعاجم المرتّبة على أبواب المعاني أو الحقول الدلالية: "كتاب الألفاظ لابن السكيت" (ت 244هـ)، إذ ذكر فيه باب الغنى والخصب، وباب الفقر والجدب، وباب الجماعة وهكذا، وهو من أهمّ الكتب التي وصلتنا، ويحتوي على مائة وخمسين(150) باباً، ضمّت كلّ واحدة الألفاظ ذات الصلة بالموضوع عينه. مثل باب في الطول، وباب في القصر، وباب في الجوع(36).
وهو ثروة لغوية هامة جعلته يصنّف ضمن مصادر اللغة، وأضاف إليه التبريزي(502هـ) بعض الإضافات وسمّاه "تهذيب الألفاظ".
ويرى محمد حسين آل ياسين أنّ ابن السكيت لم يخرج عن المألوف في أسسه المنهجية، بل لم تكن له شخصية واضحة، ذلك أنّه حين يستشهد بالشعراء لم يخرج عن الطبقات الثلاثة الأولى:
- الجاهليين مثل امرئ القيس والأعشى.
- المخضرمين مثل الحطيئة وحسان بن ثابت.
- والإسلاميين مثل الأخطل وابن هرمة(37).
وروى عن لغويي المدرسة البصرية مثل يونس وأبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد، والكوفية مثل الكسائي والفّراء وأبي عمرو الشيباني وابن الأعرابي، وسجّل ما روي عن أعراب فصحاء، واستشهد بأمثال العرب، ونسب بعض الألفاظ والاستعمالات إلى لغات القبائل العربية مثل بني أسد، وأهل الحجاز، وبني العنبر، كما استشهد بالحديث الشريف أحياناً(38).
ونشره الأب لويس شيخو في بيروت، وطبعه الطبعة الأولى سنة 1895م، وضمّ إلى حواشيه شرح التبريزي المسمّى "تهذيب الألفاظ"، كما أردف في الصلب بعض زيادات التبريزي وسمّى عمله "كنز الألفاظ"، ثمّ طبعه مرّة أخرى، وأفرد الصلب وحده مع بعض الزيادات وسمّى عمله "مختصر الألفاظ" ونشره سنة 1897.
وكان عمل ابن السكيت فتحاً جديداً لكلّ اللغويين الذين جاؤوا بعده، والذين اهتمّوا بالظاهرة نفسها، فنسج على منواله ابن قتيبة "أدب الكاتب"، وعبد الرحمن ابن عيسى الهمذاني الذي ألّف "الألفاظ الكتابية" على أبواب المعاني، واقتفى أثرهم الثعالبي (ت429هـ) في فقه اللغة وأسرار العربية"، ووصلت الظاهرة إلى قمّتها في المخصّص لابن سيده (ت485هت)(39).
ومن الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها من كتاب فقه اللغة للثعالبي في مجال الحقول الدلالية ما أفرده لألوان الإبل فهو يقول:
"إذا لم يخالط حمرةَ البعير شيء فهو أحمر، فإن خالطها السوادُ فهو أرمك، فإن كان أسود يخالط سوادَه بياضُ كدخان الرمت فهو أورق، فإن اشتدّ سواده فهو جون، فإن كان أبيض فهو آدم، فإن خالطت بياضَه حمرة فهو أصهب، فإن خالطت بياضه شقرة فهو أعيس، فإن خالطت حمرته صفرة وسواد فهو أحوى، فإن كان أحمر يخالط حمرته سواد فهو أكلف"(40).
ويلاحظ في النصّ وجود حقلين وهما:
- الأوّل: رئيسي وهو خاص بالألوان المطلقة كالسواد والبياض ونحوهما.
- والثاني: فرعي خاص بألوان الإبل دون سواها(41).
والشكل الآتي يوضّح ما سبق:

المخصّص لابن سيده
يعدّ المخصّص أشمل وأضخم معجم متوّج لمرحلة الرسائل، ومعاجم الموضوعات التي سبقته، وهو مرتّب بحسب المعاني، متضمّن الحقول الدلالية في أرقى مناهجها وتصنيفاتها، وله أهمّية خاصة لوفرة مادّته، وإحكام بنائه ونضج منهجه ووحدته.
ويتألّف من كتب تندرج فيها أبواب، وتحمل –أحياناً- الأسماء نفسها التي عرفت بها المفردات القديمة، وتتمحور حول خمسة موضوعات وهي:
- وجود الإنسان ومظاهره.
- الحيوانات.
- الطبيعة بعامّة.
- الإنسان في المجتمع.
- المسائل النحوية والصرفية(42).
وجمع ابن سيده بعض المحاور الرئيسية المختلفة من حيث الطول ووفرة المادّة، وسار على أساس التدرّج المعتمد على المنطق والعقل، وأوضح ذلك قائلاً:
"فأمّا فضائل هذا الكتاب، من قبل كيفية وضعه، فمنها تقديم الأعمّ فالأعمّ على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليّات قبل الجزئيات والابتداء بالجواهر والتقنية بالأعراض، على ما يستحقّه من التقديم والتأخير، وتقديمنا كمّ على كيف، وشدّة المحافظة على التقييد والتحليل..."(43).
ووفّق ابن سيده إلى حدّ كبير في إتقان معجمه وإحكامه على الرغم من ضخامة المادّة اللغوية المجموعة فيه، وذلك حين اتّخذ من الإنسان محور معجمه الأوّل، ومركز التنسيق فيه، فأدار حوله وبكيفية منطقية متدرّجة مختلف الموضوعات المرتبطة به، وساير حياته خطوة خطوة من المهد أو ما قبله، ودرس نشاطاته الاجتماعية والفكرية والدينية والمادية، وهذا ما جعل عمل ابن سيده مثيراً لإعجاب معاصريه واللغويين الذين جاؤوا بعده(44).
وصرّح ابن سيده بمثل هذا في مقدّمة معجمه قائلاً: "لمّا وضعت كتابي الموسوم "بالمحكم" مجنّساً لأدلّ الباحث على مظنّة الكلمة المطلوبة. أردت أن أعدل به كتاباً أضعه مبوّباً، حين رأيت ذلك أجدى على الفصيح المدره، والبليغ المفوّه، والخطيب المصقع، والشاعر المجيد المدقع، فإنّه إذا كانت للمسمّى أسماء كثيرة وللموصوف أوصاف عديدة، تنقّى الخطيب والشاعر منهما ما شاءا، واتّسعا فيما يحتاجان إليه، من سجع أو قافية، على مثال ما نجده نحن في الجواهر المحسوسة، كالبساتين تجمع أنواع الرياحين، فإذا دخلها الإنسان أهوت يده إلى ما استحسنته حاسّتا نظره وشمّه"(45).
والذي يتتبّع أبواب هذا المعجم وفصوله يدرك التشابه بينه وبين المعجمات الموضوعية الحديثة المؤسّسة على نظرية الحقول الدلالية، على الرغم من الفارق الزمني الذي يفصل بين العملين.
مع العلم أنّ هذا النوع من المعاجم لم يظهر في أوربا إلاّ بعدما نشر روجيه (ROGET) معجمه (THESAURUS OF ENGLISH WORDS AND PHRASES) الذي طبع لأوّل مرّة سنة 1852، وكذلك معجم الكلمات المتناظرة في الفرنسية لبواسيير (BOISSIERE).
ومن الحقول الدلالية التي احتواها حقل الإنسان: فرع الحمل والولادة، وما يخرج من الولد، الرضاع والفطام، والغذاء، وسائر ضروب التربية، الغذاء السيّئ للولد...(46).
ونجد الأصول الرائدة للتفريع المبني على الصيغ الصرفية عند ابن سيده في كتابه "المخصص" الذي يعدّ معجماً للحقول الدلالية دون منافس في التراث اللغوي العربي، وهو الكتاب الذي يضمّ في ثناياه زخماً كثيفاً من الحقول المصنّفة وفق مقاييس متنوعة منها: تفريع الكلمات من حيث العلامات الصوتية فأفرد له قسماً هاماً، وهو يتنوع بتنوّع الأبنية المحورية للتفريع، ومن ذاك حقل خاص بالثنائية /فُعلٌ وفَعَلٌ/ الذي يمكن توضيحه بالشكل الآتي:

وتأتي كتب الفروق نموذجاً لمعاجم المعاني أو الموضوعات وقد حوت تصنيفاً للحقول الدلالية، ولكن لم يبق منها إلاّ بعضها مثل كتاب قطرب (206)م وآخر للأصمعي(50).
وسمّى قطرب كتابه "الفروق"، ما خالف فيه الإنسان البهيمة في أسماء الوحوش وصفاتها، وعلى الرغم من أن الكتاب يحمل عنوان الإنسان إلا أنّه لم يتكلّم عنه، وتحدّث عن أسماء الحيوان؛ وأسماء الجماعات وأصواتها.
والفروق تعني اختلاف الألفاظ وحدة المسميات بين نوع من المخلوقات ونوع آخر، أو بين فصائل النوع الواحد –أحياناً- مثل إطلاق الشفة للإنسان، المشفر لذوات الخف، المجفلة لذوات الحافر، والمقمة والمرمة لذوات الظلف، والفنطسة للخنزير خاصة.
أما الأصمعي فجاء تقسيم كتابه على ثلاثة وعشرين باباً، عرض فيه لما هو خاص بالذكر وما هو خاص بالأنثى، يليه المخاط فالبصاق فالعرق فالجلوس، والتغوّط، ثم الغلمة والنكاح، فالحمل والولادة، ثم أسماء الأولاد، فأسماء الجماعات وأخيراً الأصوات(51).
ولا نبالغ إذا قلنا إنّ الحقول الدلالية قد تجلّت –أيضاً- في كتاب "الزّينة" لأبي حاتم السجستاني (ت248هـ) الذي انفرد بمنهج مميّز في درس اللغة؛ واتّسم بالمعالجة التاريخية للألفاظ، وتتبّع اللفظ وتطوّر دلالته من العصر الجاهلي إلى الإسلامي وما أضفاه الإسلام من معان جديدة على الألفاظ، واضعاً بذلك لبنة المعجم التاريخي لألفاظ العربية، واقتصرها على جانب واحد من مفردات اللغة الخاصة بألفاظ الحياة الدينية؛ ودعا إلى بحثها بحثاً يلتزم بمجالاتها الدلالية أو قطاعاتها المختلفة، فكلّ مجال أو قطاع أو حقل لغويّ على حدة يحدّد دلالة كلّ كلمة تحديداً أدقّ.
وكان أبو حاتم قريب المنحى من بعض النظريات التي عرفها البحث اللغوي المعاصر كنظرية السياق أو نظرية المقام.
وسمّى كتابه "الزينة" لأنّ الذي كان يعرفه، يتزيّن به في المحافل، ويكون منقبة له عند أهل المعرفة، ولعلّ أكثر الناس عقلوا عن الواجب عليهم في تعليمها، واللازم في معرفتها(52).
وكان الهدف من تأليف الرسائل التي تطوّرت إلى معاجم المعاني تعليمياً بالمعنى الواسع للمصطلح، لأنّها تعتبر أداة تمدّ الكاتب بالكلمات التي يراها أكثر ملاءمة من غيرها لعرض أفكاره في دقّة وأناقة حول موضوع معين(53)، فهي تساعده على اختيار وانتقاء ما يناسب أفكاره من كلمات للتعبير بها عمّا يختلج في صدره.
وليس غريباً أن نجد مؤلّفي المعاجم يصرّحون بهذا الهدف التعليمي، لما شعروا به من مسؤولية اتّجاه اللغة العربية، واتّجاه الأجيال لتعلّمها وتعليمها، وهي الغاية التي دفعت كلّ واحد إلى المساهمة بحبّة حصاة في بناء صرح علوم العربية وبالتالي بناء المعارف والعلوم في الحضارة العربية الإسلامية.
فالهمذاني (ت320هـ) في مقدمة كتابه "الألفاظ الكتابية" يقول: "ووجدت من المتأخّرين في الآلة قوماً أخطأهم الاتّساع في الكلام، فهم متعلّقون في مخاطباتهم وكتبهم باللفظة الغريبة والحرف الشاذ، ليتميّزوا بذلك من العامّة ويرتفعوا عند الأغبياء عن طبقة الحشو. والخرس والبكم أحسن من النطق في هذا المذهب الذي تذهب إليه هذه الطائفة في الخطاب.
وألفيت آخرين قد توجّهوا بعض التوجّه، وعلوا عن هذه الطبقة، غير أنّهم يمزجون ألفاظاً يسيرة –قد حفظوها من ألفاظ كتاب الرسائل- بألفاظ كثيرة سخيفة من ألفاظ كتاب العامة، استعانة بها، وضرورة إليها، لخفّة بضاعتهم، ولا يستطيعون تغيير معنى بغير لفظه لضيق وسعهم، فالتكلّف والاختلال ظاهران في كتبهم ومحاوراتهم، إذ كانوا يؤلفون بين الدرّة والبعرة في نظامهم.
فجمعت في كتابي هذا لجميع الطبقات أجناساً، من ألفاظ كتّاب الرسائل والدواوين، البعيدة، من الاشتباه والالتباس، السليمة من التقعير، المحمولة على الاستعارة والتّلويح، على مذاهب الكتّاب وأهل الخطابة –دون مذاهب المتشدّقين والمتفاصحين، من المتأدبين والمؤدّبين المتكلفين البعيدة المرام، على قربها من الأفهام، في كل فنّ من فنون المخاطبات، ملتقطة من كتب الرسائل، وأفواه الرجال، وعرصات الدواوين، ومحافل الرؤساء، ومتخيّرة الألفاظ من بطون الدّفاتر، ومصنّفات العلماء، فليست لفظة منها إلاّ وهي تنوب عن أختها في موضعها من المكاتبة، أو تقوم مقامها في المحاورة: إما بمشاكلة أو بمجانسة أو بمجاورة. فإذا عرفها العارف بها وبأماكنها التي توضع فيها كانت له مادة قوية وعوناً وظهيراً"(54).
فمنهج الهمذاني في النص واضح وكذا الغرض التعليمي الذي من أجله ألّف كتابه، وهو الوصول إلى معرفة المعنى الدقيق للفظ ومكان وضعه، ومرادفه حتى يحسن الكاتب التعبير عن أفكاره وأحاسيسه.
ونال كتاب الهمذاني حظوة كبيرة بين علماء اللغة مثلما عبّر عن ذلك ألوسي زيادة في مقدمته: "هذا الكتاب الجليل الذي ليس له في باب مثيل، يحتاج إليه كل كاتب نبيل، أو أديب يطلب التفنّن في الأقاويل"(55).
وما يلاحظ هو أن اللغويين اتّجهوا إلى جمع اللغة من البادية وتحديد معانيها على غرار ما فعل المحدّثون والفقهاء حين اتّجهوا إلى جمع الحديث وفتاوي الصحابة والتابعين يدوّنونه منذ السنوات الأولى من الإسلام ودراسة الحديث وحفظه ثمّ بدأت حركة التدوين بشكل منظّم في القرن الثاني للهجرة.
واتّبع اللغويون نمط المحدّثين في تجريح الرجال وتعديلهم متأثّرين بعلماء الحديث فعدلّوا الخليل بن أحمد، وأبا عمرو بن العلاء، وجرّحوا قطربا، الذي قال فيه ابن السكيت: "كتبت عنه قمطراً ثمّ تبيّنت أنه يكذب في اللغة، فلم أذكر عنه شيئاً"(56).
ووضع اللغويون شروط منهجهم لأخذ اللغة عن الرواة والأعراب مثل العدل، ووضعوا شروط الأخذ السليم حتّى تكون حجّة تعتمد في تفسير التراث العربي سواء كان حديثاً أو شعراً أو نثراً مثل ذكر السند "لأنّ الجهل بالناقل يوجب الجهل بالعدالة"(57).
ويعدّ العدل السمة الأساسية التي ينبغي أن تتوافر في ناقل الحديث الصحيح، وسبب جعل رواية اللغة في مرتبة واحدة من الأهميّة مثل رواية الحديث، هو أنّ اللغة وسيلة لا غنى عنها في تفسيره وتحليله وتأويله، فإذا لم يتوافر عنصر الصدق والأمانة في حامل اللغة سقطت قيمة ما يؤخذ عنه، وإن انتسب إلى أفصح القبائل لغة.
وفي هذا يقول ابن فارس: "تؤخذ اللغة سماعاً من الرواة الثقات ذوي الصدق والأمانة ويتّقي المظنون، فحدّثنا علي بن إبراهيم عن المعداني عن أبيه عن معروف ابن حسّان عن اللّيث عن الخليل، قال: إنّ النحارير ربمّا أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب، إرادة اللبس والتعنيت..."(58).
وظهر تأثّرهم في تنظيم وترتيب وتصنيف رسائلهم ثم معاجم المعاني بالمحدّثين الذين جمعوا أحاديث "الصلاة" ووضعوها في كتاب سمّوه "الصلاة"، وأحاديث البيع وسمّوه "كتاب البيع" كما فعل ذلك مالك في "الموطأ".
ولذلك يعد التصنيف للغة إلى حقول منهجاً عربياً أصيلاً، نابعاً من اللغة ذاتها التي رتّبت مفرداتها وصنّفتها بالطريقة التي رأيناها سابقاً، وما حوته من ألفاظ متقاربة المعنى أو متضادة، ممّا دعا اللغويين إلى جمعها في موضع واحد، ومثال ذلك ما روي عن الأصمعي: "من أصوات الخيل الشخير والنخير، والكرير: فالأوّل من الفم، والثاني من المنخرين، والثالث من الصدر"، ومثل قوله: "الهتل من المطر أصغر من الهطل".
ولمّا رأوا كلمات متقاربة في اللفظ ومتقاربة في المعنى حدّدوا معانيها بدقة، كذكر الكسائي ما يأتي: "القضم للفرس، والخضم للإنسان، والقدّ طولاً، والقطّ عرضاً"..
ووجدوا الكلمة الواحدة ومعناها متعدّداً، فحدّدوا معانيها، مثل قول الأصمعي: "العَينُ النقد من الدراهم، العين: عين البئر؛ والعين عين الميزان؛ العين عين النفس؛ أن يعين الرجل، الرجل ينظر إليه فيصيبه بعينه(59)، وهو ما يطلق عليه بالمشترك اللّفظي الذي يعدّ خاصيّة من خصائص العربية.
وبدأ علماء اللغة في رواية اللغة كما بدأ أهل الحديث، فكانوا يذكرون السند، فيقول ثعلب مثلاً في أماليه: حدّثني أبو بكر بن الأنباري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي، قال: "لحن الرجل يَلحَنُ لحناً فهو لاحن؛ إذا أخطأ، ولحن يلحنُ لحناً فهو لحن، إذا أصاب وفطن"، ولكن علماء اللغة لم يستمسكوا بذلك طويلاً كما استمسك المحدّثون، فلم يكن لهم معجم لغة للسند كمسند البخاري ومسلم.
والسبب في هذا أن اللغة أوسع من الحديث فكلّ أفراد المجتمع يتكلّمونها، أمّا الحديث فهو لبشر واحد يوحى إليه، فلو اتّبع الإسناد في كلّ كلمات اللغة وكلّ اشتقاق لبلغ الجمع حداً لا يقدر، ولأن اللغة فيما عدا ألفاظ القرآن ليس لها من التقديس ما للحديث.
وممّا اتبع في اللغة على نمط الحديث أنّهم رتّبوا ما ورد منها ترتيب أهل الحديث، ففصيح وأفصح، وجيّد وأجود، وضعيف ومنكر ومتروك، كما في الحديث من صحيح وحسن وضعيف، فقالوا إنّ اللغة التي ورد بها القرآن أفصح مما وردت في غيره، فقالوا: "أوفى بالعهد أفصح من وفى بالعهد" لأن الأولى لغة القرآن(60).
وإذا كان القدماء قد أبدعوا في مجال اللغة التصنيف وفق الحقول الدلالية فكانت لهم الرسائل التي مهّدت للتأليف المعجمي الشامل، وعلى الرّغم من تميّزها فإنّه لا يشكّ أحد من الدارسين في أنّ العرب لم يقلّدوا فيها غيرهم، وكانت من إبداعهم، خاصّة إذا علمنا أنّ هذا النوع من التأليف لم تعرفه الأمّة اليونانية والرومانية ولم تشهد مثيله أوربا إلا في الفترات المتأخّرة.
والغريب هو أن النظرة إلى كتب الموضوع الواحد أو كتب المعاني لم توف حقّها، ذلك أنّها درست باعتبارها حلقة عابرة يجتاز منها إلى القواميس الشاملة.
ويعود عدم الاهتمام الجدّي بها إلى عدّة أسباب منها:
- إن المعجم العربي الشامل مثل "العين" للخليل بن أحمد شغل الدارسين عن المؤلّفات الأخرى، فأهملوها ولم يخصّصوا العناية اللاّزمة لها ولكن مهما يكن من أمر فلا يمكن اعتبارها معبراً للتأليف المعجمي الشامل فحسب، لأنّها لو لم تكن مهمّة وضرورية شأنها شأن معاجم الألفاظ لما استمّر تأليفها بعد ظهور عدد من القواميس في فترات متعاقبة.
ويلاحظ أنّ المستشرقين هم الأوائل الذين وجّهوا عنايتهم إلى هذا التراث (تراث الرسائل) في العصر الحديث، فحقّقوه ونشروه منذ بداية القرن العشرين، فنشر "أوجست هفنر" ضمن كتاب "الكنز اللغوي في اللسان العربي" الذي صدر في 1903، وفي ليبزج 1905، كتاب "خلق الإنسان للأصمعي"، كما نشر له كتاب "الشاء"، وكذلك نشر له كتاب الإبل في ليبزج 1905، وفي سنة 1908 نشر له –أيضاً- كتاب "النبات والشجر".
كما نشر فريتش كرتكوي كتاب "الخيل" لأبي عبيدة معمّر بن المثنّى، ونشر وليام رايت كتاب "صفة السرج واللجام لابن دريد(61).
ولمّا كانت هذه الرسائل ومعاجم الموضوع الواحد ومعاجم المعاني ذات أهميّة قصوى في إبراز الجذور والتأسيس لنظرية الحقول الدلالية، فقد ألفينا بعض العرب المحدثين ممّن اتّجه إلى نشر هذا التراث، فكان منهم، عزّة حسين الذي نشر كتاب النوادر لأبي عبد الأعرابي في سنة 1961 بدمشق، وإبراهيم السامّرائي الذي حقّق كتاب "خلق الإنسان للزّجاج" وطبعه في بغداد عام 1963، ونشر رمضان عبد التوّاب كتاب البئر لابن زياد الأعرابي في 1970، وحقّق ونشر عبد الله يوسف كتاب النّبات للأصمعي في عام 1972.
وإذا كنا لا نعثر على بحث يحمل عنواناً لنظرية الحقول الدلالية فإن، الدراسة اللسانية المعاصرة بدأت تستند إلى التراث والإفادة ممّا وصل إليه الغربيون في هذا المجال لإعادة صياغة تلك الجهود المؤسّسة لنظرية الحقول الدلالية ومعاجم المعاني.
ونذكر على سبيل المثال ما قامت به أبركان فاطمة في بحثها الموسوم بـ "بعض الجوانب النظرية في المعجم العربي –معجم الألوان نموذجاً- "(62).
وتزداد العناية بهذا الموضوع لما لـه من أهميّة في صناعة المعاجم الحديثة، والتحليل اللغوي العلمي، والخطابات الأدبية والإعلامية وغيرها.
ومما سبق يتضح أنّ اللغويين العرب القدامى عرفوا الحقول الدلالية، فتجلّت في ذلك التراث الضخم الذي تركوه للأجيال التي لم تستطع أن تضيف إليه ما يستحق الذكر.
وهذا ممّا يؤسف له أنّ الفكرة الرائدة تبقى دائماً حبيسة مبدعها أو مبدعيها شأن هذه النظرية شأن النظريات المهمّة التي نلفيها في علم النحو وعلم التراكيب وعلم الأصوات، وعلوم البلاغة..
وظلّت فكرة الحقول الدلالية حبيسة الرسائل والمعانيّ ولم تتطوّر عبر العصور إلى الدراسة التحليلية للغة في حدّ ذاتها، و إلى النص الأدبي أو علاقة نظرية الحقول الدلالية بالعلوم الإنسانية الأخرى، فكان أن انتظرنا الغربيين ليضيفوا إلى التراث العربي القديم إبداعاتهم لتحقيق عصرنة عمل القدماء، على الرغم من أنّهم لم يعرفوا هذه النظرية إلاّ في فترة متأخّرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
¡¡
¡ الهوامش
1- ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:36.
2- ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص: 307- 308.
3- ينظر محمد المبارك، المرجع نفسه، ص:308.
4- الجاحظ، الحيوان، ج:1، ص: 26- 27.
5- ينظر د.عز الدين اسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص:295.
6- ينظر أبو زيان طالب، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص: 311.
7- أبو زيد الأنصاري، اللبأ واللبن (ضمن البلغة في شذور اللغة)، أبو زيد الأنصاري.
8- الأصمعي، كتاب النبات والشجر.
9- أبو عبيدة معمر بن المثنى، كتاب الخيل.
10- ينظر أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج:1، ص:365 وينظر إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص: 226- 228.
11- ينظر د.حسن ظاظا، كلام العرب، من قضايا العربية، ص:128.
12- ينظر د.حسين نصار، المعجم العربي، نشأته وتطوّره، ص:118.
13- ينظر أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص:16، عن أبي دريد، المقصور والممدود، ص:21، وما بعدها.
14- ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:51.
15- د.أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص:36.
16- ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:51.
17- ريمون طحان، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص:196.
18- ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:36.
19- أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، الغريب المصنّف في اللغة.
20- ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، كتاب الألفاظ.
21- عيسى بن إبراهيم بن محمد الربيعي، نظام الغريب.
22- ابن الأجدابي، إبراهيم بن اسماعيل، كفاية المتحفظ ونهاية المتلفّظ في اللغة العربية.
23- الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى، الألفاظ الكتابية، راجعه وقدّم له الدكتور السيّد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط:2، 1998، ص:12- 13.
24- ينظر د.حسن ظاظا، كلام العرب، ص:128.
25- ينظر د.أحمد محمد قدور، المدخل إلى فقه اللغة العربية، ص:186.
26- أبو طالب زيان، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص:316.
27- ينظر، د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:160.
28- ينظر، المرجع نفسه، ص:164.
29- ينظر، د.وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص:61- 62.
30- ينظر، د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:165.
31- ينظر المرجع نفسه، ص164- 166.
32- ينظر، د.وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص:61.
33- ينظر المرجع نفسه، ص:62.
34- ينظر المرجع نفسه، ص:75.
35- ينظر، د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:164- 166.
36- ينظر، د.عز الدين إسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص:304.
37- ينظر، د.محمد حسين آل ياسين، الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري، ص:307.
38- ينظر، د.بلعيد صالح، مصادر اللغة، ص:99- 100.
39- ينظر، د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:200.
40- الثعالبي، فقه اللغة، ص:54.
41- ينظر، د.عز الدين اسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص:304، وينظر، عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:54، وينظر د.إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص:23.
42- ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص:10.
43- ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص:10.
44- ينظر، عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:54.
45- ينظر ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص:15
46- ينظر، أحمد حساني، مباحث في اللسانيات بالنسبة للشكل، ص:70، أمّا المادّة فالمخصّص، ج:4، ص:77.
47- الرادّة هي الطوّافة في بيوت جاراتها، شوشاء: تعاب بذلك إذا كانت تدخل بيوت الجيران، طلعة قبعة: تطلع ثمّ تقبع رأسها كثيراً، متنمّلة –نملى: لا تستقرّ في مكان.
48- ينظر، ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص:29.
49- ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:198.
50- ينظر، د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:199.
51- ينظر محمد رياض العشيري، التصوّر اللغوي عند الإسماعيلية، ص:6- 7.
52- ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:53.
53- الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى، الألفاظ الكتابية، ص:12- 13.
54- ينظر، د.إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص:226- 228.
55- ينظر، أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج:2، ص:252- 254.
56- السيوطي، المزهر، ج:1، ص:141.
57- المصدر نفسه، ج:1، ص:137- 138.
58- ينظر أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج:2، ص:264.
59- ينظر المرجع نفسه، ج:2، ص:258.
60- ينظر، د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:161.
61- ينظر، أبركان فاطمة، بعض الجوانب النظرية في المعجم العربي –معجم الألوان نموذجاً.

¾¡¾



الفصل الثالث
نشأة نظرية الحقول الدلالية عند الغربـيين وتطورها


تطوّرت نظرية الحقول الدلالية في العشرينيات من هذا القرن، خاصة بعدما فرّق دي سوسير بين الدراسة التاريخية التعاقبية (DIACHRONIE)، والدراسة الوصفية (SNYCHRONIE) للغة التي أولاها أهمية قصوى من البحث، حيث رأى أنّ ما يمكن وضعه من مقارنات فإنّ أوضحها بياناً وأسطعها برهاناً هي تلك التي يمكن أن نقيمها بين كيفية قيام اللغة بدورها وبين كيفية اللعب أثناء مباراة من مباريات الشطرنج، فنحن في كلتا الحالين أمام نظام من القيم نشهد ما يلحقها من تغيّرات... فالذي نلحظه أوّلاً أنّ أيّة مرحلة من مراحل هذه اللعبة توافق كلّ الموافقة حالة من حالات اللغة، فقيمة كلّ قطعة بالنسبة إلى بقية القطع، هي رهينة موقعها من الرقعة، وذلك كما أنّ لكلّ عنصر من عناصر اللغة تتحدّد قيمته بتقابله مع جميع العناصر الأخرى"(1).
واعتبار اللغة نظاماً من العلامات ترتبط بعلاقة عضوية فيما بينها ابتكار حديث، وثورة لسانية قام بها دي سوسير على منهج دراسة اللغة وتحليل مكوّناتها، ذلك "أنّ قيمة كلّ عنصر لا تتعلق بسبب طبيعته أو شكله الخاص ولكن بسبب مكانه وعلاقاته ضمن المجموع"(2).
وأوحت فكرة القيمة بتصنيف المدلولات إلى حقول دلالية طبقاً لمبادئ دي سوسير اللسانية وذلك بوضع "تحديد وصفي بنائي للمعنى(3)، وأقرّ بوجود علاقة دلالية بين عدد من مدلولات الألفاظ في النسق اللغوي أسماه في فصل من كتابه "العلاقات السياقية والعلاقات الترابطية والقيمة اللغوية"(4).
وبيّن أنّه في نطاق اللغة الواحدة تحدّد الكلمات المعبّرة عن الأفكار المتقاربة فيما بينها انطلاقاً من القيمة التي تتضمنّها كلّ واحدة منها، فالمترادفات من قبيل REDOUTER أي "هاب" CRAINDRE "أي خشي" AVOIR PEUR "خاف" ليس لها قيمة خاصة بها إلاّ بتقابلها، ولو انعدمت كلمة REDOUTER من اللغة الفرنسية لا تنقل محتواها إلى منافستيها"(5).
فالكلمات السابقة (هاب- خشي- خاف) ترتبط دلالياً فيما بينها، ولا نفهم الواحدة منها إلاّ بالنظر إلى دلالة الأخريتين، ومن ثمّ يمكن معرفة قيمة كلّ واحدة منها.
ولمّا كانت جميعها تشكّل حقلاً دلالياً تتعلّق وحداته الواحدة بالأخرى، فافتراض وجود كلمتين فقط من هذا الحقل مؤدّاه أنّ معنى كلمة منه سينتقل، إلى كلمة أخرى تنافسها لتصبح محتوية على معنى أوسع ممّا كانت تشتمل عليه سابقا.
ويمكن تشبيه هذا الحقل بالحواس الخمس عند الإنسان التي ترتبط فيما بينها ليتعرّف بها الإنسان على العالم الذي يحيط به، فحرمان فرد من حاسة البصر يجعلها تعوّض في حاسّة أخرى وإن كانت لا تقوم وظيفتها بمهمّتها.
ويطلق على هذه الكلمات المعبّرة عن الأفكار المتقاربة بالروابط المتشابكة أو علاقات التداعي، أي أن "معنى الكلمة يجب أن يحدّد من خلال الكلمات المتّصلة بها دلالياً، فمعنى الكلمة هو محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي كما يقول ليونز Lyons(6).
وعلى الرغم من قلّة عدد الكلمات في الحقل السابق الذكر إلاّ أنّها تشكّل مجموعة دلالية صغيرة يضمّها مفهوم عام وهو الخوف، "ومثل هذا صار بعد التطوّر والتحسّن يعرف بمنهج بناء الحقول الدلالية"(7).
إنّ الكلمات تشكّل نسقاً يأخذ عنصر فيه قيمته ومكانه بالنظر إلى العناصر الأخرى، فالكلمة الفرنسية (MOUTON) أي خروف لها الدلالة نفسها التي تحملها الكلمة الإنجليزية (SHEEP)، إلاّ أنّ قيمة اللفظين ليست متساوية وهذا لعدّة أسباب منها على الخصوص:
- يسمّي الإنجليز القطعة من اللحم عندما تطبخ وتقدّم للآكلين وكذلك لحم الجزار (MOUTTON) لا (SHEEP) الذي يقصد به "الحيوان الحيّ"، فالاختلاف بين (SHEEP) في الإنجليزية و(MOUTON) في الفرنسية من حيث القيمة راجع إلى أنّ الإنجليزية بازّاء كلمتين متقاربتين في المعنى وهما: (MOUTON) و (SHEEP)، وهذا ما لا نجده في اللغة الفرنسية(8).
وعلى هذا الأساس يستنتج ممّا سبق أن المفردة لا تفهم من خلال علاقاتها الإيجابية التي تقوم بينها وبين باقي مفردات اللغة فحسب، بل قد يتمّ فهمها عن طريق العلاقة السلبية أو الخلافات التي تبعد عن غيرها من المفردات".
فالمفردة تفهم من خلال مرادفاتها مثل (هاب- خشي- خاف)، أو التخالف مثل (أحمر- أخضر)، أو على أساس العلاقة التحتية مثل (الخزامى تنتظم تحت الزهرة) أو الفوقية (الزهرة تنتظم فوق الخزامى) أو على أساس العلاقة العكسية (باع –اشترى).. الخ(9).
ويؤدّي بنا ما سلف إلى القول: إنّ المفردات لا تختلف عن الجسم الإنساني المتكوّن من مجموعة من الخلايا التي تشكّل النسيج المكوّن للأعضاء (قلب- كبد- إلى آخره)، وهي تجتمع ضمن نسق (دوراني، تنفسي، إلى آخره)، ويشكّل مجموعها بنى متجانسة تكون عناصرها متعلّقة ببعضها البعض، مثلما يتعلّق شكل النسق الدوراني ووظيفته بعناصر النسق التنفّسي إلى آخره(10).
وركّز دي سوسير عنايته على العناصر المجموعة الترابطية التي ليست معلومة العدد بل لها ما لا نهاية المفردات، وعدَّ الكلمة المعيّنة بمنزلة المركز في كوكبة من النجوم أو اللفظة التي تلتقي عندها كلمات أخرى مرتبطة بها ولا يمكن تحديد عددها(11) أو "تعد كلّ كلمة مركزاً لكوكبة من المجموعة الترابطية"(12).
وأدّت رؤية دي سوسير إلى اللغة على أنّها نظام إلى دراسة بنيوية لنسق الأصوات أو الصيغة، ونفدت أكثر فأكثر في النحو، وفتحت آفاقاً جديدة أمام علم الدلالة.

وبالنظر إلى الرسم التالي، فسيجد الباحث كلمة "تعليم" متّصلة معنى وشكلاً بـ (علم، تعلم..الخ)

تعليم

علّم تربية تسليح عليم

تعلّم ثقافة تبديل كليم

الــخ الــخ الــخ الــخ

الخ الخ الخ الخ

كما "أن المجموعات التي تتكوّن عن طريق الربط بين عناصرها ذهنياً لا يقتصر فيها الإنسان على التقريب بين العناصر التي تشترك في بعض الخصائص، بل يدرك الذهن بالإضافة إلى ذلك طبيعة العلاقات التي تربط بينها في كلّ حالة من الحالات، فينشئ بذلك عدداً من السلاسل الترابطية يوافق عدداً من العلاقات المختلفة"(13).
وهكذا فالكلمات التالية: تعليم –علّم- تعلّم.. الخ، يجمعها عنصر مشترك هو (الجذر) أي العلاقات بينها مبنية على الصيغة(14)، فكلمة "تعليم" توحي بكلمات أخرى كـ(علّم)، (يعلم)، وهو تصنيف يعتمد على الطرائق الشكلية، أي ما يعرف بالاشتقاق.
وحسب الرسم السابق، تندرج كلمة "تعليم" ضمن مجموعة تعتمد عنصراً مشتركاً آخر هو مجال الوزن مثل: (تعليم)، (تسبيح)، (تبديل)، وهي جميعها على وزن "تفعيل".
وتقوم العلاقة بين المدلولات على التشابه والتقارب في المعنى، فكلمة تعليم توحي بكلمات أخرى نحو "تربية" (EDUCATION) "ثقافة (CULTURE)، و"تكوين" (FORMATION) وهو ما ينعت بعلاقة التداعي إذ مدلول الكلمة الأولى يستدعي الثانية أو الثالثة لما بينها من ترابط دلالي.
وترتبط الكلمات بشكلها الصوتي أيضاً مثل "عليم" و "كليم"(15)، فمصدر الاختلاف في المعنى بين الكلمتين نتج عن استبدال الكاف اللّهوي المهمس بصوت العين الحلقي المجهور(16).
وحدّد دي سوسير نمطين من تحليل العلاقات بين الدلالات اللغوية وهما كالآتي:
1- محاولة وضع بنى صورية للمدلولات.
2- محاولة وضع بنى للحقول الدلالية(17).
وانطلاقاً من هذين التوجّهين تطوّرت نظرية الحقول الدلالية لدى عدد من اللسانيين السوسريين والألمان والفرنسيين وغيرهم، وبخاصّة عندما اهتمّوا بدراسة أنماط من الحقول الدلالية نحو: الألفاظ الفكرية في اللغة الألمانية الوسيطة، وألفاظ الأصوات والحركة، وكلمات القرابة والألوان والنبات، والأمراض والأدوية والأساطير وغيرها كثير، وقادت هذه الدراسات إلى التفكير في تأليف معجم كامل يضمّ جميع الحقول الدلالية الموجودة في اللغة(18).
وتبلورت فكرة التحليل اللساني للحقول الدلالية في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن لدى باحثين أمثال "إيبسن" (IPSEN) (1924)، و"جولز" (JOLLES) وبروزيج (PROZIG) (1934) وتراير (TRIER) (1934)(19).
ويعتبر إيبسن من الأوائل الذين أوضحوا طريقة تصنيف الحقول، ممّا جعل تراير يفيد من منهجه، ويعترف تراير بفضل ثلاثة علماء عليه، وهم: دي سوسير، إيبسن، وهمبولت.
ولكن كيف نفسّر شهرة تراير عن غيره من العلماء الذين قاموا بأعمال تصنيفية وفق الحقول الدلالية؟
يمثّل تراير المنبع والمصدر للفكرة مقارنة بسابقيه، فبفضل دراسته التنظيمية لحقل الذكاء (الأفكار)، استطاع أن يبلور، ويجمع في انسجام الآراء التي كانت سائدة في فترته، بطريقة أسّست تيّاراً أو منهجاً أصبح يعرف بهما، ولا ينسبان إلاَّ إليه(20).
وتركّزت محاولاته خاصّة على الحقول المفهومية التي قام بها ـ في أغلب الأحيان ـ الأنثروبولوجيون والإثنوغرافيون لما لها من علاقة بالمجتمع ورؤيته للواقع وطرائق تفكيرهم ونظرتهم للأحداث والوجود، وتصوّرهم للأشياء الموجودة في العالم المحيط بهم، ولم يكن همّهم لسانياً وإنّ استثمرت المعطيات اللسانية لبناء رسم خيالي لتصورات المجتمع، فدرسوا التصنيفات الشعبية لمفردات القرابة النباتية، ومفردات الحيوانات الأليفة وغيرها(21).
ويعدّ تراير (TRIER) أوّل من ترك بصماته في دراسة الحقول الدلالية، ويعود إليه الفضل في تجميع الأفكار الخاصة بالحقول الدلالية، إذ لا يقرأ مرجع أجنبي أو عربي اهتمّ بالدلالة والمعجمية إلاَّ ويشير إليه، ويذكر مفاهيمه وتطبيقاته، وتأثيره في الباحثين الذين تناولوا بعده هذا المجال.
فهو أوّل لساني تجلّت في بحوثه وتطبيقاته أمّهات أفكار دي سوسير، التي لا تكاد تظهر بصورة واضحة فيما كتبه بسبب ما أضفى عليها من تقنيات ورؤية مخالفة، ممّا أكسبه المنهج الذي تبنّاه الرياده.
ويمكن تلخيص طريقة تحليله في الآتي:
ـ إنَّ مجموعة ألفاظ اللغة المعيّنة مبنية على مجموعة متسلسلة لمجموعة كلمات (أو حقول دلالية)، وكلّ منها يغطّي مجالاً محدّداً لحقل المفاهيم (حقول التصوّرات).
ـ كلّ حقل من هذه الحقول سواء أكان معجمياً أم تصوّرياً يتكوّن من وحدات متقاربة الدلالة، مثل تجاور حجارات الفسيفساء(22).
ويرى تراير أنَّ‌ التغيير في التصوّر يحدث بالضرورة تغييرات في حدود تصوّر الآخرين، وكلّ تغيير على مستوى المفاهيم ينعكس على مستوى الكلمات المعبّرة عنه، لأنَّ بين الكلمات والمفاهيم علاقات متبادلة(23).
ففي كتابه:
(Wortz Chatz Im Simberzirik ) – (Der Deutsche 1931).
(Le Vocabulaire allemand dans le secteur conceptuel) – (Des Verstandes )
(المفردات الألمانية في المقياس التصوّري للإدراك)، قام بدراسة شهيرة تنسب إلى القطاع المفهومي، تناول فيها مفردات المعرفة أو الألفاظ الفكرية والذكاء في اللغة الألمانية الوسيطة، أي بين بداية القرن الثاني عشر ونهايته.
وبيّن أن معجم مفردات المفاهيم الفكرية عند الكتّاب الصوفيين تنتظم في نسق وتتحدّد علاقة عناصره مثل تجاور حجارات الفسيفساء، وأخضع إلى إعادة بناء باعتبارها تشكّل نظاماً يرتبط داخله كل عنصر مع الآخر(24)، وعلّل التغيّر الذي حدث في المجال المعرفي والمفهومي بين القرنين إلى التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية.
ولاحظ أن الحقل المفهومي كان مغطّى بحقل معجمي يتكوّن من ثلاث كلمات هي:
1200م
1300م
(WISHEIT) ـ (الحكمة)
(WISHEIT) ـ (الحكمة)
(KUNST) ـ (الفن)
(KUNST) ـ (الفن)
(LIST) ـ (الصنعة) ـ (الحرافة).
(WIZZEN) ـ (المعرفة).
فقد اعتمدت الألفاظ الألمانية الدالّة على المعرفة في القرن الثاني عشر على ثلاث كلمات هي: ( WICHEIT) (KUNST) و(LIST) وبعد قرن من الزمان صار الحقل المفهومي مغطّى بحقل معجمي يضمّ: : ( WICHEIT) (KUNST) و(WIZZEN) ـ (المعرفة).
فقد كانت كلمة KUNST ـ (الفن) تدلّ في عام /1200م/ على حدود اللياقة للمعرفة، ومجموع معارف القضاة والعمال، والفرسان، وتوصف بها معرفة قانون حسن اللياقة وطريقة القتال، والموقف اتّجاه النساء، ومعرفة فنّ المشاعر، وبشكل عام ما يتعلّق بالفنون الجميلة.
وكانت كلمة (LIST) يوصف بها السائقون، وتوصف بها المعرفة بالطب وعلم الفلك، وكل المهن والمهارات التقنية للصانع اليدوي(26)، فالاختلاف بين (KUNST) و(LIST) يعبّر في الواقع عن فرق في الطبيعة والشكل الجوهري للمعرفة وليس عن النظرة إليها بالمعنى الاجتماعي.
أمّا (WISHEIT) فإنّها تتمايز عن KUNST وlist بتغطيّتها دلالة الكلمتين معاً أيضاً، فهي المعرفة الروحية الخاصة بالمنظور الأخلاقي والديني والجمالي، وذلك مقابل المعرفة بالقدرات العملية المتمثّلة في الفنون الجميلة وتقنيات طرق السفر (27).
فالكلمات الثلاث تعكس رؤية خاصّة للعالم، ونظرة النظام المادي للمعرفة، الذي يوجد به مجتمع يأخذ باللياقة (Kunst)، وآخر يعارضه أي فلا يأخذ بها(List).
وما يلاحظ أيضاً أنَّ التضاد لم يمكن بين (KUNST) و(LIST) على حال، فبعد قرن من الزمان أي في بداية القرن 1300 حلّت كلمة (WIZZEN) (المعرفة) محل (LIST)، غير أنَّ محتويات الكلمات الثلاث وعلاقاتها التي وجدت في القرن الثاني عشر صارت مختلفة في القرن الثالث عشر لأنّ أفول متصورات النبل بدأ يختفي في هذه الفترة، والنظرة الاجتماعية لكل من (KUNST) و(LIST) تغيّرت.
ولم تعد كلمة (WISHEIT) تغطي ميداني (KUNST) و(LIST)، لأنَّ كلمة (KUNST) أصبحت في تضادّ مع (WIZZEN)، على غرار تضّاد (KUNST) و(LIST)، لأن كلمة (KUNST) أضحت تشير في القرن الثالث عشر إلى أعلى مراتب المعرفة، وتتّجه نحو المعنى المعاصر لكلمة (ART) (الفن)، وتخالف في الوقت نفسه دلالة كلمة (WIzZEN) التي غدت في القرن الثالث عشر تدلّ على المعرفة بشكل عام وعلى المهارة والقدرة التقنية بشكل خاص.
فبالنظر إلى معاني كلمات الجلد في الحرب والسيطرة على الذات فإنّ النبلاء يستعملون كلمة (KUNST) أمّا (LIST) فتستخدم عند الحديث عن الوضعاء، وعلى هذا الأساس يمكن القول إنّ تصور الفرد وقدراته بمعزل عن طبقته الاجتماعية أمر ممكن (28). ممّا جعل العلاقات بين الكلمات الثلاث ( WISHEIT،KUNST و LIST) مختلفة(29).
وليس ما تقدّم دليلاً على أنَّه حدث إبدال كلمة LIST في القرن الثالث عشر بكلمة WIZZEN فحسب، ولكن الملاحظ أنَّ معاني الكلمات الثلاث قد تغيّر في الواقع، ضمن تجدد كلّيّ للبنية اللفظية ولرؤية العالم التي تصورها، إذ أصبح محتواها مختلفاً وعلاقاتها أيضاً(30)، ممّا جعل الكلمات الثلاث في القرن الثالث عشر تشكّل حقلاً لسانياً يغطّي حقلاً مفهومياً، ويعبّر عن رؤية للعالم تمّ إعادة تنظيمه بكيفية مختلفة عن القرن الثاني عشر(31).
وهكذا فإن كلمات الحقل الدلالي للمعرفة التي درسها (TRIER) تشير إلى التغيّر الجديد الذي ظهر في المجتمع الكاثوليكي من وجهتين على الأقلّ:
1 ـ من وجهة عمل العقل كما كان يتصوّر ويدرك أو يفهم المعرفة في القرن 13.
2 ـ ونظرة الاستعمال الاجتماعي لقدرات العقل من جهة أخرى (32).
ويتّضح ممّا سبق "أنَّ أيّ تغيير ضمن حدود مفهوم ما، يؤدّي إلى تغيير في المفاهيم المجاورة كما يؤدي بشكل غير مباشر إلى تغيير الكلمات التي تعبر عنها"(33).
ويعتقد "تراير" أنَّ الحقول اللغوية لا تنفصل عن بعضها البعض، ولكن يمكن تجميعها لتشكيل حقول لسانية أكبر، حتى تحصر أغلبية مفردات اللغة(34).
وهو رأي أشار إليه دي سوسير في بناء المعنى الذي من خلاله يسمّي الطفل ـ مثلاً ـ كل ما له علاقة بالسكن منزلاً (عش الطير، الجحر، حجرة الكلب، وغيرها)، وينتهي بوضع الفروق التصوّرية والمعجمية المتتالية وتسمية الأشياء نفسها بأسمائها في سنّ الثامن عشر، فيفرّق بين (VILIA) و(CABANE) و(IMMEUBLE) و(CABANON..) وبالتالي فإنَّ ما تعرّف عليه من ألفاظ جديدة تضيف مساحة من المعاني إلى الشبكة اللسانية التي كانت تغطي المساحة التصوّرية التي كان قد اكتسبها متكلّم اللغة.
إنَّ التغيير الذي يحدث في مساحة الحقل التصوّري إنّما يؤدّي إلى تغيير في مساحة معاني الحلقات السابقة، نحو: "العمارة" و"ناطحات السحاب"، إذ نجدهما بدّلتا مساحة مجموعة الألفاظ الآتية: (GOURBI) و(CABANE) و(CAHUTE)، لأنَّ مفهوم كلّ كلمة من الكلمات الثلاث يضيق بذكر "العمارة" و"ناطحات السحاب" كما يرى ذلك ترايرTRIER. (35).
واهتمّ "تراير" وتلاميذه بمفردات المعجم اللغوي واعتبروه بمثابة فسيفساء من الحقول الدلالية تغطي الواقع العينيّ برمّته، ولكن "تراير" وجد الإفادة في الانطلاق من قطاعات صغيرة متحاذية لبناء الحقول الدلالية لأنّ الاهتمام ببنائها دفعة واحدة قد لايحدّد كلمات المعجم(36).
ومفاد ما سبق أنَّه يمكن تصنيف حقل للحرف والمهن وآخر للرياضة وآخر للتعلّم.. فتجمع تحت حقل عام يشملها هو النشاطات الإنسانية، وهذه الحقول الجزئية بإمكانها التبادل مع الحقل العام كما يمكنها التبادل مع بعضها البعض(37).
وما يمكن تسجيله هو أن نظرية الحقول الدلالية أسهمت في تطوير البحث العلمي وتقنياته، فليس تنظيم بحث أكاديمي مثلاً سوى تصنيف مجموعة من المعارف والتصورات تحت حقل معرفي واحد تتشابك أجزاؤه وتترابط عناصره ويتعلق بعضه ببعض.
فمفهوم الحقل الدلالي عند "تراير" الذي يعدّ مؤسسة يمكن وصفه بأنّه مجموع الكلمات ـ غير متقاربة اشتقاقياً في أغلبها ـ التي بوضعها قريباً من بعضها البعض كالفسيفساء تغطي بالضبط ميداناً كليّاً محدد الدلالات، مكوناً إمّا عرفياً، وإمّا علمياً من لدن التجربة الإنسانية، فيتحدّث بالتالي عن حقل دلالي مكوّن من كلمات تعيّن الإدراك أو الفهم، الماشية، الحبوب، أو السكنات، فهي فسيفساء من الكلمات أو ما يسميه Trier تراير Wordecke (38).
وعلى الرغم من أنَّ آراء "تراير" تعدّ فتحاً جديداً في تاريخ علم الدلالة والتطبيق لنظرية الحقول الدلالية التي ازدهرت بعد 1931، إلاَّ أن مبادئه وأفكاره نمت بفضل تلاميذه وتطوّرت على الخصوص على يد "فيسجربر" (WEISGERBER) الذي صار فيما بعد "الممثل لحركة اللغة والمجتمع، المسؤولة على بعض المنشورات الأكثر أهمية في هذا الموضوع"(39).
وهو الذي أكّد التداخل القائم بين مفاهيم الإنسان وكلماته، وأنَّ سلّم القدماء في التسمية يختلف عن سلّم المحدثين الذي يعكس طريقتهم في تقسيم الواقع(40).
كما كانت أفكار "تراير" أساساً لأعمال "هانس سكمودان" (HANS SCOMMODAN) الذي بيّن قلّة شأن مفاهيم الأخلاق في الفرنسية خلال القرن الثامن عشر وانحطّت من قيمة الكلمات المعبّرة عن الحياة العاطفية، وأوضح التحوّل الذي طرأ على مفردات الحساسية بمقارنة ألفاظ الحساسية الأخلاقية بكلمات الحساسية المادية(41).
وإذا كان تحديد "تراير" لمفهوم الحقل الدلالي يعدّ ثورة كبيرة في علم الدلالة الحديث، فقد اعتبرت تطبيقاته نموذجاً اقتدى به بعض الباحثين، وإن ظفرت آراؤه بنجاح فإنّها لم تسلم من النقد، فوجّهت إليها ملاحظات ودعوات للتعديل منها، فركّزت الانتقادات على ما يأتي:
1 ـ إنّ المعايير التي تسمح بافتراض وجود حقل دلالي بين مجموعة معيّنة من الكلمات ليست معايير لسانية، خاصة إذا تم اختيار حقول بعيدة عن ميدان المفاهيم الثقافية التي انتقى منها "تراير" نماذجه الإجرائية، ممّا يجعل صعوبة تحديد بعض مصطلحات العلوم المختلفة التي تتشابك ضمن حدودها.
2 ـ بالإضافة إلى ذلك فالحقول الدلالية لا تحاذي بعضها بعضاً، فقد يكون تداخل غير متناه بينها، لأنّ الوحدة المعجمية قد تنتمي إلى عدّة نظم صغرى في ذات الوقت، فكلمة سيارة مثلاً تنتمي إلى العربات، الأشياء المصنوعة، الأشياء ذوات المحركات، فكلّ باحث يضعها في الحقل الذي يراه مناسباً لغرضه وقصده.
3 ـ ومن جهة أخرى، فإنَّ "تراير" عندما انطلق من المفاهيم لم يعر اهتماماً للتغيّرات الصوتية والدلالية التي تؤثّر تأثيراً مباشراً في اللّغة(42).
ومهما كانت الانتقادات الموجّهة إلى أعمال "تراير"، أو إلى نظرية الحقول الدلالية ذاتها، فإنَّه يبقى المؤسس لنظرية الحقول الدلالية، وإنَّ تحليل الحقل المعجمي المغطي لحقل دلالي معيّن يتماشى والمرونة التي يبرزها الباحث أثناء التحليل، الذي يكون الغرض والقصد من تصنيفه هو الوصول إلى فهم الظاهرة اللغوية وتفسير علاقاتها بالمجتمع وإجراء التطبيقات المختلفة عليها.
وأدّت هذه الانتقادات إلى تعريف جديد للحقل اللساني، تأسّس على معايير مختلفة لوصف نظام المدلولات اللغوية فكان ذا مردودية وفائدة لاختصاصات كثيرة.
وأقيمت أبحاث عديدة في الحقول الدلالية منذ عهد "تراير" وبخاصة تلك التي أنجزّها "جورج ماطوري" وهي ذات طابع اجتماعي، فحاول بناء حقول مفهومية بالاعتماد على الكلمات الشواهد (MOTS TEMOINS)، والكلمات المفاتيح (MOTS CLES)، للألفاظ في مدونة ما.
وهو اتّجاه خاص في فرنسا استند إلى علم الدلالة التركيبي حيث ركز "جورج ماطوري" على حقول تتعرّض ألفاظها للتغيَّر والامتداد السريع وتعكس التطوّر السياسي والاقتصادي والاجتماعي(43).
ويشكل علم الألفاظ لدى ماطوري واحداً من أحدث تطورات علم الدلالة البنيوي، وتتناسب دراسته مع دراسة تراير، ويعترف بأنّه لم يكن الأوّل الذي نهج البحث في الحقول الدلالية أو طبقة في دراسته.
فهو يرى أنَّ "علماء ألمان أمثال /إبسن وتراير/ وغيرهما قد دعوا إليها خلال العقدين الثالث والرابع من هذا القرن، فعملوا على الانتقال بالدراسة اللغوية من البحث في تاريخ الكلمة إلى البحث في مجالات استعمالها"(44).
وعلى الرغم من أنّه يؤكد أنَّ‌ فكرة الحقول الدلالية لا تزال في طفولتها، إلاَّ أنه يعتبر نفسه من أتباعها والمدافعين عنها والمنظرين لها قبل أن تحقّق تقدّماً ملموساً وقبل أن تعرف في فرنسا معرفة كافية(45).
وثمة فرق بين منهج "تراير" و"ماطوري"، فالأوّل فيلسوف يتّبع تقاليد المدرسة الألمانية في اهتمامها بالحياة الروحية والأخلاقية لكي يحيط بروح أمّة من الأمم، وعصر من العصور.
أمَّا ماطوري فهو عالم اجتماعي يتّبع المدرسة الفرنسية المتجسّدة في علماء أمثال "فندريس" (VENRYES) (BRUNOT) * (MEILLET)، ويركّز عنايته بصورة أساسية على مفردات المواضيع الاقتصادية والتقنية والسياسية(46).
وتعتبر دراسة الحقول الدلالية على تماس مع الدراسات اللسانية، لأنَّ علم الألفاظ له خصوصيته، ويفسّر المجتمع انطلاقاً من المفردات، ومن ثمّ يرى أنَّ علم الألفاظ هو دراسة اجتماعية تستعمل المادة اللسانية أو الكلمات(47).
ومن هنا أطلق على دراسته "المعجمية الاجتماعية"، لأنَّها قائمة على منهج تصنيف المفردات إلى مجموعة حقول حسب التصورات والمفاهيم التي تميّز مجتمعاً من المجتمعات عن غيره في مرحلة تاريخية معينة(48).
وليس معنى ذلك أنَّ المعجمية عرفت تحوّلاً على يده إلى علم اجتماع محض، بل إنَّها ظلَّت ذات صلة وثقى بالمجال اللغوي، ولم تنفصل عنه انفصالاً تامّاً، كما تفيد العلوم الأخرى كالتاريخ والاقتصاد والإناسة والدلالة والعراقة وغيرها، ويكون تفاوت في الإفادة في هذا العلم أو ذاك(49).
وحريّ بالإشارة إلى أنَّ "ماطوري" يدعو إلى أن تصبح المعجمية علماً قائماً بذاته مستقلاً عن غيره، ومتميّزاً عن الفروع اللغوية الأخرى التي طالما التبست بها كالنحو والصرف والدلالة والأسلوبية، وهو يهاجم بذلك بلومفيلد الذي يرى أنّ المعجم ماهو إلاَّ ذيل للنحو(50).
وهو يحدّد في منهجية دراسة الحقول الدلالية ما أسماه بالأجيال اللسانية، وبعدها يعيّن المراحل التاريخية الكبرى، فيدرس من خلالها البنية اللفظية من منظور سكوني، ويقسّم الفترة مابين عصر النهضة ونهاية القرن التاسع عشر إلى أحد عشر جيلاً، كلّ جيل يساوي ثلاثة عشرة سنة، ويلاحظ في كلّ حالة من حالات اللغة، وجود "كلمات شواهد" أو مولّدة تتناسب مع مفاهيم جديدة، فتظهر في المجتمع في لحظة خاصة من تاريخه(51).
ويرى أنَّ لبعض الكلمات أهمية أساسية مثل: (HONNETE - HOMME) ـ (رجل ـ شريف) في القرن السابع عشر، أو كلمة فيلسوف في القرن الثامن عشر، حيث تعدّ هذه الكلمات مفتاحية تسيطر على الكلمات الأخرى، وتتوسّط المركز في الحقل المفهومي(52).
وعارض ماطوري كثيراً من مبادئ دي سوسير وآرائه الذائعة الصيت التي كانت بعضها بسبب تأثره بعالم الاجتماع دوركايم DURKEIM على الرغم من أنَّه لا يفصل علم الاجتماع عن دراسته.
وإذا كان دي سوسير اعتبر التغيّرات الاجتماعية خارجة عن مجال اللّسانيات فإنَّ ماطوري نظر إليها نظرة مغايرة فقال: "نحن نعتبر أنَّ هذه التغيّرات بالذات هي الموضوع الذي نبحث فيه"(53).
وحلّل ماطوري ألفاظ الثّورة انطلاقاً من اللغة السياسية، فأوضح أن مفاهيم القانوني والوطن تكون دائماً في النصوص الثورية، وهي تشترك مع الأفكار الوجدانية وتتعلقّان بمفاهيم الوحدة ـ الشعب ـ السعادة ـ الفضيلة ـ الحرية ـ التضحية إلى أخره(54).
وظهرت أفكار ماطوري ومنهجه في عدد من الدراسات الهامّة مثل: أطروحته الموسومة بـ"المفردات والمجتمع على عهد لويس فيليب" في عام 1946.
كما تأثّر بمبادئه جريماس GREIMAS في أطروحته التي تناولت حقل الثياب في عام 1830، والتي حلّل فيها مفردات الحقل كما ظهرت في صحف تلك الفترة، حيث صنّف المدلولات على أساس العلاقة القائمة بين الكلمات، وعلى الرغم من أنّ دراسته كانت ناجحة ورائدة حين طبّقت في التحليل الأدبي إلاَّ أنّها بقيت محدودة النتائج(55).
ويضاف إلى هذه البحوث ما قام به "كيمادا" (M.B. QUEMADA)، حول تجارة الجواري في الرواية الاجتماعية بين 1640 و1670.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الأعمال اللسانية ركّزت على أهمية الحقل اللساني وأعطته المكان المناسب في التحليل الذي لم يعط له كما قال "جيرو" من قبل وبخاصة في فرنسا(56).
أمَّا دوبوا (DUBOIS) فقد اقترح في كتابه (LE VOCABULAIRE POLITIQUE ET SOCIAL EN FRANCE)، "المفردات السياسية والاجتماعية بفرنسا"، "الاعتماد على سياقات الجمل وليس على السياقات المعجمية في تحليل الحقول الدلالية، لأنّ سياقات الجمل تمكّن من استخراج العلاقات بين وحدات المعجم الاجتماعي السياسي الذي اعتمده حقلاً للدراسة.
وبناء على المنهج المتبع استنبط أنواعاً من العلاقات الأساسية وهي:
أ ـ علاقة التقابل نحو:
PROLETAIRE - BOURGEOIS
بروليتاري ـ بورجوازي.
REVOLUTION - ORDRE
الثورة ـ النظام.
GAUCHE – DROITE
اليسار ـ اليمين.
ب ـ الهوية: وهذه العلاقة مردّها إلى أنّ استبدال المفردة بأخرى لا يغيّر من معنى الحديث نحو الجمل الآتية:
ـ يجب على البروليتاريين أن يتّحدوا (ضد أرباب العمل).
ـ يجب على المستغَلين (بفتح الغين) أن يتحدوا (ضد البورجوازيين).
ـ يجب على العمال أن يتحدوا (ضد البورجوازيين).
د ـ التجميع: أي تجاور الوحدات اللغوية بعضها للبعض الآخر،
ـ النظام ـ البورجوازية.
ـ الشعب ـ البروليتارية ـ الثورة.
وسعى بعض الباحثين في أوروبا بعد ظهور البنيوية إلى تصنيف المدلولات بالكيفية التي يصنّف فيها علم الأصوات أصواته، وذلك على غرار ماقام به "بوتيي" (BERNARD POTIER)، في كتابه "نحو علم دلالي حديث" (VERS UNE SEMANTIQUE MODERNE الذي ظهر في عام 1964، ولكن منهجيته لم تكلل بالنجاح بسبب عدم فعاليتها(57).
ويرى جيرو أنّ مفردات الحقل الدلالي لا تكوّن دائماً نسقاً تشترك فيه الألفاظ، لأنّه بالإمكان أن تكون العلاقات غير منسجمة بين حقل من الحقول، فعلى سبيل المثال إن الحقل الدلالي للسكن يجمع بينه للنظرة الأولى سبع أو ثماني قواعد بناء مختلفة تتطابق وتتكامل حيناً وقد تتنافى حيناً آخر، ويلاحظ تصنيف السكنات فيما يأتي:
ـ تصنيف السكن حسب شكل البناء.
ـ تصنيفه بحسب مادة البناء (بمادّة صلبة، غالية، عبارة عن كوخ، كوخ صغير).
ـ تصنيف بحسب وظيفة العمارة (بها حجرة بوّاب، جناح من مبنى للكراء ـ بها مكان لتعلّم الصيد).
ـ تصنيف بحسب الاستعمال (هل هي دائمة الاستعمال، نصف دائمة، بالاتفاق مع المواطن).
ـ تصنيف بحسب حالة البناء (حالته متينة، بالية ـ مسكن متداع للسقوط).
ـ تصنيف بحسب مكان وجوده (الريف ـ المدينة ـ أوروبا ـ أو أي مكان آخر من العالم).
ـ تصنيف بحسب وجهة نظر المتكلّم للسكن ووضعيته الاجتماعية.
ـ تصنيف بحسب علاقة السكن بالماضي (تراثي، بيت كبير، قصر ريفي).
ويخلص جيرو من بحثه إلى أنَّ الحقل المعجمي هو مجموع العلاقات التي يجد اللفظ في خضمّه تعليله، وانطلاقاً من العلاقات غير المنسجمة، فالحقل لا يشكل بنية تشبه بنية النظام الفونولوجي حيث كل لفظ يضمن وظيفة مشتركة ضرورية للمجموع (58).
ويعرّف "جورج مونان" (GEORGES MOUNIN) الحقل الدلالي بأنه مجموعة الكلمات التي تترابط فيما بين جلّ كلماته على أساس الاشتقاق، وإذا ما تمّ رصف الكلمات كما ترصف حجارات الفسيفساء المتفاوتة، فإنَّها تعطي حقلاً من الدلالات محصوراً ضمن حدود معيّنة، تنظمه التجربة الإنسانية إما بطريقة تقليدية وإما بطريقة علمية(59).
فنظام الألوان لدى اللاّتين يكشف عدّة أنظمة فرعية أو جزئية مختلطة نابعة من:
ـ ترتيب المصطلحات الهندو ـ أوروبية الموروثة من الرؤية الدينية للّون الديني، ومن المواد ذات الألوان المتميّزة(60).
ويعد جورج مونان أول لساني طرح القضية الأساسية لمحاولة بناء المدلولات من وجهة لسانية بحتة، ويمكن صياغة آرائه على النحو الآتي:
هل يمكن من الناحية النظرية بناء مجموعة مكوّنة من عدد غير متناه من وحدات المعجم اللغوي؟ وهل يمكن من الناحية الشمولية القيام بذلك بالنسبة إلى مجموع الظواهر اللغوية التي تتوافر على معنى؟
يرى المناطقة وعلماء الرياضيّات أنَّه يمكن بناء مجموعة من الظواهر الطبيعية بكيفية صارمة شريطة أن يجري ذلك على وحدات مغلقة، أي مكونة من عدد من الصفات الجامعة المانعة، ممّا يجعلها تصدق على التصنيفات الحيوانية أو النباتية ـ مثلاً ـ التي تنظم أجناساً من الأشياء لا تكاد تحصى بناء على قائمة محدودة ومغلقة من الصفات (كنمط التناسل، النظام الغذائي، أو غيرهما)(61).
أخيراً إن أهمّ ما يميّز المحاولات الأوروبية في الحقول الدلالية، ما يأتي:
أ ـ مجيئها في فترة تطور البحوث اللغوية ومناهجها، واستعانتها بأحدث الأجهزة التي تساعد على جمع المادة وتصنيفها.
ب ـ تعاون العلماء والباحثين وضم جهودهم لصناعة المعجم، وإنهاء فترة العمل الفردي بعد ما صارت المعجمية فناً وصناعةً يصعب أن يقوم به فريق فضلاً عن المؤلّف الفرد.
ج ـ بناء المعجم وفق الأسس العلمية المنطقية سواء في التصنيف أو في تحديد أشكال علاقات داخل الحقل المعجمي الواحد.
د ـ الاهتمام ببيان العلاقات الموجودة بين كلمات الحقل الواحد، ووضعها في صورة خصائص أو ملامح تمييزية تتلاقى وتتقابل في الحقل الواحد.
ز ـ تعميم الدراسة وشمولها عدداً من اللغات في وقت واحد، ولذا كانت دراسة الحقول في منطقها دراسة مقارنة(62).

¡¡
¡ الهوامش:
(1)ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 36.
(2)ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص: 307-308.
(3)ينظر محمد المبارك، المرجع نفسه، ص: 308.
(4)الجاحظ، الحيوان، ج: 1، ص: 26-27.
(5)ينظر د. عز الدين إسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص: 295.
(6)ينظر أبو زيان طالب، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص: 311.
(7)أبو زيد الأنصاري، اللبأ واللبن (ضمن البلغة في شذور اللغة)، أبو زيد الأنصاري.

(8)الأصمعي، كتاب النبات والشجر.
(9)أبو عبيدة معمر بن المثنى، كتاب الخليل.
(10)ينظر أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج:1، ص: 365 وينظر إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص: 226-228.
(11)ينظر د. حسن ظاظا، كلام العرب، من قضايا العربية، ص: 128.
(12)ينظر د. حسين نصار، المعجم العربي، نشأته وتطوّره، ص: 118.
(13)ينظر أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص: 16، عن ابن دريد، المقصور والممدود، ص: 21 وما بعدها.
(14)ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 51.
(15)ينظر أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1399، 1 هـ، ود. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 36، وينظر كتابه، مدخل إلى فقه اللغة العربية، ص: 185.
(16)ينظر سحر البلاغة وسر البراعة، وقف على طبعه أحمد عبيد، مطبعة الترقي، دمشق.
(17)ينظر، د. حسين نصار، المعجم العربي، ج: 1، ص: 123، وينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 51.
(18)ريمون طحان، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص: 196.
(19)عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 36.
(20)ينظر أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، الغريب المصنّف في اللغة حقّقه وقدم له، وصنع فهارسه د. رمضان عبد التّواب، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط: 1989، 1.
(21)ينظر ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن اسحاق، كتاب الألفاظ، نشره لويس شيخو مع بعض الزيادات المختصرة للخطيب التبريزي، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت، 1897.
(22)ينظر الإسكافي، مبادئ اللغة، ط:1، مطبعة السعادة، القاهرة، 1425هـ.
(23)عيسى بن إبراهيم بن محمد الربيعي، نظام الغريب، تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي، دار المأمون للتراث، دمشق، ط: 1980، 1.
(24)ابن الأجدابي، إبراهيم بن إسماعيل، كفاية المتحفظ ونهاية المتلفّظ في اللغة العربية، تحقيق عبد الرزاق الهلالي، دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1986، وينظر د. حسين نصار، المعجم العربي، ج:1، ص: 213.
(25)الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى، الألفاظ الكتابية، راجعه وقدّم له الدكتور السيّد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط: 1998، 2، ص: 12-13.
(26)ينظر د. حسن ظاظا، كلام العرب، ص: 128.
(27)ينظر، د. أحمد محمد قدور، المدخل إلى فقه اللغة العربية، ص: 186.
(28)ينظر أبو طالب زيان، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص: 316 وينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 162.
(29)أبو طالب زيان، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص: 316.
(30)خلق الإنسان، الأصمعي، نشره د. أوغست هفنر ضمن مجموعة الكنز اللغوي، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت، 1903.
(31)كتاب خلق الإنسان، عن أبي محمد ثابت بن أبي ثابت، تحقيق عبد الستار أحمد فراح، ط: 1985، 2، مطبعة حكومة الكويت.
(32)خلق الإنسان، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السري المعروف بالزجاج، طبع مع رسائل لغوية تحقيق، د. إبراهيم السامرائي، بغداد، 1964.
(33)ينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 160.
(34)كتاب خلق الإنسان، أبو عبد الله الخطيب الإسكافي، تحقيق وتعليق خضر عواد العكل، دار عمار عمان، دار الجيل، بيروت، ط: 1991، 1، وينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 160.
(35)ينظر، د. أحمد طتهر حسنين، المرجع نفسه، ص: 164.
(36)ينظر، د. وجيهة أحمد السطل، التأليف في خلق الإنسان من خلال معاجم المعاني، دراسة تاريخية، موضوعية لغوية، دار الحكمة، دمشق، د. ت، ص: 61-62 وينظر د. أحمد طاهر حسنين، المرجع السابق: ص: 164.
(37)ينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 165.
(38)ينظر، د. وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص: 61-62. وينظر د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 164.
(39)ينظر، د. وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص: 61 وينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 165.
(40)ينظر، د. وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص: 61 وينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 164-166.
(41)ينظر، د. وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص: 61.
(42)د. وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص: 62.
(43)ينظر، د. وجيهة السطل، التأليف في خلق الإنسان، ص: 75، وينظر د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 164-166.
(44)ينظر د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 164-166.
(45)ينظر، د. عز الدين إسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص: 304.
(46)ينظر، د. محمد حسين آل ياسين، الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري، ص: 307.
(47)ينظر، د. بلعيد صالح، مصادر اللغة، ص: 99-100.
(48)ينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 200.
(49)الثعالبي، فقه اللغة، ص: 54.
(50)ينظر د. أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص: 163.
(51)ينظر، د. عز الدين إسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص: 304، وينظر، عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 54، وينظر هوامش المخصص.
(52)ابن سيده، المخصّص، ج: 1، ص: 10.
(53)ينظر، عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 54.
(54)ابن سيده، المخصص، ج: 1، ص: 10.
(55)ينظر ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص: 15.
(56)ينظر، أحمد حساني، مباحث في اللسانيات بالنسبة للشكل، ص: 70، أمّا المادّة فالمخصّص، ج: 4، ص: 77.
(57)الرادّة هي الطوّافة في بيوت جاراتها، شوشاء: تعاب بذلك إذا كانت تدخل بيوت الجيران، طلعة قبعة، تطلع ثمّ تقبع رأسها كثيراً، متنمّلة- نملى: لا تستقرّ في مكان.
(58)ينظر، ابن سيده، المخصّص، ج: 1، ص: 29.
(59)ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 198.
(60)ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 199.
(61)ينظر محمد رياض العشيري، التصوّر اللغوي عند الإسماعيلية، ص: 6-7.
(62)ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 53.
(63)الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى، الألفاظ الكتابية، ص: 12-13.
(64)ينظر. د. إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص: 226-228.
(65)عن عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 54.
(66)ينظر، أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج: 2، ص: 252-228.
(67) السيوطي، المزهر، ج: 1، ص: 141.
(68)المصدر نفسه، ج: 1، ص: 137، 138.
(69) ينظر أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج: 2، ص 264.
(70)ينظر المرجع نفسه، ج: 2، ص: 258.
(71)ينظر، د. أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 161.
(72)أبركان فاطمة بعض الجوانب النظرية في المعجم العربي- معجم الألوان نموذجاً- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، إشراف د. العنصري عبد القادر الفاسي، جامعة محمد الخامس كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الرباط- المملكة المغربية، السنة الجامعية 1991-1992 (مخطوط).


¾¡¾



الفصل الرابعالتحليل التكويني للمعنىوعلاقته بالحقول الدلالية


سبقت الإشارة إلى أنَّ نظرية الحقول الدلالية تعتبر منهجاً لتنظيم اللغة وتصنيفها، وحين الحديث عنها يتبادر إلى الذهن أنَّ معنى المفردة يشكّل كلاًّ غير قابل للتجزئة.
وحقيقة الأمر، إنَّ بعض الباحثين يعتقد أنَّ العلاقات بين الكلمات مؤسّسة أو مبنية بوحدات دلالية صغرى، وأنَّ مضمون الكلمة وحدة قابلة للتقسيم والتحليل، بل يتألّف من عدّة عناصر أو مقوّمات دلالية منتظمة وفق قواعد محدّدة (1).
ويسمّى العنصر الدلالي الأصغر بأسماء مختلفة بحسب وجهات نظر الباحثين منها السيم (SEME)، (SEMEME)، (SEMIENE)،، مؤلف، جزء، مكوّن، والشائع من المصطلحات المستعملة في البحوث الدلالية وبخاصة عند الغربيين هو السيم(2).
ويعود هذا النوع من التحليل ـ كما يذكر جورج مونان ـ إلى ليبنتز LEIBNIZ WILLIAM GOTTFRIED (1666- 1716). إن لم ترجع جذوره إلى ريمون لول (RAYMOND LULLE)، (1235- 1315)، الذي دعا إلى تأليف موسوعة بنائية للمعرفة البشرية، وتجزيئ كلّ المفاهيم إلى عناصرها أو أفكارها البسيطة(3).
يعدّ يلمسلف (LOUIS JHELMSLEV)، في العصر الحديث، رائد المدرسة النسقية بكوبنهاجن أوّل من وضع في أوروبا ابتداء من 1943 اتّجاه تحليل معاني الكلمات انطلاقاً من الملامح أو المميّزات التي تتألّف منها، وذلك في كتابه "مقدّمات إلى نظرية اللغة"، (Prolégoménes à une théorie du langage)، الذي ظهر باللغة الدانماركية سنة 1943، وترجم إلى الإنجليزية سنة 1953، ونشر لأوّل مرة بعنوان (Prolegomena to a theory of language).
أمّا الترجمة الفرنسية فكانت سنة 1968، بعنوان (La structure fondamentale du langage)، وبدا النقص واضحاً في هذه الترجمة فأعادتها جان ماري لوارد Jean Marie Leouard بالعنوان Prolégoménes..
وتعرّض فيه يلمسلف إلى التحليل التكويني للمعنى ـ خاصة ـ في فصليه (مبدأ التحليل)، و(شكل التحليل)، وكان القصد من عمله هو التفكير في نظرية للغة تمكّن من وصف واضح وغير متناقض، ليس لنصّ باللغة الفرنسية فقط، ولكن كل النصوص الفرنسية الموجودة، وليس ذلك فحسب، بل كلّ النصوص الممكنة والمتصوّرة، أي حتّى تلك النصوص ا لتي تصدر غداً، والتي تنتمي إلى مستقبل غير محدّد(4).
وهو لا يبتعد عن نظرية شومسكي (Chomsky) الخاصة بالبنية السطحية والبنية العميقة أو المقدّرة حين تعرّضه للنصوص المتصوّرة؛ أو تلك التي يمكن أن يوجدها عقل الإنسان اليوم أو غداً، ويمكن للنظرية بناء على المعارف التي تتضمنها أن تطبق على نصوص أيّة لغة(5).
ويعتبر رومان ياكبسون ( Roman Jakobson) من الذين تعرّضوا إلى التحليل التكويني للمعنى في كتابه (مقالات في اللسانيات العامة) (Essais de Linguistique génerale) ، وهو من مؤسسي مدرسة براغ الوظيفية بين 1926- 1928 مع نيكولاي تروبتسكوي (IKOLAI TROUBESKOY) الذي أصدر كتاباً مهمّاً بعنوان (مبادئ الفونولوجيا)، (PRINCIPES DE PHONOLOGIE)، فأصبح مصدراً أساسياً ومؤثّراً في الذين تبنّوا منهج التحليل التكويني.
وسعى ياكبسون في مؤلّفه إلى إيضاح مكانة اللغة بين أنظمة العلامات الأخرى، وتحديد العلاقات الوثيقة والمتعدّدة التي تربط اللسانيات بالعلوم الأخرى، وعلاقتها بالإنسان والطبيعة.
كما تعرّض إلى التحليل التكويني للأصوات في فصله الخاص بـ(ملاحظات حول التصنيف الصوتي للمقاطع) وهو المحاضرة التي ألقاها في أوّل الأمر في (حلقة براغ اللسانية)، ثمّ في المؤتمر العالمي الثالث حول العلوم الصوتية في 1938، وخصّص الفصل السابع من كتابه إلى (المفهوم اللساني للملامح ـ تذكر وتأمّلات)(6).
ويعتبر كلّ من يلمسلف وياكبسون ـ على اختلاف وجهة نظرهما وانتماء كلّ واحد إلى مدرسة مختلفة عن الآخر، أنَّه بالإمكان تطبيق مبادئ تروبتسكوي الفونولوجية في علم الدلالة وعلم التراكيب(7)، وفي تحليل المعنى إلى الملامح والمميّزات استناداً إلى القواعد التي وضعتها الفونولوجيا.
ويرتبط التحليل التكويني للمعنى بالتصوّر التركيبي أو البنائي للفونيم (الوحدة الصوتية الصغرى)، الذي يفترض اشتماله على عدد من الصفات أو الملامح التي تميّزه من فونيم أو فونيمات أخرى في النظام الصوتي للغة معيّنة(8).
فاللسانيات الوظيفية تعتبر أنَّ كلّ فونيم يمكنه أن يجزّأ إلى وحدات تكوينية مستنتجة من علم الأصوات المفصلي (La phonétique articulatoire) الذي له القدرة على تحليلها ووصفها (9).
ويسمى هذا التحليل بمصطلحات مختلفة لمنهج واحد، وإجراء واحد عند الدلاليين، فهو التحليل التكويني أو التحليل المؤلّفاتي أو التحليل السيمي، أو التحليل التجزيئي.
ويوظّف يلمسلف مصطلح "التحليل الدلالي المنطقي"(I’analyse sémantique Logique).
الذي يسمّي مضمون (contenu)، الملفوظ ماهو موجود في ذهن المتكلّم والسامع، ويسمّي التعبير (expression)، ما يظهر هذا الملفوظ، ويكشفه عن طريق الصوت أو الكتابة.
ويرى أنَّ التعبير والمحتوى مترابطان، فلم يكن التعبير كذلك إلاَّ لأنَّه تعبير عن محتوى، ولم يكن المحتوى كذلك أيضاً إلاَّ لأنَّه محتوى للتعبير، فهل يمكن أن يوجد تعبير بدون محتوى أو العكس؟... فإذا فكرنا دون أن نعبّر فإنَّ تفكيرنا في هذه الحالة لن يكون محتوى لسانياً، ثمَّ إذا تكلّمنا دون أن نفكّر، منتجين متوالية من الأصوات بدون معنى يميّزها، لن نحصل على تعبير لساني(10).
ولمّا كانت اللسانيات البنيوية قد أوضحت بأنَّه يمكن تحليل التعبير في لغة معيّنة إلى بنى صوتية ـ صرفية ـ تركيبية، فلا شكّ في أنَّه يفترض وجود بنية للمحتوى أو المضمون، ممّا يؤدّي إلى إمكانية تجزيئ معانيه إلى وحدات دلالية صغرى(11).
ولقد نما هذا التحليل وتطوّر ابتداء من 1950، بظهور ثلاث محاولات أوروبية طبقت المبادئ الصوتية انطلاقاً من الوحدات الصغرى الدالّة، فكانت:
*أولاها: محاولة كانتينو (CANTINEAU)، في 1952، حين نشر مقالاً موسوماً بـ"المقابلات الدلالية"، (Les oppositions significatives).
*وثانيها: محاولة (M.SANCHEZ RIUIPEREZ)، في سنة 1954، في كتابه: (Estructura del Sistema de aspectos y tiempos del verbo grieg Antigo. Analisis functional sincronico.).
*وثالثها: المقال الذي كتبه برييطو (PRIETO) في عام 1954، حول: (Le signe articulé et le signe proportionnel)، وأعيد طبعه في 1975 (12).
أمّا في أمريكا فقد ظهر اتّجاهان ممّا نشر في مجلة (اللغة) (LANGUAGE) في 1956، حول إمكانية تحليل المعنى إلى مؤلّفاته الجزئية، وأوّل من اهتمّ به (LOUNSBERY)، في كتابه: (A SEMANTIC ANALYSIS OF THE POWNEE KINSHIP USAGE)...
أمّا الثاني فهو (W.H. GOODENOUGH)، الذي حاول تطوير وصف نظام علاقات الدلالات انطلاقاً من لغة (TRUK)، (هي اللغة التي يكون فيها خداع مثل السينما ولغة السحرة)، فكتب كتاباً بعنوان: (COMPONENTIAL ANALYSIS AND The STUDY OF MEANING). أي (التحليل المؤلفاتي ودراسة المعنى)(13).
وكانت تهدف أعمال يلمسلف وبرييطو ولونسبيري في شموليتها إلى تنظيم معجم اللغة المعيّنة من خلال الملامح وإبراز المميّزات أو المكوّنات الدلالية لمعرفة القرابة الموجودة بين الكلمات في الحقل الدلالي الواحد (14).
إن المنهج الوظيفي لمدرسة براغ وبخاصة في مجاله الفونولوجي يقوم بدور مهم في عملية الوصف والتحليل، ويستند إلى عنصر الاستبدال الذي يعدّ من مفاتيح البنيوية؛ أي إمكانية استبدال وحدة صوتية صغرى للتأكد من تغيّر المعنى(15).
والمحور الاستبدالي أو الجدولي يقابله المحور النظمي أو الأفقي وهما ثنائية أثارهما دي سوسير وحدّدهما في كتابه: (دروس في الألسنية العامّة).
"والمحور الاستبدالي (PARADIGME) هو الذي ينتمي إلى مجموعات أو مجموعة فرعية تتكوّن من وحدات يمكن أن تؤدّي وظيفة نظمية واحدة في موضع معيّن من الملفوظ"(4)، والأمر يعود هنا إلى الكلمات التي يمكن "أن تتّخذ نفس الموقع في عقل المتحدّث ليختار منها المناسب في تعبيره، فضمائر المخاطب مثلاً تنتظم في النظام اللغوي في نسق واحد، ويختار منها المتكلّم ما يلائمه في الأداء الكلامي، فمجموع هذه الضمائر يمثّل العلاقة الجدولية أو الاستبدالية(16).
أمّا المحور النظمي أو الأفقي (SYNTAGME)، فهو وجود علاقات بين وحدات تنتمي إلى مستوى واحد، وتكون متقاربة ضمن عبارة معيّنة أو مفردة معيّنة، مثل جملة الشرط: (إن غبت ضاع منك الأهمّ)(17).
واعتمدت جميع الاتجاهات البنيوية المحور الاستبدالي في تحليلاتها؛ ومنها الاتجاه التوزيعي حيث يرى هاريس (Zellig Harris) أن أساس المنهج التوزيعي هو تصنيف الأشكال المتبادلة؛ فنضع للغة التي نودّ دراستها قائمة بالأشكال التي لها إمكانية التبادل إحداها بالأخرى؛ أي قائمة بالأشكال التي تظهر في المحيط نفسه(18).
ونجد يلمسلف يضع الملامح الدلالية انطلاقاً من الاستبدال للكلمات التالية:
فرس = حصان + أنثى.
حصان = حصان + ذكر.
رت = خنزير + ذكر.
خنزيرة = خنزير + أنثى.
إذ يلاحظ أن (فرس) تحتوي على وحدتين دلاليتين صغيرتين (حصان + أنثى)، فإذا استبدلنا العنصر الأول (حصان)، بـ(خنزير)، حصلنا على خنزيرة؛ وليس على فرس.
وكذلك في اللغة الألمانية:
إمكانية + مادية = konen
إمكانية + معنوية = durfen (19).
وفي العربية كلمة (رجل) تحتوي على المؤلّفات أو السمات المعنوية التالية:
(ذكر + بالغ+ بشري).
وكلمة (امرأة)، لا تختلف عن (رجل)، إلا من حيث الذكورة (أنثى + بالغ+ بشري)(20).
ويمكن توضيح المثال نفسه بالطريقة التالية:
رجل = اسم/ محسوس/ معدود/ حي/ بشري/ ذكر/ بالغ...
امرأة = اسم/ محسوس/ معدود/حي/بشري/ أنثى/ بالغ...
فكلمة (امرأة)، تختلف عن (رجل)، بسمة واحدة هي سمة الجنس مع اشتراكهما في جميع العناصر الأخرى، وهذه المؤلفات تكوّن المعنى الأساسي للكلمة القابلة للاستبدال(21).
وتعدّ نظرية التحليل التكويني من أحدث الاتجاهات في تحليل معاني كلمات الحقل الدلالي؛ وتعتبر امتداداً لنظرية الحقول الدلالية؛ وهي تحاول أن تضع نظرية أكثر ثباتاً؛ حيث ترى أن معنى الكلمة يتحدّد بما تحمله من ملامح أو عناصر أو بما تحتوي عليه من مكوّنات.
وتندرج نظرية التحليل التكويني ضمن علم الدلالة التفسيري (SEMANTIQUE INTRERPRETATIVE)، الذي وضعه تلميذ شومسكي مؤسس المدرسة التوليدية التحويلية في اللغة ورائدها؛ والذي وسم ببصماته الدراسة اللسانية المعاصرة.
وإذا كان شومسكي قد بدأ أ عماله بالتنكّر للمعنى؛ وكذا أنصار مذهبه المبكرون الذين اعتبروا المعجم جزءاً من النحو؛ وأعطوا أهمية ضئيلة لمعاني الكلمات والجمل؛ بل أهمل التركيبيون الأمريكيون المتأثرون ببلومفيلد السلوكي دراسة المعجم لأنّها في نظرهم تعالج مفردات توصف بأنها غير تركيبية أو ـ على الأقل ـ يبدو التسيّب في تركيبها(22).
ومع ذلك، فإنَّ هذا التحليل، يندرج في إطار النحو التوليدي كما حدّده شومسكي، وهو توسيع في آفاق الدراسة التركيبية مع إعطاء الاعتبار للجانب الدلالي؛ أي إنه يضيف إلى الجملة ووصفها البنيوي القراءة الدلالية(23).
ويمكن توضيح هذه الدراسة بالشكل الآتي:


ويعدّ كاتس (KATZ) وفودور (FODOR) تلميذا شومسكي، رائدي التحليل التكويني و السيمي، حيث قاما ببحث شهير في 1963، بعنوان (بنية نظرية علم الدلالة)، (The structure of semantic theory)، الذي ظهر بعد كتاب شومسكي (Structures sytaxiques)، (البنى التركيبية)، أو (البنى النحوية)، المطبوع في 1957، وقبل كتابه (Aspects) المنشور في 1965(24).
ونجدهما أدمجا استناداً إلى نظرية شومسكي التوليدية نظرية السياق التي تطوّرت في بريطانيا ابتداءً من سنة 1944، وكذلك نظرية الحقول الدلالية كقوّتين متفاعلتين، وقاما بتحليل تكويني لعدد من الكلمات المتقاربة المعنى كالكلمات التي تشير إلى القرابة أو إلى الألوان وذلك من خلال السياقات التي ترد فيه هذه الكلمات(25).
وألفيا أنَّ إقصاء المعجم أثناء تحليل البنية العميقة في القواعد التوليدية التحويلية يؤدّي إلى إنتاج جمل غير صحيحة، إذ ليس ما يمنع صدور الجملة التالية (شرب الحليب الولد)، (في حالة رفع الحليب)،(26). لأنَّ التلاؤم الدلالي بين الدلالات قد ينعدم في بعض التراكيب، ولذا نحصل على جمل غير أصولية أو غير خاضعة إلى القاعدة النحوية، فلا يتناسب فيها الإسناد، كما أنّها لا تكون مطابقة للواقع(27).
ولذلك فعلى الرغم من نجاح منهج شومسكي في الكشف عن البنية العميقة لعدد لا متناه من الجمل، إلاّ أنّه لم يستطع – في بداية الأمر- أن يفسّر عدم التوافق بين معاني المفردات المنتظمة في جملة واحدة.
وهذا ما دعا كاتس وفودور إلى تطوير نظرية تعتبر مكمّلة لقواعد شومسكي قوامها البحث في مؤلفات معاني كلمات الجملة طبقاً لقواعد معينة(28).
وتتكوّن الجملة في ضوء النظرية التوليدية التحويلية من بنيتين ، واحدة سطحية وأخرى عميقة، فجملة (الأولاد العقلاء يتصرّفون بحكمة) تتألف بنيتها العميقة من:
(اسم +تعريف+ تذكير +جمع) (صفة + مطابقة للاسم)+ (فعل + الزمن الحاضر + ضمير+مطابقة للاسم)+ (حرف جر) +(اسم+نكرة+ إفراد).
وأدّت الانتقادات لشومسكي إلى التغيير الجزئي من نظريته الأصلية القريبة من منهج بلومفيلد، ممّا أدّى به إلى اكتشاف سريع، أوضح من خلاله أنّه لتمييز الكفاية اللّسانية للمتكلّم- السامع يجب أن يعتمد النحو على القواعد الدلالية(29).
وكان "كاتس" وفودور" قد أثّرا في شومسكي والتركيبيين الذين أدخلوا في بحوثهم المعجمية محور المعنى، وانتقلوا إلى دراسة التركيب اللغوي والصوتي للجمل بهدف الوصول إلى معرفة النظام الكامل لمدلولات الكلمات، وطرائق بنائها لتكوين الجمل المفهومة والمقبولة معنوياً بغض النظر عن الموقف أو المقام الذي ترد فيه الجمل (30)، أو التي استعملت فيه، لأنّ هناك جملاً لا تحتاج إلى أيّ شكل من السياق لفهمها مثل الجمل الإنشائية (الأمر أو الطلب)(31).
وأضافت مساهمة كاتس وفودور إلى النحو الاهتمام بالمعجم الذي يقدّم المعلومات الدلالية والتركيبية، وكان شعارهما:
علم الدلالة = الوصف اللساني – النحو
فعلم الدلالة عندهما يهتمّ بشرح كفاية المتكلّمين وفهم الجمل الجديدة، وهذا عندما يتخلّى عنها النحو ولا يهتمّ بها(32).
ويعتمد التحليل التكويني أو المفهومي على دراسة البنية الداخلية لمدلول الكلمات خارج السياق لمعرفة الكيفية التي يتمّ بها ربط الكلمات فيما بينها انطلاقاً من تكوينها الداخلي(33).
أمّا الألسنيون التوزيعيون ومن بينهم جان دوبوا (J.Dubois) فيحدّدون سلّم الكلمات المتشابهة والمتناقضة دلالياً انطلاقاً من سياقاتها المختلفة، فالفرق بين كلمات: مرض، وجع، ألم، يحدده السياق الذي تقع فيه كلّ واحدة، ولذلك يسمّى تحليلهم بالطريقة السياقية(34).
والمنهج السيمي هو مقاربة تحليلية للمعنى، المرتكزة على المقارنة المنسّقة والمنظمة لمجموعة من العلامات اللغوية المتلازمة بهدف إبراز الملامح المميّزة في الحقل المعيّن.
فإذا أخذنا المثال البسيط التالي المتكوّن من الزوجين المتضادين:
- رجل /امرأة.
- بقرة/ثور.
فيمكننا مقارنتهما لأنّهما مرتكزان على تضاد السّمات (ذكر/ أنثى)، ولكنهما يختلفان في : بشري / بقري أو حيواني، فالرجل والمرأة يشتركان في سمة بشري، أمّا البقرة والثور فيشتركان في حيوان (أو بقري).
وإذا أضفنا إلى الزوجين السابقين: طفل وعجل، ليصبح المثال كالآتي:
- رجل/ امرأة/ طفل.
- بقرة/ ثور/ عجل.
فنكون ملزمين بإضافة سمة جديدة وهي /بالغ/ لتحقيق إعادة البناء لشبكة الاختلافات (35)، فالمميّزات هي التي تيسّر المقارنة بين مجموعة من المفردات.
إنّ تطوّر التحليل التكويني للمعنى جعل علماء الدلالة في أوربا وأمريكا يهتمّون به، ويعتبرونه منهجاً متمّماً لتصنيف المدلولات بحسب الحقول الدلالية(36)، وأصبحوا يوظّفون هذه التقنية في فهم علاقات كلمات الحقل الدلالي.
ويستخدم الإنتولوجيون والأنثروبولوجيون قوانينه وسيلة للحصول على معلومات ذات طبيعة ثقافية اجتماعية مثل التصوّرات القابلة لإدراك الروابط وعلاقات القرابة، وفهمها في حضارة معيّنة، ونقل الثقافات الهندو- أوروبية، وذلك بطابع لساني بحت(37).
والمقوّمات التي تحتويها المضامين في ضوء هذا التحليل هي التي تتيح تمييز عدّة علاقات أو نسب بينها، ويمكن إبراز أربعة أنواع من العلاقات على التوالي:
1- علاقة التضمّن: (inclusion)، وتكون عندما كل العناصر التي تتكوّن منها المجموعة (أ)، هي من بين العناصر التي تتألّف منها المجموعة (ب)، وهنا يكون التواصل تامّا، فكلّ العلامات المرسلة من الباث تكون مفهومة من المتلّقي وتمثّل عادة بهذا الشكل (38):
2- علاقة المساواة: (égalité) وتتحقّق حين تكون العناصر التي تتألّف منها (أ) هي العناصر ذاتها التي تتألف منها (ب) أي إنّ وضوح العلامات اللغوية يكون تاماً بينهما، وتمثل كالآتي(39):
3- علاقة التقاطع: (intersection) وتوجد هذه العلاقة فقط إذا اشتركت المجموعتان (أ) و(ب) في عناصر، واختلفت في أخرى، أي يكون التواصل محدوداً، لأنّ العلامات المشتركة بين المرسل والمرسل إليه قليلة كمناقشة بين فرنسي وطالب عربي يدرس اللغة الفرنسية منذ بعض السنوات، وتمثل بهذا الشكل:
4- علاقة التباين: وهي العلاقة الحاصلة بين مجموعتين لا تشتركان في أيّ عنصر، وهنا لا يتم التواصل مطلقاً لأنّ الرسالة تستقبل ولكنها غير مفهومة، لأنّ كلاّ من المتكلم والسامع لا يملك علامات لغوية مشتركة، مثل حديث أو كتابة بين عربي وإنجليزي، وكلّ منهما يجهل لغة الآخر، وتمثّل على هذا النحو(40):
وهكذا فالتحليل السيمي لمعاني المفردات هو تنظيم لمدلولاتها أو مضامينها، فهو بشكل من الأشكال تدقيق لبحوث التعريفات، وقد أعطى نتائج جيّدة ومثمرة، كان من أهمّها الإجراء التطبيقي الذي قام به بوتيي (POTTIER) في 1963، مؤسس علم الدلالة البنيوي على خمس وحدات لسانية مخصّصة لطراز أنواع المقاعد أو الكراسي، وهي:
FAUTEUIL, POUF, TABOURET, CHAISE, CANAPé
فلاحظ أنّ جميعها تشترك في أدوات الجلوس، ولكن لها ما يميّز بعضها عن بعض مثل: بمسند أو بدونه، بأرجل أو بدونها، بذراع أو بدونها (41).. بالإضافة إلى ملامح مميّزة أخرى يمكن ذكرها كالمادّة المصنوعة بها..
وعلى غرار بوتيي يمكن تطبيق هذا التحليل على حقل مفردات أنواع عربات النقل الآلية، وإثبات الملامح الخاصة بكلّ مفردة، كما يتّضح من الجدول التالي(42):
عربات النقل البرية الآلية
مداخل الملامح
على الأرض
على سكة حديدية
خاص بنقل الأشخاص
خاص بنقل البضائع
شخصية
بأجرة
أكثر من ستة أشخاص
ما بين المدن
يسير بالكهرباء
سيارة
+
-
-
-
+
-
-
-
-
حافلة
+
-
+
-
-
+
+
+
-
شلحنة
+
-
-
+
-
+
-
-
-
قطار
-
+
+
-
-
+
+
+
-
مترو
-
+
+
-
-
+
+
-
+
ترام
-
+
+
-
-
+
+
-
+
يشير الرمز (+) إلى المميّز الذي احتوته المفردة، والرمز (- ) إلى انعدام هذا الملمح، أمّا الرمز ( )فيدل على احتوائه على أكثر من مميّز.
وما يستنبط حين المقارنة بين هذه الكلمات هو أنها تشترك جميعها في ملامح عامّة هي (عربة+ نقل+ آلية+ برية) إلاّ أنّ كل واحدة تختصّ بما يميّزها عن غيرها(43).
فإذا قابلنا بين حافلة و"الترام" وجدناهما يشتركان في نقل مجموع من الناس، لكنهما تختلفان في أن الحافلة تتميّز بسيرها على الطريق العادي أما الترام فيسير على الطريق ولكن بالكهرباء، بالإضافة إلى أنّه نوع يسير على السكّة الحديدية.
وتحتاج هذه الوحدات إلى مزيد من إبراز عناصرها الدلالية أو ملامحها حتى تظهر الفروق جليّة، فمثلاً الحافلة يمكن أن تكون شخصية، كما يمكن أن تكون تابعة لقطاع الدولة، لذلك حتى نكثر من هذه الملامح في هذا الجدول وضعنا رمز (~) الذي يقصد به بأن كثيراً من الوحدات يمكن أن تشترك فيه.
كما لا يمكن أن يخلط المتعلّم بين الشاحنة والحافلة، إذ هما تشتركان في السير على الطريق العادي، ولكن الأولى خاصة بنقل البضائع والأخرى بمجموع من الناس.
ويلاحظ من خلال تتبّع الملامح المذكورة أنّه كلّما ازدادت، كلّما تميّزت المفردة عن غيرها بالوضوح والدقة، ولذلك استمّر هذا التحليل في كثير من المعاجم المعاصرة متجاوزة بذلك كثيراً من القصور في مناهج التعريف الاسمي، وقلّلت من ظاهرة الترادف الموهوم- في كثير من الحالات- والتعريفات الدورية التي كانت سمة تعاريف المعاجم التقليدية (44).
وهذا التحليل مهمّ في التعليم إذ يفرّق بين الكلمات انطلاقاً من التحليل التجزيئي لمعانيها، فإذا كان الطالب يفرّق بين سائل وآخر بناءً على تراكيبه الكيماوية ، فلا شكّ في أنّ معرفة مكوّنات المعنى تساعد على وضع الفروق الدقيقة بين كلمة وأخرى.
وإذا أخذنا الكلمات: ريم- ظبي- غزال- أعفر- خشيش- شادن، فيكون التحليل السيمي على الشكل التالي:
ملامح
المداخل
ريم
ظبي
غزال
أعفر
خشيش
شادن
حيوان
+
+
+
+
+
+
ثدي
+
+
+
+
+
+
كجتر
+
+
+
+
+
+
سريع
-
-
+
-
-
-
أحمر وأبيض
-
-
-
+
-
-
أبيض
+
-
-
-
-
-
ذو قرون مجوفة
+
+
+
+
-
-
ذو أظلاف
+
+
+
+
+
+
صغير
-
-
-
-
+
+
فلو فرّقنا بين "الريم" و"الظبي" لظهر الاختلاف فيما يأتي:

*الريم خالص البياض
*الظبي ليس أبيض
مثال آخر من أفعال الحركة (45)


مداخل
الملامح
ذهب
جاء
جرى
طار
طلع
طاف
وقع
هوى
حرطة
+
+
+
+
+
+
+
+
ذهاب
+
-
-
-
-
-
-
-
إياب
-
+
+
+
+
+
+
+
سريعة
-
-
+
+
-
-
-
+
متوسطة
+
+
-
-
+
+
+
-
إلى أعلى
-
-
-
+
+
-
-
-
إلى أسفل
-
-
-
-
-
-
+
+
دائرية
+
+
+
+
+
-
-
-
على الأرض
+
+
+
-
+
+
+
-
في الفضاء
-
-
-
+
-
-
-
+
بين الفضاء والأرض
-
-
-
+
-
-
-
+
فإذا أردنا أن نبرز الفروق بين كلمتين مثل (وقع) و(هوى) فهما تدلان على:
هوى= (حركة) (+سريعة) (+إلى أسفل) (+في الفضاء) (- بين الفضاء والأرض).
وقع =(حركة) (+متوسطة) (- إلى أسفل) (+على الأرض).
فهما تشتركان في (الحركة) وفي (إلى أسفل)، ولكنهما تختلفان في أن حركة (وقع) متوسّطة و(هوى) سريعة، وحركتها (على الأرض) و(هوى) في (الفضاء)، وهنا لا يستعان فقط بشروح المعجم وإنّما بالرجوع إلى النصوص التي تضّمنت هذه الكلمات لتحديد الملامح والعناصر الدلالية المكوّنة لها.
ومهما يكن من أمر، فإن المعنى لا يتحدّد انطلاقاً من الكلمات في حدّ ذاتها فقط، ولكن تحدّده الظروف والسياق، ولذلك يكون التحليل التجزيئي للمعنى امتداداً للمجاز والاستعارة.
وقد كان ياكبسون من الأوائل المهتمين بالبحث عن مكوّنات المفردات الداخلة في العلاقات المجازية، وكذلك (E.A.NIDA) حيث اقترح أن يبدأ الاهتمام بتحليل الكلمات إلى عناصرها الأساسية بتناول المدلولات المجازية(46).
وتقوم طبيعة المجاز عنده على انتقاء مكوّن دلالي من مجموعة المكوّنات التي تشكّل معنى الكلمة، أو تنتج عن التقاء واشتراك في عناصر معيّنة بين أطراف المجاز، وتفسّر الاستعارة بالنظر إلى المقوّمات الدلالية الصغرى المشتركة بين طرفيها، إذ كلّما كانت تلك المكوّنات أكثر عدداً وقابلة للاشتراك، كانت الاستعارة واضحة وقريبة المنال.(47).
وتقوم عملية التحليل المؤلفاتي أو التكويني أو التجزيئي على تصنيف وتعيين الوحدات المعجمية دون تفكيكها وتجميع مجموعة من الكلمات ذات الخصائص الدلالية المشتركة أو المتباينة أو المنتمية إلى حقل دلالي واحد، ثمّ ترصد عناصر معانيها من خلال استقراء مجموعة من السياقات التي ترد فيها، أي تبحث عن بناء المعجم بوساطة العناصر المكونة للكلمة، وبهذا يمكن التفريق بين مجموعة من الكلمات المترادفة أو ذات الملامح المشتركة (48).
ويرى أصحاب التحليل التكويني أنّ معنى الكلمة هو مجموعة من العناصر التكوينية أو المكوّنات الدلالية، وعلى هذا الأساس تقوم نظريتهم على الخطوات الآتية:
1- جمع الكلمات المشتركة في حقل واحد.
2- تحديد المعاني الممكنة لكلمات الحقل انطلاقاً من النصوص المختلفة التي وردت فيها.
3- يمكن تشجير كلمات الحقل وفق التفرّعات الممكنة.
4- تحديد الملامح الدلالية لكلّ معنى من معاني المجموعة من خلال استقراء السياقات التي وردت فيها.
5- تحديد ملامح كلّ مفردة بالمقارنة مع مكوّنات مفردات الحقل العام.
6- وضع العناصر التي تميّز وتفرّق بين معاني الكلمات في شكل جدول أو رسم بياني (49).
وتبرز خطوات التحليل التكويني للمعنى عند أنصار القواعد التوليدية التحويلية غايات أوّلية، مثل الانشغال بالطريقة التي تكون فيها معاني الكلمات منظمة ومنسّقة لإنشاء العبارات، واستخدام –على وجه الخصوص- تقنية تسمح بتحديد تعريفات الكلمة انطلاقاً من الملامح، والهدف هو الوصول إلى تبديل بنية مداخل المعجم، لأنّ معاني الكلمات في الجملة مستمّدة من هذا المعجم المغيّر(50)، وكذلك الحكم على المفردات الداخلة في الترادف إثباتاً ونفياً، والتمييز بين تعدّد المعنى والمشترك اللفظي، وغير ذلك من العلاقات الدلالية(51).
وانطلاقاً مما سبق، حاول أصحاب هذا التحليل الوصول إلى نظرية قادرة على إيضاح معاني الكلمات وتفسير العلاقات التي تربطها، وبيان كيفية تفاعل الكلمة من خلال السياق من ناحية وتحليلها من خلال الحقل الدلالي الذي توجد فيه من جهة أخرى.
وبمعنى آخر فإنّ "عملية التحليل التكويني لمعنى الكلمة تتمّ من خلال تعيين مجموعة من الكلمات ذات الخصائص المشتركة أو المتباينة.. ويتمّ بعد ذلك تحديد الملامح الدلالية لمعنى كلّ كلمة من هذه الكلمات من خلال استقراء مجموعة من السياقات التي ترد فيها الكلمة والتي تستطيع من خلالها تحديد العناصر التي تحملها الكلمة وبهذا يمكن أن نفرّق بين مجموعة من الكلمات المترادفة أو ذات الملامح المشتركة"(52).
ويسمح هذا المنهج بتحليل المعجم لكلّ لغة طبيعية إلى مجموعة من المكوّنات الدلالية قصد فهم بنية الإدراك للعقل البشري، وهو يرتبط بتحليل الخطاب على أساس أن ميداناً مهماً خاصاً بالمعجمية مطّبق على تحليل الخطاب(53).
ولقد سجّل التحليل التكويني لمعاني الكلمات تقدّماً بارزاً في حلّ مسائل هامّة في نطاق علم الدلالة منها قضية مقبولية بعض التراكيب (Acceptabillité) أو عدم مقبوليتها، حيث يفسّر التوافق بين معاني المفردات التي تتألف منها الجملة البسيطة قواعدياً مثل: كلمة "حبلى" التي تتلاءم مع مفردات بعينها نظراً لتوافق مؤلفاتها الأساسية فتقول: "امرأة حبلى"، و"ناقة حبلى"، ونعجة حبلى، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال قول: "رجل حبلى"، و"خروف حبلى"، و"جمل حبلى".
ومن هنا فهو يحلّ مسألة بناء التركيب أو الخطاب، على أساس أنّ الجملة أو الخطاب تتكوّن من مجموع مؤلفاتها الدلالية (54)، وفيها تتحقّق القوّة الدلالية للوحدات المعجمية (55).
والملاحظ أنّ هناك اختلافات وجهات النظر في عملية التحليل، وصعوبات تحديد معنى الكلمة بدقة، وعدم اتفاق الدلاليين أنفسهم حول ما إذا كان يبدأ في التحليل بالكلمة أو بالجملة، وممّا يعقد دور الدلالي هو حقيقة اللغة نفسها التي لا تقصر – في كثير من الأحيان- على توصيل الأفكار ونقل الأخبار، مثل الجمل الاستفهامية والطلبية..
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ اللغة ليست للتبليغ فحسب، ولكن للتأثير في الناس أيضاً فبعض الكلمات ليست موظفة لنقل دلالة بعينها، ولكن من أجل الأثر الذي تحدثه، وبخاصة في مجال السياسة مثل فاشي، ورجعي وكذلك اللغة الإشهارية التي لا يقصد من ورائها سوى الجانب الاقتصادي، أي إقناع المتلقي بشراء سلعة ولو بلغة خادعة.
كما تستعمل اللغة للسخرية مثل قولنا للأصلع: من هو حلاّقك؟(56)، وهو الاستخدام الذي يطلق عليه (مقامات اللغو الاجتماعي)، أو كما يسميّه مالينوفسكي (PHATIC COMMUNICATION) فيتبادل الناس من خلاله الكلام ولكنّهم لا يقصدون به أكثر من شغل الوقت وحلّ موقف اجتماعي.. والكلام الذي يقال في هذا المقام ليس مقصوداً لذاته، فقد يكون موضوعه الطقس أو السياسة أو أيّ مجال آخر (57). أي هو الكلام الذي تكون فيه معاني الكلمات في الظروف العادية غير ملائمة، كأن يشير المتكلم لزميله بقوله: كيف الأمور عندك؟ اليوم يوم جميل، فمثل هذه العبارات في نظره فارغة المحتوى، لأنّها نجحت في تزييف الروابط العاطفية فقط(58).
وكان أهم مظهر تميّز به عمل مالينوفسكي العلمي هو عنايته بوظيفة اللغة حيث يرى أنّ الحديث عن الثقافة البدائية بخاصة لا يعني الإخبار ولكن العمل، فاللغة في الحياة البدائية تعمل على أنّها رابط في تنظيم النشاط الإنساني، فهي أسلوب عمل وليست أداة تفكير (59)، وتطرح هذه الاستعمالات اللغوية مشاكل حين المعالجة والدراسة.
وأخيراً، فإذا كانت بعض هذه الصعوبات طفت على سطح التحليل التكويني للمعنى، فلأنه منهج حديث العهد بالتطبيق والإجراء، ولربّما تطوّر العلوم المختلفة مُخفّفٌ لهذه الصعوبات، ومجيب عن الأسئلة التي يضعها الباحث قبل الإقدام على أيّ إجراء.
وعلى أيّة حال فلقد حاول "أصحاب هذا المنهج بشكل علمي منظّم الوصول إلى نظرية تكون قادرة على إيضاح معاني الكلمات والعلاقات بينها، وبيان كيفية تفاعل الكلمة باستعمالها في السياق من ناحية، وتحليلها من خلال مجالها الدلالي الذي توجد فيه من ناحية أخرى(60).
وهو منهج يفيد منه بلا ريب المتعلّم للغة لكي يرسم الفروق الدلالية بين الكلمات ويحسن استعمالها في المواقع التي تتطلّبها.

¡¡
¡ الهوامش
(1)- ينظر، د. عادل الفاخوري، اللسانية التوليدية التحويلية، ص: 36
2- Claude Germain, Sémantique fonctionnnelle, p: 138
3- Voir,Georges Mounin, Clefs pour la linguistique, p: 141.
4- Louis Jelmslev, prolégoménes a une théorie du langage, traduit de l,anglais par anne Marie Léouard
5- Ibid, p: 27
6- Roman Jakobson , Essais de linguistique générale, p: 123- 131
7- Georges Mounin , Clefs pour la sémamtique, p40- 41
(8)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 285
(9)- ينظر، د. محمد الحناش، البنيوية في اللسانيات ص: 288
10- louis jelmslev prolégoménes… p : 72- 73
(11)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 285
- Voir. Claude Germain, Sémantique fonctionnelle, p:138- 13912
12- Voir , Claude Germain , Sémantique fonctionnelle, p: 139
13- Voir , Ibid , p: 139
14- Georges Mounin , Clefs pour la sémantique, : 41
(15)- فاطمة الطبال بركة، النظرية الألسنية عند رومان ياكبسون- دراسة ونصوص- ص: 36.
(16)- محمود فهمي حجازي، البحث اللغوي، ص: 34.
(17)- ينظر، فاطمة طبال بركة، النظرية الألسنية عند ياكبسون، ص: 36 ود. محمود فهمي حجازي، البحث اللغوي، ص: 34.
(18)- عن د. حجمد الحناش، البنيوية في اللسانيات، ص: 246، عن هاريس، From morpheme، ص: 143.
19- Voir, Georges Mounin , Clefs pour la sémantique, p: 41>
(20)- ينظر د. موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 36
(21)- ينظر د. نايف خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، ص: 322
(22)- ينظر د. موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 34، وينظر د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص: 82
23- Voir, C.Fuchs et Le Goffic, Initiation aux méthodes des linguistiques contemporaines, p: 71
24- Voir , Ibid , p: 71
(25)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 189.
(26)- ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ، اللسانيات، ص: 307
(27)- ينظر د. عادل فاخوري، اللسانية التوليدية التحويلية، ص: 56.
(28)- ينظر د. نايف خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، ص: 322
29- Louis Guespin, La sémantique (dand la linguistique), p. 203.
(30)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 34.
(31)- ينظر د. حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117.
32- Jhon Lyons, Sémantique Linguistique. P: 47.
(33)- ينظر كلود جرمان، ولوبلان، علم الدلالة، ترجمة د. نور الهدى لوشن، ص: 70- 71
(34)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة والألسني، ص: 30، وينظر نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر، ص: 167
35- D.Maingueneau, Initiations aux méthodes de l’analyse du discours, p: 59- 60.
(36)- ينظر أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 308
(37)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص: 36، وكلود جرمان، علم الدلالة، ترجمة، نور الهدى لوشن، ص: 87- 88
(38)- ينظر د. عادل الفاخوري، اللسانية التوليدية والتحويلية، ص: 38
Francis Vanoy, Expression et communication , p: 15.
(39)- ينظر المرجعان نفسهما، والصفحتان نفسهما.
(40)- ينظر عادل الفاخوري، اللسانية التوليدية التحويلية، ص: 39، وينظر فرانسيس فانوي، تعبير وتواصل، ص: 15
(41)- ينظر كلود جيرمان،علم الدلالة، ترجمة: نور الهدى لوشن، ص 72، وحلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117،
و:
Claude Germain, Sémantique Fonctionnelle; p.136.
و:
Georges Mounin , Clefs pour la Sémantique, p: 162.
(42)- ينظر كلود جيرمان،علم الدلالة، ترجمة: نور الهدى لوشن، ص 72، وحلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117،
و:
Claude Germain, Sémantique Fonctionnelle; p.136.
و:
Georges Mounin , Clefs pour la Sémantique, p: 162.
43 Voir , J. L. Fushis et autres, Linguistique francaise, initiation à la problématique structurale. T. I. P. :133.
(44)- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 118
(45)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 291
(46)- ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 308
(47)- ينظر المرجع نفسه، ص: 308
(48)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 285، وينظر كلود جرمان، علم الدلالة، ترجمة نور الهدى لوشن، ص: 86، وينظر د. حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 117.
(49)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 290، وينظر د.حلام الجيلالي، نقد المعاجم العربية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص:117
(50)- ينظر كلود جرمان، علم الدلالة، ترجمة د. نور الهدى لوشن، ص:88
(51)- ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص:308
(52)- ينظر د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص 292
53 Voir, D, Maingueneau, initiation aux méthodes de l’analyse du discours. P: 60.
(54)- ينظر موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، ص:36
55- Voir, D. Maingueneau, Ibid, p: 60.
(56)- ينظر، كلود جرمان، علم الدلالة، ص: 30
(57)ينظر د. تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، ص: 343
(58)ينظر، جيفري سامبسون، المدارس اللغوية- التطوّر والصراع ، ص: 234
(59)ينظر جيفري سامبسون، المرجع نفسه، ص: 234
(60)د. كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 292.

¾¡¾



الفصل الخامس :نظرية الحقول الدلالية وصناعة المعجم


تؤكّد الدراسات الدلالية أنّ أمماً كثيرة عرفت المعاجم منذ أقدم العصور، ألّفتها لتكون خزائن تحيط بمادّة لغتها فوضع الصينيون في سنة (150) قبل الميلاد معجماً عنوانه شوو – أوان (SCHWO- WAN) وفي سنة (530) بعد الميلاد ألّف كويي- وانج (KU- YE- WANG) معجما آخر اسمه يو- بيين (YU- PIEN).
وأسهمت الأمّة الرومانية في التأليف المعجمي، إذ عرفت معاجم منها "معاني الألفاظ" الذي ألّفه "هزيشيوس السكندري" (HESYSHIUS) في القرن الرابع الميلادي، وهو معجم للّهجات والتعابير، وألّف "أمونيوس السكندري" (AMMONIUS) معجماً لمعاني المشترك اللفظي(1).
أمّا اليونان فمن معاجمهم معجم الغريب لـ "هلاديوس السكندري" (HELLADIUS) في القرن الرابع الميلادي، ومعجم "يوليوس بولوكس" الذي رتبّه بحسب الموضوعات.
وعرفت الأمّة العربية – كما أشرنا سابقاً- أنواعاً من المعاجم، يمكن اعتبارها متطوّرة بحسب الزمان الذي ألّفت فيه حتّى أصبحت بعد مرحلة من تاريخ التأليف المعجمي أساساً لعلم مستقل بذاته.
وشهدت المعاجم لدى الأمّة العربية- بعدما أفادت من تجارب الشعوب التي سبقتها – تطوّراً ملحوظاً، وغدت منهلا يستقي منها الدارس معارفه وشروحه، وعرفت عدداً ضخماً من المعاجم وأنواعاً كثيرة يكاد يفوق ما أنتجته الأمم الأخرى سواء في عصورها القديمة أو ما تنتجه في العصر الحديث.
ولمّا كانت الثقافة العربية المعاصرة تشهد وعياً منهجياً بسبب التأثّر بالعلوم الحديثة، فإنّنا نجد نظريات ومناهج تناولت المعجم العربي قصد مقاربته، وضبط مساره، والوقوف على رصد جميع مفرداته، وترتيب مواده وتعريف مداخله، حتى يكون مؤهلاً لمستجدات العصر، وتسارع المعلومات، والمعجمية الحاسوبية(2).
والواقع "إنّ صناعة المعاجم في الدرس اللغوي العربي اليوم في أزمة، وهي بعيدة كل البعد عن مسايرة التقدم الفكري والحضاري في العالم الغربي الحديث، وفي العالم الكبير الذي يعيش المدنية المذهلة التي انبثق عنها هذا النصف الأخير من هذا القرن"(3).
وقصارى القول إنّ المعجم العربي الحديث ما يزال في حاجة إلى تضافر جهود اللغويين والأدباء والأطباء والمهندسين وغيرهم، وإلى وعي بأهميته وأهمية اللغة في حدّ ذاتها في المجتمع، فبدون "الوعي اللغوي العام، لا يستطيع أي تنظيم لغوي، مهما بلغ من القوّة والدقة أن يصيب الهدف بإحكام"(4).
وأهمّ إنجازات المعجمية العربية الحديثة هي محاولة الباحثين إظهار القديم في حُلَلٍ جديدة، وهو لعمري لم يضف شيئاً جوهرياً إلى تلك الصناعة، فهي "لا تكاد تختلف عن المعجمات القديمة إلاّ في حسن التنسيق، ونظام الترتيب، واستخدام بعض وسائل الإيضاح، كرسم ما تدلّ عليه الكلمة من حيوان، أو نبات، أو جماد، وتعرّضها أحياناً إلى بعض المصطلحات الحديثة في العلوم والفنون والصناعات.. وما إلى ذلك"(5).
ومهما يكن من أمر، فإنّ مقدّمات المعجميين العرب القدامى تبيّن أنّهم أرادوا أن يضعوا للناس عملاً في هذا الحقل أو ذاك كي ييسّروا لهم الطريق، ويبصروهم بالأصول من أقصر غاية، وهذه الروح الأصيلة في عملهم هي السرّ وراء خلود تراثهم وبقائه حيّاً إلى اليوم(6)، تفيد منه الأجيال المتعاقبة والأمم المختلفة.
إنّ المعاجم العربية القديمة والحديثة على عظمة الخدمة التي أدّتها، وما تزال تؤدّيها للعربية، ظلّت عاجزة عن مسايرة النهضة الفكرية التي تشهدها البلاد العربية ومتابعة تطوّر العلوم والمعارف، مما يزيد الشعور كل يوم بالحاجة الماسة إلى معجم حديث يضاهي المعاجم المعروفة في اللغات الأجنبية، ويتسع لمصطلحات الفنون والتقنيات، وألفاظ الحضارة التي تشهدها البشرية في هذا القرن.
على أنّ هذا الشعور مشروط بوجوب إغناء المعجم العربي بما جاء في التراث القديم استناداً إلى خصائص العربية ومرونتها إلى حدّ يمكنه استيعاب كلّ جديد تدعو إليه ضرورة أو يتطلبه علم أو فنّ.
ولا ضير على العربية من أن يحوي معجمها أيّ لفظ مولّد أو معرّب أو دخيل إذا خضع اشتقاقه للقواعد القياسية التي وضعها علماء اللغة (7)، ولقد كان ذلك نهج القدماء، حيث احتوت المعاجم كثيراً من مصطلحات عصرهم، فمنها ما هو أصيل، ومنها ما هو من صميم اجتهاد اللغويين والعلماء وفق أسس علمية رائدة.
وإذا كانت نظرية الحقول الدلالية أو المجالات قد قادت إلى التفكير في عمل معجم يضمّ كافة الحقول الموجودة في اللغة، وقدّمت المفردات داخل كل حقل على أساس تفريعي تسلسلي، فإنّها تبذل الآن محاولات كثيرة لتصنيف معاجم اللّغات ولهجات أروربية متعدّدة (8) اعتماداً على نظرية الحقول الدلالية التي قدّمت خدمات جليلة في التطبيقات المعجمية، وأحدثت تحوّلا جريئاً في منهجية البحث العلمي بناءً ونقداً، وبخاصة في مسألة جمع الرصد المفرداتي تفادياً للثّغرات، وترتيب المواد تيسيراً للبحث، وفي تعريف المدخل الذي كثيراً ما كانت تستعصي على المعجميين دقته، وتميّز مفردته عن بقية مفردات الحقل(9).
ولكن الدّارسين العرب لا يزالون يعيشون على ما خلّفه أصحاب المعاجم القدماء، ومؤسسو نظرية الحقول الدلالية، إذ لم يفكّروا إلى اليوم في صناعة معجم ترصد فيه المفردات والدلالات بمنهجية محكمة تتجاوز أعمال ابن سيده (ت458هـ) في "المحكم والمحيط الأعظم في اللغة" في الأندلس، ولسان العرب لابن منظور (ت 711هـ) في المشرق لتلائم التطوّر الاصطلاحي والمفرداتي للّغة العربية في العصر الحديث.
ويعود ذلك إلى أنّهم لم يضعوا المعجم في مستوى الصناعة، ذلك العمل الذي يشعر القائم به رغبة في إجادته وإتقانه، فيتصوّره ويصمّمه ثمّ يوفيه حقّه من الإعداد والدراسة، ويعرف الغاية منه فيسلك إليها أوضح نهج وأقوم سبيل، ثم يقرن بالفنّ المتطوّر مع الزمن، المصقول بالمران، المهذّب بالارتقاء، حقيقة واقعة في أجمل صورها وأسمى معانيها، فحينئذ يكون هذا العمل الجيّد "صناعة"، كما يدلّ عليها جوهر اللفظ في متن العربية(10).
وكفى الصناعة بهذا المعنى ورودها في قوله تعالى: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب، صنعَ الله الذي أتقن كلّ شيء، إنّه خبير بما تفعلون"(11)، وقولـه: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون"(12).
وإذا كان الغربيون قد طوّروا نظرية الحقول الدلالية من المحاولات التي كانت تقتصر على قطاع بعينه من المعجم، فأصبحت منهجاً مهمّاً في الدراسات الإنسانية المتعدّدة، فلا شكّ في أنّهم عرفوا معاجم الموضوعات قبل أن ينعتوا ما أبدعوه بالنظرية أو هي سابقة فكرة تطبيق المجال الدلالي التي غطت قطاعات المعجم.
ويعدّ معجم روجيه (ROGET) من أشهر المعاجم الأوروبية المبكرة التي صنفت على أساس الموضوعات أو المفاهيم الذي تأثر فيه صاحبه بمقولة شاعت في القرن السابع عشر تمثلت في إمكانية تركيب لغة مثالية لتنظيم المعارف العلمية وتطويرها.
وهو المعجم الذي قدّمه لكلمات اللغة الإنجليزية وعباراتها، وأشار في مقدّمته أنّه لم يرتبه بحسب النطق، وإنّما بحسب المعاني، ووزّع المفردات على ستة مجالات دلالية رئيسية، كلّ منها يعتبر مفهوماً عاماً وهي:
1- العلاقات المجرّدة
2- المكان
3- المادّة
4- الفكر
5- الإرادة
6- العواطف
واشتملت هذه الأقسام الأساسية على تسعة وتسعين (99) حقلاً دلالياً فرعيا (13).
وتأثّر روجيه ببحث شهير سبق عمله بمائتي سنة تقريباً، فكان مصدره الأساسي الذي ألهمه المنهج بصفة خاصة، وكتب البحث جون ولكينز (JOHN WILKINS) عام 1668م، يضمّ أربعمائة وأربعا وخمسين (454) صفحة بعنوان: (ESSAY TAWARDS A REAL CHARACTER AND A PHIL OSOPHAL LANGUAGE) (مقالات في الطبائع والفلسفة اللغوية).
وقسّم روجيه المعارف البشرية في معجمه إلى:
1- العلاقات التجريدية
2- الأفعال
3- العمليات والتصورات المنطقية
4- الأجناس الطبيعية وأنواع الأشياء الحيّة وغير الحيّة
5- العلاقات الصرفية المادية بين أفراد الكائن الحيّ في الأسرة والمجتمع(14).
إنّ مثل هذه المعاجم سعت إلى اقتراح يهدف إلى بناء تفكير البشر بالكلمات بوضوح ودقّة.
ومن المعاجم الدلالية التي صنفت على أساس المفاهيم أو الحقول الدلالية:
1- معجم اللغوي الفرنسي بواسيير (BOISSIERE) (15) الموسوم ب: (DICTIONNAIRE ANALOGIOUE DE LA LANGUE FRANCAISE) أي المعجم القياسي أو التماثلي للغة الفرنسية "الذي نشر 1885.
ويعدّ منهج "بواسيير" نبراساً استضاء به من ألّف في هذا النوع من المعاجم، ودستوراً للمؤلفين اللذين جاؤوا بعده، إذ اخترع لهم نظاماً أكثر إحكاماً وأسرع في امداد الباحث بما يريد، حيث تقسّم الصفحة في هذا النظام على الشكل الآتي:
ترتّب فيه الألفاظ أبجدياً، وبجانب كلّ لفظة إحالتها إلى المادة الموضوعية التي وردت فيها، فإذا كانت اللفظة رأس موضوع هي نفسها، طبعت بحرف أشد سوادا، أو ميزت بإشارة جانبية، ومعنى ذلك أنّ موضوعها مستقصى في القسم الأسفل من الصفحة نفسها، وفي النصف الأسفل توضع رؤوس الموضوعات في وسط السطر، وترتب تحتها المفردات ذات الصّلة بالموضوع واحدة واحدة.
فعلى سبيل المثال، إذا وجدت نوعاً من الحجارة لا تعرف اسمه، لكن كنت قد رأيته وعرفت أوصافه، فلتحدّد الاسم وتعود إلى مادّة "حجر" في المعجم التجانسي في حرف الحاء، فتجده مذكوراً في أعلى الصفحة، ثمّ وضعت عليه علامة تدلّ على أنّه مذكور وما يجانسه في أسفلها، ويحيل أحياناً إلى مادّة يكتبها بجانب "حجر"، ولتكن مادّة "صخر"، فإذا بحثت في حرف الصاد ألفيت ما تبتغيه(16).
وصنّف المعجميّ ماكيه (MAQUET) معجمه بعنوان "المعجم القياسي" (DICTIONNAIRE ANALOGIQUE)، على نهج بواسيير مع اختلاف في طبيعة التوزيع، نشره سنة 1936 وجعله قسمين:
- الأوّل: ترتب الكلمات وفق الأفكار.
- الثاني: ترتب الكلمات وفق الكلمات.
2- ووضع اللغويّ الألماني دور نسايف (DORNSEIFF) معجمه الذي اشتمل على عشرين حقلاً، أو مجالاً دلالياً رئيسياً أو على حدّ تعبيره عشرين مجموعة رئيسية (HANPTABETEIHUNGER)(20).
واحتوى كلّ حقل دلالي رئيسي على مجالات فرعية تتراوح بين عشرين وتسعين مجموعة دلالية فرعية (DER DEUSHE WORTS CHATZ NACH SAGH GRUPPER)، أي الكلمات الألمانية في مجموعات مبوّبة، وطبع لأوّل مرة في ليبزج عام (1933)، ثم توالت طبعاته في الأربعينيات والخمسينيات.
3- وألّف كاسيرر (CASSIRER) معجمه الموضوعاتي بالإسبانية، ونشره (1942)(17).
ويعتبر الباحثون إنجاز المعاجم المرتبة على أساس المعاني والمفاهيم من أهمّ الانجازات التي قدّمها السيمانتيك الوصفي (Sémantique descriptive)، أو علم الدلالة الوصفي في هذا الميدان، علماً أنّ للعرب أسبقية في هذا المجال (18).
ويعتبر معجم "العهد الجديد اليوناني" (GREEK NEW TESTAMENT) الذي يقوم بإعداده فريق من اللغويين لتحديد معاني الكلمات الواردة فيه، من بين أحدث التصنيفات للحقول الدلالية عند الغربيين، فهو يضمّ تحليل خمسة عشر ألف (15000) معنى من معاني العهد الجديد لخمسين ألف (50000) كلمة مصنّفة إلى مائتين وخمس وسبعين (275) حقلاً.
وعلى الرغم من قصوره لعدم شمول مفرداته على جميع مجالات اللغة إلاّ أنّه نموذج لمعاجم الحقول التي تعتمد على التصنيف المنطقي والأساسي التسلسلي.
ووزّعت معاني المعجم على أربعة موضوعات أو أقسام عامّة، وهي:
1- الموجودات.
2- الأحداث
3- المجرّدات
4- العلاقات
ويوجد تحت كلّ قسم أقسام صغرى، ويتفرّع كلّ قسم صغير إلى أقسام جزئية أقل منها وهكذا(19).
وأثبت أحمد مختار عمر (20) جدولا لهذا التصنيف نقتطف منه الرؤوس الأولى في التخطيط الآتي:


وتوضّح الأمثلة بعض الحقول الدلالية الواردة في معجم "العهد الجديد اليوناني" وطريقة تصنيفها:
1- أشياء حيّة- حيوان- حشرة- حيوان يمشي على أربع..
2- طائر- صقر- حمامة..
3- عثة- بعوض –بق...
4- دب- ذئب- ثعلب..
5- حيوان- بقرة- خنزير- حمار- خروف- فرس..
6- وبر- صوف...
7- جناح- ذيل- قرن...
8- رجل- إنسان- شخص...
9- رجل- شيخ –صبي- ولد...
10- امرأة- عجوز- فتاة- بنت...
11- طفل –رضيع...
12- جيل –قريب- أسرة- قبيلة- جنس..
13- نجل- ابن- ابنة- حفيد...
14- جد- أب –أمّ- جدّة..
15- زوج –زوجة- حماة- عريس- عروس..
16- ابن بالتبنّي –أخ- أخت..
17- ناس- فريق- جمهور...
18- جماعة المصلّين –محفل- إخوة- طائفة..
19- اجتماع –مواطن- أجنبي- وطن...
20- مجلس أعلى –مجلس محلّي.. إلى آخره(21).
وظهرت هذه الحقول الدلالية في تصنيفات عديدة، مثل تصنيف "هاليج" (HALLING) ووارتبورج (VAN WARTBUGR) الذي ظهر عام 1952م، وهو معجم تميّز بالطموح، ووصف بالعالمية، وقسّمت فيه المفاهيم على ثلاثة محاور رئيسية.
وكلّ قسم منها موزّع بدوره على أقسام فرعية وهي كالآتي:
1- الكون أو العالم: (السماء، الغلاف الجوي، الأرض، النبات، الحيوان).
2- الإنسان: (جسم الإنسان، الفكر والعقل، الحياة الاجتماعية).
3- الإنسان والكون أو العالم: (ويدخل فيه ما يتّصل بالعلم والصناعة).
ولكن ما انتقد به هذا المعجم أنّه لم يرتب المادّة المعجمية على أساس تسلسلي تدريجي(22).
وتعدّ هذه المعاجم أقرب إلى الشمولية لقيام مؤلّفيها بتغطية أكبر عدد من مفردات اللغة ضمن الحقول الدلالية، ونجد أعمالاً دلالية عمدت إلى التصنيف الجزئي لحقولٍ معينة ومحدّدة من المعجم كان منها:
- حقل الحيوانات الأليفة وحقل السكن، بحثهما جورج مونان (GEORGES MOUNIN) في كتابه "مفاتيح علم الدلالة" (CLEFS POUR LA SEMANTIONQUE) تحت فصلين وهما: "بنية معجم السكن"، (LA STRUCTURE DU LEXIQUE DE L HABIATATION)، "وحقل الحيوانات الأليفة" (Le champ des animaux domestiques)(23).
- ودراسة اللغوي الفرنسي أدنسون (ADENSON) التي صنف فيها علاقات النباتات، وتصنيف كلود جردان (JEAN CLAUDE GARDIN) للأواني والأدوات، واعتمد في وصفها على تحديد العناصر أو الملامح الدلالية لمعاني الكلمات(24).
وترتبط نظرية الحقول الدلالية في اللسان العربي بمعاجم المعاني ارتباطاً وثيقاً، لأنّ الفكرة الأساسية للحقل تتمثّل في محاولة توزيع المداخل المعجمية إلى موضوعات ومعالجتها ضمن حقول مفهومية متواردة.
وظهرت بوادر استخداماتها في الرسائل الدلالية مع بداية التدوين خلال القرن الثاني للهجرة عند العرب، فكانت النواة الأولى لمعاجم المعاني فيما بعد.
ومعاجم المعاني هي التي يلجأ إليها الباحث أو غيره ليس عندما يعسر عليه المعنى ولكن عندما لا يجد اللفظ الموافق للمعنى للتعبير عما يجول في خاطره بدقّة وترتيب حول موضوع محدّد، وتجسّدت في أكمل صورها عند الثعالبي (ت 429هـ) في "فقه اللغة وأسرار العربية"، ولدى "ابن سيده" (ت458هـ) في المخصّص".
فقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي:
يحدّد الثعالبي مصادر مادّة "فقه اللغة وأسرار العربية" كما يقول في مقدّمة معجمه من عدد كبير من اللغويين والنحاة أمثال: الخليل بن أحمد (ت175هـ)، والكسائي (ت189هـ)، والنضر بن شميل (ت203هـ)، وأبي عمرو الشيباني (ت206هـ)، والفراء (ت207هـ)، وأبي عبيدة (ت210هـ)، وأبي زيد (ت215هـ)، والأصمعي (ت216هـ)، وأبي عبيد (ت222هـ)، وابن الأعرابي (ت232هـ)، وأبي العباس المبرّد (ت 285هـ)، وابن دريد (ت321هـ)، ونفطويه (ت323هـ)، وابن خالويه (ت370هـ)، والأزهري (ت370هـ)، والخوارزمي (ت387هـ)، وغيرهم كثير، ومن ظرفاء الأدباء الذين جمعوا فصاحة العرب البلغاء.
ويشمل ثلاثين باباً، كل منها مقسّمة على فصول، بلغت ستمائة فصل، يقول الثعالبي في هذا الصدد ما نصّه: "فبلغنا بها الأبواب الثلاثين على مهل وروية، وضمّنتها من الفضول ما يناهز ستمائة"(25)، ويجمع فيه "نكتا من أقاويل أئمة الأدب وأسرار اللغة وجوامعها ولطائفها وخصائصها"(26).
وينطلق في معجمه من تحديد الإطار العام (أو الأبواب) ثمّ يقسمه إلى مجموعة من الحقول الدلالية ومن الأمثلة التوضيحية: "الباب السابع في اليبس واللين".
1- فصل في تقسيم الأسماء والأوصاف الواقعة على الأشياء اليابسة.
2- فصل في تفصيل أشياء رطبة.
3- فصل في تفصيل الأسماء والصفات الواقعة على الأشياء اللّينة.
4- فصل في تقسيم اللّين على ما يوصف به(27).
وتتجلّى روح التجديد في البحث اللغوي عند الثعالبي من خلال اجتهاده في تبويب المادة وتصنيفها على الرغم من التعميم الملاحظ في الجمع(28)، فهو يجمع الاستخدام الدقيق للألفاظ في ترتيب خاص لاشتراكها في باب واحد، نحو:
فصل في تقسيم اللّين على ما يوصف به، وهو فصل من المحور أو الحقل العام الخاص باليبس واللّين فيقول:
"ثوب ليّن، ريح رخاء، رمح لدن، لحم رخص، بنان طفل، شعر سخام، غصن أملود، فراش وثير، أرض دمثة، بدن ناعم، امرأة لميس، إذا كانت ليّنة الملمس، فرس خوّار العنان إذا كان ليّن المعطف"(29).
وتناول كتاب الثعالبي في قسمه الأوّل "فقه اللغة"، ثمّ شفعه بـ "أسرار العربية" في قسمه الثاني(30).
المخصّص لابن سيده
يعتبر معجم "المخصّص" لابد سيده أكمل صورة وأضخم عمل تتجلّى فيه فكرة الحقول الدلالية، وعلى الرّغم من المآخذ التي سجّلت عليه، إلاّ أنّ ذلك لا ينقص من شأنه وقيمته لأنّه مصنّف جاء في وقت مبكر جدّاً، لم تكن فيه مناهج البحث والتصنيف قد تطورت، بالإضافة إلى أنّ مثل تلك الأعمال ظلّت جهوداً فردية، ومع ذلك امتازت بالتنوّع في الموضوعات والتعدّد في المجالات(31).
وأبرز ابن سيده منهج تصنيف معجمه قائلاً: "إنّي لمّا وضعت كتابي الموسوم "بالمحكم" مجنّساً لأدلّ الباحث على مظنّة الكلمة المطلوبة، أردت أن أعدل به كتاباً أضعه مبوّباً حين رأيت ذلك أجدى على الفصيح المدره والبليغ المفوّه والخطيب المصقع والشاعر المجيد المدقع"(32)، وهو لا يختلف في هذا التأليف عن المعاجم العصرية المصنّفة وفق المعاني.
إنّ العدل الذي يتحدّث عنه ابن سيده مؤسّس على نمطين من المعاجم لا غنى لأحدهما عن الآخر، ولا فضل لواحد عن الآخر، فكلاهما مهمّ، ويحتاج إليهما الخطيب والمتعلّم والشاعر والكاتب وغيرهم، وهذان النمطان من المعاجم هما: معاجم الألفاظ ومعاجم المعاني:
ويذكر ابن سيده مصادر مادّته في المقدّمة، مشيراً إلى أنّها كانت مأخوذة من أئمّة اللغة والنحو أمثال: الخليل بن أحمد (ت 175هـ)، سيبويه (ت180هـ)، النضر ابن شميل (ت203هـ)، الفرّاء (ت207هـ)، أبي زيد (ت215هـ)، الأصمعي (ت216هـ)، أبي عبيد (ت222هـ)، ابن الأعرابي (ت231هـ)، ابن السكّيت (ت244هـ)، ابن قتيبة (ت276هـ)، المبرّد (ت285هـ)، ثعلب (ت291هـ)، كراع (ت310هـ)، السيرافي (ت368هـ)، ابن جني (ت392هـ)، أبي علي الفارسي (ت395هـ)(33).
وتكمن فضائل المعجم كما يذكر ابن سيده في: "تقديم الأعمّ فالعمّ على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليّات قبل الجزئيات، والابتداء بالجواهر، والتقفية بالأعراض على ما يستحقّه من التقديم والتأخير، وتقديمنا كم على كيف، وشدّة المحافظة على التقييد والتحليل"(34).
ويعدّ المخصص (35) من أكبر المعاجم المصنّفة وفق الحقول الدلالية، التي يمكن تقسيمها إلى أربعة مجالات دلالية عامّة وهي:
1- الإنسان: صفاته الخلقية والخلقية، نشاطه، علاقاته، معتقداته.
2- الحيوان: الخيل، الإبل، الأغنام، الوحوش، السباع، الهوام وغيرها.
3- الطبيعة: السماء، المطر، الأنواء، أنواع النباتات وغيرها.
4- الماديات: المعادن، السلاح، الملابس، الطعام، المسكن وغيرها(36).
وهذه المجالات لا تخرج عمّا صنّفه المعجميون المحدثون في معاجمهم.
ويدور ترتيب المعجم حول محاور عامة يرشد إليها موضع الكتاب، أو الباب، أو العنوان، أو الفكرة التي تندرج تحتها مجموعة من الكلمات العامّة التي تعالج الموضوع، ثمّ يتدرّج من العام إلى الخاص، أو من الكلّي إلى الجزئي.
ونجد ابن سيده يرتّب "المخصّص" في كتب كما يأتي:
1- كتاب خلق الإنسان. 10- الوحوش
2- الغرائز 11- كتاب السباع.
3- النساء. 12- الحشرات.
4- اللباس. 13- الطير.
5- الطعام. 14- الأنواء.
6- السلاح. 15- النخل.
7- الخيل. 16- المكنيات والمبنيات والمثنيات.
8- الإبل. 17- المثنيات.
9- الغنم. 18- الأضداد.
19- الأفعال والمصادر 20- المقصور والممدود"(37).
وعلى الرغم من استيفاء "المخصص" لأكثر الموضوعات أو الحقول الدلالية، إلاّ أنّه غلب عليه الطابع التعليمي والجمع، ولم يصل فيه إلى منهج ذي أسس علمية في جمع الرصيد المفرداتي للغة العربية وترتيب المواد وتعريف المداخل، وضبط العلاقات بين كلمات الحقل الواحد(38).
وتحتاج اللغة العربية اليوم إلى صناعة معاجم جديدة تنطلق من التراث مع إضافة الجديد، مراعية فيها الإحكام والإتقان والتنظيم والتبويب والتيسير ممّا يسهل على الباحث أو القارئ إيجاد ما يبحث عنه دون تكلّف أو عناء.
وهي في أمسّ الحاجة إلى مثل "ابن سيده" (ت458هـ)، و"ابن منظور" (ت711هـ) ليجمع لها شتات مفردات لغتها قديمها وحديثها ومعرّبها ومولّدها، لصناعة معجم يعتزّ به العربيّ أمام ما تبذله أجيال الأمم الأخرى، ويتعاون في إنجازه اللغويون والفلاسفة والأطباء والمهندسون والفقهاء وغيرهم، فالمعجم وعاء لحضارة الأمّة وتفكيرها وعقليتها، وصورة عن واقعها وآفاق مستقبلها.
وتكمن أهمّ الخدمات التي تقدمها نظرية الحقول الدلالية للمعجم فيما يأتي:
1- جمع الرصيد المفرداتي للغة،
2- ترتيب مواده،
3- وتعريف مداخله.
1- جمع الرصيد المفرداتي
إنّ أهمّ ما تميّزت به مناهج جمع الرصيد المفرداتي من ألفاظ حضارية ومصطلحات علمية في المعاجم الأجنبية المعاصرة (39) هو اعتمادها على نظرية الحقول الدلالية التي يتمّ في ضوئها تجميع الحقول الدلالية لجميع المجالات بالمقارنة مع مثيلاتها في معاجم الألسن الأخرى، وبالمعاجم المختصّة، مما يسهل الوقوف على أهمّ الثّغرات والفجوات المفرداتيّة التي يكون المعجم أغفلها ليعيد إدماجها، أو توليدها صورياً أو دلالياً، وكلّ ذلك من شأنه أن يثري المعجم ويغنيه(40).
ومفاد ما سلف أنّ نظرية الحقول الدلالية ذات أهمية قصوى في كشف الثغرات الخاصة بالألفاظ والدلالات التي يفتقر إليها هذا المعجم أو ذاك في اللسان ذاته، أو بالمقارنة مع معاجم مفهومية في ألسنة أخرى(41).
ويبدو أنّ المعجم العربي المعاصر لم يعتمد على هذه النظرية في جمع رصيده المفرداتي، ويتّضح ذلك جليّاً من خلال وجود ثغرات مفرداتيّة كبيرة تصل إلى ما يعادل خمسين بالمائة (50%) في بعض الحقول بالمعاجم العربية المعاصرة.
فعلى سبيل المثال إنّ المقارنة بين المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، ومعجم لاروس الصغير من خلال حقل وحدات قياس الأطوال –حسب النّظام المتري- توقفنا على أنّ هناك ثغرة مفرداتيّة في المعجم الوسيط تقدّر بزهاء ثمانين بالمائة(80%) بالمقارنة مع ما أثبته معجم لاروس الصغير، فبينما يكتفي المعجم الوسيط بإثبات مدخلين هما: (المتر والكيلومتر) من أصل عشر وحدات، يثبتها لاروس الصغير كلّية وهي: "انغستروم –ميكرومتر- ميليمتر- سنتيمتر- ديسيمتر- متر- متر مربع- ديكامتر- هيكتومتر- كيلومتر(42).
والمشكلة القائمة هي أنّ المتعلّم أو الباحث لا يجد هذه المجموعة من الكلمات أو المصطلحات في معجمه، وبالتالي يجب ملء هذا القطاع إمّا من اللغة نفسها أو من الألسنة الأخرى بمقارنة لسانه بها، فينقل ماهو ناقص فيه أو يعرّبه أو يضيف الجديد إلى لغة الهدف.
وتطرح في مثل هذه المسألة مشكلة دقّة المصطلح والتخصيص وهما سبيلان من سبل تكوين الفكر العلمي الواضح الذي تحتاج إليه كلّ أمّة في تربية أبنائها معتمدة عليه، لأنّه يعدّهم للعمل والبحث العلمي والإبداع وحسن التواصل وغير ذلك من الوظائف الأساسية التي تقوم بها اللغة، ولا يمكن للّغة المتّصفة بالعموم والإبهام أو الغموض أن تكون أداة تعبير عن التفكير العلمي الذي يطمح إليه.
2- ترتيب المواد
فمّن المعروف أنّ المعاجم نوعان: معاجم الألفاظ وهي التي تقدّم المعنى لمن له اللفظ، ومعاجم المعاني أي ذات الترتيب المفهومي التي تقدّم اللفظ لمن ليس له المعنى، ولا شكّ في أنّ ترتيب بعض المعاجم بحسب الحقول الدلالية يعدّ أمراً مطلوباً بل ضرورياً، وبخاصة في المصطلحات العلميّة والفنيّة والتقنيّة المحدودة التداول.
ولذا تكمن أهميّة المعجم المفهومي في تسهيل تحديد حقل الكلمة ومجال استعمالها، وضبط المعنى المقصود من ألفاظ التعدّد الدلالي وبخاصة المشترك اللفظي.
فإذا كانت معاجم الألفاظ تثبت معاني المشترك اللفظي متدرّجة نحو: (العين) = عضو الإبصار- ينبوع الماء- الجاسوس، فمعاجم الحقول الدلالية توزّع المشتركات اللفظية على حقول مختلفة: فيصبح عضو الإبصار في حقل أعضاء الحواس الخمس، مثل (الأذن –الأنف- العين..) وينبوع الماء في حقل موارد المياه (البئر- العين- السد- الينبوع)، والجاسوس في حقل وظائف المراقبة: (الحارس- الشرطي- المخبر)(43).
وبالإضافة إلى ما سبق فإنّها تسهم في استنباط الفجوات الموجودة في تعريف مداخل المعجم وبخاصة حين المقارنة بين اللغات في المجال الاصطلاحي والمفرداتي، كما أنها تدقّق في تعاريف المداخل.
3- تعريف المداخل:
يعتبر تعريف المداخل في حضور كلمات الحقل الواحد أنجح منهجيّة توصّل إليها الدّرس المعجميّ المعاصر؛ إذ ييسّر تعريف جميع المداخل حتى تلك التي يستعصى شرحها وتوضيحها.
ومن أهمّ الخدمات التي تقدمها نظرية الحقول الدلالية للتعريف ما يأتي:
1- نفي الترادف أو تأكيده، فإذا كان المعجم يعرّف مدخل: (المحمي) بأنّه (الأسد) على أساس أنّ الكلمتين (المحمي والأسد) مترادفتان، فإنّ الحقل الدلالي يضع (المحمي) ضمن حقل الصفات الدالة على المناعة كـ (المحروس –المنيع- المصون)، وبالرجوع إلى دلالة الكلمة نجدها من: (أحمى الشيء: جعله حمىً لا يقرب)، بينما يندرج مدخل الأسد ضمن حقل الحيوانات المفترسة كـ (الضبع، الأسد، النمر...)، وفي هذه الحالة يعرف المحمي بأنّه (الشئ المصون) والأسد بأنّه: (جنس حيوان من الفصيلة السنورية).
وهكذا فإنّ كلمة (المحمي) ليست مرادفة (الأسد)، وإنّما هي صفة من صفاته الغالبة، يمكن أن ينعت بها كلّ من اتّصف بالمناعة كالوطن والمعسكر والقائد وغيره.
2- تحديد العلاقات بين مفردات الحقل الواحد من جهة، وبينها وبين ألفاظ الحقول الأخرى من جهة أخرى، قصد حصر ما يوجد بينها من اختلاف أو تشابه وهو صنيع من شأنه أن يقلّل من التعدّد الدلالي في تعاريف المداخل المعجمية.
3- تيسير عملية تصنيف المداخل حسب العام والخاص والمحسوس والمجرّد، والتمييز بين تعريفات مداخل الحقل الواحد، ممّا يبعد التداخل بين المفردات(44).
وبفضل التطوّر التقني والعلمي في آخر القرن العشرين أصبحت الإفادة من الحاسوب الآلي في صناعة المعاجم من أهمّ مجالات ما يعرف "بعلم اللغة الحاسوبي" الذي أضحى يلبّي المتطلّبات العلميّة والثقافية في الدول المتقدّمة في العالم المعاصر، ويقدم صورة كاملة لألفاظ اللغة عبر القرون، وبخاصة المعجمات التاريخية التي تدوّن كلّ مفردات اللغة في مراحل تطورها مع الدلالات الخاصة بكلّ كلمة، وبكلّ تركيب في ضوء النصوص الموثّقة على نحو دقيق(45).
ولاشكّ في أنّ الخبرة المعاصرة في صناعة المعجمات التاريخية في الدول المتقدّمة ومنها: كنز اللغة الفرنسية (T.L.F)، والمعجم التاريخي للإيطالية، والمعجم التاريخي للغة السنسكريتية، أبرزت أهمية التخطيط الدقيق وتوزيع العمل بشكل يحقّق إنجازات بدون هدر للأموال والزمن والجهد الفكري، وما يتطلّبه من توزيع المراحل من تخزين، وتبويب وتصحيح، وتحرير الدلالة(46).
ولكن الاجتهاد في وضع المعاجم بل في صناعتها لا يتأتّى لكل امرئ، بل تكون لمن وصل إلى مرتبة العلماء، أو كما كان يطلق عليها مرتبة الحافظ، وهي أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها العالم، وتتلخّص هذه المراحل كما ذكرها السيوطي فيما يأتي:
1- الدؤب والملازمة: أي الدأب على الدراسة والتحصيل، فقد قيل للأصمعي: "كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا".
2- الكتابة: والقيد، فقد روى عن محمد بن يزيد بن أبي المحلم، قال: أنشدت يونس أبياتاً من رجز فكتبها على ذراعه، ثمّ قال لي: إنّك لجيّاء بالخير".
3- الرحلة في طلب الفوائد والغرائب.
4- حفظ الشعر.
5- التثّبت في الرواية.
ووظيفة الحافظ هي الإملاء والإفتاء في اللغة، وعزو العلم إلى قائله، والردّ على العلماء إذا أخطؤوا(47).
ونضيف إلى ما ذكره السيوطي، المعرفة باللغات الأجنبيّة والمناهج المبتكرة في التحليل بالإضافة إلى ثقافة العصر والشّعوب.
¡¡
¡ هوامش:
1- ينظر د.حسن ظاظا، كلام العرب، ص:127- 128.
2- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 110.
3- د.حسن ظاظا، كلام العرب، ص:153.
4- ينظر د.حسن ظاظا، المرجع نفسه، ص:157.
5- د.علي عبد الواحد وافي، فقه اللغة، ص:294.
6- ينظر د.أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص:206.
7- ينظر د.عدنان الخطيب، المعجم العربي بين الماضي والحاضر، ص:210.
8- ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص:83.
9- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص:110.
10- ينظر د.عدنان الخطيب، المعجم العربي بين الماضي والحاضر، ص:213- 214.
11- سورة النمل، الآية 90.
12- سورة هود، الآية 37.
*(روجيه: معجمي إنجليزي، ولد بلندن في 1779 وتوفي بـ WEST MALVER في 1869 صاحب أول محاولة في 1852 لمعجم المترادفات الذي لا يزال ذا شهرة كبيرة في أحدث طبعاته، ثمّ أعيد طبعه عشرات المرّات بعد ذلك بعنوان: (ROGER,S THESAURUS OF ENGLISH WORDS AND PHASES).
13- ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص:84، وينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 296- 297.
14- R.H.Robins, Histoire de la linguistique de Platon à Chomsky, p:121.
15- JEAN –BAPTISTE PRUDENCE BOISSIEE معجمي فرنسي، ولد بفالوج VALOGUE في 1806 وتوفي بباريس في 1885، ويعدّ أوّل مؤلّف لمعجم قياسي بحسب الحقول الدلالية للغة الفرنسية في 1862).
16- ينظر د.حسن ظاظا، كلام العرب، من قضايا اللغة العربية، ص149.
17- ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص:297. وينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:38.
18- ينظر د.أحمد عمر مختار، علم الدلالة، ص:186، ومن الباحثين برييكل BREKLE الذي كتب كتاباً ترجم إلى الفرنسية ونشر 1974 بعنوان "علم الدلالة" (Semantique).
19- ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص:85- 87، وينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص:298.
20- ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع نفسه، ص:95، وينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص:113.
21- ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص:88.
22- ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع نفسه، ص:84. وينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص:36- 37.
23- Voir Georges Mounin, Clefs pour la sémantique p:103- 130.
24- ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص: 297.
25- الثعالبي، فقه اللغة وأسرار العربية، ص:11.
26- د.بلعيد صالح، مصادر اللغة، ص:101.
27- الثعالبي، فقه اللغة، ص:31.
28- ينظر د.بلعيد صالح، مصادر اللغة، ص:104.
29- الثعالبي، فقه اللغة، ص:31- 32.
30- نشره رشيد الدحداح في باريس لأوّل مرّة في 1885، ثمّ أعيد طبعه في عام 1930.
31- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص:113.
32- ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص: 10.
33- ينظر ابن سيده، المصدر السابق، ج:1، ص:10.
34- ابن سيده، المخصّص، ج:1، ص: 10.
35- نجد ابن شاهمردات (600هـ) سار على منوال ابن سيده في كتابه الموسوم بـ "حدائق الأدب في اللغة، والنحو، والإملاء، والصرف، واللغة، والعروض، وهو يعتبر من معاجم الموضوعات، ويضمّ القسم الأوّل منه (18) كتاباً هي: كتاب أسنان الحيوان، وخلق الإنسان، والخيل، والإبل، والشاء، والوحوش، والسباع، والحشرات، والطير، والصفات، والأسماء وأسماء ما في السماء والهواء، والأزمنة، والنبات، والحرث، والزرع، والحبّ، والسلاح، والميسر، والأمثال، والألفاظ المستعملة بين الناس. وقام بتحقيقه د.محمد بن سليمان السّديس بالرياض. (ينظر البوعنانية في مصادر ومراجع العلوم اللغوية من إعداد الأستاذ الدكتور مختار بوعناني.
36- ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، ص:302.
37- ينظر ابن سيده، فهرس جميع أسفار المخصّص.
38- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 110.
39- من هذه المعاجم الأجنبية معجم "كبي" "للّسان الفرنسي، معجم لاروس الكبير والصغير، معجم أكسفورد للّسان الإنجليزي.
40- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 113.
41- ينظر د.حلام الجيلالي، المرجع، نفسه، ص: 113.
42- ينظر د.حلام الجيلالي، المرجع، نفسه، ص: 113.
43- ينظر د.حلام الجيلالي، المرجع، نفسه، ص: 114.
44- ينظر د.حلام الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالية، ص: 114.
45- ينظر د.محمود فهمي حجازي، البحث اللغوي، ص: 75.
46- ينظر د.محمود فهمي حجازي، المرجع نفسه، ص:75.
47- ينظر السيوطي، المزهر، ج:1، ص: 58 وما بعدها وص: 103، وما بعدها.

¾¡¾



خاتمــة


لقد اتضح ممّا سبق أنّ الأبحاث المضنية والجهود المتواصلة في دراسة المعنى لعلماء القرن العشرين أنّ الحقول الدلالية تقوم على فكرة المفاهيم العامّة التي تؤلّف بين مفردات لغة بعينها، بشكل منتظم يساير المعرفة البشرية وخبرتها المحدّدة للصلة الدلالية بين الكلمات، وأنّ معنى الكلمة هو محصّلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي.
ومن أهمّ مبادِئ نظرية الحقول الدلالية أنّ الوحدة المعجمية عند التحليل لا تشترك في أكثر من حقل، ولا توجد وحدة معجمية خارجة عنه، التي يتمّ تحديدها في القواعد التركيبية للغة في السياق المعيّن.
وهي الفكرة التي لفت بها فردينان دي سوسير انتباه اللسانيين المحدثين حين تحدّث عن علاقات التداعي التي تنشأ بين الكلمات مثل: "ارتاب، وخشي، وخاف"، فرأى أنّها تحدّد بما يحيط بها، شأنها في ذلك شأن قطعة الفارس في لعبة الشطرنج التي لا تستمدّ قيمتها إلاّ من خلال علاقاتها بالقطع الأخرى.
وتطوّرت نظرية الحقول الدلالية لما بدأ عدد من الألسنيين السوسيريين والألمان والفرنسيين والإنجليز يهتمون بها، فكان رائدهم جوست تراير بورزيج (TRIER PORZIG JOST) في دراسته لقطاع مفهومي، تناول مفردات المعرفة في اللغة الألمانية المنتمية إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، موضّحاً أنّ التغيّر الدلالي الذي حدث في الكلمات المدروسة يعكس رؤية المجتمع للعالم في هذه الفترة.
وازداد نموها على يد أدنسون (ADENSON) وجاردن (GARDEN) واستيفان أولمان (STEPHANE ULLMAN)، وبيير جيرو (PIERRE GUIRAUD)، وجورج مونان (GEORGES MOUNIN) وجورج ماطوري (GEORGES MOUNIN)، وبرنار بوتيي (BERNARD POTTIER).
وكانت من بين جهودهم العناية بالتحليل التكويني للمعنى، فرأوا أنّه قابل للتجزئة متأثرين في ذلك بما قدّمته الفونولوجية (علم وظائف الأصوات) في تحليل الأصوات إلى مكوّناتها الأساسية.
وتبيّن أنّ اللغويين العرب القدامى قد حلّلوا في وقت مبكر الحقول الدلالية منهجاً وإجراءً، وإن لم يشيروا إلى المصطلح فيما ألّفوه من مصادر حول الدلالة والمعجمية، واتّضحت –أيضاً- المنابع الفكرية والفلسفية لذلك وتأثّر هذا التأليف بما وضعه علماء الحديث النبوي الشريف في مجال تخصّصهم.
وتجلّى عملهم في تصنيف الرسائل اللغوية المرتبطة بحياتهم، وتوّجت جهودهم العلميّة بمعاجم المعاني الموزّعة وفق الحقول الدلالية التي ظهرت في صورتها المتطوّرة على يد الثعالبي في "فقه اللغة وأسرار العربية" وعند ابن سيده في "المخصّص".
ولكن اهتمام العرب المبكّر بالرسائل ومعاجم الموضوعات لم يصل بطبيعة الحال إلى تأسيس نظرية للحقول الدلالية بمفهومها العلمي المتداول في العصر الحديث.
وإذا كانت أعمالهم تختلف عن مثيلاتها التي تؤلف اليوم، فذلك يعود –بطبيعة الأمر- إلى تغيّر الزمان وتوسّع آفاق الدرس الدلالي والمعجمي، وعمق تقنياته ومنهجيته بفضل الازدهار العلمي والمعرفي في هذا القرن، وليس في ذلك ضير يلحق بما قدّمه أولئك العلماء، إذ لا يزال ما دوّنوه في مصادرهم أفكار رائدة تحتاج إلى من يزيدها بحثاً وتحليلاً حتّى تصل إلى حلقات الدرس المعاصر.
كما يلاحظ أنّ نظرية الحقول الدلالية أصبحت تستثمر في أكثر من مجال معرفي، فبات يفيد منها خبراء صناعة المعاجم المختلفة في رصد مفردات اللّغة فييسّر البحث فيها ويدقّق في معانيها، ويقفون على الخلل والنقصان في المعاجم لاستدراكهما وإعادة صياغتها حسب ما يتطلبه العصر والحياة.


¾¡¾

فهرس المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم، رواية الإمام ورش، دار المصحف، شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد. القاهرة، مصر.
2- إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو المصرية: ط: 3، عام 1972.
3- أبركان فاطمة، بعض الجوانب النظرية في المعجم العربي –معجم الألوان نموذجاً- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، إشراف الدكتور الفهري عبد القادر الفاسي، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية –الرباط- المملكة المغربية، السنة الجامعية 1994- 1995 (مخطوط).
4- ابن الأجدابي، إبراهيم بن إسماعيل، كفاية المتحفّظ ونهاية المتلفّظ في اللغة العربية، القاهرة، 1870م.
5- الأصمعي، كتاب الشجر والنبات، تحقيق د.عبد الله يوسف الغنيم، ط: 1، مطبعة المدني، القاهرة، 1972م.
6- إسماعيل عز الدين، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، دون سنة.
7- {ل ياسين محمد حسين، الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ط: 1، عام 1980.
8- أمين أحمد، ضحى الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، ط: 7، دون سنة.
9- بركة الطبال فاطمة، النظرية الألسنية عند رومان ياكبسون –دراسة ونصوص- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط: 1، سنة 1993.
10- بلعيد صالح، مصادر اللغة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر سنة 1984.
11- تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، الشركة الجديدة، دار الثقافة، الدار البيضاء المملكة المغربية، دون سنة.
12- الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، فقه اللغة وأسرار العربية، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، (دون سنة).
13- الجاحظ، الحيوان، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
14- جرمان كلود وريمون لوبلان، علم الدلالة، ترجمة نور الهدى لوشن، دار الفاضل، دمشق سنة 1994.
15- جيفري، سامبسون، المدارس اللغوية –التطوّر والصراع –ترجمة د.أحمد نعيم الكراعين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط: 1، سنة 1993.
16- جيرو بيير، علم الدلالة، ترجمة منذر عياشي، طلاس للدراسات والترجمة والنشر ط: 1، دمشق، سنة 1988.
17- حساني أحمد، مباحث في اللسانيات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، سنة 1994.
18- حجازي محمود فهمي، البحث اللغوي. دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
19- حسين أحمد طاهر، نظرية الاكتمال اللغوي، منهج شامل لتعليم اللغة العربية (الأصوات، الصرف، المعاجم، النحو)، دار الفكر العربي، القاهرة، ط: 1، مصر، سنة 1987.
20- الحناش محمد، البنيوية في اللسانيات، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، المغرب، ط: 1 سنة 1980.
21- دي سويسر فردينان، دروس في الألسنية العامة، تعريب صالح القرمادي، محمد الشاوش، محمد عجينة، الدار العربية للكتاب، سنة 1985.
22- ريمون طحان، دنيز بيطار طحان، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط: 1.
23- ريمون طحان، الألسنية العربية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط: 2، سنة 1981.
24- زكي كريم حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط: 2، القاهرة، سنة 1985.
25- السطل، وجيهة، التأليف في خلق الإنسان، منشورات دار الحكمة، دمشق، بدون تاريخ.
26- ابن السكيت، أبو يوسف بن إسحاق، كتاب الألفاظ، تحقيق الأب شيخو اليسوعي، بيروت، 1895م، (طبعة ثانية- مختصر تهذيب الألفاظ- سنة 1897م).
27- ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل، المخصّص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الآفاق الجديد، بيروت.
28- السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين، المزهر في علوم اللغة، شرح وتصحيح وعنوان وتعليق محمد أحمد جاد المولى، وآخران، دار إحياء الكتب العربية، مطبعة عيسى البابي وشركاه بمصر.
29- شاكر سالم، مدخل إلى علم الدلالة، ترجمة محمد يحياتن، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1992.
30- شلواي عمّار، درعيات أبي العلاء، دراسة دلالية –الألفاظ الخاصّة بالإنسان وحياته الاجتماعية والاقتصادية –إشراف الدكتور عبد الله بوخلخال، معهد اللغة العربية وآدابها، جامعة قسنطينة، رسالة ماجستير، سنة 1995 (مخطوط).
31- ظاظا، حسن، كلام العرب –من قضايا اللغة العربية- دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1970.
32- العشيري، محمد رياض، التصوّر اللغوي عند الإسماعلية، دراسة في كتاب الزينة لأبي حاتم الرازي، منشأة المعارف بالإسكندرية، جلال خزى وشركاه، سنة 1985.
33- فاخوري، عادل، اللسانية التوليدية التحويلية، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط: 2، بيروت، سنة 1988.
34- فندريس، اللغة. ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، سنة 1950.
35- الفهري عبد القادر الفاسي، اللسانيات واللغة العربية، منشورات عويدات، ط:1، بيروت سنة 1986.
36- قدور، محمد أحمد، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق ط:1، بيروت سنة 1986
37- قدور، محمد أحمد، مدخل إلى فقه اللغة العربية، دار الفكر، المعاصر، بيروت ط: 1، سنة 1993.
38- لوشن، نور الهدى، إلياذة الجزائر لمفدي زكريا- دراسة دلالية- إشراف ميشال باربو؛ دكتوراه دولة، معهد اللغة العربية وآدابها، جامعة الجزائر، سنة 1990 (مخطوط).
39- ماطوري، جورج، منهج المعجمية، ترجمة وتقديم عبد العلي الودغيري، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، سنة1992.
40- المبارك، محمد، فقه اللغة وخصائص العربية، دراسة تحليلية مقارنة وعرض لمنهج العربية الأصيل في التجديد والتوليد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط:7، سنة 1971.
41- مختار عمر أحمد، علم الدلالة، علم الكتب، القاهرة، سنة 1988.
42- المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامّة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، سنة 1983.
43- نايف، خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، ط:2، سنة 1979.
44- نصار حسين، المعجم العربي، نشأته وتطوّره، دار مصر للطباعة، ط: 2، القاهرة، سنة 1968.
45- وافي، عبد الواحد، فقه اللغة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، ط: 8، القاهرة، مصر.
46- الهمذاني، عبد الرحيم بن عيسى، الألفاظ الكتابية، راجعه وقدّم له الدكتور السيّد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط: 2، سنة 1998.
الدوريات
47- حلام، الجيلالي، نقد عناصر المعجم العربي في ضوء نظرية الحقول الدلالي، مجلة المنهل، العدد 550، المجلد 60، 1998، المملكة العربية السعودية.
48- زيان أبو طالب، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، المجمع العلمي العربي، سورية، يناير 1965.
49- الشاوي أحمد بن عبد الله، من مشاكل الدلالة، مجلة اللسان العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب تنسيق التعريب، عدد 22، 1982- 1983.
50- موريس أبو ناضر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، ع 18/19، مارس 1982.
المراجع باللغة الفرنسية
51- C.Fuchs et P.Le Goffic, initiation aux problémes des linguistiques contemporaines, Hachette Université, Paris, 1975.
52- Dubois, Jean et autres, dictionnaire de linguistique, librairie, larousse, Paris, 1973.
53-Grand dictionnaire Encyclopédique, Larousse, Lbrairie.
54-Germain Claude, la sémantique fonctionnelle, presses de France, l,édition, Paris, 1981.
55- Francis, Vanoy, expression et communication, Librairie, Armand Colin, Paris, 1973.
56- Jackbson Roman, éssies de linguistique générale, les éditions de Minuit, Paris, 1973.
57- Jacqueline Picohe, précis de lexicologie frncaise, Fernand Nathand, France, 1984.
58-Jhelmslev Louis, prolégoménes à une théorie de langage, tr Mauie Leouard, les
éditions de Minuit, Paris, 1966.
59- Joelle Rédouane, stylistique comprée du francais et de l,anglais, O.P.Ualger, 1996.
60- Le Petit Robert, Sous La direction de Paul Robert, Paris, 1993.
61- Lyons Jean, Sémantique Linguistique, Traduction de J.Durand Etd . Boulonnais, Librairie Larousse, Paris, 1980.
62- Maingueneau Dominique , Initiations aux métheodes de l’analyse du discours, Hachette Université,Paris, 1976.
63- Maingueneau Dominique, J.Filiolet, J.L. Chiss, initiation à la problématique structurale Hachette. Université, Paris , tome. I. 1977.
64- Matoré Georges , Histoire des dictionnaires francais, Librairie , Larousse , Paris, 1968.
65 –Mounin Georges, clefs. Pour la Linguistique, Seghers, Paris. 1971.
66- Mounin Georges, clefs pour la sémantique, édition Seghers, Paris. 1972.
67- Georges, Mounin, Dictionnaire, de Linguistique.
68- Mounin Georges. Problémes théoriques de La traduction , éditions gallimard, 1963.
69-R. H. Robins, bréve histoire de la linguistique, de Plation à Chomsky taduit de L’anglais Par Maurice Borel, édition du seuil, Paris. 1971.
70- R. H. Robins, Linguistique Générale : une introduction, Librairie Armand Colin, Traduction de Simone Delesalle et Paul Guivarch, Paris , 1973.


¾¡¾




المحتويات


مقّدمـــة 5
الفصل الأوّل: مفهوم نظرية الحقول الدلالية. 7
الفصل الثاني: نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي. 21
الفصل الثالث: نشأة نظرية الحقول الدلالية عند الغربـيين وتطورها 41
الفصل الرابع: التحليل التكويني للمعنى وعلاقته بالحقول الدلالية 61
الفصل الخامس: نظرية الحقول الدلالية وصناعة المعجم 81
خاتمــة 99




¾¡¾








رقم الإيداع في مكتبة الأسد الوطنية


أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية: دراسة/ أحمد عزوز– دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2002 – 107ص؛ 24سم.

1- 401 ع ز و أ
2- العنوان 3- عزوز

ع- 1331/8/‏2002‏ مكتبة الأسد

qq







هذا الكتاب



دراسة تحليلية جادة ومعمقة للنظر في الحقول الدلالية الموجودة في التراث، ومقارنتها بالحقول الدلالية الغربية، والوقوف على أساسيات هذا العلم ابتداءً في التراث العربي وبيان خصائص كل نوع من أنواع الدلالية.
وقد اعتمد الباحث في دراسته هذه المنهج التاريخي الوصفي فاستوفى الشروط في الجمع والتبويب والتقميس، وقام بدراسة بعضها من الوجهة التطبيقية، وقد اعتمد الباحث على أهم المراجع العربية في هذا الباب، فنقب فيها وانتقى النماذج بعين شديدة الحساسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق