الخميس، 10 يونيو 2010

عون المعبود شرح سنن أبي داود كتاب الأدب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كتاب الأدب

 

الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا, وقيل الأخذ بمكارم الأخلاق , وقيل الوقوف مع المستحسنات , وقيل : هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك , وقيل : إنه مأخوذ من المأدبة , وهي الدعوة إلى الطعام , سمي بذلك لأنه يدعى إليه.

 

‏باب ‏ ‏في الحلم وأخلاق النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مخلد بن خالد الشعيري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمر بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عكرمة يعني ابن عمار ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏إسحق يعني ابن عبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏قال قال ‏ ‏أنس ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا ‏ ‏أنيس ‏ ‏اذهب حيث أمرتك قلت نعم أنا أذهب يا رسول الله قال ‏ ‏أنس ‏ ‏والله ‏ ‏لقد خدمته سبع سنين ‏ ‏أو تسع سنين ‏ ‏ما علمت قال لشيء صنعت لم فعلت كذا وكذا ولا لشيء تركت هلا فعلت كذا وكذا ‏.

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( فقلت والله لا أذهب ) ‏
‏: قال في فتح الودود : ظاهره أن أنسا قال له صلى الله عليه وسلم وعليه حمله شراح الحديث ويرد عليه أنه كيف خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وكيف حلف بالله كاذبا , وكيف حمله النبي صلى الله عليه وسلم على الذهاب بعد الحلف , وأجاب في بعض الشروح عن بعض هذه الإيرادات بجواب يصلح جوابا عن الكل فقال إن هذا القول صدر عن أنس في صغره وهو غير مكلف انتهى ‏
‏( فخرجت حتى أمر على صبيان ) ‏
‏: أي فخرجت أذهب إلى أن مررت على صبيان وجاء بصيغة المضارع استحضارا لتلك الحالة ‏
‏( وهم يلعبون في السوق ) ‏
‏: حال من صبيان ‏
‏( فإذا ) ‏
‏: للمفاجأة
‏( قابض ) ‏
‏: أي آخذ ‏
‏( بقفاي ) ‏
‏: بفتح ياء المتكلم , والقفا مؤخر العنق ‏
‏( فنظرت إليه ) ‏
‏: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( وهو يضحك ) ‏
‏: حال من الضمير المجرور
‏( فقال يا أنيس ) ‏
‏: تصغير أنس ‏
‏( اذهب ) ‏
: وفي رواية مسلم أذهبت ‏
‏( سبع سنين أو تسع سنين ) ‏
‏: شك من الراوي , وفي رواية مسلم تسع سنين بغير الشك ‏
‏( هلا فعلت ) ‏
‏: هلا بتشديد اللام ومعناها إذا دخلت على الماضي التوبيخ أو اللوم على ترك الفعل . والمعنى لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء لم أصنعه وكنت مأمورا به لم لا صنعته . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم وفيه تسع سنين من غير شك .

 

‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان يعني ابن المغيرة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏خدمت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عشر سنين ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه ‏ ‏ما قال لي فيها أف قط وما قال لي لم فعلت هذا أو ألا فعلت هذا.

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ) ‏
: وفي الرواية المتقدمة تسع سنين فمعناه أنها تسع سنين وأشهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى ففي رواية التسع لم يحسب الكسر وفي رواية العشر حبها سنة كاملة وكلاهما صحيح كذا قال النووي ‏
‏( ليس كل أمري ) ‏
‏: أي ليس كل خدمة من خدماتي التي خدمت بها النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( كما يشتهي صاحبي ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم
‏( أن يكون ) ‏
‏: أي أمري عليه أي على ما يشتهي أي مما يكون موافقا لما يشتهيه صاحبي , يريد به النبي صلى الله عليه وسلم , بل كان منها ما يكون مخالفا لما يشتهيه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يقل في شيء مما خالف ما يشتهيه في مدة الخدمة وهي عشر سنين كلمة أف قط , وهذا من كمال خلقه الجميل ‏
‏( ما قال لي فيها ) ‏
‏: أي في مدة خدمتي وهي عشر سنين ‏
‏( أف ) ‏
‏: قال الحافظ : الأف كل مستقذر من وسخ كقلامة الظفر وما يجري مجراها , ويقال ذلك لكل مستخف به , ويقال أيضا عند تكره الشيء وعند التضجر من الشيء . وفي أف عدة لغات الحركات الثلاث بغير تنوين وبالتنوين وهذا كله مع ضم الهمزة والتشديد . قال وفيها لغات كثيرة ‏
‏( أم ) ‏
‏: بفتح الهمزة وسكون الميم بمعنى أو
‏( ألا ) ‏
‏: بفتح الهمزة والتشديد بمعنى هلا . والحديث سكت عنه المنذري . ‏

 

‏حدثنا ‏ ‏هارون بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن هلال ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أباه ‏ ‏يحدث قال قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏وهو يحدثنا ‏
‏كان النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يجلس معنا في المجلس يحدثنا فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه فحدثنا يوما فقمنا حين قام فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه ‏ ‏فجبذه ‏ ‏بردائه فحمر رقبته قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏وكان رداء خشنا فالتفت فقال له الأعرابي احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا وأستغفر الله لا وأستغفر الله لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى ‏ ‏تقيدني ‏ ‏من ‏ ‏جبذتك ‏ ‏التي ‏ ‏جبذتني ‏ ‏فكل ذلك يقول له الأعرابي والله لا ‏ ‏أقيدكها ‏ ‏فذكر الحديث قال ثم دعا رجلا فقال له احمل له على بعيريه هذين على بعير شعيرا وعلى الآخر تمرا ثم التفت إلينا فقال انصرفوا على بركة الله تعالى

عون المعبود شرح سنن أبي داود

( فإذا قام قمنا ) ‏
‏: أي لانفضاض المجلس لا للتعظيم لأنهم ما كانوا يقومون له مقبلا فكيف يقومون له مدبرا ‏
‏( قياما ) ‏
‏: أي وقوفا ممتدا
‏( حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه ) ‏
‏: ولعلهم كانوا ينتظرون رجاء أن يظهر له حاجة إلى أحد معهم أو يعرض له رجوع إلى الجلوس معهم , فإذا أيسوا تفرقوا ولم يقعدوا لعدم حلاوة الجلوس بعده صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فجبذه)
‏: أي جذبه ‏
‏( بردائه ) ‏
‏: أي ردائه صلى الله عليه وسلم
‏( فحمر ) ‏
‏: من التحمير , وهذا من عادة جفاة العرب وخشونتهم وعدم تهذيب أخلاقهم . وقيل لعله كان من المؤلفة ولهذا قال ما قال
‏( فالتفت )
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأعرابي : ‏
‏( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ) ‏
‏: أي لا أحمل لك من مالي ‏
‏( وأستغفر الله)
‏: أي إن كان الأمر على خلاف ذلك . ‏
‏قال السيوطي في مرقاة الصعود : وهذا من حسن العبارة لأن حذف الواو يوهم نفي الاستغفار وقال الفخر الرازي : روي عن أبي بكر الصديق أنه دخل السوق فقال لبياع أتبيع هذا الثوب فقال لا عافاك الله قال له أبو بكر لو علمتم قل لا وعافاك الله . ‏
‏وهذا من لطائف النحو لأنه عند حذفها يوهم كونه دعاء عليه وعند ذكر الواو لا يبقى ذلك الاحتمال انتهى ‏
‏( حتى تقيدني ) ‏
‏: من الإقادة ‏
‏( فكل ذلك يقول له الأعرابي والله لا أقيدكها ) ‏
‏: أي الجبذة وكأنه أراد لكمال كرمه صلى الله عليه وسلم أنه يعفو البتة. وفي رواية النسائي بعد قوله ولا من مال أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي , فقال الأعرابي لا والله لا أقيدك , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول لا والله لا أقيدك " ‏
‏( فذكر الحديث ) ‏.
‏وقد ذكر النسائي ما حذفه المؤلف ففيه " فلما سمعت قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له " ‏
‏( ثم دعا ) ‏
‏: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي , وقال الدارقطني تفرد به محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وسئل الإمام أحمد عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة فقال ثقة وقال مرة ليس به بأس قيل أبوه قال لا أعرفه . وسئل أبو حاتم الرازي عن محمد بن هلال قال صالح وأبوه ليس بالمشهور .


تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله : وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس قال " كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية , فأدركه أعرابي , فجبذه بردائه جبذة شديدة , فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم , وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته , ثم قال : يا محمد , مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه , فضحك , ثم أمر له بعطاء". ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس الشديد بالصرعة , إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي هريرة " أن رجلا قال للنبي : أوصني قال : لا تغضب , فردد مرارا , قال : لا تغضب " . ‏
‏وفي الصحيحين عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحياء لا يأتي إلا بخير " . ‏
‏وفيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحياء شعبة من الإيمان " . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها , فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه " .
‏وزاد الترمذي " وإن الله يبغض الفاحش البذيء " . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ؟ قال : البر : حسن الخلق , والإثم ما حاك في نفسك , وكرهت أن يطلع عليه الناس " .
‏وروى الترمذي عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : الفم والفرج " وقال : حديث حسن صحيح . ‏
‏وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا , وخياركم خيركم لنسائهم " رواه الترمذي وقال حسن صحيح . ‏
‏وفي الترمذي أيضا عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا , وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله , قد علمنا الثرثارون والمتشدقون , فما المتفيهقون , قال المتكبرون " قال الترمذي : حديث حسن . ‏
‏والثرثار هو الكثير الكلام بتكلف , والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه الذي يتكلم فيه بملء فيه تفاصحا وتفخما وتعظيما لكلامه , والمتفيهق . أصله من الفهق وهو الامتلاء , وهو الذي يملأ فمه بالكلام , ويتوسع فيه تكثرا وارتفاعا وإظهارا لفضله على غيره , قال الترمذي قال عبد الله بن المبارك " حسن الخلق طلاقة الوجه , وبذل المعروف , وكف الأذى " .
‏وقال غيره " حسن الخلق قسمان أحدهما مع الله عز وجل , وهو أن يعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرا , وكل ما يأتي من الله يوجب شكرا , فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه سائرا إليه بين مطالعة وشهود عيب نفسك وأعمالك . ‏
‏والقسم الثاني : حسن الخلق مع الناس . ‏
‏وجماعة أمران : بذل المعروف قولا وفعلا , وكف الأذى قولا وفعلا . ‏
‏وهذا إنما يقوم على أركان خمسة : العلم والجود والصبر وطيب العود وصحة الإسلام أما العلم فلأنه يعرف معاني الأخلاق وسفسافها , فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به ويترك هذا ويتخلى عنه . ‏
‏وأما الجود فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك إذا أراده منها . ‏
‏وأما الصبر فلأنه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائها لم يتهيأ له . ‏
‏وأما طيب العود : فأن يكون الله تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة القياد , وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات . ‏
‏والطبائع ثلاثة : طبيعة حجرية صلبة قاسية , لا تلين ولا تنقاد , وطبيعة مائية هوائية سريعة الانقياد مستجيبة لكل داع كالغصن أي نسيم مر يعصفه وهاتان منحرفتان . الأولى : لا تقبل والثانية لا تحفظ , وطبيعة قد جمعت اللين والصلابة والصفاء , فهي تقبل بلينها وتحفظ بصلابتها , وتدرك حقائق الأمور بصفائها , فهذه الطبيعة الكاملة التي ينشأ عنها كل خلق صحيح . ‏
‏وأما صحة الإسلام : فهو جماع ذلك , والمصحح لكل خلق حسن , فإنه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء . وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمل ذلك . له الاتصاف به , والله الموفق المعين . ‏

 

‏باب ‏ ‏في الوقار

بفتح الواو . في القاموس : الوقار كسحاب الرزانة انتهى , وفي المصباح : الوقار الحلم والرزانة وهو مصدر وقر بالضم مثل جمل جمالا , والوقار العظمة , أيضا ووقر وقرا من باب وعد جلس بوقار انتهى .

‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قابوس بن أبي ظبيان ‏ ‏أن ‏ ‏أباه ‏ ‏حدثه حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عباس ‏
‏أن نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن ‏ ‏الهدي ‏ ‏الصالح ‏ ‏والسمت ‏ ‏الصالح ‏ ‏والاقتصاد ‏ ‏جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن الهدي الصالح ) ‏
‏: بفتح الهاء وسكون الدال المهملة أي الطريقة الصالحة ‏
‏( والسمت الصالح ) ‏
‏: بفتح السين المهملة وسكون الميم هو حسن الهيئة والمنظر وأصله الطريق المنقاد . وفي النهاية أي حسن هيئته ومنظره في الدين وليس من الحسن والجمال انتهى ‏
‏( والاقتصاد )
‏: أي سلوك القصد في الأمور القولية والفعلية والدخول فيها برفق على سبيل يمكن الدوام عليه ‏
‏( جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ) ‏
‏أي إن هذه الخصال منحها الله تعالى أنبياءه فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها وليس معنى الحديث أن النبوة تتجزأ أو لا أن من جمع هذه الخصال كان فيه جزء من النبوة , فإن النبوة غير مكتسبة بالأسباب وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده , وقد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقال العلقمي : وقد يحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال تلقته الناس بالتعظيم والتبجيل والتوقير وألبسه الله عز وجل لباس التقوى الذي تلبسه أنبياؤه , فكأنها جزء من النبوة كذا في السراج المنير للعزيزي . ‏
‏وقال السيوطي : وفي رواية الطبراني جزء من خمسة وأربعين جزءا وفي رواية أخرى له جزء من سبعين جزءا قال الخطابي : هدي الرجل حاله ومذهبه وكذلك سمته , وأصل السمت الطريق المنقاد والاقتصاد سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق وعلى سبيل يمكن الدوام عليه , يريد أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء ومن الخصال المعدودة من خصائلهم وأنها جزء من أجزاء خصائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها انتهى . ‏
‏قال المنذري : في إسناده قابوس بن أبي ظبيان حصين بن جندب الجنبي كوفي لا يحتج بحديثه , وجنب بطن من مذحج وهو بفتح الجيم وسكون النون وبعدها باء موحدة . ‏
‏وظبيان بفتح الظاء المعجمة وكسرها وبعدها باء بواحدة ساكنة وياء آخر الحروف مفتوحة وبعد الألف نون .

 

‏باب ‏ ‏من كظم غيظا

قال في النهاية : كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد يعني ابن أبي أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مرحوم ‏ ‏عن ‏ ‏سهل بن معاذ ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏اسم ‏ ‏أبي مرحوم ‏ ‏عبد الرحمن بن ميمون ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عقبة بن مكرم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن يعني ابن مهدي ‏ ‏عن ‏ ‏بشر يعني ابن منصور ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏سويد بن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏من أبناء ‏ ‏أصحاب النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوه قال ملأه الله أمنا وإيمانا لم يذكر قصة دعاه الله زاد ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه ‏ ‏قال ‏ ‏بشر ‏ ‏أحسبه قال تواضعا ‏ ‏كساه الله ‏ ‏حلة الكرامة ‏ ‏ومن ‏ ‏زوج لله ‏ ‏تعالى توجه الله تاج الملك ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من كظم غيظا ) ‏
‏: أي اجترع غضبا كامنا فيه
‏( أن ينفذه ) ‏
‏: من التنفيذ والإنفاذ أي يمضيه ‏
‏( دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق ) ‏
‏: أي شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهى به , ويقال في حقه هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة ‏
‏( حتى يخيره ) ‏
‏أي يجعله مخيرا ‏
‏( من أي الحور العين شاء ) ‏
: أي في أخذ أيهن , وهو كناية عن إدخاله الجنة المنيعة وإيصاله الدرجة الرفيعة .
‏قال الطيبي : وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء , ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس } . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي حسن غريب هذا آخر كلامه وسهل بن معاذ بن أنس الجهني ضعيف , والذي روى عنه هذا الحديث أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون الليثي مولاهم المصري ولا يحتج بحديثه . ‏
‏( حدثنا عقبة بن مكرم ) ‏
: بمضمومة وسكون كاف وفتح راء ‏
‏( نحوه ) ‏
‏: أي نحو الحديث المذكور
‏( قال ملأه الله أمنا وإيمانا لم يذكر قصة دعاه الله ) ‏
‏: أي قال ملأه أمنا وإيمانا مكان دعاه الله إلخ ‏
‏( ثوب جمال ) ‏
‏: أي زينة
‏( قال بشر ) ‏
‏: يعني ابن منصور ‏
‏( أحسبه ) ‏
: أي محمد بن عجلان ‏
‏( تواضعا ) ‏
‏: وهو مفعول له لترك أي أحسب وأظن أن محمد بن عجلان قال بعد قوله وهو يقدر عليه لفظ تواضعا ولكن لا أجزمه ‏
( كساه الله حلة الكرامة ) ‏
‏: أي أكرمه الله وألبسه من ثياب الجنة
‏( ومن زوج ) ‏
‏: مفعوله محذوف أي من يحتاج إلى الزواج ‏
( لله ) ‏
‏: أي ابتغاء لمرضاته , وقيل من زوج كريمته لله تعالى , وقيل من أعطى لله اثنين من الأشياء وفي المشكاة " من تزوج لله " بزيادة التاء . قال القاري : في المرقاة أي بأن ينزل عن درجته فيتزوج من هي أدنى مرتبة منه ابتغاء لمرضاة ربه. أو أراد بالتزوج صيانة دينه وحفظ نسله ‏
‏( توجه الله ) ‏
‏: بتشديد الواو أي ألبسه وهو كناية عن إجلاله وتوقيره أو أعطي تاجا ومملكة في الجنة .
‏قال المنذري : فيه رواية مجهول .

 

‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏الحارث بن سويد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما تعدون الصرعة فيكم قالوا الذي لا يصرعه الرجال قال لا ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما تعدون الصرعة ) ‏
‏: بضم الصاد المهملة وفتح الراء على وزن همزة ولمزة من يصرع الناس . ‏
‏قال العلقمي : بضم الصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الناس كثيرا بقوته والهاء للمبالغة في الصفة . والصرعة بضم الصاد وسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا انتهى ‏
‏( قالوا )
‏: أي الصحابة رضي الله عنهم ‏
‏( ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب(
‏: أي عند ثورانه فيقهر نفسه ويكظم غضبه . قال المنذري : وأخرجه مسلم أتم منه . ‏

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقال عند الغضب ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يوسف بن موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير بن عبد الحميد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن عمير ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏ ‏عن ‏ ‏معاذ بن جبل ‏ ‏قال ‏
‏استب رجلان عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب فقال ما هي يا رسول الله قال يقول ‏ ‏اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم قال فجعل ‏ ‏معاذ ‏ ‏يأمره فأبى ‏ ‏ومحك ‏ ‏وجعل يزداد غضبا ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( استب رجلان ) ‏
‏: أي سب أحدهما الآخر
‏( حتى خيل ) ‏
‏: بصيغة المجهول من التخييل ‏
‏( إلي )
‏: بتشديد التحتية ‏
‏( أن أنفه يتمزع ) ‏
‏: أي يتشقق ويتقطع , والمزعة هي القطعة من الشيء قاله الخطابي ‏
‏( فقال ما هي)
‏: أي قال معاذ ما تلك الكلمة ‏
‏( فجعل معاذ يأمره ) ‏
: أي الرجل الغضبان بقول تلك الكلمة ‏
‏( ومحك ) ‏
‏: بالحاء المهملة من باب علم ومنع أي لج في الخصومة . وفي الحديث أنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , وأنه سبب لزوال الغضب . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي هذا حديث مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب , وقتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين , وما قاله الترمذي ظاهر جدا فإن البخاري ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن سنة سبع عشرة , وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في الطاعون سنة ثماني عشرة وقيل سنة سبع عشرة . وقد أخرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب وهذا متصل .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏حدثنا ‏ ‏داود بن أبي هند ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حرب بن أبي الأسود ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏
‏إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لنا ‏ ‏إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ‏
‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏عن ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏داود ‏ ‏عن ‏ ‏بكر ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بعث ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏بهذا الحديث ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهذا أصح الحديثين ‏

 


‏( فإن ذهب عنه الغضب ) ‏
‏: أي فبها ‏
( وإلا فليضطجع ) ‏
‏: قال الخطابي : القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى والمضطجع ممنوع منهما فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها في ما بعد انتهى . والحديث تكلم عليه المنذري وأبو داود بعد الحديث الآتي. ‏
‏( عن داود ) ‏
‏: هو ابن أبي هند ‏
‏( بعث أبا ذر ) ‏
‏: أي لحاجة من حاجاته ثم قال له ‏
‏( بهذا الحديث ) ‏
‏: أي المذكور ‏
( وهذا أصح الحديثين ) ‏
‏: يعني أن حديث وهب بن بقية أصح من حديث أحمد بن حنبل . ‏
‏قال المنذري : يريد أن المرسل أصح , وقال غيره إنما يروي أبو حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر ولا يحفظ له سماع من أبي ذر انتهى . ‏
‏وقال المزي في الأطراف : إنما يروي أبو حرب عن عمه عن أبي ذر ولا يحفظ له سماع عن أبي ذر , ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه بإسناده , ورواه فيه عن أبي الأسود انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏بكر بن خلف ‏ ‏والحسن بن علي ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن خالد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو وائل القاص ‏ ‏قال دخلنا على ‏ ‏عروة بن محمد السعدي ‏ ‏فكلمه رجل فأغضبه فقام فتوضأ ثم رجع وقد توضأ ‏ ‏فقال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏جدي ‏ ‏عطية ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فكلمه ) ‏
‏: أي عروة بن محمد ‏
‏( فأغضبه ) ‏
‏: أي أغضب الرجل عروة ‏
‏( فقام ) ‏
‏: أي عروة
‏( إن الغضب من الشيطان ) ‏
‏: أي من أثر وسوسته ‏
‏( وإن الشيطان خلق ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( من النار ) ‏
‏: قال تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } وقال { خلقتني من نار } وهذا دليل على أنه من الجن لأن الملائكة خلقوا من النور قاله القاري ‏
‏( وإنما تطفأ )
‏: بصيغة المجهول مهموزا أي تدفع ‏
‏( فليتوضأ ) ‏
‏: أي وضوءه للصلاة وإن كان على وضوء . ‏
‏قال المنذري : عطية هذا هو ابن سعد ويقال ابن قيس ويقال ابن عمرو بن عروة سعدي من بني بكر بن هوازن ونزل الشام وكان مولده بالبلقا وله صحبة وكنيته أبو محمد .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في التجاوز في الأمر ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عروة بن الزبير ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏أنها قالت ‏
‏ما خير رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما خير ) ‏
‏: بصيغة المجهول من التخيير
‏( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ) ‏
‏: فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها . ‏
‏قال القاضي : ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هاهنا من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة أو الاقتصاد وكان يختار الأيسر في كل هذا . قال وأما قولها ما لم يكن إثما فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون , فأما إن كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا كذا في شرح مسلم للنووي ‏
‏( فإن كان ) ‏
‏: أي أيسر الأمرين ‏
‏( إثما كان ) ‏
‏: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
‏( منه ) ‏
‏: أي من أيسرهما الذي يكون إثما ‏
‏( إلا أن ينتهك حرمة الله ) ‏
‏: انتهاك حرمة الله تعالى ارتكاب ما حرمه والاستثناء منقطع أي لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي.

 

‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن زريع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏
‏ما ضرب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خادما ولا امرأة قط

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما ضرب إلخ ) ‏
‏: فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .

 

‏حدثنا ‏ ‏يعقوب بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله يعني ابن الزبير ‏
‏في قوله ‏

‏قال ‏ ‏أمر نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن يأخذ العفو من أخلاق الناس

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( في قوله ) ‏
‏: أي في تفسير قوله تعالى
‏( خذ العفو ) ‏
‏: لما عدد الله تعالى من أحوال المشركين ما عدده وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ العفو من أخلاقهم , يقال أخذت حقي عفوا أي سهلا , وهذا نوع من التيسير الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا . ‏
‏والمراد بالعفو هنا ضد الجهد , والعفو التساهل في كل شيء كذا في بعض التفاسير. ‏
‏وفي جامع البيان : خذ العفو من أخلاق الناس كقبول أعذارهم والمساهلة معهم انتهى . ‏
‏وفي تفسير الخازن : المعنى اقبل الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم فيستعصوا عليك فتتولد منه العداوة والبغضاء . ‏
‏وقال مجاهد : يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس وذلك مثل قبول الاعتذار منهم وترك البحث عن الأشياء . وأخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير قال ما نزلت { خذ العفو وأمر بالعرف } إلا في أخلاق الناس . وفي رواية قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أقوال الناس وكذا في جامع الأصول. وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أقوال الناس أو كما قال . انتهى كلام الخازن . ‏
‏وفي الدر المنثور : وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والطبراني والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن الزبير قال ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } وفي لفظ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس . وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله تعالى { خذ العفو } قال أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي .

 

‏باب ‏ ‏في حسن العشرة

بكسر العين أي المعاشرة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الحميد يعني الحماني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏مسلم ‏ ‏عن ‏ ‏مسروق ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏كان النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل ما بال فلان يقول ولكن يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا بلغه عن الرجل الشيء ) ‏
‏: أي المكروه
‏( لم يقل ما بال فلان ) ‏
‏: أي ما حاله وشأنه , يعني لم يصرح باسمه ‏
‏( ولكن يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ) ‏
‏: احترازا عن المواجهة بالمكروه مع حصول المقصود بدونه. ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي بمعناه . ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن عمر بن ميسرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سلم العلوي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏أن رجلا دخل على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعليه أثر صفرة ‏ ‏وكان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قلما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه فلما خرج قال لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏سلم ‏ ‏ليس هو ‏ ‏علويا ‏ ‏كان يبصر في النجوم وشهد عند ‏ ‏عدي بن أرطاة ‏ ‏على رؤية الهلال فلم يجز شهادته

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا سلم ) ‏
‏: بفتح السين وإسكان اللام
‏( وعليه أثر صفرة ) ‏
‏: أي على جسده أو على ثوبه أثر الزعفران
‏( فلما خرج ) ‏
‏: أي الرجل ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( لو أمرتم ) ‏
‏: الخطاب للحاضرين من الصحابة رضي الله عنهم ‏
‏( هذا ) ‏
‏: أي الرجل ‏
‏( أن يغسل ذا ) ‏
‏: أي الأثر ‏
‏( عنه ) ‏
‏: أي عن جسده أو ثوبه
‏( ليس هو علويا ) ‏
‏: أي لم يكن من أولاد علي رضي الله عنه بل كان يبصر في النجوم أي يبصر في العلو , لأن النجوم في العلو فنسب إليه ‏
‏( فلم يجز شهادته ) ‏
‏: بضم التحتية وكسر الجيم أي لم يقبل ابن أرطاة شهادة سلم .
‏قال في الخلاصة : ضعفه ابن معين , وقال شعبة ذاك الذي يرى الهلال قبل الناس بليلتين. ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وسلم هذا هو ابن قيس بصري لا يحتج بحديثه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏نصر بن علي ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أبو أحمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الحجاج بن فرافصة ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن المتوكل العسقلاني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏بشر بن رافع ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن أبي كثير ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏رفعاه جميعا قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المؤمن ‏ ‏غر ‏ ‏كريم والفاجر ‏ ‏خب ‏ ‏لئيم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الحجاج بن فرافصة ) ‏
‏: بضم الفاء وفتح الراء وكسر الفاء الثانية بعدها صاد مهملة ‏
‏( رفعاه ) ‏
‏: أي نصر بن علي ومحمد بن المتوكل , والضمير المنصوب للحديث يعني روياه مرفوعا ‏
‏( المؤمن غر )
‏: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء ‏
‏( كريم ) ‏
‏: أي موصوف بالوصفين أي له الاغترار لكرمه ‏
‏( والفاجر ) ‏
‏: أي الفاسق
‏( خب ) ‏
‏: بفتح خاء معجمة وتكسر وتشديد موحدة أي يسعى بين الناس بالفساد , والتخبب إفساد زوجة الغير أو عبده ‏
‏( لئيم ) ‏
‏: أي بخيل لجوج سيئ الخلق وفي , كل منهما الوصف الثاني سبب للأول وهو نتيجة الثاني , فكلاهما من باب التذييل والتكميل قاله القاري . ‏
‏قال الخطابي في المعالم : معنى هذا الكلام أن المؤمن المحمود هو من كان طبعه وشيمته الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه , وأن ذلك ليس منه جهلا لكنه كرم وحسن خلق , وأن الفاجر هو من كانت عادته الخب والدهاء والوغول في معرفة الشر وليس ذلك منه عقلا ولكنه خب ولؤوم انتهى .
‏وقال ابن الأثير : المؤمن غر كريم أي ليس بذي مكر فهو ينخدع لانقياده ولينه وهو ضد الخب , يقال فتى غر وفتاة غر انتهى . ‏
‏قال السيوطي : هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح وزعم أنه موضوع وقال الحافظ ابن حجر في رده عليه قد أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن حجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير به موصولا . وقال أسنده المتقدمون من أصحاب الثوري . وحجاج قال ابن معين لا بأس به , قال ولم يحتج الشيخان ببشر ولا بحجاج . قال الحافظ بل الحجاج ضعفه الجمهور وبشر بن رافع أضعف منه ومع ذلك لا يتجه الحكم عليه بالوضع لفقد شرط الحاكم في ذلك انتهى . ‏
‏وقال الحافظ صلاح الدين العلائي بشر بن رافع هذا ضعفه أحمد بن حنبل , وقال ابن معين لا بأس به , وقال ابن عدي لم أجد له حديثا منكرا , وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود الثانية , فقال عن حجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به فتعين المبهم أنه يحيى بن أبي كثير , وحجاج هذا قال فيه ابن معين لا بأس به , وذكره ابن حبان في الثقات . ‏
‏وقال أبو حاتم هو شيخ صالح متعبد , وقال أبو زرعة ليس بالقوي , وتوثيق الأولين مقدم على هذا الكلام , وحصلت برواية حجاج هذا المتابعة لبشر بن رافع في الحديث وخرج به عن الغرابة , فالحديث بروايتهما لا ينزل عن درجة الحسن انتهى كلام السيوطي ملخصا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . هذا آخر كلامه وفي إسناده بشر بن رافع الحارثي اليمامي ولا يحتج بحديثه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن المنكدر ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏
‏استأذن رجل على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال بئس ابن العشيرة ‏ ‏أو بئس رجل العشيرة ‏ ‏ثم قال ائذنوا له فلما دخل ألان له القول فقالت ‏ ‏عائشة ‏ ‏يا رسول الله ألنت له القول وقد قلت له ما قلت قال ‏ ‏إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من ودعه ‏ ‏أو تركه ‏ ‏الناس لاتقاء ‏ ‏فحشه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( استأذن رجل ) ‏
‏: أي طلب الإذن ‏
‏( على النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي في الدخول عليه ‏
‏( بئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة ) ‏
‏: أو للشك من بعض الرواة أي بئس هو من قومه .
‏قال الطيبي : العشيرة القبيلة أي بئس هذا الرجل من هذه العشيرة كما يقال يا أخا العرب لرجل منهم . ‏
‏قال القاضي : هذا الرجل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام , فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله . قال وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله عنه ‏
‏( ثم قال ائذنوا ) ‏
‏: بهمزة ساكنة وصلا أي أعطوا الإذن ‏
‏( ألان له القول ) ‏
‏: أي قال له قولا لينا ‏
‏( من ودعه أو تركه الناس ) ‏
‏: شك من الراوي , ومعنى الفعلين واحد ‏
‏(لاتقاء فحشه ) ‏
‏: أي لأجل قبيح قوله وفعله . وفي رواية للبخاري اتقاء شره .
‏قال القرطبي : في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى . ثم قال والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا , والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكاملته ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله , فإن قوله فيه حق وفعله معه حسن عشرة , فيزول مع هذا التقرير الإشكال بحمد الله تعالى كذا في فتح الباري . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي . وهذا الرجل هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري , وقيل هو مخرمة بن نوفل الزهري والد المسور بن مخرمة رضي الله عنه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن رجلا استأذن على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بئس أخو العشيرة فلما دخل انبسط إليه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وكلمه فلما خرج قلت يا رسول الله لما استأذن قلت بئس أخو العشيرة فلما دخل انبسطت إليه فقال يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏إن الله لا يحب ‏ ‏الفاحش ‏ ‏المتفحش ‏
‏حدثنا ‏ ‏عباس العنبري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أسود بن عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شريك ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏في هذه القصة ‏ ‏قالت ‏ ‏فقال تعني النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( انبسط إليه ) ‏
‏: أي تبسم له وألان القول له , وقيل أي جعله قريبا من نفسه كذا في المرقاة ‏
‏( إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ) ‏
‏: قال الخطابي : أصل الفحش زيادة الشيء على مقداره , يقول صلى الله عليه وسلم إن استقبال المرء صاحبه بعيوبه إفحاش والله لا يحب الفحش , ولكن الواجب أن يتأنى به ويرفق به ويكني في القول ويوري ولا يصرح . وقال في النهاية : الفاحش والفحش في كلامه وفعاله , والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده . والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( الذين يكرمون ) ‏
‏: بصيغة المجهول من الإكرام أي يكرمهم الناس ويوقرونهم ‏
‏( اتقاء ألسنتهم ) ‏
‏: بالنصب مفعول له ليكرمون , أي لأجل اتقاء ألسنتهم. ‏
‏قال المنذري : ذكر يحيى بن سعيد القطان أن مجاهدا لم يسمع من عائشة . وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما حديث مجاهد عن عائشة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن منيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو قطن ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏مبارك ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏ما رأيت رجلا ‏ ‏التقم ‏ ‏أذن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ‏ ‏ينحي رأسه وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي وضع فمه على أذنه صلى الله عليه وسلم للتناجي ‏
‏( فينحي رأسه ) ‏
: الضميران للنبي صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قال المنذري : في إسناده مبارك بن فضالة أبو فضالة القرشي العدوي مولاهم البصري . قال عفان بن مسلم ثقة , وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والنسائي .

 

‏باب ‏ ‏في الحياء

بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به . وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق . كذا قال الحافظ . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مر على رجل من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏دعه فإن ‏ ‏الحياء من الإيمان ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهو يعظ أخاه في الحياء ) ‏
‏: قال النووي : أي ينهاه عنه ويقبح له فعله ويزجره عن كثرته . وقال الحافظ أي ينصحه أو يخوفه أو يذكره . كذا شرحوه والأولى أن يشرح بما جاء عند البخاري في الأدب ولفظه يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضربك ‏
‏( دعه ) ‏
‏: أي اتركه على حاله ‏
‏( فإن الحياء من الإيمان ) ‏
‏: أي من شعبه .
‏قالوا . إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏إسحق بن سويد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي قتادة ‏ ‏قال ‏
‏كنا مع ‏ ‏عمران بن حصين ‏ ‏وثم ‏ ‏بشير بن كعب ‏ ‏فحدث ‏ ‏عمران بن حصين ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الحياء خير كله ‏ ‏أو قال ‏ ‏الحياء كله خير فقال ‏ ‏بشير بن كعب ‏ ‏إنا نجد في بعض الكتب أن منه سكينة ووقارا ومنه ضعفا فأعاد ‏ ‏عمران ‏ ‏الحديث وأعاد ‏ ‏بشير ‏ ‏الكلام قال فغضب ‏ ‏عمران ‏ ‏حتى احمرت عيناه وقال ألا ‏ ‏أراني أحدثك عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وتحدثني عن كتبك قال قلنا يا ‏ ‏أبا نجيد ‏ ‏إيه إيه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي قتادة ) ‏
‏: هو تميم بن نذير العدوي البصري . وقيل في اسمه غير ذلك , والأول أشهر رضي الله عنه . ونذير بضم النون وفتح الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وراء مهملة قاله المنذري ‏
‏( وثم )
‏: بفتح المثلثة وتشديد الميم المفتوحة ظرف مكان , وفي رواية مسلم وفينا بشير بن كعب ‏
‏( بشير ) ‏
‏بالتصغير تابعي جليل ‏
‏( الحياء خير كله أو قال الحياء كله خير ) ‏
‏: أو للشك . ‏
‏قال الحافظ : أشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق . ‏
‏والجواب : أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا , والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي وهو خلق يبعث على ترك القبيح انتهى ‏
‏( أن منه ) ‏
‏: أي من الحياء , ومن للتبعيض ‏
‏( سكينة ووقارا )
‏: قال القرطبي : معنى كلام بشير أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه , ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة ‏
‏( ومنه ضعفا ) ‏
: بفتح الضاد وضمها لغتان أي كالحياء الذي يمنع عن طلب العلم ونحوه ‏
‏( فغضب عمران ) ‏
‏: وسبب غضبه وإنكاره على بشير لكونه قال ومنه ضعفا بعد سماعه قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير كله وقيل إنما أنكره عليه من حيث إنه ساقه في معرض من يعارض كلام الرسول بكلام غيره ‏
‏( يا أبا نجيد ) ‏
‏: بضم النون وفتح الجيم وآخره دال مهملة وهو كنية عمران بن حصين ‏
‏( إيه إيه )
‏: قال في القاموس : إي بكسر الهمزة وإسكان الهاء زجر بمعنى حسبك , وإيه مبنية على الكسر فإذا وصلت نونت , وأيها بالنصب والفتح أمر بالسكوت . والمعنى والله أعلم يا أبا نجيد حسبك ما صدر منك من الغضب والإنكار على بشير فإنه منا ولا بأس به فاسكت ولا تزدد غضبا وإنكارا . وفي بعض النسخ إنه إنه أي صادق , وفي بعضها إنه إنه , وفي رواية مسلم يا أبا نجيد إنه لا بأس به . ‏
‏قال النووي : معناه ليس هو مما يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به هل الاستقامة انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم بمعناه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مسعود ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ‏ ‏إذا لم تستح فافعل ما شئت ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ربعي ) ‏
‏: بكسر أوله وسكون الموحدة
‏( بن حراش ) ‏
‏: بكسر المهملة وآخره معجمة ‏
‏( إن مما أدرك الناس ) ‏
‏أي أهل الجاهلية , والناس يجوز فيه الرفع والعائد على ما محذوف ويجوز النصب والعائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ وإذا لم تستحي اسم إن بتأويل هذا القول ‏
‏( من كلام النبوة الأولى ) ‏
‏: قال العزيزي أي نبوة آدم : وقال القاري : من تبعيضية . والمعنى إن من جملة أخبار أصحاب النبوة السابقة من الأنبياء والمرسلين . ‏
‏قال الخطابي في المعالم : معناه أن الحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله واتفقت العقول على حسنه وما كانت هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل
‏( إذا لم تستحي ) ‏
‏: بسكون الحاء وكسر الياء وحذف الثانية للجزم
‏( فاصنع ما شئت ) ‏
‏: قال في شرح السنة فيه أقاويل : ‏
‏أحدها : أن معناه الخبر وإن كان لفظه لفظ الأمر كأنه يقول إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت مما تدعوك إليه نفسك من القبيح وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيد . ‏
‏وثانيها : أن معناه الوعيد كقوله تعالى { اعملوا ما شئتم } أي اصنع ما شئت فإن الله يجازيك , وإليه ذهب أبو العباس . ‏
‏وثالثها : معناه ينبغي أن تنظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان ذلك مما لا يستحيى منه فافعله , وإن كان مما لا يستحيى منه فدعه , وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري وابن ماجه .

 

‏باب ‏ ‏في حسن الخلق

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب يعني الإسكندراني ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏المطلب ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رحمها الله ‏ ‏قالت ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( بحسن خلقه ) ‏
‏: بضم اللام ويجوز سكونها
‏( درجة الصائم القائم ) ‏
‏: أي قائم الليل في الطاعة وإنما أعطي صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما , وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسا كثيرة فأدرك ما أدركه الصائم القائم فاستويا في الدرجة بل ربما زاد .
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏وقال في كتاب الترغيب : ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولفظه " إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار " . ‏
‏ورواه الطبراني في الأوسط وقال صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة {

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الوليد الطيالسي ‏ ‏وحفص بن عمر ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏ابن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏القاسم بن أبي بزة ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء الكيخاراني ‏ ‏عن ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ‏
‏قال ‏ ‏أبو الوليد ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عطاء الكيخاراني ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهو ‏ ‏عطاء بن يعقوب ‏ ‏وهو خال ‏ ‏إبراهيم بن نافع ‏ ‏يقال ‏ ‏كيخاراني ‏ ‏وكوخاراني ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أنبأنا شعبة ) ‏
‏: قال المزي في الأطراف : حديث أبي الدرداء أخرجه أبو داود في الأدب عن أبي الوليد الطيالسي وحفص بن عمر ومحمد بن كثير ثلاثتهم عن شعبة عن القاسم بن أبي بزة انتهى ‏
‏( عن القاسم بن أبي بزة ) ‏
‏: بفتح الموحدة وتشديد الزاي ‏
‏( الكيخاراني )
‏: بفتح الكاف وسكون التحتانية بعدها خاء معجمة ‏
‏( من حسن الخلق)
‏: أي من ثوابه وصحيفته أو من عينه المجسد ‏
‏( قال أبو الوليد إلخ )
‏: أي ذكر أبو الوليد في روايته لفظ السماع بين القاسم وعطاء بأن قال عن القاسم بن أبي بزة قال سمعت عطاء وأما ابن كثير فذكر لفظ عن كما في إسناده المذكور
‏( قال أبو داود وهو ) ‏
‏: أي عطاء الكيخاراني المذكور . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح .

 

 

 

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو كعب أيوب بن محمد السعدي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏سليمان بن حبيب المحاربي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أمامة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنا ‏ ‏زعيم ‏ ‏ببيت في ‏ ‏ربض الجنة ‏ ‏لمن ترك ‏ ‏المراء ‏ ‏وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أنا زعيم ) ‏
‏: أي ضامن وكفيل ‏
‏( ببيت )
‏: قال الخطابي : البيت ها هنا القصر يقال هذا بيت فلان أي قصره
‏( في ربض الجنة ) ‏
‏: بفتحتين أي ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع , كذا في النهاية ‏
‏( المراء )
‏: أي الجدال كسرا لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله . والحديث سكت عنه المنذري

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏وعثمان ابن أبي شيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏معبد بن خالد ‏ ‏عن ‏ ‏حارثة ابن وهب ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يدخل الجنة ‏ ‏الجواظ ‏ ‏ولا ‏ ‏الجعظري ‏
‏قال ‏ ‏والجواظ الغليظ الفظ ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يدخل الجنة الجواظ ) ‏
‏: بفتح جيم وتشديد واو وظاء معجمة ‏
‏( ولا الجعظري ) ‏
‏: بفتح جيم وسكون عين مهملة وفتح ظاء معجمة فراء فتحتية مشددة ويأتي معناهما في كلام المنذري ‏
‏( قال )
‏: أي قال الراوي ‏
‏( الجواظ الغليظ الفظ ) ‏
‏: بتشديد الظاء أي سيئ الخلق . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه أتم منه وليس في حديثهما الجعظري . وقد قيل الجواظ كثير اللحم المختال في مشيه وقيل الجموع المنوع , وقيل القصير البطيء الجافي القلب , وقيل الفاجر , وقيل الأكول , والجعظري الفظ الغليظ المتكبر , وقيل هو الذي لا يصدع رأسه , وقيل هو الذي يتمدح وينفخ بما ليس عنده وفيه قصر .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في كراهية الرفعة في الأمور

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏كانت ‏ ‏العضباء ‏ ‏لا تسبق فجاء أعرابي على ‏ ‏قعود ‏ ‏له فسابقها فسبقها الأعرابي فكأن ذلك شق على ‏ ‏أصحاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏حق على الله عز وجل أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ‏
‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حميد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏بهذه القصة عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن حقا على الله عز وجل أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كانت العضباء ) ‏
‏: بفتح المهملة وسكون المعجمة فموحدة ممدودا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وهي القصواء أو غيرها قولان . قال في النهاية : هو علم لها من قولهم ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن ولم تكن مشقوقة الأذن . وقال بعضهم إنها كانت مشقوقة الأذن والأول أكثر ‏
‏( لا تسبق )
‏بصيغة المجهول أي لا تسبق عنها إبل قط ‏
‏( على قعود له )
‏بفتح القاف وضم العين . ‏
‏قال في النهاية : القعود من الدواب ما يقتعده الرجل للركوب والحمل ولا يكون إلا ذكرا وقيل القعود ذكر والأنثى قعودة , والقعود من الإبل ما أمكن أن يركب وأدناه أن يكون له سنتان ثم هو قعود إلى السنة السادسة ثم هو جمل ‏
‏( فسبقها الأعرابي ) ‏
‏: أي غلب في السبق ففيه خاصة المغالبة ‏
‏( فكأن ) ‏
‏: بفتح الهمزة والنون المشددة المفتوحة
‏( ذلك ) ‏
‏: أي سبقه إياها ‏
‏( حق على الله ) ‏
: أي جرت عادته غالبا ‏
‏( أن لا يرفع شيئا من الدنيا ) ‏
‏: أي من أمر الدنيا ‏
‏( إلا وضعه ) ‏
‏: أي حطه وطرحه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري تعليقا . ‏
‏( إن حقا على الله تعالى ) ‏
‏: أي أمرا ثابتا عليه ‏
‏( أن لا يرفع ) ‏
‏: بصيغة المجهول وفي الحديث جواز المسابقة بالخيل والإبل , وفيه التزهيد في الدنيا للإرشاد إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي . وقال بعضهم فيه بيان مكارم الدنيا [ أي قدرها ومنزلتها ] عند الله من الهوان والضعة , ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم : " إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا إلا وضعه " فنبه بذلك أمته صلى الله عليه وسلم على ترك المباهاة والفخر بمتاع الدنيا وإن كان ما عند الله في منزلة الضعف فحق على ذي دين وعقل الزهد فيه وترك الترفع بنيله لأن المتاع به قليل والحساب عليه طويل انتهى كلام المنذري .

 

‏باب ‏ ‏في كراهية التمادح

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل فأثنى على ‏ ‏عثمان ‏ ‏في وجهه فأخذ ‏ ‏المقداد بن الأسود ‏ ‏ترابا ‏ ‏فحثا ‏ ‏في وجهه وقال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا لقيتم المداحين ‏ ‏فاحثوا ‏ ‏في وجوههم التراب ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فحثا في وجهه ) ‏
‏: أي رمى التراب في وجه الرجل المثني ‏
‏( إذا لقيتم المداحين ) ‏
‏: قال الخطابي : المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه , فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن ترغيبا له في أمثاله وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه , فليس بمداح ‏
‏( فاحثوا ) ‏
‏: أي القوا وارموا .
‏في القاموس : حثا التراب عليه يحثوه ويحثيه حثوا وحثيا , وقد حمل المقداد الحديث على ظاهره ووافقه طائفة . ‏
‏وقال آخرون : معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏خالد الحذاء ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي بكرة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن ‏ ‏رجلا ‏ ‏أثنى على ‏ ‏رجل ‏ ‏عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال له قطعت عنق صاحبك ثلاث مرات ثم قال ‏ ‏إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل إني أحسبه كما يريد أن يقول ولا ‏ ‏أزكيه على الله ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قطعت عنق صاحبك ) ‏
‏: أي أهلكته , لأن من يقطع عنقه يهلك . ‏
‏قال النووي : لكن هلاك هذا الممدوح في دينه , وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حاله بالإعجاب ‏
‏( ثلاث مرات ) ‏
‏: أي قال ذلك ثلاث مرات . ‏
‏قال النووي في شرح مسلم : وردت الأحاديث في النهي عن المدح , وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه . ‏
‏قال العلماء ووجه الجمع بينهما أن النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح , وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة , بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير أو الازدياد منه أو الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحبا انتهى ‏
‏( لا محالة ) ‏
‏: بفتح الميم أي لا بد ‏
( فليقل إني أحسبه ) ‏
‏: أي أظنه ‏
‏( كما يريد ) ‏
‏: أي المادح ‏
‏( أن يقول ) ‏
‏: في حق الممدوح . ‏
‏والمعنى أن المدح الذي يريد المادح أن يقول في حق الممدوح فلا يقطع في حقه بل يقول إني أظنه كذا وكذا .
‏ولفظ الشيخين : " إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله " ‏
‏( لا أزكيه على الله تعالى ) ‏
‏: أي لا أقطع على عاقبته ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب عني , ولكن أحسب وأظن لوجود الظاهر المقتضي لذلك . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر يعني ابن المفضل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو مسلمة سعيد بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي نضرة ‏ ‏عن ‏ ‏مطرف ‏ ‏قال قال ‏ ‏أبي ‏
‏انطلقت في وفد ‏ ‏بني عامر ‏ ‏إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلنا أنت سيدنا فقال السيد الله تبارك وتعالى قلنا وأفضلنا فضلا وأعظمنا ‏ ‏طولا ‏ ‏فقال ‏ ‏قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا ‏ ‏يستجرينكم ‏ ‏الشيطان

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال قال أبي ) ‏
‏: هو عبد الله بن الشخير
‏( فقال السيد الله ) ‏
‏: أي هو الحقيق بهذا الاسم . ‏
‏قال القاري : أي الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم هو الله سبحانه وهذا لا ينافي سيادته المجازية الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية حيث قال : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " أي لا أقول افتخارا بل تحدثا بنعمة الله وإلا فقد روى البخاري عن جابر أن عمر كان يقول " أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا " انتهى وهو بالنسبة إلى بلال تواضع . انتهى كلام القاري ‏
‏( وأفضلنا فضلا ) ‏
‏: أي مزية ومرتبة ونصبه على التمييز ‏
‏( وأعظمنا طولا ) ‏
‏: أي عطاء الأحباء وعلوا على الأعداء ‏
‏( فقال قولوا بقولكم ) ‏
‏: أي مجموع ما قلتم أو هذا القول ونحوه ‏
‏( أو بعض قولكم ) ‏
‏: أي اقتصروا على إحدى الكلمتين من غير حاجة إلى المبالغة بهما . ويمكن أن تكون أو بمعنى بل أي بل قولوا بعض ما قلتم مبالغة في التواضع , وقيل قولوا قولكم الذي جئتم لأجله ودعوا غيركم مما لا يعنيكم ‏
‏( ولا يستجرينكم الشيطان ) ‏
‏: أي لا يتخذنكم جريا بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتية أي كثير الجري في طريقه ومتابعة خطواته . وقيل هو من الجراءة بالهمزة أي لا يجعلنكم ذوي شجاعة على التكلم بما لا يجوز . ‏
‏وفي النهاية أي لا يغلبنكم فيتخذكم جريا أي رسولا ووكيلا , وذلك أنهم كانوا مدحوه فكره لهم المبالغة في المدح فنهاهم عنه . ‏
‏والمعنى تكلموا بما يحضركم من القول , ولا تتكلفوه كأنكم وكلاء الشيطان ورسله تنطقون على لسانه كذا في المرقاة .
‏قال السيوطي قال الخطابي : قوله صلى الله عليه وسلم السيد الله أي السؤدد كله حقيقة لله عز وجل وأن الخلق كلهم عبيد الله وإنما منعهم أن يدعوه سيدا مع قوله أنا سيد ولد آدم لأنهم قوم حديث عهد بالإسلام , وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا . وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم وقوله قولوا بقولكم أي قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله تعالى في كتابه ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم , ولا تجعلوني مثلهم فإني لست كأحدهم إذ كانوا ليسوا دونكم في أسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا . ‏
‏وقوله أو بعض قولكم فيه حذف واختصار , ومعناه دعوا بعض قولكم واتركوه واقتصدوا فيه بلا إفراط أو دعوا سيدا وقولوا نبيا ورسولا . ‏
‏وقوله : لا يستجرينكم الشيطان معناه لا يتخذنكم جريا والجري الوكيل , ويقال الأجير انتهى كلام السيوطي . ‏
‏وقال السندي : أي لا يستعملنكم الشيطان فيما يريد من التعظيم للمخلوق بمقدار لا يجوز انتهى , وحديث عبد الله بن الشخير إسناده صحيح , وأخرجه أيضا أحمد في مسنده .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرفق ‏

بالكسر ضد العنف وهو المداراة مع الرفقاء ولين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها .

  

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏وحميد ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن مغفل ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن الله رفيق ) ‏
‏: أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر , فلا يكلفهم فوق طاقتهم ‏
‏( ويعطي عليه )
‏: أي في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد , وفي الآخرة من الثواب الجزيل ‏
‏( ما لا يعطي على العنف ) ‏
‏: بالضم وفي القاموس مثلثة العين ضد الرفق . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث عمرة عن عائشة . ومغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء وفتحها ولام .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان ‏ ‏وأبو بكر ابنا أبي شيبة ‏ ‏ومحمد بن الصباح البزاز ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏شريك ‏ ‏عن ‏ ‏المقدام بن شريح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏سألت ‏ ‏عائشة ‏ ‏عن البداوة فقالت كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يبدو ‏ ‏إلى هذه ‏ ‏التلاع ‏ ‏وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة ‏ ‏محرمة ‏ ‏من إبل الصدقة فقال لي يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏ارفقي ‏ ‏فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه ‏ ‏قال ‏ ‏ابن الصباح ‏ ‏في حديثه محرمة ‏ ‏يعني لم تركب ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن البداوة ) ‏
‏بفتح الباء وكسرها لغتان أي الخروج إلى البادية والمقام فيها ‏
‏( يبدو ) ‏
‏: أي يخرج ‏
( إلى هذه التلاع ) ‏
‏: بكسر التاء أي مجاري الماء من فوق إلى أسفل واحدتها تلعة ‏
‏( محرمة ) ‏
‏: بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة أي غير مستعملة في الركوب ‏
‏( لم يكن ) ‏
‏: أي لم يوجد ‏
‏( إلا زانه )
‏: أي زينه وكمله ‏
‏( ولا نزع ) ‏
‏بصيغة المجهول أي لم يفقد ولم يعدم ‏
‏( إلا شانه ) ‏
‏: أي عيبه ونقصه ‏
‏( قال ابن الصباح إلخ ) ‏
‏أي ذكر بعد قوله محرمة تفسيره بقوله يعني لم تركب , وأما عثمان وأبو بكر لم يذكرا التفسير . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم وقد تقدم في كتاب الجهاد .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏ووكيع ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏تميم بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن هلال ‏ ‏عن ‏ ‏جرير ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من يحرم الرفق يحرم الخير كله ‏

 

 عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من يحرم ) ‏
‏: بصيغة المجهول مجزوما وقيل مرفوعا ‏
‏( الرفق ) ‏
‏بالنصب على أنه مفعول ثان أي من يصر محروما منه . ‏
‏وفي الحديث فضل الرفق وأنه سبب كل خير والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن محمد بن الصباح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عفان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الواحد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏مالك بن الحارث ‏ ‏قال ‏ ‏الأعمش ‏ ‏وقد سمعتهم يذكرون ‏ ‏عن ‏ ‏مصعب بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏قال ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ولا أعلمه إلا عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏التؤدة ‏ ‏في كل شيء إلا في عمل الآخرة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال الأعمش وقد سمعتهم ) ‏
‏أن مالك بن الحارث وغيره من أقرانه ‏
‏( يذكرون ) ‏
‏: كلهم هذا الحديث ‏
‏( عن مصعب بن سعد ) ‏
‏: بن أبي وقاص ‏
‏( عن أبيه ) ‏
‏: سعد بن أبي وقاص . ‏
‏ولم يذكر الأعمش أن مالك بن الحارث وأقرانه عمن يروون هذا الحديث فالواسطة بين مالك ومصعب غير مذكورة ‏
‏( ولا أعلمه ) ‏
‏: أي قال الأعمش لا أعلم الحديث إلا رواية عنه صلى الله عليه وسلم ومرفوعا إليه ‏
( قال التؤدة ) ‏
‏: بضم التاء وفتح الهمزة أي التأني ‏
‏( في كل شيء )
‏: أي من الأعمال أي خير ‏
‏( إلا في عمل الآخرة ) ‏
‏: لأن في تأخير الخيرات آفات . ‏
‏قال المنذري : لم يذكر الأعمش فيه من حدثه ولم يجزم برفعه . وذكر محمد بن طاهر الحافظ هذا الحديث بهذا الإسناد وقال في روايته انقطاع وشك انتهى وقال المناوي في فتح القدير : حديث سعد أخرجه أبو داود في الأدب والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرطهما والبيهقي انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في شكر المعروف ‏

هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الربيع بن مسلم ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن زياد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يشكر الله من لا يشكر الناس ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) ‏
‏: قال الخطابي : هذا يتأول على وجهين أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له . والوجه الآخر : أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر . انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال صحيح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏أن ‏ ‏المهاجرين ‏ ‏قالوا يا رسول الله ذهبت ‏ ‏الأنصار ‏ ‏بالأجر كله قال ‏ ‏لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن المهاجرين قالوا إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر ‏ ‏حدثني ‏ ‏عمارة بن غزية ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏رجل من قومي ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من أعطي عطاء فوجد ‏ ‏فليجز به ‏ ‏فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏يحيى بن أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏عمارة بن غزية ‏ ‏عن ‏ ‏شرحبيل ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهو ‏ ‏شرحبيل ‏ ‏يعني رجلا من قومي كأنهم كرهوه فلم يسموه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثني رجل ) ‏
‏: هو شرحبيل كما بينه المؤلف في الرواية الآتية ‏
‏( من أعطي ) ‏
‏: بالبناء للمفعول ‏
‏( فوجد )
‏: أي ما لا يكافئ به ‏
‏( فليجز به ) ‏
‏: مكافأة على الصنيعة ‏
‏( فإن لم يجد ) ‏
‏: أي ما لا يكافئ به ‏
‏( فليثن به ) ‏
‏: أي على المعطي ولا يجوز له كتمان نعمته ‏
‏( فقد كفره )
‏: أي كفر نعمته ‏
‏( قال أبو داود وهو ) ‏
‏أي الرجل المذكور في الإسناد ‏
‏( يعني رجلا من قومي ) ‏
‏: هذا بيان مرجع هو .
‏قال المنذري : وهو شرحبيل بن سعد الأنصاري الخطمي مولاهم المدني كنيته أبو سعد وقد ضعفه غير واحد من الأئمة وغزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وتاء تأنيث .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن الجراح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من ‏ ‏أبلي ‏ ‏بلاء ‏ ‏فذكره فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من أبلي بلاء ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي أعطي عطاء , والبلاء يستعمل في الخير والشر لكن أصله الاختبار والمحنة , وأكثر ما يستعمل في الخير : قال الله تعالى { بلاء حسنا } ‏
‏( فذكره فقد شكره ) ‏
: من آداب النعمة أن يذكر المعطي فإذا ذكره فقد شكره ومع الذكر يشكره ويثني عليه
‏( وإن كتمه فقد كفره ) ‏
‏: أي ستر نعمة العطاء , والكفر في اللغة الغطاء . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الجلوس في الطرقات

جمع الطرق بضمتين جمع الطريق .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏زيد يعني ابن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إياكم والجلوس بالطرقات ‏ ‏قالوا ‏ ‏يا رسول الله ما بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر يعني ابن المفضل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في هذه القصة قال ‏ ‏وإرشاد السبيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن عيسى النيسابوري ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏جرير بن حازم ‏ ‏عن ‏ ‏إسحق بن سويد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن حجير العدوي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في هذه القصة قال ‏ ‏وتغيثوا ‏ ‏الملهوف ‏ ‏وتهدوا الضال ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إياكم والجلوس بالطرقات ) ‏
‏: يعني احذروا عن الجلوس فيها ‏
‏( ما بد لنا من مجالسنا ) ‏
‏: البد بضم الموحدة وتشديد الدال بمعنى الفرقة أي ما لنا فراق منها . والمعنى أن الضرورة قد تلجئنا إلى ذلك فلا مندوحة لنا عنه ‏
‏( نتحدث فيها ) ‏
‏: أي يحدث بعضنا بعضا
‏( إن أبيتم ) ‏
‏: أي امتنعتم عن ترك الجلوس بالطريق ‏
‏( غض البصر ) ‏
‏: أي كفه عن النظر إلى المحرم ‏
‏( وكف الأذى )
‏: أي الامتناع عما يؤذي المارين . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .
‏( في هذه القصة ) ‏
‏: أي المذكورة في الحديث السابق ‏
( قال ) ‏
‏: أي أبو هريرة مرفوعا زيادة على مروي أبي سعيد ‏
‏( وإرشاد السبيل ) ‏
‏: بالرفع عطفا على قوله والنهي عن المنكر . ‏
‏( عن ابن حجير ) ‏
‏: بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية ‏
‏( في هذه القصة قال ) ‏
‏: أي عمر مرفوعا زيادة على الخدري , وهو الظاهر المتبادر أو على أبي هريرة أيضا . قاله القاري ‏
‏( وتغيثوا الملهوف ) ‏
‏: من الإغاثة بالغين المعجمة والثاء المثلثة بمعنى الإعانة . والملهوف المظلوم المضطر يستغيث ويتحسر وحذف النون بتقدير أن لأنه عطف على المصدر ‏
‏( وتهدوا الضال )
‏: بفتح التاء أي ترشدوه إلى الطريق , وإرشاد السبيل أعم من هداية الضال .
‏قال المنذري : ابن حجير العدوي مجهول . ويقال فيه ابن حجيرة وهو بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وتكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث .
‏وقال البزار : هذا الحديث لا يعلم من أسنده إلا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد ولا رواه عن جرير مسندا إلا ابن المبارك . وروى هذا الحديث حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد مرسلا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عيسى بن الطباع ‏ ‏وكثير بن عبيد ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏مروان ‏ ‏قال ‏ ‏ابن عيسى ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏حميد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏جاءت امرأة إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال لها يا أم فلان ‏ ‏اجلسي في أي نواحي ‏ ‏السكك ‏ ‏شئت حتى أجلس إليك قال فجلست فجلس النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إليها حتى قضت حاجتها ‏
‏لم ‏ ‏يذكر ‏ ‏ابن عيسى ‏ ‏حتى قضت حاجتها ‏ ‏و قال ‏ ‏كثير ‏ ‏عن ‏ ‏حميد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏أن امرأة كان في عقلها شيء بمعناه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( في أي نواحي السكك ) ‏
‏: بكسر ففتح جمع سكة وهي الزقاق أي في أي جوانبها ‏
‏( وقال كثير عن حميد عن أنس ) ‏
: وأما محمد بن عيسى فقال أخبرنا حميد عن أنس كما في الإسناد المذكور . وفي الحديث غاية تواضعه صلى الله عليه وسلم . قال المنذري : وأخرجه الترمذي . ‏
‏( كان في عقلها شيء ) ‏
‏أي من الفتور والنقصان , بيان للواقع وإشارة إلى سبب شفقته صلى الله عليه وسلم ورعاية جانبها أو إلى علة جرأتها على ذلك القول , كذا في اللمعات ‏
‏( بمعناه ) ‏
‏: أي بمعنى الحديث السابق , قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في سعة المجلس ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏القعنبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي الموال ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏خير المجالس أوسعها ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏هو ‏ ‏عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( خير المجالس أوسعها ) ‏
‏: أي بالنسبة لأهلها لأن غيره قد يحصل منه الضرر ‏
‏( قال أبو داود هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة ) ‏
‏: ففي الإسناد المذكور نسب إلى جده . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الجلوس بين الظل والشمس

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏ومخلد بن خالد ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن المنكدر ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏من ‏ ‏سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقول ‏
‏قال ‏ ‏أبو القاسم ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا كان أحدكم في الشمس ‏ ‏وقال ‏ ‏مخلد ‏ ‏في الفيء ‏ ‏فقلص ‏ ‏عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وقال مخلد في الفيء ) ‏
‏: أي مكان في الشمس
‏( فقلص ) ‏
‏: أي ارتفع ‏
‏( فليقم ) ‏
‏: أي فليتحول منه إلى مكان آخر يكون كله ظلا أو شمسا لأن الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين كذا قيل . والأولى أن يعلل بما علله الشارع بأنه مجلس الشيطان . قال المنذري : فيه رواية مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏قيس ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أنه جاء ورسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يخطب فقام في الشمس فأمر به فحول إلى الظل ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثني قيس ) ‏
‏: هو ابن أبي حازم ‏
( عن أبيه ) ‏
‏: وهو عبد عوف بن الحرث وقيل عوف بن عبد الحارث البجلي رضي الله عنهما ‏
‏( أنه ) ‏
‏: أي أبا حازم ‏
‏( ورسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: الواو للحال . ‏
‏وفي أسد الغابة من رواية أبي داود الطيالسي حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فرأى أبي في الشمس فأمره أو فأومأ إليه أن ادن إلى الظل انتهى . قال المنذري : في اسم والد قيس بن أبي حازم خلاف مشهور .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏التحلق ‏

أي الجلوس حلقة حلقة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏المسيب بن رافع ‏ ‏عن ‏ ‏تميم بن طرفة ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن سمرة ‏ ‏قال ‏
‏دخل رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المسجد وهم ‏ ‏حلق ‏ ‏فقال مالي أراكم ‏ ‏عزين ‏
‏حدثنا ‏ ‏واصل بن عبد الأعلى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن فضيل ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏بهذا ‏ ‏قال ‏ ‏كأنه يحب الجماعة ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( تميم بن طرفة ) ‏
‏: بفتحات ‏
‏( وهم حلق )
‏: بكسر حاء وفتح لام جمع الحلقة مثل القصعة وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره . قاله في المجمع ‏
‏( فقال ما لي أراكم عزين )
‏: بكسر العين والزاي أي متفرقين قال الخطابي : : يريد فرقا مختلفين لا يجمعكم مجلس واحد . وواحدة العزين عزة , يقال عزة وعزون كما يقال ثبة وثبون , ويقال أيضا ثبات وهي الجماعات المتميزة بعضها من بعض انتهى . ‏
‏وفي النهاية : عزين جمع عزة وهي الحلقة المجتمعة من الناس , وأصلها عزوة فحذفت الواو وجمعت جمع السلامة على غير قياس , كثبين وبرين في جمع ثبة وبرة انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم بمعناه وأتم منه انتهى . وقال المزي في الأطراف حديث " خرج علينا فرآنا حلقا " وفي لفظ " دخل وهم حلق فقال ما لي أراكم عزين " أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير , وحديث النسائي لم يذكره أبو القاسم انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن جعفر الوركاني ‏ ‏وهناد ‏ ‏أن ‏ ‏شريكا ‏ ‏أخبرهم عن ‏ ‏سماك ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن سمرة ‏ ‏قال ‏
‏كنا إذا أتينا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏جلس أحدنا حيث ‏ ‏ينتهي ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( جلس أحدنا حيث ينتهي ) ‏
‏: أي يصل . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي : حسن غريب هذا آخر كلامه . وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي وفيه مقال .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الجلوس وسط الحلقة

بسكون السين ولام الحلقة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبو مجلز ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لعن من جلس وسط الحلقة ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لعن من جلس وسط الحلقة ) ‏
‏: قال الخطابي : هذا يتأول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس فلعن للأذى وقد يكون في ذلك أنه إذا قعد وسط الحلقة حال بين الوجوه فحجب بعضهم عن بعض فيتضررون بمكانه وبمقعده هناك والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقوم للرجل من مجلسه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد ربه بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عبد الله ‏ ‏مولى آل ‏ ‏أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي الحسن ‏ ‏قال ‏
‏جاءنا ‏ ‏أبو بكرة ‏ ‏في شهادة فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال إن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نهى عن ذا ونهى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( جاءنا أبو بكرة ) ‏
‏: أي الثقفي صحابي جليل
‏( في شهادة ) ‏
‏: أي لأداء شهادة كانت عنده ‏
‏( فقام له رجل من مجلسه ) ‏
‏: أي ليجلس هو فيه ‏
‏( فأبى ) ‏
‏: أي أبو بكرة ‏
‏( فيه ) ‏
‏: أي في ذلك المجلس ‏
‏( نهى عن ذا )
‏: أي أن يقوم أحد ليجلس غيره في مجلسه ذكره الطيبي . ‏
‏وقال القاري : والأظهر أن يكون إشارة إلى الجلوس في موضع يقوم منه أحد ‏
‏( أن يمسح الرجل يده ) ‏
‏: أي إذا كانت ملوثة بطعام مثلا ‏
‏( بثوب من لم يكسه )
‏: بفتح الياء وضم السين أي بثوب شخص لم يلبسه ذلك الرجل الثوب . والمراد منه النهي عن التصرف في مال الغير والتحكم على من لا ولاية له عليه . ‏
‏والظاهر أن صاحب الثوب إذا كان راضيا يجوز له ذلك , وكذلك إذا علم أن الشخص قام عن المجلس بطيب خاطره فلا بأس بجلوسه , كما يستفاد من قوله تعالى { تفسحوا في المجالس } وكذا من قوله سبحانه { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } ومما يدل عليه حديث صدر الدابة أحق بصاحبها إلا إذا أذن وأمثال ذلك كثير في الفروع . ‏
‏وفي الحديث دلالة على أنه لا بأس أن يمسح الرجل يده بثوب ابنه أو غلامه وغيرهما ممن ألبسه الثوب. ‏
‏قال المنذري : قال أبو بكر البزار , وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه إلا أبو بكرة ولا نعلم له طريقا إلا هذا الطريق , ولا نعلم أحدا سمى هذا الرجل يعني أبا عبد الله مولى قريش وإنما ذكرنا ما فيه لأنه لا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه . هذا آخر كلامه . وقال فيه مولى قريش ووقع هنا مولى لآل أبي بردة . وقال أبو أحمد الكرابيسي : مولى أبي موسى الأشعري . وإذا قيل فيه مولى آل أبي بردة ومولى أبي موسى الأشعري فهو الصحيح لأن أبا بردة إما أن يكون أخا أبي موسى أو ولد أبي موسى , وأنما كان فهو صحيح , فإذا قيل فيه مولى قريش فلا يصح إلا أن يكون الولاء انجر إليه والله عز وجل أعلم . وذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي هذا الحديث . وقال رواه أبو عبد الله مولى لآل أبي بردة عن سعيد وهو غير معروف . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏أن ‏ ‏محمد بن جعفر ‏ ‏حدثهم عن ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏عقيل بن طلحة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا الخصيب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فيه فنهاه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أبو الخصيب ‏ ‏اسمه ‏ ‏زياد بن عبد الرحمن ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عقيل ) ‏
‏: بفتح العين وكسر القاف
‏( سمعت أبا الخصيب ) ‏
‏بفتح الخاء المعجمة على وزن عظيم قاله الحافظ ‏
‏( فقام له ) ‏
‏: أي للرجل الجائي ليجلس هو في مكانه
‏( فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي عن الجلوس في ذلك المجلس . وأخرج البخاري في الصحيح من طريق سفيان الثوري عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر . وأخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ " وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه " وكذا أخرجه مسلم من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه . ‏
‏قال ابن بطال : اختلف في النهي فقيل للأدب وإلا فالذي يجب للعالم أن يليه أهل الفهم والنهى , وقيل : هو على ظاهره ولا يجوز لمن سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه , واحتجوا بحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه " إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " قالوا فلما كان أحق به بعد رجوعه ثبت أنه حقه قبل أن يقوم . ويتأيد ذلك بفعل ابن عمر المذكور فإنه راوي الحديث وهو أعلم بالمراد منه . وقال القرطبي في المفهم : هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه وما احتج به من حمله على الأدب لكونه ليس ملكا له لا قبل ولا بعد ليس بحجة لأنا نسلم أنه غير ملك له لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه فصار كأنه ملك منفعته فلا يزاحمه غيره عليه انتهى . كذا في فتح الباري وأطال الحافظ الكلام فيه ‏
‏( قال أبو داود أبو الخصيب إلخ ) . ‏
‏قال المنذري : وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة . ‏


تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرج الترمذي من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقيم أحدكم أخاه من مجلسه , ثم يجلس فيه , قال : وكان الرجل يقوم لابن عمر فما يجلس " قال هذا حديث حسن صحيح . ‏
‏وحديث ابن عمر هذا في الصحيحين , ولفظه " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه , ويجلس فيه , ولكن تفسحوا وتوسعوا " . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده , ولكن ليقل افسحوا " .

 

‏ ‏باب ‏ ‏من يؤمر أن يجالس ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبان ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل ‏ ‏الأترجة ‏ ‏ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه ومثل جليس السوء كمثل صاحب ‏ ‏الكير ‏ ‏إن لم يصبك من ‏ ‏سواده ‏ ‏أصابك من دخانه ‏
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏ابن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بهذا الكلام الأول إلى قوله وطعمها مر ‏ ‏وزاد ‏ ‏ابن معاذ ‏ ‏قال قال ‏ ‏أنس ‏ ‏وكنا نتحدث أن مثل جليس الصالح وساق بقية الحديث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن الصباح العطار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن عامر ‏ ‏عن ‏ ‏شبيل بن عزرة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏مثل الجليس الصالح فذكر نحوه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( مثل الأترجة ) ‏
‏: بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم وقد تخفف ثمر معروف يقال لها ترنج جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون ومنافع كثيرة . والمقصود بضرب المثل بيان علو شأن المؤمن وارتفاع عمله وانحطاط شأن الفاجر وإحباط عمله ‏
‏( ومثل جليس السوء ) ‏
‏: بفتح السين ويضم
‏( كمثل صاحب الكير ) ‏
‏: بكسر الكاف زق ينفخ فيه الحداد وأما المبني من الطين فكور كذا في القاموس أي كمثل نافخه . وفي الحديث إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء والعلماء ومجالستهم فإنها تنفع في الدنيا والآخرة , وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار والفساق فإنها تضر دينا ودنيا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . ‏
‏( بهذا الكلام الأول ) ‏
‏: أي المذكور في الحديث السابق
‏( وساق بقية الحديث ) ‏
‏: أي إلى قوله أصابك من دخانه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس فيه كلام أنس .
‏( عن شبيل ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( بن عزرة ) ‏
‏: بفتح العين المهملة بعدها زاي ساكنة ثم راء ‏
‏( قال مثل الجليس الصالح فذكر نحوه )
‏: والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن المبارك ‏ ‏عن ‏ ‏حيوة بن شريح ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن غيلان ‏ ‏عن ‏ ‏الوليد بن قيس ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏أو ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الهيثم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تصاحب إلا مؤمنا ) ‏
‏: أي كاملا , أو المراد النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين لأن مصاحبتهم مضرة في الدين , فالمراد بالمؤمن جنس المؤمنين ‏
‏( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ‏
‏: أي متورع . والأكل وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام , فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقيا . ‏
‏قال الخطابي : إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة , وذلك أن الله سبحانه قال { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } ومعلوم أن أسراءهم كانوا كفارا غير مؤمنين ولا أتقياء , وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته , فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال إنما نعرفه من هذا الوجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عامر ‏ ‏وأبو داود ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏زهير بن محمد ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏موسى بن وردان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏الرجل على دين ‏ ‏خليله ‏ ‏فلينظر أحدكم من ‏ ‏يخالل ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الرجل ) ‏
‏: يعني الإنسان ‏
‏( على دين خليله ) ‏
‏أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته ‏
‏( فلينظر )
‏: أي يتأمل ويتدبر ‏
‏( من يخالل ) ‏
‏: فمن رضي دينه وخلقه خالله ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب . هذا آخر كلامه . وفي إسناده موسى بن وردان وقد ضعفه بعضهم , وقال بعضهم لا بأس به ورجح بعضهم في هذا الحديث الإرسال .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعفر يعني ابن برقان ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد يعني ابن الأصم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏يرفعه قال ‏ ‏الأرواح جنود ‏ ‏مجندة ‏ ‏فما ‏ ‏تعارف ‏ ‏منها ائتلف وما ‏ ‏تناكر ‏ ‏منها اختلف ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الأرواح ) ‏
‏: أي أرواح الإنسان ‏
( جنود ) ‏
‏: جمع جند أي جموع ‏
‏( مجندة ) ‏
‏: بفتح النون المشددة أي مجتمعة متقابلة أو مختلطة , منها حزب الله ومنها حزب الشيطان ‏
( فما تعارف منها ) ‏
‏: التعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان ‏
‏( ائتلف ) ‏
‏: أي حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا ‏
‏( وما تناكر منها )
‏: أي في عالم الأرواح ‏
‏( اختلف ) ‏
‏: أي في عالم الأشباح . ‏
‏قال النووي : معنى قوله " الأرواح جنود مجندة " جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها . وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق بشيمه ألفه ومن باعده نافره وخالفه . ‏
‏وقال الخطابي وغيره : تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين , فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم أيضا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في كراهية ‏ ‏المراء ‏

بكسر الميم الجدال .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بريد بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال ‏ ‏بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( في بعض أمره ) ‏
‏: أي من أمر الحكومة
‏( بشروا ) ‏
‏أي الناس بقبول الله الطاعات وإثابته عليها وتوفيقه للتوبة من المعاصي وعفوه ومغفرته ‏
‏( ولا تنفروا ) ‏
‏: بتشديد الفاء المكسورة أي لا تخوفوهم بالمبالغة في إنذارهم حتى تجعلوهم قانطين من رحمة الله بذنوبهم وأوزارهم ‏
‏( ويسروا ) ‏
‏: أي سهلوا عليهم الأمور من أخذ الزكاة باللطف بهم ‏
‏( ولا تعسروا ) ‏
‏: أي بالصعوبة عليهم بأن تأخذوا أكثر مما يجب عليهم أو أحسن منه أو بتتبع عوراتهم وتجسس حالاتهم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏إبراهيم بن المهاجر ‏ ‏عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏قائد السائب ‏ ‏عن ‏ ‏السائب ‏ ‏قال ‏
‏أتيت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فجعلوا يثنون علي ‏ ‏ويذكروني فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنا أعلمكم ‏ ‏يعني به قلت صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك كنت لا ‏ ‏تداري ‏ ‏ولا ‏ ‏تماري

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فجعلوا يثنون ) ‏
‏: بضم التحتية من الإثناء
‏( يعني به ) ‏
‏: أي بالسائب ‏
‏( بأبي أنت وأمي )
‏: قال في النهاية : الباء متعلقة بمحذوف قيل هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره أنت مفدى بأبي وأمي , وقيل هو فعل وما بعده منصوب أي فديتك بأبي وأمي , وحذف هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به انتهى ‏
‏( لا تداري ولا تماري ) ‏
‏: قال الخطابي : يريد لا تخالف ولا تمانع , وأصل الدرء الدفع ومنه قوله تعالى { فادارأتم فيها } يصفه صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق والسهولة في المعاملة وقوله لا تماري يريد المراء والخصومة انتهى . ‏
‏قال الحافظ في الإصابة : السائب بن أبي السائب واسمه ضيفي والد عبد الله بن السائب روى له أبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن قائد السائب عن السائب وقيل عن مجاهد عن السائب بلا واسطة , وروى ابن أبي شيبة من طريق يونس بن خباب عن مجاهد كنت أقود بالسائب فيقول لي يا مجاهد أدلكت الشمس فإذا قلت نعم صلى الظهر انتهى . ‏
‏وقال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه . والسائب هذا قد ذكر بعضهم أنه قتل كافرا يوم بدر قتله الزبير بن العوام , وذكر بعضهم أن لا صحبة لأبيه وذكر بعضهم أنه أسلم وحسن إسلامه وهذا هو المعول عليه وقد ذكره غير واحد في كتب الصحابة رضي الله عنهم . وهذا الحديث اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وذكره أبو عمر النمري أن هذا الحديث مضطرب جدا , منهم من يجعله للسائب بن أبي السائب , ومنهم من يجعله لعبد الله بن السائب , وهذا اضطراب لا يقوم به حجة . والسائب بن أبي السائب من المؤلفة قلوبهم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏الهدي في الكلام ‏

الهدي بفتح الهاء وسكون الدال السيرة والطريقة الصالحة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن يحيى الحراني ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏محمد يعني ابن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏يعقوب بن عتبة ‏ ‏عن ‏ ‏عمر بن عبد العزيز ‏ ‏عن ‏ ‏يوسف بن عبد الله بن سلام ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع ‏ ‏طرفه ‏ ‏إلى السماء ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يكثر ) ‏
‏: من الإكثار ‏
‏( أن يرفع طرفه ) ‏
‏: بسكون الراء أي نظره ‏
‏( إلى السماء ) ‏
: انتظارا لما يوحى إليه وشوقا إلى الملأ الأعلى . ‏
‏قال المنذري : في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الاختلاف فيه . وسلام بفتح المهملة وتخفيف اللام .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن بشر ‏ ‏عن ‏ ‏مسعر ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏شيخا ‏ ‏في المسجد ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏يقول
‏كان في كلام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ترتيل ‏ ‏أو ‏ ‏ترسيل ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ترتيل ) ‏
‏: أي تأن وتمهل مع تبيين الحروف والحركات بحيث يتمكن السامع من عدها ‏
‏( أو ترسيل ) ‏
‏: شك من الراوي . ومعنى الترتيل والترسيل واحد , وفي بعض النسخ بالواو فهو عطف تفسير .
‏قال المنذري : الراوي عن جابر مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان ‏ ‏وأبو بكر ‏ ‏ابنا ‏ ‏أبي شيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رحمها الله ‏ ‏قالت ‏
‏كان كلام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كلاما ‏ ‏فصلا ‏ ‏يفهمه كل من سمعه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كلاما فصلا ) ‏
‏: أي مفصولا بين أجزائه وواضحا .
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو توبة ‏ ‏قال زعم ‏ ‏الوليد ‏ ‏عن ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏عن ‏ ‏قرة ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كل كلام لا يبدأ فيه ‏ ‏بالحمد لله فهو ‏ ‏أجذم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏يونس ‏ ‏وعقيل ‏ ‏وشعيب ‏ ‏وسعيد بن عبد العزيز ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مرسلا ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كل كلام ) ‏
‏: وفي رواية ابن ماجه " كل أمر ذي بال " قال في النهاية : أمر ذو بال أي شريف يحتفل به ويهتم ‏
‏( فهو )
‏: أي ذلك الكلام ‏
‏( أجذم ) ‏
‏: قال الخطابي : معناه المنقطع الأبتر الذي لا نظام له . وفسره أبو عبيد فقال الأجذم المقطوع اليد انتهى . وفي رواية ابن ماجه : أقطع أي مقطوع البركة على وجه المبالغة أي أقطع من كل مقطوع .
‏قال المنذري : قال فيه زعم الوليد عن الأوزاعي وذكر أن جماعة رووه عن الزهري مرسلا وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وأخرجه ابن ماجه . وقال فيه أقطع وفي إسناده قرة وهو ابن عبد الرحمن بن حيوئيل المعافري المصري كنيته أبو محمد ويقال أبو حيوئيل قال الإمام أحمد : منكر الحديث . ‏


تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

ثم ذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله حديث " كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم " ثم قال : وأخرجه ابن حبان في صحيحه . ‏
‏وفي الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أكرم شاب شيخا بشيبة إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه " قال هذا حديث غريب . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الخطبة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وموسى بن إسمعيل ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الواحد بن زياد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عاصم بن كليب ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد ‏ ‏الجذماء ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كل خطبة ) ‏
‏: بضم الخاء , وقال القاري بكسر الخاء , وهي التزوج والظاهر هو الأول ‏
‏( ليس فيها تشهد ) ‏
‏: وفي رواية شهادة , وأراد الشهادتين من إطلاق الجزء على الكل قاله المناوي . وقال القاري أي حمد وثناء على الله . ونقل عن التوربشتي أن أصل التشهد قولك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فهي كاليد الجذماء )
‏: أي المقطوعة التي لا فائدة فيها لصاحبها . والجذم سرعة القطع , وقيل الجذماء من الجذام وهو داء معروف تنفر عنه الطباع . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب . انتهى . ‏
‏فائدة : اعلم أن السنة في ابتداء جميع الأمور الحسنة أن يقول : بسم الله الرحمن الرحيم لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع " وهو حديث حسن كما ستقف عليه ولا يقتصر على بسم الله إلا في المواضع التي ثبت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتصار على بسم الله , فالسنة في هذه المواضع الاقتصار على لفظ بسم الله . والتفصيل أن الأحاديث الواردة في التسمية على أربعة أقسام . ‏
‏الأول : ما وقع فيه بسم الله الرحمن الرحيم تاما كحديث علي رضي الله عنه مرفوعا " إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمن الرحيم " رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة . وكحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال " مرضت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذني فعوذني يوما فقال بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد " الحديث رواه ابن السني , وكحديث أبي هريرة الذي رواه النسائي وابن خزيمة والسراج وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال " صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين . ‏
‏فقال آمين وقال الناس آمين " الحديث وفي آخره " إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم " ذكره الحافظ في الفتح . ‏
‏والقسم الثاني : ما وقع فيه لفظ بسم الله فقط من غير زيادة عليه , كحديث عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعاما يقول بسم الله فإذا فرغ من طعامه قال " اللهم أطعمت وسقيت " الحديث رواه ابن السني . قال النووي في الأذكار بإسناد حسن . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيبه عمر بن أبي سلمة " قل بسم الله وكل بيمينك " الحديث رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن عمير " لا تقل هكذا ( أي تعس الشيطان ) : فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ولكن قل بسم الله فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة " رواه النسائي في اليوم والليلة , وابن مردويه في تفسيره . كذا في تفسير ابن كثير رحمه الله . ‏
‏والقسم الثالث : ما وقع فيه بسم الله مع زيادة معه غير لفظ الرحمن الرحيم كحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا " إذا وضعتم موتاكم في القبر فقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير ‏
‏والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن . وكحديث عثمان رضي الله عنه مرفوعا " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء " الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود . وكحديث ابن عباس مرفوعا " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا " الحديث رواه الشيخان . ‏
‏وكحديث أنس رضي الله عنه قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر قال رأيته واضعا قدمه على صفاحهما ويقول بسم الله والله أكبر " رواه الشيخان . ‏
‏والقسم الرابع : ما وقع فيه ذكر اسم الله من غير تصريح بلفظ بسم الله الرحمن الرحيم ولا بلفظ بسم الله كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا " إذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله " الحديث رواه أبو داود والترمذي . ‏
‏وكحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وابن السكن والحاكم والبيهقي قاله الحافظ . ‏
‏وكحديث جابر " إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان واذكروا اسم الله عليها " رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وغير ذلك من الأحاديث . ‏
‏ففي المواضع التي ثبت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه لا يحصل السنة إلا بقوله تاما وكاملا , وإن اقتصر في تلك المواضع على بسم الله أو على بسم الله الرحمن لا يحصل السنة البتة .
‏وفي المواضع التي ثبت فيها الاقتصار على لفظ بسم الله من غير زيادة عليه فالمسنون في تلك المواضع القصر بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والتكميل بقوله صلى الله عليه وسلم لأن هذه المواضع داخلة تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع " . ‏
‏فكيف يكون من قال في هذه المواضع بسم الله الرحمن الرحيم تاما وكاملا مبتدعا , وكيف يكون قوله بدعة بل يكون سنة قوليا . ‏
‏وفي الاختيارات العلمية في اختيارات الشيخ ابن تيمية ويقول عند الأكل بسم الله الرحمن الرحيم كاملا فإنه أكمل بخلاف الذبح انتهى . ‏
‏وأما المواضع التي ورد فيها بسم الله مع زيادة عليه غير لفظ الرحمن الرحيم فالمسنون فيها أن يقتصر على بسم الله مع تلك الزيادة , وليس لأحد أن يزيد بين بسم الله وبين تلك الزيادة لفظ الرحمن الرحيم , لأن مجموع بسم الله وتلك الزيادة دعاء واحد أو ذكر واحد ولم يثبت جواز زيادة بين كلمات دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وذكره فلا يجوز لأحد أن يقول عند الذبح بسم الله الرحمن الرحيم والله أكبر . ‏
‏وأما المواضع التي جاء فيها ذكر اسم الله من غير تصريح ببسم الله الرحمن الرحيم أو ببسم الله فالأفضل أن يقول فيها بسم الله الرحمن الرحيم بتمامه من ثلاثة وجوه : ‏
‏الأول : أنه إذا أتى في هذه المواضع ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه كان محرزا ما ورد في القول ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه من الفضيلة . ‏
‏والوجه الثاني : أنه إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم بتمامه فقد أتى بما هو المراد من ذكر اسم الله بيقين وأما إذا أتى ببسم الله فقط أو بلفظ آخر مثلا بالرب أو بالخالق فلا شك أنه أتى بذكر اسم الله لكن فيه احتمال أن يكون المراد من ذكر اسم الله هو القول ببسم الله الرحمن الرحيم بتمامه وكماله كما هو المعهود في كثير من المواضع . ‏
‏والوجه الثالث : عموم قوله صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع " وهو حديث حسن . ‏
‏قال النووي في الأذكار : وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه ومسند أبي عوانة والتزويج المخرج على صحيح مسلم رحمهم الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع " وفي رواية " بحمد الله " وفي رواية " بالحمد فهو أقطع " وفي رواية " كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم " وفي رواية " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع " روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي وهو حديث حسن , وقد روي موصولا كما ذكرنا وروي مرسلا , ورواية الموصول جيدة الإسناد , وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير انتهى . ‏
‏وقال في شرح صحيح مسلم : وإنما بدأ بالحمد لله لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع " وفي رواية " بحمد الله " وفي رواية " بالحمد فهو أقطع " وفي رواية " أجذم " وفي رواية " لا يبدأ فيه بذكر الله تعالى " وفي رواية " ببسم الله الرحمن الرحيم " روينا كل هذه في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي بسماعنا من صاحبه الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن سالم الأنباري عنه ورويناه فيه أيضا من رواية كعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه , والمشهور رواية أبي هريرة وهذا الحديث حسن رواه أبو داود وابن ماجه في سننهما , ورواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة , وروي موصولا ومرسلا , ورواية الموصول إسنادها جيد انتهى . ‏
‏وفي فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بحديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " أخرجه ابن حبان من طريقين . ‏
‏قال ابن الصلاح : والحديث حسن . ولأبي داود وابن ماجه " كل ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع " ولأحمد " كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر وأقطع " انتهى . ‏
‏فالحاصل أن هذه الوجوه تدل على أن في هذه المواضع الأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بتمامه , وإن قال بسم الله فقط فقد ذكر اسم الله بلا شبهة وكفاه , ولذلك قال النووي في الأذكار : من أهم ما ينبغي أن يعرف صفة التسمية وقدر المجزئ منها فاعلم أن الأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم , فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة , وسواء في هذا الجنب والحائض وغيرهما انتهى . وأما تعقب الحافظ بن حجر على كلام النووي هذا في فتح الباري بقوله : وأما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته والأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم , فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة , فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا انتهى . فمتعقب , كيف وقد رأيت وجوها ثلاثة للأفضلية . هذا عندي والله تعالى أعلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في تنزيل الناس منازلهم ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن إسمعيل ‏ ‏وابن أبي خلف ‏ ‏أن ‏ ‏يحيى بن اليمان ‏ ‏أخبرهم عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏حبيب بن أبي ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏ميمون بن أبي شبيب ‏
‏أن ‏ ‏عائشة ‏ ‏مر بها سائل فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك فقالت قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنزلوا الناس منازلهم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وحديث ‏ ‏يحيى ‏ ‏مختصر ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ميمون ‏ ‏لم يدرك ‏ ‏عائشة ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فأعطته كسرة ) ‏
‏: بكسر أوله أي قطعة من خبز ونحوه ‏
‏( فقيل لها ) ‏
‏: أي لعائشة ‏
‏( في ذلك )
‏: أي المذكور من صنيعها بالمارين بها . والمعنى قيل لعائشة لم فرقت بينهما حيث أعطيت الأول كسرة وأقعدت الثاني أطعمته ‏
‏( أنزلوا الناس منازلهم )
‏أي عاملوا كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف . ‏
‏قال العزيزي : والمراد بالحديث الحض على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم وتفضيل بعضهم على بعض في المجالس وفي القيام وغير ذلك من الحقوق . ‏
‏( قال أبو داود ميمون لم يدرك عائشة ) ‏. ‏
‏قال المنذري : وقيل لأبي حاتم الرازي ميمون بن أبي شبيب عن عائشة متصل قال لا . انتهى كلام المنذري . ‏
‏وقال النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم في فصل التعليق : وأما قول مسلم في خطبة كتابه وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم " فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضي حكمه بصحته , ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه بإسناده منفردا به , وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها . قال الشيخ ابن الصلاح وفيما قاله أبو داود نظر , فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة , ومات المغيرة قبل عائشة , وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك , فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه وهيهات ذلك انتهى . ‏
‏قال النووي : وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه , وقد روي عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن إبراهيم الصواف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن حمران ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عوف بن أبي جميلة ‏ ‏عن ‏ ‏زياد بن مخراق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي كنانة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى الأشعري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير ‏ ‏الغالي ‏ ‏فيه ‏ ‏والجافي ‏ ‏عنه وإكرام ذي السلطان ‏ ‏المقسط ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا عبد الله بن حمران ) ‏
‏: بضم الحاء المهملة ‏
‏( عن زياد بن مخراق ) ‏
‏: بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة
‏( إن من إجلال الله ) ‏
‏: أي تبجيله وتعظيمه ‏
‏( إكرام ذي الشيبة المسلم ) ‏
‏: أي تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام بتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه ونحو ذلك , كل هذا من كمال تعظيم الله لحرمته عند الله
‏( وحامل القرآن ) ‏
‏أي وإكرام حافظه وسماه حاملا له لما يحمل لمشاق كثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة قاله العزيزي . وقال القاري : أي وإكرام قارئه وحافظه ومفسره ‏
‏( غير الغالي ) ‏
‏بالجر ‏
‏( فيه )
‏أي في القرآن . ‏
‏والغلو التشديد ومجاوزة الحد , يعني غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه قاله العزيزي ‏
‏( والجافي عنه ) ‏
‏أي وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وإحكام قراءته وإتقان معانيه والعمل بما فيه . ‏
‏وقيل الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى .
‏والجفاء أن يتركه بعد ما علمه لا سيما إذا كان نسيه فإنه عد من الكبائر , قال في النهاية : ومنه الحديث " اقرءوا القرآن ولا تجفوا عنه " أي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا بتفسيره وتأويله ولذا قيل اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم , وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم , والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال , كذا في المرقاة شرح المشكاة ‏
‏( وإكرام ذي السلطان المقسط ) ‏
‏: بضم الميم أي العادل . ‏
‏قال المنذري : أبو كنانة هذا هو القرشي ذكر غير واحد أنه سمع من أبي موسى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبيد ‏ ‏وأحمد بن عبدة ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عامر الأحول ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن شعيب ‏ ‏قال ‏ ‏ابن عبدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما ) ‏
‏: كذا في جميع النسخ الحاضرة لا يجلس بالتحتية وضبط في بعضها بالقلم بفتح التحتية . وقال العلقمي : بضم أوله بالبناء للمجهول . ‏
‏وفي المشكاة : لا تجلس بالمثناة .
‏والحديث قال المنذري , وأشار إليه الترمذي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن داود المهري ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أسامة بن زيد الليثي ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يحل لرجل أن يفرق ) ‏
‏: بتشديد الراء
‏( بين اثنين ) ‏
‏: بأن يجلس بينهما ‏
‏( إلا بإذنهما )
‏: لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفريق بجلوسه بينهما . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن , وقد تقدم الاختلاف في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في جلوس الرجل ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سلمة بن شبيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن إبراهيم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏إسحق بن محمد الأنصاري ‏ ‏عن ‏ ‏ربيح بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا جلس ‏ ‏احتبى بيده ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏عبد الله بن إبراهيم ‏ ‏شيخ ‏ ‏منكر الحديث ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ربيح ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( احتبى بيده )
‏: زاد البزار " ونصب ركبتيه " أي جمع ساقيه إلى بطنه مع ظهره بيديه عوضا عن جمعهما بثوب , فالاحتباء باليدين غير منهي عنه إلا إذا كان ينتظر الصلاة كما في حديث كذا في السراج المنير ‏
‏( قال أبو داود عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث ) ‏. ‏
‏قال المنذري : وفي إسناده أيضا ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري , قال الإمام أحمد : ربيح ليس بمعروف .

 

‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏وموسى بن إسمعيل ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الله بن حسان العنبري ‏ ‏قال حدثتني ‏ ‏جدتاي ‏ ‏صفية ‏ ‏ودحيبة ‏ ‏ابنتا ‏ ‏عليبة ‏ ‏قال ‏ ‏موسى ‏ ‏بنت ‏ ‏حرملة ‏ ‏وكانتا ربيبتي ‏ ‏قيلة بنت مخرمة ‏ ‏وكانت جدة أبيهما ‏ ‏أنها أخبرتهما ‏
‏أنها رأت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو ‏ ‏قاعد ‏ ‏القرفصاء ‏ ‏فلما رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المختشع ‏ ‏وقال ‏ ‏موسى ‏ ‏المتخشع ‏ ‏في الجلسة ‏ ‏أرعدت ‏ ‏من ‏ ‏الفرق ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( صفية ودحيبة ) ‏
‏: بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون التحتانية ‏
‏( ابنتا عليبة ) ‏
‏: بالتصغير
‏( قال موسى بنت حرملة ) ‏
‏: أي قال موسى في روايته ابنتا عليبة بنت حرملة فنسبها إلى أبيها حرملة وهو ابن عبد الله العنبري ‏
‏( وكانتا )
‏: أي صفية ودحيبة ‏
‏( قيلة ) ‏
‏: بفتح القاف وسكون الياء
‏( وكانت ) ‏
‏: أي قيلة ‏
‏( جدة أبيهما ) ‏
‏: ضمير التثنية لصفية ودحيبة ‏
‏( أنها ) ‏
‏: أي قيلة ‏
‏( وهو قاعد القرفصاء ) ‏
‏: بالنصب على أنه مفعول مطلق بضم القاف وسكون الراء وضم الفاء وفتحها ممدودا . ‏
‏قال الخطابي : هو جلسة المحتبي وليس هو المحتبي بثوبه ولكنه الذي يحتبي بيديه انتهى . ‏
‏وفي القاموس القرفصى مثلثة القاف والفاء مقصورة , والقرفصاء بالضم , والقرفصاء بضم القاف والراء على الاتباع أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه أو يجلس على ركبتيه منكبا ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه انتهى ‏
‏( المختشع وقال موسى المتخشع ) ‏
: الأول من باب الافتعال والثاني من باب التفعل أي الخاشع الخاضع المتواضع , والظاهر أنه حال على مجاوزة الكوفيين في قول لبيد : ‏ ‏وأرسلها العراك ولم يذدها ‏
‏مع أن تأويل البصريين قد يأتي هنا أيضا بأنه معرفة موضوعة موضع النكرة , وقيل إنه صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( أرعدت ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي أخذتني الرعدة والاضطراب والحركة ‏
‏( من الفرق ) ‏
‏: بفتحتين أي من أجل الخوف والمعنى هبته مع خضوعه وخشوعه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان . هذا آخر كلامه . وعبد الله بن حسان كنيته أبو الحسد تميمي غنوي حديثه في البصريين ودحيبة بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة مفتوحة وتاء تأنيث . وعليبة بضم العين المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة مفتوحة وتاء تأنيث . وقد مر طرف من هذا الحديث في كتاب الخراج وهو حديث طويل وذكر أبو عمر النمري قيلة بنت مخرمة , وقد شرح حديثها أهل العلم بالغريب , وهو حديث حسن .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الجلسة المكروهة ‏

    ‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي بن بحر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم بن ميسرة ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن الشريد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏الشريد بن سويد ‏ ‏قال ‏
‏مر بي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنا جالس هكذا وقد وضعت ‏ ‏يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ‏ ‏ألية يدي ‏ ‏فقال أتقعد قعدة المغضوب عليهم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وأنا جالس هكذا ) ‏
‏: المشار إليه مفسر بقوله
‏( وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي ) ‏
‏: أي اليمنى والألية بفتح الهمزة اللحمة التي في أصل الإبهام ‏
‏( فقال : أتقعد قعدة المغضوب عليهم ) ‏
‏: القعدة بالكسر للنوع والهيئة . ‏
‏قال الطيبي : والمراد بالمغضوب عليهم اليهود . ‏
‏قال القاري في كونهم هم المراد من المغضوب عليهم ههنا محل بحث . وتتوقف صحته على أن يكون هذا شعارهم , والأظهر أن يراد بالمغضوب عليهم أعم من الكفار والفجار المتكبرين المتجبرين ممن تظهر آثار العجب والكبر عليهم من قعودهم ومشيهم ونحوهما , نعم ورد في حديث صحيح أن المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود انتهى . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏النهي عن ‏ ‏السمر ‏ ‏بعد العشاء ‏

السمر بفتحتين من المسامرة الحديث بالليل , وبسكون الميم مصدر , وأصل السمر لون ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏عوف ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبو المنهال ‏ ‏عن ‏ ‏أبي برزة ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ينهى عن النوم قبلها والحديث بعدها ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ينهى عن النوم قبلها ) ‏
‏: أي قبل صلاة العشاء لما فيه من خوف فوت الجماعة ‏
‏( والحديث بعدها ) ‏
‏: أي المحادثة بعدها , لأنه يؤدي إلى الإكثار , فيؤدي إلى تفويت قيام الليل بل صلاة الصبح أيضا .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه , وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه في أثناء حديث أبي برزة الطويل في المواقيت.

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يجلس متربعا ‏

هو أن يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه اليمنى إلى جانب يساره واليسرى بالعكس .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو داود الحفري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان الثوري ‏ ‏عن ‏ ‏سماك بن حرب ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن سمرة ‏ ‏قال ‏
‏كان النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( تربع في مجلسه ) ‏
‏: أي جلس مربعا واستمر عليه
‏( حتى تطلع الشمس حسناء ) ‏
‏: على وزنه فعلاء حال من الشمس أي نقية بيضاء زائلة عنها الصفرة التي تتخيل عند الطلوع , وفي بعض النسخ حسنا بفتحتين وبالتنوين فهو مفعول مطلق أي طلوعا ظاهرا بينا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏التناجي ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن يونس ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏شقيق يعني ابن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا ‏ ‏ينتجي ‏ ‏اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مثله ‏ ‏قال ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏فقلت ‏ ‏لابن عمر ‏ ‏فأربعة قال ‏ ‏لا يضرك ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا ينتجي اثنان ) ‏
‏: أي لا يتكلما بالسر , يقال انتجى القوم وتناجوا أي سار بعضهم بعضا ‏
‏( دون صاحبهما ) ‏
: أي مجاوزين عنه , غير مشاركين له ‏
‏( فإن ذلك ) ‏
‏: أي التناجي
‏( يحزنه ) ‏
‏: بضم أوله وكسر ثالثه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه . ‏
‏( فقلت لابن عمر فأربعة ) ‏
: أي التناجي المنهي عنه هو إذا كانوا ثلاثة , فأما إذا كانوا أربعة ويتناجى اثنان دون اثنين فأجاب ابن عمر بقوله ‏
‏( لا يضرك ) ‏
‏: أي لاستئناس الثالث بالرابع . ‏
‏قال النووي : في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث , وكذا ثلاثة وأكثرهم بحضرة واحد وهو نهي تحريم , فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن . ‏
‏ومذهب ابن عمر رضي الله عنه ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر , وأما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم من حديث نافع عن ابن عمر بنحوه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏قال ‏
‏كنت عند أبي جالسا وعنده غلام فقام ثم رجع ‏ ‏فحدث ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( وعنده ) ‏
‏: أي عند أبي ‏
‏( فقام )
‏: أي الغلام ‏
‏( إذا قام الرجل من مجلس إلخ ) ‏
‏: قال النووي ما ملخصه إن هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلا يسيرا ثم يعود لم يبطل اختصاصه بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة وله أن يقيم من قعد فيه ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا , فهذا أحق به في الحالين , وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها انتهى . قال المنذري : وأخرجه مسلم وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن موسى الرازي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مبشر الحلبي ‏ ‏عن ‏ ‏تمام بن نجيح ‏ ‏عن ‏ ‏كعب الإيادي ‏ ‏قال ‏
‏كنت أختلف إلى ‏ ‏أبي الدرداء ‏ ‏فقال ‏ ‏أبو الدرداء ‏ ‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا جلس وجلسنا حوله فقام فأراد الرجوع نزع نعليه ‏ ‏أو بعض ما يكون عليه ‏ ‏فيعرف ذلك أصحابه فيثبتون ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا مبشر ) ‏
‏: بكسر الشين المعجمة الثقيلة
‏( كنت أختلف إلى أبي الدرداء ) ‏
‏: أي أتردد إليه , والاختلاف بالفارسية امد وشدداشتن ‏
‏( فقام ) ‏
‏: عطف على جلس ‏
‏( نزع نعليه ) ‏
‏: خلعهما وتركهما هناك وهو جواب الشرط ‏
‏( أو بعض ما يكون عليه ) ‏
‏: أي من رداء أو عمامة أو غيرهما ‏
‏( فيعرف ذلك )
‏: أي إرادة رجوعه ‏
‏( فيثبتون ) ‏
‏: أي في مكانهم ولا يتفرقون عنه . ‏
‏قال المنذري : في إسناده تمام بن نجيح الأسدي , وقيل إنه دمشقي , وقيل مولده بملطية وسكن حلبا . ‏
‏[ قال في القاموس : بفتح الميم واللام وسكون الطاء مخففة بلد كثير الفواكه شديد البرد ] . ‏
‏قال يحيى بن معين ثقة , وقال ابن عدي غير ثقة وعامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه , وقال أبو حاتم الرازي منكر الحديث ذاهب , وقال ابن حبان منكر الحديث جدا يروي أشياء موضوعة من الثقات كأنه المتعمد لها , وانتقد عليه أحاديث هذا من جملتها .

 

‏ ‏باب ‏ ‏كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح البزاز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن زكريا ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ) ‏
‏: أي مثلها في النتن والقذارة . وذلك لما يخوضون من الكلام في أعراض الناس وغير ذلك ‏
( وكان ) ‏
‏: أي ذلك المجلس ‏
‏( لهم ) ‏
‏: وفي بعض النسخ عليهم ‏
‏( حسرة ) ‏
‏: يوم القيامة أي ندامة لازمة لهم لأجل ما فرطوا في مجلسهم ذلك من ذكر الله تعالى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ‏ ‏ترة ‏ ‏ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ‏ ‏ترة

  ‏  عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كانت عليه من الله ترة ) ‏
‏: على وزن عدة أي حسرة ونقصانا وهو منصوب على الخبرية وضمير كانت راجعة إلى القعدة . ‏
‏قال الخطابي : أصل الترة النقص ومعناها ههنا التبعة يقال وترت الرجل ترة على وزن وعدته عدة انتهى . ‏
‏وفي النهاية مرة أي نقصانا والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . وفي إسناده محمد بن عجلان وفيه مقال .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في كفارة المجلس ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عمرو ‏ ‏أن ‏ ‏سعيد بن أبي هلال ‏ ‏حدثه أن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد المقبري ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو بن العاص ‏ ‏أنه قال ‏
‏كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة ‏ ‏سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ‏
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال قال ‏ ‏عمرو ‏ ‏و حدثني ‏ ‏بنحو ذلك ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مثله ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عند قيامه ) ‏
‏: أي من ذلك المجلس ‏
( إلا كفر ) ‏
‏: بالبناء للمفعول ‏
‏( بهن ) ‏
‏: أي بسبب تلك الكلمات ‏
‏( عنه ) ‏
‏: أي ما وقع فيه من اللغو ‏
‏( إلا ختم )
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( له ) ‏
‏: أي للمتكلم ‏
‏( عليه )
‏: أي على الخير . والمعنى أن تلك الكلمات تكون موجبة لأحكام ذلك الخير والذكر ‏
‏( سبحانك اللهم إلخ ) ‏
‏: بدل من كلمات والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( نحو ذلك ) ‏
‏: قال المنذري : وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه لا يعرف من حديث سهيل إلا من هذا الوجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن حاتم الجرجرائي ‏ ‏وعثمان بن أبي شيبة ‏ ‏المعنى ‏ ‏أن ‏ ‏عبدة بن سليمان ‏ ‏أخبرهم عن ‏ ‏الحجاج بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هاشم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي العالية ‏ ‏عن ‏ ‏أبي برزة الأسلمي ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏بأخرة ‏ ‏إذا أراد أن يقوم من المجلس ‏ ‏سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى فقال كفارة لما يكون في المجلس ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يقول بأخرة ) ‏
‏: بفتح الهمزة والخاء أي في آخر جلوسه أو في آخر عمره ‏
‏( فيما مضى ) ‏
‏: أي من مدة عمرك
‏( كفارة ) ‏
‏: أي هذا القول كفارة ‏
‏( لما يكون في المجلس )
‏: أي من اللغو . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . ‏

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : هذه ثلاثة أحاديث ذكرها أبو داود في كفارة المجلس . ‏
‏فأما حديث عبد الله بن عمرو فموقوف عليه .
‏وأما حديث أبي هريرة فهو معروف بموسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال الحاكم أبو عبد الله : هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح , وله علة فاحشة , حدثني أبو نصر الوراق قال : سمعت أبا أحمد القصار يقول : سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال : دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين , وطبيب الحديث في علله : حدثنا محمد بن سلام حدثنا مخلد بن يزيد الحراني أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس , فما علته . ‏
‏قال محمد بن إسماعيل : هذا حديث مليح , ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث , إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عوف بن عبد الله من قوله .
‏قال محمد بن إسماعيل : هذا أولى , فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل .
‏وأما الحديث الذي رواه أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي : فإسناده حسن , رواه عن عثمان بن أبي شيبة , وأخرجه عن عبدة بن سليمان عن الحجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية عن أبي برزة , والحجاج بن دينار صدوق , وثقه غير واحد , وأبو هاشم : هو الرماني , من رجال الصحيحين . ‏
‏وفي الباب حديث عائشة , رواه الليث عن ابن الهاد , عن يحيى بن سعيد عن زرارة عن عائشة قالت " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس إلا قال : لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقلت : يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت ؟ فقال : إنه لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس " رواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد . ‏
‏ورواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعبة عنه . ‏
‏ولهذا الحديث أيضا علة , وهي أن قتيبة خالف شعيبا فيه , فقال : عن الليث عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن رجل من أهل الشام عن عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلس يكثر من أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك , لا إله إلا أنت - وساق الحديث " ذكره النسائي . ورواه من حديث خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلسا , أو صلى صلاة تكلم بكلمات . فسألت عائشة عن الكلمات ؟ فقالت : إن تكلم بخير , كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة , وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة له : سبحانك اللهم وبحمدك , لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " رواه عن أبي بكر بن إسحاق حدثنا أبو سلمة الخزاعي عن خالد به . ‏
‏ورواه الطبراني في الكبير من حديث خالد بن أبي عمران أيضا عن عائشة قالت " ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قط , ولا تلا قرآنا , ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات قال نعم , من قال خيرا ختم له طابع على ذلك الخير , ومن قال شرا كن له كفارة : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في رفع الحديث من المجلس ‏

أي نقل الحديث إلى الغير .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى بن فارس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الفريابي ‏ ‏عن ‏ ‏إسرائيل ‏ ‏عن ‏ ‏الوليد ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ونسبه لنا ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏عن ‏ ‏حسين ابن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏إسرائيل ‏ ‏في هذا الحديث ‏ ‏قال ‏ ‏الوليد ابن أبي هشام ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن زائد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن مسعود ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ونسبه لنا زهير بن حرب ) ‏
‏: يعني نسب زهير بن حرب الوليد إلى أبيه أبي هشام وهذا مقول المؤلف ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي زهير بن حرب ‏
‏( الوليد بن أبي هشام ) ‏
‏: هذا بيان لقوله نسبه لنا زهير بن حرب ‏
‏( لا يبلغني ) ‏
‏: بتشديد اللام ويخفف أي لا يوصلني
‏( عن أحد ) ‏
‏: أي عن قبل أحد ‏
‏( شيئا ) ‏
‏: أي مما أكرهه وأغضب عليه ‏
‏( فإني أحب أن أخرج إليكم ) ‏
‏: أي من البيت وألاقيكم ‏
‏( وأنا سليم الصدر ) ‏
‏: أي من مساويكم جملة حالية .
‏قال ابن الملك : والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير سخط على أحد منهم , وهذا تعليم للأمة أو من مقتضيات البشرية انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال غريب من هذا الوجه . هذا آخر كلامه , وفي إسناده الوليد بن أبي هشام . قال أبو حاتم الرازي : ليس بالمشهور .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الحذر من الناس ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى بن فارس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏نوح بن يزيد بن سيار المؤدب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن سعد ‏ ‏قال حدثنيه ‏ ‏ابن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏عيسى بن معمر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو بن الفغواء الخزاعي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏دعاني رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وقد أراد أن يبعثني بمال إلى ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏يقسمه في ‏ ‏قريش ‏ ‏بمكة ‏ ‏بعد الفتح فقال التمس صاحبا قال فجاءني ‏ ‏عمرو بن أمية الضمري ‏ ‏فقال بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا قال قلت أجل قال فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قلت قد وجدت صاحبا قال فقال من قلت ‏ ‏عمرو بن أمية الضمري ‏ ‏قال ‏ ‏إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك ‏ ‏البكري ‏ ‏ولا تأمنه فخرجنا حتى إذا كنت ‏ ‏بالأبواء ‏ ‏قال إني أريد حاجة إلى قومي ‏ ‏بودان ‏ ‏فتلبث ‏ ‏لي قلت راشدا فلما ‏ ‏ولى ‏ ‏ذكرت قول النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فشددت على بعيري حتى خرجت ‏ ‏أوضعه ‏ ‏حتى إذا كنت ‏ ‏بالأصافر ‏ ‏إذا هو ‏ ‏يعارضني ‏ ‏في ‏ ‏رهط ‏ ‏قال ‏ ‏وأوضعت ‏ ‏فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا وجاءني فقال كانت لي إلى قومي حاجة قال قلت أجل ومضينا حتى قدمنا ‏ ‏مكة ‏ ‏فدفعت المال إلى ‏ ‏أبي سفيان ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء ) ‏
‏: بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة والمد هكذا في أكثر النسخ , وكذا ضبطه الحافظ في الإصابة , وهكذا في التقريب وهو الصحيح . ‏
‏وفي بعض النسخ بالعين المهملة وهكذا في الخلاصة . ‏
‏والحديث أخرجه أيضا أحمد في مسنده من طريق نوح بن يزيد مثله فقال فيه عبد الله بن عمرو بن الفغواء كما عند المؤلف , وهكذا رواه يحيى بن معين عن نوح بن يزيد , فقال فيه عبد الله بن عمرو بن الفغواء : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب .
‏وأما عمر بن شبة والبغوي فأخرجاه من طريق محمد بن إسحاق عن عيسى بن معمر فقال فيه عبد الله بن علقمة بن الفغواء عن أبيه فذكر الحديث . ‏
‏قال الحافظ في الإصابة : علقمة بن الفغواء الخزاعي قال ابن حبان وابن الكلبي له صحبة ثم ساق هذا الحديث من روايته ثم قال وهو عند أبي داود وغيره من طريق ابن إسحاق , لكن قال عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء عن أبيه ولعلقمة حديث آخر . ‏
‏وقال في ترجمة عمرو بن الفغواء هو أخو علقمة : قال ابن السكن له صحبة . وأخرج له أبو داود حديثا تقدم في ترجمة أخيه علقمة انتهى . ‏

‏( يقسمه في قريش بمكة ) ‏
‏: ولفظ عمر بن شبة والبغوي كما في الإصابة بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال إلى أبي سفيان بن حرب في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم ‏
‏( ألتمس صاحبا )
‏: أي رفيقا لأجل السفر ‏
‏( إذا هبطت ) ‏
‏: أي نزلت
‏( بلاد قومه ) ‏
‏: الضمير لعمرو بن أمية . ‏
‏ولفظ ابن شبة : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي دونه يا علقمة إذا بلغت بلاد بني ضمرة فكن من أخيك من حذر , فإني قد سمعت قول القائل أخوك البكري لا تأمنه ‏
( فاحذره ) ‏
‏: أي خفه يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاف من عمرو بن أمية ولم يأمن منه من أن يخبر قومه بالمال الذي مع عمرو بن الفغواء ويشيرهم بأخذ المال فيقطعون الطريق ويجادلون عمرو بن الفغواء ويغلبونه ويأخذون المال عنه بالقهر والظلم , ولعل هذا الخوف من عمرو بن أمية وعدم الطمأنينة عليه كان في أول الإسلام ثم صار بعد ذلك من خيار الصحابة وأجلائهم والله أعلم ‏
‏( فإنه ) ‏
: أي الشأن ‏
‏( أخوك البكري ) ‏
‏: بكسر الباء أول ولد الأبوين أي أخوك شقيقك احذره ‏
‏( فلا تأمنه ) ‏
‏: فضلا عن الأجنبي , فأخوك مبتدأ والبكري نعته والخبر محذوف تقديره يخاف منه , والقصد التحذير من الناس حتى الأقرب كذا في السراج المنير . ‏
‏وقال الخطابي : هذا مثل مشهور للعرب وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن وأن ذلك إذا كان على وجه طلب السلامة من شر الناس لم يأثم به صاحبه انتهى . ‏
‏والحاصل أنه لا ينبغي أن يعتمد حق الاعتماد في السفر على كل أحد من الناس لأن النية قد تتبدل بأدنى أحوال وتتغير بأقل شيء فلا يعتبر بها , بل لا بد لكل عابري سبيل أن يراعى حاله ويحفظ متاعه ولا يتكل على غيره .

‏( فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء ) ‏
‏: بفتح الهمزة وسكون الباء والمد جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه كذا في النهاية . وفي مراصد الاطلاع : الأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا , وقيل جبل عن يمين المصعد إلى مكة من المدينة انتهى
‏( قال ) ‏
‏: أي عمرو بن أمية ‏
‏( إني أريد حاجة إلى قومي )
‏: والظاهر أن عمرا ليس له حاجة إلى قومه إلا إخباره لقومه بالمال
‏( بودان ) ‏
‏: بفتح الواو وتشديد الدال قرية جامعة قريبا من الجحفة ‏
‏( فتلبث ) ‏
‏: أي تمكث وتقف ‏
‏( قلت راشدا )
‏: أي سر راشدا . قال في المصباح الرشد الصلاح وهو خلاف الغي والضلال وهو إصابة الصواب انتهى ‏
‏( فلما ولى ) ‏
‏: أي أدبر عمرو بن أمية وذهب إلى قومه ‏
‏( ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي إذا هبطت بلاد قومه فاحذره ‏
‏( فشددت على بعيري ) ‏
‏: أي أسرعت السير راكبا على بعيري . قال في لسان العرب شد في العدو شدا , واشتد أسرع وعدا ‏
‏( حتى خرجت ) ‏
‏: أي من الأبواء ‏
‏( أوضعه ) ‏
‏: بصيغة المضارع المتكلم من الإيضاع أي أسرع البعير وأحمله على العدو . قال في لسان العرب : وضع البعير إذا عدا وأوضعته إذا حملته عليه . ‏
‏وقال الخطابي : الإيضاع الإسراع في السير , والجملة حال من ضمير خرجت أي حتى خرجت من الأبواء مسرعا بعيري وحاملا إياه على العدو ‏
‏( حتى إذا كنت بالأصافر ) ‏
‏: قال في مراصد الاطلاع : الأصافر جمع أصفر ثنايا سلكها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بدر , وقيل الأصافر جبال مجموعة تسمى بهذا انتهى ‏
‏( إذا ) ‏
‏: للمفاجأة
‏( هو ) ‏
‏: أي عمرو بن أمية ‏
‏( يعارضني ) ‏
‏: قال في لسان العرب : عارض الشيء بالشيء معارضة قابله , وفلان يعارضني أي يباريني . وقال في منتهى الأرب : باراه مباراة برابري ونبرد نمود باوي دركاري . ‏
‏والمعنى حتى إذا وصلت بالأصافر فإذا عمرو بن أمية موجود حال كونه يقابلني ويباريني ليقطع الطريق ويأخذ المال الذي معي ‏
‏( في رهط ) ‏
‏: حال من فاعل يعارض أي كائنا في رهط . ‏
‏والرهط عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة , وبعض يقول من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر , وقيل الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة كذا في اللسان ‏
‏( وأوضعت ) ‏
‏: أي البعير وحملته على العدو , وهذا الإيضاع من عمرو بن الفغواء كان لأجل أن يسبق عمرو بن أمية ورهطه ولا يلحقوه وكان شده على بعيره من الأبواء لكي يخرج منه ولا يلاقيه عمرو بن أمية بعد رجوعه من قومه ‏
‏( فسبقته ) ‏
‏: الضمير المنصوب لعمرو بن أمية أي سبقت عمرو بن أمية ورهطه ولم يجدوني ‏
‏( فلما رأى ) ‏
‏: أي عمرو بن أمية
‏( أن قد فته ) ‏
‏: بصيغة المتكلم من فات يفوت ‏
‏( انصرفوا )
‏: أي رهط عمرو بن أمية . ‏
‏والمعنى لما رأى عمرو بن أمية ورهطه أني تجاوزت عنهم ويئسوا مما أرادوا رجع رهط عمرو ‏
‏( و ) : لكن عمرو ( جاءني )
‏: أي لم يرجع بل سار حتى جاءني ‏
‏( فقال كانت لي إلى قومي حاجة )
‏: إنما قال عمرو بن أمية هذا لئلا يطلع عمرو بن الفغواء على ما أراد من قطع الطريق وأخذ المال ولكن قد كان هو مطلعا على هذا من قبل لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا هبطت بلاد قومه فاحذره " . ‏
‏( قلت أجل ) ‏
‏: أي نعم كان لك إلى قومك حاجة , وإنما قال هذا على حسب الظاهر وإلا فقد كان واقفا على ما ذهب عمرو بن أمية إلى قومه لأجله ‏
‏( ومضينا ) ‏
‏: أي سرنا . ‏
‏قال المنذري : في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ليث ‏ ‏عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يلدغ ) ‏
‏: بصيغة المجهول . واللدغ بالفارسية كزيدن ماروكزدم ‏
‏( من جحر ) ‏
‏: بضم جيم وسكون حاء أي ثقب وخرق ‏
‏( مرتين ) ‏
‏: أي مرة بعد أخرى . ‏
‏قال الخطابي في المعالم : هذا يروى على وجهين من الإعراب أحدهما بضم اللين على الخبر معناه أن المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به وقد قيل إنه عليه السلام أراد به الخداع في أمر الآخرة دون أمر الدنيا . والوجه الآخر أن تكون الرواية بكسر الغين على النهي يقول عليه السلام لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر وليكن حذرا مستيقظا , وهذا قد يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة انتهى .
‏والحديث ورد حين أسر النبي صلى الله عليه وسلم أبا غرة الشاعر يوم بدر فمن عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه وأطلقه فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء ثم أسره يوم أحد فسأله المن فقاله . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في هدي الرجل ‏

بفتح الراء المهملة وسكون الجيم جمع راجل وهو خلاف الفارس . والهدي السيرة أي هذا باب في سيرة الماشين على القدمين . ويحتمل أن يكون الرجل بفتح الراء وضم الجيم ولكن ليس المراد منه ههنا معناه المعروف , أعني الذكر من نوع الإنسان خلاف المرأة , بل المراد منه هو الراجل خلاف الفارس , لأن الرجل قد يطلق على الراجل . ‏
‏قال في لسان العرب : قد يأتي رجل بمعنى راجل , قال الزبرقان بن بدر : ‏ ‏آليت لله حجا حافيا رجلا ‏ ‏إن جاوز النخل يمشي وهو مندفع ‏ ‏وقال في المصباح المنير : ويطلق الرجل على الراجل وهو خلاف الفارس وجمع الراجل مثل رجل صاحب مهم انتهى . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏حميد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏كان النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا مشى كأنه ‏ ‏يتوكأ ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كأنه يتوكأ ) ‏
‏: قال الأزهري : الاتكاء في كلام العرب يكون بمعنى السعي الشديد , كذا في السراج المنير . ‏
‏وقال في فتح الودود : أي يميل إلى قدام . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حسين بن معاذ بن خليف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الأعلى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد الجريري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الطفيل ‏ ‏قال ‏
‏رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قلت كيف رأيته قال ‏ ‏كان أبيض مليحا إذا مشى كأنما يهوي في ‏ ‏صبوب ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كأنما يهوي في صبوب ) ‏
‏: أي ينزل في موضع منخفض . ‏
‏قال الخطابي في ملخصه : إن الصبوب بفتح الصاد اسم لما يصب على الإنسان من ماء ونحوه , ومن رواه الصبوب بضم الصاد على أنه جمع الصبب وما انحدر من الأرض فقد خالف القياس لأن باب فعل لا يجمع على فعول بل على أفعال كسبب وأسباب , وقد جاء في أكثر الروايات كأنما يمشي في صبب وهو المحفوظ انتهى . وفي النهاية : وفي صفته صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط في صبب أي في موضع منحدر . وفي رواية كأنما يهوي من صبوب يروى بالفتح والضم , فالفتح اسم لما يصب على الإنسان من ماء وغيره كالطهور والغسول , والضم جمع صبب انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي بنحوه .

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزبير ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏قال ‏
‏نهى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن يضع ‏ ‏وقال ‏ ‏قتيبة ‏ ‏يرفع ‏ ‏الرجل إحدى رجليه على الأخرى ‏ ‏زاد ‏ ‏قتيبة ‏ ‏وهو مستلق على ظهره ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا حماد ) ‏
‏: هو ابن سلمة فحماد والليث كلاهما يرويان عن أبي الزبير ‏
‏( وقال قتيبة يرفع ) ‏
‏: أي مكان يضع
‏( وهو مستلق على ظهره ) ‏
‏. الواو للحال أي حال كونه مضطجعا على ظهره . قال الخطابي : إنما نهى عن ذلك من أجل انكشاف العورة إذ كان لباسهم الأزر دون السراويلات , والغالب أن أزرهم غير سابغة , والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار لم يسلم أن ينكشف شيء من فخذه والفخذ عورة . ‏
‏فأما إذا كان الإزار سابغا أو كان لابسه عن التكشف متوقيا فلا بأس به , وهو وجه الجمع بين الخبرين أي بين هذا الخبر والخبر الآتي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي مختصرا ومطولا . ‏

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وأما الحديث الذي رواه الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصغاني عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن فليح عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال " بينما أنا جالس في المسجد إذ جاءه قتادة بن النعمان فجلس فتحدث فثاب إليه أناس ثم قال انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري , فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى , فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد الخدري فوجدناه مستلقيا واضعا رجله اليمنى على اليسرى فسلمنا وجلسنا . فرفع قتادة يده إلى رجل أبي سعيد الخدري فقرصها قرصة شديدة . فقال أبو سعيد : سبحان الله يا ابن أم أوجعتني , قال ذلك أردت - فذكر حديث الاستلقاء - وقال فيه : لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل مثل هذا " . ‏
‏فهذا الحديث له علتان . ‏
‏إحداهما : انفراد فليح بن سليمان به , وقد قال عباس الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : فليح بن سليمان لا يحتج بحديثه , وقال في رواية عثمان الدارمي : فليح بن سليمان ضعيف . وقال النسائي : ليس بالقوي . ‏
‏والعلة الثانية : أنه حديث منقطع , فإن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر , وصلى عليه عمر . وعبيد بن حنين , مات سنة خمس ومائة , وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي , وابن بكير , فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة , والله أعلم . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مالك ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عباد بن تميم ‏ ‏عن ‏ ‏عمه ‏
‏أنه رأى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مستلقيا ‏ ‏قال ‏ ‏القعنبي ‏ ‏في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏أن ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏وعثمان بن عفان ‏ ‏كانا يفعلان ذلك ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عمه ) ‏
‏: وهو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني ‏
‏( قال القعنبي في المسجد ) ‏
‏: وأما النفيلي فلم يقل في روايته لفظ في المسجد ‏
‏( واضعا ) ‏
‏: حال متداخلة أو مترادفة , وقد تقدم وجه الجمع بين هذا الحديث والحديث السابق , وقد قيل إن وضع إحدى الرجلين على الأخرى يكون على نوعين , أن تكون رجلاه ممدودتين إحداهما فوق الأخرى ولا بأس بهذا فإنه لا ينكشف من العورة بهذه الهيئة , وأن يكون ناصبا ساق إحدى الرجلين ويضع الرجل الأخرى على الركبة المنصوبة , وعلى هذا فإن لم يكن انكشاف العورة جاز وإلا فلا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
‏( يفعلان ذلك ) ‏
‏: المذكور من وضع إحدى الرجلين على الأخرى حال الاستلقاء . ‏
‏قال المنذري : وذكره البخاري في عقب حديث عباد بن تميم فقال وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك . هذا آخر كلامه وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر وأدرك عثمان ولا يحفظ له عنه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في نقل الحديث ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن آدم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن جابر بن عتيك ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا حدث الرجل ) ‏
‏: أي عند أحد ‏
( بالحديث ) ‏
‏: أي الذي يريد إخفاءه ‏
‏( ثم التفت ) ‏
‏: أي يمينا وشمالا احتياطا ‏
‏( فهي ) ‏
‏: أي ذلك الحديث , وأنت باعتبار خبره , وقيل لأن الحديث بمعنى الحكاية ‏
‏( أمانة ) ‏
‏: أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها . قال ابن رسلان : لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره , فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة انتهى . ‏
‏وقال : العلقمي أي إذا حدث أحد عندك بحديث ثم غاب صار حديثه أمانة عندك ولا يجوز إضاعتها , ففسر التفت بغاب والظاهر هو الأول . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب . هذا آخر كلامه . وفي إسناده عبد الرحمن بن عطاء المدني قال البخاري عنده مناكير , وقال أبو حاتم الرازي شيخ قيل له أدخله البخاري في كتاب الضعفاء قال يحول من ههنا . وقال الموصلي عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر لا يصح . ‏

 

 

 

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏قال قرأت على ‏ ‏عبد الله بن نافع ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أخي جابر بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( المجالس بالأمانة ) ‏
‏: قال ابن رسلان الباء تتعلق بمحذوف والتقدير تحسن المجالس أو حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضرها لما يحصل في المجالس ويقع في الأقوال والأفعال , فكأن المعنى ليكن صاحب المجلس أمينا لما يسمعه أو يراه انتهى ملخصا ‏
‏( إلا ثلاثة مجالس ) ‏
‏: قال المناوي : : هو استثناء منقطع . ‏
‏وقال في المرقاة : أي إحدى الثلاثة من المجالس والمعنى ينبغي للمؤمن إذا رأى أهل مجلس على منكر أن لا يشيع ما رأى منهم إلا ثلاثة مجالس انتهى ‏
‏( سفك دم ) ‏
‏: يجوز فيه النصب على البدل والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدها سفك دم أي مجلس إراقة دم ‏
‏( حرام )
‏: بالجر صفة دم أي دم حرام سفكه أو دم محترم في الشرع ‏
‏( أو فرج حرام ) ‏
‏: عطف على سفك دم أي وطئه على وجه الزنا ‏
‏( بغير حق )
‏: متعلق بالاقتطاع فمن قال في مجلس أريد قتل فلان أو الزنا بفلانة أو أخذ مال فلان فلا يجوز للمستمع كتمه بل عليه إفشاؤه دفعا للمفسدة . ‏
‏قال المنذري : ابن أخي جابر مجهول وفي إسناده عبد الله بن نافع الصائغ مولى بني مخزوم مدني كنيته أبو محمد وفيه مقال انتهى . وقال المناوي : إسناده حسن .

 

 

 

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏وإبراهيم بن موسى الرازي ‏ ‏قالا أخبرنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏عمر ‏ ‏قال ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏هو ‏ ‏عمر بن حمزة بن عبد الله العمري ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن سعد ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا سعيد الخدري ‏ ‏يقول ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل ‏ ‏يفضي ‏ ‏إلى امرأته ‏ ‏وتفضي ‏ ‏إليه ثم ينشر سرها ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن من أعظم الأمانة ) ‏
‏: أي من أعظم خيانة الأمانة ‏
‏( الرجل ) ‏
‏: بالنصب اسم إن على حذف مضاف أي خيانة الرجل
‏( يفضي إلى امرأته ) ‏
‏: أي يصل إليها ويباشرها ‏
‏( ثم ينشر ) ‏
‏: بفتح الياء وضم الشين أي يظهر ‏
‏( سرها ) ‏
‏: أي ما جرى بينه وبينها من أمور الاستمتاع . والمعنى أن نشر الرجل وإفشاءه ما جرى بينه وبين امرأته حال الاستمتاع بها من أعظم خيانة الأمانة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم وفي لفظ لمسلم " إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها " .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏القتات ‏

بفتح القاف وتشديد التاء النمام , والنميمة نقل الكلام على وجه الفساد . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وأبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏ ‏قال
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يدخل الجنة ‏ ‏قتات ‏

  

 

 

 عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يدخل الجنة ) ‏
‏: أي في أول وهلة كما في نظائره ‏
‏( قتات ) ‏
‏: ووقع في رواية لمسلم بلفظ " نمام " وهما بمعنى . وقيل الفرق بين القتات والنمام أن النمام الذي يحضر القصة فينقلها , والقتات الذي يتسمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ذي الوجهين ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) ‏
‏: أي آخر وهو تفسير لذي الوجهين . ‏
‏قال النووي : هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها , وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة . قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الناس فهو محمود انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شريك ‏ ‏عن ‏ ‏الركين بن الربيع ‏ ‏عن ‏ ‏نعيم بن حنظلة ‏ ‏عن ‏ ‏عمار ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار ‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن الركين ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( من كان له وجهان إلخ ) ‏
‏: قال العلقمي : معناه أنه لما كان يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه على وجه الإفساد جعل له لسانان من نار كما كان له في الدنيا لسانان عند كل طائفة انتهى . ‏
‏قال المنذري : في إسناده شريك القاضي وفيه مقال .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏الغيبة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة القعنبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أنه قيل يا رسول الله ما ‏ ‏الغيبة ‏ ‏قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد ‏ ‏اغتبته ‏ ‏وإن لم يكن فيه ما تقول فقد ‏ ‏بهته ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قيل ) ‏
‏: أي قال بعض الصحابة ‏
‏( ما الغيبة ) ‏
‏: بكسر الغين ‏
‏( ذكرك ) ‏
‏: أي أيها المخاطب خطابا عاما ‏
‏( أخاك ) ‏
‏: أي المسلم ‏
‏( بما يكره )
‏: أي بما لو سمعه لكرهه ‏
‏( أفرأيت ) ‏
‏: أي فأخبرني
‏( إن كان في أخي ) ‏
‏: أي موجودا ‏
‏( ما أقول )
‏: أي من المنقصة . والمعنى أيكون حينئذ ذكره بها أيضا غيبة كما هو المتبادر من عموم ذكره بما يكره ‏
‏( فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته )
‏: أي لا معنى للغيبة إلا هذا وهو أن تكون المنقصة فيه ‏
‏( فقد بهته ) ‏
‏: بفتح الهاء المخففة وتشديد التاء على الخطاب أي قلت عليه البهتان وهو كذب عظيم يبهت فيه من يقال في حقه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم

 والترمذي والنسائي .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏علي بن الأقمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حذيفة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏
‏قلت للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حسبك من ‏ ‏صفية ‏ ‏كذا وكذا ‏ ‏قال ‏ ‏غير ‏ ‏مسدد ‏ ‏تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ‏ ‏قالت ‏ ‏وحكيت ‏ ‏له إنسانا فقال ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حسبك من صفية ) ‏
‏: أي من عيوبها البدنية
‏( كذا وكذا ) ‏
‏: كناية عن ذكر بعضها ‏
‏( تعني )
‏: أي تريد عائشة بقولها كذا وكذا ‏
‏( قصيرة ) ‏
‏: أي كونها قصيرة ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( لو مزج ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي لو خلط ‏
‏( بماء ) ‏
‏: أي على فرض تجسيدها وتقدير كونها مائعا ‏
‏( البحر ) ‏
‏: أي ماؤه ‏
( لمزجته ) ‏
‏: أي غلبته وغيرته وأفسدته ‏
‏( قالت ) ‏
‏: أي عائشة ‏
‏( وحكيت له ) ‏
‏: للنبي صلى الله عليه وسلم ‏
( إنسانا ) ‏
‏أي فعلت مثل فعله تحقيرا له , يقال حكاه وحاكاه , وأكثر ما يستعمل في القبيح المحاكاة ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( ما أحب أني حكيت إنسانا ) ‏
‏: أي ما يسرني أن أتحدث بعيبه , أو ما يسرني أن أحاكيه بأن أفعل مثل فعله أو أقول مثل قوله على وجه التنقيص
‏( وإن لي كذا وكذا ) ‏
‏: أي ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا على ذلك . ‏
‏قال المنذري . وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح . هذا آخر كلامه .
‏وأبو حذيفة هو سلمة بن صهيبة بضم الصاد المهملة وفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة وتاء تأنيت انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عوف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن أبي حسين ‏ ‏حدثنا ‏ ‏نوفل بن مساحق ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن زيد ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن من ‏ ‏أربى ‏ ‏الربا ‏ ‏الاستطالة ‏ ‏في عرض المسلم بغير حق ‏
عون المعبود شرح سنن أبي داود
 ( إن من أربى الربا ) ‏
‏: أي أكثره وبالا وأشده تحريما ‏
‏( الاستطالة ) ‏
‏: أي إطالة اللسان ‏
‏( في عرض المسلم ) ‏
‏: أي احتقاره والترفع عليه , والوقيعة فيه بنحو قذف أو سب , وإنما يكون هذا أشدها تحريما لأن العرض أعز على النفس من المال ‏
‏( بغير حق )
‏: فيه تنبيه على أن العرض ربما تجوز استباحته في بعض الأحوال , وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم " لي الواجد يحل عرضه " فيجوز لصاحب الحق أن يقول فيه إنه ظالم وإنه متعد ونحو ذلك , ومثله ذكر مساوي الخاطب والمبتدعة والفسقة على قصد التحذير . ‏
‏قال الطيبي : أدخل المرض في جنس المال على سبيل المبالغة , وجعل الربا نوعين متعارف , وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون , وغير متعارف وهو استطالة الرجل اللسان في عرض صاحبه ثم فضل أحد النوعين على الآخر . انتهى والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعفر بن مسافر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن أبي سلمة ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن من أكبر الكبائر ‏ ‏استطالة ‏ ‏المرء في عرض رجل مسلم بغير حق ومن الكبائر السبتان بالسبة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن من أكبر الكبائر إلخ ) ‏
‏: هذا الحديث ليس من رواية اللؤلئي ولذا لم يذكره المنذري . ‏
‏وقال المزي في الأطراف : هذا الحديث في رواية ابن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى ‏
( السبتان بالسبة ) ‏
‏: أي سبتان عوض سبة واحدة . مثلا قال رجل لآخر يا خبيث فأجابه يا خبيث يا ملعون .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المصفى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية ‏ ‏وأبو المغيرة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏صفوان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏راشد بن سعد ‏ ‏وعبد الرحمن بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا ‏ ‏جبريل ‏ ‏قال هؤلاء الذين ‏ ‏يأكلون ‏ ‏لحوم الناس ‏ ‏ويقعون ‏ ‏في أعراضهم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏حدثناه ‏ ‏يحيى بن عثمان ‏ ‏عن ‏ ‏بقية ‏ ‏ليس فيه ‏ ‏أنس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن أبي عيسى السيلحيني ‏ ‏عن ‏ ‏أبي المغيرة ‏ ‏كما قال ‏ ‏ابن المصفى ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لما عرج بي ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي أسري بي
‏( يخمشون ) ‏
‏: بكسر الميم أي يخدشون ففي المصباح خمشت المرأة كضرب وجهها بظفر جرحت ظاهر البشرة ‏
‏( يأكلون لحوم الناس ) ‏
‏: أي يغتابون المسلمين . ‏
‏قال الطيبي : لما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات جعلهما جزاء من يغتاب ويفري في أعراض المسلمين إشعارا بأنهما ليستا من صفات الرجال بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة والحديث سكت عنه المنذري ‏
‏( وحدثناه يحيى بن عثمان عن بقية ليس فيه أنس ) ‏
‏: فهذه الرواية مرسلة . ‏
‏( السليحيني ) ‏
‏: بفتح السين المهملة وكسر اللام ومهملة كذا في التقريب وفي تاج العروس سليح كجريح قبيلة باليمن هو سليح بن حلوان انتهى . ‏
‏وفي بعض نسخ الكتاب السيلحيني . قال في المراصد السيلحين قرية قرب بغداد بينهما مقدار ثلاثة فراسخ انتهى ‏
‏( كما قال ابن المصفى ) ‏
: أي بذكر أنس , وجعله متصلا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأسود بن عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن عياش ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن عبد الله بن جريج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي برزة الأسلمي ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ‏ ‏لا ‏ ‏تغتابوا ‏ ‏المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه )
‏: فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن ‏
( ولا تتبعوا عوراتهم ) ‏
‏: أي لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم ‏
‏( فإنه )
‏: أي الشأن ‏
‏( يتبع الله عورته ) ‏
‏: ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة . وقيل معناه يجازيه بسوء صنيعه ‏
( يفضحه ) ‏
‏: من فضح كمنع أي يكشف مساويه ‏
‏( في بيته ) ‏
: أي ولو كان في بيته مخفيا من الناس . ‏
‏قال المنذري : سعيد بن عبد الله بن جريج مولى أبي برزة بصري . قال أبو حاتم الرازي . هو مجهول قال ابن معين : ما سمعت أحدا روى عنه إلا الأعمش من رواية أبي بكر بن عياش .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حيوة بن شريح المصري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية ‏ ‏عن ‏ ‏ابن ثوبان ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏مكحول ‏ ‏عن ‏ ‏وقاص بن ربيعة ‏ ‏عن ‏ ‏المستورد ‏ ‏أنه حدثه ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من أكل برجل مسلم ‏ ‏أكلة ‏ ‏فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله ‏ ‏يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من أكل برجل مسلم ) ‏
‏: أي بسبب اغتيابه والوقيعة فيه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه ‏
‏( أكلة ) ‏
: بالضم أي لقمة أو بالفتح أي مرة من الأكل ‏
‏( من جهنم ) ‏
‏: أي من نارها أو من عذابها ‏
‏( ومن كسي ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
( ثوبا برجل مسلم ) ‏
‏: أي بسبب إهانته . ‏
‏قال في النهاية : معناه الرجل يكون صديقا ثم يذهب إلى عدوه فيتكلم فيه بغير الجميل ليجيزه عليه بجائزة فلا يبارك الله له فيها انتهى ‏
‏( ومن قام برجل إلخ ) ‏
‏: قال في اللمعات : ذكروا له معنيين أحدهما أن الباء للتعدية أي أقام رجلا مقام سمعة ورياء ووصفه بالصلاح والتقوى والكرامات وشهره بها , وجعله وسيلة إلى تحصيل أغراض نفسه وحطام الدنيا فإن الله يقوم به أي بعذابه وتشهيره أنه كان كذابا , وثانيهما أن الباء للسببية , وقيل هو أقوى وأنسب أي من قام بسبب رجل من العظماء من أهل المال والجاه مقاما يتظاهر فيه بالصلاح والتقوى ليعتقد فيه ويصير إليه المال والجاه أقامه الله مقام المرائين ويفضحه ويعذب عذاب المرائين انتهى . ‏
‏وفي المرقاة : الباء في برجل يحتمل أن تكون للتعدية وللسببية , فإن كانت للتعدية يكون معناه من أقام رجلا مقام سمعة ورياء يعني من أظهر رجلا بالصلاح والتقوى ليعتقد الناس فيه اعتقادا حسنا ويعزونه ويخدمونه لينال بسببه المال والجاه , فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء بأن يأمر ملائكته بأن يفعلوا معه مثل فعله ويظهروا أنه كذاب . ‏
‏إن كانت للسببية فمعناه أن من قام وأظهر من نفسه الصلاح والتقوى لأجل أن يعتقد فيه رجل عظيم القدر كثير المال ليحصل له مال وجاه انتهى . ‏
‏قال المنذري : في إسناده بقية بن الوليد وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهما ضعيفان .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏واصل بن عبد الأعلى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أسباط بن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حسب امرئ من الشر إلخ ) ‏
‏: أي حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم واستصغاره . وقوله أن يحقر بفتح الياء وكسر القاف قال في تاج المصادر : الحقر خوارداشتن من حد ضرب والحقارة حقير شدن من حد كرم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب هذا آخر كلامه , وقد أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد مولى عامر بن كريز عن أبي هريرة .

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏من رد عن مسلم ‏ ‏غيبة ‏

معنى يذب يدفع .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المبارك ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏إسمعيل بن يحيى المعافري ‏ ‏عن ‏ ‏سهل بن معاذ بن أنس الجهني ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من حمى مؤمنا من منافق ‏ ‏أراه قال ‏ ‏بعث الله ملكا ‏ ‏يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلما بشيء يريد ‏ ‏شينه ‏ ‏به حبسه الله على ‏ ‏جسر ‏ ‏جهنم حتى يخرج مما قال ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من حمى ) ‏
‏: من الحماية أي حرس وحفظ
‏( مؤمنا ) ‏
‏: أي عرضه ‏
‏( من منافق ) ‏
‏: أي مغتاب , وإنما سمي منافقا لأنه لا يظهر عيب أخيه عنده ليتدارك بل يظهر عنده خلاف ذلك , أو لأنه يظهر النصيحة ويبطن الفضيحة ‏
‏( يحمي لحمه ) ‏
‏: أي لحم حامي المؤمن ‏
‏( ومن رمى مسلما ) ‏
‏: أي قذفه ‏
‏( بشيء )
‏: أي من العيوب ‏
‏( يريد شينه ) ‏
‏: أي عيبه ‏
( به ) ‏
‏: أي بذلك الشيء , والجملة حال من الضمير للاحتراز عمن يريد به زجره أو احتراس غيره عنه ونحو ذلك من المجوزات الشرعية ‏
‏( حبسه الله )
‏: أو وقفه ‏
‏( حتى يخرج مما قال ) ‏
‏: أي من عهدته .
‏والمعنى حتى ينقى من ذنبه ذلك بإرضاء خصمه أو بشفاعة أو بتعذيبه بقدر ذنبه .
‏قال المنذري : سهل بن معاذ يكنى أبا أنس مصري ضعيف . وأخرج هذا الحديث أبو سعيد بن يونس في تاريخ المصريين من رواية عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب وقال ابن يونس ليس هذا الحديث فيما أعلم بمصر .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن الصباح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي مريم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏يحيى بن سليم ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏إسمعيل بن بشير ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏وأبا طلحة بن سهل الأنصاري ‏ ‏يقولان ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ‏
‏قال ‏ ‏يحيى ‏ ‏وحدثنيه ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عمر ‏ ‏وعقبة بن شداد ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏يحيى بن سليم ‏ ‏هذا هو ‏ ‏ابن زيد مولى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وإسمعيل بن بشير ‏ ‏مولى ‏ ‏بني مغالة ‏ ‏وقد قيل ‏ ‏عتبة بن شداد ‏ ‏موضع ‏ ‏عقبة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما من امرئ يخذل امرأ مسلما ) ‏
‏: يخذل بضم الذال . قال في النهاية : الخذل ترك الإعانة والنصرة ‏
‏( في موضع ينتهك )
‏: بصيغة المجهول أي يتناول بما لا يحل ‏
‏( فيه ) ‏
‏: أي في ذلك الموضع ‏
‏( حرمته ) ‏
‏: أي احترامه وبعض إكرامه ‏
( وينتقص ) ‏
‏: بصيغة المجهول من الانتقاص وهو لازم ومتعد ‏
‏( فيه من عرضه ) ‏
‏: بكسر العين وهو محل الذم والمدح من الإنسان . ‏
‏والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله أو نحوها ‏
‏( يحب ) ‏
‏: أي ذلك الخاذل ‏
( فيه ) ‏
‏: أي في ذلك الموطن ‏
‏( نصرته ) ‏
‏: أي إعانته سبحانه . ويجوز أن تكون إضافته إلى المفعول وذلك شامل لمواطن الدنيا ومواقف الآخرة .
‏والحديث سكت عنه المنذري ‏
‏( قال يحيى ) ‏
‏: هو ابن سليم
‏( وحدثنيه ) ‏
‏: أي الحديث السابق . فالحديث عند يحيى من ثلاثة شيوخ ‏
‏( قال أبو داود يحيى بن سليم هذا هو ابن زيد ) ‏
‏: أي يحيى بن سليم المذكور في الإسناد هو يحيى بن سليم بن زيد بن حارثة وسليم أخو أسامة بن زيد ‏
‏( مولى النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏صفة لزيد ‏
( وإسماعيل بن بشير ) ‏
‏: أي هذا هو ‏
‏( مولى بني مغالة ) ‏
: بفتح الميم والمعجمة وإسماعيل هذا مجهول قاله في التقريب ‏
‏( وقد قيل عتبة )
‏: أي بالمثناة الفوقية بعد العين المهملة مكان عقبة بالقاف . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وإدخال أبي داود هذا الحديث هنا يريد به : أن ذكر الرجل بما فيه في موضع الحاجة ليس بغيبة مثل هذا , ونظيره ما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه " ائذنوا له فبئس أخو العشيرة " بوب عليه البخاري " باب غيبة أهل الفساد والريب " وذكر في الباب عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا " . ‏
‏وفي الباب حديث فاطمة بنت قيس لما خطبها معاوية وأبو جهم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما معاوية : فصعلوك وأما أبو جهم : فلا يضع العصا عن عاتقه " . ‏
‏وقالت هند للنبي " إن أبا سفيان رجل شحيح " . ‏
‏وقال الأشعث بن قيس للنبي في خصمه " إنه امرؤ فاجر " . ‏
‏وقال الحضرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصمه " إنه رجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه , وليس يتورع من شيء " رواه مسلم .
‏وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم غيبة مالك بن الدخشم وقال للقائل إنه منافق لا يحب الله ورسوله : " لا تقل ذاك " . ‏
‏ورد معاذ بن جبل غيبة كعب بن مالك لما قال الرجل فيه عند النبي صلى الله عليه وسلم " حبسه النظر في برديه , النظر في عطفيه فقال معاذ : بئس ما قلت , والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا , فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم " والحديثان متفق عليهما . ‏
‏وقد أخرج الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " وقال : هذا حديث حسن . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏من ليست له ‏ ‏غيبة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي بن نصر ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الصمد بن عبد الوارث ‏ ‏من كتابه ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الجريري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عبد الله الجشمي ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏جندب ‏
‏قال جاء أعرابي ‏ ‏فأناخ ‏ ‏راحلته ‏ ‏ثم ‏ ‏عقلها ‏ ‏ثم دخل المسجد فصلى خلف رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلما سلم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أتى ‏ ‏راحلته ‏ ‏فأطلقها ثم ركب ثم نادى اللهم ارحمني ‏ ‏ومحمدا ‏ ‏ولا تشرك في رحمتنا أحدا فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أتقولون هو أضل أم بعيره ألم تسمعوا إلى ما قال قالوا بلى ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من كتابه ) ‏
‏: أي حدثنا عبد الصمد من كتابه
‏( أخبرنا الجريري ) ‏
‏بضم الجيم وفتح الراء وسكون التحتية
‏( الجشمي ) ‏
‏: بضم الجيم وفتح المعجمة ‏
‏( أخبرنا جندب )
‏: وهو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه ‏
‏( فأناخ راحلته )
‏: أي أبركها ‏
‏( ثم عقلها ) ‏
‏: أي قيدها ‏
‏( فلما سلم ) ‏
‏: أي من الصلاة ‏
‏( أتى ) ‏
‏: أي الأعرابي
‏( ثم نادى ) ‏
‏أي رفع صوته ‏
‏( أتقولون ) ‏
‏: في النهاية أي أتظنون ‏
‏( هو أضل ) ‏
‏: أي أجهل نسب إليه الضلالة . والمراد به الجهل لأنه ضيق رحمة الله الواسعة ‏
‏( ألم تسمعوا إلى ما قال )
‏: فيه تنبيه على أنه يستحق أن يقال في حق ذلك الأعرابي ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قال المنذري : أبو عبد الله هو عباد الجشمي ذكره النسائي في كتاب الكبائر وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه نحوا منه عن حديث أبي هريرة وليس فيه الفصل الأخير , وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك , وقد تقدم في الطهارة . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في الرجل ‏ ‏يحل ‏ ‏الرجل قد ‏ ‏اغتابه ‏

وفي نسخة يحلل من التحليل , أي يجعل الرجل المغتاب في حل من قبله . وهذا الباب مع أحاديثه لم يوجد إلا في نسختين من النسخ الحاضرة وليست من رواية اللؤلئي ولذا لم يذكرها المنذري . وقال المزي في الأطراف في مسند أنس بن مالك في ترجمة محمد بن عبد الله العمي عن ثابت عن أنس حديث : أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم أخرجه أبو داود في الأدب عن محمد بن عبيد بن حساب عن محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قوله وعن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن عجلان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود , ورواه هاشم بن القاسم عن محمد بن عبد الله العمي عن ثابت حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود وحديث حماد أصح رواه شعيب بن بيان عن أبي العوام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي داود في رواية أبي الحسن بن العبد عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم انتهى . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن ثور ‏ ‏عن ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏قال ‏
‏أيعجز أحدكم أن يكون مثل ‏ ‏أبي ضيغم ‏ ‏أو ‏ ‏ضمضم ‏ ‏شك ‏ ‏ابن عبيد ‏ ‏كان ‏ ‏إذا أصبح قال اللهم إني قد ‏ ‏تصدقت بعرضي ‏ ‏على عبادك ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك ) ‏
‏: أي فلو انتقص أحد منهم من عرضي فليس لي عليه من دعوى الانتصار .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عجلان ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أيعجز أحدكم أن يكون مثل ‏ ‏أبي ضمضم ‏ ‏قالوا ومن ‏ ‏أبو ضمضم ‏ ‏قال رجل فيمن كان من قبلكم بمعناه قال ‏ ‏عرضي ‏ ‏لمن شتمني
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏هاشم بن القاسم ‏ ‏قال عن ‏ ‏محمد بن عبد الله العمي ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أنس ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمعناه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وحديث ‏ ‏حماد ‏ ‏أصح ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عرضي لمن شتمني ) ‏
‏: أي متصدق لمن شتمني .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النهي عن التجسس ‏

أي في النهي عنه كما في نسخة , وهو بالجيم معناه التفتيش عن بواطن الأمور في الشر غالبا . وقيل هو البحث عن العورات .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن محمد الرملي ‏ ‏وابن عوف ‏ ‏وهذا لفظه ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏الفريابي ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ثور ‏ ‏عن ‏ ‏راشد بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏معاوية ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم ‏ ‏أو كدت أن تفسدهم ‏
‏فقال ‏ ‏أبو الدرداء ‏ ‏كلمة سمعها ‏ ‏معاوية ‏ ‏من رسول الله نفعه الله تعالى بها ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن معاوية ) ‏
‏: أي ابن أبي سفيان ‏
( إن اتبعت إلخ ) ‏
‏: قال في فتح الودود : أي إذا بحثت عن معائبهم وجاهرتهم بذلك , فإنه يؤدي إلى قلة حيائهم عنك فيجترئون على ارتكاب أمثالها مجاهرة انتهى
‏( أو كدت إلخ ) ‏
‏: شك من الراوي . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن عمرو الحضرمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن عياش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ضمضم بن زرعة ‏ ‏عن ‏ ‏شريح بن عبيد ‏ ‏عن ‏ ‏جبير بن نفير ‏ ‏وكثير بن مرة ‏ ‏وعمرو بن الأسود ‏ ‏والمقدام بن معدي كرب ‏ ‏وأبي أمامة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن الأمير إذا ابتغى ‏ ‏الريبة ‏ ‏في الناس أفسدهم ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن الأمير إذا ابتغى الريبة إلخ ) ‏
‏: الريبة بالكسر أي طلب أن يعاملهم بالتهمة والظن السوء ويجاهرهم بذلك . قال في النهاية : أي إذا اتهمهم وجاهرهم بسوء الظن فيهم أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ففسدوا انتهى .
‏قال المناوي : ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات . قال المنذري : في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال . وشريح بن عبيد حضرمي شامي كنيته أبو الصلت سمع معاوية بن أبي سفيان . وجبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إنه أسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهو معدود في التابعين . وكثير بن مرة ذكره عبدان في الصحابة وذكر له حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل , والذي نص عليه الأئمة أنه تابعي . وعمرو بن الأسود عنسي حمصي أدرك الجاهلية وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره , كنيته أبو عياض ويقال أبو عبد الرحمن والمقدام وأبو أمامة صحبتهما مشهورة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن وهب ‏ ‏قال ‏
‏أتي ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏فقيل هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال ‏ ‏عبد الله ‏ ‏إنا قد ‏ ‏نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أتي ابن مسعود ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي أتي برجل ‏
‏( إنا قد نهينا ) ‏
‏بصيغة المجهول . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الستر على المسلم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن المبارك ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم بن نشيط ‏ ‏عن ‏ ‏كعب بن علقمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الهيثم ‏ ‏عن ‏ ‏عقبة بن عامر ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا ‏ ‏موءودة ‏
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي مريم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏إبراهيم بن نشيط ‏ ‏عن ‏ ‏كعب بن علقمة ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أبا الهيثم ‏ ‏يذكر أنه سمع ‏ ‏دخينا ‏ ‏كاتب ‏ ‏عقبة بن عامر ‏ ‏قال ‏ ‏كان لنا جيران يشربون الخمر فنهيتهم فلم ينتهوا فقلت ‏ ‏لعقبة بن عامر ‏ ‏إن جيراننا هؤلاء يشربون الخمر وإني نهيتهم فلم ينتهوا فأنا داع لهم ‏ ‏الشرط ‏ ‏فقال دعهم ثم رجعت إلى ‏ ‏عقبة ‏ ‏مرة أخرى فقلت إن جيراننا قد أبوا أن ينتهوا عن شرب الخمر وأنا داع لهم ‏ ‏الشرط ‏ ‏قال ويحك دعهم فإني سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فذكر معنى حديث ‏ ‏مسلم ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏هاشم بن القاسم ‏ ‏عن ‏ ‏ليث ‏ ‏في هذا الحديث قال ‏ ‏لا تفعل ولكن عظهم وتهددهم ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من رأى عورة ) ‏
‏: وهي ما يكره الإنسان ظهوره . فالمعنى من علم عيبا أو أمرا قبيحا في مسلم , وقال العزيزي أي خصلة قبيحة من أخيه المؤمن ولو معصية قد انقضت ولم يتجاهر بفعلها ‏
‏( كان كمن أحيى )
‏: أي كان ثوابه كثواب من أحيى ‏
‏( موءودة ) ‏
‏: بأن رأى أحدا يريد وأد بنت فمنع أو سعى في خلاصها ولو بحيلة . وقيل بأن رأى حيا مدفونا في قبر فأخرج ذلك المدفون من القبر كيلا يموت . ‏
‏قال المناوي : وجه الشبه أن الساتر دفع عن المستور الفضيحة بين الناس التي هي كالموت فكأنه أحياه كما دفع الموت عن الموءودة من أخرجها من القبر قبل أن تموت انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . ‏
‏( إبراهيم بن نشيط ) ‏
‏بفتح النون وكسر المعجمة
‏( دخينا ) ‏
‏بالتصغير ‏
‏( كان لنا جيران ) ‏
: بكسر الجيم جمع جار ‏
‏( وأنا داع لهم الشرط ) ‏
‏: قال في المجمع : هي جمع شرطة وشرطي وهم أعوان السلطان لتتبع أحوال الناس وحفظهم ولإقامة الحدود . وقال في فتح الودود : الشرط على وزن صرد من نصبه الإمام لتنفيذ الأوامر وما يتعلق به من حبس وضرب وأخذ بمن يستحقه ‏
‏( قال ويحك ) ‏
‏: ويح كلمة يقال لمن ينكر عليه فعله مع ترفق وترحم في حال الشفقة ‏
‏( فذكر معنى حديث مسلم )
‏: يعني ابن إبراهيم الذي قبل هذا ‏
‏( ولكن عظهم ) ‏
‏: أمر من الوعظ ‏
‏( وتهددهم ) ‏
‏: كذا في النسخ , والظاهر أن يكون هددهم , قال في القاموس : هدده خوفه والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .
‏قال ابن شاهين : غريب من حديث إبراهيم بن نشيط , وذكر أبو سعيد بن يونس أنه حديث معلول . هذا آخر كلامه . وقد اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافا كثيرا , فروى عنه عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم كثير بن عقبة وروى عنه عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم عن دخين عن عقبة كما تقدم , وروي عنه عن كعب بن علقمة عن عقبة وهو منقطع كعب لم يسمع من عقبة , وروى عنه عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم كثير عن مولى لعقبة عن عقبة . ‏

‏ ‏باب ‏ ‏المؤاخاة ‏

أي اتخاذ الرجل الرجل أخا في الله .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سالم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا ‏ ‏يسلمه ‏ ‏من كان في حاجة أخيه فإن الله في حاجته ومن فرج عن مسلم ‏ ‏كربة ‏ ‏فرج الله عنه بها ‏ ‏كربة ‏ ‏من ‏ ‏كرب ‏ ‏يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن سالم ) ‏
‏: هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم ‏
‏( ولا يسلمه ) ‏
‏: بضم أوله وكسر اللام أي لا يخذله بل ينصره . قال في النهاية : يقال أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى التهلكة ولم يحمه من عدوه . وقال بعضهم : الهمزة فيه للسلب أي لا يزيل سلمه وهو بكسر السين وفتحها الصلح
‏( من كان في حاجة أخيه ) ‏
‏أي ساعيا في قضائها ‏
‏( ومن فرج )
‏: بتشديد الراء ويخفف أي أزال وكشف ‏
‏( عن مسلم كربة )
‏: أي من كرب الدنيا . والكربة بضم الكاف فعلة من الكرب وهي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح والتنوين فيها للأفراد والتحقير أي هما واحدا أي هم كان ‏
‏( ومن ستر مسلما ) ‏
‏: أي بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه , وهذا بالنسبة إلى من ليس معروفا بالفساد وإلا فيستحب أن ترفع قصته إلى الوالي , فإذا رآه في معصية فينكرها بحسب القدرة وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة , كذا قال النووي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر , وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بعضه بمعناه .

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏المستبان ‏

بتشديد الموحدة تثنية اسم الفاعل من الافتعال أي اللذان يسب كل منهما الآخر .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏المستبان ما قالا فعلى البادي منهما ما لم يعتد المظلوم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( المستبان ) ‏
‏: المتشاتمان اللذان يسب كل منهما الآخر . وقوله المستبان مبتدأ أول ‏
‏( ما قالا ) ‏
‏: أي إثم قولهما من السب والشتم وهو مبتدأ ثان ‏
‏( فعلى البادي منهما ) ‏
: خبر المبتدأ الثاني أي على الذي بدأ في السب لأنه السبب لتلك المخاصمة قال في اللمعات : أما إثم ما قاله البادي فظاهر , وأما إثم الآخر فلكونه الذي حمله على السب وظلمه انتهى . ‏
‏قال القاري : والفاء إما لكون ما شرطية أو لأنها موصولة متضمنة للشرط ‏
‏( ما لم يعتد المظلوم ) ‏
‏: أي الحد بأن سبه أكثر وأفحش منه أما إذا اعتدى كان إثم ما اعتدى عليه والباقي على البادي كذا في اللمعات . والحاصل إذا سب كل واحد الآخر فإثم ما قالا على الذي بدأ في السب , وهذا إذا لم يتعد ويتجاوز المظلوم الحد والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في التواضع ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حفص ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثني ‏ ‏إبراهيم بن طهمان ‏ ‏عن ‏ ‏الحجاج ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏عياض بن حمار ‏ ‏أنه قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا ‏ ‏يبغي ‏ ‏أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عياض بن حمار ) ‏
‏: بكسر أولهما ‏
( أن تواضعوا ) ‏
‏: أن هذه مفسرة لما في الإيحاء من معنى القول . وتواضعوا أمر من الضعة وهي الذل والهوان والدناة . قال العزيزي : التواضع الاستسلام للحق وترك الإعراض عن الحكم من الحاكم وقيل هو خفض الجناح للخلق ولين الجانب . وقيل قبول الحق ممن كان كبيرا أو صغيرا شريفا أو وضيعا ‏
‏( حتى لا يبغي ) ‏
: بكسر الغين أي لا يظلم ‏
‏( ولا يفخر ) ‏
‏: بفتح الخاء , والفخر ادعاء العظمة والكبرياء والشرف . ‏
‏قال المنذري وأخرجه ابن ماجه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏الانتصار ‏

أي الانتقام , يقال انتصر منه أي انتقم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏بشير بن المحرر ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏أنه قال ‏
‏بينما رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏جالس ومعه أصحابه وقع رجل ‏ ‏بأبي بكر ‏ ‏فآذاه فصمت عنه ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏ثم آذاه الثانية فصمت عنه ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏ثم آذاه الثالثة ‏ ‏فانتصر ‏ ‏منه ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏فقام رسول الله حين ‏ ‏انتصر ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏فقال ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏أوجدت ‏ ‏علي يا رسول الله فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك فلما ‏ ‏انتصرت ‏ ‏وقع ‏ ‏الشيطان ‏ ‏فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان ‏
‏حدثنا ‏ ‏عبد الأعلى بن حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏أن رجلا كان يسب ‏ ‏أبا بكر ‏ ‏وساق نحوه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وكذلك ‏ ‏رواه ‏ ‏صفوان بن عيسى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏كما قال ‏ ‏سفيان ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وقع رجل بأبي بكر ) ‏
‏: يقال وقعت به إذا لمته ووقعت فيه إذا غبته وذممته والمراد ههنا من الوقوع به سبه كما في الرواية الآتية
‏( فانتصر منه أبو بكر ) ‏
‏: أي عملا بالرخصة المجوزة للعوام وتركا للعزيمة المناسبة لمرتبة الخواص . قال تعالى : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } وقال عز وجل { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } هو رضي الله عنه وإن كان جمع بين الانتقام عن بعض حقه وبين الصبر عن بعضه , لكن لما كان المطلوب منه الكمال المناسب لمرتبته من الصديقية ما استحسنه صلى الله عليه وسلم , كذا في المرقاة ‏
‏( أوجدت علي ) ‏
‏: بهمزة الاستفهام أي أغضبت علي يقال وجد عليه أي غضب ‏
‏( يكذبه ) ‏
‏: أي الرجل الذي وقع بك وآذاك .
‏قال المنذري : هذا مرسل . ‏
‏( عن سعيد بن أبي سعيد ) ‏
‏: هو المقبري ‏
‏( وساق نحوه ) ‏
‏: أي نحو الحديث السابق . ‏
‏قال المنذري : في إسناده محمد بن عجلان وفيه مقال . وذكر البخاري في تاريخه المرسل . وذكر المسند بعده وقال والأول أصح .

 

‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن عمر بن ميسرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معاذ بن معاذ ‏ ‏المعنى واحد ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏ابن عون ‏ ‏قال
‏كنت أسأل عن ‏ ‏الانتصار ‏

‏فحدثني ‏ ‏علي بن زيد بن جدعان ‏ ‏عن ‏ ‏أم محمد ‏ ‏امرأة أبيه ‏ ‏قال ‏ ‏ابن عون ‏ ‏وزعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين قالت ‏ ‏قالت ‏ ‏أم المؤمنين ‏ ‏دخل علي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعندنا ‏ ‏زينب بنت جحش ‏ ‏فجعل يصنع شيئا بيده فقلت بيده حتى فطنته لها فأمسك وأقبلت ‏ ‏زينب ‏ ‏تقحم ‏ ‏لعائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏فنهاها فأبت أن تنتهي ‏ ‏فقال ‏ ‏لعائشة ‏ ‏سبيها فسبتها فغلبتها فانطلقت ‏ ‏زينب ‏ ‏إلى ‏ ‏علي ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏فقالت إن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏وقعت بكم وفعلت فجاءت ‏ ‏فاطمة ‏ ‏فقال لها إنها حبة أبيك ورب ‏ ‏الكعبة ‏ ‏فانصرفت فقالت لهم أني قلت له كذا وكذا فقال لي كذا وكذا قال وجاء ‏ ‏علي ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فكلمه في ذلك.

 

 

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ولمن انتصر ) ‏
‏: أي انتقم ‏
‏( بعد ظلمه ) ‏
‏أي ظلم الظالم إياه ‏
‏( فأولئك ) ‏
‏: أي المنتصرون
‏( ما عليهم من سبيل ) ‏
‏أي مؤاخذة ‏
‏( كانت تدخل على أم المؤمنين ) ‏
‏: أي عائشة رضي الله عنها ‏
‏( وعندنا زينب بنت جحش )
‏: أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أسدية من أسد بن خزيمة وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فجعل يصنع )
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( شيئا بيده ) ‏
‏: أي من المس ونحوه مما يجري بين الزوج والزوجة ‏
‏( فقلت ) ‏
‏: أي أشرت
‏( حتى فطنته لها ) ‏
‏: من التفطين أي أعلمته بوجود زينب
‏( وأقبلت زينب تقحم لعائشة ) ‏
‏: قال الخطابي : معناه تتعرض لشتمها وتتدخل عليها , ومنه قوله فلان يتقحم في الأمور إذا كان يقع فيها من غير تثبت ولا روية ‏
‏( إن عائشة وقعت بكم ) ‏
‏: أي في بني هاشم لأن أم زينب كانت هاشمية ‏
‏( فجاءت فاطمة ) ‏
‏: أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( لها )
‏: أي لفاطمة ‏
‏( إنها ) ‏
‏: أي عائشة ‏
‏( حبة أبيك )
‏: أي حبيبته فلا تقولي لها شيئا وإن وقعت في بني هاشم ‏
( فانصرفت ) ‏
‏: أي فاطمة ‏
‏( فقالت ) ‏
‏: أي فاطمة
‏( لهم ) ‏
‏أي لبني هاشم ‏
‏( أني قلت له ) ‏
‏: أي للنبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فكلمه ) ‏
‏: أي كلم علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( في ذلك ) ‏
‏الأمر أي في واقعة عائشة وزينب رضي الله عنهم : ‏
‏قال المنذري : علي بن زيد بن جدعان لا يحتج بحديثه وأم ابن جدعان هذه مجهولة .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النهي عن سب الموتى ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا مات صاحبكم فدعوه ولا ‏ ‏تقعوا فيه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا مات صاحبكم ) ‏
‏: أي المؤمن الذي كنتم تجتمعون به وتصاحبونه ‏
‏( فدعوه ) ‏
‏: أي اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حيا ‏
‏( ولا تقعوا فيه ) ‏
‏: أي لا تتكلموا في عرضه بسوء فإنه قد أفضى إلى ما قدم , وغيبة الميت أفحش من غيبة الحي وأشد لأن عفو الحي واستحلاله ممكن بخلاف الميت . والحديث سكت عنه المنذري . ‏

 

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله : وقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تسبوا الأموات , فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " . ‏
‏وأخرج النسائي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا " وفي الحديث قصة وقد تقدم والله أعلم . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معاوية بن هشام ‏ ‏عن ‏ ‏عمران بن أنس المكي ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن ‏ ‏مساويهم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( اذكروا ) ‏
‏: أي أيها المؤمنون ‏
( محاسن موتاكم ) ‏
‏: جمع حسن على غير القياس وموتى جمع ميت ‏
‏( وكفوا )
‏: أي امتنعوا ‏
‏( عن مساويهم ) ‏
‏: جمع سوء على غير القياس وقيل جمع مسوى بفتح الميم والواو . والمعنى لا تذكروهم إلا بخير . قال العلقمي : قال شيخ شيوخنا والأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم . وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال غريب سمعت محمدا يعني البخاري يقول عمران بن أنس المكي منكر الحديث . هذا آخر كلامه . وقال أبو جعفر العقيلي لا يتابع على حديثه وذكر له حديث الربا . وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالمعروف وذكر له حديث الربا وقال لا يتابع عليه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النهي عن ‏ ‏البغي ‏

قال في القاموس : بغى عليه يبغي بغيا عدا وظلم وعدل عن الحق واستطال وكذب .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح بن سفيان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏علي بن ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة بن عمار ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏ضمضم بن جوس ‏ ‏قال قال ‏ ‏أبو هريرة ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏كان رجلان في ‏ ‏بني إسرائيل ‏ ‏متواخيين فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول ‏ ‏أقصر ‏ ‏فوجده يوما على ذنب فقال له ‏ ‏أقصر ‏ ‏فقال خلني وربي أبعثت علي رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك ‏ ‏أو لا يدخلك الله الجنة ‏ ‏فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد أكنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادرا وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي وقال للآخر اذهبوا به إلى النار ‏
‏قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة ‏ ‏أوبقت ‏ ‏دنياه وآخرته ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثني ضمضم بن جوس ) ‏
‏بالسين المهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة , وضبطه الحافظ في التقريب ضمضم بن جوس بفتح الجيم وسكون الواو ثم مهملة . وقال في الخلاصة ضمضم بن جوس بجيم ومعجمة ‏
‏( متواخيين )
‏أي متقابلين في القصد والسعي فهذا كان قاصدا وساعيا في الخير وهذا كان قاصدا وساعيا في الشر ‏
‏( أقصر ) ‏
‏: من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه ‏
‏( أبعثت ) ‏
‏: بهمزة الاستفهام وبصيغة المجهول
‏( أوبقت دنياه وآخرته ) ‏
‏: في القاموس : أوبقه أهلكه أي أهلكت تلك الكلمة ما سعى في الدنيا وحظ الآخرة . ‏
‏قال المنذري : : في إسناده علي بن ثابت الجزري . قال الأزدي : ضعيف الحديث , وقال أبو حاتم يكتب حديثه , وقال ابن معين ثقة , وقال أبو زرعة . ثقة لا بأس به .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن علية ‏ ‏عن ‏ ‏عيينة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بكرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل ‏ ‏البغي ‏ ‏وقطيعة الرحم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما من ذنب أجدر ) ‏
‏: بالجيم أي أحق وأولى
‏( لصاحبه ) ‏
‏: أي لمرتكب الذنب ‏
‏( العقوبة ) ‏
: مفعول يعجل ‏
‏( مع ما يدخر ) ‏
‏: بتشديد الدال المهملة وكسر الخاء المعجمة أي مع ما يؤجل من العقوبة ‏
‏( له ) ‏
‏: أي لصاحب الذنب
‏( مثل البغي ) ‏
‏: أي بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان أو الكبر ‏
‏( وقطيعة الرحم ) ‏
‏: أي ومن قطع صلة ذوي الأرحام .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي : صحيح .

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏الحسد ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن صالح البغدادي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عامر يعني عبد الملك بن عمرو ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن بلال ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم بن أبي أسيد ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إياكم ‏ ‏والحسد ‏ ‏فإن ‏ ‏الحسد ‏ ‏يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ‏ ‏أو قال العشب ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن إبراهيم بن أسيد ) ‏
‏: بفتح الهمزة قاله الحافظ ‏
‏( عن جده عن أبي هريرة ) ‏
‏: قال المزي في الأطراف . جد إبراهيم بن أبي أسيد البراد عن أبي هريرة , قال أبو القاسم أظنه سالما , ثم ذكر المزي حديث أبي داود مع إسناده ثم قال المزي : وروى أحمد بن صالح عن أبي ضمرة وأنس بن عياض عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده أبي أسيد عن أبي هريرة حديث " إياكم أن ترجعوا بعدي كفارا " الحديث هكذا قال عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده أبي أسيد وكأنه نسبه إلى جده ولم يسم أباه انتهى . ‏
‏وقال الحافظ : جد إبراهيم بن أبي أسيد لا يعرف انتهى . ‏
‏وقال في الخلاصة : إبراهيم بن أبي أسيد يروي عن جده لأمه أبي هريرة . انتهى . ‏
‏وظاهر عبارته يوهم أن أبا هريرة هو جد إبراهيم لأمه , والأمر ليس كذلك كما عرفت , فلعل العبارة هكذا : عن جده لأمه عن أبي هريرة والله أعلم
‏( إياكم والحسد ) ‏
‏: أي احذروا الحسد في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي ‏
‏( فإن الحسد يأكل الحسنات )
‏: أي يفني ويذهب طاعات الحاسد ‏
‏( كما تأكل النار الحطب )
‏: لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود فيزيد المحسود نعمة على نعمة والحاسد حسرة على حسرة . فهو كما قال تعالى { خسر الدنيا والآخرة } ‏
‏( أو قال العشب ) ‏
‏: بالضم الكلأ الرطب وهو شك من الراوي . والحديث سكت عنه المنذري . ‏

 

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي الزناد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب , والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار , والصلاة نور المؤمن , والصيام جنة من النار " . ‏
‏لما كان الحاسد يكره نعمة الله على عباده , والمتصدق ينعم عليهم , كانت صدقة هذا ونعمته تطفئ خطيئته وتذهبها , وحسد هذا وكراهته نعمة الله على عباده : تذهب حسناته . ‏
‏ولما كانت الصلاة مركز الإيمان , وأصل الإسلام , ورأس العبودية , ومحل المناجاة والقربة إلى الله , وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو مصل , وأقرب ما يكون منه في صلاته , وهو ساجد : كانت الصلاة نور المسلم . ‏
‏ولما كان الصوم يسد عليه باب الشهوات , ويضيق مجاري الشيطان : ولا سيما باب الأخوفين : الفم والفرج , اللذين ينشأ عنهما معظم الشهوات : كان كالجنة من النار , فإنه يتترس به من سهام إبليس . ‏
‏وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تباغضوا , ولا تحاسدوا , ولا تدابروا , ولا تقاطعوا , وكونوا عباد الله إخوانا , ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ‏ ‏أن ‏ ‏سهل بن أبي أمامة ‏ ‏حدثه ‏
‏أنه دخل هو وأبوه على ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏في زمان ‏ ‏عمر بن عبد العزيز ‏ ‏وهو أمير ‏ ‏المدينة ‏ ‏فإذا هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها فلما سلم قال أبي يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته قال إنها المكتوبة وإنها لصلاة رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه فقال إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان يقول ‏ ‏لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في ‏ ‏الصوامع ‏ ‏والديار ‏

‏ثم غدا من الغد فقال ألا تركب لتنظر ولتعتبر قال نعم فركبوا جميعا فإذا هم بديار ‏ ‏باد ‏ ‏أهلها وانقضوا وفنوا خاوية على عروشها فقال أتعرف هذه الديار فقلت ما أعرفني بها وبأهلها هذه ديار قوم أهلكهم ‏ ‏البغي ‏ ‏والحسد ‏ ‏إن ‏ ‏الحسد ‏ ‏يطفئ نور الحسنات والبغي يصدق ذلك أو يكذبه والعين تزني والكف والقدم والجسد واللسان والفرج يصدق ذلك أو

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أنه دخل هو ) ‏
‏: أي سهل ‏
‏( وأبوه )
‏: أي أبو أمامة ‏
‏( وهو أمير المدينة ) ‏
‏: أي وكان أنس أمير المدينة من قبل عمر بن عبد العزيز ‏
‏( فإذا هو ) ‏
‏: أي أنس
‏( يصلي صلاة خفيفة دقيقة ) ‏
‏: بدال مهملة وقافين بينهما تحتية ساكنة . وفي نسخة الخطابي : ذفيفة بذال معجمة وفاءين بينهما تحتية ساكنة .
‏وقال في المعالم : معنى الذفيفة الخفيفة , يقال رجل خفيف ذفيف وخفاف وذفاف بمعنى واحد انتهى.
‏وفي القاموس : خفيف ذفيف وخفاف ذفاف بالضم اتباع وليعلم أنه ليس المراد أنه رضي الله عنه كان يخل بالصلاة ويترك سنة القراءة والتسبيحات ويتهاون في أدائها بل المراد أنه كان يقتصر على قدر الكفاية في ذلك فكان يكتفي على قراءة السورة القصيرة وعلى ثلاث مرات من التسبيح مع رعاية القومة والجلسة واعتدال سائر الأركان والظاهر أنه كان إماما يصلي بالناس لأنه كان أميرا فخفف اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أم أحدكم الناس فليخفف " الحديث رواه الشيخان .
‏وأما سؤال أبي أمامة بقوله : أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته وتشبيهها بصلاة المسافر من أجل التخفيف فلعله لم يستحضر له إذ ذاك حديث التخفيف , ويحتمل أن يكون أبو أمامة حمل حديث التخفيف على تخفيف دون التخفيف الذي حمله عليه أنس رضي الله عنه فلأجل ذلك قال أبو أمامة ما قال ومن قوله في زمان عمر بن عبد العزيز إلى قوله ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه يوجد في بعض النسخ ولم يوجد في بعضها . وكذا ليس في مختصر المنذري . والله أعلم . ‏
‏( كأنها ) ‏
‏: أي صلاة أنس باعتبار التخفيف فيها ‏
‏( فلما سلم ) ‏
‏: أي أنس من صلاته
‏( قال أبي ) ‏
‏: أي أبو أمامة ‏
‏( أرأيت ) ‏
‏: أي أخبرني ‏
‏( هذه الصلاة ) ‏
‏أي التي صليتها الآن ‏
‏( المكتوبة أو شيء تنفلته ) ‏
‏: أي فريضة أو نافلة ‏
‏( ما أخطأت ) ‏
: أي ما تعمدت الخطأ في هذه الصلاة ‏
‏( لا تشددوا على أنفسكم ) ‏
‏: أي بالأعمال الشاقة كصوم الدهر وإحياء الليل كله واعتزال النساء ‏
‏( فيشدد عليكم ) ‏
‏: بالنصب جواب النهي أي يفرضها عليكم , فتقعوا في الشدة أو بأن يفوت عنكم بعض ما وجب عليكم بسبب ضعفكم من تحمل المشاق ‏
‏( في الصوامع )
‏: جمع صومعة وهي موضع عبادة الرهبان ‏
‏( رهبانية ) ‏
: نصب بفعل يفسره ما بعده , أي ابتدعوا رهبانية ‏
‏( ما كتبناها عليهم )
‏: أي ما فرضنا تلك الرهبانية ‏
‏( ثم غدا ) ‏
‏: أي خرج أبو أمامة غدوة ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي أنس ‏
‏( باد ) ‏
‏: أي هلك ‏
‏( وقتوا ) ‏
‏: بالقاف والتاء المشددة . وفي بعض النسخ فنوا من الفناء ومعناه ظاهر وهو المراد من قتوا . قال في القاموس : اقتته استأصله
‏( خاوية على عروشها ) ‏
‏: أي ساقطة على سقوفها , والظاهر أنه صفة ثانية لديار وصفته الأولى هي قوله باد أهلها ‏
‏( فقال أتعرف هذه الديار )
‏: الظاهر أن الضمير في قال راجع إلى أنس رضي الله عنه أي قال أنس لأبي أمامة هل تعرف هذه الديار البائدة ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي أبو أمامة
‏( ما أعرفني بها وبأهلها ) ‏
‏: أي أي شيء أعرفني بهذه الديار وأهلها الذين كانوا فيها يعني لا أعرفها ولا أهلها فما استفهامية والاستفهام للإنكار ‏
‏( هذه ديار قوم إلخ ) ‏
‏: هذا مقول أنس أي قال أنس هذه ديار قوم . فلفظ قال هذه الجملة مقدر هذا هو الظاهر . ‏
‏ويحتمل أن يكون الضمير في فقال الأول راجعا إلى أبي أمامة , وفي فقال الثاني إلى أنس أي فقال أبو أمامة لأنس هل تعرف هذه الديار ؟ فقال أنس : ما أعرفني بها وبأهلها إلخ . ‏
‏وعلى هذا التقدير يكون قوله ما أعرفني بها وبأهلها صيغة التعجب , ويكون حاصل المعنى قال أنس أعرف هذه الديار وأهلها حق المعرفة , وعلى هذا فلا حاجة إلى تقدير لفظ قال قبل قوله هذه ديار قوم . ومن قوله ثم غدا من الغد إلى قوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه يوجد في بعض النسخ ولم يوجد في بعضها وكذا ليس في مختصر المنذري والله أعلم . ‏
‏ثم ظفرت على كلام للحافظ ابن القيم تكلم به في كتاب الصلاة له على هذا الحديث وهو حسن نافع جدا فأنا أنقله بعينه ها هنا قال . ‏
‏وأما حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ودخول سهل بن أبي أمامة عن أنس بن مالك فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فقال : إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه المجهول , والأحاديث الصحيحة عن أنس كلها تخالفه فكيف يقول أنس هذا وهو القائل : إن أشبه من رئي صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز وكان يسبح عشرا عشرا وهو الذي كان يرفع رأسه من الركوع حتى يقال قد نسي وكذلك من بين السجدتين ويقول ما آلوا أن أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذي يبكي على إضاعتهم الصلاة . ويكفي في رد حديث ابن أبي العمياء ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في سندها ولا شبهة في دلالتها . فلو صح حديث ابن أبي العمياء وهو بعيد عن الصحة لوجب حمله على أن تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم للسنة الراتبة كسنة الفجر والمغرب والعشاء وتحية المسجد ونحوها لا أن تلك صلاته التي كان يصليها بأصحابه دائما , وهذا مما يقطع ببطلانه وترده سائر الأحاديث الصحيحة الصريحة . ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخفف بعض الصلاة كما كان يخفف سنة الفجر حتى تقول عائشة أم المؤمنين هل قرأ فيها بأم القرآن وكان يخفف الصلاة في السفر حتى كان ربما قرأ في الفجر بالمعوذتين , وكان يخفف إذا سمع بكاء الصبي . فالسنة التخفيف حيث خفف والتطويل حيث أطال والتوسط غالبا . فالذي أنكره أنس هو التشديد الذي لا يخفف صاحبه على نفسه مع حاجته إلى التخفيف , ولا ريب أن هذا خلاف سنته وهديه . انتهى كلام ابن القيم . ‏
‏قلت : أخرج أبو داود والنسائي عن ابن جبير قال : سمعت أنس بن مالك يقول " ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز قال فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات " وإلى هذا الحديث أشار ابن القيم بقوله وهو القائل إن أشبه من رأى إلخ .
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في اللعن ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن حسان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن رباح ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏نمران ‏ ‏يذكر عن ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏قالت سمعت ‏ ‏أبا الدرداء ‏ ‏يقول ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد ‏ ‏مساغا ‏ ‏رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏مروان بن محمد ‏ ‏هو ‏ ‏رباح بن الوليد ‏ ‏سمع منه وذكر أن ‏ ‏يحيى بن حسان ‏ ‏وهم فيه ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال سمعت نمران ) ‏
‏: بكسر أوله وسكون ثانيه ابن عتبة الذماري ‏
‏( صعدت ) ‏
‏: بكسر العين أي طلعت اللعنة وكأنها تتجسد ‏
‏( فتغلق ) ‏
‏: بصيغة المجهول من الإغلاق ‏
‏( دونها )
‏: أي قدام اللعنة ‏
‏( ثم تهبط ) ‏
‏: بكسر الموحدة أي تنزل
‏( فتغلق أبوابها ) ‏
‏: أي أبواب الأرض ويفهم منه أن للأرض أيضا أبوابا كما للسماء ‏
‏( دونها ) ‏
‏: أي عندها , ودون يجيء بمعنى أمام ووراء ‏
‏( ثم تأخذ يمينا وشمالا ) ‏
‏: أي تميل إلى جهتي اليمين والشمال ‏
‏( مساغا ) ‏
‏: بفتح الميم أي مدخلا وطريقا ‏
‏( إلى الذي لعن ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( فإن كان ) ‏
‏: أي الملعون
‏( لذلك ) ‏
‏: أي لما ذكر من اللعنة أو جزاء الشرط محذوف تقديره لحقته ونفذت فيه ‏
‏( وإلا ) ‏
‏: أي وإن لم يكن أهلا لذلك ‏
( رجعت ) ‏
‏: أي اللعنة ‏
‏( إلى قائلها ) ‏
‏: فإنه حينئذ هو أهلها ‏
‏( قال مروان بن محمد ) ‏
‏: أي الوليد بن رباح المذكور في الإسناد ‏
‏( رباح بن الوليد سمع منه ) ‏
‏: أي من نمران ‏
( وذكر ) ‏
‏أي مروان ‏
‏( أن يحيى بن حسان وهم فيه ) ‏
‏حيث سماه الوليد بن رباح . ‏
‏قلت : ورواه أبو داود في كتاب الجهاد حديث " يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته " بهذا الإسناد عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن الوليد بن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة قال دخلنا على أم الدرداء فذكره لكن روي يحيى بن حسان على الصواب أيضا . ‏
‏قال المزي : روي حديث شفاعة الشهيد وحديث اللعنة أبو القاسم الطبراني عن عبيد بن زحال وأحمد بن محمد بن رشدين عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن رباح بن الوليد على الصواب انتهى . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وفي الصحيحين عن ثابت بن الضحاك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن المؤمن كقتله " . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا " . ‏
‏وفي الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المؤمن بالطعان , ولا اللعان , ولا الفاحش , ولا البذيء " وقال : حديث حسن . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏سمرة بن جندب ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تلاعنوا ) ‏
‏: بحذف إحدى التائين
‏( بلعنة الله ) ‏
‏: أي لا يلعن بعضكم بعضا فلا يقل أحد لمسلم معين عليك لعنة الله مثلا ‏
‏( ولا بغضب الله ) ‏
‏: بأن يقول غضب الله عليك ‏
‏( ولا بالنار ) ‏
‏: بأن يقول أدخلك الله النار مثلا , وهذا مختص بمعين لأنه يجوز اللعن بالوصف الأعم , كقوله لعنة الله على الكافرين , أو بالأخص كقوله لعنة الله على اليهود , أو على كافر معين مات على الكفر كفرعون وأبي جهل قاله القاري . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح . هذا آخر كلامه . وقد تقدم اختلاف الأئمة في سماع الحسن من سمرة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حازم ‏ ‏وزيد بن أسلم ‏ ‏أن ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏قالت سمعت ‏ ‏أبا الدرداء ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يكون اللعانون شفعاء ) ‏
‏: معناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار ‏
‏( ولا شهداء ) ‏
‏: فيه ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات , والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم بفسقهم , والثالث لا يرزقون الشهادة فهي القتل في سبيل الله كذا قال النووي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبان ‏ ‏ح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زيد بن أخزم الطائي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبان بن يزيد العطار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي العالية ‏ ‏قال ‏ ‏زيد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏أن رجلا لعن الريح ‏ ‏وقال ‏ ‏مسلم ‏ ‏إن رجلا نازعته الريح ‏ ‏رداءه على عهد النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلعنها فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تلعنها فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وقال مسلم ) ‏
‏: هو ابن إبراهيم ‏
( نازعته الريح ) ‏
‏: أي جاذبته ‏
‏( فلعنها ) ‏
‏: أي الريح وهي مؤنثة ‏
‏( فإنها مأمورة ) ‏
‏: أي بأمر ما , والمنازعة من خاصيتها ولوازم وجودها عادة , أو فإنها مأمورة حتى بهذه المنازعة أيضا ابتلاء لعباده , وهو الأظهر قاله القاري ‏
‏( وإنه ) ‏
‏: أي الشأن
‏( ليس له بأهل ) ‏
‏: أي ليس ذلك الشيء للعن بمستحق ‏
( عليه ) ‏
‏: أي على اللاعن . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال غريب لا نعلم أحدا أسنده غير بشر بن عمر هذا آخر كلامه . وبشر بن عمر هذا هو الزهراني احتج به البخاري ومسلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏فيمن دعا على من ظلمه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏حبيب ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه فقال لها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا ‏ ‏تسبخي ‏ ‏عنه ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( سرق ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( عليه )
‏: أي على السارق ‏
‏( لا تسبخي عنه ) ‏
‏: بتشديد الموحدة بعدها خاء معجمة أي لا تخفي إثم السرقة عنه أو العقوبة بدعائك عليه . ‏
‏زاد أحمد " ودعيه " وكأنه صلى الله عليه وسلم رآها وهي في الغضب فأشار إلى أن مقتضى الغضب تتميم العقوبة له والدعاء عليه يخفف العقوبة عنه فاللائق بذلك ترك الدعاء , ومراده صلى الله عليه وسلم أن تترك الدعاء لا أن تتم له العقوبة كذا في فتح الودود .
‏قال في النهاية : لا تسبخي عنه بدعائك عليه أي لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة انتهى . ‏
‏قال الخطابي : ومن هذا سبائخ القطن وهي القطع المتطايرة عند الندف . ‏
‏قال المنذري : وقد تقدم في كتاب الصلاة .

 

‏ ‏باب ‏ ‏فيمن يهجر أخاه المسلم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا ‏ ‏تدابروا ‏ ‏وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تباغضوا ) ‏
‏: أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض لا يكتسب ابتداء ‏
‏( ولا تحاسدوا ) ‏
‏: أي لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض سواء أرادها لنفسه أو لا ‏
‏( ولا تدابروا ) ‏
‏: بحذف إحدى التائين فيه وفيما قبله من الفعلين , أي لا تقاطعوا ولا تولوا ظهوركم عن إخوانكم ولا تعرضوا عنهم , مأخوذ من الدبر لأن كلا من المتقاطعين يولي دبره صاحبه
‏( فوق ثلاث ليال ) ‏
‏: أي بأيامها , وإنما جاز الهجر في ثلاث وما دونه لما جبل عليه الآدمي من الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع فيها ويزول ذلك العرض ولا يجوز فوقها , وهذا فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين , فإن هجرة أهل الأهواء والبدع واجبة على مر الأوقات ما لم يظهر منه التوبة والرجوع إلى الحق . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

 

 

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يزيد الليثي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أيوب الأنصاري ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يلتقيان ) ‏
‏: أي يتلاقيان , وهو استئناف لبيان كيفية الهجران ‏
‏( فيعرض ) ‏
‏عطف على يلتقيان ‏
( وخيرهما ) ‏
‏: أي أفضلهما عطف على لا يحل , وإنما يكون البادئ خيرهما لدلالة فعله على أنه أقرب إلى التواضع وأنسب إلى الصفاء وحسن الخلق , وللإشعار بأنه معترف بالتقصير . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن عمر بن ميسرة ‏ ‏وأحمد بن سعيد السرخسي ‏ ‏أن ‏ ‏أبا عامر ‏ ‏أخبرهم حدثنا ‏ ‏محمد بن هلال ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد ‏ ‏باء ‏ ‏بالإثم ‏ ‏زاد ‏ ‏أحمد ‏ ‏وخرج المسلم من الهجرة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فإن مرت به ثلاث ) ‏
‏: أي ثلاث ليال مع أيامها
‏( فقد اشتركا في الأجر ) ‏
‏: أي في أجر السلام أو في أجر ترك الهجر أو فيهما ‏
‏( فقد باء بالإثم ) ‏
‏: أي رجع بإثم الهجران , كذا قيل . وقال القاري : الأظهر أنه بإثم الهجر وبإثم ترك السلام فاللام للجنس أو عوض عن المضاف إليه أي بإثم الأمرين ‏
‏( زاد أحمد ) ‏
‏: هو ابن سعيد
‏( وخرج المسلم ) ‏
‏: بتشديد اللام المكسورة ‏
‏( من الهجرة )
‏: أي من إثم الهجران . ‏
‏قال المنذري : رواه عن أبي هريرة هلال بن أبي هلال مولى بني كعب مديني . قال الإمام أحمد لا أعرفه . وقال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن خالد ابن عثمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن المنيب يعني المدني ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا ‏ ‏يكون ‏ ‏لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرار كل ذلك لا يرد عليه فقد ‏ ‏باء ‏ ‏بإثمه ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يكون لمسلم ) ‏
‏: أي لا ينبغي له
‏( فوق ثلاثة ) ‏
‏: أي ثلاثة أيام ‏
‏( فإذا لقيه )
‏: أي المسلم المسلم بعد ثلاثة أيام ‏
‏( سلم عليه ) ‏
: حال من فاعل لقيه أو بدل من لقيه ‏
‏( ثلاث مرار ) ‏
‏: أي إن لم يرد عليه في الأولى والثانية أو ثلاث دفعات من الملاقاة ‏
‏( كل ذلك )
‏: بالرفع مبتدأ وخبره قوله ‏
‏( لا يرد عليه ) ‏
‏: والجملة صفة ثلاث مرار والعائد محذوف أي لا يرد فيها أي في المرار . قال في المرقاة وفي نسخة بالنصب فهو ظرف لا يرد ‏
‏( فقد باء بإثمه ) ‏
‏: قال الطيبي : هو جواب إذا , والضمير في بإثمه يحتمل أن يكون للثاني أي لمن لم يرد , فالمعنى أن المسلم خرج من إثم الهجران وبقي الإثم على الذي لم يرد السلام أي فهو قد باء بإثم هجرانه , ويحتمل أن يكون للمسلم , والمعنى أنه ضم إثم هجران المسلم إلى إثم هجرانه وباء بهما لأن التهاجر يعد منه وبسببه . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح البزاز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان الثوري ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حازم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فمات ) ‏
‏: أي على تلك الحالة من غير توبة
‏( دخل النار ) ‏
‏: أي استوجب دخول النار . وفائدة التعبير التغليظ .
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏حيوة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد ‏ ‏عن ‏ ‏عمران بن أبي أنس ‏ ‏عن ‏ ‏أبي خراش السلمي ‏
‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أبي خراش ) ‏
‏: بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة ‏
‏( السلمي ) ‏
‏: بضم ففتح . قال الحافظ في الإصابة : كذا وقع في هذه الرواية السلمي وإنما هو الأسلمي , ويقال حدرد بن أبي حدرد ‏
‏( من هجر أخاه ) ‏
‏: أي في الدين ‏
‏( فهو كسفك دمه )
‏: أي كإراقة دمه في استحقاق مزيد الإثم لا في قدره . ‏
‏قال المنذري : أبو خراش بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وبعد الألف شين معجمة اسمه حدرد بن أبي حدرد , ويقال فيه الأسلمي أيضا , فيعد في المدنيين , حديثه عند أهل مصر .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر في ذلك اليومين لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا من بينه وبين أخيه ‏ ‏شحناء ‏ ‏فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏هجر بعض نسائه أربعين يوما ‏ ‏وابن عمر ‏ ‏هجر ابنا له إلى أن مات ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء وإن ‏ ‏عمر بن عبد العزيز ‏ ‏غطى وجهه عن رجل ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( تفتح ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( لا يشرك بالله شيئا ) ‏
‏: أي من الأشياء ‏
‏( شحناء ) ‏
‏: فعلاء من الشحن أي عداوة تملأ القلب ‏
‏( أنظروا ) ‏
‏: بقطع الهمزة وكسر الظاء أي أمهلوا ‏
‏( حتى يصطلحا ) ‏
‏: أي يتصالحا ويزول عنهما الشحناء
‏( قال أبو داود النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله مات ) ‏
‏: هذه العبارة لم توجد في أكثر النسخ ‏
‏( إذا كانت الهجرة لله ) ‏
‏: أي هجران المسلم لرعاية حق من حقوق الله ‏
‏( فليس ) ‏
‏: ذلك الهجرة
‏( من هذا ) ‏
‏: أي الوعيد المذكور في الحديث . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الظن ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إياكم والظن فإن ‏ ‏الظن ‏ ‏أكذب الحديث ولا ‏ ‏تحسسوا ‏ ‏ولا تجسسوا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إياكم والظن ) ‏
‏: أي احذروا اتباع الظن أو احذروا سوء الظن , والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل وليس المراد ترك العمل بالظن الذي يناط به الأحكام غالبا , بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به
‏( أكذب الحديث ) ‏
‏: أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان . ووصف الظن بالحديث مجار فإنه ناشئ عنه ‏
‏( ولا تحسسوا )
‏: بحاء مهملة وحذف إحدى التائين . قال المناوي : أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية ‏
‏( لا تجسسوا ) ‏
‏: بجيم وحذف إحدى التائين , أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كما يفعل الجاسوس ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النصيحة والحياطة ‏

بكسر الحاء المهملة بمعنى الحفاظة والصيانة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الربيع بن سليمان المؤذن ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان يعني ابن بلال ‏ ‏عن ‏ ‏كثير بن زيد ‏ ‏عن ‏ ‏الوليد بن رباح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن ‏ ‏يكف ‏ ‏عليه ‏ ‏ضيعته ‏ ‏ويحوطه ‏ ‏من ورائه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( المؤمن مرآة المؤمن ) ‏
‏: بكسر ميم ومد همز أي آلة لإراءة محاسن أخيه ومعائبه لكن بينه وبينه , فإن النصيحة في الملأ فضيحة , وأيضا هو يري من أخيه ما لا يراه من نفسه , كما يرسم في المرآة ما هو مختف عن صاحبه فيراه فيها , أي إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإعلام أخيه كما يعلم خلل وجهه بالنظر في المرآة ‏
‏( يكف عليه ضيعته ) ‏
‏: أي يمنع تلفه وخسرانه , فهو مرة من الضياع وقال في النهاية : وضيعة الرجل ما يكون من معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك أي يجمع إليه معيشته ويضمها له ‏
‏( ويحوطه من ورائه ) ‏
: أي يحفظه ويصونه ويذب عنه بقدر الطاقة . ‏
‏قال المنذري : في إسناده كثير بن زيد أبو محمد المدني مولى الأسلميين . قال ابن معين ليس بذلك القوي يكتب حديثه , وقال النسائي ضعيف .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في إصلاح ‏ ‏ذات البين ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن مرة ‏ ‏عن ‏ ‏سالم ‏ ‏عن ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ‏ ‏ذات البين ‏ ‏وفساد ‏ ‏ذات البين ‏ ‏الحالقة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ألا أخبركم بأفضل ) ‏
‏: أي بعمل أفضل درجة
‏( قالوا بلى يا رسول الله ) ‏
‏: أي أخبرنا ‏
‏( قال إصلاح ذات البين ) ‏
‏: أي أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال ألفة ومحبة كقوله تعالى { والله عليم بذات الصدور } : وهي مضمراتها . وقيل : المراد بذات البين المخاصمة والمهاجرة بين اثنين بحيث يحصل بينهما بين أي فرقة , والبين من الأضداد الوصل والفرق ‏
‏( وفساد ذات البين الحالقة ) ‏
‏: أي هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق الدين وتستأصله كما يستأصل الموسى الشعر . وفي الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها , لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين , وفساد ذات البين ثلمة في الدين فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال : صحيح , وقال أيضا ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين " .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏نصر بن علي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏حميد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أمه ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لم ‏ ‏يكذب من ‏ ‏نمى ‏ ‏بين اثنين ليصلح ‏ ‏وقال ‏ ‏أحمد بن محمد ‏ ‏ومسدد ‏ ‏ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو ‏ ‏نمى ‏ ‏خيرا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أحمد بن محمد بن شبوية ) ‏
‏: بمعجمة مفتوحة بعدها باء موحدة ثقيلة مضمومة ‏
‏( عن أمه ) ‏
‏: وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط القرشية الأموية قاله المنذري ‏
‏( لم يكذب من نمى )
‏: بالتخفيف أي رفع الحديث للخير والإصلاح , يقال نميت الحديث بتخفيف الميم إذا رفعه للخير ‏
‏( بين اثنين ليصلح ) ‏
‏: أي بينهما يعني لا إثم عليه في الكذب بقصد الإصلاح بينهما ‏
‏( فقال خيرا ) ‏
‏: يعني كلام خير أو قول خير أي لكل من المتخاصمين ما يفيد النصيحة المقتضية إلى الخير أو يقول كلام خير الذي ربما سمعه منه ويدع شره عنه ‏
‏( أو نمى خيرا )
‏: أي بلغه لهما ما لم يسمعه منهما من الخير , بأن يقول فلان يسلم عليك ويحبك وما يقول فيك إلا خيرا , ونحو ذلك . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الربيع بن سليمان الجيزي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الأسود ‏ ‏عن ‏ ‏نافع يعني ابن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن الهادي ‏ ‏أن ‏ ‏عبد الوهاب بن أبي بكر ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏حميد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أمه ‏ ‏أم كلثوم بنت عقبة ‏ ‏قالت ‏
‏ما سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح والرجل يقول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( والرجل يقول في الحرب ) ‏
‏: قيل الكذب في الحرب كأن يقول في جيش المسلمين كثرة وجاءهم مدد كثير , أو يقول انظر إلى خلفك فإن فلانا قد أتاك من ورائك ليضربك . وقال الخطابي : الكذب في الحرب أن يظهر من نفسه قوة ويتحدث بما يقوي به أصحابه ويكيد به عدوه ‏
‏( والرجل يحدث إلخ )
‏: أي فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما . قال الخطابي : كذب الرجل زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح به خلقها . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النهي عن الغناء ‏

بالكسر والمد أي التغني . قال في القاموس : الغناء ككساء من الصوت ما طرب به . ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن ذكوان ‏ ‏عن ‏ ‏الربيع بنت معوذ ابن عفراء ‏ ‏قالت ‏
‏جاء رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فدخل علي صبيحة ‏ ‏بني بي ‏ ‏فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت ‏ ‏جويريات ‏ ‏يضربن بدف لهن ‏ ‏ويندبن ‏ ‏من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في الغد فقال دعي هذه وقولي ‏ ‏الذي كنت تقولين ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن الربيع ) ‏
‏: بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة ‏
‏( بنت معوذ ) ‏
‏: بضم الميم وكسر الواو الثقيلة ‏
‏( بن عفراء ) ‏
‏: اسم الأم ‏
‏( صبيحة بني بي )
‏: بصيغة المجهول والبناء الدخول بالزوجة ‏
‏( كمجلسك مني )
‏: بكسر اللام أي مكانك وجوز الكرماني أن تكون الرواية كمجلسك بفتح اللام أي جلوسك ‏
‏( فجعلت ) ‏
‏: أي شرعت ‏
‏( جويريات ) ‏
: بالتصغير , قيل المراد بهن بنات الأنصار لا المملوكات ‏
‏( يضربن بدف )
‏: بضم الدال وهو أشهر وأفصح , ويروى بالفتح أيضا ‏
‏( ويندبن )
‏: بضم الدال من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها ‏
‏( فقال دعي هذا ) ‏
‏: أي اتركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الإطراء المنهي عنه ‏
‏( وقولي الذي كنت تقولين ) ‏
‏: أي من ذكر المقتولين ونحوه . قال المهلب : في هذا الحديث إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه والربيع بضم الراء المهملة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف وكسرها وعين مهملة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏لما قدم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المدينة ‏ ‏لعبت الحبشة لقدومه فرحا بذلك لعبوا ‏ ‏بحرابهم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لعبوا بحرابهم ) ‏
‏أي برماح صغيرة جمع حربة .
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏قال الحافظ ابن القيم في إغاثة اللهفان : وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغماء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبي بكر فانتهرني وقال : مزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعها , فلما غفرا غمزتهما فخرجتا " فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب , وكان اليوم يوم عيد فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة أجنبية أو صبي أمرد صوته وصورته فتنة يغني بما يدعو إلى الزنا والفجور وشرب الخمور من آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد , ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه وهذا شأن كل مبطل . نعم لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه وإنما نحرم نحن وأهل العلم السماع المخالف لذلك انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏كراهية الغناء والزمر ‏

في القاموس : زمر يزمر زمرا وزمر تزميرا غنى في القصب وهي زامرة وهو زمار وزامر قليل وفعلهما الزمارة كالكتابة , ومزامير داود ما كان يتغنى به من الزبور وضروب الدعاء جمع مزمار ومزمور , والزمارة كجبانة ما يزمر به كالمزمار .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن عبيد الله الغداني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن عبد العزيز ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان بن موسى ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏قال
‏سمع ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏مزمارا قال ‏ ‏فوضع إصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي يا ‏ ‏نافع ‏ ‏هل تسمع شيئا قال فقلت لا قال فرفع إصبعيه من أذنيه وقال كنت مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا
‏قال ‏ ‏أبو علي اللؤلؤي ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا داود ‏ ‏يقول ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث منكر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمود بن خالد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مطعم بن المقدام ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏نافع ‏ ‏قال ‏ ‏كنت ‏ ‏ردف ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏إذ مر براع يزمر فذكر نحوه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أدخل بين ‏ ‏مطعم ‏ ‏ونافع ‏ ‏سليمان بن موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن جعفر الرقي ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو المليح ‏ ‏عن ‏ ‏ميمون ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏قال ‏ ‏كنا مع ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏فسمع صوت زامر فذكر نحوه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهذا أنكرها ‏

 

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( أحمد بن عبيد الله ) ‏
‏: بن سهل أبو عبد الله البصري . قال أبو حاتم صدوق ‏
‏( الغداني ) ‏
‏: بضم المعجمة وفتح المهملة مخففة آخره نون نسبة إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة ‏
‏( أخبرنا الوليد بن مسلم ) ‏
‏: أبو العباس الدمشقي من رجال الكتب الستة , روي عنه أحمد وإسحاق وابن المديني وأبو خيثمة قال ابن مسهر : يدلس وكان من ثقاة أصحابنا , ووثقه العجلي ويعقوب بن شيبة . وقد صرح بالتحديث ‏
‏( أخبرنا سعيد بن عبد العزيز )
‏: أبو محمد الدمشقي وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي . وقال الحاكم هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة ‏
‏( عن سليمان بن موسى ) ‏
‏: الزهري الكوفي نزيل دمشق . قال أبو حاتم : محله الصدق صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات والله أعلم ‏
‏( فوضع ) ‏
‏: أي ابن عمر رضي الله عنه
‏( ونأى ) ‏
‏: أي بعد ‏
‏( وقال لي يا نافع هل تسمع شيئا قال فقلت لا ) ‏
‏: وفي رواية أحمد : يا نافع أتسمع ؟ فأقول نعم فيمضي حتى قلت : لا ‏
‏( فصنع مثل هذا ) ‏
‏: فيه دليل على أن المشروع لمن سمع الزمارة أن يصنع كذلك . واستشكل إذن ابن عمر لنافع بالسماع ويمكن أنه إذ ذاك لم يبلغ الحلم قاله الشوكاني . ‏
‏قال الخطابي في المعالم : المزمار الذي سمعه ابن عمر هو صفارة الرعاء وقد جاء ذلك مذكورا في هذا الحديث من غير هذه الرواية , وهذا وإن كان مكروها فقد دل هذا الصنع على أنه ليس في غلظ الحرمة كسائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعملها أهل الخلاعة والمجون ولو كان كذلك لأشبه أن لا يقتصر في ذلك على سد المسامع فقط دون أن يبلغ فيه من النكر مبلغ الردع والتنكيل . انتهى ‏
‏( قال أبو داود هذا حديث منكر ) ‏
‏: هكذا قاله أبو داود ولا يعلم وجه النكارة فإن هذا الحديث رواته كلهم ثقات وليس بمخالف لرواية أوثق الناس . ‏
‏وقد قال السيوطي : قال الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي هذا حديث ضعفه محمد بن طاهر وتعلق على سليمان بن موسى وقد تفرد به وليس كما قال فسليمان حسن الحديث وثقه غير واحد من الأئمة , وتابعه ميمون بن مهران عن نافع وروايته في مسند أبي يعلى , ومطعم بن المقدام الصنعاني عن نافع وروايته عند الطبراني , فهذان متابعان لسليمان بن موسى .
‏واعترض ابن طاهر على الحديث بتقريره صلى الله عليه وسلم على الراعي وبأن ابن عمر لم ينه نافعا وهذا لا يدل على إباحة لأن المحظور هو قصد الاستماع لا مجرد إدراك الصوت لأنه لا يدخل تحت تكليف , فهو كشم محرم طيبا فإنما يحرم عليه قصده لا ما جاءت به ريح لشمه , وكنظر فجأة بخلاف تتابع نظره فمحرم . وتقرير الراعي لا يدل على إباحة لأنها قضية عين فلعله سمعه بلا رؤيته أو بعيدا منه على رأس جبل أو مكان لا يمكن الوصول إليه أو لعل الراعي لم يكن مكلفا فلم يتعين الإنكار عليه انتهى كلام السيوطي من مرقاة الصعود . ‏
‏قلت : ورواية ميمون بن مهران ومطعم بن المقدام كلاهما عن نافع هي موجودة عند أبي داود لكن من رواية ابن داسة وابن الأعرابي وأبي الحسن بن العبد عن أبي داود دون رواية اللؤلؤي كما سيجيء. ‏
‏( حدثنا محمود بن خالد )
‏: بن يزيد الدمشقي السلمي وثقه النسائي ‏
‏( أخبرنا أبي )
‏: خالد بن يزيد السلمي الدمشقي وثقه ابن حبان ‏
‏( أخبرنا مطعم بن المقدام ) ‏
‏: الشامي الصنعاني وثقه يحيى بن معين , وقال أبو حاتم لا بأس به . وهذا حديث سنده قوي جيد . ‏
‏والحديث ليس من رواية اللؤلؤي , ولذا لم يذكره المنذري في مختصره . ‏
‏وقال المزي في الأطراف : هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وابن الأعرابي وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى ‏
‏( أدخل )
‏: بصيغة المجهول أي أدخل بعض الرواة بين مطعم ونافع سليمان بن موسى .
‏قلت : لا مانع أن مطعما رواه عن سليمان عن نافع ثم رواه عن نافع نفسه
‏( حدثنا أحمد بن إبراهيم ) ‏
‏: بن كثير البغدادي وثقه صالح جزرة وقال أبو حاتم صدوق ‏
‏( قال أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي ) ‏
: أبو عبد الرحمن من رجال الكتب الستة وثقه أبو حاتم ‏
‏( قال أخبرنا أبو المليح ) ‏
‏: الحسن بن عمرو الرقي قال أحمد ثقة ضابط ‏
‏( عن ميمون )
‏: بن مهران الرقي وثقه أحمد والنسائي والعجلي وابن سعد وهذا سند جيد قوي .
‏قال المزي : الحديث من رواية ابن العبد وابن الأعرابي وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم ‏
‏( قال أبو داود وهذا ) ‏
‏: الحديث ‏
‏( أنكرها )
‏: أي أنكر الرواية . ‏
‏قلت : ولا يعلم وجه النكارة بل إسناده قوي وليس بمخالف لرواية الثقات .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سلام بن مسكين ‏ ‏عن ‏ ‏شيخ ‏
‏شهد ‏ ‏أبا وائل ‏ ‏في وليمة فجعلوا يلعبون يتلعبون يغنون فحل ‏ ‏أبو وائل ‏ ‏حبوته ‏ ‏وقال سمعت ‏ ‏عبد الله ‏ ‏يقول ‏ ‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏الغناء ينبت النفاق في القلب ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فحل ) ‏
‏: يقال حللت العقدة حلا من باب قتل
‏( حبوته ) ‏
‏: أي احتباءه . قال في النهاية : يقال احتبى يحتبي احتباء والاسم الحبوة بالكسر والضم ومنه الحديث أنه نهى عن الحيوة يوم الجمعة والإمام يخطب انتهى ‏
‏( إن الغناء ينبت النفاق في القلب ) ‏
‏: قال ابن القيم : أما تسميته منبت النفاق فثبت عن ابن مسعود أنه قال " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع , والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع " وقد رواه ابن أبي الدنيا عنه مرفوعا في كتاب ذم الملاهي والموقوف أصح . وهذا أدل دليل على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأدوائها وأدويتها وأنهم أطباء القلوب . ‏
‏واعلم أن للغناء خواص فمنها أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه , فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب لما بينهما من التضاد , فالقرآن ينهى عن اتباع الهوى ويأمر بالعفة ومجانبة الشهوات وأسباب الغي , والغناء يأمر بضد ذلك ويحسنه ويهيج النفوس إلى شهوات الغي . ‏
‏قال بعض العارفين : السماع يورث بعض النفاق في قوم والعناد في قوم والتكذيب في قوم والفجور في قوم , وأكثر ما يورث عشق الصور واستحسان الفواحش وإدمانه يثقل القرآن على القلب ويكرهه على السمع . ‏
‏وسر المسألة أن الغناء قرآن الشيطان , فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب وهذا معنى النفاق . وأيضا فإن أساس النفاق أن يخالف الظاهر الباطن , وصاحب الغناء بين أمرين إما أن ينتهك فيكون فاجرا أو يظهر النسك فيكون منافقا , فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ومحبة ما ينافي الدين من اللهو والآلات . ‏
‏وأيضا فمن علامات النفاق قلة ذكر الله والكسل عند القيام إلى الصلاة ونقر الصلاة , وهذه صفة المفتونين بالغناء . ‏
‏وأيضا المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح كما أخبر الله عن المنافقين , وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حديث أنه يصلحه . والمغني يدعو القلب إلى فتنة الشهوات والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات . ‏
‏قال الضحاك : الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب . ‏
‏وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده بلغني عن الثقات أن صوت المعازف واستماع الأغاني ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء انتهى كلامه مختصرا من الإغاثة .
‏وحديث عبد الله بن مسعود ليس من رواية اللؤلئي . وقال المزي في الأطراف : لم يذكره أبو القاسم وهو في رواية أبي الحسن بن العبد وغيره انتهى . ‏
‏قال الشوكاني : قد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها , فذهب الجمهور إلى التحريم , وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع . كذا قال الشوكاني في النيل , وقد أشبع الكلام في هذه المسألة في ذلك الكتاب إشباعا حسنا وقال في آخر كلامه : وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه , والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح , ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه , ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه , ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف . وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل الله السداد والثبات . ‏
‏قلت : وأخرج البخاري في كتاب الأشربة عن عبد الرحمن بن غنم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " . ‏
‏وأخرج ابن ماجه في كتاب الفتن بإسناد صححه ابن القيم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير " انتهى . ‏
‏والمعازف جمع معزفة وهي آلات الملاهي . ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها اللهو وقيل صوت الملاهي . وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به . ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف . ‏
‏وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام " انتهى .
‏والكوبة هي الطبل كما رواه البيهقي من حديث ابن عباس . ‏
‏والغبيراء اختلف في تفسيرها فقيل الطنبور , وقيل العود , وقيل البربط قال ابن الأعرابي الكوبة النرد .
‏وأخرج الترمذي عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ومتى ذلك ؟ قال إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور " رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب .
‏وأخرج أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية " والحديث فيه ضعف . ‏
‏قال ابن القيم في الإغاثة : وتسمية الغناء بالصوت الأحمق والصوت الفاجر فهي تسمية الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . أخرج الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال " خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه فقال عبد الرحمن أتبكي وأنت تنهى الناس ؟ قال إني لم أنه عن البكاء وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان , وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة " الحديث قال الترمذي : حديث حسن . ‏
‏فانظر إلى النهي المؤكد تسمية الغناء صوتا أحمق ولم يقتصر على ذلك حتى سماه مزامير الشيطان . وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على تسمية الغناء مزمور الشيطان . ‏
‏قال ابن القيم رحمه الله : ومن مكائد عدو الله التي كاد بها هو قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين سماع المكاء والتصدية والغناء حتى كانت مزامير الشيطان أحب إليهم من آيات القرآن , وبلغ منهم أمله من الفسوق والعصيان ولم يزل أنصار الإسلام وطوائف الهدى يحذرون من هؤلاء واقتفاء سبيلهم والمشي على طريقتهم المخالفة لإجماع أئمة الدين كما ذكره الإمام أبو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه في تحريم السماع قال أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب . وسئل عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء , فقال : إنما يفعله عندنا الفساق . ‏
‏وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب , وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم , ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة أيضا في المنع منه .
‏وأبو حنيفة أشد الأئمة قولا فيه ومذهبه فيه أغلظ المذاهب , وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها المزمار والدف حتى الضرب بالقضيب وأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة , بل قالوا التلذذ به كفر . هذا لفظهم . قالوا : ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره . ‏
‏وقال أبو يوسف في دار يسمع فيها صوت المعازف والملاهي أدخل فيها بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض . ‏
‏وأما الشافعي فقال في كتاب القضاء : إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل , وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله , كالقاضي أبي الديب الطبري وابن الصباغ . قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه ولا تصح الإجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ولم يذكر فيه خلافا وأما الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه سألت أبي عن الغناء فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني , ثم ذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق . ‏
‏قال عبد الله : وسمعت أبي يقول : سمعت القطان يقول : لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا . ‏
‏وقال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله انتهى كلام ابن القيم من الإغاثة مختصرا وقد أطال الكلام فيه وأجاد . ‏
‏وفي تفسير الإمام ابن كثير تحت قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } الآية لما ذكر الله تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه , عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب . ‏
‏أخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن أبي الصهباء أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } فقال عبد الله بن مسعود الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة . ‏
‏وقال الحسن البصري : نزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } في الغناء والمزامير انتهى كلامه مختصرا .
‏وفي كتاب المستطرف في مادة عجل : نقل القرطبي عن سيدي أبي بكر الطرطوشي رحمها الله تعالى أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان فيقرءون من القرآن ثم ينشد لهم الشعر فيرقصون ويطربون ثم يضرب لهم بعد ذلك بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام ؟ فقال : مذهب الصوفية أن هذه بطالة وجهالة وضلالة وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله , وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذوا العجل , فهذه الحالة هي عبادة العجل , وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في جلوسهم كأنما على رءوسهم الطير مع الوقار والسكينة , فينبغي لولاة الأمر وفقهاء الإسلام أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم . هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الحكم في ‏ ‏المخنثين ‏

المخنث بكسر النون وفتحها من يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته , فإن كان من أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه وتكلف له فهو المذموم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن عبد الله ‏ ‏ومحمد بن العلاء ‏ ‏أن ‏ ‏أبا أسامة ‏ ‏أخبرهم عن ‏ ‏مفضل بن يونس ‏ ‏عن ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي يسار القرشي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هاشم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أتي ‏ ‏بمخنث ‏ ‏قد ‏ ‏خضب ‏ ‏يديه ورجليه بالحناء فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما بال هذا فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى ‏ ‏النقيع ‏ ‏فقالوا يا رسول الله ألا نقتله فقال ‏ ‏إني نهيت عن قتل المصلين ‏
‏قال ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏والنقيع ‏ ‏ناحية عن ‏ ‏المدينة ‏ ‏وليس ‏ ‏بالبقيع ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أتي ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( فنفي )
‏: بالبناء للمفعول أي أخرج ‏
‏( إلى النقيع ) ‏
‏: بالنون مفتوحة ثم قاف مكسورة موضع ببلاد مزينة على ليلتين من المدينة وهو نقيع الخضمات الذي حماه عمرا ومتغايران كذا في القاموس ‏
‏( إني نهيت عن قتل المصلين )
‏: قال المناوي : يعني المؤمنين سماهم به لأن الصلاة أظهر الأفعال الدالة على الإيمان ‏
‏( وليس بالبقيع ) ‏
‏: أي بالموحدة . ‏
‏قال المنذري : في إسناده أبو يسار القرشي سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول , وأبو هاشم قيل هو ابن عم أبي هريرة .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏هشام يعني ابن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏زينب بنت أم سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أم سلمة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏دخل عليها وعندها ‏ ‏مخنث ‏ ‏وهو يقول ‏ ‏لعبد الله ‏ ‏أخيها إن يفتح الله ‏ ‏الطائف ‏ ‏غدا دللتك على ‏ ‏امرأة ‏ ‏تقبل ‏ ‏بأربع ‏ ‏وتدبر ‏ ‏بثمان ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أخرجوهم من بيوتكم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏المرأة كان لها أربع ‏ ‏عكن ‏ ‏في بطنها ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن يفتح الله الطائف ) ‏
‏: أي حصنه ‏
( دللتك ) ‏
‏: وفي رواية البخاري ومسلم : أدلك ‏
‏( على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان ) ‏
‏: أي أربع عكن وثمان عكن معناه أن لها أربع عكن تقبل بهن من كل ناحية ثنتان ولكل واحدة طرفان فإذا أدبرت صارت الأطراف ثمانية ‏
( أخرجوهم ) ‏
‏: أي المخنثين ‏
‏( من بيوتكم ) ‏
‏: قال القاري : الخطاب بالجمع المذكر تعظيما لأمهات المؤمنين ‏
‏( قال أبو داود )
‏: أي مفسرا لقوله تقبل بأربع إلخ ‏
‏( كان لها أربع عكن )
‏: جمع عكنة بالضم وهو ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . ‏
‏والمخنث اسمه هيت بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبعدها تاء ثالث الحروف , هكذا ذكره البخاري وغيره , وقيل اسمه ماتع وقيل إنه هنب بالهاء وبعدها نون ساكنة وباء موحدة وذكر بعضهم أن هيتا وهنبا وماتعا أسماء لثلاثة من المخنثين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يزنون [ يتهمون ] بالفاحشة الكبرى إنما كان تأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهم . ‏
‏والمرأة بادية بباء موحدة وبعد الألف دال مهملة وياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث وقيل فيها بادنة بعد الدال المهملة نون والمشهور بالياء وأبوها غيلان بن سلمة الثقفي الذي أسلم وتحته عشر نسوة . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لعن ‏ ‏المخنثين ‏ ‏من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا ‏ ‏يعني ‏ ‏المخنثين ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( والمترجلات من النساء ) ‏
‏: أي المتشبهات بهم زيا وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها لا رأيا وعلما فإن التشبه بهم محمود , كما روي أن عائشة رضي الله عنهما كانت رجلة الرأي أي رأيها كرأي الرجال على ما في النهاية
‏( قال ) ‏
‏أي خطابا عاما ‏
‏( وأخرجوهم من بيوتكم )
‏: قال القاري أي مساكنكم أو بلدكم . ‏
‏وفي أحاديث الباب منع المخنث من الدخول على النساء ومنعهن من الظهور عليه , وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى , وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه . وقد تقدم في كتاب اللباس .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في اللعب بالبنات ‏

جمع البنت والمراد بها اللعب التي تلعب بها الصبية .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏
‏كنت ألعب بالبنات فربما دخل علي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعندي ‏ ‏الجواري ‏ ‏فإذا دخل خرجن وإذا خرج دخلن ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كنت ألعب بالبنات ) ‏
‏: أي باللعب ‏
( وعندي الجواري ) ‏
‏: جمع جارية ‏
‏( فإذا دخل خرجن ) ‏
‏: أي إذا دخل صلى الله عليه وسلم خرجت تلك الجواري حياء منه وهيبة . ‏
‏قيل معنى الحديث اللعب مع البنات أي الجواري والباء بمعنى مع . ‏
‏قال الحافظ : ويرده ما أخرجه ابن عيينة في الجامع في هذا الحديث " وكن جواري يأتين فيلعبن بها معي " .
‏وفي رواية جرير عن هشام " كنت ألعب بالبنات وهن اللعب " أخرجه أبو عوانة .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عوف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن أبي مريم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يحيى بن أيوب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عمارة بن غزية ‏ ‏أن ‏ ‏محمد بن إبراهيم ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏قدم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من ‏ ‏غزوة ‏ ‏تبوك ‏ ‏أو ‏ ‏خيبر ‏ ‏وفي ‏ ‏سهوتها ‏ ‏ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات ‏ ‏لعائشة ‏ ‏لعب فقال ما هذا يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من ‏ ‏رقاع ‏ ‏فقال ما هذا الذي ‏ ‏أرى وسطهن قالت فرس قال وما هذا الذي عليه قالت جناحان قال فرس له جناحان قالت أما سمعت أن ‏ ‏لسليمان ‏ ‏خيلا لها أجنحة قالت ‏ ‏فضحك حتى رأيت ‏ ‏نواجذه ‏

 

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أو خيبر ) ‏
‏: شك من الراوي ‏
‏( وفي سهوتها ) ‏
‏: بفتح السين المهملة أي صفتها قدام البيت وقيل بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع , وقيل هو شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشيء كذا في النهاية ‏
‏( فكشفت ) ‏
‏: أي أظهرت ‏
‏( ناحية الستر )
‏: أي طرفه ‏
‏( لعب ) ‏
‏: بضم ففتح بدل من بنات أو بيان
‏( ورأى ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( بينهن )
‏: أي بين البنات ‏
‏( له ) ‏
‏: أي للفرس ‏
‏( من رقاع ) ‏
‏: بكسر الراء جمع رقعة وهي الخرقة وما يكتب عليه ‏
‏( وسطهن )
‏: بالسكون . ‏
‏قال في المصباح : الوسط بالسكون بمعنى بين نحو جلست وسط القوم أي بينهم ‏
‏( قال فرس له جناحان ) ‏
‏: بحذف الاستفهام
‏( حتى رأيت نواجذه ) ‏
‏. أي أواخر أسنانه . ‏
‏واستدل بهذا الحديث والذي قبله على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن , وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور , وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور , وأنهم أجازوا بيع لعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن . قال وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ . كذا في فتح الباري . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الأرجوحة ‏

بضم الهمزة هي خشبة يلعب عليها الصبيان والجواري الصغار يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها , فيرتفع جانب منها وينزل جانب . قاله النووي . ‏
‏وفي المجمع الأرجوحة حبل يشد طرفاه في موضع عال , ثم يركبه الإنسان ويحرك وهو فيه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏بشر بن خالد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏
‏إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تزوجني وأنا بنت سبع ‏ ‏أو ست ‏ ‏فلما قدمنا ‏ ‏المدينة ‏ ‏أتين نسوة ‏ ‏وقال ‏ ‏بشر ‏ ‏فأتتني ‏ ‏أم رومان ‏ ‏وأنا على أرجوحة فذهبن بي وهيأنني ‏ ‏وصنعنني ‏ ‏فأتي بي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبنى بي ‏ ‏وأنا ابنة تسع فوقفت بي على الباب فقلت ‏ ‏هيه ‏ ‏هيه ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أي تنفست فأدخلت بيتا فإذا فيه نسوة من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏فقلن على الخير والبركة ‏ ‏دخل حديث أحدهما في الآخر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏مثله قال على خير طائر فسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحنني فلم ‏ ‏يرعني ‏ ‏إلا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ضحى فأسلمنني إليه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا حماد ) ‏
‏: هو ابن سلمة ‏
( وأخبرنا بشر بن خالد ) ‏
‏: العسكري ‏
‏( أخبرنا أبو أسامة )
‏: هو حماد بن أسامة ‏
‏( فأتتني أم رومان ) ‏
‏: بضم الراء وسكون الواو هي أم عائشة رضي الله عنهما ‏
‏( فهيأنني وصنعنني ) ‏
: وفي رواية مسلم وكذا في الرواية الآتية فغسلن رأسي وأصلحنني وضمير الجمع يرجع إلى النسوة ‏
‏( فبنى بي ) ‏
‏: أي دخل بي ‏
‏( وأنا ابنة تسع )
‏: الواو للحال ‏
‏( فوقفت بي ) ‏
‏: الباء للتعدية أي أوقفتني أم رومان ‏
‏( فقلت هيه هيه ) ‏
‏: وفي رواية مسلم فقلت هه هه حتى ذهب نفسي . ‏
‏قال النووي : بإسكان الهاء الثانية وهي كلمة يقولها المبهور حتى يتراجع إلى حال سكونه . ‏
‏( قال أبو داود ) ‏
‏: أي مفسرا لقولها فقلت هيه هيه ‏
‏( فأدخلت ) ‏
‏: أي أم رومان ‏
‏( فقلن )
‏: أي لأم رومان ومن معها وللعروس ‏
‏( على الخير والبركة )
‏: أي قدمتن ‏
‏( دخل حديث أحدهما ) ‏
‏: ضمير التثنية يرجع إلى موسى بن إسماعيل وبشر بن خالد . ‏
‏( على خير طائر ) ‏
‏: الطائر الحظ أي على أفضل حظ ‏
‏( فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )
‏: أي لم يفجأني ويأتني بغتة إلا هذا ‏
‏( ضحى ) ‏
‏: أي في وقت الضحى . ‏
‏قال المزي : هذا الحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن بشر بن خالد العسكري وإبراهيم بن سعيد الجوهري كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة وحديث إبراهيم بن سعيد في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏فلما قدمنا ‏ ‏المدينة ‏ ‏جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا ‏ ‏مجممة ‏ ‏فذهبن بي فهيأنني ‏ ‏وصنعنني ‏ ‏ثم أتين بي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبنى بي ‏ ‏وأنا ابنة تسع سنين ‏
‏حدثنا ‏ ‏بشر بن خالد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏بإسناده في هذا الحديث قالت ‏ ‏وأنا على الأرجوحة ومعي صواحباتي فأدخلنني بيتا فإذا نسوة من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏فقلن على الخير والبركة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد يعني ابن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى يعني ابن عبد الرحمن بن حاطب ‏ ‏قال قالت ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏فقدمنا ‏ ‏المدينة ‏ ‏فنزلنا في ‏ ‏بني الحارث بن الخزرج ‏ ‏قالت فوالله إني لعلى أرجوحة بين ‏ ‏عذقين ‏ ‏فجاءتني أمي فأنزلتني ولي ‏ ‏جميمة ‏ ‏وساق الحديث ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وأنا مجممة ) ‏
‏: أي وكان لي جمة وهي الشعر النازل إلى الأذنين ونحوهما . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا وقد تقدم في كتاب النكاح مختصرا . ‏
‏( بين عذقين ) ‏
‏: أي بين نخلتين . ‏
‏قال الخطابي : العذق بفتح العين النخلة والعذق بكسرها الكباسة [ بالكسر العذق كذا في القاموس ] ‏( ولي جميمة )
‏: تصغير الجمة من الشعر أي صار إلى حد الجمة بعد أن كان قد ذهب بالمرض
‏( وساق الحديث ) ‏
‏: أي السابق . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري . وأحاديث الباب تدل على جواز اللعب على الأرجوحة للصبيان والجواري .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النهي عن اللعب ‏ ‏بالنرد ‏

بفتح النون وسكون الراء لعب معروف ويسمى الكعاب بالنردشير .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏موسى بن ميسرة ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي هند ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى الأشعري ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من لعب ‏ ‏بالنرد ‏ ‏فقد عصى الله ورسوله ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من لعب بالنرد إلخ ) ‏
‏: فاللعب به حرام .
‏قال العزيزي : لأن التعويل فيه على ما يخرجه الكعبان أي الحصا ونحوه فهو كالأزلام . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه .

 

 ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏علقمة بن مرثد ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان بن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من لعب ‏ ‏بالنردشير ‏ ‏فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من لعب بالنردشير ) ‏
‏: بكسر الشين وسكون التحتية بعدها راء . ‏
‏قال النووي : النردشير هو النرد , فالنرد عجمي معرب , وشير معناه حلو . ‏
‏( فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) ‏
‏: أي أدخلها فيهما . ‏
‏وفي رواية مسلم " صبغ مكان غمس " . ‏
‏قال النووي : أي في حال أكله منهما , وهو تشبيه لتحريم اللعب بالنرد بتحريم أكلهما . ‏
‏قال : والحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد , وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه ليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين . ‏
‏وقال مالك وأحمد حرام . قال مالك هو شر من النرد وألهى عن الخير . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم وابن ماجه .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في اللعب بالحمام ‏

بالفتح والتخفيف يقال له يقع على الذكر والأنثى والهاء فيه على أنه واحد من جنس لا للتأنيث كذا في الصراح بالفارسية كبوتر .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يتبع حمامة ) ‏
‏: أي يقفو أثرها لاعبا بها
‏( فقال شيطان يتبع شيطانة ) ‏
‏: إنما سماه شيطانا لمباعدته عن الحق واشتغاله بما لا يعنيه وسماها شيطانة لأنها أورثته الغفلة عن ذكر الله .
‏قال النووي : اتخاذ الحمام للفرخ والبيض أو الأنس أو حمل الكتب جائز بلا كراهة , وأما اللعب بها للتطير فالصحيح أنه مكروه , فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت الشهادة كذا في المرقاة . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه . وفي إسناده محمد بن علقمة الليثي وقد استشهد به مسلم وثقه يحيى بن معين ومحمد بن يحيى وقال ابن معين مرة ما زال الناس يتقون حديثه وقال السعدي ليس بالقوي وغمزه الإمام مالك . وقال ابن المديني سألت يحيى يعني القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة كيف هو قال تريد العفو أو تشدد ؟ قلت بل أتشدد قال فليس هو ممن تريد .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرحمة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏ومسدد ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏أبي قابوس ‏ ‏مولى ‏ ‏لعبد الله بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏
‏يبلغ به النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ‏ ‏لم يقل ‏ ‏مسدد ‏ ‏مولى ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏وقال قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي قابوس ) ‏
‏: غير منصرف للعجمة والعلمية قطع بهذا غير واحد ممن يعتمد عليه كذا في مرقاة الصعود ‏
‏( الراحمون )
‏: أي لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة عليهم والإحسان إليهم ‏
‏( يرحمهم الرحمن ) ‏
‏: أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم . والرحمة مقيدة باتباع للكتاب والسنة , فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله تعالى لا ينافي كل منهما الرحمة ‏
‏( ارحموا أهل الأرض يرحمكم ) ‏
‏: بالجزم جواب الأمر ‏
‏( من في السماء ) ‏
‏: هو الله تعالى . وفي السراج المنير وقد روي بلفظ ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء , والمراد بأهل السماء الملائكة ومعنى رحمتهم لأهل الأرض دعاؤهم لهم بالرحمة والمغفرة كما قال تعالى { ويستغفرون لمن في الأرض } ‏
‏( لم يقل مسدد مولى عبد الله بن عمرو )
‏أي بل اقتصر على أبي قابوس ‏
‏( وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم )
‏: أي لم يقل يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أبو بكر في روايته بل قال مكانه قال النبي صلى الله عليه وسلم واعلم أن هذا الحديث هو الحديث المسلسل بالأولية قال ابن الصلاح في مقدمته : قلما تسلم المسلسلات من ضعف أعني في وصف التسلسل لا في أصل المتن , ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده وذلك نقص فيه وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك انتهى . قال المنذري : وأخرجه الترمذي أتم منه وقال حسن صحيح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏ابن كثير ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏قال ‏ ‏كتب إلي ‏ ‏منصور ‏ ‏قال ‏ ‏ابن كثير ‏ ‏في حديثه وقرأته عليه وقلت أقول ‏ ‏حدثني ‏ ‏منصور ‏ ‏فقال ‏ ‏إذا قرأته علي فقد حدثتك به ثم اتفقا ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عثمان مولى المغيرة بن شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏سمعت ‏ ‏أبا القاسم ‏ ‏الصادق المصدوق ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏صاحب هذه الحجرة يقول ‏ ‏لا تنزع الرحمة إلا من شقي ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال ) ‏
‏: أي شعبة ‏
‏( كتب إلي منصور )
‏: هذا الحديث ‏
‏( قال ابن كثير في حديثه ) ‏
‏: عن شعبة أي بعد قوله كتب إلى منصور ‏
‏( وقرأته ) ‏
‏: أي الحديث أي بعد ما كتب إلي ‏
‏( عليه ) ‏
‏: أي على منصور ‏
‏( قلت ) ‏
‏: هذه مقولة شعبة ولفظ الترمذي في كتاب البر والصلة حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود , حدثنا شعبة قال كتب به إلى منصور وقرأته عليه سمع أبا عثمان مولى المغيرة بن شعبة عن أبي هريرة الحديث ‏
‏( أقول حدثني منصور ) ‏
‏: بحذف الاستفهام أي قلت لمنصور هل أقول فيما قرأته عليك لفظة حدثني منصور ‏
‏( فقال )
‏: أي منصور ‏
‏( إذا قرأته ) ‏
‏: بصيغة الخطاب ‏
( علي فقد حدثتك ) ‏
‏: بصيغة المتكلم . ‏
‏واعلم أن القراءة على الشيخ أحد وجوه التحمل عند الجمهور , ورجحها بعضهم على السماع من لفظ الشيخ , وذهب جمع جم منهم البخاري وحكاه في أوائل صحيحه عن جماعة من الأئمة إلى أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه يعني في الصحة والقوة سواء ‏
‏( ثم اتفقا ) ‏
‏: أي حفص وابن كثير ‏
‏( الصادق ) ‏
‏: أي في أقواله وأفعاله ‏
( المصدوق ) ‏
‏: أي المشهود بصدقه في قوله تعالى { وما ينطق عن الهوى }
‏( لا تنزع ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي لا تسلب الشفقة على خلق الله ومنهم نفسه التي هي أولى بالشفقة والمرحمة عليها من غيرها , بل فائدة شفقته على غيره راجعة إليها لقوله تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } ‏
‏( إلا من شقي )
‏: أي كافر أو فاجر يتعب في الدنيا ويعاقب في العقبى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن وأبو عثمان لا نعرف اسمه وقال هو والد موسى بن أبي عثمان الذي روي عنه أبو الزناد انتهى . ‏
‏وقال المزي وابن حجر أبو عثمان مولى المغيرة بن شعبة هو سعيد التبان انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏وابن السرح ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي نجيح ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عامر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏
‏يرويه قال ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ويعرف ) ‏
‏: بالجزم ‏
‏( حق كبيرنا )
‏: أي بما يستحقه من التعظيم والتبجيل ‏
‏( فليس منا ) ‏
: أي من أهل سنتنا , وقيل أي من خواصنا وهو كناية عن التبرئة . ‏
‏قال المنذري : قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي أظنه عبيد بن عامر أخا عروة بن عامر .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النصيحة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏تميم الداري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله وكتابه ورسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم ‏ ‏أو أئمة المسلمين وعامتهم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن الدين النصيحة الحديث ) ‏
‏: قال الخطابي في المعالم : النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة يحصرها ويجمع معناها غيرها . وأصل النصيحة في اللغة الخلوص , يقال نصحت العسل إذا أخلصته من الشمع , فمعنى نصيحة الله عز وجل الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته , والنصيحة لكتاب الإيمان به والعمل بما فيه , والنصيحة لرسوله عليه السلام التصديق بنبوته , وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه , والنصيحة لأئمة المسلمين أن يطيعهم في الحق وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا , والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم , وإرادة الخير لهم
‏( أو أئمة المسلمين ) ‏
‏: شك من الراوي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي زرعة بن عمرو بن جرير ‏ ‏عن ‏ ‏جرير ‏ ‏قال ‏
‏بايعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم قال وكان إذا باع الشيء أو اشتراه قال أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك فاختر ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وأن أنصح ) ‏
‏: بصيغة المتكلم أي وعلى النصح لكل مسلم ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي أبو زرعة ‏
‏( فكان ) ‏
: أي جرير ‏
‏( إذا باع الشيء إلخ ) ‏
‏: قال الحافظ : وروى الطبراني في ترجمته يعني جريرا أن غلامه اشترى له فرسا بثلاث مائة , فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال : إن فرسك خير من ثلاث مائة فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمان مائة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي , وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي المسند منه من حديث عامر الشعبي عن جرير .

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في المعونة للمسلم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏وعثمان ‏ ‏ابنا ‏ ‏أبي شيبة ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏قال ‏ ‏عثمان ‏ ‏وجرير الرازي ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏واصل بن عبد الأعلى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أسباط ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏وقال ‏ ‏واصل ‏ ‏قال حدثت عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏ثم اتفقوا ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من نفس عن مسلم ‏ ‏كربة ‏ ‏من ‏ ‏كرب ‏ ‏الدنيا نفس الله عنه ‏ ‏كربة ‏ ‏من ‏ ‏كرب ‏ ‏يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏لم يذكر ‏ ‏عثمان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي معاوية ‏ ‏ومن يسر على معسر ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( أخبرنا أبو معاوية ) ‏
‏: الضرير محمد بن خازم
‏( قال عثمان ) ‏
‏: بن أبي شيبة ‏
‏( وجرير الرازي )
‏: أي حدثنا أبو معاوية وجرير بن عبد الحميد الرازي , وأما أبو بكر فقد اقتصر على رواية أبي معاوية فقط ‏
‏( ثم اتفقوا ) ‏
‏: أي أبو معاوية الضرير وجرير بن عبد الحميد وأسباط بن محمد . ‏
‏والحاصل أن أبا بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة . ‏
‏وقال عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية وجرير كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة . وقال واصل بن عبد الأعلى أخبرنا أسباط عن الأعمش قال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة .
‏قلت : قال الترمذي في كتاب الحدود حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره . ‏
‏قال الترمذي : هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية أبي عوانة وروى أسباط بن محمد عن الأعمش قال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . حدثنا بذلك عبيد بن أسباط بن محمد قال حدثني أبي عن الأعمش بهذا الحديث انتهى . ‏
‏وأخرج مسلم في كتاب الدعوات والأذكار من صحيحه عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة طرق متصلا ومن غير طريق أبي ‏
‏معاوية أيضا والله أعلم ‏
‏( من نفس ) ‏
‏: بتشديد الفاء أي أزال وكشف ‏
‏( كربة ) ‏
‏: بضم الكاف وسكون الراء أي الخصلة التي يحزن بها , وجمعها كرب بضم ففتح ‏
‏( ومن ستر على مسلم ) ‏
‏: أي بدنه أو عيبة بعدم الغيبة له , والذب عن معائبه . ‏
‏قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في حديث مسلم قوله ومن ستر على مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مالك الأشجعي ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏ ‏قال ‏
‏قال نبيكم ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كل معروف صدقة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كل معروف صدقة ) ‏
‏أي كل ما يفعل من أعمال الخير والبر فثوابه كثواب من تصدق بالمال والحديث سكت عنه المنذري .

‏ ‏باب ‏ ‏في تغيير الأسماء ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏عن ‏ ‏داود بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن أبي زكريا ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ابن أبى زكريا ‏ ‏لم يدرك ‏ ‏أبا الدرداء ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إنكم تدعون ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي تنادون
‏( بأسمائكم وأسماء آبائكم ) ‏
‏: ‏وروى الطبراني بسند ضعيف كما قاله ابن القيم في حاشية السنن عن ابن عباس أن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا منه على عباده . ‏
‏قال العلقمي : ويمكن الجمع بأن حديث الباب فيمن هو صحيح النسب وحديث الطبراني في غيره , أو يقال : تدعى طائفة بأسماء الآباء , وطائفة بأسماء الأمهات ‏
‏( فأحسنوا أسماءكم ) ‏
‏: أي أسماء أولادكم وأقاربكم وخدمكم . ‏
‏قال المنذري : عبد الله بن أبي زكريا كنيته أبو يحيى خزاعي دمشقي ثقة عابد لم يسمع من أبي الدرداء . فالحديث منقطع , وأبوه أبو زكريا اسمه إياس بن مرثد . ‏

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وفي هذا الحديث : رد على من قال : إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتهم , لا آبائهم وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال " باب يدعى الناس بآبائهم " وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الغادر يرفع له لواء يوم القيامة ؟ يقال له : هذه غدرة فلان بن فلان " . ‏
‏واحتج من قال بالأول . بما رواه الطبراني في معجمه من حديث سعيد بن عبد الله الأودي قال " شهدت أبا أمامة - وهو في النزع - قال : إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , ‏
‏فقال : إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره , فليقم أحدكم على رأس قبره , ثم ليقل يا فلان بن فلانة , فإنه يسمعه ولا يجيبه , ثم يقول : يا فلان بن فلانة فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله - فذكر الحديث - وفيه فقال رجل يا رسول الله , فإن لم يعرف أمه , قال : فلينسبه إلى أمه حواء فلان بن حواء " . ‏
‏ولكن هذا الحديث متفق على ضعفه فلا تقوم به حجة فضلا عن أن يعارض به ما هو أصح منه . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي موسى قال " ولد لي غلام , فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم , فسماه إبراهيم , وحنكه بتمرة " . ‏
‏زاد البخاري " ودعا له بالبركة , ودفعه إلي , وكان أكبر ولد أبي موسى " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن زياد سبلان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عباد بن عباد ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أحب الأسماء إلى الله تعالى ‏ ‏عبد الله ‏ ‏وعبد الرحمن ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إبراهيم بن زياد سبلان ) ‏
‏قال في التقريب : إبراهيم بن زياد البغدادي المعروف بسبلان بفتح المهملة والموحدة ثقة ‏
‏( أحب الأسماء الحديث ) ‏
‏: فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما يسمى به . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن سعيد الطالقاني ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏محمد بن المهاجر الأنصاري ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عقيل ابن شبيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي وهب الجشمي ‏ ‏وكانت له صحبة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله ‏ ‏عبد الله ‏ ‏وعبد الرحمن ‏ ‏وأصدقها ‏ ‏حارث ‏ ‏وهمام ‏ ‏وأقبحها ‏ ‏حرب ‏ ‏ومرة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثني عقيل بن شبيب ) ‏
‏: بفتح العين وثقه ابن حبان ‏
‏( وأصدقها حارث وهمام ) ‏
‏: فإن الأول بمعنى الكاسب والثاني فعال من هم يهم فلا يخلو إنسان عن كسب وهم بل عن هموم ‏
‏( وأقبحها حرب ومرة )
‏: لما في حرب من البشاعة وفي مرة من المرارة . وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏ذهبت ‏ ‏بعبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حين ولد والنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في عباءة ‏ ‏يهنأ ‏ ‏بعيرا له قال هل معك تمر قلت نعم قال فناولته تمرات ‏ ‏فألقاهن في ‏ ‏فيه فلاكهن ثم ‏ ‏فغر ‏ ‏فاه ‏ ‏فأوجرهن ‏ ‏إياه فجعل الصبي ‏ ‏يتلمظ ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حب ‏ ‏الأنصار ‏ ‏التمر وسماه ‏ ‏عبد الله ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( في عباءة ) ‏
‏: أي كان لابسها ‏
‏( يهنأ )
‏: كيفتح أي يطليه بالهناء بالكسر والمد وهو القطران ويعالجه به
‏( فناولته ) ‏
‏أي أعطيته ‏
‏( في فيه ) ‏
‏: أي في فمه الشريف ‏
‏( فلاكهن ) ‏
‏: أي مضغهن , واللوك مضغ الشيء الصلب
‏( ثم فغر ) ‏
‏: بالفاء والغين المعجمة أي فتح ‏
‏( فاه )
‏أي فم عبد الله ‏
‏( فأوجرهن إياه ) ‏
‏: أي أدخل التمرات الملوكة في فمه ‏
‏( يتلمظ ) ‏
‏: أي يحرك لسانه ويدير في فيه ليتتبع ما فيه من آثار التمر ‏
‏( حب الأنصار التمر ) ‏
‏: قال النووي : روي بضم الحاء وكسرها فالكسر بمعنى المحبوب وعلى هذا هو مبتدأ وخبر , والضم بمعنى المصدر وعلى هذا ففي إعرابه وجهان النصب في اللفظين وهو الأشهر أي انظروا حب الأنصار التمر , والرفع في الأول والنصب في الثاني , أي حب الأنصار التمر لازم أو عادة من صغرهم . انتهى ملخصا . ‏
‏وفي الحديث فوائد منها تسمية المولود بعبد الله , وتحنيكه عند ولادته وهو سنة بالإجماع . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في تغيير ‏ ‏الاسم القبيح ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏ومسدد ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏غير اسم عاصية وقال أنت جميلة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( غير اسم عاصية إلخ ) ‏
‏: قيل كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهابا إلى معنى الإباء عن قبول النقائص والرضا بالضيم [ يعني العيب والنقص ] فلما جاء الإسلام نهوا عنه , ولعله لم يسمها مطيعة مع أنها ضد العاصية مخافة التزكية . ‏
‏وقال في النهاية : إنما غيره لأن شعار المؤمن الطاعة والعصيان ضدها انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن أبي حبيب ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عمرو بن عطاء ‏ ‏أن ‏ ‏زينب بنت أبي سلمة ‏ ‏سألته ‏
‏ما سميت ابنتك قال سميتها ‏ ‏مرة ‏ ‏فقالت إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نهى عن هذا ‏ ‏الاسم سميت ‏ ‏برة ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم فقال ما ‏ ‏نسميها قال سموها ‏ ‏زينب ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن زينب ) ‏
‏: هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( سألته ) ‏
‏: أي محمد بن عمرو ‏
‏( سميت )
‏: بصيغة المجهول أي سماني أهلي ‏
‏( برة ) ‏
‏: بفتح الموحدة والراء المشددة من البر ‏
‏( لا تزكوا أنفسكم ) ‏
‏: تزكية الرجل نفسه ثناؤه عليها ‏
‏( الله أعلم بأهل البر منكم ) ‏
‏: البر اسم لكل فعل مرضي ‏
‏( قال سموها زينب ) ‏
‏: في القاموس زنب كفرح سمن والأزنب السمين وبه سمين وبه سميت المرأة زينب , أو من الزيب لشجر حسن المنظر طيب الرائحة أو أصلها زين اب . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر يعني ابن المفضل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏بشير بن ميمون ‏ ‏عن ‏ ‏عمه ‏ ‏أسامة بن أخدري ‏
‏أن رجلا يقال له ‏ ‏أصرم ‏ ‏كان في ‏ ‏النفر ‏ ‏الذين أتوا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما اسمك قال أنا ‏ ‏أصرم ‏ ‏قال بل أنت ‏ ‏زرعة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثني بشير بن ميمون ) ‏
‏: بفتح الموحدة وكسر المعجمة ‏
‏( أسامة بن أخدري ) ‏
‏بفتح همزة وسكون خاء وفتح دال مهملة وكسر راء وياء مشددة ‏
‏( قال أنا أصرم ) ‏
‏: من الصرم بمعنى القطع
‏( بل أنت زرعة ) ‏
‏: بضم زاء وسكون راء مأخوذ من الزرع , وهو مستحسن بخلاف أصرم , لأنه منبئ عن انقطاع الخير والبركة , فبادله به . ‏
‏قال المنذري : قال أبو القاسم البغوي : أسامة بن أخدري سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا . هذا آخر كلامه . ‏
‏وأخدري بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وبعدها دال مهملة مفتوحة وراء مهملة مكسورة وياء النسب . والأخدري : الحمار الوحشي , ويشبه أن يكون سمي به .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الربيع بن نافع ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد يعني ابن المقدام بن شريح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏شريح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏هانئ ‏
‏أنه لما وفد إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مع قومه سمعهم يكنونه ‏ ‏بأبي الحكم ‏ ‏فدعاه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم ‏ ‏تكنى ‏ ‏أبا الحكم ‏ ‏فقال إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما أحسن هذا فما لك من الولد قال لي ‏ ‏شريح ‏ ‏ومسلم ‏ ‏وعبد الله ‏ ‏قال فمن أكبرهم قلت ‏ ‏شريح ‏ ‏قال فأنت ‏ ‏أبو شريح ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏شريح ‏ ‏هذا هو الذي كسر السلسلة وهو ممن دخل ‏ ‏تستر ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وبلغني أن ‏ ‏شريحا ‏ ‏كسر باب ‏ ‏تستر ‏ ‏وذلك أنه دخل من ‏ ‏سرب ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( شريح ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( هانئ )
‏: بكسر النون بعدها همزة ‏
‏( وفد ) ‏
‏: أي جاء ‏
( سمعهم ) ‏
‏: أي سمع صلى الله عليه وسلم قوم هانئ ‏
‏( يكنونه )
‏: بتشديد النون مع ضم أوله وتخفيف مع فتح أوله ‏
‏( بأبي الحكم )
‏: بفتحتين بمعنى الحاكم ‏
‏( فدعاه ) ‏
‏أي هانئا
‏( إن الله هو الحكم وإليه الحكم ) ‏
‏: أي منه يبتدأ الحكم وإليه ينتهي الحكم , وفي إطلاق أبي الحكم على غيره يوهم الاشتراك في وصفه على الجملة وإن لم يطلق عليه سبحانه أبو الحكم كذا في المرقاة . ‏
‏وفي شرح السنة : الحكم هو الحاكم الذي إذا حكم لا يرد حكمه , وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى ومن أسمائه الحكم ‏
‏( فقال إن قومي ) ‏
‏: استئناف تعليل ‏
‏( ما أحسن هذا )
‏: أي الذي ذكرته من وجه التكنية وأتى بصيغة التعجب مبالغة في حسنه لكن لما كان فيه من الإيهام ما سبق أراد تحويل كنيته إلى ما يناسبه فقال فمالك إلخ
‏( فأنت أبو شريح ) ‏
‏: أي رعاية للأكبر سنا , وفيه أن الأولى أن يكنى الرجل بأكبر بنيه . ‏
‏قال القاري : فصار ببركته صلى الله عليه وسلم أكبر رتبة وأكثر فضلا , فإنه من أجلة أصحاب علي رضي الله عنه , وكان مفتيا في زمن الصحابة ويرد على بعضهم , وقد ولاه علي رضي الله عنه قاضيا وخالفه في قبول شهادة الحسن له . والقضية مشهورة انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏عن ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال له ما اسمك قال ‏ ‏حزن ‏ ‏قال أنت ‏ ‏سهل ‏ ‏قال لا السهل يوطأ ويمتهن ‏
‏قال ‏ ‏سعيد ‏ ‏فظننت أنه سيصيبنا بعده ‏ ‏حزونة ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وغير النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اسم ‏ ‏العاص ‏ ‏وعزيز ‏ ‏وعتلة ‏ ‏وشيطان ‏ ‏والحكم ‏ ‏وغراب ‏ ‏وحباب ‏ ‏وشهاب ‏ ‏فسماه ‏ ‏هشاما ‏ ‏وسمى ‏ ‏حربا ‏ ‏سلما ‏ ‏وسمى ‏ ‏المضطجع ‏ ‏المنبعث ‏ ‏وأرضا ‏ ‏تسمى ‏ ‏عفرة ‏ ‏سماها ‏ ‏خضرة ‏ ‏وشعب الضلالة ‏ ‏سماه ‏ ‏شعب الهدى ‏ ‏وبنو الزنية ‏ ‏سماهم ‏ ‏بني الرشدة ‏ ‏وسمى ‏ ‏بني مغوية ‏ ‏بني رشدة ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏تركت أسانيدها ‏ ‏للاختصار ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال حزن ) ‏
‏: بفتح المهملة وسكون الزاي أي اسمي حزن . ‏
‏قال في القاموس : الحزن ما غلظ من الأرض , والسهل من الأرض ضد الحزن انتهى . ‏
‏قال الحافظ : واستعمل في الخلق يقال في فلان حزونة أي في خلقه غلظة وقساوة ‏
‏( قال لا ) ‏
‏: وفي رواية البخاري لا أغير اسما سمانيه أبي ‏
‏( السهل يوطأ ) ‏
‏: أي يداس بالأقدام ‏
( ويمتهن ) ‏
‏: أي يهان ‏
‏( سيصيبنا بعده حزونة ) ‏
‏: أي صعوبة الخلق على ما ذكره السيوطي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري وفيه قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد وجده هو حزن أبي وهب القرشي المخزومي له صحبة .

‏( قال أبو داود وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص )
‏: لأنه من العصيان والمفهوم من القاموس , أنه معتل العين , فلعل التغيير لأجل الاشتباه اللفظي ‏
‏( وعزيز ) ‏
‏لأنه من أسماء الله تعالى
‏( وعتلة ) ‏
‏بفتحات لأن معناه الغلظة والشدة ‏
‏( والحكم )
‏: فإن الله هو الحكم ‏
‏( وغراب ) ‏
‏: لأن معناه البعد وقيل لأنه أخبث الطيور لوقوعه على الجيف وبحثه عن النجاسات ‏
‏( وحباب )
‏: بضم المهملة وبالموحدتين لأنه اسم الشيطان ويقع على الحية أو نوع منها
‏( وشهاب ) ‏
‏: بكسر الشين لأنه شعلة نار ساقطة . ‏
‏قال القاري : والظاهر أنه إذا أضيف إلى الدين مثلا لا يكون مكروها ‏
‏( فسماه )
‏: أي الشهاب ‏
‏( وأرضا تسمى عفرة ) ‏
‏بفتح عين وكسر فاء وهي من الأرض ما لا تنبت شيئا , وفي بعض النسخ عقرة بالقاف ‏
‏( وبنو الزنية )
‏: بكسر الزاي وسكون النون بمعنى الزنا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هاشم بن القاسم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عقيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مجالد بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏الشعبي ‏ ‏عن ‏ ‏مسروق ‏ ‏قال ‏
‏لقيت ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏فقال من أنت قلت ‏ ‏مسروق بن الأجدع ‏ ‏فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏الأجدع شيطان ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الأجدع شيطان ) ‏
‏: أي اسم شيطان من الشياطين .
‏قال المنذري : في إسناده مجالد بن سعيد وفيه مقال .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏منصور بن المعتمر ‏ ‏عن ‏ ‏هلال بن يساف ‏ ‏عن ‏ ‏ربيع بن عميلة ‏ ‏عن ‏ ‏سمرة بن جندب ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تسمين غلامك ‏ ‏يسارا ‏ ‏ولا ‏ ‏رباحا ‏ ‏ولا ‏ ‏نجيحا ‏ ‏ولا ‏ ‏أفلح ‏ ‏فإنك تقول أثم هو فيقول لا إنما هن أربع فلا تزيدن علي ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تسمين ) ‏
‏: الخطاب عام لكل من يصلح
‏( غلامك ) ‏
‏: ولدك أو عبدك ‏
‏( يسارا ) ‏
‏: من اليسر ضد العسر ‏
‏( ولا رباحا ) ‏
‏: من الربح ضد الخسارة ‏
( ولا نجيحا ) ‏
‏: من النجح وهو الظفر ‏
‏( ولا أفلح ) ‏
‏: من الفلاح وهو الفوز ‏
‏( أثم هو ) ‏
‏: أي أهناك المسمى بأحد هذه الأسماء المذكورة ‏
‏( فيقول ) ‏
‏: أي المجيب ‏
‏( لا )
‏: أي ليس هناك يسار أو لا رباح عندنا مثلا , فلا يحسن مثل هذا التفاؤل
‏( إنما هن أربع إلخ ) ‏
‏: هذا قول سمرة يقول هذه الأسماء أربع فلا تزد عليها افتراء علي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المعتمر ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏الركين ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏سمرة ‏ ‏قال ‏
‏نهى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن نسمي رقيقنا أربعة أسماء ‏ ‏أفلح ‏ ‏ويسارا ‏ ‏ونافعا ‏ ‏ورباحا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا إلخ )
‏: قد سبق علة النهي في الحديث السابق . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبيد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن عشت إن شاء الله ‏ ‏أنهى أمتي أن يسموا ‏ ‏نافعا ‏ ‏وأفلح ‏ ‏وبركة ‏
‏قال ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ولا ‏ ‏أدري ذكر ‏ ‏نافعا ‏ ‏أم لا فإن الرجل يقول إذا جاء أثم ‏ ‏بركة ‏ ‏فيقولون لا ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏روى ‏ ‏أبو الزبير ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوه لم يذكر ‏ ‏بركة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن عشت الحديث ) ‏
‏: ولفظ مسلم أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها ثم قبض ولم ينه عن ذلك . ‏
‏قال النووي : معناه أراد أن ينهى عنها نهي تحريم , وأما النهي الذي هو بكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية انتهى . وقال الطيبي : كأنه أي أمارات وسمع ما يشعر بالنهي ولم يقف على النهي صريحا فلذا قال ذلك وقد نهاه صلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة ‏
( قال أبو داود روى أبو الزبير عن جابر نحوه لم يذكر بركة ) ‏
‏: قال المنذري : والذي قاله أبو داود رضي الله عنه في حديث أبي الزبير فيه نظر , فقد أخرج مسلم الحديث في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير وفيه أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يسمي الغلام بمقبل وبركة الحديث .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏يبلغ به النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏أخنع ‏ ‏اسم عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏شعيب بن أبي حمزة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏بإسناده قال ‏ ‏أخنى ‏ ‏اسم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخنع اسم ) ‏
‏: أي أذله وأوضعه من الخنوع وهو الذل ‏
‏( رجل ) ‏
‏: أي اسم رجل ‏
‏( يسمى ) ‏
‏: بصيغة المجهول من التسمية وفي بعض النسخ تسمى بصيغة الماضي المعلوم من التسمي مصدر من باب التفعل أي سمى نفسه أو سمي بذلك فرضي به واستمر عليه ‏
‏( بملك الأملاك )
‏: جمع ملك كالملوك وقد فسره سفيان الثوري بشاهان شاه ‏
‏( قال أخنى اسم ) ‏
‏: أي أفحشه وأقبحه من الخنا بمعنى الفحش . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي . وحديث شعيب هذا الذي علقه أبو داود قد أخرجه البخاري في صحيحه مسندا فرواه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الألقاب ‏

قال علماء العربية : العلم إما أن يكون مشعرا بمدح أو ذم وهو اللقب وإما أن لا يكون , فإما يصدر بأب أو ابن وهو الكنية أولا وهو الاسم .

 

‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهيب ‏ ‏عن ‏ ‏داود ‏ ‏عن ‏ ‏عامر ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبو جبيرة بن الضحاك ‏ ‏قال ‏
‏فينا نزلت هذه الآية في ‏ ‏بني سلمة ‏

‏قال قدم علينا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول يا فلان فيقولون ‏ ‏مه ‏ ‏يا رسول الله إنه يغضب من هذا ‏ ‏الاسم فأنزلت هذه الآية ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( في بني سلمة ) ‏
‏: بدل من فينا ‏
‏( ولا تنابزوا بالألقاب ) ‏
‏: أي لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه ‏
‏( بئس الاسم ) ‏
‏: أي المذكور قبل من السخرية واللمز والتنابز ‏
‏( الفسوق بعد الإيمان ) ‏
‏: بدل من الاسم ‏
‏( وليس منا رجل ) ‏
: الواو للحال ‏
‏( إلا وله اسمان أو ثلاثة ) ‏
‏: أو للتنويع
‏( يقول يا فلان ) ‏
‏: أي بأحد أسمائه ‏
‏( فيقولون مه )
‏: بفتح الميم وسكون الهاء أي اكفف . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي حسن . هذا آخر كلامه . ‏
‏وأبو جبيرة هذا لا يعرف له اسم , وقد اختلف العلماء في صحبته , فقال بعضهم له صحبة , وقال بعضهم ليست له صحبة , وهو أخو ثابت بن الضحاك وجبيرة بفتح الجيم وكسر الباء . ‏
‏الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث .

 

‏ ‏باب ‏ ‏فيمن ‏ ‏يتكنى ‏ ‏بأبي عيسى ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏ضرب ابنا له تكنى ‏ ‏أبا عيسى ‏ ‏وأن ‏ ‏المغيرة بن شعبة ‏ ‏تكنى ‏ ‏بأبي عيسى ‏ ‏فقال له ‏ ‏عمر ‏ ‏أما يكفيك أن ‏ ‏تكنى ‏ ‏بأبي عبد الله ‏ ‏فقال إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كناني فقال إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في ‏ ‏جلجتنا ‏ ‏فلم يزل يكنى ‏ ‏بأبي عبد الله ‏ ‏حتى هلك ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن عمر بن الخطاب ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى )
‏: كره رضي الله عنه التكني بأبي عيسى لما فيه من إيهام أب عيسى عليه السلام كذا في فتح الودود ‏
‏( أن تكنى ) ‏
‏: بحذف إحدى التائين
‏( فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني ) ‏
‏: أي بأبي عيسى
‏( فقال ) ‏
‏أي عمر رضي الله عنه زعما منه أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ‏
‏( وإنا في جلجتنا ) ‏
‏: أي في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا , كذا في المجمع . وقال في النهاية : لما نزلت { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قالت الصحابة بقينا نحن في جلج لا ندري ما يصنع بنا . قال أبو حاتم سألت الأصمعي عنه فلم يعرفه . وقال ابن الأعرابي الجلج رءوس الناس واحدتها جلجة . المعنى أنا بقينا في عدد رءوس كثيرة من المسلمين . ‏
‏وقال ابن قتيبة : معناه وبقينا نحن في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا . ‏
‏وقيل الجلج في لغة أهل اليمامة جباب الماء كأنه يريد تركنا في أمر ضيق كضيق الجباب انتهى ‏
‏( حتى هلك ) ‏
‏: أي مات المغيرة . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول ‏ ‏لابن غيره يا بني ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏ومحمد بن محبوب ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عثمان ‏ ‏وسماه ‏ ‏ابن محبوب الجعد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال له يا بني ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏سمعت ‏ ‏يحيى بن معين ‏ ‏يثني على ‏ ‏محمد بن محبوب ‏ ‏ويقول ‏ ‏كثير الحديث ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وسماه ) ‏
‏: أي أبا عثمان ‏
‏( ابن محبوب ) ‏
‏: فاعل ‏
‏( الجعد ) ‏
‏: مفعول ثان ‏
‏( قال له يا بني ) ‏
‏: فيه جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سنا منه يا بني مصغرا وباب بني ويا ولدي ومعناه تلطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة .
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم , وأخرجه الترمذي وقال غريب من هذا الوجه , وقد روي من غير هذا الوجه عن أنس وأبو عثمان هذا شيخ ثقة وهو الجعد بن عثمان ويقال ابن دينار وهو بصري , وقد روى عنه يونس بن عبيد وغير واحد من الأئمة . هذا آخر كلامه .
‏وقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أي بني .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل ‏ ‏يتكنى ‏ ‏بأبي القاسم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وأبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب السختياني ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن سيرين ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وكذلك ‏ ‏رواه ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏وكذلك رواية ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏وسالم بن أبي الجعد ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏وسليمان اليشكري ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏وابن المنكدر ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏نحوهم ‏ ‏وأنس بن مالك ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( تسموا باسمي ) ‏
‏: أمر من التسمي ‏
( ولا تكنوا ) ‏
‏: بفتح الكاف وتشديد النون وعلى حذف إحدى التاءين من التكني , وفي بعض النسخ لا تكتنوا قال في المبارق شرح المشارق : النهي للتنزيه وقيل للتحريم والظاهر من الحديث أن المنهي هو التكني بكنيته مطلقا , وقيل هو الجمع بين اسمه وكنيته ويمكن أن يقال مجرد التكني بكنيته مكروه والجمع بين اسمه وكنيته أشد كراهة . ‏
‏قال مالك : هذا الحكم كان مختصا بحياته وقال الشافعي بل باق بعده انتهى . وتحقيق هذه المسألة بالبسط والتفصيل في فتح الباري من شاء الاطلاع عليه , فليراجع إليه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه .
‏( قال أبو داود وكذلك ) ‏
‏: أي بهذه الجملة تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ‏
‏( وأنس بن مالك ) ‏
‏. أي وكذلك رواية أنس .
‏قال المنذري : وحديث أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه البخاري وحديث محمد بن المنكدر عن جابر أخرجه البخاري ومسلم بنحوه وحديث سالم بن أبي الجعد عن جابر أخرجه البخاري ومسلم , وحديث أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر أخرجه البخاري ومسلم , وحديث أنس أخرجه الترمذي وابن ماجه .

‏باب ‏ ‏من رأى أن لا يجمع بينهما ‏

أي بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزبير ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من تسمى باسمي فلا ‏ ‏يتكنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فلا ‏ ‏يتسمى باسمي
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وروى ‏ ‏بهذا المعنى ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏وروي عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏مختلفا على الروايتين ‏ ‏وكذلك رواية ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عمرة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏اختلف فيه ‏ ‏رواه ‏ ‏الثوري ‏ ‏وابن جريج ‏ ‏على ما قال ‏ ‏أبو الزبير ‏ ‏ورواه ‏ ‏معقل بن عبيد الله ‏ ‏على ما قال ‏ ‏ابن سيرين ‏ ‏واختلف فيه على ‏ ‏موسى بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏أيضا على القولين ‏ ‏اختلف فيه ‏ ‏حماد بن خالد ‏ ‏وابن أبي فديك ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من تسمى باسمي فلا يكنى ) ‏
‏: من التكنية وفي بعض النسخ يتكنى من التكني . والحديث تمسك به من نهى عن الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب ‏
( وروى بهذا المعنى ابن عجلان ) ‏
‏: هو محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني وثقه أحمد وابن معين ‏
‏( عن أبيه ) ‏
‏: عجلان المدني مولى فاطمة بنت عتبة قال النسائي : لا بأس به ‏
‏( عن أبي هريرة ) ‏
: وحديث ابن عجلان عند الترمذي بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمى محمدا أبا القاسم " قال الترمذي حسن صحيح " . ‏
‏ولفظ البخاري في الأدب المفرد حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين اسمه وكنيته وقال أنا أبو القاسم " ‏
‏( وروي ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( عن أبي زرعة ) ‏
‏: بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي وثقه ابن معين وابن خراش
‏( عن أبي هريرة مختلفا ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( على الروايتين ) ‏
‏: المذكورتين أي مثل رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة ومثل رواية أبي الزبير عن جابر . ‏
‏وروى أحمد في مسنده من حديث أبي زرعة من كلا اللفظين ما نصه حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن سلم بن عبد الرحمن النخعي عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي " رواه أحمد . ‏
‏حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت عبد الله بن يزيد النخعي قال سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " رواه أحمد .
‏قال عبد الله بن أحمد قال أبي شعبة يخطئ في القول عبد الله بن يزيد وإنما هو سلم بن عبد الرحمن النخعي ‏
‏( وكذلك ) ‏
‏: أي باختلاف اللفظتين
‏( رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة ) ‏
‏: الأنصاري النجاري المدني القاص . ‏
‏قال ابن سعد ثقة كثير الحديث ‏
‏( عن أبي هريرة اختلف )
‏بصيغة المجهول أي اختلف على عبد الرحمن ‏
‏( فيه ) ‏
‏: في هذا الحديث ‏
‏( رواه الثوري وابن جريج ) ‏
‏: كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ‏
‏( على ما قال أبو الزبير ) ‏
‏: عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى "
‏( ورواه معقل بن عبيد الله ) ‏
‏: العبسي وثقه أحمد والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ‏
‏( على ما قال ابن سيرين ) ‏
‏: هو محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " . ‏
‏وأخرج أحمد في مسنده حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الكريم بن مالك أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة أخبره عن عمه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يكنى بكنيته .
‏وروى سليم بن حيان عن أبيه عن أبي هريرة وكذا خالد عن أبي هريرة مثل رواية محمد بن سيرين . ‏
‏أخرج أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثني سليم بن حيان عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " . ‏
‏حدثنا محبوب بن الحسن عن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " انتهى ‏
‏( واختلف ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( فيه )
‏: أي في هذا الحديث ‏
‏( على موسى بن يسار ) ‏
‏: المطلبي وثقه ابن معين ‏
‏( عن أبي هريرة أيضا على القولين ) ‏
‏: أي مثل رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة ومثل رواية الزبير عن جابر ‏
‏( اختلف فيه حماد بن خالد ) ‏
‏: القرشي المدني ثم البصري وثقه ابن معين وابن المديني والنسائي ‏
‏( وابن أبي فديك ) ‏
‏: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك المدني قال النسائي ليس به بأس فحماد وابن أبي فديك كلاهما يرويان عن موسى بن يسار عن أبي هريرة على الاختلاف . وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده واللفظ للبخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا داود بن قيس حدثني موسى بن يسار سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني أنا أبو القاسم " انتهى . والحاصل أن أبا هريرة رضي الله عنه روي عنه الحديث من كلا اللفظين مثل لفظ محمد بن سيرين عن أبي هريرة ومثل لفظ أبي الزبير عن جابر وبين كلتا الروايتين فرق في المعنى , فإن رواية جابر تدل على جواز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم , والتسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم على الانفراد وعلى عدم الجواز على سبيل الاجتماع , ورواية ابن سيرين تدل على جواز التسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عدم جواز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم .
‏قال المنذري : وحديث ابن عجلان الذي أشار إليه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح , وحديث محمد بن سيرين تقدم , وحديث أبي الزبير هو الذي ذكره في هذا الباب .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرخصة في الجمع بينهما ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان ‏ ‏وأبو بكر ‏ ‏ابنا ‏ ‏أبي شيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏فطر ‏ ‏عن ‏ ‏منذر ‏ ‏عن ‏ ‏محمد ابن الحنفية ‏ ‏قال ‏
‏قال ‏ ‏علي ‏ ‏رحمه الله قلت يا رسول الله ‏ ‏إن ولد لي من بعدك ولد ‏ ‏أسميه باسمك ‏ ‏وأكنيه بكنيتك قال نعم ‏ ‏ولم يقل ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏قلت قال قال ‏ ‏علي ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن محمد بن الحنفية ) ‏
‏: هو محمد بن علي بن أبي طالب يكنى أبا القاسم وأمه خولة بنت جعفر الحنفية ‏
‏( قال قال علي )
‏: هو ابن أبي طالب كرم الله وجهه ‏
‏( إن ولد لي من بعدك ولد إلخ )
‏: فيه أن النهي مقصور على زمانه صلى الله عليه وسلم فيجوز الجمع بينهما بعده , وبه قال مالك . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال صحيح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عمران الحجبي ‏ ‏عن ‏ ‏جدته ‏ ‏صفية بنت شيبة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏جاءت امرأة إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالت يا رسول الله إني قد ولدت غلاما فسميته ‏ ‏محمدا ‏ ‏وكنيته ‏ ‏أبا القاسم ‏ ‏فذكر لي أنك تكره ذلك فقال ‏ ‏ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي ‏ ‏أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فذكر لي ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( أنك تكره ) ‏
‏: أي كراهة تحريم كما يدل عليه ما أجاب ‏
‏( ذلك )
‏: أي الجمع ‏
‏( فقال ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي ) ‏
: قاله بالاستفهام الإنكاري ‏
‏( أو ما الذي حرم إلخ ) ‏
‏: شك من أحد الرواة . ‏
‏وفي الحديث دلالة على أن الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته ليس بمحرم ولا مكروه . ‏
‏قال المنذري : غريب انتهى . ‏
‏وفي فتح الباري ذكر الطبراني في الأوسط أن محمد بن عمران الحجبي تفرد به عن صفية بنت شيبة ومحمد المذكور مجهول انتهى . ‏
‏وقال الذهبي في الميزان : محمد بن عمران الحجبي له حديث وهو منكر وما رأيت لهم فيه جرحا ولا تعديلا انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في الرجل ‏ ‏يتكنى وليس له ولد ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى ‏ ‏أبا عمير ‏ ‏وكان له ‏ ‏نغر ‏ ‏يلعب به فمات فدخل عليه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ذات يوم فرآه حزينا فقال ما شأنه قالوا مات ‏ ‏نغره ‏ ‏فقال يا ‏ ‏أبا عمير ‏ ‏ما فعل ‏ ‏النغير ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يكنى أبا عمير ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( وكان له نغر ) ‏
‏: بضم النون وفتح الغين المعجمة طائر يشبه العصفور أحمر المنقار , وقيل هو العصفور , وقيل هو العصفور صغير المنقار أحمر الرأس , وقيل أهل المدينة يسمونه البلبل قاله القاري ‏
‏( فمات ) ‏
‏: أي النغر ‏
‏( فرآه )
‏: أي أخا أنس ‏
‏( فقال ما شأنه ) ‏
‏: أي ما حاله , وما وجه كونه حزينا ‏
‏( ما فعل ) ‏
‏: بصيغة الفاعل أي ما صنع ‏
( النغير ) ‏
‏: تصغير النغر , والمعنى ما جرى له حديث لم أره معك . ‏
‏وفي الحديث جواز تكنية من ليس له ولد وتكنية الطفل وأنه ليس كذبا ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي عن أنس بن مالك .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في المرأة ‏ ‏تكنى ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وسليمان بن حرب ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏أنها قالت ‏
‏يا رسول الله كل صواحبي لهن كنى قال ‏ ‏فاكتني بابنك ‏ ‏عبد الله ‏ ‏يعني ابن اختها ‏ ‏قال ‏ ‏مسدد ‏ ‏عبد الله بن الزبير ‏ ‏قال فكانت ‏ ‏تكنى ‏ ‏بأم عبد الله ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهكذا ‏ ‏قال ‏ ‏قران بن تمام ‏ ‏ومعمر ‏ ‏جميعا ‏ ‏عن ‏ ‏هشام ‏ ‏نحوه ‏ ‏ورواه ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏عباد بن حمزة ‏ ‏وكذلك ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏ومسلمة بن قعنب ‏ ‏عن ‏ ‏هشام ‏ ‏كما قال ‏ ‏أبو أسامة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قالا أخبرنا حماد ) ‏
‏: هو ابن زيد ‏
( يعني ابن أختها ) ‏
‏أي أسماء بنت أبي بكر ‏
‏( هكذا ) ‏
‏: أي بإسناده هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏
‏( رواه قران ) ‏
‏: بضم القاف وتشديد الراء ‏
‏( عن هشام ) ‏
‏: بن عروة عن أبيه عن عائشة
‏( نحوه ) ‏
‏: أي نحو رواية حماد بن زيد ‏
‏( ورواه أبو أسامة عن هشام عن عباد بن حمزة ) ‏
‏: بن عبد الله بن الزبير عن عائشة .
‏والحاصل أن حماد بن زيد وقران بن تمام ومعمرا هؤلاء الثلاثة رووه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . وأما أبو أسامة وحماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب فرووه عن هشام بن عروة عن عباد بن حمزة عن عائشة . ‏
‏قلت : وقد تابع أبا أسامة وحمادا ومسلمة وهيب عن هشام أخرج البخاري في الأدب المفرد حدثنا موسى حدثنا وهيب حدثنا هشام عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت " يا نبي الله ألا تكنني فقال : اكتني بابنك يعني عبد الله بن الزبير فكانت تكنى أم عبد الله " انتهى . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏باب ‏ ‏في ‏ ‏المعاريض ‏

جمع معراض من التعريض بالقول . قال الجوهري : هو خلاف التصريح , وهو التورية بالشيء عن الشيء . وقال الراغب : التعريض كلام له وجهان في صدق وكذب أو باطن وظاهر .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حيوة بن شريح الحضرمي ‏ ‏إمام مسجد ‏ ‏حمص ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية بن الوليد ‏ ‏عن ‏ ‏ضبارة بن مالك الحضرمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن جبير بن نفير ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان بن أسيد الحضرمي ‏ ‏قال
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ضبارة ) ‏
‏: بضم الضاد المعجمة وبالموحدة ابن عبد الله بن مالك مجهول ‏
‏( كبرت ) ‏
‏: بفتح فضم أي عظمت
‏( خيانة ) ‏
‏: تمييز ‏
‏( أن تحدث أخاك ) ‏
‏: فاعل كبرت ‏
‏( هو لك به مصدق ) ‏
‏: أي أخوك مصدق لك بذلك الحديث
‏( وأنت له ) ‏
‏: أي لأخيك ‏
‏( به ) ‏
‏: أي بذلك الحديث ‏
‏( كاذب ) ‏
‏: لأنه ائتمنك فيما تحدثه به فإذا كذبت فقد خنت أمانته وخنت أمانة الإيمان , فيما أوجب من نصيحة الإخوان . قال المناوي : أن تحدث أخاك فاعل كبرت وأنث الفعل له باعتبار التمييز لأن نفس الخيانة هي الكبيرة وفيه معنى التعجب كما في { كبر مقتا عند الله } والمراد خيانة عظيمة منك إذا حدثت أخاك المسلم بحديث وهو يعتمد عليك اعتمادا على أنك مسلم لا تكذب فيصدقك والحال أنك كاذب .
‏قال النووي : والتورية والتعريض إطلاق لفظ هو ظاهر في معنى , ويريد معنى آخر يتناوله اللفظ لكنه خلاف ظاهره , وهو ضرب من التغرير والخداع فإن دعت إليه مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا محيص عنها إلا به فلا بأس وإلا كره , فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق , حرم عليه . انتهى . ‏
‏قال النووي في الأذكار : هذا الحديث فيه ضعف . قال المناوي : لكن وضع أبو داود في كتابه فاقتضى كونه حسنا عنده . والحديث أخرجه أحمد والطبراني في الكبير عن النواس ابن سمعان .
‏قال المنذري : رواه أحمد عن شيخه عمر بن هارون وفيه ضعف , وبقية رجاله ثقات .
‏وقال الهيثمي : فيه شيخ الإمام أحمد عمر بن هارون ضعيف , وبقية رجاله ثقات .
‏وقال شيخه العراقي في حديث سفيان : ضعفه ابن عدي وحديث النواس سنده جيد . انتهى كلام المناوي . ‏
‏قال المنذري : في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال . وذكر أبو القاسم البغوي سفيان بن أسيد هذا وقال : لا أعلم روى غير هذا الحديث . هذا آخر كلامه . وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف ودال مهملة ويقال فيه ابن أسيد أيضا . قال النمري : حديثه من حديث الحمصيين حدث عنه بقية .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قول الرجل زعموا ‏

أي في بيان ما ورد في هذه الكلمة . قال في القاموس : الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد وأكثر ما يقال فيما يشك فيه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏أبي قلابة ‏ ‏قال ‏
‏قال ‏ ‏أبو مسعود ‏ ‏لأبي عبد الله ‏ ‏أو قال ‏ ‏أبو عبد الله ‏ ‏لأبي مسعود ‏ ‏ما سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول في زعموا قال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏بئس ‏ ‏مطية ‏ ‏الرجل زعموا ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أبو عبد الله ‏ ‏هذا ‏ ‏حذيفة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أو قال أبو عبد الله ) ‏
‏: شك من الراوي
‏( ما سمعت ) ‏
‏: أي أي شيء سمعته ‏
‏( يقول في زعموا )
‏: أي في حق هذا اللفظ ‏
‏( بئس مطية الرجل ) ‏
‏: المطية بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وتشديد التحتية بمعنى المركوب ‏
‏( زعموا )
‏: في النهاية : الزعم بالضم والفتح قريب من الظن أي أسوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبا إلى مقاصده فيخبر عن أمر تقليدا من غير تثبت فيخطئ ويجرب عليه الكذب قاله المناوي . وفي اللمعات يعني أن ما زعموا بئس مطيته يجعل المتكلم مقدمة كلامه والمقصود أن الإخبار بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت ويكون على ثقة من ذلك لا مجرد حكاية على ظن وحسبان . وفي المثل زعموا مطية الكذب انتهى . ‏
‏قال الخطابي في المعالم : أصل هذا أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلد ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الموضع الذي يقصده وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه وإنما هو شيء حكي عن الألسن على سبيل البلاغ فذم النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك , فلا يروونه حتى يكون معزيا إلى ثبت ومرويا عن ثقة انتهى . ‏
‏قال المنذري : أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري , ذكر الحافظ أبو مسعود الدمشقي في الأطراف : أنه لم يسمع منهما يعني حذيفة وأبا مسعود رضي الله عنهم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول في خطبته أما بعد ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن فضيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حيان ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن حيان ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أرقم ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خطبهم فقال أما بعد ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقال أما بعد ) ‏
‏: مبني على الضم لأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة . ‏
‏وقد ثبت استعمال هذه الكلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطب في كثير من الأحاديث , فينبغي للخطباء أن يستعملوها تأسيا واتباعا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم في أثناء الحديث الطويل في فضائل أهل البيت . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الكرم وحفظ المنطق ‏
‏( الكرم ) ‏
‏بسكون الراء وفتحها مصدر كرم يكرم يوصف به مبالغة على طريق رجل عدل يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع , يقال رجل كرم وامرأة كرم ورجلان كرم وامرأتان كرم ورجال كرم ونسوة كرم , ويطلق على العنب وشجرة , كذا قالوا . ‏
‏قلت : ويطلق أيضا على الحائط من العنب يدل عليه ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث سمرة رفعه " أن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم من أجل ما أكرمه الله على الخليفة وأنكم تدعون الحائط من العنب الكرم " الحديث وهذا هو المناسب لرواية المؤلف ‏
‏( وحفظ المنطق ) ‏
‏: أي وهذا باب حفظ المنطق وهو بفتح الميم وسكون النون مصدر , قال في المصباح : نطق نطقا من باب ضرب ومنطقا . ‏
‏والنطق بالضم اسم منه والمعنى أن للرجل أن يحافظ في المنطق ويراعي في الكلام فلا يتكلم ولا ينطق بما تشتهيه نفسه بل لا بد له أن يستعمل في كلامه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ويجتنب عن الألفاظ الجاهلية وعن العبارات التي ظاهرها مخالفة للأدب والمروءة . ‏
‏قلت : والأحاديث التي ساقها المؤلف في هذا الباب والأبواب التالية , أكثرها داخل تحت هذه الترجمة أي حفظ المنطق والله أعلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن داود ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏جعفر بن ربيعة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يقولن أحدكم الكرم فإن الكرم الرجل المسلم ولكن قولوا حدائق الأعناب ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يقولن أحدكم الكرم ) ‏
‏: أي للعنب أو لحائطه . وهذا هو مناسب لقوله " ولكن قولوا حدائق الأعناب " قال الخطابي في المعالم : إنما نهاهم عليه السلام عن تسمية هذه الشجرة كرما لأن هذا الاسم مشتق عندهم من الكرم والعرب تقول رجل كرم بمعنى كريم وقوم كرم أي كرام , فأشفق صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسن أسمائها إلى شرب الخمر المتخذة من ثمرها فسلبها هذا الاسم وجعله صفة للمسلم الذي يتوقى شربها ويمنع نفسه الشهوة فيها عزة وتكرما انتهى . ‏
‏قال المنذري : وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم " .
‏وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة . وأخرج مسلم من حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة " . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : العرب تسمي شجر العنب كرما لكرمه , والكرم كثرة الخير والمنافع والفوائد لسهولة تناولها من الكريم ومنه قوله تعالى { فأنبتنا فيها من كل زوج كريم } وفي آية أخرى { من كل زوج بهيج } فهو كريم مخبره بهيج في منظره , وشجر العنب قد جمع وجوها من ذلك . ‏
‏منها : تذليل ثمره لقاطفه . ‏
‏ومنها أنه ليس دونه شوك يؤذي مجتنيه . ‏
‏ومنها : أنه ليس بممتنع على من أراده لعلو ساقه وصعوبته كغيره . ‏
‏ومنها : أن الشجرة الواحدة منه - مع ضعفها ودقة ساقها - تحمل أضعاف ما تحمله غيرها . ‏
‏ومنها : أن الشجرة الواحدة منه إذا قطع أعلاها أخلفت من جوانبها وفروعها , والنخلة إذا قطع أعلاها ماتت , ويبست جملة . ‏
‏ومنها : أن ثمره يؤكل قبل نضجه , وبعد نضجه , وبعد يبسه .
‏ومنها : أنه يتخذ منه من أنواع الأشربة الحلوة والحامضة , كالدبس والخل , ما لا يتخذ من غيره , ثم يتخذ من شرابه من أنواع الحلاوة والأطعمة والأقوات ما لا يتخذ من غيره , وشرابه الحلال غذاء وقوت ومنفعة وقوة . ‏
‏ومنها : أنه يدخر يابسه قوتا وطعاما وأدما . ‏
‏ومنها : أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال , فلم يفرط إلى البرودة كالخوخ وغيره , ولا إلى الحرارة , كالتمر , بل هو في غاية الاعتدال , إلى غير ذلك من فوائده . ‏
‏فلما كان بهذه المنزلة سموه كرما , فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الفوائد والثمرات والمنافع التي أودعها الله قلب عبده المؤمن - من البر وكثرة الخير - أعظم من فوائد كرم العنب فالمؤمن أولى بهذه التسمية منه . ‏
‏فيكون معنى الحديث على هذا : النهي عن قصر اسم الكرم على شجر العنب , بل المسلم أحق بهذا الاسم منه . ‏
‏وهذا نظير قوله " ليس الشديد بالصرعة , ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب " أي مالك نفسه أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال . ‏
‏وكقوله " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان , والأكلة والأكلتان ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه " أي هذا أولى بأن يقال له مسكين من الطواف الذي تسمونه مسكينا . ‏
‏ونظيره في المفلس والرقوب وغيرهما . ‏
‏ونظيره قوله " ليس الواصل بالمكافئ ولكنه الذي إذا قطعت رحمه وصلها " وإن كان هذا ألطف من الذي قبله . ‏
‏وقيل في معنى وجه آخر , وهو : قصد النبي صلى الله عليه وسلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تتخذ منها أم الحبائب , فيسلبها الاسم الذي يدعو النفوس إليها , ولا سيما فإن العرب قد تكون سمتها كرما لأن الخمر المتخذة منها تحث على الكرم وبذل المال , فلما حرمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها , وهو " الكرم " كما نفى اسم المدح عنها , وهو الدواء , فقال " إنها داء , وليست بدواء " , ومن عرف سر تأثير الأسماء في مسمياتها نفرة وميلا عرف هذا , فسلبها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الحسن , وأعطاه ما هو أحق به منها , وهو " قلب المؤمن " . ‏
‏ويؤكد المعنى الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه المسلم بالنخلة ; لما فيها من المنافع والفوائد , حتى إنها كلها منفعة , لا يذهب منها شيء بلا منفعة , حتى شوكها , ولا يسقط عنها لباسها وزينتها , كما لا يسقط عن المسلم زينته , فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها , وسعفها للسقوف وغيرها , وخوصها للحصر والمكاتل والآنية وغيرها , ومسدها للحبال وآلات الشد والحل وغيرها , وثمرها يؤكل رطبا ويابسا , ويتخذ قوتا وأدما , وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقربا إلى الله وطهرة للصائم ويتخذ منه ما يتخذ من شراب الأعناب ونزيد عليه بأنه قوت وحده بخلاف الزبيب ونواه علف للإبل التي تحمل الأثقال إلى بلد لا يبلغه الإنسان إلا بشق النفس . ‏
‏ويكفي فيه : أن نواه يشترى به العنب , فحسبك بتمر نواه ثمن لغيره . ‏
‏وقد اختلف الناس في العنب والنخل : أيهما أفضل وأنفع ؟ واحتجت كل طائفة بما في أحدهما من المنافع .
‏والقرآن قد قدم النخيل على الأعناب في موضع , وقدم الأعناب عليها في موضع وأفرد النخيل عن الأعناب , ولم يفرد العنب عن النخيل . ‏
‏وفصل الخطاب في المسألة : أن كل واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه , ويقل وجود الآخر أفضل وأنفع .
‏فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من الأعناب فيها .
‏والأعناب في الشام ونحوها أفضل وأنفع من النخيل بها . ‏
‏ولا يقال : فما تقولون إذا استويا في بلدة ؟ فإن هذا لا يوجد ; لأن الأرض التي يطيب النخيل فيها , ويكون سلطانه ووجوده غالبا لا يكون للعنب بها سلطان , ولا تقبله تلك الأرض . وكذلك أرض العنب لا تقبل النخيل , ولا يطيب فيها . ‏
‏والله سبحانه قد خص كل أرض بخاصية من النبات والمعدن والفواكه وغيرها فهذا موضعه أفضل وأطيب وأنفع , وهذا في موضعه كذلك . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏لا يقول المملوك ربي وربتي ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏وحبيب بن الشهيد ‏ ‏وهشام ‏ ‏عن ‏ ‏محمد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا يقولن المملوك ربي وربتي وليقل المالك فتاي وفتاتي وليقل المملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله عز وجل ‏
‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عمرو بن الحارث ‏ ‏أن ‏ ‏أبا يونس ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏في هذا الخبر ولم يذكر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال وليقل سيدي ومولاي ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ) ‏
‏: لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى فكلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ‏
( ولا يقولن المملوك : ربي وربتي ) ‏
‏: لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى , لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى
‏( وليقل المالك فتاي وفتاتي ) ‏
‏: هما بمعنى الشاب والشابة بناء على الغالب في الخدم , أو القوي والقوية ولو باعتبار ما كان ‏
‏( وليقل المملوك سيدي وسيدتي ) ‏
‏: لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب ولا مستعملة فيه كاستعمالها حتى كره مالك الدعاء بسيدي , ولم يأت تسميته تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر قاله النووي ‏
‏( والرب الله )
‏: مبتدأ وخبر . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . ‏
‏( أن أبا يونس ) ‏
‏: هو سليمان بن جبير مولى أبي هريرة ‏
‏( في هذا الخبر )
‏: أي السابق ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يرفع الحديث
‏( وليقل سيدي ومولاي ) ‏
‏: أي مكان قوله سيدي وسيدتي وقد عقد الإمام البخاري بابا في جواز إطلاق السيد والعبد من أبواب المظالم فقال باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي وأمتي إلى آخره , وأورد فيه سبعة أحاديث كله يدل على الجواز . قال في فتح الباري : قوله وليقل سيدي ومولاي . وفيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي . قال القرطبي وغيره : إنما فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا . ‏
‏واختلف في السيد ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق ظاهر ولا التباس ; وإن قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا . وقد روى أبو داود والنسائي وأحمد والمصنف في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن الشخير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " السيد الله " . ‏
‏وقال الخطابي : إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لأمره , ولذلك سمي الزوج سيدا . قال وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي وناصر وغير ذلك , ولكن لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى انتهى . ‏
‏وفي الحديث جواز إطلاق مولاي أيضا . ‏
‏وأما ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث نحوه وزاد " ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي " فقد بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها وقال عياض حذفها أصح وقال القرطبي المشهور حذفها . قال وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ انتهى . ‏
‏ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى وهو خلاف المتعارف , فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسهل والأعلى والسيد لا يطلق إلا على الأعلى , فكان إطلاق المولى أسهل وأقرب إلى عدم الكرامة والله تعالى أعلم . ‏
‏وقد رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة فلم يتعرض للفظ المولى إثباتا ولا نفيا أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في الأدب المفرد للفظ " لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله تعالى " ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الإطلاق كما تقدم من كلام الخطابي . ‏
‏ويؤكد كلامه حديث ابن الشخير المذكور والله أعلم . وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في غير النداء انتهى . ‏
‏قلت : حديث عبد الله بن الشخير رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد واللفظ للبخاري حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل حدثنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن مطرف قال قال أبي " انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنت سيدنا قال السيد الله قالوا وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا قال فقال قولوا بقولكم ولا يستجرينكم [ أي لا يتخذكم وكلاء ] الشيطان " انتهى . ‏
‏قال الحافظ رجاله ثقات . وقد صححه غير واحد ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك والإذن بإطلاقه على المالك . وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي لحديث بريدة مرفوعا " لا تقولوا للمنافق سيدا " الحديث أخرجه أبو داود وغيره انتهى كلامه . ‏
‏قلت : هذا الجمع والتوفيق ليس بقوي وفيه وجوه أخر فيطلب من غاية المقصود شرح سنن أبي داود والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة بمعناه. ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن عمر بن ميسرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معاذ بن هشام ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تقولوا للمنافق سيد ) ‏
‏: وفي بعض النسخ سيدا بالنصب ‏
‏( فإنه إن يك سيدا ) ‏
‏: أي سيد قوم أو صاحب عبيد وإماء وأموال ‏
‏( فقد أسخطتم ربكم عز وجل ) ‏
‏: أي أغضبتموه لأنه يكون تعظيما له وهو ممن لا يستحق التعظيم فكيف إن لم يكن سيدا بأحد من المعاني فإنه يكون مع ذلك كذابا ونفاقا وقيل معناه إن يك سيدا لكم فتجب عليكم طاعته فإذا أطعتموه فقد أسخطتم ربكم أو لا تقولوا لمنافق سيد فإنكم إن قلتم ذلك فقد أسخطتم ربكم , فوضع الكون موضع القول تحقيقا له كذا في المرقاة ملخصا , وقال ابن الأثير : لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن كان سيدكم وهو منافق , فحالكم دون حاله , والله لا يرضى لكم ذلك . انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏لا يقال خبثت نفسي ‏

بفتح الخاء المعجمة وضم الموحدة . والخبث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال وعلى الحرام والصفات المذمومة القولية والفعلية . ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أمامة بن سهل بن حنيف ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يقولن أحدكم خبثت نفسي وليقل لقست نفسي ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وليقل لقست نفسي ) ‏
‏: بكسر القاف . قال الخطابي في المعالم : لقست نفسي وخبثت بمعنى واحد وإنما كره عليه السلام من ذلك لفظ الخبث لشفاعة الاسم وعلمهم الأدب في المنطق وأرشدهم إلى استعمال الحسن وهجران القبيح منه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا يقولن أحدكم ‏ ‏جاشت ‏ ‏نفسي ولكن ليقل لقست نفسي ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( جاشت نفسي ) ‏
‏: قال في القاموس : جاش النفس غثت أو دارت للغثيان وفي اللسان : جاشت نفسي جيشا وجيشانا غثت أو دارت للغثيان , وجاشت القدر تجيش جيشا وجيشانا غلت وكذلك الصدر إذا لم يقدر صاحبه على حبس ما فيه . قال في التهذيب : وكل شيء يغلي فهو يجيش حتى الهم والغصة في الصدر انتهى كلامه
‏( ولكن ليقل لقست نفسي ) ‏
‏: قال في القاموس : لقست نفسه إلى الشيء كفرح نازعته إليه ومنه غثت وخبثت . وإنما كره صلى الله عليه وسلم لفظ خبثت لقبحه ولئلا ينسب الخبيث إلى نفسه انتهى . ‏
‏قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وقالوا خبثت .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الوليد الطيالسي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تقولوا ما شاء الله إلخ ) ‏
‏قال الخطابي : إنما كره ذلك لأن الواو حرف الجمع والتشريك وثم حرف النسق بشرط التراخي , فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأدب في تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان بن سعيد ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد العزيز بن رفيع ‏ ‏عن ‏ ‏تميم الطائي ‏ ‏عن ‏ ‏عدي بن حاتم ‏
‏أن خطيبا خطب عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقال قم ‏ ‏أو قال اذهب ‏ ‏فبئس الخطيب أنت ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فبئس الخطيب أنت ) ‏
‏: وفي رواية مسلم بعد هذا قل ومن يعص الله ورسوله وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الصلاة قال المنذري وأخرجه مسلم وقد تقدم في كتاب الصلاة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏عن ‏ ‏خالد يعني ابن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏خالد يعني الحذاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي تميمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي المليح ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏قال ‏
‏كنت ‏ ‏رديف ‏ ‏النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فعثرت دابة فقلت تعس الشيطان فقال ‏ ‏لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فعثرت ) ‏
‏: قال في الصراح عثرة شكو خيدن من باب نصر وفي المصباح عثر الرجل في ثوبه يعثر والدابة أيضا من باب قتل وفي لغة من باب ضرب عثارا بالكسر , ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم انتهى ‏
( فقلت تعس ) ‏
‏: أي هلك ومثل هذا الكلام يوهم أن للشيطان دخلا في مثل ذلك
‏( فقال لا تقل تعس الشيطان ) ‏
‏: في القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد الانحطاط , والفعل كمنع وسمع وإذا خاطبت قلت تعست كمنع , وإذا حكيت قلت تعس كسمع تعسه الله وأتعسه انتهى . ‏
‏وفي المصباح تعس تعسا من باب نفع أكب على وجهه , وفي الدعاء تعسا له وتعس وانتكس , فالتعس أن يخر لوجهه , والنكس أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشد من الأولى انتهى ‏
‏( تعاظم )
‏: أي صار عظيما وكبيرا ‏
‏( ويقول بقوتي ) ‏
‏: أي حدث ذلك الأمر بقوتي ‏
‏( تصاغر ) ‏
‏: أي صار صغيرا وحقيرا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا سمعت ‏ ‏وقال ‏ ‏موسى ‏ ‏إذا قال الرجل هلك الناس فهو ‏ ‏أهلكهم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏مالك ‏ ‏إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس ‏ ‏يعني في أمر دينهم فلا ‏ ‏أرى به بأسا وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي نهي عنه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا سمعت ) ‏
‏: أي الرجل يقول هلك الناس إلخ
‏( وقال موسى ) ‏
‏: أي ابن إسماعيل في روايته ‏
‏( هلك الناس )
‏: أي استوجبوا النار بسوء أعمالهم ‏
‏( فهو أهلكهم ) ‏
: بضم الكاف ويفتح ففي النهاية يروى بفتح الكاف وضمها فمن فتحها كانت فعلا ماضيا ومعناه أن الغالين الذين يؤيسون الناس من رحمة الله يقولون هلك الناس أي استوجبوا النار بسوء أعمالهم , فإذا قال الرجل ذلك فهو الذي أوجبه لهم لا الله تعالى يعني ولا عبرة بإيجابه لهم فإن فضل الله واسع ورحمته تعمهم ثم قال أو هو الذي لما قال لهم ذلك وآيسهم حملهم على ترك الطاعة والانهماك في المعاصي فهو الذي أوقعهم في الهلاك . وأما الضم فمعناه أنه إذا قال لهم ذلك فهو أهلكهم أي أكثرهم هلاكا وهو الرجل يولع بعيب الناس ويذهب بنفسه عجبا ويرى له فضلا عليهم انتهى ما في النهاية .
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم وليس فيه كلام الإمام مالك . وقال أبو إسحاق صاحب مسلم لا أدري أهلكهم بالنصب أو أهلكهم بالرفع .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في صلاة ‏ ‏العتمة ‏

أي في تسمية صلاة العشاء صلاة العتمة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي لبيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏ابن عمر ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا تغلبنكم ‏ ‏الأعراب ‏ ‏على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ولكنهم ‏ ‏يعتمون ‏ ‏بالإبل ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تغلبنكم الأعراب ) ‏
‏: قال الشيخ عز الدين : جرت العادة أن العظماء إذا سموا شيئا باسم فلا يليق العدول عنه إلى غيره لأن ذلك تنقيص لهم ورغبة عن صنيعهم وترجيح لغيره عليه وذلك لا يليق , والله سبحانه قد سماها في كتابه العشاء في قوله ومن بعد صلاة العشاء فيقبح بعد تسمية ذي الجلال والإكرام العدول عنه إلى غيره قاله السيوطي . ‏
‏وقال السندي : إن الأعراب يسمونها العتمة لأنهم يعتمون الإبل من أعتم إذا دخل في العتمة وهي الظلمة فلا تكثر استعمال ذلك الاسم لما فيه من غلبة الأعراب عليكم بل أكثروا استعمال اسم العشاء موافقة للقرآن . فالمراد النهي عن إكثار اسم العتمة لا عن استعماله وإلا فقد جاء في الأحاديث إطلاق هذا الاسم أيضا انتهى ‏
‏( ولكنهم يعتمون بالإبل ) ‏
‏: من أعتم إذا دخل في العتمة وهي الظلمة قال النووي : معناه أن الأعراب يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام وإنما اسمها في كتاب الله العشاء فينبغي لكم أن تسموها العشاء وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تسميتها بالعتمة والجواب إن استعمل لبيان الجواز والنهي عن العتمة للتنزيه انتهى ملخصا ومختصرا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

ذكر حديث " لا تغلبنكم " وذكر التأويلين اللذين ذكرهما المنذري , ثم زاد الشيخ ابن القيم رحمه الله : وسلكت طائفة مسلكا آخر , فقالت : النهي صريح , لا يمكن فيه رواية بالمعنى وأما حديث " لو يعلمون ما في الصبح والعتمة " فيجوز أن يكون تغييرا من الراوي عنها باسم العتمة , ولم يعلم بالنهي , فرواه بمعناه , وهذا الاحتمال لا يتطرق إلى حديث النهي . ‏
‏وقالت طائفة : النهي إنما هو من غلبة الأعراب على اسم العشاء بحيث يهجر بالكلية , كما دل عليه قوله " لا يغلبنكم " فأما إذا سميت بالعشاء تسمية غالبة على العتمة : لم يمتنع أن يسمى بالعتمة أحيانا , وهذا أظهر الأقوال . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسعر بن كدام ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن مرة ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن أبي الجعد ‏ ‏قال قال ‏ ‏رجل ‏ ‏قال ‏ ‏مسعر ‏ ‏أراه من ‏ ‏خزاعة ‏
‏ليتني صليت فاسترحت فكأنهم عابوا عليه ذلك فقال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول يا ‏ ‏بلال ‏ ‏أقم الصلاة أرحنا بها ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال مسعر أراه ) ‏
‏: بضم الهمزة أي أظن الرجل
‏( من خزاعة ) ‏
‏: بضم الخاء المعجمة وبالزاي قبيلة ‏
( فاسترحت ) ‏
‏: أي بالاشتغال بالصلاة لكونه مناجاة مع الرب تعالى أو بالفراغ لاشتغال الذمة بها قبل الفراغ عنها ‏
‏( يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها )
‏: قال في النهاية : أي نستريح بأدائها من شغل القلب بها , وقيل كان اشتغاله بالصلاة راحة له فإنه كان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعبا فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى , ولهذا قال " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وما أقرب الراحة من قرة العين , كذا في مرقاة الصعود . ‏
‏قلت : هذا الحديث وكذا حديث علي رضي الله عنه الذي بعده ليس فيهما دلالة ظاهرة على ترجمة الباب والله أعلم بمراد المؤلف . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏إسرائيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن المغيرة ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن أبي الجعد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن محمد ابن الحنفية ‏ ‏قال ‏
‏انطلقت أنا وأبي إلى ‏ ‏صهر لنا ‏ ‏من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح قال فأنكرنا ذلك عليه فقال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏قم يا ‏ ‏بلال ‏ ‏فأرحنا بالصلاة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عبد الله بن محمد بن الحنفية ) ‏
‏: هو عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو هاشم المدني والحنفية هي أم محمد ‏
( إلى صهر لنا ) ‏
‏: في القاموس : الصهر بالكسر القرابة وحرمة الختونة والختن وزوج بنت الرجل وزوج أخته ‏
‏( نعوده ) ‏
‏: من العيادة ‏
( بوضوء ) ‏
‏: بفتح الواو أي بماء الوضوء ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي علي بن أبي طالب . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏ما سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ينسب أحدا إلا إلى الدين ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسب أحدا إلا إلى الدين ) ‏
‏: قال في فتح الودود : كأن المراد أنه لا يعتبر بالنسبة إلى الأجداد ولا يهتم بها بل ينسب الناس إلى الدين وما يتعلق به من هجرة ونصرة انتهى .
‏قال المنذري : ويشبه أن يكون أبو داود رضي الله عنه أدخل هذا الحديث في الباب أنه صلى الله عليه وسلم لا ينسب أحدا إلا إلى الدين ليرشدهم بذلك إلى استعمال الألفاظ الواردة في الكتاب الكريم والسنة النبوية ويصرفهم عن عبارات الجاهلية كما فعل في العتمة , وهذا منقطع . ‏
‏زيد بن أسلم لم يسمع عائشة والله عز وجل أعلم انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما روي في الرخصة في ذلك ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن مرزوق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏كان فزع ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏فركب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فرسا ‏ ‏لأبي طلحة ‏ ‏فقال ‏ ‏ما رأينا شيئا ‏ ‏أو ما رأينا من فزع ‏ ‏وإن وجدناه لبحرا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كان فزع ) ‏
‏: بفتحتين أي خوف وصياح
‏( بالمدينة ) ‏
‏: بأن جيش الكفار وصلوا إلى قربها ‏
‏( وإن وجدناه ) ‏
‏: أي الفرس , وإن مخففة من مثقلة ‏
‏( لبحرا )
‏: أي وجدنا جريه كجري البحر . ‏
‏قال الخطابي : في هذا بيان إباحة التوسع في الكلام في تشبيه الشيء بالشيء الذي له تعلق ببعض معانيه وإن لم يستوف أوصافه كلها . وقال إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي : إنما شبه الفرس بالبحر لأنه عليه السلام أراد أن جريه كجري ماء البحر أو لأنه يسبح في جريه كالبحر إذا ماج فعلا بعض مائه فوق بعض انتهى كلامه . فكما جاز التوسع في الكلام في تشبيه الشيء بالشيء الذي له تعلق ببعض معانيه ولذا جاز تشبيه الفرس بالبحر , فهكذا جاز تشبيه صلاة العشاء بالعتمة لأن العتمة هي الظلمة وصلاة العشاء لا تصلى إلا في الظلمة .
‏قلت : ما في هذا الاستدلال من تكلف فظاهر والأوضح في الاستدلال ما أخرجه الشيخان من طريق مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه " ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في التشديد في الكذب ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن داود ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي وائل ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ‏ ‏ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ‏ ‏ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إياكم والكذب ) ‏
‏: بفتح فكسر أو بكسر فسكون والأول هو الأفصح أي احذروا الكذب ‏
‏( إلى الفجور ) ‏
‏: بضم الفاء أي الميل عن الصدق والحق والانبعاث في المعاصي ‏
‏( ويتحرى الكذب )
‏: أي يبالغ ويجتهد فيه ‏
‏( حتى يكتب عند الله كذابا ) ‏
: بصيغة المجهول أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به ‏
‏( وعليكم بالصدق )
‏: أي الزموا الصدق وهو الإخبار على وفق ما في الواقع ‏
‏( فإن الصدق يهدي إلى البر ) ‏
‏: قال النووي : معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم , والبر اسم جامع للخير كله ‏
‏( ليصدق )
‏: أي في قوله وفعله ‏
‏( حتى يكتب عند الله صديقا ) ‏
: بكسر الصاد وتشديد الدال أي مبالغا في الصدق . ففي القاموس : الصديق من يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق قاله القاري . ‏
‏قال الخطابي : هذا تأويل قوله سبحانه { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد بن مسرهد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏بهز بن حكيم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ويل ) ‏
‏: أي هلاك عظيم أو واد عميق في جهنم
‏( فيكذب ) ‏
‏: أي في تحديثه وإخباره ‏
‏( ليضحك )
‏: بفتح الياء والحاء ‏
‏( به ) ‏
‏: أي بسبب تحديثه أو الكذب ‏
‏( القوم ) ‏
‏: بالرفع على أنه فاعل ويجوز بضم الياء وكسر الحاء ونصب القوم على أنه مفعول ‏
‏( ويل له ويل له ) ‏
‏: التكرير للتأكيد . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن صحيح . هذا آخر كلامه . وجد بهز بن حكيم هو معاوية بن حيدة القشيري له صحبة وقد تقدم الاختلاف في بهز بن حكيم وأن من الأئمة من وثقه ومنهم من قال لا يحتج به .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏أن ‏ ‏رجلا ‏ ‏من موالي ‏ ‏عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏عبد الله بن عامر ‏ ‏أنه قال ‏
‏دعتني أمي يوما ورسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطيك فقال لها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وما أردت أن ‏ ‏تعطيه قالت أعطيه تمرا فقال لها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( دعتني ) ‏
‏: أي طلبتني وأنا صغير ‏
( ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ) ‏
‏: الجملة حالية ‏
‏( فقالت ها ) ‏
‏: للتنبيه أو اسم فعل بمعنى خذ ‏
‏( تعال ) ‏
‏: بفتح اللام بلا ألف تأكيد ‏
‏( أعطيك ) ‏
‏: مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أنا ‏
‏( وما أردت ) ‏
‏: أي أي شيء نويت ‏
‏( أن تعطيه )
‏: بسكون التحتية لأن الصيغة للمخاطبة وعلامة نصبها حذف النون ‏
( أما ) ‏
‏: بالتخفيف للتنبيه ‏
‏( كتبت ) ‏
‏: بصيغة المجهول
‏( عليك كذبة ) ‏
‏: بفتح الكاف وسكون الذال أي مرة من الكذب أو بكسر الكاف وسكون الذال أي نوع من الكذب . ‏
‏وفي الحديث أن ما يتفوه به الناس للأطفال عند البكاء مثلا بكلمات هزلا أو كذبا بإعطاء شيء أو بتخويف من شيء حرام داخل في الكذب , كذا في اللمعات . ‏
‏قال المنذري : مولى عبد الله مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن الحسين ‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي بن حفص ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏خبيب بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏حفص بن عاصم ‏ ‏قال ‏ ‏ابن حسين ‏ ‏في حديثه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ولم يذكر ‏ ‏حفص ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ولم يسنده إلا هذا الشيخ ‏ ‏يعني ‏ ‏علي بن حفص المدائني ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كفى بالمرء ) ‏
‏: مفعول كفى والباء زائدة
‏( إثما ) ‏
‏: تمييز ‏
‏( أن يحدث إلخ ) ‏
‏: فاعل كفى . قال النووي : فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن , والكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط فيه التعمد انتهى ‏
‏( لم يذكر حفص ) ‏
‏: يعني ابن عمر ‏
‏( أبا هريرة )
‏: فروايته مرسلة , وأما محمد بن الحسين فذكر في روايته أبا هريرة فروايته مرفوعة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم في المقدمة مسندا ومرسلا وعن بعض رواة مسلم كلاهما مسند , وقال الدارقطني : والصواب مرسل انتهى . ‏
‏وقال النووي : قال الدارقطني الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ وابن مهدي وغندر . ‏
‏قلت : وقد رواه أبو داود في سننه أيضا مرسلا ومتصلا فرواه مرسلا عن حفص بن عمر عن شعبة ورواه متصلا من رواية علي بن حفص , وإذا ثبت أنه روي متصلا ومرسلا فالعمل على أنه متصل , هذا هو الصحيح الذي قاله جماعة من أهل الحديث والفقه والأصول , ولا يضر كون الأكثرين رووه مرسلا فإن الوصل زيادة من ثقة وهي مقبولة انتهى كلام النووي .

 

 

 

باب ‏ ‏في حسن الظن ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏نصر بن علي ‏ ‏عن ‏ ‏مهنا أبي شبل ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ولم أفهمه منه جيدا ‏ ‏عن ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن واسع ‏ ‏عن ‏ ‏شتير ‏ ‏قال ‏ ‏نصر ‏ ‏ابن نهار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏قال ‏ ‏نصر ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏حسن الظن من حسن العبادة ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏مهنا ‏ ‏ثقة ‏ ‏بصري ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن مهنأ ) ‏
‏: أي ابن عبد الحميد ‏
( أبي شبل ) ‏
‏: بكسر المعجمة وسكون الموحدة كنية مهنأ ‏
‏( قال أبو داود ولم أفهمه ) ‏
‏: أي الحديث ‏
‏( منه ) ‏
‏: أي من نصر بن علي ‏
‏( جيدا ) ‏
‏: أي سماعا جيدا ‏
‏( عن شتير ) ‏
: بالتصغير ‏
‏( قال نصر ) ‏
‏: أي ابن علي في روايته شتير بن نهار أي نسبه إلى أبيه ‏
‏( حسن الظن ) ‏
‏: أي بالمسلمين وبالله تعالى
‏( من حسن العبادة ) ‏
‏: أي من جملة حسن العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى . ‏
‏وفائدة هذا الحديث الإعلام بأن حسن الظن عبادة من العبادات الحسنة كما أن سوء الظن معصية من معاصي الله تعالى كما قال تعالى { إن بعض الظن إثم } أي وبعضه حسن من العبادة كذا في السراج المنير ‏
‏( قال أبو داود مهنأ ثقة بصري ) ‏
‏: هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ . وقال الحافظ في التهذيب وثقه أبو داود وغيره , وقال أبو حاتم مجهول انتهى . ‏
‏قال المنذري : في إسناده مهنأ بن عبد الحميد أبو شبل البصري سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال هو مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد المروزي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن حسين ‏ ‏عن ‏ ‏صفية ‏ ‏قالت ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏معتكفا ‏ ‏فأتيته أزوره ليلا فحدثته وقمت ‏ ‏فانقلبت ‏ ‏فقام معي ‏ ‏ليقلبني ‏ ‏وكان مسكنها في دار ‏ ‏أسامة بن زيد ‏ ‏فمر رجلان من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏فلما رأيا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أسرعا فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على رسلكما ‏ ‏إنها ‏ ‏صفية بنت حيي ‏ ‏قالا سبحان الله يا رسول الله قال ‏ ‏إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ‏ ‏أو قال شرا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن صفية ) ‏
‏: أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فأتيته ) ‏
‏: أي في المسجد ‏
‏( فانقلبت )
‏: أي رجعت ‏
‏( ليقلبني ) ‏
‏: بضم الياء وفتح القاف وتشديد اللام أو بفتح الياء وسكون القاف أي ليردني إلى منزلي ‏
‏( وكان مسكنها )
‏: أي مسكن صفية ‏
‏( أسرعا ) ‏
‏: أي في المشي ‏
( على رسلكما ) ‏
‏: بكسر الراء ويجوز فتحها أي على هيئتكما في المشي فليس هنا شيء تكرهانه , وفيه شيء محذوف تقديره امشيا على هيئتكما ‏
‏( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) ‏
‏: قيل هو على ظاهره وإن الله تعالى أقدره على ذلك , وقيل هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغوائه وكأنه لا يفارق كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة ‏
‏( أن يقذف ) ‏
‏: أي يلقي الشيطان
‏( شيئا ) ‏
‏أي من السوء ‏
‏( أو قال شرا ) ‏
‏: شك من الراوي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وقد تقدم في كتاب الصيام .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في العدة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن طهمان ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن عبد الأعلى ‏ ‏عن ‏ ‏أبي النعمان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي وقاص ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أرقم ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا وعد الرجل أخاه ) ‏
‏: أي المسلم
‏( ومن نيته أن يفي ) ‏
‏: أصله يوفي من وفى يفي وفاء ‏
( فلم يف ولم يجئ للميعاد ) ‏
‏: أي لعذر منعه ‏
‏( فلا إثم عليه )
‏: قال القاري ومفهومه أن من وعد وليس من نيته أن يفي فعليه الإثم سواء وفى به أو لم يف فإنه من أخلاق المنافقين , ولا تعرض فيه لمن وعد ونيته أن يفي ولم يف بغير عذر فلا دليل لما قيل من أنه دل على أن الوفاء بالوعد ليس بواجب إذ هو أمر مسكوت عنه انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال غريب وليس إسناده بالقوي . علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو النعمان مجهول , وأبو وقاص مجهول هذا آخر كلامه . وقد سئل أبو حاتم الرازي عن أبي النعمان فقال مجهول . وسئل عن أبي وقاص فقال مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى بن فارس النيسابوري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد ابن سنان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن طهمان ‏ ‏عن ‏ ‏بديل ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الكريم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن شقيق ‏ ‏عن أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن أبي الحمساء ‏ ‏قال ‏
‏بايعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه فقال يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏محمد بن يحيى ‏ ‏هذا عندنا ‏ ‏عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏هكذا ‏ ‏بلغني عن ‏ ‏على بن عبد الله ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏بلغني أن ‏ ‏بشر بن السري ‏ ‏رواه عن ‏ ‏عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا محمد بن سنان ) ‏
‏: بكسر مهملة وخفة نون ‏
‏( عن بديل ) ‏
‏: بالتصغير هو ابن ميسرة ‏
‏( عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق ) ‏
‏: ووقع في نسخة عن عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق والظاهر من كلام أبي داود الآتي وكلام المنذري أن الصحيح عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق ‏
‏( عن عبد الله بن أبي الحمساء ) ‏
‏: بفتح مهملة وسكون ميم وبسين مهملة ‏
‏( بايعت ) ‏
‏: أي بعت منه بمعنى اشتريت
‏( قبل أن يبعث ) ‏
‏: أي للرسالة ‏
‏( وبقيت له )
‏: أي للنبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( بقية ) ‏
‏: أي شيء من ثمن ذلك المبيع ‏
‏( بها ) ‏
‏: أي بتلك البقية ‏
‏( فنسيت )
‏: أي ذلك الوعد ‏
‏( بعد ثلاث ) ‏
‏: أي ثلاث ليال
‏( فإذا هو ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرني ‏
( في مكانه ) ‏
‏: أي في ذلك المكان أو في مكانه الموعود ‏
‏( لقد شققت علي ) ‏
‏: أي أوقعتها علي ‏
‏( أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك )
‏كان انتظاره صلى الله عليه وسلم لصدق وعده لا لقبض ثمنه . قال النووي : أجمعوا على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده , وهل ذلك واجب أو مستحب , فيه خلاف , ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولا يأثم يعني من حيث هو خلف وإن كان يأثم إن قصد به الأذى . قال وذهب جماعة إلى أنه واجب منهم عمر بن عبد العزيز وبعضهم إلى التفصيل ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الإحياء حيث قال وكان صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعدا قال عسى . وقال ابن مسعود لا يعد وعدا إلا يقول إن شاء الله تعالى وهو الأولى . ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر فإن كان عند الوعد عازما على أن لا يفي به فهذا هو النفاق كذا في المرقاة . قال المنذري : أخرجه من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء . وقال قال محمد بن يحيى هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق . وقال أبو علي سعيد بن السكن في كتاب الصحابة له روى حديثه إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبيه , ويقال عن بديل عن عبد الكريم المعلم , ويشبه أن يكون قول ابن السكن الصواب . ‏
‏وعبد الكريم المعلم هو ابن أبي الخارق لا يحتج بحديثه انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏المتشبع ‏ ‏بما لم يعط ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏فاطمة بنت المنذر ‏ ‏عن ‏ ‏أسماء بنت أبي بكر ‏
‏أن امرأة قالت يا رسول الله إن لي جارة تعني ضرة هل علي ‏ ‏جناح ‏ ‏إن ‏ ‏تشبعت ‏ ‏لها بما لم يعط زوجي قال ‏ ‏المتشبع ‏ ‏بما لم يعط كلابس ثوبي ‏ ‏زور ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن لي جارة ) ‏
‏: قال الخطابي : إن العرب تسمي امرأة الرجل جارة وتدعو الزوجين والضرتين جارتين وذلك لقرب محل أشخاصهما كالجارين المتضايقين في الدارين يسكنانهما كقول امرئ القيس أجارتنا إنا غريبان ها هنا وكل غريب للغريب أنيس ‏
‏( تعني ضرة ) ‏
‏: في القاموس الضرتان زوجتاك وكل ضرة للأخرى وهن ضرائر ‏
‏( هل علي جناح ) ‏
‏: أي إثم وبأس ‏
( إن تشبعت لها بما لم يعط زوجي ) ‏
‏: أي تكثرت بأكثر مما عندي وأظهرت لضرتي أنه يعطيني أكثر مما يعطيها إدخالا للغيظ عليها ‏
‏( قال المتشبع إلخ )
‏: قال النووي : معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده ويتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور . قال أبو عبيد وآخرون : هو الذي يلبس أهل الزهد والعبادة والورع ومقصوده أن يظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة ويظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه , فهذه ثياب زور ورياء , وقيل هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في المزاح ‏

قال في الصراح مزح لاغ كردن من باب فتح والاسم المزاح بالضم وبالكسر المصدر .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏حميد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏أن رجلا أتى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله احملني قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنا حاملوك على ولد ناقة قال وما أصنع بولد الناقة فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهل تلد الإبل إلا النوق ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( احملني ) ‏
‏: أي على دابة والمعنى اعطني حمولة أركبها ‏
‏( قال وما أصنع بولد الناقة ) ‏
‏: لما كان المتعارف عند العامة في بادي الرأي استعمال ولد الناقة فيما كان صغيرا لا يصلح للركوب وإنما يقال للصالح الإبل توحش الرجل على فهم المعنى ‏
‏( وهل تلد الإبل ) ‏
: بالنصب مفعول مقدم , والإبل اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو بكسرتين ولم يجيء من الأسماء على فعل بكسرتين إلا الإبل والحبر ‏
‏( إلا النوق ) ‏
‏: بضم النون جمع ناقة وهي أنثى الإبل . وقال أبو عبيدة لا تسمى ناقة حتى تجذع وقوله إلا النوق بالرفع فاعل مؤخر فالإبل ولو كبارا أولاد الناقة فيصدق ولد الناقة بالكبير والصغير قاله البيجوري في شرح الشمائل . ‏
‏والمعنى إنك لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه الإشارة إلى أنه ينبغي لمن سمع قولا أن يتأمله ولا يبادر إلى رده . وفي هذا الحديث والأحاديث الآتية في الباب إباحة المزاح والدعابة . وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الصحابة ولا يقول إلا حقا . وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس رفعه " لا تمار أخاك ولا تمازحه " الحديث والجمع بينهما أن المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر في مهمات الدين ويؤدي إلى قسوة القلب والإيذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار , والذي يسلم من ذلك هو المباح , فإن صادف مصلحة مثل تطيب نفس المخاطب ومؤانسته فهو مستحب . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال صحيح غريب . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وفي الصحيحين عن أنس " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : يا أبا عمير ما فعل النغير " . ‏
‏وقد أخرج الترمذي من حديث أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قالوا " يا رسول الله , إنك تداعبنا , قال : إني لا أقول إلا حقا " قال الترمذي حديث حسن . ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن معين ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حجاج بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يونس بن أبي إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏العيزار بن حريث ‏ ‏عن ‏ ‏النعمان بن بشير ‏ ‏قال ‏
‏استأذن ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏رحمة الله عليه على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسمع صوت ‏ ‏عائشة ‏ ‏عاليا فلما دخل تناولها ليلطمها وقال ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فجعل النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يحجزه وخرج ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏مغضبا فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حين خرج ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏كيف رأيتني أنقذتك من الرجل قال فمكث ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏أياما ثم استأذن على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فوجدهما قد اصطلحا فقال لهما أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قد فعلنا قد فعلنا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن العيزار ) ‏
‏: بفتح العين المهملة وسكون التحتانية بعدها زاي وآخره راء ‏
‏( تناولها ) ‏
‏: أي أخذ أبو بكر عائشة : ‏
‏( ليلطمها ) ‏
‏: بكسر الطاء ويجوز ضمها من اللطم وهو ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة على ما في القاموس . وفي المصباح : لطمت المرأة وجهها لطما من باب ضرب انتهى . ‏
‏قال عبد الحق الدهلوي : اللطم ضرب الخد بالكف وهو منهي عنه , ولعل هذا كان قبل النهي أو وقع ذلك منه لغلبة الغضب أو أراد ولم يلطم انتهى ‏
‏( يحجزه ) ‏
‏: بضم الجيم والزاي أي يمنع أبا بكر من ضربها ولطمها ‏
‏( مغضبا ) ‏
‏بفتح الضاد أي غضبان على عائشة
‏( أنقذتك ) ‏
‏: أي خلصتك ‏
‏( من الرجل ) ‏
‏: أي من ضربه ولطمه . والظاهر أن يقال من أبيك فعدل إلى الرجل أي من الرجل الكامل في الرجولية حين غضب لله ولرسوله قاله الطيبي ‏
‏قلت : قوله أنقذتك من الرجل ولم يقل عن أبيك وإبعاده صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن عائشة تطييبا وممازحة كل ذلك داخل في المزاح , ولذا أورده المؤلف في باب المزاح ‏
‏( فمكث ) ‏
: أي لبث ‏
‏( قد اصطلحا ) ‏
‏: من الصلح ‏
‏( في سلمكما )
‏: بكسر السين ويفتح أي في صلحكما ‏
‏( أدخلتماني في حربكما )
‏: أي في شقاقكما . وإسناد الإدخال إليهما في الثاني من المجاز السببي أو من قبيل المشاكلة وإلا فالمعنى كما دخلت في حربكما قاله القاري ‏
‏( قد فعلنا )
‏: مفعوله محذوف أي فعلنا إدخالك في السلم والتكرار للتأكيد . قال المنذري : وأخرجه النسائي وليس في حديثه ذكر أبي إسحاق السبيعي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مؤمل بن الفضل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن مسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن العلاء ‏ ‏عن ‏ ‏بسر بن عبيد الله ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إدريس الخولاني ‏ ‏عن ‏ ‏عوف بن مالك الأشجعي ‏ ‏قال ‏
‏أتيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في ‏ ‏غزوة ‏ ‏تبوك ‏ ‏وهو في ‏ ‏قبة ‏ ‏من ‏ ‏أدم ‏ ‏فسلمت فرد وقال ادخل فقلت أكلي يا رسول الله قال كلك فدخلت ‏
‏حدثنا ‏ ‏صفوان بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي العاتكة ‏ ‏قال ‏ ‏إنما قال أدخل كلي من صغر ‏ ‏القبة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهو في قبة ) ‏
‏: أي خيمة صغيرة ‏
‏( من أدم ) ‏
‏: بفتحتين أي من جلد ‏
‏( فرد ) ‏
‏: أي السلام
‏( وقال ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( ادخل )
‏: في القبة ‏
‏( فقلت أكلي يا رسول الله قال كلك ) ‏
‏: قال الطيبي : يجوز فيه الرفع والنصب , والتقدير أيدخل كلي فقال كلك يدخل أو أدخل كلي فقال أدخل كلك انتهى . وإنما قال هذا لأجل صغر القبة كما في الرواية الآتية وفيه أنه كما كان يمازح الصحابة كذلك كانوا يمازحونه . قال المنذري : وأخرجه البخاري وابن ماجه مطولا وليس في حديث البخاري قصة الدخول . ‏
‏( إنما قال أدخل كلي )
‏: قال القاري : بمتكلم ثلاثي وفي نسخة يعني من المشكاة من المزيد
‏( من صغر القبة ) ‏
‏: أي من أجل صغرها . قال المنذري : وعثمان هذا فيه مقال . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن مهدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شريك ‏ ‏عن ‏ ‏عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏قال لي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا ذا الأذنين ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( يا ذا الأذنين ) ‏
‏: معناه الحض والتنبيه على حسن الاستماع لما يقال له لأن السمع بحاسة الأذن , ومن خلق الله له الأذنين وغفل ولم يحسن الوعي لم يعذر . وقيل إن هذا القول من جملة مداعباته صلى الله عليه وسلم ولطيف أخلاقه . قال المنذري : وأخرجه الترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏من يأخذ الشيء على المزاح ‏

وفي بعض النسخ باب الرجل يروع الرجل ومن أخذ الشيء على المزاح وهو الأولى لأن المؤلف أورد حديث الترويع أيضا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعيب بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن السائب بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏
‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا ‏ ‏وقال ‏ ‏سليمان ‏ ‏لعبا ولا جدا ‏ ‏ومن أخذ عصا أخيه فليردها ‏ ‏لم يقل ‏ ‏ابن بشار ‏ ‏ابن يزيد ‏ ‏وقال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لاعبا ولا جادا ) ‏
‏: قال الخطابي : معناه أن يأخذه على وجه الهزل وسبيل المزاح ثم يحبسه عنه ولا يرده فيصير ذلك جدا ‏
( قال سليمان ) ‏
‏: هو ابن عبد الرحمن ‏
‏( لعبا ولا جدا ) ‏
: وجه النهي عن الأخذ جدا ظاهر لأنه سرقة وأما النهي عن الأخذ لعبا فلأنه لا فائدة فيه بل قد يكون سببا لإدخال الغيظ والأذى على صاحب المتاع ‏
‏( ومن أخذ عصا أخيه ) ‏
‏: أي مثلا ‏
‏( لم يقل ابن بشار ) ‏
‏: هو محمد
‏( ابن يزيد ) ‏
‏: مفعول أي لم يذكر لفظ ابن يزيد بل اقتصر على قوله عن عبد الله بن السائب . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ذئب .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سليمان الأنباري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن نمير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أصحاب محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏أنهم كانوا يسيرون مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يحل لمسلم أن ‏ ‏يروع ‏ ‏مسلما ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ففزع ) ‏
‏: في القاموس : الفزع الذعر والفرق جمعه أفزاع مع كونه مصدرا والفعل كفرح ومنع ‏
‏( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما )
‏: أي يخوفه . ‏
‏قال المناوي : ولو هازلا لما فيه من الإيذاء . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في ‏ ‏المتشدق ‏ ‏في الكلام ‏

أي التوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز . وقيل المتشدق المتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه , والشدق جانب الفم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سنان الباهلي ‏ ‏وكان ينزل ‏ ‏العوقة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏نافع بن عمر ‏ ‏عن ‏ ‏بشر بن عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏هو ‏ ‏ابن عمرو ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله عز وجل يبغض ‏ ‏البليغ ‏ ‏من الرجال الذي ‏ ‏يتخلل ‏ ‏بلسانه ‏ ‏تخلل ‏ ‏الباقرة ‏ ‏بلسانها ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كان ينزل العوقة ) ‏
‏: قال في المراصد عوقة بفتح أوله وثانيه محلة من محال البصرة وعوقة بفتح أوله وسكون ثانيه قرية باليمامة انتهى وفي الخلاصة محمد بن سنان الباهلي العوقي بفتح الواو نزل فيهم أبو بكر البصري . وفي التهذيب عوقي نسبة إلى العوقة بطن من الأزد انتهى ‏
‏( البليغ )
‏: أي المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته ‏
‏( الذي يتخلل بلسانه )
‏: أي يأكل بلسانه أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته
‏( تخلل الباقرة بلسانها ) ‏
‏: أي البقرة كأنه أدخل التاء فيها على أنه واحد من الجنس كالبقرة من البقر واستعمالها مع التاء قليل , قال القاري .
‏وفي القاموس : باقر وبقير وبيقور وباقور وباقورة أسماء للجمع . قال في النهاية : أي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفا انتهى . وخص البقرة لأن جميع البهائم تأخذ النبات بأسنانها وهي تجمع بلسانها . وأما من بلاغته خلقية فغير مبغوض , كذا في السراج المنير . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏الضحاك بن شرحبيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من تعلم ‏ ‏صرف الكلام ‏ ‏ليسبي ‏ ‏به قلوب الرجال ‏ ‏أو الناس ‏ ‏لم يقبل الله منه يوم القيامة ‏ ‏صرفا ‏ ‏ولا ‏ ‏عدلا ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من تعلم صرف الكلام ) ‏
‏: قال الخطابي : صرف الكلام فضله وما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه وراء الحاجة ومن هذا سمي الفضل من النقدين صرفا وإنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما يدخله من الرياء والتصنع ولما يخالطه من الكذب والتزيد وأمر أن يكون الكلام قصدا ببلوغ الحاجة غير زائد عليها يوافق ظاهره باطنه وسره علانيته انتهى ‏
‏( ليسبي ) ‏
: بكسر الموحدة أي ليسلب ويستميل ‏
‏( به ) ‏
‏: أي بصرف الكلام
‏( قلوب الرجال أو الناس ) ‏
‏: شك من الراوي ‏
‏( صرفا ولا عدلا ) ‏
‏: في النهاية : الصرف التوبة أو المنافلة , والعدل الفدية أو الفريضة . ‏
‏قال المنذري : الضحاك بن شرحبيل هذا مصري ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين , وذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكر له رواية عن أحد من الصحابة وإنما روايته عن التابعين ويشبه أن يكون الحديث منقطعا والله عز وجل أعلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏أنه قال ‏
‏قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس ‏ ‏يعني لبيانهما فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن من ‏ ‏البيان ‏ ‏لسحرا ‏ ‏أو إن بعض ‏ ‏البيان ‏ ‏لسحر ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من المشرق ) ‏
‏: أي من جانب الشرق ‏
( إن من البيان لسحرا ) ‏
‏: يعني أن بعض البيان كالسحر في استمالة القلوب أو في العجز عن الإتيان بمثله , وهذا النوع ممدوح إذا صرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطل . ‏
‏وقد أطال الكلام في معنى هذا الحديث الشيخ الإمام أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال , والإمام أبو الفضل الميداني في كتابه مجمع الأمثال .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي : والرجلان الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ولهما صحبة , والأهتم بفتح ثالث الحروف , وكان قدومهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة انتهى . ‏
‏قلت : وكذا قدوم وائل بن حجر وإسلامه كان في سنة تسع . قال الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة : وائل بن حجر ومعاوية بن الحكم السلمي وخلق كثير ممن أسلم سنة تسع وبعدها وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عنده أياما ثم رجع إلى قومه وروى عنه أحاديث انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن عبد الحميد البهراني ‏ ‏أنه قرأ ‏ ‏في أصل ‏ ‏إسمعيل بن عياش ‏ ‏وحدثه ‏ ‏محمد بن إسمعيل ‏ ‏ابنه ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏ضمضم ‏ ‏عن ‏ ‏شريح بن عبيد ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو ظبية ‏
‏أن ‏ ‏عمرو ابن العاص ‏ ‏قال يوما وقام رجل فأكثر القول فقال ‏ ‏عمرو ‏ ‏لو ‏ ‏قصد ‏ ‏في قوله لكان خيرا له سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏لقد رأيت أو أمرت أن ‏ ‏أتجوز ‏ ‏في القول فإن ‏ ‏الجواز ‏ ‏هو خير ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( البهراني ) ‏
‏: بفتح الباء وسكون الهاء نسبة إلى بهر وزيدت النون ‏
‏( وحدثه ) ‏
‏: أي سليمان ‏
‏( محمد بن إسماعيل ) ‏
‏: بن عياش ‏
‏( ابنه ) ‏
‏: أي ابن إسماعيل هو بدل من محمد بن إسماعيل . والمعنى أن سليمان قرأ هذا الحديث في كتاب إسماعيل بن عياش , وروى أيضا عن محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه إسماعيل بن عياش ‏
( وقام رجل فأكثر القول ) ‏
‏: أي أطال الكلام , والجملة حالية ‏
( فقال عمرو ) ‏
‏: هو تكرار لطول الكلام لوقع الجملة الحالية بين قوله قال عمرو وبين مقوله وهو قوله ‏
‏( لو قصد في قوله لكان خيرا له ) ‏
‏: أي لو أخذ في كلامه الطريق المستقيم والقصد ما بين الإفراط والتفريط ‏
‏( لقد رأيت ) ‏
‏: أي علمت ‏
‏( أو أمرت ) ‏
‏: شك من الراوي
‏( أن أتجوز في القول ) ‏
‏: قال القاري أي أسرع فيه وأخفف المؤنة عن السامع من قولهم تجوز في صلاته أي خفف ‏
‏( فإن الجواز هو خير )
‏: بفتح الجيم وهو الاقتصار على قدر الكفاية . ‏
‏قال المنذري : أبو ظبية بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث كلاعي حمصي ثقة . وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه وفيهما مقال .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في الشعر ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الوليد الطيالسي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا ‏
‏قال ‏ ‏أبو علي ‏ ‏بلغني عن ‏ ‏أبي عبيد ‏ ‏أنه قال وجهه أن يمتلئ قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله فإذا كان القرآن والعلم الغالب فليس جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر وإن من ‏ ‏البيان ‏ ‏لسحرا قال كأن المعنى أن يبلغ من ‏ ‏بيانه ‏ ‏أن يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر فكأنه سحر السامعين بذلك ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ) ‏
‏: نصبه على التمييز أي صديدا ودما وما يسمى نجاسة ‏
‏( خير له من أن يمتلئ شعرا )
‏: قال الحافظ : ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لا يكون مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه انتهى .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ‏
‏( قال أبو علي ) ‏
‏: هو اللؤلئي صاحب أبي داود ‏
‏( وجهه ) ‏
‏: أي وجه الحديث ومعناه ‏
‏( فإذا كان القرآن والعلم ) ‏
‏: بالرفع اسم كان
‏( الغالب ) ‏
‏: بالنصب خبر كان ‏
‏( وإن من البيان لسحرا قال كأن المعنى إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : وقد اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا فقيل أورده مورد الذم لتشبيهه بعمل السحر لغلبة القلوب وتزيينه القبيح وتقبيحه الحسن وإليه أشار الإمام مالك رضي الله عنه فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام قيل إن معناه أن صاحبه يكسب به من الإثم ما يكسبه الساحر بعلمه . وقيل أورده مورد المدح أي أنه تمال به القلوب ويرضى به الساخط ويذل به الصعب , ويشهد له أن من الشعر لحكمة , وهذا لا ريب فيه أنه مدح , وكذلك مصراعه الذي بإزائه , وقال بعضهم في الامتلاء من الشعر أي الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا القول غير مرضي , فإن شطر البيت من ذلك يكون كفرا فإذا حمل على الامتلاء منه فقد رخص في القليل منه , وهذا ليس بشيء والمختار ما تقدم انتهى كلام المنذري . ‏
‏قال الميداني : إن من البيان لسحرا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال " عمرو مطاع في أذنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره " , فقال الزبرقان يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني , فقال " عمرو أما والله إنه لزمر المروة ضيق العطن أحمق الوالد لئيم الخال " , والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت , وسخطت فقلت أقبح ما وجدت , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من البيان لسحرا " , يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر . ومعنى السحر إظهار الباطل في صورة الحق . ‏
‏والبيان اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسن وإنما شبه بالسحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة انتهى كلامه . ‏
‏وقال الإمام أبو هلال العسكري : أما النبي صلى الله عليه وسلم فذم البيان أم مدحه , فقال بعض ذمه لأن السحر تمويه فقال إن من البيان ما يموه الباطل حتى يتشبه بالحق , وقال بعض بل مدحه لأن البيان من الفهم والذكاء . قال أبو هلال : الصحيح أنه مدحه , وتسميته إياه سحرا إنما هو على جهة التعجب منه لما ذم عمرو الزبرقان ومدحه في حالة واحدة وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر عجب النبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السحر , فسماه سحرا من هذا الوجه انتهى مختصرا. ‏
‏قال النووي : أن يكون الشعر غالبا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية فهو مذموم , فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية وهو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا انتهى ملخصا . وقال أبو عبيد البكري الأندلسي في شرح كتاب الأمثال للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام : الناس يتلقون هذا الحديث على أنه في مدح البيان وأدرجوا في كتبهم هذا التأويل , وتلقاه العلماء على غير ذلك , بوب مالك في الموطأ عليه باب ما يكره من الكلام فحمله على الذم , وهذا هو الصحيح في تأويله , لأن الله تعالى قد سمى السحر فسادا في قوله تعالى { ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين } انتهى . قال السيوطي : وهو ظاهر صنيع أبي داود . قلت : فإن كان البيان في أمر باطل فهو كذلك وإلا فمدح لا محالة والله أعلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المبارك ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ‏ ‏عن ‏ ‏مروان بن الحكم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بن كعب ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن من الشعر حكمة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن من الشعر حكمة ) ‏
‏: أي ما فيه حق وحكمة أو قولا صادقا مطابقا للحق وقيل أصل الحكمة المنع , فالمعنى إن من الشعر كلاما نافعا يمنع عن السفه والجهل وهو ما نظمه الشعراء من المواعظ والأمثال التي ينتفع به الناس .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏سماك ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏جاء أعرابي إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فجعل يتكلم بكلام فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن من ‏ ‏البيان ‏ ‏سحرا وإن من الشعر حكما ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن من الشعر حكما ) ‏
‏: بضم فسكون أي حكمة كما في قوله تعالى { وآتيناه الحكم صبيا } أي الحكمة , كذا قال القاري . وقال العزيزي في السراج المنير في شرح هذا الحديث بكسر ففتح جمع حكمة أي حكمة وكلاما نافعا في المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك انتهى . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى بن فارس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو تميلة ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏صخر بن عبد الله بن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إن من ‏ ‏البيان ‏ ‏سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيالا ‏
‏فقال ‏ ‏صعصعة بن صوحان ‏ ‏صدق نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أما قوله إن من البيان سحرا فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله إن من العلم جهلا فيتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيالا فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه ولا يريده ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وإن من العلم جهلا ) ‏
‏: أي لكونه علما مذموما والجهل به خير منه أو لكونه علما مما لا يعنيه فيصير جهلا بما يعنيه . وقيل هو أن لا يعمل بعلمه فيكون ترك العمل بالعلم جهلا قال في النهاية : قيل هو يتعلم ما لا حاجة إليه كالنجوم وعلوم الأوائل ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسنة . وقيل هو أن يتكلف العالم القول فيما لا يعلمه فيجهله ذلك انتهى ‏
‏( وإن من القول عيالا ) ‏
‏: بكسر أوله . قال الخطابي : هكذا رواه أبو داود عيالا , ورواه غيره إن من القول عيلا . قال الأزهري قوله عليه السلام عيلا من قولك علت الضالة أعيل عيلا إذا لم تدر أية جهة تبغيها . قال أبو زيد كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده انتهى . وفي النهاية : إن من القول عيلا هو عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده وليس من شأنه . يقال علت الضالة أعيل عيلا إذا لم تدر أي جهة تبغيها كأنه لم يهتد لمن يطلب كلامه فعرضه على من لا يريده انتهى ‏
( فقال صعصعة بن صوحان ) ‏
‏: بضم المهملة وبالحاء المهملة تابعي كبير مخضرم فصيح ثقة مات في خلافة معاوية قاله الحافظ ‏
‏( وهو ألحن ) ‏
‏: أي أقدر على بيان مقصوده من لحن بالكسر إذا نطق بحجته ‏
‏( بالحجج ) ‏
: جمع حجة ‏
‏( ولا يريده ) ‏
‏: أي لا يريد المعروض عليه كلامك وحديثك فيصير كلامك ثقيلا عليه كالعيال قاله السندي . ‏
‏قال المنذري : في إسناده أبو تميلة يحيى بن واضح الأنصاري المروزي وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي , وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء , فقال أبو حاتم الرازي يحول من هناك .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي خلف ‏ ‏وأحمد بن عبدة ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد ‏ ‏قال ‏
‏مر ‏ ‏عمر ‏ ‏بحسان ‏ ‏وهو ينشد في المسجد ‏ ‏فلحظ ‏ ‏إليه فقال ‏ ‏قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك ‏
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏بمعناه زاد فخشي أن ‏ ‏يرميه ‏ ‏برسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأجازه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( بحسان ) ‏
‏: أي ابن ثابت الشاعر غير منصرف على الأصح قاله القاري ‏
‏( وهو ينشد ) ‏
‏: أي يقرأ الشعر . في القاموس : أنشد الشعر قرأه ‏
‏( فلحظ إليه ) ‏
‏: في القاموس : لحظه كمنعه وإليه نظر بمؤخر عينيه وهو أشد التفاتا من الشزر , والضمير المرفوع يرجع إلى عمر والمجرور إلى حسان ‏
‏( وفيه ) ‏
‏: أي في المسجد والواو للحال ‏
‏( من هو خير منك ) ‏
‏: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر , فإن كان سمع ذلك من حسان بن ثابت فيتصل . ‏
‏( بمعناه ) ‏
‏: أي بمعنى الحديث السابق ‏
( زاد ) ‏
‏: أي معمر ‏
‏( فخشي ) ‏
‏: أي عمر رضي الله عنه
‏( برسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي بإجازته صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فأجازه ) ‏
‏: أي أجاز عمر رضي الله عنه حسان رضي الله عنه للإنشاد في المسجد . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بمعناه دون الزيادة . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

ذكر حديث سعيد بن المسيب في واقعة عمر وحسان , ثم قال المنذري : وسعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر فإن كان سمع ذلك من حسان فمتصل . ‏
‏ثم قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد تكرر له في هذا الكتاب في مواضع , وبه يعلل ابن القطان وغيره حديث سعيد عن عمر , وهو تعليل باطل أنكره الأئمة , كأحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان وغيرهما . ‏
‏قال أحمد : إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل ؟ سعيد عن عمر عندنا حجة . ‏
‏وقال حنبل في تاريخه : حدثنا أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن إياس بن معاوية قال : قال سعيد بن المسيب " ممن أنت ؟ قلت من مزينة . قال : إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر " وهذا صريح في الرد على من قال : إنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر . ‏
‏وقال يحيى بن سعيد الأنصاري : كان سعيد بن المسيب يسمي رواية عمر بن الخطاب لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه . ‏
‏وقال مالك : بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر , وأمره .
‏هذا , ولم يحفظ عن أحد من الأئمة أنه طعن في رواية سعيد عن عمر , بل قابلوها كلهم بالقبول والتصديق , ومن لم يقبل المرسل قبل مرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم . ‏
‏وقال الحاكم في علوم الحديث : سعيد بن المسيب أدرك عمر وعليا وطلحة , وباقي العشرة , وسمع منهم . ‏
‏والمقصود : أن تعليل الحديث برواية سعيد له عن عمر تعنت بارد . ‏
‏والصحيح : أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر , فيكون له وقت وفاة عمر ثمان سنين . فكيف ينكر سماعه , ويقدح في اتصال روايته عنه ؟ والله الموفق للصواب . ‏
‏وقد أخرجاه في الصحيحين , وذكره أبو داود عقب هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - فذكر الحديث بمعنى ما تقدم دون ذكر الزيادة . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سليمان المصيصي لوين ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏وهشام ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يضع ‏ ‏لحسان ‏ ‏منبرا في المسجد فيقوم عليه ‏ ‏يهجو من قال في رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن ‏ ‏روح القدس ‏ ‏مع ‏ ‏حسان ‏ ‏ما ‏ ‏نافح ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهشام ) ‏
‏: بالجر عطف على أبيه فابن أبي الزناد يروي عن أبيه وعن هشام بن عروة ‏
‏( من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي من هجاه صلى الله عليه وسلم من المشركين ‏
‏( إن روح القدس مع حسان ) ‏
‏: المراد بروح القدس جبريل عليه السلام بدليل حديث البراء عند البخاري بلفظ وجبريل معك , ودال القدس يضم ويسكن ‏
‏( ما نافح )
‏: بحاء مهملة أي دافع وخاصم المشركين وهجاهم . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح .
‏( وهشام ) ‏
‏: بالجر عطف على أبيه فابن أبي الزناد يروي عن أبيه وعن هشام بن عروة ‏
‏( من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي من هجاه صلى الله عليه وسلم من المشركين ‏
‏( إن روح القدس مع حسان ) ‏
‏: المراد بروح القدس جبريل عليه السلام بدليل حديث البراء عند البخاري بلفظ وجبريل معك , ودال القدس يضم ويسكن ‏
‏( ما نافح )
‏: بحاء مهملة أي دافع وخاصم المشركين وهجاهم . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح .

 

‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد المروزي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏علي بن حسين ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد النحوي ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏

‏فنسخ من ذلك واستثنى فقال ‏

 

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏{ والشعراء يتبعهم الغاوون } ‏
‏: أي الضالون
‏{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ‏
‏: أي من الشعراء
‏( وذكروا الله كثيرا ) ‏
‏: أي لم يشغلهم الشعر عن الذكر . وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عروة قال لما نزلت والشعراء قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حسن سالم البراد قال لما نزلت والشعراء الآية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت وهم يبكون فقالوا يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء أهلكنا , فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات , فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليهم . ‏
‏وأخرج ابن جرير عن ابن عباس يتبعهم الغاوون قال هم الكفار يتبعون ضلال الجن والإنس ثم استثنى منهم فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
‏وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والشعراء منهم الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم يتبعهم الغاوون غواة الجن ثم استثنى فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يعني حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك كانوا يذبون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هجاء المشركين انتهى . ‏
‏قال المنذري : في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في الرؤيا ‏

هي ما يرى الشخص في منامه بوزن فعلى وقد تسهل الهمزة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏زفر بن صعصعة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان إذا انصرف من صلاة ‏ ‏الغداة ‏ ‏يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ويقول إنه ‏ ‏ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ‏

عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من صلاة الغداة ) ‏
‏: أي صلاة الصبح
‏( إلا الرؤيا الصالحة ) ‏
‏: أي الحسنة أو الصادقة قال السيوطي أي الوحي المنقطع بموتي ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي من حديث زفر بن صعصعة عن أبي هريرة من غير ذكر صعصعة والمحفوظ من حديث الإمام مالك بن أنس إثبات صعصعة في إسناده . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد روى البخاري في صحيحه من حديث الزهري حدثني سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لم يبق من النبوة إلا المبشرات , قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة " وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏عن ‏ ‏عبادة بن الصامت ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )
‏: يعني من أجزاء علم النبوة من حيث إن فيها إخبارا عن الغيب , والنبوة غير باقية لكن علمها باق وقيل معناه تعبير الرؤيا كما أوتي ذلك يوسف عليه السلام .
‏واعلم أن روايات العدد مختلفة في صحيح مسلم والمشهور منها من ستة وأربعين وفي رواية خمسة وأربعين , وفي رواية من سبعين , وكذا في غير مسلم مختلفة في رواية العباس من خمسين , وفي رواية عبادة أربعة وأربعين , وفي رواية ابن عباس من أربعين جزء وفي رواية له من تسعة وأربعين وفي رواية ابن عمر من ستة وعشرين قال الطبري هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي فرؤيا الناس تكون من سبعين ورؤيا الصالح تكون من ستة وأربعين وهكذا تتفاوت على مراتب الصلاح كذا في شرح مسلم والمبارق شرح المشارق . ‏
‏وفي مرقاة الصعود قال الخطابي : معنى هذا الكلام تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده وقال بعضهم معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لأنها جزء باق من النبوة . وقال آخر معناه أنها جزء من أجزاء علم النبوة وعلم النبوة باق والنبوة غير باقية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة انتهى . ‏
‏وقال الإمام ابن الأثير في النهاية : الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة وإنما خص هذا العدد لأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا وستين سنة , وكانت مدة نبوته منها ثلاثا وعشرين سنة , لأنه بعث عند استيفاء الأربعين , وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام ودام ذلك نصف سنة ثم رأى الملك في اليقظة فإذا نسبت مدة الوحي في النوم وهي نصف سنة إلى مدة نبوته وهي ثلاث وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزء وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزء وقد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد وجاء في بعضها جزء من خمسة وأربعين جزء , ووجه ذلك أن عمره صلى الله عليه وسلم لم يكن قد استكمل ثلاثا وستين ومات في أثناء السنة الثالثة والستين ونسبة نصف السنة إلى اثنتين وعشرين سنة وبعض الأخرى نسبة جزء من خمسة وأربعين جزءا , وفي بعض الروايات جزء من أربعين ويكون محمولا على من روى أن عمره كان ستين سنة فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة كنسبة جزء إلى أربعين , ومنه الحديث " الهدي الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة " . أي إن هذه الخلال من شمائل الأنبياء ومن جملة الخصال المعدودة من خصالهم وأنها جزء معلوم من أجزاء أفعالهم فاقتدوا بهم فيها , وليس المعنى أن النبوة تتجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة ويجوز أن يكون أراد بالنبوة ها هنا ما جاءت به النبوة ودعت إليه من الخيرات أي أن هذه الخلال جزء من خمسة وعشرين مما جاءت به النبوة ودعا إليه الأنبياء انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الوهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏محمد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا اقترب ‏ ‏الزمان ‏ ‏لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا والرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله والرؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس قال وأحب ‏ ‏القيد ‏ ‏وأكره ‏ ‏الغل ‏ ‏والقيد ثبات في الدين
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏إذا اقترب الزمان ‏ ‏يعني إذا اقترب الليل والنهار ‏ ‏يعني يستويان ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا اقترب الزمان ) ‏
‏: يأتي تفسيره من المؤلف والمنذري ‏
‏( وأصدقهم ) ‏
‏: أي المسلمين المدلول عليهم بالمسلم
‏( أصدقهم حديثا ) ‏
‏: فإن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه ‏
‏( فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ) ‏
‏: أي إشارة إلى بشارة من الله للرائي أو المرئي له والرؤيا تحزين من الشيطان بأن يرى ما يحزنه ‏
( ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه ) ‏
‏: قال العزيزي وهو ما كان في اليقظة يكون في مهم فيرى ما يتعلق به في النوم ‏
‏( فإذا رأى أحدكم ) ‏
‏: أي في المنام ‏
‏( فليصل ) ‏
‏: أي إذا كان نشيطا وإلا فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا ويتحول عن جنبه كما سيأتي على أنه يمكن الجمع وهو الأولى قاله القاري ‏
‏( قال وأحب القيد وأكره الغل ) ‏
‏: بالضم أي الطوق بأن يرى نفسه مغلولا في النوم لأنه إشارة إلى تحمل دين أو مظالم أو كونه محكوما عليه ‏
‏( والقيد ثبات في الدين ) ‏
‏: أي ثبات قدم ورسوخ تمكين , وضمير قال راجع إلى أبي هريرة كما يظهر لك . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه , هكذا جاء في هذه الرواية وغيرها ظاهره أن الجميع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الأمر كذلك لأن القيد والغل قول أبي هريرة أدرج في الحديث جاء مبينا في الروايات الثابتة ورواه عوف بن أبي جميلة عن محمد بن سيرين , فذكر أن أول المتن إلى قوله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأما ما بعده فإنه من كلام محمد بن سيرين . وقال البخاري في الصحيح : وحديث عوف أبين انتهى . ‏
‏قلت : وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وفيه : قال أبو هريرة فيعجبني القيد وأكره الغل والقيد ثبات . ومن طريق محمد بن سيرين وفيه وأدرج في الحديث قوله وأكره الغل إلى تمام الكلام والله أعلم ‏
‏( يعني إذا اقترب الليل والنهار يعني يستويان ) ‏
: والمعبرون يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار قاله الخطابي . قال المنذري : وقد قيل هو قرب الساعة , ويؤيده الحديث الآخر وقد قيل لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب ويحتمل أن يراد اقتراب الموت عند علو السن فإن الإنسان في ذلك الوقت غالبا يميل إلى الخير والعمل به ويقل تحديثه نفسه بغير ذلك انتهى كلام المنذري . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يعلى بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏وكيع بن عدس ‏ ‏عن ‏ ‏عمه ‏ ‏أبي رزين ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الرؤيا على ‏ ‏رجل طائر ‏ ‏ما لم ‏ ‏تعبر ‏ ‏فإذا ‏ ‏عبرت ‏ ‏وقعت قال ‏ ‏وأحسبه قال ‏ ‏ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وكيع بن عدس ) ‏
‏: بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه ‏
‏( الرؤيا على رجل طائر ) ‏
‏: قال الخطابي : هذا مثل معناه لا تستقر قرارها ما لم تعبر انتهى , فالمعنى أنها كالشيء المعلق برجل الطائر لا استقرار لها ‏
‏( ما لم تعبر ) ‏
‏: قال القاري : بصيغة المجهول وبتخفيف الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر ‏
‏( فإذا عبرت وقعت )
‏: أي تلك الرؤيا على الرائي يعني يلحقه حكمها . قال في النهاية الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر أي لا يستقر تأويلها حتى تعبر يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله فكيف ما يكون على رجله . ‏
‏ومنه الحديث الرؤيا لأول عابر وهي على رجل طائر كل حركة من كلمة أو جار يجري فهو طائر مجاز أراد على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يعبرها أي أنها إذا احتملت تأويلين أو أكثر فعبرها من يعرف عبارتها وقعت على ما أولها وانتفى عنها غيره من التأويل انتهى . ‏
‏قال السيوطي : والمراد أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول فكأنها كانت على رجل طائر فسقطت ووقعت حيث عبرت انتهى ‏
( وأحسبه ) ‏
‏أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( قال ولا تقصها )
‏: أي لا تعرض رؤياك ‏
‏( إلا على واد ) ‏
‏: بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب ‏
‏( أو ذي رأي ) ‏
: أي عاقل أو عالم . قال الزجاج : معناه ذو علم بعبارة الرؤيا فإنه يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلم منه . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح هذا آخر كلامه . وأبو رزين هذا هو لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة , وفصل بينهما الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأشراف في ترجمتين وصحح بعضهم الأول , وقال البخاري لقيط بن عامر ويقال لقيط بن صبرة بن المنتفق وقال وقيل إن لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة وليس بشيء .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏زهيرا ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏يحيى بن سعيد ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏أبا سلمة ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏أبا قتادة ‏ ‏يقول ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه ‏ ‏فلينفث ‏ ‏عن يساره ثلاث مرات ثم ليتعوذ من شرها فإنها لا تضره ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الرؤيا من الله ) ‏
‏: أي الرؤيا الصالحة منه
‏( والحلم من الشيطان ) ‏
‏: الحلم بضم الحاء وسكون اللام وقيل بضمهما ما يرى في المنام من الخيالات الفاسدة . ‏
‏قال القسطلاني : وإضافة الحلم إلى الشيطان لكونه على هواه ومراده , وأما إضافة الرؤيا وهي اسم للمرئي المحبوب إلى الله تعالى فإضافة تشريف , وظاهره أن المضاف إلى الله لا يقال له حلم والمضاف إلى الشيطان لا يقال له رؤيا وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا انتهى ‏
( فلينفث ) ‏
‏: أي ليبصق ‏
‏( من شرها ) ‏
‏: أي من شر تلك الرؤيا ‏
‏( فإنها ) ‏
‏: أي الرؤيا المكروهة ‏
‏( لا تضره )
‏: قال النووي : معناه أنه تعالى جعل فعله من التعوذ والتفل وغيره سببا لسلامته من المكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال ودفعا لدفع البلاء .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن خالد الهمداني ‏ ‏وقتيبة بن سعيد الثقفي ‏ ‏قالا أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزبير ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان ثلاثا ويتحول عن جنبه الذي كان عليه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يكرهها ) ‏
‏: صفة لرؤيا ‏
‏( فليبصق )
‏: بضم الصاد أي ليبزق ‏
‏( ويتحول عن جنبه الذي كان عليه )
‏: أي إلى جنبه الآخر . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه . ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ‏ ‏أو لكأنما رآني في اليقظة ‏ ‏ولا يتمثل الشيطان بي ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ) ‏
: بفتح القاف أي يوم القيامة رؤية خاصة في القرب منه , أو من رآني في المنام ولم يكن يهاجر يوفقه الله للهجرة إلي والتشرف بلقائي ويكون الله تعالى جعل رؤيته في المنام علما على رؤياه في اليقظة وعلى القول الأول ففيه بشارة لرائيه بأنه يموت على الإسلام , وكفى بها بشارة وذلك لأنه لا يراه في القيامة تلك الرؤية الخاصة باعتبار القرب منه إلا من تحققت منه الوفاة على الإسلام . كذا في شرح القسطلاني لصحيح البخاري . ‏
‏( أو لكأنما رآني في اليقظة ) ‏
‏: قال في مرقاة الصعود : هذا شك من الراوي , ومعناه غير الأول لأنه تشبيه وهو صحيح لأن ما رآه في المنام مثالي وما يرى في عالم الحس حسي فهو تشبيه خيالي انتهى . ‏
‏وفي فتح الباري : هو تشبيه ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا ‏
‏( ولا يتمثل الشيطان بي ) ‏
‏: قال القسطلاني : هو كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم أي لا يحصل له أي للشيطان مثال صورتي , ولا يتشبه بي , فكما منع الله الشيطان أن يتصور بصورته الكريمة في اليقظة كذلك منعه في المنام لئلا يشتبه الحق بالباطل انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ولم يشك البخاري فيه , بل قال " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة , ولا يتمثل الشيطان بي " .
‏وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رآني في المنام فقد رأى الحق " . ‏
‏وأخرجه البخاري من حديث أبي سعيد , وزاد " فإن الشيطان لا يتكونني " . ‏
‏وفي لفظ له في حديث أبي قتادة " فإن الشيطان لا يتراءى بي " . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " من رآني في النوم فقد رآني . فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي " . ‏
‏وفي لفظ آخر " فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وسليمان بن داود ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها وليس بنافخ ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة ومن استمع إلى حديث قوم يفرون به منه صب في أذنه ‏ ‏الآنك ‏ ‏يوم القيامة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من صور صورة ) ‏
‏: أي ذات روح ‏
‏( حتى ينفخ ) ‏
‏: أي الروح ‏
‏( فيها ) ‏
‏: أي في تلك الصورة
‏( وليس بنافخ ) ‏
‏: أي وليس بقادر على النفخ فتعذيبه يستمر لأنه نازع الخالق في قدرته ‏
‏( ومن تحلم ) ‏
‏: أي ادعى أنه رأى رؤيا
‏( كلف ) ‏
‏: بصيغة المجهول من التكليف أي يوم القيامة ‏
( أن يعقد شعيرة ) ‏
‏: أي ولا يستطيع ذلك لأن العقد بين طرفي شعيرة غير ممكن .
‏وفي رواية البخاري : أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل , قال القسطلاني : وذلك لأن إيصال إحداهما بالأخرى غير ممكن عادة , وهو كناية عن استمرار التعذيب انتهى
‏( يفرون به منه ) ‏
‏: أي لا يريدون استماعه ‏
‏( صب )
‏: بصيغة المجهول أي سكب ‏
‏( الآنك ) ‏
‏: بالمد وضم النون أي الرصاص المذاب . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏رأيت الليلة كأنا في دار ‏ ‏عقبة بن رافع ‏ ‏وأتينا برطب من رطب ‏ ‏ابن طاب ‏ ‏فأولت ‏ ‏أن الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كأنا ) ‏
‏: بتشديد النون يعني أنا وأصحابي
‏( من رطب ابن طاب ) ‏
‏: ضبط بالتنوين وبفتح الباء , قال القاري في المرقاة : فالتنوين بناء على أن الطاب بمعنى الطيب , وأما فتح الباء فعلى عدم صرفه ولعله رعاية لأصله فإنه ماض مبني على الفتح انتهى . ‏
‏رطب ابن طاب نوع من التمر معروف وهو رجل من أهل المدينة ينسب إليه نوع من التمر ‏
‏( فأولت أن الرفعة )
‏: أي التي هي أصل رافع ‏
‏( لنا في الدنيا ) ‏
‏: لقوله تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم } ‏
‏( والعاقبة ) ‏
‏: أي المأخوذ من عقبه ‏
‏( في الآخرة ) ‏
‏: أي العاقبة الحسنة لنا لقوله تعالى { والعاقبة للتقوى } ‏
‏( أن ديننا قد طاب ) ‏
‏: أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده . ‏
‏قال المظهر : تأويله هكذا قانون قياس التعبير على ما يرى في المنام بالأسماء الحسنة , كما أخذ العاقبة من لفظ عقبة والرفعة من رافع , وطيب الدين من طاب . انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في التثاؤب ‏

تفاعل من الثوباء , وهي فترة من ثقل النعاس والهمزة بعد الألف هو الصواب والواو غلط . كذا في المغرب ذكره القاري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبى سعيد الخدري ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا تثاءب أحدكم فليمسك على ‏ ‏فيه فإن الشيطان يدخل ‏
‏حدثنا ‏ ‏ابن العلاء ‏ ‏عن ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏نحوه قال في الصلاة ‏ ‏فليكظم ‏ ‏ما استطاع ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فليمسك ) ‏
‏: من الإمساك ‏
‏( على فيه )
‏: أي على فمه ‏
‏( فإن الشيطان يدخل ) ‏
‏: إما حقيقة أو المراد بالدخول التمكن منه . ‏
‏قلت : والحديث أخرجه مسلم . قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي : أكثر الروايات فيها إطلاق التثاؤب , وفي رواية تقييده بحال الصلاة , فيحمل مطلقه على مقيده , وللشيطان غرض قوي في تشويشه على مصل في صلاته أو كراهته في الصلاة أشد , ولا يلزم منه أن لا يكره في غير الصلاة ويؤكد كراهته مطلقا كونه من الشيطان وبه صرح النووي . ‏
‏وقال ابن العربي : تشتد كراهة تثاؤب في كل حال وخص صلاة لأنها أولى الأحوال . ‏
‏( فليكظم ) ‏
‏: أي ليحبس .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل ‏ ‏هاه ‏ ‏هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( إن الله يحب العطاس ) ‏
‏: بضم العين من العطسة
‏( ويكره التثاؤب ) ‏
‏: قال القاضي : التثاؤب بالهمز التنفس الذي يفتح عنه الفم وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذا كرهه الله وأحبه الشيطان . ‏
‏والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات عنه وصفاء الروح وتقوية الحواس كان أمره بالعكس ‏
( ولا يقل هاه هاه ) ‏
‏: بسكون الهاء الثانية وهو حكاية صوت المتأثب
‏( فإنما ذلكم ) ‏
‏: أي التثاؤب ‏
‏( من الشيطان )
‏: قال ابن بطال : إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة أي أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه , لأن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب .
‏وقال ابن العربي : إن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان , لأنه واسطته وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته , والتثاؤب من امتلاء . وينشأ عنه التكاسل وذلك بواسطة الشيطان , والعطاس من تقليل الغذاء ينشأ عنه النشاط وذلك بواسطة الملك والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في العطاس ‏

بضم العين .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏سمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا عطس وضع يده أو ثوبه على ‏ ‏فيه وخفض ‏ ‏أو ‏ ‏غض ‏ ‏بها صوته شك ‏ ‏يحيى ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن سمي ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( إذا عطس )
‏: بفتح الطاء وجوز كسره ‏
‏( على فيه ) ‏
‏: أي على فمه
‏( خفض أو غض ) ‏
‏: شك من الراوي وهما بمعنى ‏
‏( بها )
‏: أي بالعطسة أو بالتغطية ‏
‏( صوته ) ‏
‏: والمعنى لم يرفعه بصيحة , والجار والمجرور متعلق بصوته ‏
‏( شك يحيى ) ‏
‏: هو القطان . ‏
‏قال المنذري : وقال حسن صحيح , وفي إسناده محمد بن عجلان وقد تقدم الكلام عليه . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرج الترمذي عن نافع " أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر , فقال : الحمد لله , والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر : وأنا أقول : الحمد لله , والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول , علمنا أن نقول : الحمد لله على كل حال " وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع . ‏
‏وفي الترمذي أيضا من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما خلق الله آدم , ونفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله , فحمد الله بإذنه , فقال له ربه : رحمك الله يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس , فقل : السلام عليكم , قالوا وعليك السلام ورحمة الله , ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم - وذكر الحديث " وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم , ورواه زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة .

 

 

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن داود بن سفيان ‏ ‏وخشيش بن أصرم ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏ابن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خمس تجب للمسلم على أخيه رد السلام ‏ ‏وتشميت ‏ ‏العاطس وإجابة الدعوة وعيادة المريض واتباع الجنازة ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وتشميت العاطس ) ‏
‏: التشميت بالشين المعجمة معناه الإبعاد عن الشماتة , وبالسين المهملة معناه الدعاء بالهداية إلى السمت الحسن , وكل منهما يستعملان في جواب العطسة بيرحمك الله . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي . وفي لفظ لمسلم " حق المسلم ست زاد فإذا استنصحك فانصح له " .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في ‏ ‏تشميت ‏ ‏العاطس ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏هلال بن يساف ‏ ‏قال ‏
‏كنا مع ‏ ‏سالم بن عبيد ‏ ‏فعطس رجل من القوم فقال السلام عليكم فقال ‏ ‏سالم ‏ ‏وعليك وعلى أمك ثم قال بعد لعلك ‏ ‏وجدت ‏ ‏مما قلت لك قال لوددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا بشر قال إنما قلت لك كما قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنا بينا نحن عند رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذ عطس رجل من القوم فقال السلام عليكم فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعليك وعلى أمك ثم قال ‏ ‏إذا عطس أحدكم فليحمد الله قال فذكر بعض المحامد وليقل له من عنده يرحمك الله وليرد ‏ ‏يعني عليهم يغفر الله لنا ولكم ‏
‏حدثنا ‏ ‏تميم بن المنتصر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق يعني ابن يوسف ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بشر ورقاء ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏هلال بن يساف ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن عرفجة ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن عبيد الأشجعي ‏ ‏بهذا الحديث عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقال السلام عليكم ) ‏
‏: أي بظن أنه يجوز أن يقال بدل الحمد لله , ويحتمل أنه وقع من سبق اللسان ‏
‏( ثم قال )
‏: أي سالم ‏
‏( بعد ) ‏
‏: بالضم أي بعد ذلك ‏
( لعلك وجدت مما قلت ) ‏
‏: من وجد موجدة إذا غضب أو وجد وجدا إذا حزن
‏( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك وعلى أمك ) ‏
‏: قال التوربشتي : نبه بقوله عليك وعلى أمك على بلاهته وبلاهة أمه وأنها كانت محمقة فصارا مفتقرين إلى السلام فيسلمان به من الآفات انتهى . ‏
‏قال القاري بعد نقل كلام التوربشتي : لا وجه لنسبة البلاهة إلى ذاتها الغائبة , قال وتقدير السلام غير متعين إذ يمكن أن يقال عليك وعلى أمك الملام من جهة وعدم التعلم والإعلام ‏
‏( إذا عطس أحدكم فليحمد الله ) ‏
‏: قال العلقمي : ظاهر الحديث يقتضي الوجوب , ولكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه ‏
‏( فذكر ) ‏
‏: الراوي
‏( بعض المحامد ) ‏
‏: والحاصل أن الراوي لم يحفظ لفظ الحمد فذكر هكذا , وقد جاء في حديث أبي هريرة فليقل الحمد لله على كل حال كما سيأتي .
‏وفي رواية الترمذي من حديث هلال بن يساف عن سالم بن عبيد بلفظ : " إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين ‏
‏( وليقل له ) ‏
‏: أي للعاطس
‏( وليرد ) ‏
‏: أي العاطس ‏
‏( يعني عليهم ) ‏
‏: أي على من عنده ‏
‏( يغفر الله لنا ولكم ) ‏
‏: وفي حديث أبي هريرة الآتي ( ويقول هو يهديكم الله ويصلح بالكم ) . ‏
‏قال الحافظ قال ابن بطال : ذهب الجمهور إلى أنه يقول يهديكم الله ويصلح بالكم وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم . قال وقال ابن بطال : ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال وبين سالم بن عبيد الأشجعي في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه النسائي أيضا عن منصور عن رجل عن خالد بن عرفطة عن سالم , وأخرجه أيضا عن منصور عن رجل عن سالم , ورواه مسدد عن يحيى القطان عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل من آل خالد بن عرفطة عن آخر منهم قال كنا مع سالم , ورواه زائدة عن منصور عن هلال عن رجل من أشجع عن سالم , ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة عن منصور عن هلال من آل عرفطة عن سالم . واختلف على ورقاء فيه فقال بعضهم خالد بن عرفطة أو عرفجة ويشبه أن يكون خالد هذا مجهولا فإن أبا حاتم الرازي قال لا أعرف واحدا يقال له خالد بن عرفطة إلا واحدا الذي له صحبة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال وليقل أخوه ‏ ‏أو صاحبه ‏ ‏يرحمك الله ويقول هو ‏ ‏يهديكم الله ويصلح بالكم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فليقل الحمد لله على كل حال ) ‏
‏: قال النووي في الأذكار : اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن فلو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل
‏( وليقل أخوه أو صاحبه ) ‏
‏: شك من الراوي , والمراد بالأخوة أخوه الإسلام ‏
‏( ويقول هو ) ‏
‏: أي العاطس ‏
‏( ويصلح بالكم )
‏أي حالكم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي .

 

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏كم مرة ‏ ‏يشمت ‏ ‏العاطس

وفي بعض النسخ كم مرة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال
‏شمت ‏ ‏أخاك ثلاثا فما زاد فهو زكام ‏
‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن حماد المصري ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏ ‏لا أعلمه إلا أنه رفع الحديث إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمعناه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏أبو نعيم ‏ ‏عن ‏ ‏موسى بن قيس ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( شمت أخاك ثلاثا ) ‏
‏: أي ثلاث مرات ‏
( فما زاد فهو ) ‏
‏: أي العطاس ‏
‏( زكام ) ‏
‏: أو صاحبه ذو زكام أي فلا حاجة إلى التشميت . والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( قال )
‏: أي سعيد بن أبي سعيد ‏
‏( لا أعلمه ) ‏
‏: أي أبا هريرة
‏( بمعناه ) ‏
‏: أي بمعنى الحديث السابق . قال السيوطي : ولفظه كما في تاريخ ابن عساكر " إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث " ‏
‏( قال أبو داود رواه أبو نعيم عن موسى بن قيس إلخ )
‏: قال المنذري : موسى بن قيس الحضرمي الكوفي يقال له عصفور الجنة . قال يحيى بن معين ثقة , وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به , وقال أبو جعفر العقيلي يحدث بأحاديث ردية بواطل , وذكر أيضا أنه من الغلاة في الرفض .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مالك بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد السلام بن حرب ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏أمه ‏ ‏حميدة ‏ ‏أو ‏ ‏عبيدة بنت عبيد بن رفاعة الزرقي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيها ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏تشمت العاطس ‏ ‏ثلاثا فإن شئت أن ‏ ‏تشمته ‏ ‏فشمته ‏ ‏وإن شئت فكف ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أمه حميدة أو عبيدة ) ‏
‏: شك من الراوي
‏( بنت عبيد بن رفاعة ) ‏
‏: بكسر الراء ‏
‏( تشمت العاطس )
‏: وفي بعض النسخ تشميت بلفظ المصدر ‏
‏( فإن شئت ) ‏
‏: أي بعد الثلاث ‏
‏( فكف ) ‏
‏: أمر من الكف وهو بالفارسية بازاستادن وبازاستانيدن لازم ومتعد من باب نصر ينصر , والمعنى وإن شئت فامتنع عن التشميت .
‏قال المنذري : هذا مرسل عبيد بن رفاعة ليست له صحبة , فأما أبوه وجده فلهما صحبة , قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي يقول عبيد بن رفاعة ليست له صحبة وذكره البخاري في تاريخه فقال روى عن أبيه وقال أبو القاسم البغوي يقال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وولد على عهده , وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو خالد المعروف بالدالاني , وقد تقدم الاختلاف في الاحتجاج به .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن موسى ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن أبي زائدة ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة بن عمار ‏ ‏عن ‏ ‏إياس بن سلمة بن الأكوع ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن رجلا عطس عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال له يرحمك الله ثم عطس فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الرجل مزكوم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ثم عطس ) ‏
‏: أي مرة أخرى ‏
‏( فقال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل مزكوم ) ‏
‏: وفي رواية للترمذي أنه قال له في الثالثة إنه مزكوم كذا في المشكاة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

ذكر حديث أبي داود " أن رجلا عطس فقال له : يرحمك الله ثم عطس , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل مزكوم . ‏
‏قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : هذا لفظ أبي داود , ولفظ مسلم " ثم عطس أخرى " ولفظ مسلم " ثم عطس الثانية , فقال : إنه مزكوم " . ‏
‏وأما ابن ماجه : فلفظه " يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم " رواه عن علي بن محمد حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا يوافق رواية أبي هريرة , وعبيد بن رفاعة في حد ذلك بالثلاث . ‏
‏وأما الترمذي فلفظه فيه : عن إياس بن سلمة عن أبيه قال " عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم , وأنا شاهد , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمك الله , ثم عطس الثانية , أو الثالثة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا رجل مزكوم " رواه من حديث سويد عن ابن المبارك عن عكرمة بن عمار . ‏
‏ثم قال : حدثنا محمد بن يسار حدثنا يحيى بن يسار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه إلا أنه قال له في الثالثة إنك مزكوم " . ‏
‏قال الترمذي : وهذا أصح من حديث ابن المبارك , وقد روى شعبة عن عكرمة بن عمار هذا الحديث نحو رواية يحيى بن سعيد . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏كيف يشمت ‏ ‏الذمي ‏  ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏حكيم بن الديلم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏كانت ‏ ‏اليهود ‏ ‏تعاطس عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رجاء أن يقول لها يرحمكم الله فكان يقول ‏ ‏يهديكم الله ويصلح بالكم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كانت اليهود تعاطس ) ‏
‏: بحذف إحدى التائين أي يطلبون العطسة من أنفسهم ‏
‏( رجاء أن يقول لها ) ‏
‏: أي لليهود وتأنيث الضمير باعتبار الجماعة ‏
‏( فكان يقول ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم عند عطاسهم وحمدهم ‏
‏( يهديكم الله ويصلح بالكم )
‏: أي ولا يقول لهم يرحمكم الله , لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق للإيمان . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن صحيح .

 

‏ ‏باب ‏ ‏فيمن يعطس ولا يحمد الله ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سليمان التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏عطس ‏ ‏رجلان ‏ ‏عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فشمت ‏ ‏أحدهما وترك الآخر قال فقيل يا رسول الله رجلان عطسا ‏ ‏فشمت ‏ ‏أحدهما ‏ ‏قال ‏ ‏أحمد ‏ ‏أو فسمت ‏ ‏أحدهما وتركت الآخر فقال إن هذا حمد الله وإن هذا لم يحمد الله ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وترك الآخر ) ‏
‏: أي لم يشمته ‏
( رجلان عطسا فشمت ) ‏
‏: بتشديد الميم والتاء - بصيغة الخطاب من التشميت
‏( قال أحمد أو فسمت أحدهما ) ‏
‏: بالسين المهملة . قال قال النووي : شمت بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان المعجمة أفصح . قال ثعلب : معناه بالمعجمة أبعد الله عنك الشماتة , وبالمهملة هو من السمت وهو القصد والهدي انتهى
‏( فقال إن هذا حمد الله إلخ ) ‏
‏: وفيه بيان أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يستحق الجواب . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . ‏

 


تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد تقدم حديث أبي هريرة وفيه " فإذا عطس أحدكم , وحمد الله , كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول : يرحمك الله " . ‏
‏وترجم الترمذي على حديث أنس ( باب ما جاء في إيجاب التشميت بحمد العاطس ) وهذا يدل على أنه واجب عنده , وهو الصواب , للأحاديث الصريحة الظاهرة في الوجوب من غير معارض والله أعلم . ‏
‏فمنها : حديث أبي هريرة , وقد تقدم .
‏ومنها : حديثه الآخر " خمس تجب للمسلم على أخيه " وقد تقدم . ‏
‏ومنها : حديث سالم بن عبيد , وفيه " وليقل له من عنده : يرحمك الله " . ‏
‏ومنها : ما رواه الترمذي عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للمسلم على المسلم ست بالمعروف : يسلم عليه إذا لقيه , ويجيبه إذا دعاه , ويشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض ويتبع جنازته إذا مات , ويحب له ما يحب لنفسه " وقال هذا حديث حسن قد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم , وقد تكلم بعضهم في الحارث الأعور , وفي الباب عن أبي هريرة , وأبي أيوب والبراء , وأبي مسعود . ‏
‏ومنها : ما رواه الترمذي عن أبي أيوب . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله , وليقل : على كل حال , وليقل الذي يرد عليه يرحمك الله , وليقل هو : يهديكم الله ويصلح بالكم " . ‏
‏فهذه أربع طرق من الدلالة . ‏
‏أحدهما : التصريح بثبوت وجوب التشميت بلفظه الصريح الذي لا يحتمل تأويلا . ‏
‏الثاني : إيجابه بلفظ الحق . ‏
‏الثالث : إيجابه بلفظة " على " الظاهرة في الوجوب .
‏الرابع : الأمر به , ولا ريب في إثبات واجبات كثيرة بدون هذه الطرق , والله تعالى أعلم . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل ينبطح على بطنه ‏

قال في القاموس : بطحه كمنعه ألقاه على وجهه فانبطح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معاذ بن هشام ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن أبي كثير ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري ‏ ‏قال ‏
‏كان أبي من ‏ ‏أصحاب الصفة ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏انطلقوا بنا إلى بيت ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏فانطلقنا فقال يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏أطعمينا فجاءت ‏ ‏بحشيشة ‏ ‏فأكلنا ثم قال يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏أطعمينا فجاءت ‏ ‏بحيسة ‏ ‏مثل ‏ ‏القطاة ‏ ‏فأكلنا ثم قال يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏اسقينا فجاءت ‏ ‏بعس ‏ ‏من لبن فشربنا ثم قال يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏اسقينا فجاءت بقدح صغير فشربنا ثم قال إن شئتم بتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد قال فبينما أنا مضطجع في المسجد من السحر على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال ‏ ‏إن هذه ضجعة يبغضها الله قال فنظرت فإذا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن يعيش ) ‏
‏: بعين مهملة وشين معجمة على وزن يزيد ‏
‏( بن طخفة ) ‏
‏: بكسر أوله وسكون الخاء المعجمة ثم فاء كذا في التقريب . وقال في المغني بمفتوحة وسكون معجمة ففاء ‏
‏( الغفاري )
‏: بكسر الغين المعجمة ‏
‏( كان أبي ) ‏
‏: أي طخفة
‏( فجاءت بحشيشة ) ‏
‏: بالحاء المهملة . قال في مجمع البحار في باب الحاء المهملة . وفيه فجاءت بحشيشة هو طعام يصنع من حنطة قد طحنت بعض الطحن وطبخت وتلقى فيه لحم أو تمر انتهى . وفي بعض النسخ بجشيشة بالجيم . ‏
‏قال في مجمع البحار في باب الجيم : وفيه أولم صلى الله عليه وسلم بحشيشة هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم تجعل في القدر ويلقى عليه لحم أو تمر وبطيخ , ويقال لها دشيشة انتهى .
‏وفي بعض الحواشي هي ما يجش من الجش فيطبخ والجش طحن خفيف فوق الدقيق .
‏فظهر أن الجشيشة بالجيم والحشيشة بالحاء المهملة كلاهما بمعنى واحد
‏( فجاءت بحيسة ) ‏
‏: بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية طعام يتخذ من تمر وسويق وأقط وسمن ‏
‏( مثل القطاة ) ‏
‏بفتح القاف ضرب من الحمام وكأنه شبه في القلة , قاله السندي . ‏
‏قلت : ويحتمل أنه شبه عائشة بالقطاة بالصدق والوفاء , والعرب تضرب الأمثال بالقطاة . ‏
‏قال العلامة الدميري : القطا طائر معروف واحده قطاة والجمع قطوات . قال ابن قتيبة من أهل اللغة والرافعي من الفقهاء إن القطا من الحمام . ‏
‏وتوصف القطا بالهدايا والعرب تضرب بها المثل في ذلك لأنها تبيض في القفر وتسقي أولادها من البعد في الليل والنهار فتجيء في الليلة المظلمة وفي حواصلها الماء فإذا صارت حيال أولادها صاحت قطا قطا فلم تخط بلا علم ولا إشارة ولا شجرة . فسبحان من هداها لذلك . وقال أبو زياد الكلابي : إن القطا تطلب الماء من مسيرة عشرين ليلة وفوقها ودونها . ‏
‏قال الدميري : والعرب تصف القطا بحسن المشي لتقارب خطاها , ومشيها يشبه مشي النساء الخفرات بمشيتهن .
‏وروى ابن حبان وغيره من حديث أبي ذر وابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له في الجنة بيتا " وخصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شعر ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور فذلك شبه به المسجد , ولأنها توصف بالصدق كما تقدم , فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه . ‏
‏وقيل خرج ذلك مخرج الترغيب بالقليل عن الكثير كما خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده , ويسرق الحبل فتقطع يده " انتهى كلامه ملخصا
‏( فجاءت بعس ) ‏
‏: بضم العين المهملة وتشديد السين قدح ضخم
‏( من السحر ) ‏
‏: قال في المرقاة بفتحتين وفي نسخة بسكون الثاني وهو الرئة انتهى , يقال بالفارسية شش . ‏
‏قال في المصباح : السحر الرئة وقيل ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن وقيل هو كل ما تعلق بالحلقوم من قلب وكبد ورئة وفيه ثلاث لغات على وزن فلس وسبب وقفل , وجمع الأولى سحور مثال فلس وفلوس , وجمع الثانية والثالثة أسحار انتهى . ‏
‏وقال الجوهري في الصحاح : السحر الرئة والجمع أسحار مثل برد وأبراد , وكذلك السحر والجمع سحور مثل فلس وفلوس وقد يحرك فيقال سحر مثل نهر ونهر لمكان حروف الحلق انتهى . ‏
‏وفي اللسان : السحر الرئة والجمع أسحار وسحر وسحور وقد يحرك فيقال سحر مثل نهر ونهر والسحر أيضا الكبد , والسحر سواد القلب ونواحيه وقيل هو القلب انتهى . ‏
‏والمعنى أن طخفة بن قيس كان له ذات الرئة فلذا كان مضطجعا على بطنه وأن صاحب ذات الرئة لا يستطيع أن ينام مستلقيا لأجل الوجع والله أعلم ‏
‏( فقال إن هذه ضجعة ) ‏
‏: بكسر الضاد المعجمة . قال القاري : ولعله عليه السلام لم يتبين له عذره أو لكونه يمكن الاضطجاع على الفخذين لدفع الوجع من غير مد الرجلين والله أعلم انتهى . وفي الحديث أن النوم على البطن لا يجوز وأنه ضجعة الشيطان . ‏
‏قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه , وليس في حديث أبي داود عن أبيه , ووقع عند النسائي عن قيس بن طهفة قال حدثني أبي , وعند ابن ماجه عن قيس بن طهفة مختصرا وفيه اختلاف كثير جدا . ‏
‏وقال أبو عمر النمري : اختلف فيه اختلافا كثيرا واضطرب فيه اضطرابا شديدا , فقيل طهفة بالهاء وقيل طخفة بالخاء وقيل طغفة بالغين , وقيل طقفة بالقاف وقيل قيس بن طخفة , وقيل يعيش بن طخفة وقيل عبد الله بن طخفة عن النبي صلى الله عليه وسلم , وحديثهم كلهم واحد . قال كنت نائما في الصفة فركضني رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال هذه نومة يبغضها الله وكان من أهل الصفة . ومن أهل العلم من يقول : إن الصحبة لأبيه عبد الله وإنه صاحب القصة . هذا آخر كلامه . وذكر البخاري فيه اختلافا كثيرا وقال طغفة خطأ وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة عن قيس الغفاري قال كان أبي وقال لا يصح قيس فيه , وذكر أنه روى عن أبي هريرة قال ولا يصح أبو هريرة . انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النوم على سطح غير ‏ ‏محجر ‏

هو جمع حجر بكسر الحاء وهو ما يحجر به من حائط ونحوه , ومنه حجر الكعبة , وفي بعض النسخ حجاب بالموحدة بدل الراء وهو الذي يحجب الإنسان عن الوقوع , وفي بعضها حجى . قال في القاموس : الحجى كإلى العقل وبالفتح الناحية , وفي بعض النسخ على سطح غير محجر .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سالم يعني ابن نوح ‏ ‏عن ‏ ‏عمر بن جابر الحنفي ‏ ‏عن ‏ ‏وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن علي يعني ابن شيبان ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من بات على ظهر بيت ليس له ‏ ‏حجار ‏ ‏فقد ‏ ‏برئت ‏ ‏منه الذمة ‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( من بات ) ‏
‏: أي نام ليلا ‏
‏( على ظهر بيت ) ‏
‏: أي سطح له ‏
‏( ليس عليه حجار ) ‏
‏: بالراء المهملة , وفي بعض النسخ بالباء الموحدة بدل الراء , وفي نسخة الخطابي حجى .
‏ففي معالم السنن : هذا الحرف يروى بكسر الحاء وفتحها ومعناه معنى الستر والحجاب . ‏
‏فمن قال بالكسر شبهه بالحجى الذي هو بمعنى العقل لأن العقل يمنع الإنسان من الردى والفساد والتعرض للهلاك كما أن الستر الذي يكون على السطح يمنع الإنسان من التردي والسقوط . ومن رواه بالفتح ذهب إلى الطرف والناحية وإحجاء الشيء نواحيه واحدها حجى مقصور انتهى ملخصا . وفي جامع الأصول الذي قرأته في كتاب أبي داود حجاب يعني بالباء , وفي نسخة أخرى حجار , ومعناهما ظاهر , والذي رأيته في المعالم للخطابي حجى انتهى ‏
‏( فقد برئت منه الذمة ) ‏
‏: قال في فتح الودود : يريد أنه إن مات فلا يؤاخذ بدمه انتهى . وقيل إن لكل من الناس عهدا من الله تعالى بالحفظ والكلامة فإذا ألقى بيده إلى التهلكة انقطع عنه . ‏
‏قال المنذري : هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف , وتبويب صاحب الكتاب يدل عليه فإنه قال غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء , وأصل الباب المنع , ومنه حجر الحاكم أي ليس عليه شيء يستره ويمنعه من السقوط , ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به من غيرك , أو يكون من الحجرة وهي حظيرة الإبل وحجرة الدار وهي راجع أيضا إلى المنع ورواه الخطابي حجى وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها . وقال غيره فمن كسر شبه بالحجى الذي هو العقل لأن الستر يمنع من الفساد , ومن فتحه قال الحجى مقصور الطرف والناحية وجمعه إحجاء , وقد روى أيضا حجاب بالباء انتهى كلام المنذري . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في النوم على طهارة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عاصم بن بهدلة ‏ ‏عن ‏ ‏شهر بن حوشب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ظبية ‏ ‏عن ‏ ‏معاذ بن جبل ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرا ‏ ‏فيتعار ‏ ‏من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ‏
‏قال ‏ ‏ثابت البناني ‏ ‏قدم علينا ‏ ‏أبو ظبية ‏ ‏فحدثنا ‏ ‏بهذا الحديث ‏ ‏عن ‏ ‏معاذ بن جبل ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ثابت ‏ ‏قال فلان لقد جهدت أن أقولها حين ‏ ‏أنبعث ‏ ‏فما قدرت عليها ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما من مسلم يبيت ) ‏
‏: أي ينام ليلا
‏( طاهرا ) ‏
‏حال من ضمير يبيت ‏
‏( فيتعار ) ‏
: بتشديد الراء . قال الخطابي : معناه يستيقظ من النوم , وأصل التعار السهر والتقلب على الفراش , ويقال إن التعار لا يكون إلا مع كلام وصوت وهو مأخوذ من عرار الظليم
‏( قال ثابت ) ‏
‏: البناني حاكيا عن البعض ‏
‏( قال فلان )
‏: لم يظهر اسمه بوجه من الوجوه ‏
‏( لقد جهدت ) ‏
‏: الجهد النهاية والغاية يقال جهد في الأمر جهدا من باب نفع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب كذا في المصباح ‏
‏( أن أقولها ) ‏
‏: أي تلك الكلمة وهي السؤال من الله تعالى للدنيا وللآخرة ‏
‏( حين أنبعث ) ‏
‏: أي أقوم من الليل
‏( فما قدرت عليها ) ‏
‏: أي على تلك المسألة لعله بالنسيان أو لشغله في الأمور والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه , وبين فيه أن ثابت البناني رواه عن شهر عن أبي ظبية عن معاذ قال ثابت فقدم علينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ . وأبو ظبية هذا كلاعي شامي ثقة وهو بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏سلمة بن كهيل ‏ ‏عن ‏ ‏كريب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قام من الليل فقضى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏يعني بال ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يعني بال ) ‏
‏: هذا تفسير لقوله قضى حاجته .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏كيف يتوجه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏خالد الحذاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي قلابة ‏ ‏عن ‏ ‏بعض آل أم سلمة ‏
‏كان فراش النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوا مما يوضع الإنسان في قبره وكان المسجد عند رأسه ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( نحوا مما يوضع الإنسان في قبره ) ‏
‏: أي على هيئة وضع الإنسان في القبر . كذا في فتح الودود . ‏
‏وأورد السيوطي هذا الحديث برواية المؤلف في الجامع الصغير بلفظ " نحوا مما يوضع للإنسان في قبره " وقال العلامة العزيزي في شرحه نحوا بالنصب والتنوين ( مما ) : أي من الفراش الذي ( يوضع ) : أي يفرش ( للإنسان ) : الميت في ( قبره ) : وقد وضع في قبره صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء كان فراشه للنوم نحوها انتهى . ووقع هذا الحديث في المشكاة بلفظ " نحوا مما يوضع في قبره " قال القاري في المرقاة أي كان ما يفترشه للنوم قريبا مما يوضع في قبره ولعل العدول عن الماضي للمضارع حكاية للحال ونقل عن الطيبي مثل ما قال العزيزي . ولفظ حديث الكتاب وما قال في فتح الودود يناسب تبويب المؤلف والله تعالى أعلم ‏
‏( وكان المسجد ) ‏
‏: بكسر الجيم ‏
‏( ضد رأسه )
‏: أي إذا نام يكون رأسه إلى جانب المسجد . قال القاري : وفي نسخة يعني من المشكاة بفتح الجيم أي وكان مصلاه أو سجادته عند رأسه . ‏
‏قال المنذري : لا يعرف هذا الذي حدث عنه أبو قلابة هل له صحبة أم لا .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقال عند النوم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏معبد بن خالد ‏ ‏عن ‏ ‏سواء ‏ ‏عن ‏ ‏حفصة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرار ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن يرقد ) ‏
‏: أي ينام ‏
‏( قني )
‏: أي احفظني . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي أيضا من حديث المسيب بن رافع عن حفصة مختصرا في وضع الكف خاصة , وأخرجه النسائي أيضا من حديث إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة وهو ابن عبد الله بن مسعود ورجل آخر عن البراء بن عازب ولفظه " يوم تجمع عبادك " وقال الآخر " يوم تبعث عبادك " وأخرجه أيضا من حديث أبي عبيدة عن أبيه ولفظ يوم تجمع عبادك وهو منقطع , أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المعتمر ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏منصورا ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏سعد بن عبيدة ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏البراء بن عازب ‏ ‏قال ‏
‏قال لي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على ‏ ‏شقك ‏ ‏الأيمن وقل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت قال فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول قال ‏ ‏البراء ‏ ‏فقلت أستذكرهن فقلت وبرسولك الذي أرسلت قال لا ونبيك الذي أرسلت
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏فطر بن خليفة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏سعد بن عبيدة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏البراء بن عازب ‏ ‏قال ‏ ‏قال لي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك ثم ذكر نحوه ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الملك الغزال ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يوسف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ومنصور ‏ ‏عن ‏ ‏سعد بن عبيدة ‏ ‏عن ‏ ‏البراء ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بهذا قال ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال أحدهما ‏ ‏إذا أتيت فراشك طاهرا وقال الآخر توضأ وضوءك للصلاة وساق معنى ‏ ‏معتمر ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وضوءك ) ‏
‏: بالنصب أي مثل وضوئك ‏
( اللهم أسلمت ) ‏
‏: أي استلمت وانقدت والمعنى جعلت وجهي منقادا لك تابعا لحكمك ‏
‏( وفوضت أمري إليك ) ‏
‏: أي توكلت عليك في أمري كله
‏( وألجأت ) ‏
‏: أي أسندت ‏
‏( ظهري إليك ) ‏
‏: أي إلى حفظك لما علمت أنه لا سند يتقوى به سواك ‏
‏( رهبة ) ‏
‏: أي خوفا من غضبك وعقابك ‏
‏( ورغبة ) ‏
‏: أي رغبة في رضاك وثوابك , وفي رواية للنسائي " رهبة منك ورغبة إليك " . ‏
‏قيل : هما مفعول لهما لألجئت والأظهر أن نصبهما على الحالية أي راغبا وراهبا , والظرفية أي في حال الطمع والخوف يتنازع فيهما الأفعال المتقدمة كلها قاله القاري ‏
‏( لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك )
‏: ملجأ مهموز ومنجا مقصور , وقد يهمز منجا للازدواج وقد يعكس أيضا لذلك , والمعنى لا مهرب ولا ملاذ من عقوبتك إلا رحمتك ‏
‏( فإن مت ) ‏
: بضم الميم وكسرها ‏
‏( على الفطرة ) ‏
‏: أي على دين الإسلام وقيل على التوحيد ‏
‏( واجعلهن ) ‏
‏: أي هذه الكلمات ‏
‏( أستذكرهن )
‏: أي أتحفظهن ‏
‏( فقلت وبرسولك الذي أرسلت ) ‏
‏: أي مكان ونبيك الذي أرسلت ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
‏( لا ) ‏
‏: أي لا تقل وبرسولك الذي أرسلت بل قل ونبيك الذي أرسلت , قال الحافظ : وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي صلى الله عليه وسلم أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي . إذا أويت إلى فراشك أي دخلت فيه فتوسد يمينك أي اجعله تحت رأسك ثم ذكر نحوه أي نحو الحديث السابق . ‏
‏( قال سفيان قال أحدهما ) ‏
‏ضمير التثنية للأعمش ومنصور والمعنى أن أحدهما قال إذا أتيت فراشك طاهر فاضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم إلخ , وقال الآخر إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل إلخ . ‏
‏وحديث منصور عند مسلم بلفظ " إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أني أسلمت " الحديث ‏
‏( وساق ) ‏
‏: أي سفيان ‏
‏( معنى معتمر )
‏: أي معنى حديث معتمر السابق .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن عمير ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏ ‏قال ‏
‏كان النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا نام قال اللهم باسمك أحيا وأموت وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه ‏ ‏النشور ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( اللهم باسمك أحيا وأموت ) ‏
‏: أي بذكر اسمك أحيى ما حييت وعليه أموت , ويحتمل أن يكون لفظ الإثم زائدا كما في قول الشاعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ‏
‏( أحيانا بعدما أماتنا ) ‏
‏أي رد علينا القوة والحركة بعد ما أزالهما منا بالنوم ‏
‏( وإليه النشور )
‏أي البعث يوم القيامة والإحياء بعد الإماتة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن عمر ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه ‏ ‏بداخلة ‏ ‏إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليضطجع على ‏ ‏شقه ‏ ‏الأيمن ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ‏

‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فلينفض ) ‏
‏: بضم الفاء أي فليحرك ‏
( بداخلة إزاره ) ‏
‏: أي بحاشيته التي تلي الجسد وتماسه ليكون يده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل مكروه إن كان هناك من الهوام ‏
‏( ما خلفه عليه )
‏: أي على فراشه والمعنى لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام قاله الطيبي ‏
‏( على شقه ) ‏
‏: بكسر الشين أي على جانبه ‏
‏( وبك أرفعه ) ‏
‏: أي باسمك أو بحولك وقوتك أرفعه حين أرفعه فلا أستغني عنك بحال ‏
‏( إن أمسكت نفسي ) ‏
‏أي قبضت روحي في النوم
‏( فارحمها ) ‏
‏: أي بالمغفرة والتجاوز عنها ‏
‏( وإن أرسلتها ) ‏
‏: بأن رددت الحياة إلي وأيقظتني من النوم ‏
‏( فاحفظها )
‏: أي من المعصية والمخالفة ‏
‏( بما تحفظ به ) ‏
‏: أي من التوفيق والعصمة والأمانة ‏
‏( الصالحين ) ‏
‏: أي القائمين بحقوق الله وعباده . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهيب ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏عن ‏ ‏خالد ‏ ‏نحوه ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه ‏ ‏اللهم رب السموات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ ‏ ‏بناصيته ‏ ‏أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ‏ ‏زاد ‏ ‏وهب ‏ ‏في حديثه اقض عني الدين وأغنني من الفقر ‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن خالد نحوه ) ‏
‏: أي نحو حديث وهيب , فوهيب وخالد كلاهما يرويان عن سهيل بن أبي صالح لكن بين روايتهما فرق يسير في الألفاظ دون المعنى ‏
‏( فالق الحب ) ‏
‏: الفلق والشق ‏
‏( والنوى )
‏: جمع النواة وهي عظم النخل , والتخصيص لفضلها أو لكثرة وجودها في ديار العرب , يعني يا من شقهما فأخرج منهما الزرع والنخيل ‏
‏( وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ) ‏
‏: يعني ليس شيء أظهر منك لدلالة الآيات الباهرة عليك . وقال في فتح الودود : فلا ظهور لشيء ولا وجود إلا من آثار ظهورك ووجودك ‏
‏( وأنت الباطن ) ‏
‏: أي باعتبار الذات ‏
‏( فليس دونك شيء ) ‏
‏: أي ليس شيء أبطن منك . ودون يجيء بمعنى غير والمعنى ليس غيرك في البطون شيء أبطن منك , وقد يجيء بمعنى قريب فالمعنى ليس شيء في البطون قريبا منك . قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏العباس بن عبد العظيم العنبري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأحوص يعني ابن جواب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمار بن رزيق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏الحارث ‏ ‏وأبي ميسرة ‏ ‏عن ‏ ‏علي ‏ ‏رحمه الله ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه كان يقول عند مضجعه ‏ ‏اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ ‏ ‏بناصيته ‏ ‏اللهم أنت تكشف ‏ ‏المغرم ‏ ‏والمأثم ‏ ‏اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ‏ ‏ذا الجد ‏ ‏منك ‏ ‏الجد ‏ ‏سبحانك وبحمدك ‏

‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يعني ابن جواب ) ‏
‏: بفتح الجيم وتشديد الواو
‏( أخبرنا عمار بن رزيق ) ‏
‏: بتقديم الراء مصغرا ‏
‏( بوجهك )
‏: أي بذاتك , والوجه يعبر به عن الذات كما في قوله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه } ‏
‏( وكلماتك التامة ) ‏
‏: أي الكاملة في إفادة ما ينبغي وهي أسماؤه وصفاته أو آياته القرآنية ‏
‏( من شر ما أنت آخذ بناصيته )
‏: أي هو في قبضتك وتصرفك ‏
‏( تكشف ) ‏
‏: أي تدفع وتزيل
‏( المغرم ) ‏
‏: المراد به الدين وقيل مغرم المعاصي ‏
( والمأثم ) ‏
‏: أي ما يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه ‏
‏( لا يهزم )
‏: بصيغة المجهول أي لا يغلب ‏
‏( لا ينفع ذا الجد ) ‏
: بفتح الجيم ‏
‏( منك الجد ) ‏
‏: فسر الجد بالغنى في أكثر الأقاويل أي لا ينفع ذا الغنى غناه منك , أي بدل طاعتك , وإنما ينفعه العمل الصالح ‏
( سبحانك وبحمدك ) ‏
‏: أي أجمع بين تنزيهك وتحميدك . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . والحارث الأعور لا يحتج بحديثه , غير أن أبا ميسرة هذا هو عمر بن شرحبيل الهمداني الكوفي ثقة احتج به البخاري ومسلم في صحيحهما .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا أوى إلى فراشه قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا ‏ ‏كافي ‏ ‏له ولا مؤوي ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا أوى إلى فراشه ) ‏
‏: قال النووي : : إذا أوى إلى فراشه وأويت مقصور . ‏
‏وأما آوانا فممدود هذا هو الفصيح المشهور , وحكي القصر فيها وحكي المد فيهما انتهى . ‏

‏( وكفانا ) ‏
‏: أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجتنا ‏
‏( وآوانا ) ‏
‏: بالمد أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المأوى ‏
‏( لا كافي ) ‏
‏: بفتح الياء
‏( ولا مأوى ) ‏
‏: بصيغة اسم الفاعل أي فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار ولا يهيئ لهم مأوى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعفر بن مسافر التنيسي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن حسان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن حمزة ‏ ‏عن ‏ ‏ثور ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن معدان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الأزهر الأنماري ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال ‏ ‏بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي ‏ ‏وأخسئ شيطاني وفك رهاني واجعلني في ‏ ‏الندي الأعلى ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏أبو همام الأهوازي ‏ ‏عن ‏ ‏ثور ‏ ‏قال ‏ ‏أبو زهير الأنماري ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الأنماري ) ‏
‏: بفتح الهمزة وسكون النون
‏( وأخسئ ) ‏
‏: أي أبعد واطرد ‏
‏( شيطاني ) ‏
‏: قال الطيبي : إضافة إلى نفسه لأنه أراد قرينه من الجن أو من قصد إغواءه من شياطين الإنس والجن ‏
‏( وفك رهاني ) ‏
‏: أي خلص رقبتي عن كل حق علي والرهان الرهن وجمعه ومصدر راهنه وهو ما يوضع وثيقة للدين , والمراد ها هنا نفس الإنسان لأنها مرهونة بعملها لقوله تعالى { كل امرئ بما كسب رهين } وفك الرهن تخليصه من يد المرتهن كذا في المرقاة ‏
‏( في الندي الأعلى ) ‏
‏الندي بالفتح ثم الكسر ثم التشديد هو النادي وهو المجلس المجتمع , والمعنى اجعلني من المجتمعين في الملأ الأعلى من الملائكة . ولفظ الحاكم في المستدرك " واجعلني في الملأ الأعلى "
‏( قال أبو داود رواه أبو همام إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : وقال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة أبو الأزهر ولم ينسب , روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولا أدري له صحبة أم لا , وذكر له هذا الحديث وأبو همام الأهوازي هو محمد بن الزبرقان ثقة احتج به البخاري ومسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏فروة بن نوفل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لنوفل ‏ ‏اقرأ ‏ ‏قل يا أيها الكافرون ‏ ‏ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( نم على خاتمتها ) ‏
‏: أي على خاتمة هذه السورة .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي مرسلا وذكر الترمذي والنسائي طرفا من الاختلاف فيه , وقال الترمذي : وقد اضطرب أصحاب أبي إسحاق في هذا الحديث , وذكر أبو عمر النمري . نوفلا هذا في كتاب الصحابة وقال حديثه { قل يا أيها الكافرون } مضطرب الإسناد لا يثبت .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏ويزيد بن خالد بن موهب الهمداني ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏المفضل يعنيان ابن فضالة ‏ ‏عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم ‏ ‏نفث ‏ ‏فيهما وقرأ فيهما ‏ ‏قل هو الله أحد ‏ ‏وقل أعوذ برب الفلق ‏ ‏وقل أعوذ برب الناس ‏ ‏ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ثم نفث فيهما ) ‏
‏: النفث نفخ لطيف بلا ريق قاله النووي ‏
‏( فقرأ فيهما قل هو الله أحد إلخ ) ‏
‏وفي بعض النسخ وقرأ بالواو , وفي بعضها ثم قرأ . قال الحافظ أي يقرؤها وينفث حالة القراءة .
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مؤمل بن الفضل الحراني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية ‏ ‏عن ‏ ‏بحير ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن معدان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي بلال ‏ ‏عن ‏ ‏عرباض بن سارية ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏يقرأ ‏ ‏المسبحات ‏ ‏قبل أن يرقد وقال إن فيهن آية أفضل من ألف آية ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كان يقرأ المسبحات ) ‏
‏: أي السور التي في صدرها لفظ التسبيح ‏
‏( قبل أن يرقد ) ‏
‏: أي قبل أن ينام .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن غريب . هذا آخر كلامه . وفي إسناده بقية بن الوليد عن بحير بن سعد وبقية فيه مقال وأخرجه النسائي من حديث معاوية بن صالح عن بحير بن سعد مرسلا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الصمد ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حسين ‏ ‏عن ‏ ‏ابن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏أنه حدثه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان يقول إذا أخذ مضجعه ‏ ‏الحمد لله الذي كفاني وآواني وأطعمني وسقاني والذي من علي فأفضل والذي أعطاني فأجزل الحمد لله على كل حال اللهم رب كل شيء ومليكه وإله كل شيء أعوذ بك من النار ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الحمد لله الذي كفاني ) ‏
‏: أي عن الخلق أعناني ‏
‏( وآواني ) ‏
‏: أي جعل لي مسكنا يدفع عني حري وبردي
‏( والذي من ) ‏
‏: أي أنعم ‏
‏( فأفضل ) ‏
‏: أي زاد أو أكثر أو أحسن قال القاري ‏
‏( فأجزل ) ‏
‏: أي فأعظم أو أكثر من النعمة ‏
‏( رب كل شيء ) ‏
‏: أي مربيه ومصلحه ‏
‏( ومليكه )
‏: أي مالكه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حامد بن يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من اضطجع مضجعا لم يذكر الله تعالى فيه إلا كان عليه ‏ ‏ترة ‏ ‏يوم القيامة ومن قعد مقعدا لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كان عليه ‏ ‏ترة ‏ ‏يوم القيامة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كان عليه ترة ) ‏
‏: قال المناوي : بكسر المثناة الفوقية وفتح الراء أي نقص وحسرة . قال المنذري وأخرجه النسائي مختصرا بقصة الاضطجاع فقط . وفي إسناده محمد بن عجلان وقد تقدم الاختلاف فيه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقول الرجل إذا ‏ ‏تعار ‏ ‏من الليل ‏

تعار بفتح تاء وراء مشددة بعد ألف أي استيقظ ولا يكون إلا يقظة مع كلام وقيل هو تمطي وأن .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد ‏ ‏قال قال ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏حدثني ‏ ‏عمير بن هانيء ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏جنادة بن أبي أمية ‏ ‏عن ‏ ‏عبادة بن الصامت ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من ‏ ‏تعار ‏ ‏من الليل فقال حين يستيقظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم دعا رب اغفر لي ‏ ‏قال ‏ ‏الوليد ‏ ‏أو قال ‏ ‏دعا استجيب له فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته ‏

‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

قال ‏
‏( قال الأوزاعي ) ‏
‏: وفي رواية البخاري قال حدثنا الأوزاعي ‏
‏( حدثني جنادة ) ‏
‏: بضم الجيم وتخفيف النون مختلفة في صحبته ‏
‏( قال الوليد أو قال دعا ) ‏
‏: أي فقط شك من الوليد . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه , وقد تقدم الكلام عليه في الجزء قبله .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حامد بن يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عبد الرحمن ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد يعني ابن أبي أيوب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد الله بن الوليد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا استيقظ من الليل قال لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا ‏ ‏تزغ ‏ ‏قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تزغ قلبي ) ‏
‏: أي بميله عن الإيمان . زاغ عن الطريق عدل عنه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وقد تقدم الكلام عليه في الجزء قبله .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في التسبيح عند النوم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏ح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏شعبة ‏ ‏المعنى ‏ ‏عن ‏ ‏الحكم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي ليلى ‏ ‏قال ‏ ‏مسدد ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏علي ‏ ‏قال ‏
‏شكت ‏ ‏فاطمة ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما ‏ ‏تلقى في يدها من ‏ ‏الرحى ‏ ‏فأتي ‏ ‏بسبي ‏ ‏فأتته تسأله فلم تره فأخبرت بذلك ‏ ‏عائشة ‏ ‏فلما جاء النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أخبرته فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال على مكانكما فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال ألا أدلكما على خير مما سألتما ‏ ‏إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم ‏
‏حدثنا ‏ ‏مؤمل بن هشام اليشكري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏الجريري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الورد بن ثمامة ‏ ‏قال قال ‏ ‏علي ‏ ‏لابن أعبد ‏ ‏ألا أحدثك عني وعن ‏ ‏فاطمة بنت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وكانت أحب أهله إليه وكانت عندي ‏ ‏فجرت ‏ ‏بالرحى حتى ‏ ‏أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها ‏ ‏وقمت ‏ ‏البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت القدر حتى ‏ ‏دكنت ‏ ‏ثيابها وأصابها من ذلك ضر فسمعنا أن رقيقا أتي بهم إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت لو أتيت أباك ‏ ‏فسألتيه خادما يكفيك فأتته فوجدت عنده ‏ ‏حداثا ‏ ‏فاستحيت فرجعت فغدا علينا ونحن في ‏ ‏لفاعنا ‏ ‏فجلس عند رأسها فأدخلت رأسها في ‏ ‏اللفاع ‏ ‏حياء من أبيها فقال ما كان حاجتك أمس إلى آل ‏ ‏محمد ‏ ‏فسكتت مرتين فقلت أنا والله أحدثك يا رسول الله إن هذه ‏ ‏جرت ‏ ‏عندي ‏ ‏بالرحى ‏ ‏حتى أثرت في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها ‏ ‏وكسحت ‏ ‏البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت القدر حتى ‏ ‏دكنت ‏ ‏ثيابها وبلغنا أنه قد أتاك رقيق ‏ ‏أو خدم ‏ ‏فقلت لها سليه خادما فذكر معنى حديث ‏ ‏الحكم ‏ ‏وأتم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عباس العنبري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الملك بن عمرو ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن الهاد ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن كعب القرظي ‏ ‏عن ‏ ‏شبث بن ربعي ‏ ‏عن ‏ ‏علي ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بهذا الخبر قال فيه ‏ ‏قال ‏ ‏علي ‏ ‏فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إلا ليلة ‏ ‏صفين ‏ ‏فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها ‏

‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما تلقى ) ‏
‏: أي من المشقة وهو مفعول شكت
‏( في يدها من الرحى ) ‏
‏: أي من أثر إدارة الرحى ‏
‏( فأتي )
‏: بصيغة المجهول أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( بسبي )
‏: أي رقيق ‏
‏( فأتته تسأله فلم تره ) ‏
‏: أي أتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم تطلب الرقيق فما رأت النبي صلى الله عليه وسلم في منزله
‏( فأخبرت ) ‏
‏: أي فاطمة ‏
‏( بذلك ) ‏
‏: أي المذكور من إتيانها لطلب الرقيق ‏
‏( عائشة ) ‏
‏: مفعول ‏
( أخبرته ) ‏
‏: أي أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بمجيء فاطمة لطلب الرقيق فأتانا قد أخذنا مضاجعنا أي أتانا النبي صلى الله عليه وسلم حال كوننا مضطجعين ‏
‏( فذهبنا لنقوم ) ‏
‏: أي شرعنا وأردنا لنقوم له
‏( على مكانكما ) ‏
‏: أي اثبتا على ما أنتما عليه من الاضطجاع
‏( مما سألتما ) ‏
‏: قال القاري : يحتمل أن يكون على طلب بلسان القال أو الحال أو نزل رضاه منزلة السؤال أو لكون حاجة النساء حاجة الرجال أي طلبتما من الرقيق ‏
‏( فهو ) ‏
‏: أي ما ذكر من الذكر ‏
‏( خير لكما من خادم ) ‏
‏: الخادم واحد الخدم يقع على الذكر والأنثى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي . ‏
‏( وقمت البيت ) ‏
‏: بتشديد الميم أي كنست البيت ‏
‏( حتى دكنت ثيابها ) ‏
‏: من باب سمع أي صارت تضرب إلى السواد مما أصابها من الدخان . كذا في فتح الودود وفي النهاية يقال دكن الثوب إذا اتسخ واغبر لونه يدكن دكنا انتهى . قال الجوهري : الدكنة لون يضرب إلى السواد وقد دكن الثوب يدكن دكنا انتهى ‏
‏( ونحن في لفاعنا ) ‏
‏: أي لحافنا ‏
‏( وكسحت البيت ) ‏
‏: قال في المصباح : كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته انتهى ‏
‏( فذكر معنى حديث الحكم ) ‏
‏أي الذي قبله
‏( وأتم ) ‏
‏: أي من حديث الحكم , وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الخراج في باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى . ‏
‏قال المنذري وقد تقدم في كتاب الخراج وابن أعبد هو علي بن أعبد , قال ابن المديني ليس بمعروف ولا أعرف له غير هذا . ‏
‏( القرظي ) ‏
‏: نسبة إلى قريظة ‏
‏( عن شبث )
‏: بفتح أوله والموحدة ثم مثلثة . قال الحافظ : مخضرم كان مؤذن سجاح ثم أسلم ثم كان ممن أعان على عثمان ثم صحب عليا ثم صار من الخوارج عليه ثم تاب فحضر قتل الحسين , ثم كان ممن طلب بدم الحسين مع المختار ثم ولي شرط الكوفة . ثم حضر قتل المختار ومات بالكوفة , في حدود الثمانين ‏
‏( فما تركتهن ) ‏
‏: أي الكلمات المذكورة ‏
‏( إلا ليلة صفين ) ‏
‏: كسكين موضع كانت به الوقعة العظمى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ‏
‏( فإني ذكرتها )
‏: أي الكلمات . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي , وقال البخاري : لا يعلم لمحمد بن كعب سماع من شبث هذا آخر كلامه وشبث بفتح الشين المعجمة وبعدها باء مفتوحة وثاء مثلثة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن السائب ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏خصلتان ‏ ‏أو خلتان ‏ ‏لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح في ‏ ‏دبر ‏ ‏كل صلاة عشرا ويحمد عشرا ويكبر عشرا فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمس مائة في الميزان ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان فلقد رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يعقدها ‏ ‏بيده قالوا يا رسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل قال يأتي أحدكم ‏ ‏يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ‏ ‏ويأتيه في صلاته فيذكره حاجة قبل أن يقولها ‏
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عياش بن عقبة الحضرمي ‏ ‏عن ‏ ‏الفضل بن حسن الضمري ‏ ‏أن ‏ ‏ابن أم الحكم ‏ ‏أو ‏ ‏ضباعة ‏ ‏ابنتي ‏ ‏الزبير ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏إحداهما ‏ ‏أنها قالت ‏ ‏أصاب رسول الله ‏ ‏سبيا ‏ ‏فذهبت أنا وأختي ‏ ‏فاطمة بنت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فشكونا إليه ما نحن فيه وسألناه أن يأمر لنا بشيء من ‏ ‏السبي ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏سبقكن يتامى ‏ ‏بدر ‏ ‏ثم ذكر قصة التسبيح قال على ‏ ‏أثر ‏ ‏كل صلاة لم يذكر النوم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( خصلتان أو خلتان ) ‏
‏: شك من الراوي وهما بمعنى واحد ‏
‏( هما ) ‏
‏أي الخصلتان أي كل منهما ‏
‏( يسير )
‏: سهل خفيف لعدم صعوبة العمل بهما ‏
‏( من يعمل بهما ) ‏
: مبتدأ ‏
‏( قليل ) ‏
‏: خبر ‏
‏( يسبح ) ‏
‏: بيان لإحدى الخصلتين , والضمير للعبد المسلم ‏
‏( في دبر كل صلاة ) ‏
‏: أي عقب كل صلاة ‏
‏( فذلك ) ‏
‏: أي التسبيح والتحميد والتكبير عشرا عشرا دبر كل صلاة من الصلوات الخمس ‏
‏( خمسون ومائة باللسان ) ‏
‏: أي في يوم وليلة ‏
‏( وألف وخمس مائة في الميزان ) ‏
‏: لقوله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ‏
‏( ويكبر أربعا وثلاثين ) ‏
‏: بيان للخلة الثانية ‏
‏( إذا أخذ مضجعه ) ‏
‏: أي حين أخذ مرقده وإذا للظرفية المجردة ‏
‏( يعقدها بيده ) ‏
‏: أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها ‏
‏( كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل ) ‏
‏: أي ما وجه قولك هذا والضمير في بهما للخصلتين ‏
‏( يأتي أحدكم ) ‏
‏: بالنصب مفعول
‏( فينومه ) ‏
‏: بتشديد الواو أي يلقي عليه النوم ‏
‏( قبل أن يقوله ) ‏
‏: أي الذكر المذكور في الخلة الثانية ‏
‏( فيذكره حاجة )
‏: أي فينصرف عن الصلاة ‏
‏( قبل أن يقولها ) ‏
‏: أي الكلمات المذكورة في الخلة الأولى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن صحيح وأخرجه النسائي مسندا وموقوفا على عبد الله بن عمرو .
‏( أن ابن أم الحكم ) ‏
‏: قال المزي في الأطراف : قال أبو القاسم ومن مسند أم الحكم ويقال أم حكيم صفية ويقال عاتكة ويقال ضباعة بنت الزبير , وقال قال محمد بن سعيد هي أم الحكم , وقال شباب بن خياط حدثني غير واحد من بني هاشم أنهم لا يعرفون للزبير ابنة غير ضباعة وقال ضباعة هي أم حكيم . قال أبو القاسم : وهذا وهم , فقد ذكر الزبير بن بكار للزبير ابنتين ضباعة وأم حكيم وذكر أن أم حكيم كانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وولده منها , وضباعة كانت تحت المقداد انتهى . وفي التقريب : ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم لها صحبة وحديث انتهى ‏
‏( أو ضباعة ) ‏
‏: أي ابن ضباعة معطوف على قوله أم الحكم ‏
‏( حدثه ) ‏
‏: فاعل حدث ابن أم الحكم والضمير المنصوب يرجع إلى الفضل بن حسن ‏
‏( عن إحداهما ) ‏
‏: التي هي أمه .
‏واعلم أن الحديث فيه الواسطة وهي ابن أم الحكم بين أمها وبين الفضل بن حسن , وهكذا بإثبات الواسطة في أطراف المزي , لكن لم يبين أن ابنها من هو , وهذه عبارته ومن مسند أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابن هاشم على النبي صلى الله عليه وسلم حديث أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا أخرجه أبو داود في الخراج وفي الأدب عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن عياش بن عقبة الحضرمي عن الفضل بن الحسن الضمري أن ابن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير حدثه عن إحداهما أنها قالت فذكر انتهى . ‏
‏وقال في أسد الغابة بإسناده حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن عياش بن عقبة عن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري قال حدثني ابن أم الحكم قال حدثتني أمي أم الحكم فذكر الحديث . ‏
‏وروى ابن منده وأبو نعيم بإسنادهما عن عياش بن عقبة الحضرمي عن الفضل بن الحسن عن ابن أم الحكم عن أمه أم الحكم بنت الزبير فذكره انتهى . ‏
‏فهذه الروايات كلها مصرحة بإثبات الواسطة المذكورة , لكن ابن أم الحكم هذا مجهول لا يعرف . قاله الحافظ في التقريب .
‏وتقدم هذا الحديث في كتاب الخراج في باب بيان مواضع قسم الخمس , وليس هناك هذه الواسطة وعبارة هكذا عن الفضل بن الحسن الضمري أن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب حدثته عن إحداهما أنها قالت الحديث . ‏
‏وهكذا بحذف الواسطة أورده ابن الأثير من جهة أبي داود . ‏
‏وقال المنذري في مختصر السنن في كتاب الأدب : وعن الفضل بن الحسن الضمري أن أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير حدثته عن إحداهما . وقال في كتاب الخراج وعن أم الحكم أو ضباعة بنتي الزبير أنها قالت فذكر الحديث ثم سكت عنه , كذا في غاية المقصود . ‏
‏( فذهبت أنا وأختي وفاطمة )
‏: هكذا بإثبات الواو بين أختي وفاطمة في هذا المحل . ‏
‏ولفظ ابن أبي شيبة فذهبت هي وأختها حتى دخلتا على فاطمة فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ‏
‏وعند ابن الأثير فذهبت أنا وأختي إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في كتاب الخراج أيضا بإثبات الواو بينهما . وأما الرواية بحذف الواو بينهما فعلى هذا قولها فاطمة بدل من قولها أختي , وهكذا بحذف الواو في أطراف المزي . وأما عند المنذري ففي كتاب الخراج بإثبات الواو , وفي كتاب الأدب بحذف الواو كذا في الغاية ‏
‏( ما نحن فيه )
‏: من مشقة البيوت ‏
‏( يتامى بدر ) ‏
‏: أي من قتل آباؤهم في بدر , والمراد فقراء بدر سموا باسم اليتامى ترحيما عليهم . ‏
‏قال المنذري : وقد تقدم في كتاب الخراج .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقول إذا أصبح

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏عن ‏ ‏يعلى بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن ‏ ‏أبا بكر الصديق ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال ‏ ‏قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان ‏ ‏وشركه ‏ ‏قال قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فاطر السماوات والأرض ) ‏
‏: أي مخترعهما وموجدهما على غير مثال سبق ‏
‏( عالم الغيب والشهادة ) ‏
‏: أي ما غاب من العباد وظهر لهم ‏
‏( رب كل شيء ومليكه ) ‏
‏: فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالقدير بمعنى القادر ‏
‏( وشر الشيطان ) ‏
‏: أي وسوسته وإغوائه وإضلاله ‏
‏( وشركه ) ‏
‏: بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله ويروى بفتحتين أي مصائده وحبائله التي يفتتن بها الناس .
‏قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن صحيح ‏
‏( إذا أصبح ) ‏
‏: أي دخل في الصباح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه ‏ ‏كان يقول إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك ‏ ‏نحيا وبك نموت وإليك ‏ ‏النشور ‏ ‏وإذا أمسى قال اللهم بك أمسينا وبك ‏ ‏نحيا وبك نموت وإليك ‏ ‏النشور ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( اللهم بك أصبحنا ) ‏
‏: الباء متعلق بمحذوف وهو خبر أصبحنا ولا بد من تقدير مضاف أي أصبحنا متلبسين بحفظك أو مغمورين بنعمك أو مشتغلين بذكرك ‏
‏( وبك نحيا وبك نموت ) ‏
‏: قيل هو حكاية الحال الآتية يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الحالات . ‏
‏قال النووي : معناه أنت تحييني وأنت تميتني ‏
‏( وإليك النشور ) ‏
‏: أي البعث بعد الموت ‏
‏( وإذا أمسى ) ‏
‏: عطف على إذا أصبح . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حسن . ‏

 


تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ولفظ النسائي فيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح : اللهم بك أصبحنا , وبك أمسينا , وبك نحيا , وبك نموت , وإليك النشور " فقط.
‏ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه , وقال " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح : اللهم بك أصبحنا , وبك أمسينا , وبك نحيا , وبك نموت , وإليك النشور , وإذا أمسى قال : اللهم بك أمسينا , وبك أصبحنا , وبك نحيا , وبك نموت وإليك المصير " . ‏
‏فرواية أبي داود فيها " النشور " في المساء , و " المصير " في الصباح . ‏
‏ورواية الترمذي فيها " النشور " في المساء , و " المصير " في الصباح . ‏
‏ورواية ابن حبان فيها " النشور " في الصباح و " المصير " في المساء , وهي أولى الروايات أن تكون محفوظة ; لأن الصباح والانتباه من النوم : بمنزلة النشور وهو الحياة بعد الموت . والمساء والصيرورة إلى النوم بمنزلة الموت , والمصير إلى الله ولهذا جعل الله سبحانه في النوم الموت والانتباه بعده دليلا على البعث والنشور ; لأن النوم أخو الموت , والانتباه نشور وحياة قال تعالى : { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله , إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } . ‏
‏ويدل عليه أيضا ما رواه البخاري في صحيحه عن حذيفة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا , وإليه النشور " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن أبي فديك ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عبد الرحمن بن عبد المجيد ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن الغاز بن ربيعة ‏ ‏عن ‏ ‏مكحول الدمشقي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن ‏ ‏محمدا ‏ ‏عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا محمد بن أبي فديك ) ‏
‏: بالتصغير
‏( حين يصبح أو يمسي ) ‏
‏: كلمة أو للتخيير أو للتنويع ‏
( أشهدك ) ‏
‏: أي أجعلك شاهدا على إقراري بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار للشهادة وتأكيد لها وتجديد لها في كل صباح ومساء ‏
‏( وأشهد حملة عرشك ) ‏
‏: جمع حامل أي حاملي عرشك ‏
‏( وملائكتك ) ‏
: بالنصب عطف على الحملة تعميما بعد تخصيص ‏
‏( وجميع خلقك ) ‏
‏: تعميم آخر ‏
‏( أنك ) ‏
‏: بفتح الهمزة أي على شهادتي واعترافي بأنك
‏( أعتق الله ) ‏
‏: جواب الشرط ‏
‏( فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار ) ‏
‏: أي أعتقه كله . ‏
‏قال المنذري : في إسناده عبد الرحمن بن عبد المجيد وهو أبو رجاء المهري مولاهم المصري المكفوف , قال ابن يونس كان يحدث حفظا وكان أعمى وأحاديثه مضطربة . ووقع في أصل سماعنا وفي غيره عبد الرحمن بن عبد المجيد والصحيح عبد الحميد , هكذا ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين وله العناية المعروفة بأهل بلده وذكره غيره أيضا كذلك .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن ثعلبة الطائي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من قال حين يصبح أو حين يمسي اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ‏ ‏أبوء ‏ ‏بنعمتك ‏ ‏وأبوء ‏ ‏بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فمات من يومه ‏ ‏أو من ليلته ‏ ‏دخل الجنة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وأنا على عهدك ووعدك ) ‏
‏: أي أنا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق , وأنا موقن بوعدك يوم الحشر والتلاق ‏
‏( ما استطعت )
‏: أي بقدر طاقتي . ‏
‏وفي فتح الباري قال الخطابي : يريد أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت . وفيه أيضا واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى
‏( أبوء بنعمتك ) ‏
‏: أي أعترف بها وأقر وألتزم , وأصله البواء ومعناه اللزوم ‏
‏( وأبوء بذنبي ) ‏
‏: أي أعترف أيضا . ‏
‏قال الخطابي : معناه الإقرار به أيضا كالأول ولكن فيه معنى ليس في الأول تقول العرب باء فلان بذنبه إذا احتمله كرها لا يستطيع دفعه عن نفسه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بريدة عن بشير بن كعب عن شداد بن أوس بنحوه وقال فيه سيد الاستغفار . وأخرجه الترمذي من حديث عثمان بن ربيعة عن شداد بن أوس وقال حسن غريب من هذا الوجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏عن ‏ ‏خالد ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن قدامة بن أعين ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن بن عبيد الله ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم بن سويد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏يقول إذا أمسى أمسينا وأمسى الملك لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له ‏
‏زاد ‏ ‏في حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏وأما ‏ ‏زبيد ‏ ‏كان ‏ ‏يقول ‏ ‏كان ‏ ‏إبراهيم بن سويد ‏ ‏يقول ‏ ‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل ومن سوء الكبر ‏ ‏أو الكفر ‏ ‏رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏سلمة بن كهيل ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم بن سويد ‏ ‏قال ‏ ‏من سوء الكبر ولم يذكر سوء الكفر ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا جرير ) ‏
‏: فجرير وخالد كلاهما يرويان عن الحسن بن عبيد الله ‏
‏( زاد في حديث جرير ) ‏
‏: ولفظ المنذري في مختصر السنن وعن عبد الله هو ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أمسى أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأما زبيد كان يقول كان إبراهيم بن سويد يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها . رب أعوذ بك من الكسل ومن سوء الكبر . رب أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر إلى آخره . ‏
‏قلت : حديث جرير أخرجه مسلم ما لفظه حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا جرير عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال " كان نبي الله إذا أمسى قال أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له , قال أراه قال فيهن له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها . ‏
‏رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر . رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر . وإذا أصبح قال ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله " . ‏
‏ثم أخرج من طريق أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا حسين بن علي عن زائدة عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له , اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها , وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها , اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر " قال الحسن بن عبيد الله وزادني فيه زبيد عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رفعه أنه قال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " .
‏وأخرج من طريق قتيبة بن سعيد أخبرنا عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عبيد الله أخبرنا إبراهيم بن سويد النخعي أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له " قال الحسن فحدثني الزبيد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , اللهم أسألك خير هذه الليلة وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر , اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر " انتهى .
‏( من سوء الكبر ) ‏
‏: قال النووي : رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس , والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر كما في الحديث الآخر . ‏
‏قال القاضي : وهذا أظهر وأشهر بما قبله . قال وبالفتح ذكره الهروي بالوجهين ذكره الخطابي , وصوب الفتح وتعضده رواية النسائي وسوء العمر انتهى ‏
‏( أو الكفر ) ‏
‏: هذا شك من الراوي أي من سوء الكفر أي من شر ما فيه الكفر أو الكفران ‏
‏( ولم يذكر سوء الكفر )
‏: وكذلك لم يذكر هذه اللفظة بعض أصحاب الحسن بن عبيد الله كعبد الواحد بن زياد وزائدة بل جرير أيضا في رواية عثمان بن أبي شيبة وروايتهم عند مسلم فجملة سوء الكبر هي محفوظة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏سابق بن ناجية ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلام ‏
‏أنه كان في مسجد ‏ ‏حمص ‏ ‏فمر به ‏ ‏رجل ‏ ‏فقالوا هذا خدم النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقام إليه فقال حدثني بحديث سمعته من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لم يتداوله بينك وبينه الرجال قال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ‏ ‏وبمحمد ‏ ‏رسولا إلا كان حقا على الله أن يرضيه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي عقيل ) ‏
‏: بفتح العين واسمه هشام بن بلال ‏
‏( عن أبي سلام ) ‏
‏: بتشديد اللام هو ممطور الحبشي
‏( أنه ) ‏
‏: أي أبو سلام ‏
‏( كان في مسجد حمص )
‏: بكسر المهملة وسكون الميم كورة بالشام ‏
‏( فقالوا هذا )
‏: أي الرجل ‏
‏( خدم ) ‏
‏: صيغة الماضي المعلوم ‏
( فقام ) ‏
‏: أي أبو سلام ‏
‏( إليه ) ‏
‏: أي إلى الرجل
‏( فقال ) ‏
‏: أي أبو سلام ‏
‏( لم يتداوله بينك وبينه الرجال ) ‏
‏: في الصراح : تداولته الأيدي أخذته هذه مرة وهذه مرة , والمعنى لم يكن بينك وبينه صلى الله عليه وسلم واسطة الرجال ‏
‏( رضينا بالله ربا )
‏: تمييز وهو يشمل الرضا بالأحكام الشرعية والقضايا الكونية ‏
( إلا كان حقا على الله ) ‏
‏: هو خبر كان ‏
‏( أن يرضيه ) ‏
: أي يعطيه ثوابا جزيلا حتى يرضى وهو اسم كان . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن حسان ‏ ‏وإسمعيل ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سليمان بن بلال ‏ ‏عن ‏ ‏ربيعة بن أبي عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عنبسة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن غنام البياضي ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عبد الله بن غنام ) ‏
‏: بتشديد النون
‏( ما أصبح بي ) ‏
‏: أي حصل لي في الصباح قاله القاري . وقيل أي ما أصبح متصلا بي ‏
‏( من نعمة ) ‏
‏: دنيوية أو أخروية ‏
‏( فمنك )
‏: أي حاصل منك ‏
‏( وحدك ) ‏
‏: حال من الضمير المتصل في منك ‏
‏( ومن قال مثل ذلك حين يمسي ) ‏
‏: لكن يقول أمسى بدل أصبح
‏( فقد أدى شكر ليلته ) ‏
‏: هذا يدل على أن الشكر هو الاعتراف بالمنعم الحقيقي ورؤية كل النعم دقيقها وجليلها منه , وكماله أن يقوم بحق النعم ويصرفها في مرضاة المنعم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي . وغنام بفتح الغين المعجمة وتشديد النون وفتحها وبعد الألف ميم . والبياضي منسوب إلى بياضة بطن من الأنصار . وقال ابن أبي حاتم عبد الله بن عنبسة وروى عن ابن غنام ويقال عن ابن عباس , وقال أيضا سئل أبو زرعة فقال مدني لا أعرفه إلا في هذا الحديث يعني حديث النبي صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن موسى البلخي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏المعنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن نمير ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبادة بن مسلم الفزاري ‏ ‏عن ‏ ‏جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏يقول ‏
‏لم يكن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح ‏ ‏اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عورتي ‏ ‏وقال ‏ ‏عثمان ‏ ‏عوراتي ‏ ‏وآمن ‏ ‏روعاتي ‏ ‏اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن ‏ ‏أغتال من تحتي ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏وكيع ‏ ‏يعني الخسف ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع )
‏: أي يترك ‏
‏( اللهم إني أسألك العافية ) ‏
‏: أي السلامة من الآفات ‏
‏( اللهم إني أسألك العفو ) ‏
‏: أي التجاوز عن الذنوب
‏( اللهم استر عورتي ) ‏
‏: هي سوءة الإنسان وكل ما يستحيى منه
‏( وقال عثمان عوراتي ) ‏
‏: أي بصيغة الجمع ‏
‏( وآمن روعاتي )
‏: أي مخوفاتي , والروعة الفزعة ‏
‏( اللهم احفظني ) ‏
: أي ادفع البلاء عني ‏
‏( من بين يدي ) ‏
‏: أي أمامي ‏
‏( أن أغتال ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي أوخذ بغتة وأهلك غفلة ‏
‏( قال وكيع يعني الخسف ) ‏
‏: أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتيال من الجهة التحتانية الخسف . ‏
‏قال في القاموس : خسف الله بفلان الأرض غيبه فيها .
‏قال الطيبي : عم الجهات لأن الآفات منها وبالغ في جهة السفل لرداءة الآفة .
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عمرو ‏ ‏أن ‏ ‏سالما الفراء ‏ ‏حدثه أن ‏ ‏عبد الحميد مولى بني هاشم ‏ ‏حدثه أن ‏ ‏أمه ‏ ‏حدثته ‏ ‏وكانت تخدم بعض بنات النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏أن ‏ ‏ابنة النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حدثتها أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان يعلمها فيقول ‏ ‏قولي حين تصبحين سبحان الله وبحمده لا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإنه من قالهن حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهن حين يمسي حفظ حتى يصبح ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن أمه ) ‏
‏: قال الحافظ : أم عبد الحميد لم أقف على اسمها ‏
‏( وكانت ) ‏
‏: أي أم عبد الحميد ‏
‏( فيقول )
‏: الفاء عاطفة ويحتمل أن تكون تفسيرية ‏
‏( سبحان الله )
‏: هو علم للتسبيح منصوب على المصدرية تقديره سبحت الله سبحانا ولا يستعمل غالبا إلا مضافا , ومعنى التسبيح تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص ‏
( وبحمده ) ‏
‏: قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه , وقيل عاطفة والتقدير أسبح الله وألتبس بحمده ‏
‏( ما شاء الله )
‏: أي وجوده ‏
‏( كان ) ‏
‏: أي وجد ‏
‏( وما لم يشأ لم يكن ) ‏
‏: أي لم يوجد ( أعلم ) : أي أعتقد ( أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) : قال الطيبي : هذان الوصفان أعني القدرة الشاملة والعلم الكامل هما عمدة أصول الدين وبهما يتم إثبات الحشر والنشر ورد الملاحدة في إنكارهم البعث وحشر الأجساد ‏
‏( فإنه ) ‏
‏: أي الشأن ‏
‏( حفظ )
‏: بصيغة المجهول أي من البلايا والخطايا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي أمه مجهول .

 

‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏الربيع بن سليمان ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن بشير النجاري ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن البيلماني ‏ ‏قال ‏ ‏الربيع ‏ ‏ابن البيلماني ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏من قال حين يصبح ‏

‏أدرك ما فاته في يومه ذلك ومن قالهن حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته ‏
‏قال ‏ ‏الربيع ‏ ‏عن ‏ ‏الليث

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( البيلماني ) ‏
‏: بفتح الموحدة واللام بينهما تحتانية ساكنة ‏
‏( قال الربيع ) ‏
‏: هو ابن سليمان ‏
‏( ابن البيلماني ) ‏
‏: أي بحذف اسم أبيه عبد الرحمن ‏
‏( فسبحان الله )
‏: أي نزهوه عما لا يليق بعظمته , وقيل معناه صلوا ‏
‏( حين تمسون )
‏: أي تدخلون في المساء وهو وقت المغرب والعشاء ‏
‏( وحين تصبحون )
‏: أي تدخلون في الصباح ‏
‏( وله الحمد في السماوات والأرض )
‏: اعتراض ومعناه يحمده أهلهما ‏
‏( وعشيا ) ‏
‏: عطف على حين وأريد به وقت العصر ‏
‏( وحين تظهرون ) ‏
‏أي تدخلون في الظهيرة وهو وقت الظهر ‏
‏( إلى وكذلك تخرجون ) ‏
‏: أي إلى قوله تعالى وكذلك تخرجون , وهذا اقتصار من الراوي وتمامه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون . في معالم التنزيل قال نافع بن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال نعم , وقرأ هاتين الآيتين , وقال جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها انتهى . ‏
‏واختار الطيبي عموم معنى التسبيح الذي هو مطلق التنزيه فإنه المعنى الحقيقي الأولي من المعنى المجاز من إطلاق الجزء وإرادة الكل , مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ‏
‏( أدرك ما فاته )
‏: أي من الخير أي حصل له ثواب ما فاته من ورد وخير وهو جواب الشرط
‏( ومن قالهن ) ‏
‏: أي تلك الكلمات أو الآيات ‏
‏( قال الربيع عن الليث ) ‏
‏: وأما أحمد بن سعيد فقال أخبرني الليث كما مر .
‏قال المنذري : في إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه , وكلاهما لا يحتج به . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏ووهيب ‏ ‏نحوه ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي عائش ‏ ‏وقال ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عياش ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له ‏ ‏عدل ‏ ‏رقبة من ولد ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في ‏ ‏حرز ‏ ‏من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح ‏ ‏قال ‏ ‏في حديث ‏ ‏حماد ‏ ‏فرأى رجل رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يرى النائم فقال يا رسول الله إن ‏ ‏أبا عياش ‏ ‏يحدث عنك بكذا وكذا قال صدق ‏ ‏أبو عياش ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏إسمعيل بن جعفر ‏ ‏وموسى الزمعي ‏ ‏وعبد الله بن جعفر ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عائش ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ووهيب نحوه ) ‏
‏: أي نحو حديث حماد ‏
( عن ابن أبي عائش ) ‏
‏: قال المزي في الأطراف : أبو عياش , ويقال ابن أبي عياش ويقال ابن أبي عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقال إنه الزرقي حديث من قال إذا أصبح إلخ أخرجه أبو داود في الأدب عن موسى عن حماد ووهيب كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن أبي عياش , وقال حماد عن أبي عياش وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن إبراهيم بن يعقوب عن الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة عن سهيل عن أبيه عن أبي عياش الزرقي . وأخرجه ابن ماجه في الدعاء نحوه انتهى . ‏
‏قال الحافظ في الإصابة : أبو عياش وقيل ابن عياش وقيل ابن أبي عياش روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال إذا أصبح لا إله إلا الله " الحديث من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي بعض طرقه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن أبي عياش وفي بعض طرقه عن أبي عياش الزرقي . فقيل هو زيد بن الصامت أبو عياش الزرقي . وعلى ذلك جرى أبو أحمد الحاكم , والذي يظهر أنه غيره . ‏
‏ووقع في الكنى لأبي بشر الدولابي أبو عياش الزرقي روى عنه زيد بن أسلم حديث من قال إذا أصبح إلخ انتهى . ‏
‏( من قال ) ‏
‏: شرطية ‏
‏( إذا أصبح )
‏: ظرفية ‏
‏( كان له ) ‏
‏: جواب الشرط ‏
‏( عدل رقبة )
‏: أي مثل عتقها وهو بفتح العين وكسرها بمعنى المثل . وقيل بالفتح المثل من غير الجنس وبالكسر من الجنس وقيل بالعكس ‏
‏( من ولد إسماعيل )
‏: صفة رقبة وهو بفتح الواو واللام وبضم وسكون أي أولاده , والتخصيص لأنهم أشرف من سبي ‏
‏( وكتب ) ‏
‏: أي أثبت مع هذا ‏
‏( وحط )
‏: أي وضع ومحي ‏
‏( وكان في حرز ) ‏
‏: أي حفظ وصون
‏( كان له مثل ذلك ) ‏
‏: أي ما ذكر من الجزاء ‏
‏( فرأى رجل )
‏: قال القاري : ذكر استظهارا لا دليلا عليه للإجماع على أن رؤية المنام لا يعمل بها . ‏
‏( قال أبو داود رواه إسماعيل إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : وقال أبو بكر الخطيب عند القاضي يعني أبا عمر الهاشمي عن شيخه عن أبي عائش , وكذا عند غيره , وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي حديثهما عن أبي عياش الزرقي , وأبو عياش الأنصاري الزرقي اسمه زيد بن الصامت وقيل غير ذلك وهو بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وبعد الألف شين معجمة , وذكره أبو أحمد الكرابيسي في كتاب الكنى وقال له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم , وليس حديثه من وجه صحيح وذكر له هذا الحديث . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , عشر مرات كان كمن أعتق عشرة أنفس من ولد إسماعيل " . ‏
‏وقال البخاري : " رقبة من ولد إسماعيل " رواه تعليقا . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة , كانت له عدل عشر رقاب , وكتبت له مائة حسنة , ومحيت عنه مائة سيئة , وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي , ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك , ومن قال : سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة , حطت عنه خطاياه , وإن كانت مثل زبد البحر " . ‏
‏فهذا الحديث يدل على أن كل رقبة يعدلها عشر مرات تهليلا , وهو يوافق رواية البخاري في الحديث الذي قبله .
‏وحديث ابن عباس يدل على أن كل مرة برقبة , ويوافقه حديث أبي أيوب الذي رواه مسلم ولكن حديث أبي أيوب قد اختلف فيه البخاري ومسلم كما ذكرناه . ‏
‏وحديث أبي هريرة صريح بأن المائة تعدل عشر رقاب ولم يختلف فيه . فيترجح من هذا الوجه على خبر أبي أيوب , وتترجح رواية مسلم لحديث أبي أيوب بحديث ابن عباس المتقدم . ‏
‏فقد تقابل الترجيحان . ‏
‏وقد يقال : خبر ابن عباس قد تكلم فيه , وأنه لا يصح , وخبر أبي أيوب قد اختلف في لفظه , وخبر أبي هريرة : صحيح لا علة فيه ولا اختلاف فوجب تقديمه , والله أعلم . ‏
‏وقد روى الترمذي من حديث زيد بن أبي أنيسة عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , يحيي ويميت , وهو على كل شيء قدير , عشر مرات , كتب له عشر حسنات , ومحي عنه عشر سيئات , ورفع له عشر درجات , وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان , ولم ينبغ لذنب أن يدركه ذلك اليوم إلا الشرك بالله " وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه . ‏
‏وأما الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك , وله الحمد يحيي ويميت , وهو حي لا يموت بيده الخير , وهو على كل شيء قدير , كتب له ألف ألف حسنة , ومحي عنه ألف ألف سيئة , ورفع له ألف ألف درجة " فهو حديث معلول لا يثبت مثله , وذكر له الترمذي طرقا . ‏
‏أحدها : أحمد بن منيع : حدثنا أزهر بن سنان حدثنا محمد بن واسع قال " قدمت مكة فلقيني أخي سالم بن عبد الله بن عمر , فحدثني عن أبيه عن جده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكره " وقال هذا حديث غريب .
‏والثاني : رواه عمر بن دينار . قهرمان آل الزبير عن سالم نحوه . ‏
‏قال الترمذي : حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان قالا حدثنا عمرو بن دينار - وهو قهرمان آل الزبير - عن سالم عن أبيه عن جده وقال " وبني له بيت في الجنة " ولم يقل " ألف ألف درجة " . ‏
‏والثالث : رواه يحيى بن سليم الطائفي عن عمران بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يذكر عمر . ذكره الترمذي تعليقا عن يحيى . ‏
‏فأما الطريق الأولى فهي أمثل طرقه , وأزهر بن سنان لا بأس به , وقد تكلم فيه بعض الأئمة , وقد ذكر حديثه هذا الحافظ أبو عبد الله المقدسي في المختارة . ‏
‏وأما الطريق الثانية : ففيها عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير , قال البخاري في التاريخ فيه نظر . وذكر هذا الإسناد بعينه ولم يذكر له متنا فقال : قال موسى بن عبد الرحمن حدثنا زيد بن خباب حدثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن دينار مولى الأنصاري عن سالم عن أبيه عن عمر , وقال الترمذي : تكلم فيه بعض أصحاب الحديث وقد روى عن سالم أحاديث لا يتابع عليها . ‏
‏وأما الطريق الثالثة : ففيها عمران بن مسلم , وليس هو عمران بن مسلم القصير فإن ذاك من رجال الصحيح , وهذا منكر الحديث . قاله البخاري وغيره .
‏وقد قيل : إنه القصير , والله أعلم . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عثمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية ‏ ‏عن ‏ ‏مسلم يعني ابن زياد ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏يقول ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من قال حين يصبح اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن ‏ ‏محمدا ‏ ‏عبدك ورسولك إلا غفر له ما أصاب في يومه ذلك من ذنب وإن قالها حين يمسي غفر له ما أصاب تلك الليلة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إلا غفر الله له ) ‏
‏: قال القاري استثناء مفرغ مما هو جواب محذوف للشرط المذكور , أي الذي قال فيه ذلك الذكر , تقديره ما قال قائل هذا الدعاء إلا غفر الله له أو يقدر نفي أي من قال ذلك لم يحصل له شيء من الأحوال إلا هذه الحالة العظيمة من المغفرة الجسيمة ‏
‏( من ذنب )
‏: أي أي ذنب كان , واستثنى الكبائر وكذا ما يتعلق بحقوق العباد , والإطلاق للترغيب , مع أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء . ‏
‏والحديث ليس من رواية اللؤلئي ولذا لم يذكره المنذري : وقال المزي : حديث من قال حين يصبح إلخ أخرجه أبو داود في الأدب عن عمرو بن عثمان , وأخرجه الترمذي في الدعوات عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن حيوة بن شريح الحمصي , وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن إسحاق بن إبراهيم وعمرو بن عثمان وكثير بن عبيد أربعتهم عن بقية بن الوليد عن مسلم بن زياد الشامي مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس , وحديث أبي داود في رواية أبي بكر بن داسة عنه , ولم يذكره أبو القاسم انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن إبراهيم أبو النضر الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن شعيب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أبو سعيد الفلسطيني عبد الرحمن بن حسان ‏ ‏عن ‏ ‏الحارث بن مسلم ‏ ‏أنه أخبره عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏مسلم بن الحارث التميمي ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه أسر إليه فقال ‏ ‏إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك كتب لك ‏ ‏جوار ‏ ‏منها وإذا صليت الصبح فقل كذلك فإنك إن مت في يومك كتب لك ‏ ‏جوار ‏ ‏منها ‏
‏أخبرني ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏الحارث ‏ ‏أنه قال ‏ ‏أسرها إلينا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فنحن نخص بها إخواننا ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عثمان الحمصي ‏ ‏ومؤمل بن الفضل الحراني ‏ ‏وعلي بن سهل الرملي ‏ ‏ومحمد بن المصفى الحمصي ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏الوليد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن حسان الكناني ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏نحوه إلى قوله ‏ ‏جوار ‏ ‏منها إلا أنه قال فيهما قبل أن يكلم أحدا ‏ ‏قال ‏ ‏علي بن سهل ‏ ‏فيه ‏ ‏إن ‏ ‏أباه ‏ ‏حدثه ‏ ‏وقال ‏ ‏علي ‏ ‏وابن المصفى ‏ ‏بعثنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في ‏ ‏سرية ‏ ‏فلما بلغنا ‏ ‏المغار ‏ ‏استحثثت فرسي فسبقت أصحابي وتلقاني الحي ‏ ‏بالرنين ‏ ‏فقلت لهم قولوا لا إله إلا الله وحده ‏ ‏تحرزوا ‏ ‏فقالوها فلامني أصحابي وقالوا حرمتنا الغنيمة فلما قدمنا على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أخبروه بالذي صنعت فدعاني فحسن لي ما صنعت وقال أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا وكذا ‏ ‏قال ‏ ‏عبد الرحمن ‏ ‏فأنا نسيت الثواب ثم قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أما إني سأكتب لك بالوصاة بعدي قال ففعل وختم عليه فدفعه إلي وقال لي ثم ذكر معناهم ‏ ‏و قال ‏ ‏ابن المصفى ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏الحارث بن مسلم بن الحارث التميمي ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏أبيه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( الفلسطيني ) ‏
‏: بكسر فاء وفتح لام وسكون سين مهملة وكسر طاء مهملة وبمثناة تحتية فنون نسبة إلى فلسطين كذا في المغني .
‏وفي القاموس : فلسطون وفلسطين وقد يفتح فاؤهما كورة بالشام وقرية بالعراق
‏( عبد الرحمن بن حسان ) ‏
‏: بدل من أبي سعيد ‏
‏( أنه أسر )
‏: من الإسرار ‏
‏( إليه ) ‏
‏أي إلى مسلم بن الحارث والمعنى تكلم صلى الله عليه وسلم معه خفية ‏
‏( إذا انصرفت ) ‏
‏: أي فرغت
‏( اللهم أجرني من النار ) ‏
‏: أجرني أمر من الإجارة من باب الإفعال من الجور معناه أمني وأعذني وأنقذني وخلصني من النار . ‏
‏قال في لسان العرب : وفي التنزيل العزيز : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } : قال الزجاج : المعنى إن طلب أحد من أهل الحرب أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله فأجره أي أمنه . ‏
‏قال أبو الهيثم : الجار والمجير والمعيذ واحد , ومن عاذ بالله استجار به أجاره الله وأجاره الله من العذاب أنقذه . انتهى ملخصا .
‏وأما في قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم آجرني في مصيبتي " فآجر ها هنا أمر من الإيجار من باب الإفعال من الأجر , وأيضا يروى فيه أجرني بسكون الهمزة وضم الجيم من باب نصر ينصر من الأجر , وعلى كلتا الروايتين معنى واحد أي أعطني أجرا وثوابا في مصيبتي . ‏
‏قال في اللسان : وفي حديث أم سلمة : " آجرني الله في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها " آجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره ويأجره والأمر منهما آجرني وأجرني انتهى . ‏
‏وفي مجمع البحار : آجرني في مصيبتي آجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء , وكذا أجره يأجره وأجرني في مصيبتي بسكون الهمزة وضم الجيم إن كان ثلاثيا وإلا فبفتح همزة ممدودة وبكسر الجيم من آجره الله أعطاه جزاء صبره وهو بالقصر أكثر انتهى . ‏
‏وفي النهاية آجره يوجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره والأمر منهما آجرني وأجرني انتهى ‏
‏( سبع مرات ) ‏
‏: ظرف لقل أي كرر ذلك سبع مرات ‏
( فإنك إذا قلت ذلك ) ‏
‏: أي الدعاء المذكور سبعا ‏
‏( ثم مت )
‏: بالضم والكسر ‏
‏( كتب لك جوار ) ‏
‏: بكسر الجيم وإهمال الراء وفي بعض النسخ بفتح الجيم وإعجام الزاي أي أمان وخلاص . ‏
‏قال في المرقاة : والجواز في الأصل للبراءة التي تكون مع الرجل في الطريق حتى لا يمنعه أحد من المرور وحينئذ فلا يدفعه إلا تحلة القسم انتهى ‏
‏( منها ) ‏
‏: أي من النار ‏
‏( أسرها ) ‏
‏: أي الكلمات المذكورة ‏
‏( نحن نخص إخواننا بها ) ‏
‏: وفي بعض النسخ فنحن بالفاء وهو الأولى وكأنه فهم أن الإسرار كان تخصيصا منه له والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( الحمصي )
‏: بكسر المهملتين ‏
‏( ومؤمل ) ‏
‏: بوزن محمد ‏
( بن الفضل الحراني ) ‏
‏: بفتح المهملة وشدة الراء ‏
‏( الرملي )
‏: بفتح الراء وسكون الميم نسبة إلى رملة مدينة من فلسطين ‏
‏( قال نحوه ) ‏
‏: أي نحو الحديث السابق ‏
‏( إلى قوله جوار منها )
‏: أي بدون ذكر قوله أخبرني أبو سعيد إلخ ‏
‏( إلا أنه قال )
‏: أي الوليد ‏
‏( فيهما ) ‏
‏: أي في الجملتين من الحديث إحداهما إذا انصرفت من صلاة المغرب إلخ , وثانيتهما إذا صليت الصبح إلخ ‏
( قبل أن تكلم أحدا ) ‏
‏: الظاهر أن هذه الزيادة بعد قوله فقل والله تعالى أعلم ‏
‏( قال علي بن سهل فيه أن أباه حدثه ) ‏
‏: أي مكان عن أبيه
‏( وقال علي وابن المصفى ) ‏
‏: أي ذكرا قبل بيان الحديث هذه القصة المذكورة بقوله بعثنا إلى قوله ودفعه إلي ثم بعد ذكر هذه القصة بينا الحديث
‏( في سرية ) ‏
‏: السرية طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو , سموا به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري أي النفيس
‏( فلما بلغنا المغار ) ‏
‏: بالضم الغارة وموضعها ‏
( استحثثت ) ‏
‏: استفعال من الحث ‏
‏( وتلقاني الحي ) ‏
‏: أي الذين سرنا إليهم ‏
‏( بالرنين ) ‏
‏: أي بالصوت والصياح ففي القاموس : الرنة الصوت رن يرن صاح ‏
‏( تحرزوا ) ‏
‏: من الحرز أي تحفظوا وهو جواب قولوا ‏
‏( فقالوها ) ‏
‏: أي كلمة لا إله إلا الله ‏
( فقالوا ) ‏
‏: أي أصحابي ‏
‏( فحسن لي ) ‏
‏: من التحسين
‏( كذا وكذا ) ‏
‏: أي من الثواب ‏
‏( قال عبد الرحمن )
‏: هو ابن حسان ‏
‏( أما ) ‏
‏: بالتخفيف حرف التنبيه
‏( بالوصاة ) ‏
‏: اسم التوصية كصلاة وسلام اسم التصلية والتسليم
‏( ففعل ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم أي كتب لي الوصاة
‏( وختم عليه ) ‏
‏: أي على المكتوب ‏
‏( ثم ذكر معناهم )
‏: أي معنى حديثهم ‏
‏( قال ابن المصفى قال سمعت الحارث بن مسلم بن الحارث إلخ ) ‏
‏: وأما غيره فقال مسلم بن الحارث بن مسلم . ‏
‏قال المنذري : قيل فيه مسلم بن الحارث , وقيل الحارث بن مسلم بن الحارث كما تقدم , وصحح غير واحد أنه مسلم بن الحارث . وسئل أبو زرعة الرازي عن مسلم بن الحارث بن مسلم فقال الصحيح الحارث بن مسلم بن الحارث عن أبيه . ‏
‏وقال أبو حاتم الرازي : الحارث بن مسلم تابعي وقيل للدارقطني مسلم بن الحارث التميمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مسلم مجهول لا يحدث عن أبيه إلا هو .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن محمد الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق بن مسلم الدمشقي ‏ ‏وكان من ثقات المسلمين من المتعبدين ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏مدرك بن سعد ‏ ‏قال ‏ ‏يزيد ‏ ‏شيخ ثقة ‏ ‏عن ‏ ‏يونس بن ميسرة بن حلبس ‏ ‏عن ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏من قال إذا أصبح وإذا أمسى ‏ ‏حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه صادقا كان بها أو كاذبا ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي إلخ ) : ‏
‏هذا الحديث ليس في عامة النسخ الحاضرة وإنما هو في نسختين وليس من رواية اللؤلئي ولذا لم يذكره المنذري . ‏
‏وقال المزي : هذا الحديث في رواية أبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى ‏
‏( صادقا كان بها ) ‏
‏: أي بتلك الكلمات
‏( أو كاذبا ) ‏
‏: والمعنى أن القائل بتلك الكلمات إن كان مخلصا وصادقا في اعتقاده على تلك الكلمات ومتيقنا بها أو كان كاذبا في اعتقاده عليها بحيث تجري تلك الكلمات على لسانه على سبيل العادة ويظن فيها أثرا ولكن لا يتيقن بها كتيقن المخلصين الصادقين ومع ذلك كفاه الله تعالى ما أهمه من أمور الدنيا وأتعبه الزمان , فالله تعالى ينجيه من التعب والكرب والهم ببركة هذه الكلمات والله أعلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المصفى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي فديك ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أسيد البراد ‏ ‏عن ‏ ‏معاذ بن عبد الله بن خبيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏أنه قال ‏
‏خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ليصلي لنا فأدركناه فقال أصليتم فلم أقل شيئا فقال قل فلم أقل شيئا ثم قال قل فلم أقل شيئا ثم قال قل فقلت يا رسول الله ما أقول قال ‏ ‏قل ‏ ‏قل هو الله أحد ‏ ‏والمعوذتين حين ‏ ‏تمسي وحين تصبح ثلاث مرات ‏ ‏تكفيك من كل شيء ‏

 

 

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي أسيد ) ‏
‏: بفتح الهمزة ‏
‏( عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( والمعوذتين )
‏: أي قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ‏
‏( ثلاث مرات )
‏: أي قل ثلاث مرات ‏
‏( تكفيك ) ‏
‏: أي هذه السور الثلاث
‏( من كل شيء ) ‏
‏: أي من كل شر أو كل ورد يتعوذ به . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي مسندا ومرسلا , وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه وأبو سعيد البراد وهو ابن أبي أسيد .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عوف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن إسمعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏قال ‏ ‏ابن عوف ‏ ‏ورأيته في أصل ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏ضمضم ‏ ‏عن ‏ ‏شريح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مالك ‏ ‏قال ‏
‏قالوا يا رسول الله حدثنا بكلمة نقولها إذا أصبحنا وأمسينا واضطجعنا ‏ ‏فأمرهم أن يقولوا اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء والملائكة يشهدون أنك لا إله إلا أنت فإنا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر الشيطان الرجيم ‏ ‏وشركه ‏ ‏وأن نقترف سوءا على أنفسنا أو نجره إلى مسلم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فاطر السماوات والأرض ) ‏
‏: أي خالقهما
‏( وشركه ) ‏
‏: بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله أو بفتحتين , أي حبائله ومصائده جمع شركة ‏
‏( وأن نقترف ) ‏
: أي نكتسب ‏
‏( أو نجره ) ‏
‏: أي السوء .

 

‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وبهذا الإسناد ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا أصبح أحدكم فليقل أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وبهذا الإسناد ) ‏
‏: أي السابق ‏
( فتحه ) ‏
‏: أي الظفر على المقصود ‏
‏( ونصره ) ‏
‏: أي النصرة على العدو ‏
‏( ونوره ) ‏
‏: أي بتوفيق العلم والعمل ‏
( وبركته ) ‏
‏: أي بتيسر الرزق الحلال الطيب ‏
‏( وهداه ) ‏
: أي الثبات على متابعة الهدى ومخالفة الهوى . قال الطيبي : قوله فتحه وما بعده بيان لقوله خير هذا اليوم ‏
‏( من شر ما فيه ) ‏
‏: أي في هذا اليوم
‏( وشر ما بعده ) ‏
‏: واكتفى به عن سؤال خير ما بعده إشعارا بأن درء المفاسد أهم من جلب المنافع ‏
‏( فليقل مثل ذلك ) ‏
‏: بأن يقول أمسينا وأمسى الملك وخير هذه الليلة ويؤنث الضمائر . ‏
‏قال المنذري : في إسناد هذين الحديثين محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه وكلاهما فيه مقال .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏كثير بن عبيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية بن الوليد ‏ ‏عن ‏ ‏عمر بن جعثم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏الأزهر بن عبد الله الحرازي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏شريق الهوزني ‏ ‏قال ‏
‏دخلت على ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏فسألتها بم كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يفتتح إذا هب من الليل فقالت لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك كان ‏ ‏إذا هب من الليل كبر عشرا وحمد عشرا وقال سبحان الله وبحمده عشرا وقال سبحان الملك القدوس عشرا واستغفر عشرا وهلل عشرا ثم قال اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا ثم يفتتح الصلاة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عمر بن جعثم ) ‏
‏بضم الجيم وسكون المهملة وضم المثلثة مقبول من السابعة كذا في التقريب وفي الخلاصة , وثقه ابن حبان وفي الميزان هو صدوق ‏
‏( الحرازي ) ‏
‏بمهملة وراء خفيفة وبعد الألف زاي كذا في المغني وفي تاج العروس , وحراز كسحاب جبل بمكة وحراز بن عوف بن عدي بطن من ذي الكلاع من حمير ومن نسله الحرازيون المحدثون وغيرهم منهم أزهر الحرازي انتهى .
‏وفي الخلاصة : أزهر بن عبد الله بن جميع الحرازي الحميري الحمصي ناصبي صدوق اللهجة انتهى ‏
‏( حدثني شريق ) ‏
‏: بفتح الشين وكسر الراء وآخره قاف
‏( الهوزني ) ‏
‏: بفتح الهاء والزاي كذا في التقريب , وفي المراصد هوزن بالفتح ثم السكون وفتح الزاي ونون اسم حي من اليمن يضاف إليهم مخلاف من مخاليف اليمن انتهى . ‏
‏وفي الخلاصة : شريق الهوزني الحمصي وثقه ابن حبان ‏
( بم ) ‏
‏: أي بأي شيء ‏
‏( إذا هب من الليل ) ‏
‏: أي استيقظ هب النائم هبا وهبوبا استيقظ . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏سليمان بن بلال ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا كان في سفر ‏ ‏فأسحر ‏ ‏يقول ‏ ‏سمع سامع ‏ ‏بحمد الله ونعمته وحسن ‏ ‏بلائه ‏ ‏علينا اللهم صاحبنا فأفضل علينا عائذا بالله من النار ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فأسحر ) ‏
‏: أي دخل في وقت السحر وهو قبيل الصبح . وقال الزمخشري هو السدس الأخير من الليل ‏
‏( سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا ) ‏
‏: البلاء ها هنا بمعنى النعمة . ‏
‏قال الخطابي : معنى سمع سامع شهد شاهد , وحقيقته ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا الله سبحانه على نعمه وحسن بلائه انتهى : فعند الخطابي هو خبر بمعنى الأمر .
‏وقال التوربشتي : الحمل على الخبر أولى لظاهر اللفظ , والمعنى سمع من كان له سمع بأنا نحمد الله ونحسن نعمه وأفضاله علينا انتهى . وقيل سمع بتشديد الميم وفتحها أي بلغ سامع قولي هذا إلى غيره ‏
‏( اللهم صاحبنا ) ‏
‏: بصيغة الأمر من المصاحبة والمراد أعنا وحافظنا ‏
‏( فأفضل علينا ) ‏
‏أمر من الأفضال أي تفضل علينا بإدامة النعمة والتوفيق للقيام بحقوقها ‏
‏( عائذا بالله من النار ) ‏
‏حال من ضمير يقول أو بمعنى المصدر أي أعوذ عياذا بالله كذا في فتح الودود . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المسعودي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏القاسم ‏ ‏قال ‏
‏كان ‏ ‏أبو ذر ‏ ‏يقول ‏ ‏من قال حين يصبح اللهم ما حلفت من حلف أو قلت من قول أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن اللهم اغفر لي وتجاوز لي عنه اللهم فمن صليت عليه فعليه صلاتي ومن لعنت فعليه لعنتي كان في ‏ ‏استثناء ‏ ‏يومه ذلك ‏ ‏أو قال ذلك اليوم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثنا ابن معاذ ) ‏
‏: هو عبيد الله بن معاذ العنبري ‏
‏( أخبرنا أبي ) ‏
‏معاذ بن معاذ العنبري ‏
‏( أخبرنا المسعودي ) ‏
‏: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي ‏
( أخبرنا القاسم ) ‏
‏: ابن محمد التابعي الجليل أحد الفقهاء السبعة أو هو القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي من التابعين ‏
‏( قال كان أبو ذر يقول )
‏: هكذا موقوفا في النسخ , وليس هذا من رواية اللؤلئي ولذا لم يذكره المنذري ‏
‏( كان في استثناء يومه ) ‏
‏أي كان قائل هؤلاء الكلمات في الاستثناء عن زلات لسانه يومه ذلك يعني يعفى عنه قاله السندي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو مودود ‏ ‏عمن ‏ ‏سمع ‏ ‏أبان بن عثمان ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏عثمان يعني ابن عفان ‏ ‏يقول ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي
‏و قال ‏ ‏فأصاب ‏ ‏أبان بن عثمان ‏ ‏الفالج ‏ ‏فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له ‏ ‏ما لك تنظر إلي فوالله ما كذبت على ‏ ‏عثمان ‏ ‏ولا كذب ‏ ‏عثمان ‏ ‏على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها ‏ ‏حدثنا ‏ ‏نصر بن عاصم الأنطاكي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أنس بن عياض ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبو مودود ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن كعب ‏ ‏عن ‏ ‏أبان بن عثمان ‏ ‏عن ‏ ‏عثمان ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوه لم يذكر قصة ‏ ‏الفالج ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( عمن سمع أبان ) ‏
‏: بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة يصرف لأنه فعال ويمنع لأنه أفعل والصحيح الأشهر الصرف كذا نقل القاري عن الطيبي ‏
‏( بسم الله ) ‏
‏: أي أستعين أو أتحفظ من كل مؤذ باسم الله
‏( مع اسمه ) ‏
‏: أي مع ذكر اسمه ‏
‏( ولا في السماء )
‏: أي من البلاء النازل منها ‏
‏( ثلاث مرات ) ‏
‏: ظرف يقول
‏( لم تصبه فجأة بلاء ) ‏
‏: بفتح الفاء وسكون الجيم , وفي بعض النسخ بضم الفاء ممدودا قال في مختصر النهاية : فجئه الأمر وفجأه فجاءة بالضم والمد وفجأة بالفتح وسكون الجيم من غير مد وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب
‏( فأصاب أبان بن عثمان الفالج ) ‏
‏: بالرفع فاعل وهو بفتح اللام استرخاء لأحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح ‏
‏( ينظر إليه ) ‏
‏: أي إلى أبان تعجبا ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي أبان رفعا لتعجبه ‏
‏( له ) ‏
‏: أي للرجل ‏
‏( أصابني فيه ما أصابني )
‏: أي من الفالج ‏
‏( فنسيت أن أقولها ) ‏
‏: أي الكلمات المذكورة : والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( عن محمد بن كعب عن أبان بن عثمان عن عثمان إلخ ) ‏
‏: ‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه , وقال الترمذي حسن صحيح غريب .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏العباس بن عبد العظيم ‏ ‏ومحمد بن المثنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الملك بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الجليل بن عطية ‏ ‏عن ‏ ‏جعفر بن ميمون ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي بكرة ‏ ‏أنه قال ‏ ‏لأبيه ‏
‏يا أبت إني أسمعك ‏ ‏تدعو كل ‏ ‏غداة ‏ ‏اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري لا إله إلا أنت تعيدها ثلاثا حين تصبح وثلاثا حين ‏ ‏تمسي فقال إني سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يدعو بهن فأنا أحب أن ‏ ‏أستن ‏ ‏بسنته ‏ ‏قال ‏ ‏عباس ‏ ‏فيه وتقول اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت تعيدها ثلاثا حين تصبح وثلاثا حين ‏ ‏تمسي ‏ ‏فتدعو بهن فأحب أن ‏ ‏أستن ‏ ‏بسنته قال وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏دعوات ‏ ‏المكروب ‏ ‏اللهم رحمتك ‏ ‏أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ‏
‏وبعضهم يزيد على صاحبه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثنا العباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى قالا )
‏: وفي بعض النسخ حدثنا علي بن عبد الله والعباس بن عبد العظيم العنبري ومحمد بن المثنى قالوا حدثنا عبد الملك إلخ , ولكن لم يذكر المزي في الأطراف علي بن عبد الله بل اقتصر على العباس بن عبد العظيم العنبري ومحمد بن المثنى كما في عامة النسخ والله أعلم ‏
‏( يا أبت ) ‏
‏: بكسر التاء وفتحها ‏
‏( كل غداة ) ‏
‏: أي كل صباح ‏
‏( تعيدها ثلاثا ) ‏
‏: أي تكرر هذه الجمل أو هذه الدعوات بدل من تقول أو حال ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي أبو بكرة والد عبد الرحمن ‏
‏( أن أستن بسنته ) ‏
‏: أي أقتدي وأتتبع سنته صلى الله عليه وسلم ‏
‏( قال عباس ) ‏
‏: هو ابن عبد العظيم
‏( فيه ) ‏
‏: أي في الحديث ‏
‏( وتقول اللهم إني أعوذ بك إلخ )
‏: قد اختلفت النسخ في لفظة تقول وكذا في الألفاظ الآتية تعيد وتصبح وتمسي وتدعو , ففي بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقية وفي بعضها بالتحتية يقول والصواب عندي يقول بالتحتية بصيغة الغائب والله أعلم ‏
‏( دعوات المكروب )
‏: أي المهموم المغموم ‏
‏( اللهم رحمتك أرجو ) ‏
‏: أي لا أرجو إلا رحمتك ‏
‏( فلا تكلني ) ‏
‏: أي لا تتركني ‏
‏( إلى نفسي طرفة عين ) ‏
‏: أي لحظة ولمحة ‏
‏( وأصلح لي شأني ) ‏
: أي أمري ‏
‏( كله ) ‏
‏: تأكيد لإفادة العموم ‏
‏( بعضهم يزيد على صاحبه ) ‏
‏: ضمير بعضهم للعباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى , والمعنى أن بعض هؤلاء يزيد في ألفاظ الحديث على بعض . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي , وقال جعفر بن ميمون يعني راوي هذا الحديث ليس بالقوي . هذا آخر كلامه . وقال فيه يحيى بن معين ليس بذاك , وقال مرة ليس بثقة وقال مرة بصري صالح الحديث . وقال الإمام أحمد ليس بقوي في الحديث , وقال أبو حاتم الرازي صالح انتهى .
‏وقال المزي . حديث نفيع بن الحارث أبي بكرة الثقفي أخرجه أبو داود في الأدب عن عباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى كلاهما عن عبد الملك بن عمرو العقدي عن عبد الجليل بن عطية عن جعفر بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه . ‏
‏وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن عباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى كلاهما عن العقدي , وروى عن إسحاق بن منصور عن أبي عامر العقدي عن عبد الجليل . قال النسائي : جعفر بن ميمون ليس بالقوي انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المنهال ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد يعني ابن زريع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏روح بن القاسم ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏سمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من قال حين يصبح سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة وإذا أمسى كذلك لم ‏ ‏يواف ‏ ‏أحد من الخلائق بمثل ما وافى ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وإذا أمسى كذلك ) ‏
‏: أي قال تلك الكلمة مائة مرة ‏
‏( لم يواف ) ‏
‏: أي لم يأت من وافى إذا أتى ‏
‏( بمثل ما وافى ) ‏
‏: أي بمثل ما أتى , والضمير المرفوع يرجع إلى من . وفي رواية لمسلم بلفظ من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثلما قال أو زاد عليه قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي بنحوه أتم منه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقول الرجل إذا رأى الهلال ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏أنه بلغه ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا رأى الهلال قال هلال خير ورشد هلال خير ورشد هلال خير ورشد آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( هلال خير ورشد ) ‏
‏: قال العزيزي : الظاهر أنه منصوب بمقدر أي اللهم اجعله انتهى أي هلال بركة وهداية إلى القيام بعبادة الله تعالى فإنه ميقات الحج والصوم وغيرهما ‏
‏( ثلاث مرات ) ‏
‏: ظرف لقال
‏( ذهب بشهر كذا ) ‏
‏: أي جمادى الأولى مثلا وجاء بشهر كذا جمادى الأخرى مثلا , وسيأتي كلام المنذري على هذا الحديث .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏أن ‏ ‏زيد بن حباب ‏ ‏أخبرهم عن ‏ ‏أبي هلال ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ليس عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في هذا الباب ‏ ‏حديث مسند صحيح ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي هلال ) ‏
‏: هو محمد بن سليم المعروف بالراسي ‏
‏( عن قتادة ) ‏
‏: هو ابن دعامة تابعي جليل ‏
‏( كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه ) ‏
‏قال المناوي : حذرا من شره لقوله لعائشة في حديث الترمذي : " استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب " . قال البيضاوي : ومن شر غاسق , ليل عظيم ظلامه إذا وقب , دخل ظلامه في كل شيء , وقيل المراد به القمر فإنه يكسف فيغسق , ووقوبه دخوله في الكسوف كذا في السراج المنير ‏
( قال أبو داود ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح )
‏: هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ والحديث المسند هو ما اتصل سنده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قال المنذري : هذا الحديث مرسل والذي قبله أيضا مرسل وأبو هلال هذا لا يحتج به , وقال أبو داود في رواية ابن العبد ليس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقول إذا خرج من بيته ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏الشعبي ‏ ‏عن ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏قالت ‏
‏ما خرج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من بيتي قط إلا رفع ‏ ‏طرفه ‏ ‏إلى السماء فقال ‏ ‏اللهم أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إلا رفع طرفه ) ‏
‏: بفتح فسكون أي نظره
‏( أن أضل ) ‏
‏: أي عن الحق وهو من الضلال خلاف الرشاد والهداية
‏( أو أضل ) ‏
‏: بصيغة المجهول من الإضلال أي يضل أحد أو بصيغة المعلوم ‏
‏( أو أزل ) ‏
‏: بفتح الهمزة وكسر الزاي وتشديد اللام من الذلة وهي ذنب من غير قصد تشبيها بزلة القدم ‏
‏( أو أزل ) ‏
‏: من الإزلال معلوما ومجهولا ‏
‏( أو أظلم ) ‏
‏: أي أحدا ‏
‏( أو أظلم ) ‏
‏أي من أحد ‏
‏( أو أجهل ) ‏
‏: على بناء المعروف أي أفعل فعل الجهال من الأضرار والإيذاء وغير ذلك ‏
‏( أو يجهل علي )
‏: على بناء المجهول أي يفعل الناس بي أفعال الجهال من إيصال الضرر إلي .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه , وقال الترمذي حسن صحيح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن الحسن الخثعمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حجاج بن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏عن ‏ ‏إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت ‏ ‏فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يقال حينئذ ) ‏
‏: أي يناديه ملك يا عبد الله
‏( هديت ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي طريق الحق ‏
‏( وكفيت )
‏: أي همك ‏
‏( ووقيت ) ‏
‏: من الوقاية أي حفظت ‏
( فتتنحى ) ‏
‏: وفي بعض النسخ فيتنحى أي يتبعد ‏
‏( له ) ‏
: أي لأجل القائل ‏
‏( الشياطين ) ‏
‏: وفي بعض النسخ الشيطان
‏( كيف لك برجل ) ‏
‏: أي بإضلال رجل ‏
‏( قد هدي وكفي ووقي )
‏: أي ببركة هذه الكلمات فإنك لا تقدر عليه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقول الرجل إذا دخل بيته ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن عوف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن إسمعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏قال ‏ ‏ابن عوف ‏ ‏ورأيت في أصل ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏ضمضم ‏ ‏عن ‏ ‏شريح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مالك الأشعري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا ‏ ‏ولج ‏ ‏الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير ‏ ‏المولج ‏ ‏وخير المخرج بسم الله ‏ ‏ولجنا ‏ ‏وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا ولج الرجل ) ‏
‏: أي دخل ‏
‏( خير المولج ) ‏
‏بفتح الميم وكسر اللام كالموعد ويفتح ‏
‏( وخير المخرج )
‏: بالمعاني الثلاثة كذلك وفيه إيماء إلى قوله تعالى { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } وهو يشمل كل دخول وخروج وإن نزل القرآن في فتح مكة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قاله علي القاري . ‏
‏وقال الطيبي المولج بكسر اللام ومن الرواة من فتحها والمراد المصدر أي الولوج والخروج أو الموضع أي خير الموضع الذي يولج فيه ويخرج منه . ‏
‏قال ميرك : المولج بفتح الميم وإسكان الواو وكسر اللام لأن ما كان فاؤه ياء أو واوا ساقطة في المستقبل فالمفعل منه مكسور العين في الاسم والمصدر جميعا ومن فتح هنا فإما أنه سها أو قصد مزاوجته للمخرج وإرادة المصدر بهما أتم من إرادة الزمان والمكان لأن المراد الخير الذي يأتي من قبل الولوج والخروج كذا في المرقاة . ‏
‏قلت : وقد ضبط العلامة السيوطي في مرقاة الصعود المولج والمخرج بضم الميم فيهما والله أعلم ‏
‏( بسم الله ولجنا )
‏: أي أدخلنا ‏
‏( على أهله ) ‏
‏: أي على أهل بيته .
‏قال المنذري : في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وهو وأبوه فيهما مقال .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما يقول إذا هاجت الريح ‏

في القاموس : هاج يهيج هيجا وهيجانا ثار .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد المروزي ‏ ‏وسلمة يعني ابن شبيب ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏ثابت بن قيس ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏الريح من روح الله ‏ ‏قال ‏ ‏سلمة ‏ ‏فروح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الريح من روح الله ) ‏
‏: بفتح الراء بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } أي يرسلها الله تعالى من رحمته لعباده ‏
‏( فلا تسبوها )
‏: لأنها مأمورة ‏
‏( وسلوا الله خيرها ) ‏
‏: أي خير ما أرسلت به , وفي بعض النسخ واسألوا الله ‏
‏( من شرها ) ‏
‏: أي من شر ما أرسلت به . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه النسائي أيضا من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ومن حديث عمر بن سليم الزرقي عن أبي هريرة , والمحفوظ حديث ثابت بن قيس .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عمرو ‏ ‏أن ‏ ‏أبا النضر ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏سليمان بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنها قالت ‏
‏ما رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قط ‏ ‏مستجمعا ‏ ‏ضاحكا حتى ‏ ‏أرى منه ‏ ‏لهواته ‏ ‏إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه فقلت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية فقال يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا ‏ ‏عارض ‏ ‏ممطرنا ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( مستجمعا ) ‏
‏: أي مبالغا في الضحك لم يترك منه شيئا يقال استجمع السيل اجتمع من كل موضع واستجمعت للمرء أموره اجتمع له ما يحبه , فعلى هذا قوله ضاحكا منصوب على التمييز أي ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكا تاما مقبلا بكليته على الضحك ‏
‏( لهواته ) ‏
‏: بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم كذا في الفتح وفي المرقاة وهي لحمة مشرفة على الحلق , وقيل هي قعر الفم قريب من أصل اللسان انتهى .
‏( غيما ) ‏
‏: أي سحابا ‏
‏( عرف ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( عرفت في وجهك الكراهية ) ‏
‏: بتخفيف الياء بمعنى الكراهة ‏
‏( ما يؤمنني ) ‏
‏: بنونين أي ما يجعلني آمنا , وفي بعض النسخ يؤمني بواو ساكنة ونون مشددة وهكذا في بعض روايات البخاري ‏
‏( قد عذب قوم بالريح ) ‏
‏: هم عاد قوم هود حيث أهلكوا بريح صرر ‏
‏( وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ) ‏
‏: العارض السحاب الذي يعترض في أفق السماء
‏( ممطرنا ) ‏
‏: أي ممطر إيانا . ‏
‏قال القسطلاني ما محصله : إنه قد تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى لكن ظاهر آية الباب أن المعذبين بالريح هم الذين قالوا هذا عارض والجواب أن القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على الاتحاد , فإن كان هناك قرينة كما في قوله تعالى { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } فلا , وعلى تقدير تسليم المغايرة مطلقا فلعل عادا قومان قوم بالأحقاف وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم قال ويؤيده قوله تعالى { وأنه أهلك عادا الأولى } فإنه يشعر بأن ثم عادا أخرى انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏المقدام بن شريح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان ‏ ‏إذا رأى ‏ ‏ناشئا ‏ ‏في أفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول اللهم إني أعوذ بك من شرها فإن مطر قال اللهم ‏ ‏صيبا ‏ ‏هنيئا ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( إذا رأى ناشئا ) ‏
‏: أي سحابا لم يتكامل اجتماعه , وفي بعض النسخ شيئا ‏
‏( اللهم صيبا ) ‏
‏: هو ما سال من المطر ونصبه بتقدير اجعله وأصله من صاب يصوب إذا نزل ووزنه فيعل , وقيل على الحال أي أنزله علينا مطرا نازلا ‏
‏( هنيئا ) ‏
‏: أي نافعا موافقا للغرض غير ضار . قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في المطر ‏

‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏ومسدد ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏جعفر بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏أصابنا ونحن مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مطر فخرج رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فحسر ‏ ‏ثوبه عنه حتى أصابه فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا قال لأنه حديث عهد بربه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فحسر ثوبه عنه ) ‏
‏: أي كشف بعضه عن بدنه .
‏( لأنه حديث عهد بربه ) ‏
‏: أي بإيجاد ربه إياه يعني أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله لها فيتبرك بها , وهو دليل على استحباب ذلك .
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في الديك والبهائم ‏

قال في الصراح ديك بالكسر خروس جمعه ديكة وديوك .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏صالح بن كيسان ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن خالد ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ) ‏
‏: أي قيام الليل بصياحه فيه , ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم . قال المناوي : جرت العادة بأنه يصرخ صرخات متتابعة إذا قرب الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها فلا يجوز اعتماده إلا إن جرب كذا في السراج المنير . قال المنذري : وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏جعفر بن ربيعة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله تعالى من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا سمعتم صياح الديكة ) ‏
‏: بكسر الدال وفتح الياء جمع ديك كقردة جمع قرد ‏
‏( فإنها رأت ملكا ) ‏
‏: قال القاضي : سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص , قاله النووي ‏
‏( نهيق الحمار ) ‏
‏: أي صوته ‏
‏( فتعوذوا بالله من الشيطان إلخ ) ‏
‏: قيل في الحديث دلالة على نزول الرحمة عند حضور أهل الصلاح فيستحب الدعاء في ذلك الوقت , وعلى نزول الغضب عند رؤية أهل المعصية فيستحب التعوذ . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هناد بن السري ‏ ‏عن ‏ ‏عبدة ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله فإنهن يرين ما لا ترون ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا سمعتم نباح الكلاب ) ‏
‏: بضم النون وبالموحدة أي صياحها ‏
‏( بالليل ) ‏
‏: أي في بعض أجزاء الليل وهو قيد لهما أو للأخير قاله القاري ‏
‏( فإنهن يرين ما لا ترون ) ‏
‏: أي من الآفات والنوازل النازلة من السماء . قال المنذري في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي هلال ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن زياد ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن مروان الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن عبد الله بن الهاد ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن عمر بن حسين بن علي ‏ ‏وغيره ‏ ‏قالا ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل فإن لله تعالى دواب يبثهن في الأرض ‏ ‏قال ‏ ‏ابن مروان ‏ ‏في تلك الساعة وقال فإن لله خلقا ثم ذكر نباح الكلب والحمير نحوه ‏
‏وزاد ‏ ‏في حديثه ‏ ‏قال ‏ ‏ابن الهاد ‏ ‏وحدثني ‏ ‏شرحبيل الحاجب ‏ ‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مثله ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
: ضمير التثنية لجابر بن عبد الله وعلي بن عمر بن حسين بن علي فكان حديث جابر متصلا وحديث علي بن عمر منقطعا لأن جابرا صحابي وعليا تابعي ‏
‏( أقلوا الخروج )
‏: أي من البيوت ‏
‏( بعد هدأة ) ‏
‏: بفتح الهاء وسكون الدال وبعدها همزة ‏
‏( الرجل ) ‏
‏: بكسر الراء , قال الخطابي أي بعد انقطاع الأرجل عن المشي في الطريق ليلا وأصل الهدء السكون انتهى . ‏
‏وفي النهاية الهدأة والهدوء السكون عن الحركات أي بعدما يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطرق ‏
‏( يبثهن ) ‏
‏: بضم الموحدة وتشديد المثلثة أي ينشرهن ويفرقهن ‏
‏( قال ابن مروان ) ‏
‏: هو إبراهيم المذكور في الإسناد
‏( في تلك الساعة ) ‏
‏: أي ساعة هدأة الأرجل ‏
‏( وقال )
‏: أي ابن مروان في روايته ‏
‏( فإن لله خلقا ) ‏
‏: أي قال خلقا مكان دواب ‏
‏( نحوه ) ‏
‏أي الحديث السابق ‏
‏( وزاد )
‏: أي ابن مروان ‏
‏( قال ابن الهاد ) ‏
‏: هو يزيد بن عبد الله . ‏
‏قال المنذري : سعيد بن زياد ضعيف وعلي بن عمر بن حسين بن علي لا صحبة له حدث عن أبيه فالحديث منقطع وشرحبيل هو ابن سعد أبو سعيد الأنصاري الخطمي مولاهم الأنصاري المدني لا يحتج به .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الصبي يولد فيؤذن في أذنه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عاصم بن عبيد الله ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن أبي رافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أذن في أذن ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏حين ولدته ‏ ‏فاطمة ‏ ‏بالصلاة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( بالصلاة ) ‏
‏: أي بأذان الصلاة وهو متعلق بأذن والمعنى أذن بمثل أذان الصلاة وهذا يدل على سنية الأذان في أذن المولود . وفي شرح السنة روي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يؤذن في اليمنى ويقيم في اليسرى إذا ولد الصبي كذا في المرقاة . ‏
‏قلت : قال الحافظ في التلخيص : لم أره عنه مسندا وقد روي مرفوعا أخرجه ابن السني من حديث الحسين بلفظ " من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان وأم الصبيان هي التابعة من الجن .
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح هذا آخر كلامه . وفي إسناده عاصم بن عمر بن الخطاب وقد غمزه الإمام مالك وقال ابن معين ضعيف لا يحتج بحديثه وتكلم فيه غيرهما وانتقد عليه أبو حاتم محمد بن حبان البستي رواية هذا الحديث وغيره .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن فضيل ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏يوسف بن موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يؤتى بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ‏ ‏زاد ‏ ‏يوسف ‏ ‏ويحنكهم ‏ ‏ولم يذكر بالبركة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا أبو أسامة ) ‏
‏: هو حماد بن أسامة , فأبو أسامة ومحمد بن فضيل كلاهما يرويان عن هشام بن عروة ‏
‏( يؤتى )
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( بالصبيان ) ‏
‏وكذا بالصبيات ففيه تغليب ‏
‏( ويحنكهم ) ‏
‏: من التحنيك يقال حنك الصبي إذا مصغ تمرا فدلكه بحنكه ‏
‏( ولم يذكر بالبركة ) ‏
‏: أي لم يذكر يوسف في روايته لفظ بالبركة . وفي الحديث دلالة على سنية تحنيك المولود . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن أبي الوزير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏داود بن عبد الرحمن العطار ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أم حميد ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏قال لي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏هل رئي ‏ ‏أو كلمة غيرها ‏ ‏فيكم المغربون قلت وما المغربون قال الذين يشترك فيهم الجن ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( هل رئي ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( أو كلمة غيرها ) ‏
‏: شك من الراوي أي قال صلى الله عليه وسلم كلمة هل رئي أو قال كلمة أخرى غير هذه الكلمة ‏
‏( فيكم المغربون ) ‏
‏: قال في النهاية : ومنه الحديث " إن فيكم مغربين قيل وما المغربون ؟ قال الذين تشرك فيهم الجن " سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب أو جاءوا من نسب بعيد . وقيل أراد بمشاركة الجن فيهم أمرهم إياهم بالزنا وتحسينه لهم فجاء أولادهم من غير رشده ومنه قوله تعالى { وشاركهم في الأموال والأولاد } انتهى . ‏
‏وفي فتح الودود : المغربون بكسر الراء المشددة قيل أي المبعدون عن ذكر الله تعالى عند الوقاع حتى شارك فيهم الشيطان , وقيل المغرب من الإنسان من خلق من ماء الإنسان والجن وهذا معنى المشاركة لأنه دخل فيه عرق غريب أو جاء من نسب بعيد وقد انقطعوا عن أصولهم وبعد أنسابهم بمداخلة من ليس من جنسهم وقال صلى الله عليه وسلم " هل تحس منكن امرأة أن الجن تجامعهما " ولعله أراد ما هو معروف أن بعض النساء يعشق لها بعض الجن ويجامعها انتهى مختصرا . ‏
‏وقال في القاموس : والمغربون بكسر الراء المشددة في الحديث الذين تشرك فيهم الجن سموا به لأنه دخل فيهم عرق غريب أو لمجيئهم من نسب بعيد انتهى .
‏قال المنذري : أم حميد هذه لم تنسب ولم يعرف لها اسم انتهى . ومقصود المؤلف من إيراد الحديث في هذا الباب أن الأذان في أذن المولود له تأثير عجيب وأمان من الجن والشيطان كما للدعاء عند الوقاع له تأثير بليغ وحرز من الجن والشيطان والله أعلم . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد تكلم في نكاح الجن للإنس الإمام أحمد وغيره , والكلام فيه في أمرين : في وقوعه وفي حكمه . ‏
‏فأما حكمه : فمنع منه أحمد , ذكره القاضي أبو يعلى . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يستعيذ من الرجل ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏نصر بن علي ‏ ‏وعبيد الله بن عمر الجشمي ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏خالد بن الحارث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد ‏ ‏قال ‏ ‏نصر ‏ ‏ابن أبي عروبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي نهيك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بوجه الله فأعطوه ‏ ‏قال ‏ ‏عبيد الله ‏ ‏من سألكم بالله ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال نصر ) ‏
‏: بن علي في روايته ‏
( ابن أبي عروبة ) ‏
‏: أي سعيد بن أبي عروبة وأما عبيد الله فقال سعيد فقط من غير ذكر اسم أبيه ‏
‏( من استعاذ بالله فأعيذوه ) ‏
‏: ‏قال العلقمي : أي يسألكم بالله أن تلجئوه إلى ملجأ يتخلص به من عدوه ونحوه فأعيذوه
‏( ومن سألكم بوجه الله ) ‏
‏: أي شيئا من أمور الدنيا والآخرة أو العلوم ‏
‏( فأعطوه ) ‏
‏: إجلالا لمن سألكم به ‏
‏( قال عبيد الله ) ‏
‏: أي ابن عمر ‏
‏( من سألكم بالله ) ‏
‏: أي قال بالله مكان بوجه الله . ‏
‏قال المنذري : وأبو نهيك هذا ذكر البخاري أنه سمع عن ابن عباس روى عنه قتادة وحسين بن واقد وزياد بن سعد .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وسهل بن بكار ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏المعنى ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من استعاذكم بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه ‏ ‏وقال ‏ ‏سهل ‏ ‏وعثمان ‏ ‏ومن دعاكم فأجيبوه ثم اتفقوا ‏ ‏ومن آتى إليكم معروفا فكافئوه ‏ ‏قال ‏ ‏مسدد ‏ ‏وعثمان ‏ ‏فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من استعاذكم بالله ) ‏
‏: أي طلب الإعاذة مستعيذا بالله من ضرورة أو جائحة حلت به أو ظلم ناله أو تجاوز عن جناية ‏
( فأعيذوه ) ‏
‏: أي أعينوه وأجيبوه فإن إغاثة الملهوف فرض ‏
‏( وقال سهل ) ‏
‏: هو ابن بكار ‏
‏( وعثمان ) ‏
‏: هو ابن أبي شيبة
‏( ومن دعاكم فأجيبوه ) ‏
‏: أي وجوبا إن كان لوليمة عرس وندبا في غيرها ويحتمل من دعاكم لمعونة أو شفاعة قاله العزيزي ‏
‏( ثم اتفقوا )
‏أي مسدد وسهل وعثمان ‏
‏( من آتى ) ‏
‏: من الإيتاء
‏( فكافئوه ) ‏
‏: أي بمثله أو خير منه ‏
‏( فإن لم تجدوا )
‏: أي ما تكافئون به ‏
‏( فادعوا له إلخ ) ‏
‏: يعني من أحسن إليكم أي إحسان فكافئوه بمثله فإن لم تجدوا فبالغوا في الدعاء له جهدكم حتى تحصل المثلية . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي وقد تقدم في كتاب الزكاة .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في رد الوسوسة ‏

الخواطر إن كانت تدعو إلى الرذائل فهي وسوسة وإن كانت إلى الفضائل فهي إلهام . ‏

 

‏حدثنا ‏ ‏عباس بن عبد العظيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏النضر بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عكرمة يعني ابن عمار ‏ ‏قال ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏أبو زميل ‏ ‏قال سألت ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏فقلت ‏
‏ما شيء أجده في صدري قال ما هو قلت والله ما أتكلم به قال فقال لي أشيء من شك قال وضحك قال ما نجا من ذلك أحد قال حتى أنزل الله عز وجل

‏الآية قال فقال لي ‏ ‏إذا وجدت في نفسك شيئا فقل ‏

‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا أبو زميل ) ‏
‏: بالتصغير هو سماك بن الوليد ‏
‏( ما شيء ) ‏
‏: ما استفهامية ‏
‏( قال ) ‏
: أي أبو زميل ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي ابن عباس ‏
‏( أشيء من شك )
‏: أي ما تجده في صدرك أهو شيء من شك ‏
‏( وضحك ) ‏
‏: أي ابن عباس كما هو الظاهر ‏
‏( حتى أنزل الله تعالى ) ‏
‏: قال في فتح الودود : لم يرد حتى شك هو صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى بل أراد حتى بعمومه وشموله الغالب فرض في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى ‏
‏{ فإن كنت {
‏: أي يا محمد ‏
‏{ مما أنزلنا إليك } ‏
‏من القصص فرضا
‏{ فاسأل الذين يقرءون الكتاب } ‏
‏: أي التوراة فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه . قال صلى الله عليه وسلم لا أشك ولا أسأل كذا في تفسير الجلالين , وفي معالم التنزيل : قوله تعالى { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } يعني القرآن فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك فيخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل قيل هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره على عادة العرب فإنهم يخاطبون الرجل ويريدون به غيره كقوله تعالى { يا أيها النبي اتق الله } خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأراد به المؤمنين , وقيل كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين مصدق ومكذب وشاك فهذا الخطاب مع أهل الشك ومعناه إن كنت يا أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان رسولنا محمد فاسأل الذين إلخ انتهى مختصرا . ‏
‏قال المنذري : أبو زميل هو سماك بن الوليد الحنفي وقد احتج به مسلم . ‏

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى : في الصحيحين " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها , ما لم يتكلموا , أو يعملوا به " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏جاءه ناس من أصحابه فقالوا يا رسول الله نجد في أنفسنا الشيء ‏ ‏نعظم ‏ ‏أن نتكلم به ‏ ‏أو الكلام به ‏ ‏ما نحب أن لنا وأنا تكلمنا به قال أوقد وجدتموه قالوا نعم قال ‏ ‏ذاك صريح الإيمان ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( جاءه ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم
‏( أناس من أصحابه ) ‏
‏: أي جماعة منهم ‏
‏( نجد في أنفسنا الشيء ) ‏
‏: أي القبيح ‏
‏( نعظم أن نتكلم به ) ‏
‏: من الإعظام أي نجد التكلم به عظيما لغاية قبحه والمعنى نجد في أنفسنا الشيء القبيح نحو من خلق الله وكيف هو ومن أي شيء هو ونحو ذلك مما يتعاظم النطق به فما حكم جريان ذلك في خواطرنا ‏
‏( أو الكلام به ) ‏
‏: شك من الراوي ‏
‏( ما نحب أن لنا ) ‏
‏: كذا وكذا من المال ‏
‏( وأنا تكلمنا ) ‏
: بصيغة المتكلم من باب التفعل ‏
‏( به ) ‏
‏: أي بالشيء القبيح الذي يخطر في قلوبنا ‏
‏( قال أوقد وجدتموه ) ‏
‏: الهمزة للاستفهام التقريري والواو المقرونة بها للعطف على مقدر أي احصل ذلك وقد وجدتموه , والضمير للشيء ‏
‏( قال ذاك صريح الإيمان ) ‏
‏معناه أن صريح الإيمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به حتى يصير ذلك وسوسة لا يتمكن من قلوبكم ولا تطمئن إليه نفوسكم , وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله فكيف يكون إيمانا صريحا . ‏
‏وقد روي في حديث آخر أنهم لما شكوا إليه ذلك قال الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة قاله الخطابي في المعالم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏وابن قدامة بن أعين ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ذر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن شداد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال ‏ ‏الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ‏ ‏قال ‏ ‏ابن قدامة ‏ ‏رد أمره مكان رد كيده ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يعرض بالشيء ) ‏
‏: أي القبيح ‏
‏( لأن يكون حممة ) ‏
‏: بضم ففتح أي فحما ‏
‏( من أن يتكلم به ) ‏
: أي بذلك الشيء ‏
‏( رد كيده ) ‏
‏: الضمير للشيطان وإن لم يجر ذكره لدلالة السياق عليه ‏
‏( قال ابن قدامة رد أمره ) ‏
‏: الضمير للرجل أو للشيطان , قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل ‏ ‏ينتمي إلى غير ‏ ‏مواليه

أي ينتسب إلى غيرهم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عاصم الأحول ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبو عثمان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏سعد بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏سمعته أذناي ووعاه قلبي من ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏من ‏ ‏ادعى ‏ ‏إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام
‏قال ‏ ‏فلقيت ‏ ‏أبا بكرة ‏ ‏فذكرت ذلك له فقال سمعته أذناي ووعاه قلبي من ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏عاصم ‏ ‏فقلت ‏ ‏يا ‏ ‏أبا عثمان ‏ ‏لقد شهد عندك رجلان أيما رجلين فقال ‏ ‏أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله ‏ ‏أو في الإسلام ‏ ‏يعني ‏ ‏سعد بن مالك ‏ ‏والآخر قدم من ‏ ‏الطائف ‏ ‏في بضعة وعشرين رجلا على أقدامهم فذكر فضلا ‏ ‏قال ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حيث حدث بهذا الحديث ‏ ‏والله إنه عندي أحلى من العسل ‏ ‏يعني قوله حدثنا وحدثني ‏ ‏قال ‏ ‏أبو علي ‏ ‏وسمعت ‏ ‏أبا داود ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏أحمد ‏ ‏يقول ليس لحديث أهل ‏ ‏الكوفة ‏ ‏نور قال وما رأيت مثل أهل ‏ ‏البصرة ‏ ‏كانوا تعلموه من ‏ ‏شعبة ‏

‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا زهير ) ‏
‏: بن محمد التميمي الخراساني
‏( أخبرنا عاصم الأحول ) ‏
‏: هو ابن سليمان البصري ‏
( حدثني أبو عثمان ) ‏
‏: هو عبد الرحمن بن مل النهدي ‏
‏( حدثني سعد بن مالك ) ‏
‏: هو سعد بن أبي وقاص ذكره في الفتح . وأخرج البخاري في كتاب الفرائض ومسلم واللفظ للبخاري حدثنا مسدد حدثنا خالد هو ابن عبد الله حدثنا خالد عن أبي عثمان عن سعد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " فذكرته لأبي بكرة فقال وأنا سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قال الحافظ في الفتح : خالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان , وخالد شيخه هو ابن مهران الحذاء , وأبو عثمان هو النهدي , وسعد هو ابن أبي وقاص والسند إلى سعد كله بصريون , والقائل فذكرته لأبي بكرة هو أبو عثمان انتهى . ‏
‏وأخرج البخاري في باب غزوة الطائف حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال سمعت أبا عثمان قال سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " . ‏
‏( من ادعى ) ‏
‏: بتشديد الدال أي انتسب ورضي أن ينسبه الناس إلى غير أبيه ‏
‏( وهو يعلم ) ‏
‏: أي والحال أنه يعلم ‏
‏( فالجنة عليه حرام ) ‏
‏: أي إن اعتقد حله أو قبل أن يعذب بقدر ذنبه أو محمول على الزجر عنه لأنه يؤدي إلى فساد عريض . ‏
‏قال ابن بطال : ليس معنى هذا الحديث أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود , وإنما المراد به من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } وقوله تعالى { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } فنسب كل واحد إلى أبيه الحقيقي وترك الانتساب إلى من تبناه لكن بقي بعده مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي , كالمقداد بن الأسود وليس الأسود أباه وإنما كان تبناه , واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة كذا في الفتح . ‏
‏( رجلان أيما رجلين ) ‏
: أي وقعت صفة وما زائدة . قال في المصباح : أي تقع صفة تابعة لموصوف وتطابق في التذكير والتأنيث نحو برجل أي رجل وبامرأة أية امرأة انتهى . ولفظ البخاري في غزوة الطائف قال عاصم قلت لقد شهد عندك رجلان حسبك بما قالا أجل أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف انتهى . ‏
‏ومطابقة الحديث بالباب من حيث إن الادعاء إلى غير أبيه كما هو حرام فكذا الانتماء إلى غير مواليه أيضا حرام , وقد أيده برواية أبي هريرة وأنس الآتية ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي أبو عثمان ‏
‏( فذكر ) ‏
: أبو عثمان ‏
‏( فضلا ) ‏
‏: لأبي بكرة ‏
‏( قال النفيلي )
‏: هو عبد الله بن محمد ‏
‏( حيث حدث ) ‏
‏: أي حين حدث
‏( والله ) ‏
‏: الواو للقسم ‏
‏( يعني قوله حدثنا وحدثني )
‏: في الإسناد لأنهما صريحان في السماع حيث صرح كل من الرواة من النفيلي إلى سعد بن مالك بالتحديث وهو تفسير للضمير في قوله إنه ‏
‏( سمعت أحمد )
‏: بن حنبل إمام الأئمة ‏
‏( ليس لحديث أهل الكوفة نور )
‏: ينور به الحديث ويضيء إضاءة تامة ولكن ليس ذلك مطردا في حديث جميع أهل الكوفة بل استثنى منه حديث بعض الحفاظ من أهل الكوفة . ‏
‏وأما حديث أكثرهم فكما قال أحمد بن حنبل رحمه الله وذلك لعدم اعتنائهم بالأسانيد الصحيحة كاعتناء أهل الحجاز والبصرة والشام ولا يبالون هل هي بصيغة الأخبار أو العنعنة ولا يفرقون بين مرتبة الاتصال والانقطاع والإرسال بل تحتجون بالأحاديث التي هي توافق القياس سواء كانت صحيحة أو مرسلة أو منقطعة أو ضعيفة من ضعف الرجال ويردون بها الأحاديث الصحيحة الثابتة , فكيف يوجد في أحاديثهم نور . وأما حديث أهل الحجاز والشام والبصرة ففي أحاديثهم نور , ويقرب من هذا ما في سنن الترمذي في كتاب الطهارة قال علي أي ابن المديني قال يحيى بن سعيد القطان ذكر لهشام بن عروة حديث الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات " فقال هذا إسناد مشرقي انتهى . ‏
‏أي ما رواه أهل المدينة بل رواه أهل المشرق وهم أهل الكوفة وكأنه جرح في روايتهم والله أعلم ‏
‏( قال )
‏: أحمد بن حنبل ‏
‏( وما رأيت مثل أهل البصرة ) ‏
‏: في التثبت والضبط والإتقان بالأحاديث ‏
‏( كانوا ) ‏
‏: أهل البصرة
‏( تعلموه ) ‏
‏: بصيغة الجمع الماضي بشدة اللام من باب التفعل , والضمير المنصوب يرجع إلى الحديث ‏
‏( من شعبة ) ‏
‏: بن الحجاج البصري والمعنى أن شعبة من أهل البصرة كان ناقدا للرجال ضابطا متقنا متيقظا محتاطا في أداء صيغ ألفاظ الحديث والأسانيد وأنه لا يروي عن المدلسين ولا عن الضعفاء , وأما أهل البصرة فإنما تعلموا هذا العلم من شعبه وصاروا بهذه المنزلة وبلغوا بهذه الدرجة لأنهم اختاروا طريقة واقتفوا أثره ألا ترى إلى حديث سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة في الادعاء إلى غير أبيه أن فيه نورا وضوءا والسند كله بصريون والله أعلم .
‏قال المنذري وأخرجه البخاري تاما بمعناه , وأخرج مسلم وابن ماجه من حديث سعد وأبي بكرة في الادعاء لا غير .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حجاج بن أبي يعقوب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معاوية يعني ابن عمرو ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زائدة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من تولى قوما بغير إذن ‏ ‏مواليه ‏ ‏فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة ‏ ‏عدل ‏ ‏ولا ‏ ‏صرف ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من تولى قوما ) ‏
‏: أي اتخذهم مواليه وهذا حرام وإن أذن فيه مواليه أيضا فقوله من غير إذن مواليه لزيادة التقبيح , والعادة أنهم لا يرضون بذلك كذا في فتح الودود ‏
‏( صرف ولا عدل ) ‏
‏: أي نافلة ولا فريضة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمر بن عبد الواحد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏ونحن ‏ ‏ببيروت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من ‏ ‏ادعى ‏ ‏إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير ‏ ‏مواليه ‏ ‏فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة ‏

‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( ونحن ببيروت ) ‏
‏: في القاموس : بيروت بلد بالشام أي حدثني سعيد والحال أنا مقيمون ببيروت ‏
‏( من ادعى إلى غير أبيه إلخ ) ‏
‏: قال العلقمي قال النووي : هذا صريح في غلظ تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق انتهى .
‏قال المنذري : وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي نحوه من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام وفيه " فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في التفاخر بالأحساب ‏

قال في القاموس : الفخر ويحرك والفخار والفخارة التمدح بالخصال كافتخار وتفاخر وأفخر بعضهم على بعض انتهى . والأحساب جمع حسب وهو ما تعده من مفاخر آبائك . ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن مروان الرقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المعافي ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏وهذا حديثه ‏ ‏عن ‏ ‏هشام بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله عز وجل قد أذهب عنكم ‏ ‏عبية ‏ ‏الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو ‏ ‏آدم ‏ ‏وآدم ‏ ‏من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من ‏ ‏الجعلان ‏ ‏التي تدفع بأنفها النتن ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهذا حديثه ) ‏
‏: أي حديث أحمد بن سعيد
‏( عبية الجاهلية ) ‏
‏: بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح المثناة التحتية المشددة أي فخرها وتكبرها ونخوتها .
‏قال الخطابي : العبية الكبر والنخوة وأصله من العب وهو الثقل يقال عبية وعبية بضم العين وكسرها
‏( مؤمن تقي وفاجر شقي ) ‏
‏: قال الخطابي : معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه , وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفا رفيعا انتهى . ‏
‏وقيل : معناه أن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد , أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله والدليل لا يستحق التكبر فالتكبر منفي بكل حال ‏
‏( أنتم بنو آدم وآدم من تراب )
‏: أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والكبر ‏
‏( ليدعن )
‏: بلام مفتوحة في جواب قسم مقدر أي والله ليتركن كذا قيل ‏
‏( إنما هم ) ‏
‏: أي أقوام ‏
‏( أو ليكونن ) ‏
‏: بضم النون الأولى والضمير الفاعل العائد إلى رجال وهو واو الجمع محذوف من ليكونن والمعنى ليصيرن
‏( أهون ) ‏
‏: أي أذل ‏
‏( على الله ) ‏
‏: أي عنده
‏( من الجعلان ) ‏
‏: بكسر الجيم وسكون العين جمع جعل بضم ففتح دويبة سوداء تدير الخراء بأنفها ‏
‏( التي تدفع بأنفها النتن ) ‏
: أي العذرة . ‏
‏قال العلامة الدميري في حياة الحيوان : الجعل كصرد ورطب وجمعه جعلان بكسر الجيم والعين ساكنة وهو يجمع الجعر اليابس ويدخره في بيته وهو دويبة معروفة تعض ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله : وقد أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال : يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية , وتعاظمها بآبائها , الناس رجلان : مؤمن تقي كريم على الله , وفاجر شقي هين على الله , والناس بنو آدم , وخلق الله آدم من تراب . قال الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن دينار إلا من هذا الوجه , وعبد الله بن جعفر - والد علي يضعف - ضعفه يحيى بن معين وغيره . ‏
‏وفي الترمذي أيضا من حديث الحسن عن سمرة يرفعه " الحسب المال , والكرم التقوى " وقال هذا حديث حسن صحيح غريب . البهائم في فروجها فتهرب , شديد السواد , في بطنه لون حمرة يوجد كثيرا في مراح البقر والجواميس ومواضع الروث , ومن شأنه جمع النجاسة وادخارها . ومن عجيب أمره أنه يموت من ريح الورد وريح الطيب فإذا أعيد إلى الروث عاش . ومن عادته أن يحرس النيام فمن قام لقضاء حاجته تبعه وذلك من شهوته للغائط لأنه قوته .
‏وأخرج الترمذي في سننه وهو آخر حديث في جامعه قبل العلل حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو عامر العقدي أخبرنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه " الحديث هذا حديث حسن حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة حدثني أبي عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مختصرا وقال هذا حديث حسن , وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة ويروي عن أبيه أشياء كثيرة عن أبي هريرة , وقد روى سفيان الثوري وغير واحد هذا الحديث عن هشام بن سعد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أبي عامر عن هشام بن سعد انتهى كلامه . وحديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان أيضا . ‏
‏وفي مسند أبي داود الطيالسي وشعب الإيمان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية " وروى البزار في مسنده عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلكم بنو آدم وآدم من تراب لينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان " انتهى . ‏
‏وقوله في حديث الترمذي " يدهده " قال السيوطي في الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير : قد دهديت الحجر ودهدهته فتدهده دحرجته فتدحرج ولما يدهده الجعل أي يدحرجه من السرجين انتهى . ‏
‏قال القاري : شبه المفتخرين بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بالجعلان , وآباءهم المفتخر بهم بالعذرة , ونفس افتخارهم بهم بالدفع والدهدهة بالأنف والمعنى أن أحد الأمرين واقع البتة إما الانتهاء عن الافتخار أو كونهم أذل عند الله تعالى من الجعلان الموصوفة انتهى . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في العصبية ‏   ‏

قال في النهاية : العصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم , والعصبة الأقارب من جهة الأب .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏النفيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سماك بن حرب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ‏ ‏ردي ‏ ‏فهو ‏ ‏ينزع ‏ ‏بذنبه ‏
‏حدثنا ‏ ‏ابن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏سماك بن حرب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏ ‏انتهيت إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو في ‏ ‏قبة ‏ ‏من ‏ ‏أدم ‏ ‏فذكر ‏ ‏نحوه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من نصر قومه على غير الحق ) ‏
‏: أي على باطل أو مشكوك ‏
‏( فهو كالبعير الذي ردي ) ‏
‏: بضم الراء وكسر الدال المشددة وفتح الياء أي تردى وسقط في البئر ‏
‏( فهو ) ‏
‏: أي البعير المتردي ‏
‏( ينزع ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي يخرج ويرفع ‏
( بذنبه ) ‏
‏: أي يجر من ورائه . ‏
‏قال الخطابي : معناه أنه قد وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزع بذنبه ولا يقدر على الخلاص .
‏( وهو في قبة من أدم ) ‏
‏: بفتحتين أي جلد ‏
‏( فذكر نحوه )
‏: أي نحو الحديث الأول . ‏
‏قال المنذري : الأول موقوف والثاني مسند . وعبد الرحمن قد سمع من أبيه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمود بن خالد الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الفريابي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سلمة بن بشر الدمشقي ‏ ‏عن ‏ ‏بنت واثلة بن الأسقع ‏ ‏أنها سمعت ‏ ‏أباها ‏ ‏يقول ‏
‏قلت يا رسول الله ‏ ‏ما العصبية قال أن تعين قومك على الظلم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما العصبية إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه وقال فيه عن عباد بن كثير الشامي عن امرأة منهم يقال لها فسيلة قالت سمعت أبي فذكر بمعناه . وفسيلة بضم الفاء وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعد اللام المفتوحة تاء تأنيث هي بنت واثلة بن الأسقع , ذكر ذلك غير واحد , ويقال فيها أيضا خصيلة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وبعد اللام المفتوحة تاء تأنيث . وعباد بن كثير الشامي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد , وإسناد حديث أبي داود أمثل من هذا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن عمرو بن السرح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أيوب بن سويد ‏ ‏عن ‏ ‏أسامة بن زيد ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ‏ ‏قال ‏
‏خطبنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أيوب بن سويد ‏ ‏ضعيف ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن سراقة ) ‏
‏: بضم أوله ‏
‏( بن مالك بن جعشم ) ‏
‏: بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة ‏
‏( خيركم المدافع ) ‏
‏: أي الذي يدفع الظلم ‏
‏( عن عشيرته ) ‏
‏: أي أقاربه المعاشر معهم ‏
‏( ما لم يأثم ) ‏
‏: أي ما لم يظلم ويقع بالمدافعة في الإثم والظلم على المدفوع . ‏
‏( قال أبو داود أيوب بن سويد ضعيف ) ‏
‏: هذه العبارة إنما وجدت في بعض النسخ . ‏
‏قال المنذري : في إسناده أيوب بن سويد أبو مسعود الحميري السيباني قدم مصر وحدث بها . قال أبو داود في رواية ابن العبد : أيوب بن سويد السيباني بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها باء بواحدة مفتوحة وبعد الألف نون منسوب إلى سيبان بطن من حمير وهو ضعيف . قال يحيى بن معين : ليس بشيء كان يسرق الأحاديث , وقال عبد الله بن المبارك : ارم به , وتكلم فيه غير واحد , وفي سماع سعيد بن المسيب من سراقة المدلجي نظر فإن وفاة سراقة كانت سنة أربع وعشرين على المشهور , وقد ولد سعيد بن المسيب لثلاث سنين بقيت من خلافة عمر , وقتل عثمان وهو ابن خمس عشرة سنة فيكون مولده على هذا سنة عشرين أو إحدى وعشرين فلا يصح سماعه منه والله أعلم . انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن المكي يعني ابن أبي لبيبة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن أبي سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏جبير بن مطعم ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ليس منا ) ‏
‏: أي ليس من أهل ملتنا ‏
( من دعا ) ‏
‏: أي الناس ‏
‏( إلى عصبية ) ‏
‏: قال المناوي : أي من يدعو الناس إلى الاجتماع على عصبية وهي معاونة الظالم . وقال القاري : أي إلى اجتماع عصبية في معاونة ظالم . وفي الحديث " ما بال دعوى الجاهلية " قال صاحب النهاية : هو قولهم يا آل فلان كانوا يدعون بعضهم بعضا عن الأمر الحادث ‏
( من قاتل على عصبية ) ‏
‏: أي على باطل , وليس في بعض النسخ لفظ على
‏( من مات على عصبية ) ‏
‏: أي على طريقتهم من حمية الجاهلية .
‏قال المنذري . قال أبو داود في رواية ابن العبد هذا مرسل , عبد الله بن أبي سليمان لم يسمع من جبير . هذا آخر كلامه . وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن المكي وقيل فيه العكي . قال أبو حاتم الرازي : هو مجهول , وقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي هريرة بمعناه أتم منه , ومن حديث جندب بن عبد الله البجلي مختصرا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏عوف ‏ ‏عن ‏ ‏زياد بن مخراق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي كنانة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ابن أخت القوم منهم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ابن أخت القوم منهم ) ‏
‏: أي بينه وبينهم ارتباط . وسياق الحديث يقتضي أن المراد أنه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك كالنصرة والمودة والمشورة . قاله النووي . ‏
‏قال المنذري : وقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي قوله صلى الله عليه وسلم " ابن أخت القوم منهم " مختصرا ومطولا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الرحيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسين بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير بن حازم ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏داود بن حصين ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عقبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عقبة ‏ ‏وكان ‏ ‏مولى ‏ ‏من ‏ ‏أهل فارس ‏ ‏قال ‏
‏شهدت مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أحدا ‏ ‏فضربت رجلا من المشركين فقلت خذها مني وأنا الغلام الفارسي فالتفت إلي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏فهلا قلت خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي عقبة ) ‏
‏: قيل اسمه رشيد صحابي كذا في الخلاصة ‏
‏( وكان ) ‏
‏: أي أبو عقبة ‏
‏( شهدت ) ‏
: أي حضرت ‏
‏( أحدا ) ‏
‏: بضمتين ‏
‏( فقلت خذها ) ‏
: أي الضربة أو الطعنة ‏
‏( وأنا الغلام الفارسي ) ‏
‏: بكسر الراء والجملة حال , ولهذا على عادتهم في المحاربة أن يخبر الضارب المضروب باسمه ونسبه إظهارا بشجاعته ‏
‏( فهلا قلت ) ‏
‏: أي لم لا قلت ‏
‏( خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ) ‏
‏: لأن مولى القوم منهم . ‏
‏قال القاري : أي إذا افتخرت عند الضرب فانتسب إلى الأنصار الذين هاجرت إليهم ونصروني , وكان فارس في ذلك الزمان كفارا , فكره صلى الله عليه وسلم الانتساب إليهم وأمره بالانتساب إلى الأنصار ليكون منتسبا إلى أهل الإسلام انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه في إسناده محمد بن إسحاق , وقد تقدم الكلام عليه . وأبو عقبة هذا بصري مولى من بني هاشم بن عبد مناف .

 

‏ ‏باب ‏ ‏إخبار الرجل الرجل بمحبته إياه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ثور ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏حبيب بن عبيد ‏ ‏عن ‏ ‏المقدام بن معدي كرب ‏ ‏وقد كان أدركه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وقد كان ) ‏
‏: أي حبيب ‏
‏( أدركه )
‏: أي المقدام ‏
‏( فليخبره أنه يحبه ) ‏
‏: لأن في الإخبار بذلك استمالة قلبه واستجلاب زيادة المحبة . قال الخطابي : معناه الحث على التودد والتألف , وذلك أنه إذا أخبره أنه يحبه استمال بذلك قلبه واجتلب به وده , وفيه أنه إذا علم أنه محب له وواد له قبل نصيحته ولم يرد عليه قوله في عيب إن أخبره به عن نفسه أو سقطة إن كانت منه وإذا لم يعلم ذلك منه لم يؤمن أن يسوء ظنه فيه فلا يقبل منه قوله , ويحمل ذلك منه على العداوة والشنآن انتهى . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن صحيح غريب . هذا آخر كلامه . ‏
‏وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري وفيه مقال , وقد رواه منصور بن المعتمر عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن عمر قال أبو الفضل المقدسي وهو صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجاه , وقد أخرجا بهذا الإسناد حديثا في النذور وقد روي عن ابن عمر من وجوه هذا أصحها . وحديث " المرء مع من أحب " رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك , وعبد الله بن مسعود , وأبو موسى الأشعري , وعلي بن أبي طالب , وأبو سعيد الخدري , وأبو ذر , وصفوان بن عسال , وعبد الله بن يزيد الخطمي , والبراء بن عازب , وعروة بن مضرس , وصفوان بن قدامة الجمحي , وأبو أمامة الباهلي , وأبو سريحة الغفاري , وأبو هريرة , ومعاذ بن جبل , وأبو قتادة الأنصاري , وعبادة بن الصامت , وجابر بن عبد الله , وعائشة رضي الله عنهم أجمعين . ‏
‏فحديث أنس متفق عليه . ‏
‏وحديث ابن مسعود متفق عليه أيضا . ‏
‏وكذلك حديث أبي موسى وقد تقدمت . ‏
‏وأما حديث علي رضي الله عنه , فرواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن مسلم الأعور عن حبة بن جوين العرني عن علي " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم ؟ قال : المرء مع من أحب " . ‏
‏وأما حديث أبي سعيد الخدري : فرواه ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عنه مختصرا " المرء مع من أحب" . ‏
‏وأما حديث أبي ذر : فذكره أبو داود وإسناده صحيح . ‏
‏وأما حديث صفوان بن عسال فرواه الترمذي وصححه وقد تقدم . ‏
‏وأما حديث عبد الله بن يزيد الخطمي فرواه جماعة عن مسلم الأعور عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبيه " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم - فذكره " . ‏
‏وأما حديث البراء بن عازب فرواه سعيد بن منصور عن علي بن يزيد الصدائي عن العرزمي عن أبي إسحاق عن البراء . ‏
‏وأما حديث عروة بن مضرس : فرواه زيد بن الجرشي الأهوازي عن عمران بن عيينة أخي سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عنه مرفوعا " المرء مع من أحب " . ‏
‏وأما حديث صفوان بن قدامة فرواه الطبراني في الكبير من حديث موسى بن ميمون المرئي عن أبيه ميمون بن موسى عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة قال : " هاجر أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فبايعه على الإسلام , وقال إني أحبك يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحب " . قال : العلاء بن ميمون صدوق ضعيف . ‏
‏وأما حديث أبي أمامة الباهلي فرواه محمد بن عرعرة وطالوت بن عباد عن فضال بن جبير عنه يرفعه " لا يحب عبد قوما إلا بعثه الله معهم " . ‏
‏وأما حديث أبي سريحة : فمن رواية عبد الغفار بن القاسم - متروك - عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن حبيب بن حماد عنه مرفوعا : " المرء مع من أحب " . ‏
‏وأما حديث أبي هريرة فرواه غسان بن الربيع عن موسى بن مطير عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا " العبد عند ظنه بالله , وهو مع أحبابه يوم القيامة " . ‏
‏وأما حديث معاذ بن جبل : فروي عنه بإسناد لا يثبت مرفوعا : " المرء مع من أحب " . ‏
‏وأما حديث أبي قتادة الأنصاري فمن رواية ابن لهيعة حدثني أبو صخر عن يحيى بن النضر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أنس . ‏
‏وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه عبد القدوس بن محمد بن شعيب حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت مرفوعا " المرء مع من أحب " . ‏
‏وهو في البخاري عن عمرو بن عاصم عن قتادة عن أنس من حديثه .
‏وعبد القدوس - هذا - روى عنه البخاري . ‏
‏وأما حديث جابر فرواه الحارث بن أبي أسامة من حديث عكرمة بن عمار حدثني سعيد حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى تقوم الساعة ؟ قال : فما أعددت لها ؟ قال : والله يا رسول الله ما أعددت لها إني لضعيف العمل , وإني أحب الله ورسوله , قال : فأنت مع من أحببت " . ‏
‏وسعيد إن كان هو ابن المسيب فمنقطع , وإن كان هو ابن مينا فقد أدرك جابرا . ‏
‏وأما حديث عائشة فقال عبد الله بن أحمد : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن شيبة الحضرمي عن عروة عن عائشة مرفوعا : " لا يحب أحد قوما إلا حشر معهم يوم القيامة " . ‏
‏ورواه الطبراني في معجمه أطول منه من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ترفعه : " ثلاث أحلف عليهن , والرابعة لو حلفت لرجوت أن لا آثم : ما جعل الله ذا سهم في الإسلام كمن لا سهم له , ولا يتولى الله عبد في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة , والمرء مع من أحب . ‏

تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله : أخرج الترمذي عن يزيد بن نعامة الضبي . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا آخى الرجل الرجل , فليسأله عن اسمه واسم أبيه ؟ وممن هو ؟ فإنه أصل للمودة " وقال : هذا حديث غريب . وفي الصحيحين : عن أنس " أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أعددت لها ؟ قال حب الله ورسوله , قال : أنت مع من أحببت " . ‏
‏وفي رواية " ما أعددت لها من كثير صوم ولا صدقة , ولكني أحب الله ورسوله " . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المرء مع من أحب " . ‏
‏وروى الترمذي من حديث ابن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال " جاء أعرابي جهوري الصوت : يا محمد , الرجل يحب القوم ولا يلحق بهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحب " قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون لجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " . ‏
‏وفي الترمذي عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قال الله تعالى : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور , يغبطهم النبي صلى الله عليه وسلم والشهداء " قال : وفي الباب عن أبي الدرداء , وأبي مسعود , وعبادة بن الصامت , وأبي هريرة , وأبي مالك الأشعري وهذا حديث حسن صحيح .
‏وفي الصحيحين : عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه , كما يكره أن يقذف في النار " . وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل , وشاب نشأ في عبادة الله , ورجل قلبه معلق في المساجد , ورجلان تحابا في الله : اجتمعا عليه وتفرقا عليه , ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال , فقال : إني أخاف الله , ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه , ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده , لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم " . ‏
‏وروى مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن أبي إدريس الخولاني قال " دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه , وإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه ؟ فقيل : هذا معاذ بن جبل فلما كان من الغد هجرت , فوجدته قد سبقني بالتهجير , ووجدته يصلي , فانتظرته حتى قضى صلاته , ثم جئته من قبل وجهه , فسلمت عليه . ثم قلت : والله إني لأحبك , فقال آلله ؟ قلت : آلله , فقال آلله قلت آلله فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه , فقال أبشر , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تبارك وتعالى : وجبت محبتي للمتحابين في , والمتجالسين في , والمتزاورين في , والمتباذلين في " .
‏وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى , فأرصد الله على مدرجته ملكا , فلما أتى عليه قال أين تريد ؟ قال أريد أخا لي في هذه القرية , قال هل لك عليه نعمة تربها ؟ قال لا غير أني أحببته في الله تعالى , قال فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " . ‏
‏والرابعة : لو حلفت عليها لرجوت أن لا آثم : لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة " فقال عمر بن عبد العزيز " إذا سمعتم بهذا الحديث عن عروة عن عائشه فاحفظوه " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المبارك بن فضالة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ثابت البناني ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن رجلا كان عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فمر به رجل فقال يا رسول الله إني لأحب هذا فقال له النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أعلمته قال لا قال أعلمه قال فلحقه فقال إني أحبك في الله فقال أحبك الذي أحببتني له ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقال ) ‏
‏: أي الرجل الأول ‏
‏( إني لأحب هذا ) ‏
‏: أي الرجل الآخر ‏
‏( أعلمته ) ‏
‏: بحذف همزة الاستفهام ‏
‏( فقال إني أحبك في الله ) ‏
‏: أي في طلب مرضاة الله
‏( فقال ) ‏
‏: أي الرجل الآخر ‏
‏( أحبك الذي أحببتني له )
‏: أي لأجله وهذا دعاء . ‏
‏قال المنذري : في إسناده المبارك بن فضالة أبو فضالة القرشي العدوي مولاهم البصري وثقه عفان من مسلم واستشهد به البخاري وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والنسائي وتكلم فيه غيرهم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏حميد بن هلال ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن الصامت ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏أنه قال ‏
‏يا رسول الله الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم قال أنت يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏مع من أحببت قال فإني أحب الله ورسوله قال ‏ ‏فإنك مع من أحببت قال فأعادها ‏ ‏أبو ذر ‏ ‏فأعادها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال فأعادها أبو ذر ) ‏
‏: أي أعاد مقولته وهي إني أحب الله ورسوله ‏
‏( فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم )
‏: أي فأعاد مقولته الشريفة وهي فإنك مع من أحببت . ‏
‏قال المنذري : وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب".

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏يونس بن عبيد ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏رأيت ‏ ‏أصحاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه قال رجل يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المرء مع من أحب ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء )
‏: وهذا الشيء هو قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب ‏
‏( لم أرهم فرحوا بشيء ) ‏
‏: أي آخر ‏
‏( أشد منه ) ‏
‏: أي ذلك الشيء المذكور أولا ‏
‏( على العمل ) ‏
‏: متعلق بيحب ‏
‏( من الخير يعمل ) ‏
‏: أي الرجل المحبوب ‏
‏( به ) ‏
‏: أي بذلك العمل من الخير ‏
‏( ولا يعمل ) ‏
‏: أي الرجل المحب ‏
‏( المرء مع من أحب ) ‏
‏: يعني من أحب قوما بالإخلاص يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم , وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم , وفيه حث على محبة الصلحاء والأخبار رجاء اللحاق بهم والخلاص من النار . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه أتم منه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في المشورة ‏


‏قال في القاموس : أشار إليه بكذا أمره به وهي الشورى والمشورة مفعلة لا مفعولة واستشاره طلب منه المشورة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن أبي بكير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شيبان ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن عمير ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المستشار مؤتمن

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( المستشار ) ‏
‏: أي الذي طلب منه المشورة والرأي ‏
‏( مؤتمن ) ‏
‏: اسم مفعول من الأمن أو الأمانة . قال الطيبي : معناه أنه أمين فيما يسأل من الأمور فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته ذكره العزيزي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه , وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب , وأخرجه الترمذي أيضا مرسلا من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما وأبو بكر وعمر فذكر نحو هذا الحديث بمعناه ولم يذكر فيه عن أبي هريرة , وحديث شيبان أتم من حديث أبي عوانة وأطول يعني الحديث المرفوع الذي قبل هذا . وقال وشيبان ثقة عندهم صاحب كتاب , وذكره في موضع آخر مختصرا . وقال وقد رواه غير واحد عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي , وشيبان هو صاحب كتاب وهو صحيح الحديث ويكنى أبا معاوية , وأخرجه أيضا من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وهذا حديث غريب من حديث أم سلمة هذا آخر كلامه . ‏
‏وفي إسناده علي بن زيد من جدعان ولا يحتج بحديثه . ‏
‏وقال أيضا في آخره وفي الباب عن أبي مسعود وأبي هريرة وابن عمر . هذا آخر كلامه . ‏
‏وقد رواه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأبو الهيثم بن التيهان , والنعمان بن بشير , وسمرة بن جندب , وعمر بن عوف وعبد الله بن عباس , وجابر بن عبد الله , وعبد الله بن عمر , وعبيد بن صخر في طرقها كلها مقال , وأجود إسناد الحديث الذي ذكرناه أول الباب , وحسنه الترمذي .
‏وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي : وأصح الطرق إلى هذا المتن رواية سفيان ومن تابعه عن عبد الملك بن عبيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الدال على الخير ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عمرو الشيباني ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مسعود الأنصاري ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله إني ‏ ‏أبدع بي ‏ ‏فاحملني قال لا أجد ما أحملك عليه ولكن ائت فلانا فلعله أن يحملك فأتاه فحمله فأتى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأخبره فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من دل على خير فله مثل أجر فاعله ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إني أبدع بي ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي انقطع بي السبيل لموت الراحلة أو ضعفها . قال الخطابي : قوله أبدع بي معناه انقطع بي ويقال أبدعت الركاب إذا كلت وانقطعت انتهى . وفي النهاية يقال أبدعت الناقة إذا انقطعت عن السير بكلال انتهى ‏
‏( لا أجد ما أحملك عليه ) ‏
‏: أي من الركب
‏( فلعله أن يحملك ) ‏
‏: أي يعطيك ما تركب عليه ‏
‏( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ‏
‏: قال النووي المراد أن له ثوابا كما أن لفاعله ثوابا , ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء انتهى وذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو بغير تضعيف . وقال القرطبي إنه مثله سواء في القدر والتضعيف لأن الثواب على الأعمال إنما هو بفضل من الله يهبه لمن يشاء على أي شيء صدر منه خصوصا إذا صحت النية التي هي أصل الأعمال في طاعة عجز عن فعلها لمانع منع منها فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر والفاعل أو يزيد عليه كذا في السراج المنير . قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي . وأبو مسعود اسمه عقبة بن عمرو . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الهوى ‏

قال في القاموس : هويه كرضيه هوى أحبه . قال الحافظ ابن حجر فيما رده على السراج القزويني : ترجم أبو داود لهذا الحديث باب الهوى وأراد بذلك شرح معناه وأنه خبر بمعنى التحذير من اتباع الهوى فإن الذي يسترسل في اتباع هواه لا يبصر قبح ما يفعله ولا يسمع نهي من ينصحه وإنما يقع ذلك لمن يحب أحوال نفسه ولم يتفقد عليها انتهى . ‏
‏وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي : قيل يعمى عن عيوب المحبوب وقيل عن كل شيء سوى المحبوب انتهى . ‏
‏والحديث الذي أورده المؤلف في الباب هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح وزعم أنه موضوع . وقال الحافظ ابن حجر فيما رده عليه أما بلال فهو ثقة من كبار التابعين , وأما خالد فوثقه أبو حاتم الرازي , وأما أبو بكر فهو ضعيف عندهم من قبل حفظه وكان مستقيم الأمر في حديثه فطرقه لصوص فتغير عقله وصار يأتي بالغرائب التي لا توجد إلا عنده فعدوه فيمن اختلط ولم يتميز انتهى . ‏
‏وقال الحافظ صلاح الدين العلائي : هذا الحديث ضعيف لا ينتهي إلى درجة الحسن أصلا ولا يقال فيه موضوع انتهى . وقال البيهقي في شعب الإيمان بعد ذكره ورواه البخاري في التاريخ موقوفا على أبي الدرداء قال البيهقي وسئل علي بن عبد الرحمن عن الفرق بين الحب والعشق , فقال الحب لذة تعمي عن رؤية غير محبوبه فإذا تناهى سمي عشقا وهو قوله صلى الله عليه وسلم " حبك الشيء يعمي ويصم " انتهى وسيجيء كلام المنذري . ‏
‏وقد روينا هذا الحديث في الأربعين للشيخ ولي الله المحدث الدهلوي من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه والله أعلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حيوة بن شريح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بكر بن أبي مريم ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن محمد الثقفي ‏ ‏عن ‏ ‏بلال بن أبي الدرداء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏حبك الشيء ‏ ‏يعمي ويصم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حبك ) ‏
‏: إضافة المصدر إلى الفاعل ‏
( الشيء ) ‏
‏: مفعول ‏
‏( يعمي ويصم ) ‏
‏: بضم أولهما وكسر عينهما أي يجعلك أعمى عن رؤية معائب الشيء المحبوب بحيث لا تبصر فيه عيبا ويجعلك أصم عن سماع قبائحه بحيث لا تسمع فيه كلاما قبيحا لاستيلاء سلطان المحبة على فؤادك .
‏قال المنذري في إسناده بقية بن الوليد وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وفي كل واحد منهما مقال . وروي عن بلال عن أبيه قوله ولم يرفعه , وقيل إنه أشبه بالصواب , ويروى من حديث معاوية بن أبي سفيان ولا يثبت . وسئل ثعلب عن معناه فقال يعمي العين عن النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن إسماع العذل فيه , وأنشأ يقول وكذبت طرفي فيك والطرف صادق وأسمعت أذني فيك ما ليس يسمع وقال غيره : يعمي , ويصم عن الآخرة . وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في حبه انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏الشفاعة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏بريد بن أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اشفعوا ‏ ‏إلي لتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( بريد ) ‏
‏: بالموحدة مصغرا هو ابن عبد الله
‏( ابن أبي بردة ) ‏
‏: الأشعري منسوب إلى جده ‏
‏( عن أبيه )
‏: المراد بالأب جده أبو بردة ‏
‏( اشفعوا إلي لتؤجروا )
‏: أي إذا عرض المحتاج حاجته علي فاشفعوا له إلي فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أم لا , واللام في قوله لتؤجروا هي لام التعليل ذكره الحافظ ‏
‏( وليقض الله على لسان نبيه ما شاء ) ‏
‏: أي إن قضيت حاجته من شفاعتكم له فهو بتقدير الله وإن لم أقض فهو أيضا بتقدير الله . وفي السراج المنير أي يظهر على لسان رسوله بوحي أو إلهام ما شاء من إعطاء أو حرمان فتندب الشفاعة ويحصل الأجر للشافع مطلقا سواء قضيت الحاجة أم لا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏وأحمد بن عمرو بن السرح ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏وهب بن منبه ‏ ‏عن ‏ ‏أخيه ‏ ‏عن ‏ ‏معاوية ‏
‏اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما ‏ ‏تشفعوا ‏ ‏فتؤجروا فإن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏اشفعوا ‏ ‏تؤجروا ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو معمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏بريد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مثله ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح إلخ ) :
‏قد وقع هذا الحديث في بعض النسخ ههنا وفي بعضها في آخر كتاب السنة , ولم يوجد هذا الحديث في نسخة المنذري لا ههنا ولا في آخر كتاب السنة . ‏
‏وقال المزي : حديث همام بن منبه بن كامل عن معاوية أخرجه أبو داود بلفظ " اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشفعوا تؤجروا " في كتاب السنة عن أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح وأخرجه النسائي في الزكاة عن هارون بن سعيد الأيلي ثلاثتهم عن سفيان عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه همام , وحديث أبي داود في بعض النسخ من رواية اللؤلئي ولم يذكره أبو القاسم انتهى كلام المزي ‏
‏( لأريد ) ‏
‏: بلام التأكيد
‏( الأمر ) ‏
‏: لواحد من الناس أو للجماعة لأنفذه ‏
( فأؤخره ) ‏
‏: أي الأمر عن نفاذه ‏
‏( كيما ) ‏
‏: ما زائدة
‏( فتؤجروا ) ‏
‏: بصيغة المجهول . ‏
‏( حدثنا أبو معمر )
‏: حديث أبي معمر في بعض نسخ الكتاب ههنا وفي بعضها في آخر كتاب السنة , وليس في نسخة المنذري هذا الحديث لا ههنا ولا في آخر كتاب السنة . وقال المزي : حديث " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه ذو الحاجة قال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب " أخرجه البخاري في الزكاة وفي الأدب وفي التوحيد , ومسلم في الأدب , وأبو داود في الأدب عن مسدد , وفي السنة عن أبي معمر وهو إسماعيل بن إبراهيم القطيعي كلاهما عن سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي عن أبي بردة عن أبي موسى , وأخرجه النسائي في الزكاة . وحديث أبي معمر في رواية أبي بكر بن داسة عن أبي داود , ولم يذكره أبو القاسم انتهى.

 

‏ ‏باب ‏ ‏فيمن يبدأ بنفسه في الكتاب ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ابن سيرين ‏ ‏قال ‏ ‏أحمد ‏ ‏قال مرة ‏ ‏يعني ‏ ‏هشيما ‏ ‏عن ‏ ‏بعض ولد العلاء ‏
‏أن ‏ ‏العلاء بن الحضرمي ‏ ‏كان عامل النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على ‏ ‏البحرين ‏ ‏فكان ‏ ‏إذا كتب إليه بدأ بنفسه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الرحيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المعلى بن منصور ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ابن سيرين ‏ ‏عن ‏ ‏ابن العلاء ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء يعني ابن الحضرمي ‏
‏أنه ‏ ‏كتب إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبدأ باسمه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن العلاء بن الحضرمي ) ‏
‏: نسبة إلى حضرموت .
‏قال ابن الأثير : العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عباد , ولا يختلفون أنه من حضرموت انتهى ‏
‏( أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ باسمه ) ‏
‏: قال المنذري : فيهما مجهول , قال بعضهم : يبدأ الكتاب بنفسه فيقول من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان وذكر هذا الحديث حجة لذلك وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل " . ‏
‏وقال حماد بن زيد : كان الناس يكتبون من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان أما بعد . ‏
‏وقال غيره : إذا بدأ الكاتب باسم المكتوب إليه فقد كره ذلك غير واحد من السلف وأجازه بعضهم , وقيل أما الأب فيقدم فلا يبدأ ولده باسمه على والده والكبير السن كذلك يوقر به انتهى كلام المنذري . ‏
‏قلت : وأخرج الطبراني في الكبير عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كتب أحدكم إلى أحد فليبدأ بنفسه " .
‏قال المناوي في فتح القدير : فيه مجهول وضعيف انتهى . ‏
‏وفي المرقاة إسناده حسن انتهى . ‏
‏قال المناوي : أي إذا كتب أحدكم إلى أحد من الناس كتابا فليبدأ فيه بذكر نفسه مقدما على اسم المكتوب له نحو من فلان إلى فلان وإن كان مهينا محتقرا والمكتوب إليه فخما كبيرا فلا يجري على سنن العجم حيث يبدءون بأسماء أكابرهم في المكاتيب ويرون أن ذلك من الأدب , وإنما الأدب ما أمر به الشارع . نعم إن خاف وقوع محذور بمحترم إن بدأ بنفسه بدأ بالمكتوب إليه بدليل ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع قال كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يكتب إليه فقالوا ابدأ به , فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى معاوية , وفيه أيضا عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك فذكره انتهى . ‏
‏وفي الأدب المفرد عن خارجة بن زيد عن كبراء آل زيد بن ثابت هذه الرسالة لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت سلام عليك .
‏وفي فتح الباري وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن نافع كان ابن عمر يأمر غلمانه إذا كتبوا إليه أن يبدءوا بأنفسهم . ‏
‏وعن نافع كان عمال عمر إذا كتبوا إليه بدءوا بأنفسهم . ‏
‏قال المهلب : السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه . وعن معمر عن أيوب أنه كان ربما بدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه . وسئل مالك عنه فقال لا بأس به انتهى . وفي المرقاة : وكان العلاء إذا كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه اقتداء به صلى الله عليه وسلم لأنه كان يفعل ذلك . ومما يدل عليه كتابته صلى الله عليه وسلم إلى معاذ يعزيه في ابن له " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل سلام عليك , فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد " الحديث رواه الحاكم وغيره . وهذا الصنيع العظيم مقتبس من قوله تعالى { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } . ‏
‏قال المظهر : كان يكتب هكذا من العلاء الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبوا من لسانه هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عظيم البحرين وغيره من الملوك انتهى .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏كيف يكتب إلى ‏ ‏الذمي ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏ومحمد بن يحيى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏عن ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كتب إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏من ‏ ‏محمد ‏ ‏رسول الله إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏عظيم ‏ ‏الروم ‏ ‏سلام على من اتبع الهدى ‏
‏قال ‏ ‏ابن يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏أن ‏ ‏أبا سفيان ‏ ‏أخبره قال ‏ ‏فدخلنا على ‏ ‏هرقل ‏ ‏فأجلسنا بين يديه ثم دعا بكتاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فإذا فيه ‏ ‏بسم الله الرحمن الرحيم ‏ ‏من ‏ ‏محمد ‏ ‏رسول الله إلى ‏ ‏هرقل ‏ ‏عظيم ‏ ‏الروم ‏ ‏سلام على من اتبع الهدى أما بعد ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إلى هرقل ) ‏
‏: بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف غير منصرف وهو اسم علم لملك الروم في ذلك الوقت وقيصر لقب لجميع ملك الروم وقيل كلاهما واحد ‏
‏( عظيم الروم ) ‏
‏: بدل أو بيان ‏
‏( سلام على من اتبع الهدى ) ‏
‏: أي الهداية بالإسلام والديانة . وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز الابتداء بالسلام لغير أهل الإسلام إلا على طريق الكناية ‏
( وقال ابن يحيى ) ‏
‏: هو محمد ‏
‏( أن أبا سفيان أخبره ) ‏
: أي ابن عباس ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي أبو سفيان ‏
‏( فأجلسنا بين يديه ) ‏
‏: أي أجلس هرقل إيانا قدامه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولا ومختصرا .

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في بر الوالدين ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا ‏ ‏يجزي ‏ ‏ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا يجزي ) ‏
‏: بفتح أوله وسكون الياء في آخره أي لا يكافئ ‏
‏( ولد والده ) ‏
‏: أي إحسان والده ‏
‏( إلا أن يجده ) ‏
‏: أي يصادفه ‏
‏( مملوكا ) ‏
‏: منصوب على الحال من الضمير المنصوب في يجده ‏
‏( فيشتريه فيعتقه ) ‏
‏: بالنصب فيهما قال القاضي رحمه الله ذهب بعض أهل الظاهر إلى أن الأب لا يعتق على ولده إذا تملكه وإلا لم يصح ترتيب الإعتاق على الشراء , والجمهور على أنه يعتق بمجرد التملك من غير أن ينشئ فيه عتقا , وأن قوله فيعتقه : معناه فيعتقه بالشراء لا بإنشاء عتق , والترتيب باعتبار الحكم دون الإنشاء انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏خالي ‏ ‏الحارث ‏ ‏عن ‏ ‏حمزة بن عبد الله بن عمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان ‏ ‏عمر ‏ ‏يكرهها فقال لي طلقها فأبيت فأتى ‏ ‏عمر ‏ ‏النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فذكر ذلك له فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏طلقها ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقال لي طلقها فأبيت ) ‏
‏: أي امتنعت لأجل محبتي فيها . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه , وقال الترمذي : حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏بهز بن حكيم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏قال ‏
‏قلت يا رسول الله من ‏ ‏أبر ‏ ‏قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا يسأل رجل ‏ ‏مولاه ‏ ‏من فضل هو عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منعه ‏ ‏شجاعا ‏ ‏أقرع ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏الأقرع الذي ذهب شعر رأسه من السم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن بهز بن حكيم عن أبيه ) ‏
‏: أي حكيم
‏( عن جده ) ‏
‏: أي جد بهز وهو معاوية ابن حيدة ‏
‏( من أبر )
‏: بفتح الموحدة وتشديد الراء على صيغة المتكلم أي من أحسن إليه ومن أصله ‏
‏( قال أمك ) ‏
‏: بالنصب أي بر أمك وصلها أولا ‏
‏( ثم الأقرب فالأقرب ) ‏
‏: أي إلى آخر ذوي الأرحام ‏
‏( لا يسأل رجل مولاه )
‏: أي معتقه بفتح التاء أو المراد بالمولى القريب أي ذو القربى وذو الأرحام والله أعلم ‏
‏( من فضل ) ‏
‏: أي المال الفاضل من الحاجة
‏( فيمنعه إياه ) ‏
‏: أي لا يعطي المولى الفضل الرجل , فالضمير المرفوع للمولى والمنصوب المتصل للفضل ‏
‏والمنفصل للرجل ‏
‏( إلا دعي )
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( له ) ‏
‏: أي لمولاه ‏
‏( فضله )
‏: نائب الفاعل ‏
‏( شجاعا أقرع ) ‏
‏: قال الخطابي : الشجاع الحية والأقرع هو الذي انحسر الشعر من رأسه من كثرة سمه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن : هذا آخر كلامه , وقد تقدم الكلام على بهز بن حكيم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عيسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحارث بن مرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏كليب بن منفعة ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏
‏أنه أتى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله من ‏ ‏أبر ‏ ‏قال ‏ ‏أمك وأباك وأختك وأخاك ‏ ‏ومولاك ‏ ‏الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كليب بن منفعة ) ‏
‏: الحنفي البصري مقبول . كذا في التقريب ‏
‏( عن جده ) ‏
‏: بكر بن الحارث . قال في الإصابة : بكر بن الحارث الأنماري أبو منفعة ذكره الترمذي وابن شاهين في الصحابة وأبو بكر بن عيسى البغدادي فيمن نزل حمص من الصحابة , وذكره ابن قانع فسماه أيضا بكر بن الحارث , ثم أخرج حديثه من طريق كليب بن منفعة عن جده أنه قال يا رسول الله من أبر ؟ قال أمك انتهى ‏
‏( ومولاك ) ‏
‏: أي قريبك أي ذا القربى منك , فإن أحد معاني المولى القريب أيضا وهو المراد ههنا بدليل ثالث أحاديث الباب الذي تقدم وهو حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وفيه ثم الأقرب فالأقرب . ‏
‏وبدليل حديث أبي هريرة المتفق عليه قال : قال رجل يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي ؟ قال أمك , قال ثم من ؟ قال أمك , قال ثم من ؟ قال أمك ; قال ثم من ؟ قال أبوك . ‏
‏وفي رواية قال " أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك " . ‏
‏وبهذا يظهر أن الواو في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب وأباك وأختك وأخاك ومولاك بمعنى ثم أي ثم أباك ثم أختك ثم أخاك ثم مولاك أي قريبك الأقرب فالأقرب ‏
‏( الذي يلي ذلك )
‏: صفة لقوله مولاك أي قريبك الذي يقرب من تقدم من ابن أختك وابن أخيك وعمتك وعمك وابن عمتك وابن عمك وهكذا الأقرب فالأقرب . وأخرج ابن ماجه في أول كتاب الأدب عن أبي سلامة السلامي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أوصي امرأ بأمه أوصي امرأ بأمه أوصي امرأ بأمه ثلاثا أوصي امرأ بأبيه أوصي امرأ بمولاه الذي يليه وإن كان عليه منه أذى يؤذيه " انتهى . ‏
‏ومعناه أوصي كل امرئ أن يبر مولاه أي قريبه الذي يليه من أخته وأخيه وغيرهما الأقرب فالأقرب , وإن كان على المرء من القريب أذى يؤذيه . ‏
‏وعند مسلم عن أبي هريرة " أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي , فقال : لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك "
‏( حقا ) ‏
‏: أي قلت قولا حقا ‏
‏( واجبا ) ‏
‏: صفة مؤكدة لقوله حقا أي حقا ثابتا مطابقا للواقع ‏
‏( و ) ‏
‏: قرب هؤلاء المذكورون من الأم والأب والأخت والأخ وغيرهم منك ‏
‏( رحما ) ‏
‏: أي قرابة ‏
‏( موصولة ) ‏
‏: أي يجب صلتها ويحرم قطعها لما رواه أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرحم شجنة من الرحمن فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " رواه البخاري . ‏
‏وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرحمة معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله " متفق عليه . ‏
‏وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة قاطع " متفق عليه . ‏
‏قال المنذري : ذكره البخاري في تاريخه الكبير تعليقا . وقال ابن أبي حاتم كليب بن منفعة الحنفي قال أتى جدي النبي صلى الله عليه وسلم مرسل فقال من أبر وأخرج البخاري من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق بحسن مصاحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك " وأخرجه ومسلم وابن ماجه بنحوه في حديثهما ثم أمك مرتين .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى : قال الإمام أحمد : للأم ثلاثة أرباع البر . ‏
‏وقال أيضا " الطاعة للأب والبر للأم " واحتج بحديث ابن عمر " أطع أباك " لما أمره عمر بن الخطاب بطلاق زوجته . ‏
‏وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث القاسم بن محمد عن أبي أمامة أن رجلا قال " يا رسول الله , ما حق الوالدين على ولدهما ؟ قال : هما جنتك ونارك " . ‏
‏وأخرج أيضا عن أبي الدرداء سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " الوالد أوسط أبواب الجنة , فأضع ذلك الباب أو احفظه " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن جعفر بن زياد ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏عباد بن موسى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏حميد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال يلعن أبا الرجل فيلعن أباه ويلعن أمه فيلعن أمه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا إبراهيم بن سعد ) ‏
‏: فمحمد بن جعفر وعباد بن موسى كلاهما يرويان عن إبراهيم بن سعد ‏
‏( فيلعن أباه )
‏: أي يلعن الرجل الملعون أبوه أبا اللاعن ‏
‏( فيلعن أمه )
‏: أي يلعن الرجل الملعونة أمه أم اللاعن . ‏
‏قال النووي : في الحديث دليل على أن من تسبب في شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء , وفيه قطع الذرائع , فيؤخذ منه النهي عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر , والسلاح ممن يقطع الطريق ونحو ذلك . انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن مهدي ‏ ‏وعثمان بن أبي شيبة ‏ ‏ومحمد بن العلاء ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏عبد الله بن إدريس ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏أسيد بن علي بن عبيد ‏ ‏مولى ‏ ‏بني ساعدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ‏ ‏قال ‏
‏بينا نحن عند رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذ جاءه رجل من ‏ ‏بني سلمة ‏ ‏فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال ‏ ‏نعم الصلاة عليهما ‏ ‏والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أسيد بن علي ) ‏
‏: بفتح الهمزة وكسر السين
‏( عن أبي أسيد ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( مالك بن ربيعة )
‏: بالجر اسم أبي أسيد ‏
‏( من بني سلمة ) ‏
‏: بكسر اللام بطن من الأنصار وليس في العرب سلمة غيرهم ‏
‏( من بر أبوي ) ‏
‏: أي والدي وفيه تغليب ‏
‏( شيء ) ‏
‏: أي من البر ‏
‏( أبرهما )
‏: بفتح الموحدة أي أصلهما وأحسن إليهما ‏
‏( به ) ‏
‏: أي بذلك الشيء من البر الباقي ‏
‏( الصلاة عليهما ) ‏
‏: أي الدعاء ومنه صلاة الجنازة قاله القاري , وفي فتح الودود , والمراد بها الترحم ‏
( والاستغفار لهما ) ‏
‏: أي طلب المغفرة لهما وهو تخصيص بعد تعميم ‏
( وإنفاذ عهدهما ) ‏
‏: أي إمضاء وصيتهما ‏
‏( وصلة الرحم ) ‏
: أي إحسان الأقارب ‏
‏( التي لا توصل إلا بهما ) ‏
‏: ‏قال القاري : أي تتعلق بالأب والأم فالموصول صفة كاشفة للرحم . قال الطيبي : الموصول ليس بصفة للمضاف إليه بل للمضاف أي الصلة الموصوفة فإنها خالصة بحقهما ورضاهما لا لأمر آخر ونحوه . قلت : يرجع المعنى إلى الأول فتدبر انتهى . قال في مرقاة الصعود : ولفظ البيهقي وصلة رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما فقال ما أكثر هذا وأطيبه يا رسول الله قال فاعمل به فإنه يصل إليهما .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن منيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو النضر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن أبر ‏ ‏البر ‏ ‏صلة المرء أهل ود أبيه بعد أن ‏ ‏يولي ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن أبر البر ) ‏
‏: أي أفضله ‏
‏( أهل ود أبيه ) ‏
‏: بضم الواو بمعنى المودة أي أصحاب مودته ومحبته ‏
‏( بعد أن يولي ) ‏
‏: بتشديد اللام المكسورة أي بعد موت الأب فيندب صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم بعد موته كما هو مندوب قبله , قاله العزيزي .
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عمارة بن ثوبان ‏ ‏أن ‏ ‏أبا الطفيل ‏ ‏أخبره قال ‏
‏رأيت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقسم لحما ‏ ‏بالجعرانة ‏ ‏قال ‏ ‏أبو الطفيل ‏ ‏وأنا يومئذ غلام أحمل عظم ‏ ‏الجزور ‏ ‏إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هي فقالوا هذه أمه التي أرضعته ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يقسم لحما بالجعرانة ) ‏
‏: بكسر الجيم والعين المهملة وتشديد الراء وقد يسكن العين ويخفف الراء موضع معروف على مرحلة من مكة أقام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر يوما لتقسيم غنائم حنين واعتمر منها , والقصة مشهورة ‏
‏( أحمل عظم الجزور ) ‏
‏: الجزور البعير ذكرا كان أو أنثى ‏
‏( إذا أقبلت امرأة ) ‏
‏: وهي حليمة ‏
‏( حتى دنت )
‏: أي قربت ‏
‏( فبسط لها رداءه ) ‏
‏: أي تعظيما لها وانبساطا بها ‏
‏( فقلت من هي ) ‏
‏: أي تعجبا من إكرامه إياها وقبولها القعود على ردائه المبارك ‏
‏( فقالوا هذه أمه التي أرضعته )
‏: قال الحافظ في الإصابة : حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن سعد بن بكر بن هوازن . قال ابن عبد البر : أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ورأت له برهانا . وروى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه . وروى عنها عبد الله بن جعفر وحديثه عنها بقصة إرضاعها أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه . وأخرج أبو داود وأبو يعلى وغيرهما من طريق عمارة بن ثوبان عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة الحديث . وأخرج ابن منده هذا الحديث من طريق عبد الله بن جعفر عن حليمة السعدية انتهى كلام الحافظ والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عمرو بن الحارث ‏ ‏أن ‏ ‏عمر بن السائب ‏ ‏حدثه أنه بلغه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان جالسا فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت أمه من الرضاعة فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأجلسه بين يديه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ثم أقبلت أمه ) ‏
‏: أي من الرضاعة ‏
( فوضع لها شق ثوبه ) ‏
‏: أي نصف ثوبه , والشق بالكسر النصف ‏
‏( من جانبه الآخر ) ‏
‏: بفتح الخاء أي من جانب ذلك الثوب الآخر . قال المنذري : هذا معضل , عمر بن السائب يروي عن التابعين وأمه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة حليمة السعدية أسلمت وجاءت إليه وروت عنه صلى الله عليه وسلم , روى عنها عبد الله بن جعفر وأخته من الرضاعة الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى بن رفاعة وهو بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ميم لا تعرف في قومها إلا به , ويقال لها الشما بغير ياء واسمها خذامة بكسر الخاء وفتح الذال المعجمتين , وبعضهم يقول جدامة بالجيم والدال المهملة , وبعضهم يقول حذافة بالحاء المهملة والذال المعجمة وبعد الألف فاء أسلمت ووصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلة وهي التي كانت تحضنه صلى الله عليه وسلم مع أمه وتوركه . وأخوه أيضا من الرضاعة عبد الله بن الحارث , وأخته أيضا من الرضاعة أنيسة بنت الحارث , وأبوهم الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في فضل من عال يتيما

قال في المصباح : عال الرجل اليتيم عولا من باب قال كفله وقام به انتهى . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان ‏ ‏وأبو بكر ‏ ‏ابنا ‏ ‏أبي شيبة ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مالك الأشجعي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن حدير ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من كانت له أنثى فلم ‏ ‏يئدها ‏ ‏ولم يهنها ولم ‏ ‏يؤثر ‏ ‏ولده عليها ‏ ‏قال ‏ ‏يعني الذكور ‏ ‏أدخله الله الجنة ‏ ‏ولم يذكر ‏ ‏عثمان ‏ ‏يعني الذكور ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ابن حدير ) ‏
‏: بالحاء المهملة مصغرا
‏( من كانت له أنثى ) ‏
‏: أي بنت أو أخت ‏
‏( فلم يئدها )
‏: بفتح التحتية وكسر الهمزة أي لم يدفنها حية من وأد يئد وأدا . ومعنى الوأد بالفارسية زنده دركور كردن , وكانت العرب يدفنون البنات أحياء ‏
‏( ولم يهنها ) ‏
‏: من الإهانة ‏
‏( ولم يؤثر ) ‏
‏: من الإيثار أي لم يختر ‏
‏( ولده ) ‏
‏: أي ولده الذكر إذا كان له ‏
‏( عليها )
‏: أي على الأنثى ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي ابن عباس كما هو الظاهر ‏
‏( يعني الذكور ) ‏
‏: أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالولد الذكور . ووجه التفسير أن الولد في اللغة يطلق على الابن والبنت ‏
( أدخله الله الجنة ) ‏
‏: أي مع السابقين ‏
‏( ولم يذكر عثمان يعني الذكور ) ‏
‏: أي لم يذكر عثمان في روايته لفظ يعني الذكور . ‏
‏قال المنذري : ابن حدير غير مشهور وهو بضم الحاء المهملة وبعدها دال مهملة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وراء مهملة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سهيل يعني ابن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد الأعشى ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهو ‏ ‏سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب بن بشير الأنصاري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة ‏
‏حدثنا ‏ ‏يوسف بن موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏بهذا الإسناد قال ‏ ‏ثلاث أخوات أو ثلاث بنات أو بنتان أو أختان ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الأعشى ) ‏
‏: على وزن أحمر لقب لجماعة من الشعراء والعلماء ‏
‏( وهو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل ) ‏
‏: بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم كذا قال الحافظ في التقريب ‏
‏( من عال ثلاث بنات ) ‏
‏: أي تعهدهن وقام بمؤنتهن ‏
‏( فأدبهن ) ‏
‏: أي بآداب الشريعة وعلمهن ‏
‏( وأحسن إليهن ) ‏
‏: قال المناوي : أي بعد الزواج بنحو صلة وزيارة ‏
‏( فله الجنة ) ‏
‏: أي دخوله مع السابقين . فيه تأكيد حق البنات على حق البنين لضعفهن عن الاكتساب . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي من حديث سهيل عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد وقد زاد في هذا الإسناد رجلا , وأخرجه أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن سهيل عن أيوب بن بشير عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد . وقال البخاري في تاريخه وقال ابن عيينة عن سهيل عن أيوب عن سعيد الأعشى ولا يصح . ‏
‏( بهذا الإسناد ) ‏
‏: أي السابق ( بمعناه ) : أي بمعنى الحديث السابق ‏
‏( قال ثلاث أخوات أو ثلاث بنات )
‏: أو للتنويع لا للشك وكذا في قوله أو ابنتان أو أختان . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو , وضم أصابعه " . ‏
‏وفي الصحيحين عن عائشة قالت " جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها , فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة , فأعطيتها إياها , فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها , ولم تأكل منها شيئا , ثم قامت , فخرجت وابنتاها , فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم , فحدثته حديثها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار " .
‏وقد أخرج ابن ماجه في سننه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره , وغدا وراح شاهرا سيفه في سبيل الله , وكنت أنا وهو في الجنة أخوان كهاتين أختان , وألصق إصبعيه : السبابة والوسطى " . ‏
‏وأخرج أيضا عن أبي هريرة يرفعه : " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه . وشر بيت في المسلمين : بيت فيه يتيم يساء إليه " . ‏
‏وقد أخرجا في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .
‏وفيهما عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والله لا يؤمن , والله لا يؤمن , والله لا يؤمن . قيل : يا رسول الله , ومن هو ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " لفظ البخاري . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر إذا طبخت مرقا فأكثرها وتعاهد جيرانك " . ‏
‏وفي لفظ له " إن خليلي أوصاني : إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه , ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف " . ‏
‏وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة " .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن زريع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏النهاس بن قهم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏شداد أبو عمار ‏ ‏عن ‏ ‏عوف بن مالك الأشجعي ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنا وامرأة ‏ ‏سفعاء ‏ ‏الخدين كهاتين يوم القيامة وأومأ ‏ ‏يزيد ‏ ‏بالوسطى والسبابة امرأة ‏ ‏آمت ‏ ‏من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى ‏ ‏بانوا ‏ ‏أو ماتوا

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا النهاس ) ‏
‏: بفتح النون وتشديد الهاء ثم مهملة ‏
‏( ابن قهم ) ‏
‏: بفتح القاف وسكون الهاء ‏
‏( أنا وامرأة سفعاء الخدين ) ‏
‏: أي متغيرة لون الخدين لما يكابدها من المشقة والضنك . قال الخطابي : السفعاء هي التي تغير لونها إلى الكمودة والسواد من طول الأيمة كأنه مأخوذ من سفع النار وهو أن يصيب لفحها سيئا فيسود مكانه , يريد بذلك عليه السلام أن هذه المرأة قد حبست نفسها على أولادها ولم تتزوج فتحتاج إلى أن تتزين وتصنع نفسها لزوجها انتهى . ‏
‏وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي : السفعة بضم المهملة نوع من السواد ليس بالكثير , وقيل هو سواد مع لون آخر . وفي الصحاح سواد مشرب بالحمرة أراد أنها بذلت نفسها لأولادها وتركت الزينة والترفه حتى تغير لونها من المشقة إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها , ولم يرد أنها كانت من أهل الخلقة كذلك لقوله ذات منصب وجمال ‏
‏( كهاتين ) ‏
‏: أي من الأصبعين فإن قلت درجات الأنبياء أعلى من درجات سائر الخلق لا سيما درجة نبينا صلى الله عليه وسلم لا ينالها أحد , قلت : الغرض منه المبالغة في رفع درجته في الجنة وإنما فرق بين الأصبعين إشارة إلى التفاوت بين درجة الأنبياء عليهم السلام وآحاد الأمة قاله السيوطي في مرقاة الصعود قلت : وفي رواية للبخاري وفرج بينهما كما سيجيء ‏
( وأومأ يزيد ) ‏
‏: هو ابن زريع أي أشار بيانا لهاتين ‏
‏( امرأة )
‏: عطف بيان لامرأة سعفاء الخدين أو بدل منها أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه امرأة ‏
‏( آمت من زوجها ) ‏
‏: بمد الهمزة وتخفيف الميم أي صارت أيما لا زوج لها ‏
‏( ذات منصب ) ‏
‏: بكسر الصاد أي صاحبة نسب أو حسب قاله القاري ‏
‏( وجمال ) ‏
‏: أي كمال صورة وسيرة وهي صفة لامرأة وأريد بها كمال الثواب وليست للاحتراز . ‏
‏والمعنى أنها مع هذه الصفة المرغوبة المطلوبة لكل أحد ‏
‏( حبست نفسها ) ‏
‏: فالجملة استئناف أو صفة أخرى أو حال بتقدير قد أو بدونه أي منعتها عن الزواج صابرة أو شفقة ‏
‏( على يتاماها ) ‏
‏: وقال شارح أي اشتغلت بخدمة الأولاد وعملت لهم فكأنها حبست نفسها أي وقعت عليهم قاله القاري . ‏
‏وقال الحافظ بن الأثير في النهاية اليتم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ وفي الدواب فقد الأم وأصل اليتم بالضم والفتح الانفرادي انتهى . ‏
‏وفي التعريفات للسيد : هو المنفرد عن الأب لأن نفقته عليه لا على الأم , وفي البهائم اليتم هو المنفرد عن الأم لأن اللبن والأطعمة منها انتهى . وفي المصباح اليتم في الناس من قبل الأب فيقال صغير يتيم والجمع أيتام ويتامى وفي غير الناس من قبل الأم , فإن مات الأبوان فالصغير لطيم , وإن ماتت أمه فقط فهو عجي انتهى . ‏
‏( حتى بانوا ) ‏
‏: أي إلى أن كبروا وحصلت لهم الإبانة أو وصلوا إلى مرتبة كمالهم , فإن البين من الأضداد بمعنى الفصل والوصل . ‏
‏وقال شارح أي حتى فضلوا وزادوا قوة وعقلا واستقلوا بأمرهم من البون وهو الفضل والمزية كذا قال القاري وقال في النهاية في مادة بين من عال ثلاث بنات حتى يبن أو يمتن يبن بفتح الياء أي يتزوجن يقال أبان فلان بنته وبينها إذا زوجها , وبانت هي إذا تزوجت وكأنه من البين البعد أي بعدت عن بيت أبيها انتهى ‏
‏( أو ماتوا )
‏: أي أو ماتت , فأو للتنويع كذا في المرقاة . وقال الطيبي التنكير في امرأة للتعظيم وقوله سفعاء الخدين نصب أو رفع على المدح وهو معترض بين المبتدأ والخبر . قال المنذري في إسناده النهاس بن قهم أبو الخطاب البصري القاضي ولا يحتج بحديثه وهو بالنون وبعد الألف سين مهملة وقهم بالقاف آخره ميم . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

" 6410 " قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرج ابن ماجه في سننه من حديث مرة الطيب عن أبي بكر الصديق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة سيئ الملكة قالوا يا رسول الله أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين ويتامى ؟ قال : نعم , فأكرموهم ككرامة أولادكم , وأطعموهم مما تأكلون . قالوا : فما ينفعنا في الدنيا ؟ قال : فرس ترتبطه تقاتل عليه في سبيل الله , مملوكك يكفيك , فإذا صلى فهو أخوك " . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به , وقد ولي حره ودخانه , فليقعده معه , فليأكل , فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين " لفظ مسلم . ‏
‏وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للمملوك طعامه وكسوته , ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " . وأخرجا عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران - زاد مسلم - فحدثت به كعبا , فقال كعب : ليس عليه حساب ولا على مؤمن من هذا " . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للعبد المملوك المصلح أجران , والذي نفس أبي هريرة بيده , لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك " . ‏
‏زاد مسلم عن ابن المسيب : وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها .
‏وأخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك الذي يحسن عبادة ربه , ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة : أجران " . ‏
‏ولمسلم بمعناه . ‏
‏وفي الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد , والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه , ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها , وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها : فله أجران " .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في من ضم اليتيم ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح بن سفيان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن أبي حازم ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏سهل ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي ‏ ‏تلي ‏ ‏الإبهام ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أنا وكافل اليتيم ) ‏
‏: أي القيم بأمره ومصالحه ومربيه , واليتيم من مات أبوه وهو صغير يستوي فيه المذكر والمؤنث
‏( كهاتين ) ‏
‏: أي من الأصبعين ‏
‏( في الجنة ) ‏
: خبر أنا ومعطوفة ‏
‏( وقرن ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم , وفي رواية البخاري في اللعان " وفرج بينهما شيئا " قال العلقمي فيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم , وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى . وفي رواية " كهاتين إذا اتقى " أي اتقى الله في ما يتعلق باليتيم ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أي سرعة الدخول عقبه صلى الله عليه وسلم . ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين سرعة الدخول وعلو المرتبة انتهى . قال ابن بطال : حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك . قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي .

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في حق الجوار ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بكر بن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏عمرة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ما زال ‏ ‏جبريل ‏ ‏يوصيني بالجار حتى قلت ليورثنه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما زال جبرائيل يوصيني بالجار ) ‏
‏: أي يأمرني بحفظ حقه من الإحسان إليه ودفع الأذى عنه ‏
‏( حتى قلت ليورثنه ) ‏
: أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره بفرض سهم يعطاه مع الأقارب . وقيل المراد أنه ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة قال الحافظ الأول أظهر فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع , ويؤيده ما أخرجه البخاري بلفظ " حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا " كذا في الفتح . ‏
‏قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عيسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏بشير أبي إسمعيل ‏ ‏عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏
‏أنه ذبح شاة فقال أهديتم لجاري اليهودي فإني سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏ما زال ‏ ‏جبريل ‏ ‏يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أهديتم لجاري ) ‏
‏: بحذف همزة الاستفهام أي هل أتحفتموه وأعطيتموه شيئا من الشاة المذبوحة ‏
‏( ما زال جبرائيل يوصيني بالجار ) ‏
‏: اسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق , وقد حمله عبد الله بن عمرو على العموم . ‏
‏قال المنذري وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه , وقد روي هذا الحديث عن مجاهد عن عائشة وأبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الربيع بن نافع أبو توبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن حيان ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يشكو جاره فقال ‏ ‏اذهب فاصبر فأتاه مرتين ‏ ‏أو ثلاثا ‏ ‏فقال اذهب فاطرح متاعك في الطريق فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل وفعل فجاء إليه جاره فقال له ارجع لا ‏ ‏ترى مني شيئا تكرهه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يشكو جاره ) ‏
‏: حال ‏
‏( فاصبر )
‏: أي على إيذائه ‏
‏( فاطرح ) ‏
‏: أي ألق ‏
‏( فجعل الناس يلعنونه ) ‏
‏: أي جاره المؤذي ‏
‏( فعل الله به ) ‏
: دعاء سوء والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المتوكل العسقلاني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )
‏: قيل إكرامه تلقيه بطلاقة الوجه وتعجيل قراه والقيام بنفسه في خدمته
‏( فلا يؤذ جاره ) ‏
‏: أي أقله هذا وإلا ففي رواية للشيخين " فليكرم جاره " وفي رواية لهما " فليحسن إلى جاره " ‏
‏( فليقل خيرا )
‏: أي كلاما يثاب عليه ‏
‏( أو ليصمت ) ‏
‏: بضم الميم أي ليسكت وفيه استحباب ترك الكلام المباح خوفا من انجراره إلى المكروه أو الجناح , وقد قال صلى الله عليه وسلم " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه , وليس المراد توقف الإيمان على هذه الأفعال بل هو مبالغة في الإتيان بها كما يقول القائل لولده إن كنت ابني فأطعني تحريضا له على الطاعة أو المراد من كان كامل الإيمان فليأت بها . ‏
‏قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بنحوه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد بن مسرهد ‏ ‏وسعيد بن منصور ‏ ‏أن ‏ ‏الحارث بن عبيد ‏ ‏حدثهم عن ‏ ‏أبي عمران الجوني ‏ ‏عن ‏ ‏طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏قلت يا رسول الله إن لي جارين بأيهما أبدأ قال ‏ ‏بأدناهما بابا ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏شعبة ‏ ‏في هذا الحديث ‏ ‏طلحة ‏ ‏رجل من ‏ ‏قريش ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( بأيهما أبدأ ) ‏
‏: أي للصلة والهدية
‏( قال بأدناهما بابا ) ‏
‏: أي بأقربهما بابا , قال المنذري وطلحة هذا هو طلحة بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي احتج به البخاري في صحيحه وأخرج هذا الحديث من حديثه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في حق المملوك ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏وعثمان بن أبي شيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏محمد بن الفضيل ‏ ‏عن ‏ ‏مغيرة ‏ ‏عن ‏ ‏أم موسى ‏ ‏عن ‏ ‏علي ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏قال ‏
‏كان آخر كلام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الصلاة الصلاة ) ‏
‏: بالنصب على تقدير فعل أي الزموا الصلاة أو أقيموا أو احفظوا الصلاة بالمواظبة عليها والمداومة على حقوقها
‏( اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ) ‏
‏قال في النهاية يريد الإحسان إلى الرقيق والتخفيف عنهم , وقيل أراد حقوق الزكاة وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي وقال التوربشتي الأظهر أنه أراد بما ملكت أيمانكم المماليك , وإنما قرنه بالصلاة ليعلم أن القيام بمقدار حاجتهم من الكسوة والطعام واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا سعة في تركها . وقد ضم بعض العلماء البهائم المستملكة في هذا الحكم إلى المماليك . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه وليس فيه اتقوا الله ولفظه الصلاة وما ملكت أيمانكم وأم موسى هذه قيل اسمها حبيبة .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏المعرور بن سويد ‏ ‏قال ‏
‏رأيت ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏بالربذة ‏ ‏وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله قال فقال القوم يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة وكسوت غلامك ثوبا غيره قال فقال ‏ ‏أبو ذر ‏ ‏إني كنت ساببت رجلا وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكاني إلى رسول الله فقال يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏إنك امرؤ فيك جاهلية قال ‏ ‏إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن المعرور ) ‏
‏: بالعين المهملة والراء المكررة ‏
‏( بالربذة ) ‏
‏: بالفتحات موضع بقرب المدينة فيه قبر أبي ذر رضي الله عنه ‏
‏( فجعلته مع هذا ) ‏
‏: أي جمعت بينهما ‏
( فكانت حلة ) ‏
‏: لأن الحلة عند العرب ثوبان ولا يطلق على ثوب واحد
‏( إني كنت ساببت ) ‏
‏: بصيغة المتكلم من السب ‏
‏( رجلا )
‏: هو بلال المؤذن كما سيظهر لك من كلام المنذري ‏
‏( وكانت أمه أعجمية ) ‏
‏: أي غير عربية ‏
‏( إنك امرؤ فيك جاهلية ) ‏
: أي هذا التعبير من أخلاق الجاهلية , ففيك خلق من أخلاقهم , وينبغي للمسلم أن لا يكون فيه شيء من أخلاقهم , ففيه النهي عن التعيير وتنقيص الآباء والأمهات وأنه من أخلاق الجاهلية ‏
‏( إنهم ) ‏
‏: أي مماليككم ‏
‏( إخوانكم )
‏: أي من جهة الدين , قال الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } أو من جهة آدم أي أنكم متفرعون من أصل واحد ‏
‏( فضلكم الله عليهم ) ‏
‏: بأن ملككم عليهم ‏
‏( فمن لم يلائمكم ) ‏
‏: أي لم يوافقكم من مماليككم ولم يصالحكم . قال في المصباح : يقال ولاءمت بين القوم ملاءمة مثل صالحت مصالحة وزنا ومعنى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه . وأخرجه ابن ماجه مختصرا , وليس في حديث جميعهم : فمن لا يلائمكم إلى آخره , والرجل الذي عيره أبو ذر هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : الفصيح عيرت فلانا أمه , وقد جاء في شعر عدي بن زيد : ‏ ‏أيها الشامت المعير بالدهر
‏واعتذر عنه بأنه كان عباديا ولم يكن فصيحا , غير أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أعيرته بأمه , وأبو ذر يذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن نفسه فلا نكير عليه فلا معنى لإنكار ذلك . انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏المعرور بن سويد ‏ ‏قال ‏
‏دخلنا على ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏بالربذة ‏ ‏فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله فقلنا يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة وكسوته ثوبا غيره قال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليكسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏ابن نمير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏نحوه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إخوانكم ) ‏
‏: أي مماليككم إخوانكم ‏
( تحت أيديكم ) ‏
‏: أي تحت تصرفكم وأمركم وحكمكم ‏
‏( وليكسه )
‏: وفي بعض النسخ وليلبسه من الإلباس ‏
‏( مما يلبس ) ‏
: بفتح ‏
‏أوله وفتح الموحدة ‏
‏( فإن كلفه ما يغلبه ) ‏
‏: أي من العمل الشاق ‏
‏( فليعنه ) ‏
‏: أي على ذلك العمل بنفسه أو بغيره .
‏قال النووي : الأمر بإطعامهم مما يأكل السيد وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب لا على الإيجاب وهذا بإجماع المسلمين , وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص , سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرا خارجا عن عادة أمثاله إما زهدا وإما شحا , لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه . انتهى .
‏( عن الأعمش نحوه ) ‏
‏: أي نحو رواية عيسى بن يونس من غير ذكر قصة السب . والله أعلم . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏ابن المثنى ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مسعود الأنصاري ‏ ‏قال ‏
‏كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا اعلم ‏ ‏أبا مسعود ‏ ‏قال ‏ ‏ابن المثنى ‏ ‏مرتين ‏ ‏لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى قال أما إنك لو لم تفعل ‏ ‏للفعتك ‏ ‏النار ‏ ‏أو لمستك النار ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو كامل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الواحد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏بإسناده ‏ ‏ومعناه نحوه قال كنت أضرب غلاما لي أسود بالسوط ولم يذكر أمر العتق ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( كنت أضرب غلاما لي ) ‏
‏: أي مملوكا لي
‏( فسمعت من خلفي صوتا ) ‏
‏: أي كلاما لقائل يقول ‏
‏( اعلم أبا مسعود ) ‏
‏: أي يا أبا مسعود ‏
‏( لله ) ‏
‏: بفتح اللام
‏( أقدر عليك منك عليه ) ‏
‏: أي أن الله أشد قدرة من قدرتك على غلامك , وعلق عمل اعلم باللام الابتدائية ‏
‏( فالتفت ) ‏
‏: أي نظرت
‏( فإذا هو ) ‏
‏: أي من خلفي الذي سمعت صوته ‏
‏( هو حر لوجه الله ) ‏
‏: أي لابتغاء مرضاته ‏
‏( أما ) ‏
‏: بالتخفيف للتنبيه ‏
‏( للفعتك النار ) ‏
‏: أي أحرقتك . قال الخطابي : معناه شملتك من نواحيك , ومنه قولهم : تلفع الرجل بالثوب إذا اشتمل به انتهى ‏
( أو لمستك النار ) ‏
‏: شك من الراوي . قال النووي : فيه الحث على الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم , وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبا , وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه وإزالة إثم الظلم عنه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي . ‏
‏( ولم يذكر أمر العتق ) ‏
‏: أي قوله هو حر . إلخ .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عمرو الرازي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏مورق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون ‏ ‏واكسوه مما تلبسون ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن مورق ) ‏
‏: بضم الميم وكسر الراء المشددة , ابن مشمرج بضم أوله وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم , هكذا ضبطه في التقريب ‏
‏( من لاءمكم ) ‏
‏: بالهمز من الملاءمة , وفي بعض النسخ لايمكم بالياء . وفي النهاية : أي وافقكم وساعدكم , وقد يخفف الهمز فيصير ياء . وفي الحديث يروى بالياء منقلبة عن الهمز , ذكره الطيبي , كذا في المرقاة ‏
‏( مما تكتسون ) ‏
‏: أي تلبسون ‏
‏( ومن لم يلائمكم ) ‏
‏: بالهمز , وفي بعض النسخ بالياء ‏
‏( ولا تعذبوا خلق الله ) ‏
‏: أي ولا تعذبوهم وإنما عدل عنه إفادة للعموم فيشملهم وسائر الحيوانات والبهائم والحديث سكت عنه المنذري . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن موسى ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏عثمان بن زفر ‏ ‏عن ‏ ‏بعض ‏ ‏بني رافع بن مكيث ‏ ‏عن ‏ ‏رافع بن مكيث ‏ ‏وكان ممن شهد ‏ ‏الحديبية ‏ ‏مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن عمه الحارث بن رافع بن مكيث ) ‏
‏: هذه العبارة وجدت في بعض النسخ ولم توجد في بعضها بل في بعضها هكذا عن بعض بني رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث . ‏
‏إلخ . وقال الإمام ابن الأثير في أسد الغابة : رافع بن مكيث بن عمرو الجهني شهد الحديبية ‏
‏وهو أخو جندب بن مكيث سكن الحجاز ثم ساق روايته بإسناده إلى إسحاق بن أبي إسرائيل أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن زفر عن بعض بني رافع من مكيث عن رافع بن مكيث وكان قد شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن حسن الملكة نماء وسوء الخلق شؤم كذا رواه عبد الرزاق ابن المبارك وهشام بن يوسف وعبد المجيد بن أبي داود عن معمر عن عثمان بن زفر هكذا . ورواه بقية عن عثمان بن زفر الجهني قال حدثني محمد بن خالد بن رافع بن مكيث عن عمه الحارث من رافع قال : كان رافع من جهينة شهد الحديبية مثله . انتهى . ‏
‏وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة : رافع بن مكيث بوزن عظيم آخره مثلثة الجهني شهد بيعة الرضوان , وكان أحد يحمل ألوية جهينة يوم الفتح , واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه , وشهد الجابية مع عمر له عند أبي داود حديث واحد من طريق ولده الحارث ابن رافع عنه في حسن الملكة . انتهى .
‏وقال المزي في الأطراف : حديث " حسن الملكة نماء وسوء الخلق شؤم " أخرجه أبو داود في الأدب عن إبراهيم بن موسى عن عبد الرزاق عن معمر عن عثمان بن زفر عن بعض بني رافع من مكيث عن رافع بن مكيث وكان ممن شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . انتهى . فلم يذكر المزي أيضا واسطة الحارث بن رافع بن مكيث بين بعض بني رافع وبين رافع بن مكيث كما لم يذكرها ابن الأثير . وذكر المزي رواية الحارث بن رافع بن مكيث التي تأتي بعد ذلك في كتاب المراسيل من أطرافه . ‏
‏وقال الحافظ في التقريب : الحارث بن رافع بن مكيث الجهني له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة . انتهى . ‏
‏( عن رافع بن مكيث ) : بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالمثلثة ‏
‏( حسن الملكة )
‏: الحسن بضم فسكون والملكة بفتحات , أي حسن الصنيع إلى المماليك
‏( يمن ) ‏
‏: بضم أوله , يعني إذا أحسن الصنيع بالمماليك يحسنون خدمته , وذلك يؤدي إلى اليمن والبركة كما أن سوء الملكة يؤدي إلى الشؤم والهلكة وفي بعض النسخ نماء مكان يمن , والمراد من النماء البركة ‏
‏( وسوء الخلق )
‏: بضمتين وسكون الثاني ‏
‏( شؤم ) ‏
‏: في القاموس الشؤم بضم الشين المعجمة وسكون الهمزة ضد اليمن . ‏
‏قال المنذري : فيه مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المصفى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بقية ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن زفر ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏محمد بن خالد بن رافع بن مكيث ‏ ‏عن ‏ ‏عمه ‏ ‏الحارث بن رافع بن مكيث ‏ ‏وكان ‏ ‏رافع ‏ ‏من ‏ ‏جهينة ‏ ‏قد شهد ‏ ‏الحديبية ‏ ‏مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏حسن الملكة ‏ ‏يمن ‏ ‏وسوء الخلق شؤم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( وكان رافع من جهينة ) ‏
‏: بالتصغير قبيلة
‏( قال حسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم ) ‏
‏: في النهاية : الشؤم ضد اليمن وأصله الهمز فخفف واوا وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة . قال القاضي : أي حسن الملكة يوجب اليمن إذ الغالب أنهم إذا رأوا السيد أحسن إليهم كانوا أشفق عليه وأطوع له وأسعى في حقه , وكل ذلك يؤدي إلى اليمن والبركة , وسوء الخلق يورث البغض والنفرة ويثير اللجاج والعناد وقصد الأنفس والأموال . ‏
‏قال المنذري : هذا مرسل , لحارث بن رافع تابعي , وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏وأحمد بن عمرو بن السرح ‏ ‏وهذا حديث ‏ ‏الهمداني ‏ ‏وهو أتم ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أبو هانئ الخولاني ‏ ‏عن ‏ ‏العباس بن جليد الحجري ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏يقول ‏
‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله كم ‏ ‏نعفو عن الخادم فصمت ثم أعاد عليه الكلام فصمت فلما كان في الثالثة قال ‏ ‏اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن العباس بن جليد ) ‏
‏: بالجيم مصغرا
‏( الحجري ) ‏
‏: بفتح المهملة وسكون الجيم قال أبو الفضل المقدسي في الأنساب : الحجري منسوب إلى ثلاثة قبائل الأول إلى حجر حمير , والثاني حجر رعين الثالث حجر الأزد انتهى ‏
‏( كم نعفو ) ‏
‏: أي كم مرة نعفو
‏( فصمت ) ‏
‏: أي سكت , قيل إن كان الصمت لكراهة السؤال فإن العفو مندوب إليه مطلقا دائما فلا حاجة إلى تعيين عدد مخصوص , أو لانتظار الوحي والله أعلم ‏
‏( سبعين مرة ) ‏
‏: قيل المراد به التكثير دون التحديد .
‏قال المنذري : هكذا وقع في سماعنا وفي غيره عن عبد الله بن عمرو .
‏أخرجه الترمذي كذلك وقال حسن غريب , قال وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد وقال عن عبد الله من عمرو , وذكر بعضهم أن أبا داود أخرجه من حديث عبد الله بن عمر . ‏
‏والعباس بن جليد بضم الجيم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبعدها دال مهملة مصري ثقة ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين , وذكر أنه يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الحارث بن الجزء . وذكر ابن أبي حاتم أنه يروي عن ابن عمر ; وذكر الأمير أبو نصر أنه يروي عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن جزء . وأخرج البخاري هذا في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص , ومن حديث عباس بن جليد عن ابن عمرو , قال وهو حديث فيه نظر انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن موسى الرازي ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مؤمل بن الفضل الحراني ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏عيسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏فضيل يعني ابن غزوان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي نعم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏حدثني ‏ ‏أبو القاسم ‏ ‏نبي التوبة ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من ‏ ‏قذف ‏ ‏مملوكه وهو بريء مما قال جلد له يوم القيامة ‏ ‏حدا ‏
‏قال ‏ ‏مؤمل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى ‏ ‏عن ‏ ‏الفضيل يعني ابن غزوان ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ابن أبي نعم ) ‏
‏: بضم النون وسكون العين المهملة هو عبد الرحمن البجلي ‏
‏( قال حدثني أبو القاسم نبي التوبة صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: سمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم بعث بقبول التوبة بالقول والاعتقاد , وكانت توبة من قبلنا بقتل أنفسهم ويحتمل أن يكون المراد بالتوبة الإيمان والرجوع عن الكفر إلى الإسلام , وأصل التوبة الرجوع كذا قال النووي تبعا للقاضي ‏
‏( من قذف مملوكه ) ‏
‏: أي بالزنا ‏
‏( وهو )
‏: أي , والحال أن مملوكه ‏
‏( بريء ) ‏
‏: أي في نفس الأمر
‏( جلد ) ‏
‏: بصيغة المجهول أي ضرب بالجلد ‏
‏( له يوم القيامة حدا ) ‏
‏: قال النووي : فيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه لكن يعزر قاذفه , لأن العبد ليس بمحصن سواء فيه من هو كامل الرق أو فيه شائبة الحرية والمدبر والمكاتب وأم الولد ‏
‏( قال مؤمل أخبرنا عيسى عن الفضيل ) ‏
‏: أي قال بالعنعنة ‏
‏( يعني ابن غزوان )
‏: بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي أي زاد هذا اللفظ أيضا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بمعناه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏فضيل بن عياض ‏ ‏عن ‏ ‏حصين ‏ ‏عن ‏ ‏هلال بن يساف ‏ ‏قال ‏
‏كنا نزولا في دار ‏ ‏سويد بن مقرن ‏ ‏وفينا شيخ فيه ‏ ‏حدة ‏ ‏ومعه جارية له فلطم وجهها فما رأيت ‏ ‏سويدا ‏ ‏أشد غضبا منه ذاك اليوم قال ‏ ‏عجز ‏ ‏عليك إلا ‏ ‏حر ‏ ‏وجهها لقد رأيتنا سابع سبعة من ولد ‏ ‏مقرن ‏ ‏وما لنا إلا خادم فلطم أصغرنا وجهها ‏ ‏فأمرنا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بعتقها ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن هلال بن يساف ) ‏
‏: بفتح الياء وكسرها , ويقال أيضا أساف قاله النووي ‏
‏( عجز عليك إلا حر وجهها ) ‏
‏: قال النووي : معناه عجزت ولم تجد أن تضرب إلا حر وجهها , وحر الوجه صفحته وما رق من بشرته , وحر كل شيء أفضله وأرفعه ‏
‏( وما لنا إلا خادم ) ‏
‏: قال النووي : الخادم بلا هاء يطلق على الجارية كما يطلق على الرجل , ولا يقال خادمة بالهاء إلا في لغة شاذة قليلة ‏
‏( فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها )
‏: هذا محمول على أنهم كلهم رضوا بعتقه وتبرعوا به وإلا فاللطمة إنما كانت من واحد منهم فسمحوا له بعتقها تكفيرا لذنبه قاله النووي . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏سلمة بن كهيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏معاوية بن سويد بن مقرن ‏ ‏قال ‏
‏لطمت مولى لنا فدعاه ‏ ‏أبي ‏ ‏ودعاني فقال اقتص منه فإنا معشر ‏ ‏بني مقرن ‏ ‏كنا سبعة على عهد النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وليس لنا إلا خادم فلطمها رجل منا فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أعتقوها قالوا إنه ليس لنا خادم غيرها قال فلتخدمهم حتى يستغنوا فإذا استغنوا فليعتقوها ‏
‏( لطمت مولى لنا ) ‏
‏: أي ضربت خده بالكف . قال في القاموس : اللطم ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة ‏
‏( فدعاه )
‏: أي المولى ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي سويد بن مقرن للمولى
‏( اقتص منه ) ‏
‏: أي خذ القصاص من معاوية وافعل به مثل ما فعل بك
‏( كنا سبعة ) ‏
‏: أي سبعة بنين ‏
‏( فلتخدمهم ) ‏
: أي تلك الجارية الملطومة ما لم يجدوا غيرها من العبيد أو الإماء ‏
‏( حتى يستغنوا ) ‏
‏: عنها بوجدان غيرها ‏
‏( فإذا استغنوا ) ‏
: عنها بوجدان العبد أو الجارية ‏
‏( فليعتقوها ) ‏
‏: أي الجارية الملطومة . ‏
‏قال المنذري : وقد تقدم . ومقرن بضم النون وفتح القاف وتشديد الراء المهملة وفتحها ونون .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏وأبو كامل ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏فراس ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ذكوان ‏ ‏عن ‏ ‏زاذان ‏ ‏قال ‏
‏أتيت ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏وقد أعتق مملوكا له فأخذ من الأرض عودا ‏ ‏أو شيئا ‏ ‏فقال ما لي فيه من الأجر ما يسوى هذا سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن فراس ) ‏
‏: بكسر أوله ‏
‏( فأخذ )
‏: أي ابن عمر ‏
‏( عودا ) ‏
‏: أي خشبا ‏
‏( أو شيئا )
‏: شك من الراوي ‏
‏( ما لي فيه ) ‏
‏: أي في إعتاق هذا المملوك ‏
‏( من الأجر ما يسوى ) ‏
‏: أي يساوي وكذلك في بعض النسخ بلفظ يساوي ‏
‏( هذا ) ‏
‏: أي هذا العود . قال النووي . وقع في معظم النسخ ما يسوى وفي بعضها ما يساوي بالألف وهذه هي اللغة الصحيحة المعروفة , والأولى عدها أهل اللغة في لحن العوام , وأجاب بعض العلماء عن هذه اللفظة بأنها تغيير من بعض الرواة لا أن ابن عمر نطق بها . ومعنى كلام ابن عمر أنه ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعا وإنما أعتقه كفارة لضربه انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم . وزاذان بزاي بعد الألف ذال معجمة وآخره نون كنيته أبو عمر .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في المملوك إذا نصح ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين ‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( إن العبد إذا نصح لسيده ) ‏
‏: أي أخلص الخدمة أو طلب الخير له من النصيحة وهي طلب الخير للمنصوح له . قال الطيبي : نصيحة العبد للسيد امتثال أمره والقيام على ما عليه من حقوق سيده ‏
‏( فله أجره مرتين )
‏: أي مضاعف , فإن الأجر على قدر المشقة وهو قد جمع بين القيام بالطاعتين , وفي الحقيقة طاعة مالكه من طاعة ربه . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏فيمن ‏ ‏خبب ‏ ‏مملوكا على مولاه ‏
‏الخب بالفتح الخداع وهو الجربز الساعي بالفساد بين الناس , رجل خب وامرأة خبة وقد تكسر خاؤه والمصدر بالكسر لا غير , ومنه الحديث " لا يدخل الجنة خب ولا خائن " ومنه الحديث الآخر " الفاجر خب لئيم " ومنه الحديث " من خبب امرأة أو مملوكا على مسلم فليس منا " أي خدعه وأفسده كذا في النهاية والمجمع .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زيد بن الحباب ‏ ‏عن ‏ ‏عمار بن رزيق ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عيسى ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن يعمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من ‏ ‏خبب ‏ ‏زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( عن عمار بن رزيق ) ‏
‏: بتقديم الراء مصغرا
‏( عن يحيى بن يعمر ) ‏
‏: بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة ‏
‏( من خبب زوجة امرئ ) ‏
‏: أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك ‏
‏( أو مملوكه ) ‏
‏: أي أو أمته أي أفسده عليه بأن لاط أو زنى به أو حسن إليه الإباق أو طلب البيع أو نحو ذلك ‏
‏( فليس منا ) ‏
‏: أي من العاملين بأحكام شرعنا . قال المنذري : وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏الاستئذان ‏

أي طلب الإذن . قال الطيبي وأجمعوا على أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة والأفضل أن يجمع بين السلام والاستئذان , واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام أو الاستئذان , والصحيح تقديم السلام فيقول السلام عليكم أدخل كذا في المرقاة .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن أبي بكر ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن ‏ ‏رجلا ‏ ‏اطلع من بعض حجر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقام إليه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمشقص ‏ ‏أو ‏ ‏مشاقص ‏ ‏قال فكأني أنظر إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يختله ‏ ‏ليطعنه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( بمشقص أو مشاقص ) ‏
‏: شك من الراوي هل قاله شيخه بالأفراد أو بالجمع والمشقص بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف وصاد مهملة نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض ‏
‏( قال ) ‏
‏: أي أنس
‏( يختله ) ‏
‏: بفتح أوله وكسر التاء . قال الخطابي : معناه يراوده ويطلبه من حيث لا يشعر انتهى . وقال النووي : أي يراوغه ويستغفله ‏
‏( ليطعنه )
‏: بضم العين وفتحها الضم أشهر . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم . وأخرج الترمذي من حديث حميد الطويل عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته فاطلع عليه رجل فأهوى إليه بمشقص . فتأخر الرجل " وقال حسن صحيح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو هريرة ‏
‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فقد ‏ ‏هدرت ‏ ‏عينه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ففقئوا عينه ) ‏
‏: أي كسروها أو قلعوها
‏( فقد هدرت عينه ) ‏
‏: أي بطلت . ‏
‏وعمل بالحديث الشافعي وأسقط عنه ضمان العين . قيل هذا عنده إذا فقأها بعد أن زجره فلم ينزجر , وأصح قوليه أنه لا ضمان مطلقا لإطلاق الحديث . وقال أبو حنيفة عليه الضمان لأن النظر ليس فوق الدخول فمن دخل بيت غيره بغير إذنه لا يستحق فقأ عينيه فبالنظر أولى . فالحديث محمول على المبالغة في الزجر كذا قال ابن الملك في المبارق . ‏
‏قلت : القول ما قال الشافعي , وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فغير صحيح لمصادرته للحديث ومعارضته له بالرأي . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الربيع بن سليمان المؤذن ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان يعني ابن بلال ‏ ‏عن ‏ ‏كثير ‏ ‏عن ‏ ‏الوليد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا دخل البصر فلا إذن ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا دخل البصر فلا إذن ) ‏
‏: أي فما بقي حاجة الإذن , بل كأنما دخل بيت الغير بلا إذن وهو محرم , فدخول الرجل بيت الغير بلا إذنه وإدخاله بصره فيه سواء في الإثم , وكلاهما محرم والله أعلم قال المنذري : في إسناده كثير بن زيد أبو محمد الأسلمي مولاهم المدني ولا يحتج به .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏هزيل ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل ‏ ‏قال ‏ ‏عثمان ‏ ‏سعد ‏ ‏فوقف على باب النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يستأذن فقام على الباب قال ‏ ‏عثمان ‏ ‏مستقبل الباب فقال له النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏هكذا عنك أو هكذا ‏ ‏فإنما ‏ ‏الاستئذان من النظر ‏
‏حدثنا ‏ ‏هارون بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو داود الحفري ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏طلحة بن مصرف ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏عن ‏ ‏سعد ‏ ‏نحوه عن النبي ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قال عثمان ) ‏
‏: هو ابن أبي شيبة ‏
( سعد ) ‏
‏: أي ابن أبي وقاص كما في بعض النسخ أي قال عثمان في روايته جاء سعد , وأما أبو بكر فقال جاء رجل ‏
‏( هكذا عنك أو هكذا ) ‏
‏: وفي بعض النسخ , وهكذا بالواو . ‏
‏قال في فتح الودود : أي تنح عن الباب إلى جهة أخرى ‏
‏( فإنما الاستئذان من النظر ) ‏
‏: قال الحافظ في فتح الباري : أي إنما شرع من أجله لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكرهه من يدخل إليه أن يطلع عليه انتهى . وقال الكرماني في شرح البخاري : أي إنما شرع الاستئذان في الدخول لأجل أن لا يقع النظر على عورة أهل البيت ولئلا يطلع على أحوالهم .
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( أخبرنا أبو داود الحفري ) ‏
: بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة اسمه عمر بن سعد ثقة عابد كذا في التقريب ‏
‏( عن طلحة بن مصرف ) ‏
‏: بضم ميم وفتح صاد وكسر راء مشددة على الصواب وحكي فتحها وبفاء ‏
‏( نحوه ) ‏
‏: أي نحو الحديث السابق .
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏كيف ‏ ‏الاستئذان ‏
‏ليس هذا الباب في بعض النسخ .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏يحيى بن حبيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏روح ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عمرو بن أبي سفيان ‏ ‏أن ‏ ‏عمرو بن عبد الله بن صفوان ‏ ‏أخبره عن ‏ ‏كلدة بن حنبل ‏
‏أن ‏ ‏صفوان بن أمية ‏ ‏بعثه إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بلبن ‏ ‏وجداية ‏ ‏وضغابيس ‏ ‏والنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بأعلى ‏ ‏مكة ‏ ‏فدخلت ولم أسلم فقال ‏ ‏ارجع فقل السلام عليكم وذلك بعدما أسلم ‏ ‏صفوان بن أمية ‏
‏قال ‏ ‏عمرو ‏ ‏وأخبرني ‏ ‏ابن صفوان ‏ ‏بهذا أجمع ‏ ‏عن ‏ ‏كلدة بن حنبل ‏ ‏ولم يقل سمعته منه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏قال ‏ ‏يحيى بن حبيب ‏ ‏أمية بن صفوان ‏ ‏ولم يقل سمعته من ‏ ‏كلدة بن حنبل ‏ ‏و قال ‏ ‏يحيى ‏ ‏أيضا ‏ ‏عمرو بن عبد الله بن صفوان ‏ ‏أخبره أن ‏ ‏كلدة بن الحنبل ‏ ‏أخبره ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن كلدة ) ‏
‏: بفتحات هو أخو صفوان لأمه
‏( بعثه ) ‏
‏: أي كلدة ‏
‏( وجداية ) ‏
‏: بفتح الجيم وكسرها أولاد الظباء ذكرا كان أو أنثى مما بلغ ستة أشهر أو سبعة أشهر بمنزلة الجدي من المعز , كذا في النهاية ‏
‏( وضغابيس ) ‏
‏: جمع ضغبوس بفتح الضاد وسكون الغين المعجمتين وهو صغير القثاء ‏
‏( قال عمرو ) ‏
‏بن أبي سفيان ‏
‏( وأخبرني ابن صفوان ) ‏
‏: هو أمية بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي . قال الحافظ في التقريب : ابن صفوان عن كلدة هو أمية انتهى .
‏ولفظ الترمذي في باب التسليم قبل الاستئذان قال عمرو : وأخبرني بهذا الحديث أمية من صفوان ولم يقل سمعته من كلدة انتهى . ‏
‏والحاصل أن عمرا : ابن أبي سفيان روي هذا الحديث عن شيخيه أحدهما عمرو بن عبد الله بن صفوان من أمية وثانيهما أمية بن صفوان بن أمية . وكلاهما من الطبقة الرابعة يرويان عن كلدة ‏
‏( وقال يحيى أيضا عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره أن كلدة بن الحنبل أخبره ) ‏
: ولفظ أحمد في مسنده حدثنا روح حدثنا ابن جريج والضحاك بن مخلد قال أخبرني ابن جريج وعبد الله بن الحارث قال عرض علي ابن جريج قال أخبرني عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن أبي صفوان أخبره قال الضحاك وعبد الله بن الحارث أن عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره أن كلدة بن الحنبل أخبره أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وجداية وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكم أدخل بعدما أسلم صفوان قال عمرو أخبرني هذا الخبر أمية بن صفوان ولم يقل سمعته من كلدة . قال الضحاك وابن الحارث وذلك بعدما أسلم وقال الضحاك وعبد الله بن الحارث بلبن وجداية انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن جريج . هذا آخر كلامه . وكلدة بفتح الكاف وبعدها لام مهملة مفتوحة وتاء تأنيث وحنبل بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة وباء موحدة مفتوحة ولام .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الأحوص ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏رجل ‏ ‏من ‏ ‏بني عامر ‏
‏أنه استأذن على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو في بيت فقال ‏ ‏ألج ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لخادمه اخرج إلى هذا فعلمه ‏ ‏الاستئذان فقل له ‏ ‏قل السلام عليكم أأدخل فسمعه الرجل فقال السلام عليكم أأدخل فأذن له النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فدخل ‏
‏حدثنا ‏ ‏هناد بن السري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الأحوص ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏قال ‏ ‏حدثت ‏ ‏أن رجلا من ‏ ‏بني عامر ‏ ‏استأذن على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمعناه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وكذلك ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي ‏ ‏ولم يقل عن رجل من ‏ ‏بني عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏من ‏ ‏بني عامر ‏ ‏أنه استأذن على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمعناه قال فسمعته فقلت السلام عليكم أأدخل ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ربعي ) ‏
‏: بكسر أوله وسكون الموحدة وهو ابن حراش ‏
‏( فقال أألج ) ‏
‏: من ولج يلج أي أأدخل ‏
‏( فقل له قل السلام عليكم أأدخل ) ‏
‏: فيه أن السنة أن يجمع بين السلام والاستئذان وأن يقدم السلام . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي بنحوه وحراش بكسر الحاء المهملة وبعدها راء مهملة مفتوحة وألف وشين معجمة . ‏
‏( قال حدثت )
‏: بالبناء للمفعول ‏
‏( بمعناه ) ‏
‏: أي بمعنى حديث أبي بكر بن أبي شيبة السابق . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري قال أبو داود وكذلك أي مثل رواية هناد بن السري والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( حدثنا عبيد الله بن معاذ إلخ ) ‏
‏: والحديث سكت عنه المنذري .

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏كم مرة يسلم الرجل في ‏ ‏الاستئذان ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن عبدة ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن خصيفة ‏ ‏عن ‏ ‏بسر بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏كنت جالسا في مجلس من مجالس ‏ ‏الأنصار ‏ ‏فجاء ‏ ‏أبو موسى ‏ ‏فزعا فقلنا له ما أفزعك قال أمرني ‏ ‏عمر ‏ ‏أن آتيه فأتيته فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال ما منعك أن تأتيني قلت قد جئت فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وقد قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع قال لتأتين على هذا بالبينة فقال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏لا يقوم معك إلا أصغر القوم قال فقام ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏معه فشهد له ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن يزيد بن خصيفة ) ‏
‏: بخاء معجمة وصاد مهملة وفاء مصغرا ‏
‏( عن بسر بن سعيد ) ‏
‏: بضم الموحدة وسكون المهملة
‏( فجاء أبو موسى فزعا ) ‏
‏: بفتح الفاء وكسر الزاي أي خائفا
‏( ما أفزعك ) ‏
‏: أي ما أخافك ‏
‏( فأتيته فاستأذنت ثلاثا )
‏: أي فأتيت بابه فسلمت ثلاثا كما في رواية مسلم ‏
‏( فلم يؤذن لي )
‏: لم يأذن له عمر رضي الله عنه لأنه كان في شغل كما يدل عليه روايات مسلم
‏( فقال ) ‏
‏: أي عمر رضي الله عنه ‏
‏( ما منعك أن تأتيني )
‏: أي من الإتيان إلي ‏
‏( وقد قال ) ‏
‏: الواو للحال أو استئنافية ‏
‏( لتأتيني على هذا ) ‏
‏: أي على أن الحديث الذي رويته هو قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( بالبينة ) ‏
‏: المراد بها الشاهد ولو كان واحدا , وإنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقا لا للشك في صدق خبره عنده رضي الله عنه ‏
‏( لا يقوم معك إلا أصغر القوم ) ‏
‏: قال النووي : معناه أن هذا حديث مشهور بيننا معروف لكبارنا وصغارنا حتى أن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( معه ) ‏
‏: أي مع أبي موسى
‏( فشهد له ) ‏
‏: أي على الحديث الذي رواه أبو موسى . قال الحافظ : وتعلق بقصة عمر من زعم أنه كان لا يقبل خبر الواحد , ولا حجة فيه لأنه قبل خبر أبي سعيد المطابق لحديث أبي موسى ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد انتهى . قال الكرماني في شرح البخاري : أراد عمر رضي الله عنه التثبت لما يجوز فيه من السهو والنسيان بدليل أنه قبل خبر حمل بن مالك وحده في أن دية الجنين غرة وخبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية , ثم نفس هذه القصة دليل على قبوله ذلك لأنه بانضمام شخص آخر إليه لم يصر متواترا فهو خبر واحد وقد قيله بلا خلاف , وفيه أن العالم قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه والإحاطة لله تعالى وحده انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن داود ‏ ‏عن ‏ ‏طلحة بن يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏
‏أنه أتى ‏ ‏عمر ‏ ‏فاستأذن ثلاثا فقال يستأذن ‏ ‏أبو موسى ‏ ‏يستأذن ‏ ‏الأشعري ‏ ‏يستأذن ‏ ‏عبد الله بن قيس ‏ ‏فلم يؤذن له فرجع فبعث إليه ‏ ‏عمر ‏ ‏ما ردك قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يستأذن أحدكم ثلاثا فإن أذن له وإلا فليرجع قال ائتني ببينة على هذا فذهب ثم رجع فقال هذا ‏ ‏أبي ‏ ‏فقال ‏ ‏أبي ‏ ‏يا ‏ ‏عمر ‏ ‏لا تكن عذابا على ‏ ‏أصحاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏لا أكون عذابا على ‏ ‏أصحاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن حبيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏روح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد بن عمير ‏ ‏أن ‏ ‏أبا موسى ‏ ‏استأذن على ‏ ‏عمر ‏ ‏بهذه القصة قال فيه فانطلق ‏ ‏بأبي سعيد ‏ ‏فشهد له فقال أخفي علي هذا من أمر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ألهاني ‏ ‏السفق ‏ ‏بالأسواق ولكن سلم ما شئت ولا تستأذن ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زيد بن أخزم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد القاهر بن شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏حميد بن هلال ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بردة بن أبي موسى ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏بهذه القصة ‏ ‏قال ‏ ‏فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏لأبي موسى ‏ ‏إني لم أتهمك ولكن الحديث عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏شديد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ربيعة بن أبي عبد الرحمن ‏ ‏وعن غير واحد من علمائهم ‏ ‏في هذا فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏لأبي موسى ‏ ‏أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقال ) ‏
‏: أي أبو موسى في المرة الأولى
‏( يستأذن الأشعري ) ‏
‏: أي قال في المرة الثانية ‏
( يستأذن عبد الله بن قيس ) ‏
‏: أي قال في المرة الثالثة وهو اسم أبي موسى
‏( فقال هذا أبي ) ‏
‏: أي ابن كعب وفي الحديث الأول أن الشاهد هو أبو سعيد قال الحافظ : ويمكن الجمع بأن أبي بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد .
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم . ‏
‏( ألهاني ) ‏
‏: أي أشغلني وأغفلني ‏
‏( الصفق بالأسواق ) ‏
‏: أي التجارة والمعاملة في الأسواق .
‏وفي القاموس : صفق يده بالبيعة وعلى يده صفقا ضرب يده على يده وذلك عند وجوب البيع , والاسم الصفق . قال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد : وهذا الحديث يرد على من يغلو من المقلدين إذا استدل عليه بحديث فيقول لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإن ذلك لما خفي عن أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز انتهى ‏
( ولكن تسلم ما شئت ولا تستأذن ) ‏
‏: لعله قاله تفريحا لقلبه كذا قيل . وفي بعض النسخ ولكن سلم بصيغة الأمر . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( إني لم أتهمك ) ‏
‏: أي بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
( ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد ) ‏
‏: خاف عمر رضي الله عنه مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يقل كما يفعله المبتدعون والكذابون , وكذا من وقع له قضية وضع فيها حديثا على النبي صلى الله عليه وسلم فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى فطلب منه البينة للتثبت لا للشك في روايته والاتهام به . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( ولكن خشيت أن يتقول الناس ) ‏
‏: أي يكذبوا , يقال تقول عليه أي كذب عليه . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام أبو مروان ‏ ‏ومحمد بن المثنى ‏ ‏المعنى ‏ ‏قال ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏يحيى بن أبي كثير ‏ ‏يقول حدثني ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ‏ ‏عن ‏ ‏قيس بن سعد ‏ ‏قال ‏
‏زارنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في منزلنا فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد ‏ ‏سعد ‏ ‏ردا خفيا قال ‏ ‏قيس ‏ ‏فقلت ألا تأذن لرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ذره يكثر علينا من السلام فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏السلام عليكم ورحمة الله فرد ‏ ‏سعد ‏ ‏ردا خفيا ثم قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏السلام عليكم ورحمة الله ثم رجع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏واتبعه ‏ ‏سعد ‏ ‏فقال يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردا خفيا لتكثر علينا من السلام قال فانصرف معه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأمر له ‏ ‏سعد ‏ ‏بغسل فاغتسل ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران ‏ ‏أو ‏ ‏ورس ‏ ‏فاشتمل ‏ ‏بها ثم رفع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يديه وهو يقول ‏ ‏اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل ‏ ‏سعد بن عبادة ‏ ‏قال ثم أصاب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من الطعام فلما أراد ‏ ‏الانصراف قرب له ‏ ‏سعد ‏ ‏حمارا قد ‏ ‏وطأ ‏ ‏عليه بقطيفة فركب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏سعد ‏ ‏يا ‏ ‏قيس ‏ ‏اصحب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏قيس ‏ ‏فقال لي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اركب فأبيت ثم قال إما أن تركب وإما أن تنصرف قال فانصرفت ‏
‏قال ‏ ‏هشام أبو مروان ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رواه ‏ ‏عمر بن عبد الواحد ‏ ‏وابن سماعة ‏ ‏عن ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏مرسلا ولم يذكرا ‏ ‏قيس بن سعد ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فرد سعد ) ‏
‏: أي السلام ‏
‏( ردا خفيا )
‏: أي بحيث لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فقلت )
‏: أي لأبي ‏
‏( فقال ذره ) ‏
‏: أي اتركه على حاله
‏( يكثر ) ‏
‏: بالجزم جواب الأمر وهو من الإكثار ‏
‏( واتبعه سعد ) ‏
‏: أي أدركه ولحقه ‏
‏( فانصرف ) ‏
‏: أي إلى بيت سعد
‏( وأمر له ) ‏
‏: أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
( بغسل ) ‏
‏: بالكسر ما يغسل به من الخطمي وغيره ‏
‏( فاغتسل )
‏: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ‏
‏( ناوله ) ‏
‏: أي أعطاه والضمير المرفوع لسعد والمنصوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
( ملحفة ) ‏
‏: قال في الصراح : ملحفة بالكسر جادن جمعه ملاحف ‏
‏( قد وطأ ) ‏
‏: من وطأ الموضع أي جعله وطيئا أي سهلا لينا , ومفعول وطأ محذوف
‏( عليه ) ‏
‏: أي على الحمار . ‏
‏والباء في قوله ‏
( بقطيفة ) ‏
‏: للآله وهي الباء التي يقال لها باء الاستعانة كما في كتبت بالقلم . ‏
‏والقطيفة الدثار المخمل , ويقال بالفارسية جامه يرزه دار وجادر بيجيده . ‏
‏وفي لسان العرب وطأ الشيء سهله ولا تقل وطيت وتقول وطأت لك الأمر إذا هيأته ووطأت لك الفراش ووطأت لك المجلس توطئة والوطيء من كل شيء ما سهل ولان حتى أنهم يقولون رجل وطيء ودابة وطيئة بينة الوطاءة انتهى . ‏
‏وحاصله أن سعدا رضي الله عنه حمل موضع ركوبه صلى الله عليه وسلم على الحمار سهلا لينا بواسطة قطيفة أي بسط له صلى الله عليه وسلم قطيفة على ظهر الحمار فصار ظهره سهلا لينا والله أعلم
‏( قال هشام أبو مروان عن محمد ) ‏
‏: أي قال بلفظ عن . قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مؤمل بن الفضل الحراني ‏ ‏في آخرين ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏بقية بن الوليد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن بسر ‏ ‏قال
‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم السلام عليكم وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور ‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( في آخرين ) ‏
‏: أي في شيوخ آخرين ‏
( قالوا ) ‏
‏: أي مؤمل والآخرون ‏
‏( لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه )
‏: أي مقابل وجهه وحذائه لئلا يقع بصره على أهل البيت ‏
‏( ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ) ‏
‏: أي لكن يستقبل مع الانحراف والميل من ركنه الأيمن أو الأيسر , أي من أحد جانبيه الأنسب بالوقوف ‏
‏( ويقول السلام عليكم )
‏: أي أولا السلام عليكم أي ثانيا حتى يتحقق السماع والإذن , وأراد بالتكرار التعدد لا الاقتصار على المرتين فإنه كان من عادته التثليث ‏
( وذلك ) ‏
‏: أي ما ذكر من عدم استقبال الباب ووجود الانحراف ‏
‏( أن الدور ) ‏
‏: جمع الدار أي أبوابها ‏
‏( لم تكن عليها يومئذ ستور )
‏: جمع ستر بالكسر وهو الحجاب . قال المنذري : في إسناده بقية بن الوليد فيه مقال . وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة , ولبسر أيضا صحبة .

 

‏ ‏باب ‏ ‏الرجل يستأذن بالدق ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بشر ‏ ‏عن ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن المنكدر ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏
‏أنه ذهب إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في دين أبيه فدققت الباب فقال من هذا قلت أنا ‏ ‏قال أنا أنا كأنه كرهه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( في دين أبيه ) ‏
‏: أي في قضية دين أبيه أو من جهته , فإن أباه عبد الله الأنصاري قد استشهد في غزوة أحد وترك دينا كثيرا وتشدد عليه غرماؤه فأتى جابر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أن اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعل فبقيت البيادر كلها بعد أداء الدين كما كانت وقصته مذكورة في صحيح البخاري ‏
‏( فدققت الباب ) ‏
‏: أي ضربته بيدي للاستئذان ‏
‏( فقال من هذا ) ‏
‏: أي الذي يدق الباب ‏
‏( قال أنا أنا كأنه كرهه ) ‏
‏: أي قوله أنا في جواب من هذا لأن كلمة أنا بيان عند المشاهدة لا عند الغيبة . قال النووي : وإنما كره لأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة تزيل الإبهام , بل ينبغي أن يقول فلان باسمه ; وإن قال أنا فلان فلا بأس كما قالت أم هانئ حين استأذنت فقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه فقالت أنا أم هانئ , ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف به إذا لم يكن منه بد وإن كان صورة له فيها تبجيل وتعظيم بأن يكني نفسه أو يقول أنا المفتي فلان أو القاضي أو الشيخ انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن أيوب يعني المقابري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل يعني ابن جعفر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏نافع بن عبد الحارث ‏ ‏قال ‏
‏خرجت مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حتى دخلت ‏ ‏حائطا ‏ ‏فقال لي أمسك الباب فضرب الباب فقلت من هذا وساق الحديث
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏يعني حديث ‏ ‏أبي موسى الأشعري ‏ ‏قال فيه فدق الباب ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حائطا ) ‏
‏: أي بستانا ‏
‏( فقال لي )
‏: النبي صلى الله عليه وسلم بعدما دخلت في البستان ‏
‏( أمسك الباب )
‏: من داخل البستان ولا تفتحه ‏
‏( فضرب الباب ) ‏
: بصيغة المجهول وبرفع الباب أي ضرب الباب ودقه أحد من خارج البستان ‏
‏( فقلت من هذا ) ‏
‏: الضارب للباب ‏
‏( وساق ) ‏
‏: أي نافع من عبد الحارث ‏
‏( الحديث ) ‏
‏: بتمامه ‏
‏( قال أبو داود , يعني حديث أبي موسى الأشعري قال فيه فدق الباب ) ‏
‏: قال الحافظ المزي في الأطراف حديث نافع بن عبد الحارث الخزاعي " خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلت حائطا " الحديث أخرجه أبو داود , في الأدب عن يحيى بن أيوب وأخرجه النسائي في المناقب أي في سننه الكبرى عن علي بن حجر كلاهما عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث , ورواه أبو الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى الأشعري انتهى كلامه . ‏
‏قلت : حديث أبي موسى الأشعري الذي أشار إليها المؤلف هو ما أخرجه مسلم في فضائل عثمان رضي الله عنه من حديث سعيد بن المسيب أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا خرج وجه هاهنا قال فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس قال فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر , قال فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك قال ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة , فذكر الحديث بطوله . وفي رواية له من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين إذ استفتح رجل فقال افتح وبشره بالجنة قال فإذا أبو بكر ففتحت له وبشرته بالجنة , فقال ثم استفتح رجل آخر فقال افتح فذكر الحديث . وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني أن أحفظ الباب قال المنذري وأخرجه النسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل ‏ ‏يدعى أيكون ذلك إذنه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏حبيب ‏ ‏وهشام ‏ ‏عن ‏ ‏محمد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏رسول الرجل إلى الرجل إذنه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( رسول الرجل إلى الرجل إذنه ) ‏
‏: أي بمنزلة إذنه له في الدخول . قال في فتح الودود أي لا يحتاج إلى الاستئذان إذا جاء مع رسوله نعم لو استأذن احتياطا كان حسنا سيما إذا كان البيت غير مخصوص بالرجال وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة إلى أصحاب الصفة فجاءوا فاستأذنوا فدخلوا انتهى والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حسين بن معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الأعلى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي رافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن ‏
‏قال ‏ ‏أبو على اللؤلؤي ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا داود ‏ ‏يقول ‏ ‏قتادة ‏ ‏لم يسمع من ‏ ‏أبي رافع ‏ ‏شيئا ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي رافع ) ‏
‏: اسمه نفيع الصائغ
‏( إذا دعي ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( فجاء مع الرسول )
‏: أي مع رسول الداعي ‏
‏( فإن ذلك له إذن ) ‏
‏: أي قائم مقام إذنه فلا احتياج إلى تحديد إذن . ‏
‏قال البيهقي في سننه : هذا عندي والله أعلم إذا لم يكن في الدار حرمة فإن كان حرمة فلا بد من الاستئذان بعد نزول آية الحجاب . كذا في مرقاة الصعود ‏
‏( يقول قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا )
‏قال الحافظ في فتح الباري بعد ما نقل كلام أبي داود . هذا وقد ثبت سماعه منه في الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع حدثه قال , واعتمد المنذري على كلام أبي داود فقال أخرجه البخاري تعليقا لأجل الانقطاع . قال ولو كان عنده منقطعا لعلقه بصيغة التمريض كما هو الأغلب من صنيعه رضي الله عنه انتهى . ‏
‏قال المنذري : وقال البخاري وقال سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو إذنه , وذكره البخاري تعليقا لأجل الانقطاع في إسناده . ‏
‏وذكر البخاري في هذا الباب حديث مجاهد عن أبي هريرة قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت لبنا في قدح فقال أبا هريرة الحق أهل الصفة فادعهم إلي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا قال المهلب : إذا دعي وأتى مجيبا للدعوة ولم تتراخ المدة فهذا دعاؤه إذنه وإن دعي فأتى في غير حين الدعاء فإنه يستأذن , وكذلك إذا دعي إلى موضع لم يعلم أن به أحدا مأذونا له في الدخول لا يدخل حتى يستأذن فإن كان فيه أحد مأذون له فدعي قبله فلا بأس أن يدخل بالدعوة وإن تراخت الدعوة وكان بين ذلك زمن يمكن الداعي أن يخلو في أمره أو يتعدى لبعض شأنه أو ينصرف أهل داره فلا يغتاب [ لعله يعبأ ] بالدعوة على الدخول حتى يستأذن كحديث مجاهد عن أبي هريرة . هذا وجه تأويل الحديثين والله أعلم انتهى كلام المنذري .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏الاستئذان في العورات الثلاث ‏

‏أي في الأوقات الثلاث , ويأتي بيانها في آية الإذن .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏ابن الصباح بن سفيان ‏ ‏وابن عبدة ‏ ‏وهذا حديثه ‏ ‏قالا أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن أبي يزيد ‏ ‏سمع ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏يقول ‏
‏لم يؤمر بها أكثر الناس آية الإذن وإني لآمر ‏ ‏جاريتي ‏ ‏هذه تستأذن علي ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وكذلك ‏ ‏رواه ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏يأمر به ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حدثنا ابن السرح ) ‏
‏: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح بمهملات الثانية ساكنة المصري ‏
‏( ح وأخبرنا ابن الصباح بن سفيان ) ‏
‏: الجرجرائي التاجر صدوق ‏
‏( وابن عبدة )
‏: أبو عبد الله البصري وثقه النسائي وأبو حاتم فكلهم أي ابن السرح وابن الصباح وابن عبدة يروون عن ابن عيينة ‏
‏( وهذا حديثه ) ‏
‏: أي حديث ابن عبدة ‏
‏( لم يؤمن بها أكثر الناس ) ‏
‏: المراد من الضمير المجرور في بها آية الإذن , وفي بعض النسخ لم يؤمر مكان لم يؤمن وهو غير ظاهر.
‏ولفظ البيهقي في سننه عن ابن عباس قال آية لم يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن وإني لآمر جاريتي هذه لجارية قصيرة قائمة على رأسه أن تستأذن علي انتهى ‏
( آية الإذن ) ‏
‏: بالجر لأنه بيان وتفسير للضمير المجرور في بها أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير هي آية الإذن , أو بالنصب بتقدير أعني , والمراد بآية الإذن قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الآية ‏
‏قال في فتح الودود : والمراد أنهم لا يعملون بها فكأنهم لا يؤمنون بها وكأنه رضي الله عنه كان يرى أولا ذلك ثم رجع عنه إلى ما سيجيء عنه في الحديث الآتي , والله تعالى أعلم رضي الله عنه انتهى . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .
‏( عن ابن عباس يأمر به ) ‏
‏: أي يأمر بالإذن جاريته أيضا .
‏وروى ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال " غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات فلم يعملوا بهن " { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } إلى آخر الآية . وإسماعيل بن مسلم ضعيف قاله ابن كثير في تفسيره .

 

‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن أبي عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏
‏أن نفرا من أهل ‏ ‏العراق ‏ ‏قالوا يا ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏كيف ‏ ‏ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد قول الله عز وجل ‏

‏قرأ ‏ ‏القعنبي ‏ ‏إلى ‏

‏قال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا ‏ ‏حجال ‏ ‏فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله ‏ ‏بالاستئذان في تلك العورات فجاءهم الله بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏حديث ‏ ‏عبيد الله ‏ ‏وعطاء ‏ ‏يفسد هذا الحديث

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏{ الذين ملكت أيمانكم } ‏
‏: يعني العبيد والإماء
‏{ والذين لم يبلغوا الحلم منكم } ‏
‏: من الأحرار وليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا ‏
‏{ ثلاث مرات } ‏
‏: أي في ثلاثة أوقات ‏
‏{ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } ‏
‏: يريد المقيل ‏
‏{ ومن بعد صلاة العشاء } ‏
‏: وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان فأمروا بالاستئذان في هذه الأوقات وأما غيرهم فليستأذنوا في جميع الأوقات ‏
‏{ ثلاث عورات لكم } ‏
‏: سمى هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فيبدو عورته كذا في معالم التنزيل ‏
‏{ ليس عليكم ولا عليهم } ‏
‏: أي المماليك والصبيان ‏
‏{ جناح } ‏
‏: في الدخول عليكم بغير استئذان
‏{ بعدهن } ‏
‏: أي بعد الأوقات الثلاثة ‏
‏{ طوافون عليكم }
‏: أي هم طوافون عليكم للخدمة . قال في تفسير الجلالين : وآية الاستئذان قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس في ترك الاستئذان ‏
‏( قرأ القعنبي )
‏: هو عبد الله بن مسلمة ‏
‏( ليس لبيوتهم ستور ) ‏
‏: جمع ستر بالكسر بمعنى الحجاب ‏
‏( ولا حجال ) ‏
‏: جمع حجلة بفتحتين وهي بيت كالقبة يستر بالثياب يجعلونها للعروس كذا في فتح الودود وفي بعض النسخ ولا حجاب بالموحدة مكان اللام ‏
‏( والرجل على أهله ) ‏
‏: الواو للحال
‏( فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد ) ‏
‏: بالضم أي بعدما جاءهم الله بالستور والخير . وقال الإمام ابن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين } إلخ : هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض , وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض , فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال , من قبل صلاة الغداة لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم , وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة أي في وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله , ومن بعد صلاة العشاء لأنه وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال , ولهذا قال { ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن } أي إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئا من غير تلك الأحوال لأنه قد أذن لهم في الهجوم ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك انتهى كلامه . ‏
‏ورواية عكرمة عن ابن عباس المذكورة أخرجها ابن أبي حاتم أيضا وهذا لفظه حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين سألاه عن الاستئذان في ثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن فقال ابن عباس إن الله ستير يحب الستر كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجال في بيوتهم فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره وهو على أهله فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ثم جاء الله بعد بالستور فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به انتهى . قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس انتهى . ‏
‏( قال أبو داود ) ‏
‏: هذه العبارة إلى قوله يفسد هذا الحديث لم توجد في أكثر النسخ ‏
‏( حديث عبيد الله )
‏: بن أبي يزيد الذي تقدم ونص على الاستئذان ‏
‏( و ) : كذا حديث ( عطاء ) ‏
‏: عن ابن عباس الذي تقدم أيضا ‏
‏( يفسد ) ‏
: بالدال المهملة من الإفساد أي يضعف ‏
‏( هذا الحديث ) ‏
‏: أي حديث عكرمة عن ابن عباس وكذا ضعفه المنذري أيضا كما سيجيء . ‏
‏ووقع في بعض النسخ يفسر هذا الحديث من التفسير آخره راء مهملة ولا يظهر معناه والله أعلم . والجمع بين الروايتين لابن عباس ممكن بحيث إن الإذن إذا لم يكن في البيت حجاب وستر وعدم الإذن إذا يكون في البيت حجاب وستر والله أعلم . قال الحافظ المنذري : قال بعضهم هذا لا يصح عن ابن عباس هذا آخر كلامه . وليس فيه ما يدل على أن عكرمة سمعه من ابن عباس . وفي إسناده عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله ابن حنطب وهو وإن كان البخاري ومسلم احتجا به فقد قال ابن معين لا يحتج بحديثه , وقال مرة ليس بالقوي وليس بحجة , وقال مرة مالك يروي عن عمرو بن أبي عمرو وكان يضعف رضي الله عنه انتهى . ‏
‏وقال الحافظ في الهدي الساري مقدمة فتح الباري : عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب من صغار التابعين وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة حديث البهيمة وقال العجلي أنكروا عليه حديث البهيمة يعني حديثه عن عكرمة عن ابن عباس " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة " وقال البخاري لا أدري سمعه من عكرمة أم لا وقال أبو داود ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة , وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ليس على من أتى بهيمة حد . وقال الساجي صدوق إلا أنه يهم . ‏
‏قال الحافظ لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئا بل أخرج له من رواية عن أنس أربعة أحاديث ومن روايته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديثا واحدا ومن روايته عن سعيد المقبري عن أبي هريرة حديثا واحدا واحتج به الباقون أي من الأئمة الستة انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في إفشاء السلام ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن أبي شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( لا تدخلوا الجنة ) ‏
‏: كذا في عامة النسخ بحذف النون ولعل الوجه أن النهي قد يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم والله أعلم وفي نسخة المنذري لا تدخلون بإثبات النون وكذلك في رواية مسلم ‏
‏( حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا ) ‏
‏: كذا في جميع النسخ الحاضرة بحذف النون وكذلك في رواية مسلم . ‏
‏قال القاري : لعل حذف النون للمجانسة والازدواج ‏
‏( حتى تحابوا ) ‏
‏: بحذف إحدى التاءين وتشديد الموحدة المضمومة أي حتى يحب كل منكم صاحبه ‏
‏( أفشوا السلام بينكم ) ‏
‏: أي أظهروا , والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته . قال النووي : أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن أبي حبيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الخير ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏
‏أن رجلا سأل رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أي الإسلام خير قال ‏ ‏تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أي الإسلام خير ) ‏
‏: أي خصال الإسلام خير
‏( قال تطعم الطعام ) ‏
‏: تقديره أن تطعم الطعام فلما حذف أن رجع الفعل مرفوعا ويمكن أن يكون خبرا معناه الأمر قاله القاري ‏
‏( على من عرفت ومن لم تعرف ) ‏
‏: قال النووي : تسلم على من لقيته ولا تخص ذلك بمن تعرف وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة انتهى . ‏
‏قلت : وتخصيص السلام بمن يعرف , من أشراط الساعة كما جاء في الحديث رواه الطحاوي وغيره عن ابن مسعود ولفظ الطحاوي إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وقد أخرجا في الصحيحين عن البراء بن عازب قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع : أمرنا بعيادة المريض , واتباع الجنائز وتشميت العاطس , ونصر الضعيف , وعون المظلوم , وإفشاء السلام , وإبرار القسم " . ‏
‏وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس , أفشوا السلام , وأطعموا الطعام , وصلوا بالليل والناس نيام , تدخلوا الجنة بسلام " قال الترمذي : حديث صحيح . ‏
‏وفي الموطأ بإسناد صحيح عن الطفيل بن أبي بن كعب " أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , فيغدو معه إلى السوق , قال : فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين , ولا أحد إلا سلم عليه , قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق , فقلت له : وما تصنع بالسوق , وأنت لا تقف على البيع , ولا تسأل عن السلع , ولا تسوم بها , ولا تجلس في مجالس السوق ؟ قال : وأقول : اجلس بنا هاهنا نتحدث . قال : فقال لي عبد الله بن عمر : يا أبا بطن - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا " . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏كيف السلام ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏جعفر بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏عوف ‏ ‏عن ‏ ‏أبي رجاء ‏ ‏عن ‏ ‏عمران بن حصين ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال السلام عليكم فرد عليه السلام ثم جلس فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال عشرون ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال ثلاثون ‏
‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن سويد الرملي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي مريم ‏ ‏قال ‏ ‏أظن أني ‏ ‏سمعت ‏ ‏نافع بن يزيد ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أبو مرحوم ‏ ‏عن ‏ ‏سهل بن معاذ بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمعناه زاد ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال أربعون قال هكذا تكون الفضائل ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فرد ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم
‏( عليه ) ‏
‏: أي على ذلك الرجل ‏
‏( فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر ) ‏
‏: أي له عشر حسنات أو كتب أو حصل له عشر , وكذا التقدير في قوله عشرون وقوله ثلاثون . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه . ‏
‏( فقال أربعون ) ‏
‏: أي له أربعون حسنة بكل لفظ عشر حسنات ‏
‏( هكذا تكون الفضائل ) ‏
‏: أي تزيد المثوبات بكل لفظ يزيده المسلم . ‏
‏قال المنذري : في إسناده أبو مرحوم عبد الرحمن بن ميمون وسهل بن معاذ لا يحتج بهما , وقال فيه سعيد بن أبي مريم أظن أني سمعت نافع بن يزيد . انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في فضل من بدأ السلام ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي خالد وهب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سفيان الحمصي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أمامة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( الذهلي ) ‏
‏: بضم المعجمة وسكون الهاء
‏( إن أولى الناس بالله تعالى إلخ ) ‏
‏: قال الطيبي : أي أقرب الناس من المتلاقيين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام . كذا في المرقاة .
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏من أولى بالسلام ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام بن منبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير ‏
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن حبيب بن عربي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏روح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏زياد ‏ ‏أن ‏ ‏ثابتا ‏ ‏مولى ‏ ‏عبد الرحمن بن زيد ‏ ‏أخبره أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقول ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يسلم الراكب على الماشي ثم ذكر الحديث ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( يسلم الصغير إلخ ) ‏
‏: قال في مرقاة الصعود هو خبر بمعنى الأمر . وفي رواية أحمد " ليسلم " . ‏
‏قال ابن بطال عن المهلب : تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له , وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم , وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل , وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع . ‏
‏وقال ابن العربي : حاصل ما في الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي .
‏( يسلم الراكب على الماشي ) ‏
‏: قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يفارق الرجل ثم ‏ ‏يلقاه أيسلم عليه ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏معاوية بن صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مريم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن ‏ ‏حالت ‏ ‏بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضا ‏
‏قال ‏ ‏معاوية ‏ ‏و حدثني ‏ ‏عبد الوهاب بن بخت ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مثله سواء ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( عن أبي مريم ) ‏
‏: هو الأنصاري الشامي قاله المزي . وهكذا ساق الحافظ المزي في الأطراف سند حديث أحمد بن سعيد ثم قال هكذا وقع في روايتنا عن أبي موسى عن أبي مريم . ‏
‏وفي رواية أبي الحسن بن العبد وغيره عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة ليس فيه عن أبي موسى وهو أشبه بالصواب , فإن أبا داود قد روى لمعاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة حديثا كما سيأتي في موضعه انتهى كلام المزي في ترجمة عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ‏
‏( أو حجر ) ‏
‏: أي كبير ‏
‏( فليسلم عليه أيضا )
‏: ليس في بعض النسخ لفظ أيضا . ‏
‏قال الطيبي : فيه حث على إفشاء السلام وأن يكرر عند كل تغيير حال ولكل جاء وغاد . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .
‏( وحدثني عبد الوهاب بن بخت ) ‏
‏: بضم الموحدة وسكون المعجمة بعدها مثناة كذا ضبطه الحافظ في التقريب . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عباس العنبري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أسود بن عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حسن بن صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏سلمة بن كهيل ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏عن ‏ ‏عمر ‏
‏أنه أتى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو في ‏ ‏مشربة ‏ ‏له فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم أيدخل ‏ ‏عمر ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهو في مشربة ) ‏
‏: بضم الراء وفتحها أي غرفة
‏( له ) ‏
‏: أي للنبي . ‏
‏قلت : لا يظهر مناسبة الحديث بالباب ويمكن أن يقال في توجيهه بأن المؤلف أراد بهذا التبويب بيان أربع صور للتسليم :
‏الأول : تسليم الرجل على الرجل تسليم اللقاء , ثم مفارقته إياه , ثم لقاؤه , فماذا يفعل , فأورد فيه حديث أبي هريرة وفيه دلالة واضحة على تسليم الرجل كلما لقيه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه . ‏
‏والثاني : تسليم الرجل على الرجل تسليم اللقاء ثم مفارقته إياه ثم مجيئه على باب بيته للقائه فينبغي له أن يسلم عليه ثانيا تسليم الاستئذان . ‏
‏والثالث : تسليم الرجل على الرجل تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع , ثم جاءه ثانيا يستأذنه فينبغي له أن يسلم عليه ثانيا تسليم الاستئذان . ‏
‏والرابع : تسليم الرجل على الرجل تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع , ثم جاءه ثانيا يستأذنه وسلم تسليم الاستئذان فأذن له فدخل فينبغي له أن يسلم عليه تسليم اللقاء , فعلى الصورة الثانية والثالثة والرابعة استدل المؤلف بحديث عمر رضي الله عنه . ‏
‏هذا الحديث مختصر من الحديث الطويل الذي أورده الإمام البخاري في كتاب النكاح وفي كتاب المظالم ما لفظه قال عمر : فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت ما يبكيك ؟ ألم أكن حذرتك هذا ؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة , فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم , فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر , فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت , فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له فصمت , فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت , فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم , فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف , فسلمت عليه , الحديث بطوله .
‏ففي هذا دلالة لكل من ثلاث الصور الباقية . ‏
‏أما الثانية فلأن عمر صلى صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يظن بعمر أنه ترك تسليم اللقاء على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله " إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه " الحديث ثم فارقه عمر إلى أن جاء المشربة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه , والاستئذان لا يكون إلا مع التسليم كما تقدم عند المؤلف من حديث رجل من بني عامر , على أنه في قصة الاعتزال أيضا مصرح في رواية أبي داود أن عمر رضي الله عنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان ثم قال أيدخل عمر , فهذا التسليم تسليم الاستئذان بعد تسليم اللقاء وقت صلاة الصبح . ‏
‏وأما الثالثة فلأن عمر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان فلم يؤذن له , فرجع , ثم جاء واستأذن , فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان ثانيا مع علمه بذلك . ‏
‏وأما الرابعة فلأن عمر سلم عليه تسليم الاستئذان أولا كما تدل عليه رواية المؤلف فلم يؤذن له فرجع , ثم جاء ثانيا واستأذن , فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان فإذا أذن له دخل عليه تسليم اللقاء , ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف , وأحسن منه أن يقال إن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فاستأذن بواسطة غلام له أسود فقال في استئذانه : السلام عليك يا رسول الله , السلام عليكم أيدخل عمر , وقد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرار على ما أخرجه الشيخان وغيرهما في حديث طويل , اختصر منه المؤلف هذا الحديث . ‏
‏وقد دل هذا الحديث على طريق استئذان عمر وهو قوله : السلام عليك يا رسول الله إلى آخره , وهذا الطريق هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم قريبا في باب كيف الاستئذان من قوله السلام عليكم أأدخل , وقد ورد هذا الطريق في عدة أحاديث ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم } الآية , بل قد جاء الاكتفاء في الاستئذان على مجرد السلام أيضا كما تقدم في ثالث أبواب الاستئذان وبهذا يظهر المطابقة بين ترجمة الباب وبين حديث عمر إذ قد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرات , وقد ثبت أن الاستئذان لا بد فيه من التسليم أو هو التسليم , وأيما كان فقد سلم عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل لقاء بعد مفارقة ولو بواسطة وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم , فقد ثبت أن الرجل إذا فارق الرجل ثم لقيه سلم وهو مقصود الترجمة والله أعلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي , من مسند عبد الله بن عباس , والصواب الأول .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في السلام على الصبيان

بالكسر جمع صبي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان يعني ابن المغيرة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏قال قال ‏ ‏أنس ‏
‏أتى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على غلمان يلعبون فسلم عليهم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( على غلمان ) ‏
‏: بكسر أوله جمع غلام بمعنى صبي
‏( فسلم عليهم ) ‏
‏: فيه استحباب السلام على الصبيان , وبيان تواضعه , وكمال شفقته . ‏
‏قال ابن بطال : في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب كذا في فتح الباري . ‏
‏قال المنذري . وأخرجه النسائي وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث سيار أبي الحكم عن ثابت بنحوه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد يعني ابن الحارث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حميد ‏ ‏قال قال ‏ ‏أنس ‏
‏انتهى إلينا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالة وقعد في ظل جدار ‏ ‏أو قال إلى جدار ‏ ‏حتى رجعت إليه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( انتهى إلينا ) ‏
‏: أي وصل إلينا ‏
( وأنا غلام في الغلمان ) ‏
‏: أي في جملتهم والواو للحال ‏
‏( أو قال إلى جدار ) ‏
‏: شك من الراوي ‏
‏( حتى رجعت إليه ) ‏
‏: أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في السلام على النساء ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي حسين ‏ ‏سمعه من ‏ ‏شهر بن حوشب ‏ ‏يقول أخبرته ‏ ‏أسماء ابنة يزيد
‏مر علينا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في نسوة فسلم علينا ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ابن أبي حسين ) ‏
‏: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث المكي وثقه أحمد والنسائي ‏
‏( في نسوة )
‏: أي حال كوننا مع جماعة كثيرة من النساء . ‏
‏وقال الطيبي : هو متعلق بالجار والمجرور وبيان له وهو من باب قولك في البيضة عشرون رطلا من حديد وهي بنفسها هذا المقدار لا أنها ظرف له ‏
‏( فسلم علينا ) ‏
‏: قال الحليمي : كان للعصمة مأمونا من الفتنة , فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم وإلا فالصمت أسلم .
‏قال ابن بطال عن المهلب : سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة , وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدا للذريعة , ومنع منه ربيعة مطلقا . ‏
‏وقال الكوفيون : لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة , قالوا ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها كذا في فتح الباري . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن , وقال أحمد بن حنبل : لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب يعني هذا الحديث . ‏
‏وقال محمد بن إسماعيل : شهر حسن الحديث وقوى أمره . وقد تقدم الاختلاف في الاحتجاج بحديث شهر بن حوشب .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في السلام على ‏ ‏أهل الذمة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏قال ‏
‏خرجت مع ‏ ‏أبي ‏ ‏إلى ‏ ‏الشام ‏ ‏فجعلوا يمرون ‏ ‏بصوامع ‏ ‏فيها ‏ ‏نصارى ‏ ‏فيسلمون عليهم فقال أبي لا تبدءوهم بالسلام فإن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لا تبدءوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( فجعلوا يمرون ) ‏
‏: عوام من النصارى
‏( بصوامع فيها نصارى ) ‏
‏: أي رهبانهم والصوامع جمع صومعة بفتح مهملتين وبميم وهي نحو المنارة ينقطع فيها رهبان النصارى
‏( فيسلمون )
‏: أي عوام النصارى ‏
‏( عليهم ) ‏
‏. أي على رهبانهم
‏( لا تبدءوهم بالسلام ) ‏
‏: لأن الابتداء به إعزاز للمسلم عليه ولا يجوز إعزازهم قيل النهي للتنزيه وضعفه النووي وقال الصواب أن ابتداءهم بالسلام حرام . ‏
‏وقال الطيبي : المختار أن المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذميا أو مبتدعا يقول استرجعت سلامي تحقيرا له . كذا في شرح المشارق لابن مالك ‏
‏( فاضطروهم إلى أضيق الطريق ) ‏
‏. أي ألجئوهم إلى أضيقه بحيث لو كان في الطريق جدار يلتصق بالجدار وإلا فيأمره ليعدل عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه , قاله القاري . ‏
‏وقال ابن الملك : يعني لا تتركوا لهم صدر الطريق هذا في صورة الازدحام وأما إذا خلت الطريق فلا حرج . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي دون القضية .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن مسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏أنه قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن ‏ ‏اليهود ‏ ‏إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول ‏ ‏السام ‏ ‏عليكم فقولوا وعليكم ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وكذلك ‏ ‏رواه ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏ورواه ‏ ‏الثوري ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏قال فيه وعليكم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فإنما يقول السام عليكم ) ‏
‏: أي بالألف ومعناه الموت العاجل ‏
‏( فقولوا وعليكم ) ‏
‏: قال النووي في شرح صحيح مسلم : قد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم بإثبات الواو وحذفها , وأكثر الروايات بإثباتها , وعلى هذا في معناه وجهان : أحدهما : أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت .
‏والثاني : أن الواو ههنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم , وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام ‏
‏( وكذلك رواه مالك ) ‏
‏: أي بلفظ وعليكم بالواو وضمير الجمع ‏
‏( ورواه الثوري ) ‏
‏: أي وكذلك رواه الثوري ‏
‏( قال فيه وعليكم )
‏: أي بالواو وضمير الجمع . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي ولفظ الترمذي . وفي لفظ لمسلم والنسائي فقل عليك بغير واو , وحديث مالك الذي أشار إليه أبو داود أخرجه البخاري في صحيحه , وحديث سفيان الثوري أخرجه البخاري ومسلم , وأخرجه النسائي من حديث عيينة بإسقاط الواو . ‏
‏وقال الخطابي : هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو , وكان سفيان بن عيينة يرويه عليكم بحذف الواو وهو الصواب وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردودا عليهم , وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين , والسام فسروه بالموت . هذا آخر كلامه . ‏
‏وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار بغير واو كما قدمناه , وقال غيره أما من فسر السام بالموت فلا يبعد الواو ومن فسره بالسآمة وهي الملالة أي تسامون دينكم فإسقاط الواو هو الوجه , واختار بعضهم أن يرد عليهم السلام بكسر السين وهي الحجارة , وقال غيره : الأول أولى لأن السنة وردت بما ذكرناه ولأن الرد إنما يكون بجنس المردود لا بغيره انتهى كلام المنذري . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏قلت : معنى ما أشار إليه الخطابي في قوله " لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين " - أن الواو في مثل هذا تقتضي تقرير الجملة الأولى , وزيادة الثانية عليها , كما إذا قلت : زيد كاتب , فقال المخاطب : وشاعر وفقيه : اقتضى ذلك تقرير كونه كاتبا , وزيادة كونه شاعرا وفقيها , وكذلك إذا قلت لرجل : فلان أخوك . فقال : وابن عمي - كان ذلك تقريرا لكونه أخاه وزيادة كونه ابن عمه. ‏
‏ومن هاهنا استنبط أبو القاسم السهيلي : أن عدة أصحاب الكهف سبعة , قال : لأن الله تعالى حكى قول من قال : ثلاثة , وخمسة , ولم يذكر الواو في قوله ( رابعهم ) ( سادسهم ) وحكى قول من قال إنهم سبعة , ثم قال ( وثامنهم كلبهم ) قال لأن الواو عاطفة على كلام مضمر , تقديره نعم وثامنهم كلبهم .
‏وذلك أن قائلا لو قال : إن زيدا شاعر , فقلت له وفقيه , كنت قد صدقته , كأنك قلت نعم هو كذلك وفقيه أيضا . ‏
‏وفي الحديث " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال وبما أفضلت السباع يريد نعم وبما أفضلت السباع " أخرجه الدارقطني . ‏
‏وفي التنزيل { وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } هو من هذا الباب . ‏
‏وفيما قاله السهيلي نظر . فإن هذا إنما يتم إذا كان حرف العطف بين كلامين لمتكلمين . وهو نظير ما استشهد به من الآية . وأما إذا كان من متكلم واحد لم يلزم ذلك , كما إذا قلت : زيد فقيه وكاتب وشاعر . والآية ليس فيها أن كلامهم انتهى إلى قوله ( سبعة ) ثم قررهم الله على ذلك ثم قال ( وثامنهم كلبهم ) بل سياق الآية يدل على أن الجملتين من كلامهم , وأن جميعه داخل تحت الحكاية , فهو كقول من قبلهم مع اقترانه بالواو . ‏
‏أما هذا الحديث في رد السلام فإدخال الواو فيه لا يقتضي اشتراكا معهم في مضمون هذا الدعاء , وإن كان كلامين لمتكلمين , بل غايته : التشريك في نفس الدعاء . ‏
‏هذا لأن الدعاء الأول قد وجد منهم , وإذا رد عليهم نظيره حصل الاشتراك في نفس الدعاء . ولا يستلزم ذلك الاشتراك معهم في مضمونه ومقتضاه إذ غايته أنا نرد عليكم كما قلتم لنا . ‏
‏وإذا كان " السام " معناه الموت - كما هو المشهور فيه - فالاشتراك ظاهر . والمعنى أنا لسنا نموت دونكم , بل نحن نموت وأنتم أيضا تموتون , فلا محذور في دخول الواو على كل تقدير , وقد تقدم أن أكثر الأئمة رواه بالواو . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن مرزوق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏أن ‏ ‏أصحاب النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالوا للنبي إن ‏ ‏أهل الكتاب ‏ ‏يسلمون علينا فكيف نرد عليهم قال ‏ ‏قولوا وعليكم
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وكذلك رواية ‏ ‏عائشة ‏ ‏وأبي عبد الرحمن الجهني ‏ ‏وأبي بصرة يعني الغفاري ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إن أهل الكتاب يسلمون إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه , وأخرجه البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده بمعناه . ‏

‏( قال أبو داود وكذلك رواية عائشة إلخ )
‏: قال المنذري : فأما حديث عائشة الذي أشار إليه أبو داود فأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه , وأما حديث عبد الرحمن الجهني فأخرجه ابن ماجه , وأما حديث أبي بصرة الغفاري فأخرجه النسائي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في السلام إذا قام من المجلس ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏ومسدد ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏بشر يعنيان ابن المفضل ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏المقبري ‏ ‏قال ‏ ‏مسدد ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إذا انتهى ) ‏
‏: أي جاء ووصل ‏
‏( فليست الأولى ) ‏
‏: أي التسليمة الأولى ‏
‏( بأحق ) ‏
‏: أي بأولى وأليق ‏
‏( من الآخرة ) ‏
‏: بل كلتاهما حق وسنة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن , وأخرجه النسائي أيضا من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة , وأشار إليه الترمذي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏كراهية أن يقول عليك السلام

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو خالد الأحمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي غفار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي تميمة الهجيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي جري الهجيمي ‏ ‏قال ‏
‏أتيت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت عليك السلام يا رسول الله قال ‏ ‏لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( عن أبي جري ) ‏
‏: بالجيم والراء مصغرا
‏( الهجيمي ) ‏
‏: بالجيم مصغرا نسبة إلى الهجيم بن عمرو بن تميم .
‏قال البخاري : أصح شيء عندنا في اسم أبي جري جابر بن سليم انتهى . سكن البصرة روى عنه ابن سير وأبو تميمة الهجيمي قاله ابن الأثير , وزاد الذهبي في التجريد وعقيل بن طلحة وابن المعتمر انتهى ‏
‏( لا تقل عليك السلام إلخ ) ‏
: فيه كراهة أن يقول في الابتداء عليك السلام , والسنة للمبتدئ أن يقول السلام عليكم , والحديث قد تقدم في كتاب اللباس . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا ومطولا , وقال الترمذي حسن صحيح وقد تقدم في كتاب اللباس .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في رد الواحد عن الجماعة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الملك بن إبراهيم الجدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن خالد الخزاعي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد الله بن المفضل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن أبي رافع ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن أبي طالب ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏رفعه ‏ ‏الحسن بن علي ‏
‏قال ‏ ‏يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الجدي ) ‏
‏: بضم الجيم وتشديد الدال
‏( قال أبو داود رفعه الحسن بن علي ) ‏
‏: أي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي رواه مرفوعا , والحسن بن علي هذا هو شيخ أبي داود ‏
( يجزئ ) ‏
‏: بضم أوله وكسر الزاي بعده همزة أي يكفي ‏
‏( أن يسلم أحدهم ) ‏
‏: أي أحد المارين . ‏
‏قال القاري : اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة ليست بواجبة وهي سنة على الكفاية , فإن كانوا جماعة كفى عنهم تسليم واحد ولو سلموا كلهم كان أفضل ‏
‏( ويجزئ عن الجلوس ) ‏
‏: بضم الجيم جمع جالس والمراد بهم المسلم عليهم بأي صفة كانوا , وإنما خص الجلوس لأنه الغالب على جمع مجتمعين ‏
‏( أن يرد أحدهم ) ‏. ‏
‏قال القاري : وهذا فرض كفاية بالاتفاق , ولو ردوا كلهم كان أفضل كما هو شأن فروض الكفاية كلها . ‏
‏قال المنذري : في إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني , قال أبو زرعة الرازي مدني ضعيف , وقال أبو حاتم الرازي هو ضعيف الحديث , وقال البخاري فيه نظر , وقال الدارقطني ليس بالقوي .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في المصافحة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏هشيم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بلج ‏ ‏عن ‏ ‏زيد أبي الحكم العنزي ‏ ‏عن ‏ ‏البراء بن عازب ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( واستغفراه ) ‏
‏: أي طلبا المغفرة من مولاهما
‏( غفر لهما ) ‏
‏: بصيغة المجهول . وفي الحديث سنية المصافحة عند اللقي وأنه يستحب عند المصافحة حمد الله تعالى والاستغفار وهو قوله يغفر الله لنا ولكم . ‏
‏ولفظ ابن السني من حديث البراء " إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز وجل لهما " . ‏
‏وأخرج ابن السني عن أنس قال : " ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " . ‏
‏وفيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر " انتهى . قال النووي : المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي . ‏
‏قال الحافظ : ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن انتهى .
‏وقال النووي في كتاب الأذكار : واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء , وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه ولكن لا بأس به , فإن أصل المصافحة سنة , وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها . ‏
‏وقد ذكر الإمام أبو محمد بن عبد السلام أن البدع على خمسة أقسام : واجبة ومحرمة ومكروهة ومستحبة ومباحة , قال ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر انتهى . ‏
‏ورد عليه العلامة علي القاري في شرح المشكاة فقال : ولا يخفى أن في كلام الإمام نوع تناقض لأن إتيان السنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة مع أن عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على وجه الاستحباب المشروع , فإن محل المصافحة المشروعة أول الملاقاة وقد يكون جماعة يتلاقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلام ومذاكرة العلم وغيره مدة مديدة ثم إذا صلوا يتصافحون فأين هذا من السنة المشروعة , ولهذا صرح بعض علمائنا بأنها مكروهة من البدع المذمومة انتهى كلامه . ‏
‏قلت : والذي قاله علي القاري هو الحق والصواب , وقول النووي خطأ . وتقسيم البدع إلى خمسة أقسام كما ذهب إليه الإمام ابن عبد السلام وتبعه عليه الإمام النووي أنكر عليه جماعة من العلماء المحققين ومن آخرهم شيخنا القاضي العلامة بشير الدين القنوجي رحمه الله فإنه رد عليه ردا بالغا . ‏
‏قلت : وكذا المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين من البدع المذمومة المخالفة للشرع والله أعلم .
‏قال المنذري : في إسناده اضطراب وفي إسناده أبو بلج , ويقال أبو صالح يحيى بن سليم ويقال يحيى بن أبي الأسود الفزاري الواسطي ويقال الكوفي . قال ابن معين ثقة , وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به , وقال البخاري وفيه نظر , وقال السعدي غير ثقة , وضعفه الإمام أحمد , وقال وروى حديثا منكرا هذا آخر كلامه . وبلج بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبعدها جيم انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو خالد ‏ ‏وابن نمير ‏ ‏عن ‏ ‏الأجلح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏البراء ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قبل أن يفترقا ) ‏
‏: أي بالأبدان وبالفراغ عن المصافحة . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء . هذا آخر كلامه . وفي إسناده الأجلح واسمه يحيى بن عبد الله أبو حجية الكندي . قال ابن معين ثقة وقال مرة صالح ومرة ليس به بأس . وقال ابن عدي يعد في شيعة الكوفة وهو عندي مستقيم الحديث صدوق , وقال أبو زرعة الرازي ليس بقوي , وقال أبو حاتم الرازي ليس بقوي كان كثير الخطأ مضطرب الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به , وقال الإمام أحمد روى غير حديث منكر , وقال السعدي الأجلح مفتر , وقال ابن حبان كان لا يدري ما يقول يجعل أبا سفيان أبا الزبير ويقلب الأسامي انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حميد ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏لما جاء أهل ‏ ‏اليمن ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قد جاءكم أهل ‏ ‏اليمن ‏ ‏وهم أول من جاء بالمصافحة ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قد جاءكم أهل اليمن إلخ ) ‏
‏: قال المنذري : رجال إسناده اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثهم سوى حماد بن سلمة فإن مسلما انفرد بالاحتجاج بحديثه . ‏
‏وقد أخرج البخاري في الصحيح عن قتادة قال " قلت لأنس بن مالك أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم " .
‏وقد أخرج البخاري ومسلم حديث كعب بن مالك وفيه " دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني .
‏وقال البخاري وصافح حماد بن زيد بن المبارك بيديه . وقال غيره المصافحة حسنة عند عامة العلماء , وقد استحسنها مالك بعد كراهته وهي مما تثبت الود وتؤكد المحبة , واستشهد بموقع فعل طلحة عند كعب بن مالك وسروره بذلك وقوله لا أنساها لطلحة , وذكر ما رواه قتادة عن أنس أن المصافحة كانت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال وهم الحجة والقدوة الذين يلزم اتباعهم انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في المعانقة ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو الحسين يعني خالد بن ذكوان ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب بن بشير بن كعب العدوي ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏من ‏ ‏عنزة ‏
‏أنه قال ‏ ‏لأبي ذر ‏ ‏حيث سير من ‏ ‏الشام ‏ ‏إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إذا أخبرك به إلا أن يكون سرا قلت إنه ليس بسر هل كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يصافحكم إذا لقيتموه قال ‏ ‏ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل لي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أيوب بن بشير ) ‏
‏: بالتصغير ‏
‏( عن رجل من عنزة ) ‏
‏: بعين مهملة فنون فزاي مفتوحات قبيلة شهيرة ‏
( حيث سير من الشام ) ‏
‏: بصيغة المجهول من التسيير يقال سيره من بلده أخرجه وأجلاه . والمعنى حين أخرج أبو ذر من الشام , وكان أبو ذر يسكن بالشام بدمشق , وكان معاوية إذ ذاك عامل عثمان عليها فاختلف هو ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله , قال معاوية نزلت في أهل الكتاب , وقال أبو ذر نزلت فينا وفيهم , فكان بينه وبينه , فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه فطلب عثمان أبا ذر بالمدينة , وهذا هو سبب خروجه من الشام وقصته مذكورة في صحيح البخاري ‏
( قال إذا ) ‏
‏: بالتنوين ‏
‏( فلما جئت ) ‏
‏: أي رجعت إلى أهلي ‏
‏( أخبرت ) ‏
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( وهو ) ‏
: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( على سريره ) ‏
‏: قال ابن الملك : قد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة فالسرير هنا يجوز أن يكون المراد به ملك النبوة ونعمتها , وقيل هو السرير من جريد النخل يتخذه كل أحد من أهل المدينة وأهل مصر للنوم فيه وتوقيا من الهوام انتهى . ‏
‏قال القاري : والمعتمد ما قيل كما لا يخفى ‏
‏( فالتزمني ) ‏
‏: أي عانقني ‏
‏( فكانت تلك )
‏: أي تلك الفعلة وهي التزامه قاله في فتح الودود . وقيل أي الالتزام لأن المصدر يذكر ويؤنث ‏
‏( أجود ) ‏
‏: أي من المصافحة في إفاضة الروح والراحة أو أحسن من كل شيء , وينصره عدم ذكر متعلق أفعل ليعم , ويؤيده تأكيده مكررا بقوله وأجود كذا في المرقاة . ‏
‏قال المنذري : رجل من عنزة مجهول . وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير وقال مرسل انتهى . وأخرج أحمد في مسنده من طريق بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان حدثني أيوب بن بشير عن فلان العنزي وفيه " فقلت يا أبا ذر إني سائلك عن بعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان سرا من سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحدثك قلت ليس بسر ولكن كان إذا لقي الرجل يأخذ بيده يصافحه قال على الخبير سقطت لم يلقني قط إلا أخذ بيدي غير مرة واحدة وكانت تلك آخرهن أرسل إلي فأتيته في مرضه الذي توفي فيه فوجدته مضطجعا فأكببت عليه فرفع يده فالتزمني " .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في القيام ‏
‏قد أورد المؤلف في هذا الباب حديثين دالين على جواز القيام ثم ترجم بعد عدة أبواب بلفظ باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك وأورد فيه حديثين يدلان على النهي عن القيام , فكأنه أراد بصنيعه هذا الجمع بين الأحاديث المختلفة في جواز القيام وعدمه بأن القيام إذا كان للتعظيم مثل صنيع الأعاجم فهو منهي عنه , وإذا كان لأجل العلم والفضل والصلاح والشرف والود والمحبة فهو جائز . ‏
‏وقال النووي في الأذكار : وأما إكرام الداخل بالقيام فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك , ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام , وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف , وقد جمعت في ذلك جزءا جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته , وذكرت فيه ما خالفها , وأوضحت الجواب عنه , فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعته رجوت أن يزول إشكاله انتهى كلامه . ‏
‏قلت : وقد نقل تلك الرسالة الشيخ ابن الحاج في كتابه المدخل , وتعقب على كل ما استدل به النووي رحمه الله ورد كلامه , فعليك بمطالعة المدخل وفتح الباري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏سعد بن إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أمامة بن سهل بن حنيف ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏
‏أن أهل ‏ ‏قريظة ‏ ‏لما نزلوا على حكم ‏ ‏سعد ‏ ‏أرسل إليه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فجاء على حمار ‏ ‏أقمر ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قوموا إلى سيدكم ‏ ‏أو إلى خيركم ‏ ‏فجاء حتى قعد إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن جعفر ‏ ‏عن ‏ ‏شعبة ‏ ‏بهذا الحديث قال ‏ ‏فلما كان قريبا من المسجد قال ‏ ‏للأنصار ‏ ‏قوموا إلى سيدكم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن أهل قريظة ) ‏
‏: بالتصغير وهم جماعة من اليهود ‏
‏( على حكم سعد ) ‏
‏: أي ‏
‏ابن معاذ لكونهم من حلفاء قومه ‏
‏( أرسل إليه ) ‏
‏: أي رسولا ‏
‏( أقمر ) ‏
: أي أبيض ‏
‏( فقال النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي للأنصار كما في رواية الشيخين ‏
‏( قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم ) ‏
‏: شك من الراوي .
‏قال القاري في المرقاة : قيل أي لتعظيمه , ويستدل به على عدم كراهته فيكون الأمر للإباحة ولبيان الجواز , وقيل معناه قوموا لإعانته في النزول عن الحمار إذ كان به مرض وأثر جرح أصاب أكحله يوم الأحزاب , ولو أراد تعظيمه لقال قوموا لسيدكم ومما يؤيده تخصيص الأنصار والتنصيص على السيادة المضافة وأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقومون له تعظيما له مع أنه سيد الخلق لما يعلمون من كراهيته لذلك على ما سيأتي . ‏
‏انتهى كلام القاري . ‏
‏قلت : أراد بما سيأتي حديث أنس قال " لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح . ‏
‏ولقد أصاب من قال إن معناه قوموا لإعانته في النزول عن الحمار , فقد وقع في مسند عائشة عند أحمد بلفظ " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " قال الحافظ سنده حسن , قال وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه انتهى كلام الحافظ . والمراد بالقيام المتنازع فيه القيام للتعظيم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري والنسائي . والأقمر هو الشديد البياض والأنثى قمراء انتهى كلام المنذري .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الحافظ الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وأخرج الترمذي عن عائشة قالت " قدم زيد بن حارثة المدينة , ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه , فقرع الباب , فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله " وقال حديث حسن . ‏
‏وأخرج أيضا بإسناد على شرط مسلم عن أنس قال : " لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له , لما يعلمون من كراهيته لذلك " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
‏وأخرج أيضا من حديث سفيان - وهو الثوري - عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال " خرج معاوية , فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " قال هذا حديث حسن .
‏حدثنا هناد حدثنا أبو أسامة عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . ‏
‏وهذا الإسناد على شرط الصحيح قال : وفي الباب عن أبي أمامة . ‏
‏وفيه رد على من زعم أن معناه أن يقوم الرجل للرجل في حضرته وهو قاعد , فإن معاوية روى الخبر لما قاما له حين خرج .
‏وأما الأحاديث المتقدمة فالقيام فيها عارض للقادم . مع أنه قيام إلى الرجل للقائه لا قياما له , وهو وجه حديث فاطمة . فالمذموم : القيام للرجل . وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم : فلا بأس به . وبهذا تجتمع الأحاديث . والله أعلم . ‏
‏قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وحكي عن شعبة قال : سألت عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة فقال : يعرف وينكر . هذا آخر كلامه . ‏
‏وهذا الحديث يرويه شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال . ‏
‏وفي نفس الحديث : ما يدل على أنه منكر جدا , فإن فيه " أنهم سألوه عن تسع آيات بينات ؟ فقال لهم : لا تشركوا بالله شيئا , ولا تسرقوا , ولا تزنوا , ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق - إلى آخره " والآيات التسع التي أرسل بها موسى إلى فرعون : إنما كانت آيات نبوته , ومعجزات صدقه , كالعصا , واليد , وباقي الآيات . ولهذا قال تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا } : ‏
‏فهذه آيات النبوة قبل نزول آيات الحكم والشرع . وهذا بين بحمد الله تعالى .

‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏وابن بشار ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عثمان بن عمر ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏إسرائيل ‏ ‏عن ‏ ‏ميسرة بن حبيب ‏ ‏عن ‏ ‏المنهال بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة بنت طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏أم المؤمنين عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏أنها قالت ‏
‏ما رأيت أحدا كان أشبه ‏ ‏سمتا ‏ ‏وهديا ‏ ‏ودلا ‏ ‏وقال ‏ ‏الحسن ‏ ‏حديثا وكلاما ولم يذكر ‏ ‏الحسن ‏ ‏السمت ‏ ‏والهدي ‏ ‏والدل ‏ ‏برسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من ‏ ‏فاطمة ‏ ‏كرم الله وجهها كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا ) ‏
‏: بفتح فسكون
‏( ودلا ) ‏
‏: بفتح دال وتشديد لام ‏
‏( وهديا ) ‏
: بفتح فسكون , قال في فتح الودود هذه الألفاظ متقاربة المعاني فمعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال ونحو ذلك انتهى . ‏
‏وفسر الراغب الدل بحسن الشمائل
‏( وقال الحسن ) ‏
‏: هو ابن علي شيخ أبي داود ‏
‏( ولم يذكر الحسن ) ‏
‏: هو ابن علي المذكور ‏
‏( من فاطمة ) ‏
‏: صلة أفعل التفضيل أعني أشبه ‏
‏( كانت ) ‏
‏: أي فاطمة ‏
‏( إذا دخلت عليه ) ‏
‏: أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( قام إليها )
‏: أي مستقبلا ومتوجها ‏
‏( فقبلها ) ‏
‏: قال القاري : أي ما بين عينيها أو رأسها ‏
‏( وكان إذا دخل ) ‏
‏: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فقبلته ) ‏
‏: أي عضوا من أعضائه الشريفة والظاهر أنه اليد المنيفة . واحتج النووي بهذا الحديث أيضا على جواز القيام المتنازع , وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها في مكانه إكراما لها لا على وجه القيام المنازع فيه , ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه وأمعن في بسط ذلك كذا في فتح الباري . قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي . وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قبلة الرجل ولده ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن ‏ ‏الأقرع بن حابس ‏ ‏أبصر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو يقبل ‏ ‏حسينا ‏ ‏فقال إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من لا يرحم لا يرحم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أبصر ) ‏
‏: أي رأى ‏
‏( وهو يقبل )
‏: بتشديد الموحدة والواو للحال ‏
‏( إن لي عشرة من الولد )
‏: بفتحتين ويجوز ضم أوله وسكون ثانيه بمعنى الأولاد ‏
‏( ما فعلت هذا ) ‏
‏: أي التقبيل ‏
‏( من لا يرحم لا يرحم ) ‏
‏: الفعل الأول على البناء للفاعل والثاني للمفعول , وروي الفعلان مرفوعين على أن تكون " من " موصولة ومجزومين على أن تكون شرطية , ويجوز أن يراد من الرحمة الأولى الشفقة على الأولاد بقرينة ما قبله وأن يراد أعم . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏أن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏
‏ثم قال تعني النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أبشري يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏فإن الله قد أنزل عذرك وقرأ عليها القرآن فقال أبواي قومي فقبلي رأس رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت أحمد الله عز وجل لا إياكما ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أبشري ) ‏
‏: بقطع الهمزة ‏
‏( قد أنزل عذرك ) ‏
‏: وفي رواية البخاري " فقد أنزل الله براءتك " ‏
‏( وقرأ )
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( عليها ) ‏
‏: أي على عائشة ‏
‏( القرآن ) ‏
‏: أي آيات براءتها من قوله تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك } إلخ ‏
‏( فقال أبواي ) ‏
‏: أي أبي أبو بكر وأمي أم رومان ‏
‏( قومي فقبلي ) ‏
‏: بتشديد الموحدة ‏
‏( لا إياكما )
‏: أي لا أحمد إياكما . ‏
‏قال المنذري : وهو طرف من الحديث وقد أخرجه البخاري ومسلم من هذه الطريق مختصرا ومطولا

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قبلة ما بين العينين ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي بن مسهر ‏ ‏عن ‏ ‏أجلح ‏ ‏عن ‏ ‏الشعبي ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تلقى ‏ ‏جعفر بن أبي طالب ‏ ‏فالتزمه وقبل ما بين عينيه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( علي بن مسهر ) ‏
‏: بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء ‏
‏( تلقى جعفر بن أبي طالب ) ‏
‏: أي استقبله حين قدم من السفر ‏
‏( فالتزمه ) ‏
‏: أي عانقه . ‏
‏قال المنذري : هذا مرسل , وأجلح تقدم الكلام عليه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قبلة الخد ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المعتمر ‏ ‏عن ‏ ‏إياس بن دغفل ‏ ‏قال رأيت ‏ ‏أبا نضرة ‏
‏قبل خد ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏عليهما السلام ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن إياس بن دغفل ) ‏
‏: بفتح دال مهملة وسكون غين معجمة وفتح فاء ‏
‏( رأيت أبا نضرة ) ‏
‏: بنون ومعجمة ساكنة اسمه منذر بن مالك ثقة من الثالثة ‏
‏( قبل خد الحسن رضي الله عنه ) ‏
: هكذا في أكثر النسخ وكذا في أطراف المزي الحسن غير منسوب , وفي بعض النسخ الحسن بن علي عليهما السلام . ‏
‏قال المنذري : إياس بن دغفل الحراني بصري تابعي , وأبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العوقي البصري تابعي , والحسن هو ابن أبي الحسن البصري , ودغفل هو بفتح الدال وسكون الغين المعجمة وبعدها فاء مفتوحة ولام , ونضرة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث , والعوقة بفتح العين المهملة وبعدها واو مفتوحة وقاف مفتوحة وتاء تأنيث بطن من عبد القيس .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن سالم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن يوسف ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏البراء ‏ ‏قال ‏
‏دخلت مع ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏أول ما قدم ‏ ‏المدينة ‏ ‏فإذا ‏ ‏عائشة ‏ ‏ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى فأتاها ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏فقال لها ‏ ‏كيف أنت يا بنية وقبل خدها ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أول ما قدم المدينة ) ‏
‏: ما مصدرية أي أول قدومه المدينة ‏
‏( قد أصابتها حمى ) ‏
‏: بضم الحاء وتشديد الميم مقصورا ‏
‏( يا بنية ) ‏
‏: تصغير بنت للشفقة ‏
‏( وقبل خدها )
‏: أي للمرحمة والمودة , أو مراعاة للسنة قاله القاري . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قبلة اليد ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن أبي زياد ‏ ‏أن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏ ‏حدثه أن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏حدثه ‏
‏وذكر قصة قال ‏ ‏فدنونا ‏ ‏يعني من النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقبلنا يده ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وذكر قصة ) ‏
‏: قد تقدم ذكر هذه القصة في كتاب الجهاد ‏
‏( فدنونا ) ‏
‏: أي قربنا . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد يعني ابن أبي زياد هذا آخر كلامه وقد تقدم في كتاب الجهاد أتم من هذا . ‏
‏وقد روى عمرو بن مرة الجملي عن عبد الله بن سلمة وهو أبو العالية الكوفي وهو بكسر اللام عن صفوان بن عسال رضي الله عنهم أن يهوديا قال لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم قال فقبلا يده ورجله , وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا , وأخرجه الترمذي في موضعين من كتابه وصححه في الموضعين قال وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك . ‏
‏وقال النسائي في حديث صفوان وهذا حديث منكر ويشبه أن يكون إنكار النسائي له من جهة عبد الله بن سلمة فإن فيه مقالا , وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المقري جزءا في الرخصة في تقبيل اليد ذكر فيه حديث ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وبريدة بن الحصيب وصفوان بن عسال وبريدة العبدي والزارع بن عامر العبدي وذكر فيه آثارا صحيحة عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم , وذكر بعضهم أن مالكا أنكره وأنكر ما روي فيه وأجازه آخرون . ‏
‏وقال الأبهري إنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظيم لمن فعل ذلك به , فأما إذا قبل إنسان يد إنسان أو وجهه أو شيئا من بدنه ما لم يكن عورة على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز , وتقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم يقرب إلى الله وما كان من ذلك تعظيما لدنيا أو لسلطان أو لشبهه من وجوه التكبر فلا يجوز انتهى كلام المنذري .

 

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قبلة الجسد ‏

‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏حصين ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏ ‏عن ‏ ‏أسيد بن حضير ‏ ‏رجل من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏قال
‏بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بينا يضحكهم فطعنه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في خاصرته بعود فقال ‏ ‏أصبرني ‏ ‏فقال ‏ ‏اصطبر ‏ ‏قال إن عليك قميصا وليس علي قميص ‏ ‏فرفع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل ‏ ‏كشحه ‏ ‏قال إنما أردت هذا يا رسول الله ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( عن أسيد بن حضير ) ‏
‏: بالتصغير فيهما
‏( رجل ) ‏
‏: بالجر على أنه بدل من أسيد أو بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو رجل من الأنصار ‏
‏( قال بينما هو ) ‏
‏: أي أسيد والقائل هو عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏
‏( وكان فيه مزاح ) ‏
‏: قال الجوهري : المزاح بالضم الاسم , وأما المزاح بالكسر فهو مصدر مازحه والمفهوم من القاموس أنهما مصدران إلا أن الضم مصدر المجرد والكسر مصدر المزيد كذا في المرقاة
‏( فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي ضربه على سبيل المزاح
‏( في خاصرته ) ‏
‏: معناه بالفارسية تهى كاه ‏
‏( فقال )
‏: أي أسيد ‏
‏( أصبرني ) ‏
‏: بفتح الهمزة وكسر الموحدة أي أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في خاصرتي ‏
( قال ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( اصطبر ) ‏
‏: أي استوف القصاص . ‏
‏قال الخطابي : معنى أصبرني أقدني من نفسك ومعنى اصطبر استقد .
‏قال في النهاية : إن النبي صلى الله عليه وسلم طعن إنسانا بقضيب مداعبة فقال له أصبرني قال اصطبر أي أقدني من نفسك قال استقد يقال اصطبر فلان من خصمه واصطبر أي اقتص منه وأصبره الحاكم أي أقصه من خصمه انتهى ‏
‏( فاحتضنه ) ‏
‏: أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح ‏
‏( وجعل يقبل كشحه )
‏: هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب كذا في المرقاة , وقال في الصراح كشح تهيكاه ‏
‏( قال إنما أردت هذا ) ‏
‏: أي ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل وما أردت حقيقة القصاص . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قبلة الرجل ‏

بكسر الراء وسكون الجيم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عيسى بن الطباع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مطر بن عبد الرحمن الأعنق ‏ ‏حدثتني ‏ ‏أم أبان بنت الوازع بن زارع ‏ ‏عن ‏ ‏جدها ‏ ‏زارع ‏ ‏وكان في وفد ‏ ‏عبد القيس ‏ ‏قال ‏
‏لما قدمنا ‏ ‏المدينة ‏ ‏فجعلنا ‏ ‏نتبادر ‏ ‏من رواحلنا فنقبل يد النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ورجله قال وانتظر ‏ ‏المنذر الأشج ‏ ‏حتى أتى ‏ ‏عيبته ‏ ‏فلبس ثوبيه ثم أتى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال له ‏ ‏إن فيك ‏ ‏خلتين ‏ ‏يحبهما الله الحلم والأناة قال يا رسول الله أنا ‏ ‏أتخلق ‏ ‏بهما أم الله ‏ ‏جبلني ‏ ‏عليهما قال بل الله ‏ ‏جبلك ‏ ‏عليهما قال الحمد لله الذي ‏ ‏جبلني ‏ ‏على ‏ ‏خلتين ‏ ‏يحبهما الله ورسوله ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا مطر ) ‏
‏: بفتحتين ‏
‏( بن عبد الرحمن الأعنق ) ‏
‏: بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح النون ‏
‏( وكان )
‏: أي زارع ‏
‏( في وفد عبد القيس ) ‏
‏: أي في ما بينهم ومن جملتهم ‏
‏( فجعلنا نتبادر ) ‏
‏: أي في النزول من رواحلنا
‏( وانتظر المنذر الأشج ) ‏
‏: قال الذهبي في التجريد : أشج عبد القيس اسمه المنذر بن الحارث العبدي انتهى . ‏
‏قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات شرح المشكاة : روى أنه لما وفد عبد القيس تبادروا من رواحلهم وسقطوا عنها على الأرض وفعلوا ما فعلوا وقررهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك , والذي كان رأسهم ومقدمهم اسمه الأشج نزل أولا في منزل له واغتسل ولبس الثياب البيض ثم دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ودعا فقصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاضعا خاشعا بتأني ووقار , فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأدب أثنى عليه وقال إن فيك خلتين إلى آخره انتهى ‏
‏( عيبته ) ‏
‏: بفتح عين مهملة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم موحدة مفتوحة مستودع الثياب ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( له ) ‏
‏: أي للمنذر الأشج ‏
‏( خلتين )
‏: أي خصلتين ‏
‏( الحلم والأناة ) ‏
‏: رويا مرفوعين ومنصوبين الحلم بكسر الحاء تأخير مكافأة الظالم , والمراد به هنا عدم استعجاله وتراخيه حتى ينظر في مصالحه , والأناة على وزن القناة هو التثبت والوقار كذا في شرح المشارق لابن الملك ‏
‏( جبلني ) ‏
‏: أي خلقني . وفي الحديث دليل على جواز تقبيل الأرجل . ‏
‏قال المنذري : وأخرج هذا الحديث أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال ولا أعلم لزارع غيره , وذكر أبو عمرو النمري أن كنيته أبو الزارع وأن له ابنا يسمى الزارع وبه كان يكنى وأن حديثه عند البصريين وأن حديثه هذا حسن .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول جعلني الله فداك ‏

فدى بالكسر مقصور ويفتح أيضا لكنه مرجوح على ما نقله الأزهري عن الفراء بأن الكسر مع القصر هو الراجح والفتح مرجوح . ‏
‏وقال أبو علي القالي : قال الفراء إذا فتحوا الفاء قصروا فقالوا فدى لك وإذا كسروا الفاء مدوا وربما كسروا الفاء وقصروا فقالوا هم فدى لك . ‏
‏وأيضا قال أبو علي سمعت الأخفش يقول لا يقصر الفداء بكسر الفاء إلا للضرورة وإنما المقصور هو المفتوح . وقال الجوهري : الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر وإذا فتح فهو مقصور انتهى . ‏
‏ويراد من هذه الجملة الدعاء على النوعين , أحدهما حفظ الإنسان وإخلاصه عن النائبة ببذل المال عنه . قاله الراغب كما في قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } أي على الذين يطيقونه أن يحفظوا ويخلصوا أنفسهم عن النائبة أي تكليف الصوم أو عذاب عدم الصوم ببذل المال عنهم وهو إطعام المسكين , فكان معنى الجملة أن الله جعلني أن أحفظك عن النوائب ببذل المال عنك. ‏
‏والثاني إقامة الشيء مقام الشيء في دفع المكاره . قاله أبو البقاء كما في قوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم } أي أقمنا ذبحا عظيما مقام إسماعيل في دفع المكروه يعني الذبح عنه , فكان معنى الجملة أن الله يحفظك عن المكاره وجعلني قائما مقامك في دفعها عنك ويعرض لي ما يعرض لك من النوائب والمكاره في عوضك , وهذا المعنى هو الصريح في المقصود , تقول العرب فداك أبي وأمي أي أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك . وأنشد الأصمعي للنابغة : ‏ ‏مهلا فداء لك الأقوام كلهم ‏ ‏وما أثمر من مال ومن ولد ‏ ‏أي الأقوام كلهم وجميع الأموال والأولاد ينوبون منابك في دفع المكاره عنك ويعرض لهم في عوضك ما يعرض لك من النوائب والمكاره وأنت تسلم وتحفظ منها . ‏
‏وقد ترجم البخاري باب قول الرجل فداك أبي وأمي , وباب قول الرجل جعلني الله فداءك انتهى . ‏
‏قال الحافظ : أي هل يباح أو يكره , وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر ابن أبي عاصم وجزم بجواز ذلك فقال للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك , بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه , ولو كان ذلك محظورا لنهى النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد في الترجمة . قال للطبراني : في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏حماد يعنيان ابن أبي سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن وهب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏فقلت لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداؤك ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقلت لبيك وسعديك ) ‏
‏: يجيء معناه في باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك ‏
‏( وأنا فداك ) ‏
‏: وفي بعض النسخ فداؤك , وفي نسخة المنذري جعلني الله فداك مكان وأنا فداك . قال في مجمع البحار بكسر فاء وفتحها مدا وقصرا , وقال الحافظ في فتح الباري تحت قوله فاغفر فدى لك ما اقتفينا . قال المازري : لا يقال الله فداء لك لأنها كلمة تستعمل عند توقع مكروه لشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه , فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك , أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام انتهى . وفي الحديث دليل جواز قول جعلني الله فداك أو أنا فداؤك . والحديث سكت عنه المنذري .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر . فقال : إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا , وبين ما عنده , فاختار ما عنده , فبكى أبو بكر , وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا الحديث " .
‏وهذا كان بعد إسلام أبي قحافة , فإنه خطب بهذه الخطبة قبيل وفاته بقليل . ‏
‏وهذا أصح من حديث الزبير وأولى أن يؤخذ به منه . والله أعلم . ‏

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول أنعم الله بك عينا ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سلمة بن شبيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏أو ‏ ‏غيره ‏ ‏أن ‏ ‏عمران بن حصين ‏ ‏قال ‏
‏كنا نقول في الجاهلية أنعم الله بك عينا وأنعم صباحا فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك ‏
‏قال ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏قال ‏ ‏معمر ‏ ‏يكره أن يقول الرجل أنعم الله بك عينا ولا بأس أن يقول أنعم الله عينك ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن قتادة أو غيره ) ‏
‏: شك من الراوي
‏( أنعم الله بك عينا ) ‏
‏: أي أقر بك عين من تحبه أو أقر عينك بمن تحبه كذا في القاموس . ‏
‏قال في المرقاة : أنعم الله بك عينا الباء زائدة لتأكيد التعدية , والمعنى أقر الله عينك بمن تحبه , وعينا تمييز من المفعول أو بما تحبه من النعمة , ويجوز كونه من أنعم الرجل إذا دخل في النعيم , فالباء للتعدية وقيل الباء للسببية أي أنعم الله بسببك عينا أي عين من يحبك انتهى ‏
‏( وأنعم )
‏: قال القاري في المرقاة بقطع همز وكسر عين , وفي نسخة بهمز وصل وفتح عين من النعومة ‏
‏( صباحا ) ‏
‏: تمييز أو ظرف , أي طاب عيشك في الصباح ‏
‏( فلما كان الإسلام ) ‏
‏: أي وجد ‏
‏( نهينا )
‏: بصيغة المجهول ‏
‏( قال معمر يكره أن يقول الرجل إلخ )
‏: قال في فتح الودود ما حاصله : إن الظاهر أن مبنى النهي على أنه من تحية الجاهلية , ولكن كان المشهور عند أهل الجاهلية أنعم الله بك عينا , فإذا تغير ذلك ما بقي له حكم تحية الجاهلية رضي الله عنه انتهى . ‏
‏قال المنذري : هذا منقطع , قتادة لم يسمع من عمران بن حصين انتهى . ‏
‏وقال الإمام ابن الأثير في النهاية : وفي حديث مطرف لا تقل نعم الله بك عينا فإن الله لا ينعم بأحد عينا ولكن قل أنعم الله بك عينا . قال الزمخشري : الذي منع منه مطرف صحيح فصيح في كلامهم , وعينا نصب على التمييز من الكاف والباء للتعدية , والمعنى نعمك الله عينا أي نعم عينك وأقرها , وقد يحذفون الجار ويوصلون الفعل فيقولون نعمك الله عينا , وأما أنعم الله بك عينا فالباء فيه زائدة لأن الهمزة كافية في التعدية تقول نعم زيد عينا وأنعمه الله عينا , ويجوز أن يكون من أنعم إذا دخل في النعيم فيتعدى بالباء . قال ولعل مطرفا خيل إليه أن انتصاب المميز في هذا الكلام عن الفاعل فاستعظمه تعالى الله أن يوصف بالحواس علوا كبيرا كما يقولون نعمت بهذا الأمر عينا والباء للتعدية , فحسب أن الأمر في نعم الله بك عينا كذلك انتهى كلامه .

 

 

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول للرجل حفظك الله ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت البناني ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن رباح الأنصاري ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو قتادة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان في سفر له فعطشوا فانطلق ‏ ‏سرعان ‏ ‏الناس فلزمت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تلك الليلة فقال ‏ ‏حفظك الله بما حفظت به نبيه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فانطلق سرعان من الناس ) ‏
‏: بفتح السين المهملة وفتح الراء هو المشهور , ويروى بإسكان الراء هم المسرعون إلى الخروج كذا في السبل . قال المنذري : وأخرجه مسلم بطوله , وقد تقدم في كتاب الصلاة مختصرا أيضا , وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا , وقد تقدم الكلام على سرعان .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قيام الرجل للرجل ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏حبيب بن الشهيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مجلز ‏ ‏قال ‏
‏خرج ‏ ‏معاوية ‏ ‏على ‏ ‏ابن الزبير ‏ ‏وابن عامر ‏ ‏فقام ‏ ‏ابن عامر ‏ ‏وجلس ‏ ‏ابن الزبير ‏ ‏فقال ‏ ‏معاوية ‏ ‏لابن عامر ‏ ‏اجلس فإني سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من أحب أن ‏ ‏يمثل ‏ ‏له الرجال قياما ‏ ‏فليتبوأ ‏ ‏مقعده من النار ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من أحب أن يمثل له ) ‏
‏: كينصر أي يقوم وينتصب له ‏
‏( فليتبوأ ) ‏
‏: أي فليهيئ أمر بمعنى الخبر كأنه قال من أحب ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار وحق له ذلك .
‏واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث على منع قيام الرجل للرجل تعظيما له . ‏
‏وفي فتح الباري قال النووي في الجواب عن هذا الحديث : إن الأصح والأولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب قيام الناس له , قال وليس فيه تعرض للقيام بنهي ولا غيره وهذا متفق عليه . قال والمنهي عنه محبة القيام , فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم يقوموا فلا لوم عليه , فإن أحب ارتكب التحريم سواء قاموا أو لم يقوموا , قال فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام فإن قيل فالقيام سبب للوقوع في المنهي عنه , قلنا هذا فاسد لأنا قدمنا أن الوقوع في المنهي عنه يتعلق بالمحبة خاصة انتهى ملخصا .
‏ولا يخفى ما فيه , واعترضه ابن الحاج بأن الصحابي الذي تلقى ذلك من صاحب الشرع قد فهم منه النهي عن القيام الموقع للذي يقام له في المحذور فصوب فعل من امتنع من القيام دون من قام وأقروه على ذلك , وكذا قال ابن القيم في حواشي السنن في سياق حديث معاوية رد على من زعم أن النهي إنما هو في حق من يقوم الرجال بحضرته , لأن معاوية إنما روى الحديث حين خرج فقاموا له , انتهى ما في الفتح . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال حسن هذا آخر كلامه . وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وما بعده في الورقة التي قبل هذا في باب ما جاء في القيام انتهى كلام المنذري .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى : على قول المنذري . وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر " أنهم لما صلوا خلفه . قال : فلما سلم قال : إن كدتم آنفا أن تفعلوا فعل فارس والروم الحديث " . ‏
‏وحمل أحاديث النهي عن القيام على مثل هذه الصورة ممتنع . فإن سياقها يدل على خلافه , وإنه كان ينهى عن القيام له إذا خرج عليهم . ولأن العرب لم يكونوا يعرفون هذا , وإنما هو من فعل فارس والروم . ولأن هذا لا يقال له : قيام للرجل , إنما هو قيام عليه . ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه . والقيام عليه : المشبه لفعل فارس والروم , والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب . وأحاديث الجواز تدل عليه فقط .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن نمير ‏ ‏عن ‏ ‏مسعر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي العنبس ‏ ‏عن ‏ ‏أبي العدبس ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مرزوق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي غالب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أمامة ‏ ‏قال ‏
‏خرج علينا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال ‏ ‏لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبي العدبس ) ‏
‏: بفتح المهملتين والموحدة المشددة بعدها مهملة كوفي مجهول من السادسة كذا في التقريب ‏
‏( متوكئا )
‏: أي معتمدا ‏
‏( على عصا ) ‏
‏: أي لمرض كان به , قاله القاري ‏
‏( فقمنا إليه ) ‏
‏: وفي المشكاة فقمنا له . قال القاري : أي لتعظيمه , واحتج بهذا الحديث على منع القيام , وأجاب عنه الطبري بأنه حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف كذا في فتح الباري . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده أبو غالب واسمه حزور , ويقال نافع , ويقال سعيد بن الحزور , قال يحيى بن معين صالح الحديث , وقال مرة ليس به بأس , وقال مرة ترك شعبة أبا غالب إنه رآه يحدث في الشمس , وضعفه شعبة على أنه تغير عقله , وقال موسى بن هارون ثقة , وقال أبو حاتم الرازي ليس بالقوي , وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات , وقال ابن سعد في الطبقات اسمه نافع وكان ضعيفا منكر الحديث , وقال النسائي ضعيف , وقال الدارقطني لا يعتبر به , وقال مرة ثقة . هذا آخر كلامه . وحزور بفتح الحاء المهملة وبعدها زاي مفتوحة وواو مشددة مفتوحة وبعدها راء مهملة وهو مذكور في الأسماء المفردة . وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر أنهم لما صلوا خلفه قعودا قال فلما سلم قال إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا . انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول فلان يقرئك السلام ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏عن ‏ ‏غالب ‏ ‏قال ‏ ‏إنا لجلوس بباب ‏ ‏الحسن ‏ ‏إذ جاء ‏ ‏رجل ‏ ‏فقال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏جدي ‏ ‏قال ‏
‏بعثني أبي إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ائته فأقرئه السلام قال فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام فقال ‏ ‏عليك السلام وعلى أبيك السلام ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( عن غالب ) ‏
‏: هو ابن خطاف البصري القطان قاله المنذري ‏
‏( إنا لجلوس ) ‏
‏: أي جالسون ‏
‏( بباب الحسن )
‏: أي البصري ‏
‏( عن جدي قال ) ‏
‏: أي الجد ‏
( فقال ائته ) ‏
‏: أمر من أتى يأتي , ‏
‏( فقال عليك وعلى أبيك السلام )
‏: قال في فتح الودود : هذا يدل على أنه يرده على الحامل أيضا . وحديث عائشة الآتي يدل على جواز الاقتصار على الأصل فيؤخذ من الحديثين أن الأول مندوب والثاني جائز انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه النسائي , وقال فيه عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده هذا الإسناد فيه مجاهيل . وخطاف بضم الخاء المعجمة ويقال بفتح الخاء وبعدها طاء مهملة مشددة مفتوحة وبعد الألف فاء أخت القاف .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحيم بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏زكريا ‏ ‏عن ‏ ‏الشعبي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏أن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏حدثته ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لها ‏ ‏إن ‏ ‏جبريل ‏ ‏يقرأ عليك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله ‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فقالت وعليه السلام ) ‏
‏: قال الحافظ في فتح الباري : ولم أر في شيء من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم , فدل على أنه أي الرد على المبلغ غير واجب رضي الله عنه انتهى . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه بنحوه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل ‏ ‏ينادي الرجل فيقول لبيك

‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يعلى بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي همام عبد الله بن يسار ‏ ‏أن ‏ ‏أبا عبد الرحمن الفهري ‏ ‏قال ‏
‏شهدت مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حنينا ‏ ‏فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظل الشجرة فلما ‏ ‏زالت الشمس ‏ ‏لبست ‏ ‏لأمتي ‏ ‏وركبت فرسي فأتيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو في ‏ ‏فسطاطه ‏ ‏فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قد حان الرواح قال أجل ثم قال يا ‏ ‏بلال ‏ ‏قم فثار من تحت ‏ ‏سمرة ‏ ‏كأن ظله ‏ ‏ظل طائر ‏ ‏فقال لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال أسرج لي الفرس فأخرج سرجا ‏ ‏دفتاه ‏ ‏من ليف ليس فيه أشر ولا ‏ ‏بطر ‏ ‏فركب وركبنا وساق الحديث ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏أبو عبد الرحمن الفهري ‏ ‏ليس له إلا هذا الحديث وهو ‏ ‏حديث نبيل ‏ ‏جاء به ‏ ‏حماد بن سلمة ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( شديد الحر ) ‏
‏: تفسير لقائظ , قال في القاموس : قاظ يومنا اشتد حره ‏
‏( لبست لأمتي ) ‏
‏: اللأمة بفتح اللام وسكون الهمزة الدرع , ويقال له بالفارسية زره ‏
‏( وهو في فسطاطه ) ‏
: بالضم هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق كذا في المجمع ‏
‏( قد حان الرواح ) ‏
‏: أي جاء وقت الرواح وهو السير في آخر النهار ‏
‏( ثم قال يا بلال ) ‏
‏: وفي بعض النسخ يا بلال قم وفي بعضها قم يا بلال قم
‏( فثار ) ‏
‏: أي وثب ‏
‏( من تحت سمرة ) ‏
‏: قال في الصراح سمرة بالفتح وضم الميم درخت طلح ‏
‏( كأن ظله ) ‏
‏: أي ظل شجرة السمرة في القلة ‏
‏( ظل طائر ) ‏
‏: المقصود أن ظل السمرة كان قليلا غاية القلة فكأنه بسبب القلة ظل طائر ‏
‏( فقال لبيك وسعديك )
‏: قال في القاموس . ألب أقام كلب ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة . وقال فيه في مادة سعد أسعده أعانه ولبيك وسعديك أي إسعادا بعد إسعاد انتهى . ‏
‏وقال في النهاية : لبيك هو مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا أقام به وألب على كذا إذا لم يفارقه , ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت ألب إلبابا بعد إلباب , وقيل معناه اتجاهي وقصدي يا رب إليك من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها , وقيل معناه إخلاصي لك من قولهم حسب لباب إذا كان خالصا مخلصا , ومنه لب الطعام ولبابه . ومعنى قوله سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد , ولهذا ثني وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال . قال الجرمي : لم يسمع سعديك مفردا انتهى كلامه ‏
‏( أسرج لي الفرس ) ‏
‏: أي اشدد على الفرس السرج وهو بالفارسية زين : قال في القاموس : أسرجتها شددت عليها السرج
‏( دفتاه ) ‏
‏: أي جانباه . ‏
‏قال في القاموس : الدف بالفتح الجنب من كل شيء أو صفحته كالدفة ‏
‏( من ليف ) ‏
‏: بالكسر هو بالفارسية بوست درخت خرما ‏
‏( ليس فيهما ) ‏
‏: أي في الدفتين , وفي بعض النسخ ليس فيه فالضمير للسرج ‏
‏( أشر ولا بطر ) ‏
‏: كلاهما بفتحتين ومعناهما واحد وهو شدة النشاط وقلة احتمال النعمة والطغيان بالنعمة . قال في المصباح : أشر أشرا فهو أشر من باب تعب بطر وكفر النعمة فلم يشكرها وبطر بطرا فهو بطر من باب تعب بمعنى أشر أشرا انتهى . ‏
‏قال المنذري : أبو عبد الرحمن القرشي الفهري له صحبة قيل اسمه عبد , وقيل يزيد ابن أنيس وقيل كرز بن ثعلبة وقيل إنه لم يرو عنه إلا أبو همام عبد الله بن يسار انتهى ‏
‏( قال أبو داود )
‏: من ههنا إلى قوله حماد بن سلمة لم يوجد في بعض النسخ ‏
‏( حديث نبيل ) ‏
‏: بالإضافة , والنبيل على وزن الأمير هو الماهر في الأمور وهذا ثناء من المؤلف ليعلى بن عطاء شيخ لحماد بن سلمة والله أعلم .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يقول للرجل أضحك الله سنك ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن إبراهيم البركي ‏ ‏وسمعته من ‏ ‏أبي الوليد الطيالسي ‏ ‏وأنا لحديث ‏ ‏عيسى ‏ ‏أضبط ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏عبد القاهر بن السري يعني السلمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن كنانة بن عباس بن مرداس ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏قال ‏
‏ضحك رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال له ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏أو ‏ ‏عمر ‏ ‏أضحك الله سنك وساق الحديث ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( البركي ) ‏
‏: بكسر الموحدة وفتح الراء . قال في تاج العروس : البرك كعنب كأنه جمع بركة سكة بالبصرة معروفة نقله ياقوت انتهى .
‏وفي المراصد : البرك جمع بركة سكة معروفة بالبصرة انتهى ‏
‏( وسمعته )
‏: أي هذا الحديث أيضا ‏
‏( أضبط ) ‏
‏: أي أحفظ وأتقن
‏( أو عمر ) ‏
‏: شك من الراوي ‏
‏( أضحك الله سنك )
‏: أي أدام الله فرحك وسرورك . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه مطولا في دعاء عشية عرفة . قال البخاري : كنانة روى عنه ابنه لم يصح وقال ابن حبان كنانة بن العباس بن مرداس السلمي يروي عن أبيه روى عنه ابنه منكر الحديث جدا فلا أدري التخليط في حديثه منه أو من ابنه وأيهما كان فهو ساقط الاحتجاج بما روى لعظم ما أتى من المناكير عن المشاهير .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في البناء ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد بن مسرهد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي السفر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏قال ‏
‏مر بي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنا أطين ‏ ‏حائطا ‏ ‏لي أنا وأمي فقال ما هذا يا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏فقلت يا رسول الله شيء أصلحه فقال ‏ ‏الأمر أسرع من ذلك
‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏وهناد ‏ ‏المعنى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏بإسناده ‏ ‏بهذا قال مر ‏ ‏علي ‏ ‏رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ونحن نعالج ‏ ‏خصا ‏ ‏لنا ‏ ‏وهى ‏ ‏فقال ما هذا فقلنا ‏ ‏خص ‏ ‏لنا ‏ ‏وهى ‏ ‏فنحن نصلحه فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وأنا أطين حائطا لي ) ‏
‏: من التطيين أي أصلحه بالطين , والواو للحال ‏
‏( فقال الأمر أسرع من ذلك ) ‏
‏: أي الموت أسرع من فساد ذلك الحائط الذي تخاف فساده وهدمه لو لم تصلحه . ‏
‏قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي حسن صحيح . ‏
‏( ونحن نعالج )
‏: أي نصلح ‏
‏( خصا ) ‏
‏: قال في القاموس : الخص بالضم البيت من القصب أو البيت يسقف بخشبة كالأزج ‏
‏( وهى ) ‏
‏: في القاموس : وهى كوعى وولي تخرق وانشق واسترخى رباطه , والجملة صفة لخصا ‏
( ما أرى الأمر ) ‏
‏: أي الموت ‏
‏( إلا أعجل ) ‏
‏: أي أسرع
‏( من ذلك ) ‏
‏: أي من خراب ذلك الخص .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن حكيم ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي طلحة الأسدي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خرج فرأى ‏ ‏قبة ‏ ‏مشرفة ‏ ‏فقال ما هذه قال له أصحابه هذه لفلان رجل من ‏ ‏الأنصار ‏ ‏قال فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يسلم عليه في الناس أعرض عنه صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه فشكا ذلك إلى أصحابه فقال والله إني لأنكر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالوا خرج فرأى ‏ ‏قبتك ‏ ‏قال فرجع الرجل إلى ‏ ‏قبته ‏ ‏فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ذات يوم فلم يرها قال ما فعلت ‏ ‏القبة ‏ ‏قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فقال ‏ ‏أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا ‏ ‏يعني ما لا بد منه ‏

‏‏‏‏

 

 

 عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( قبة مشرفة ) ‏
‏: أي بناء عاليا ‏
( فقال ما هذه ) ‏
‏: استفهام إنكار أي ما هذه العمارة المنكرة ومن بانيها
‏( رجل ) ‏
‏: بالجر بدل من فلان ‏
‏( وحملها ) ‏
: أي أضمر تلك الفعلة في نفسه غضبا على فاعلها في فعلها . ففي أساس البلاغة حملت الحقد عليه إذا أضمرته كذا في المرقاة , وقيل الضمير للكراهة المفهومة من المقام
‏( أعرض عنه ) ‏
‏: أي لم يرد عليه السلام ‏
‏( فشكا ذلك )
‏: أي ما رآه من أثر الغضب والإعراض ‏
‏( والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: أي أرى منه ما لم أعهده من الغضب والكراهة ولا أعرف له سببا . قاله القاري ‏
‏( ما فعلت القبة ) ‏
‏: ضبط بالمعروف والمجهول أي ما صار حالها وما شأنها لا يرى أثرها ‏
‏( أما ) ‏
: بالتخفيف حرف التنبيه ‏
‏( إلا ما لا ) ‏
‏: أي إلا ما لا بد منه , فحذف اسم لا وخبرها معا ‏
‏( إلا ما لا ) ‏
‏: كرره للتأكيد
‏( يعني ما لا بد منه ) ‏
‏: هذا تفسير من أحد من الرواة .
‏وقال الحافظ زين الدين العراقي في تخريج أحاديث إحياء العلوم والحافظ ابن حجر في فتح الباري : يعني إلا ما لا بد منه والله أعلم . ‏
‏والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في اتخاذ الغرف ‏

بضم الغين وفتح الراء جمع غرفة بالضم , ويقال لها بالفارسية برواره [ بروزن همواره بالاخانة وحجره بالاي حجره باشد فرهنك صراح ] كما في الصراح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى ‏ ‏عن ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏عن ‏ ‏قيس ‏ ‏عن ‏ ‏دكين بن سعيد المزني ‏ ‏قال ‏
‏أتينا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسألناه الطعام فقال يا ‏ ‏عمر ‏ ‏اذهب فأعطهم فارتقى بنا إلى ‏ ‏علية ‏ ‏فأخذ المفتاح من حجرته ففتح ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إلى علية ) ‏
‏: بضم العين وكسرها وكسر اللام وبالتحتية المشددتين أي غرفة ‏
‏( من حجرته ) ‏
‏: بالراء المهملة , وفي بعض النسخ حجزته بالزاي المعجمة . ‏
‏قال في القاموس : الحجزة بالضم معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة . قال المنذري : وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير , وذكر فيه سماع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم وسماع قيس بن أبي حازم من دكين , وقال أبو القاسم البغوي ولا أعلم لدكين غير هذا الحديث . ‏
‏ودكين بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون . ‏
‏والمفتاح والمفتح بكسر الميم فيهما واحد المفاتيح التي يفتح بها . انتهى كلام المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قطع السدر ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏نصر بن علي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏عن ‏ ‏عثمان بن أبي سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن حبشي ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ‏
‏سئل ‏ ‏أبو داود ‏ ‏عن معنى هذا الحديث فقال ‏ ‏هذا الحديث مختصر ‏ ‏يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مخلد بن خالد ‏ ‏وسلمة يعني ابن شبيب ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏عثمان بن أبي سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏رجل ‏ ‏من ‏ ‏ثقيف ‏ ‏عن ‏ ‏عروة بن الزبير ‏ ‏يرفع الحديث إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( حبشي ) ‏
‏: بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة ثم ياء ثقيلة كذا في التقريب ‏
‏( من قطع سدرة ) ‏
‏: أي شجرة نبق , زاد في رواية للطبراني " من سدر الحرم " وهي مبينة للمراد دافعة للإشكال , كذا في شرح الجامع الصغير ‏
‏( سئل أبو داود إلخ ) ‏
‏: وما أجاب به أبو داود ووافقه عليه العلماء , ولا بد له من التأويل الصحيح . ‏
‏وقال في النهاية : قيل أراد به سدر مكة لأنها حرم , وقيل سدر المدينة نهى عن قطعه ليكون أنسا وظلا لمن يهاجر إليها . ‏
‏وقيل أراد السدر الذي يكون في الفلاة يستظل به أبناء السبيل والحيوان أو في ملك إنسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق , ومع هذا فالحديث مضطرب الرواية فإن أكثر ما يروى عن عروة بن الزبير وكان هو يقطع السدر ويتخذ منه أبوابا . ‏
‏قال هشام : وهذه أبواب من سدر قطعه أبي وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعه رضي الله عنه انتهى . وفي مرقاة الصعود قال البيهقي في سننه قال أبو ثور سألت أبا عبد الله الشافعي عن قطع السدر فقال لا بأس به , قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اغسلوه بماء وسدر " . ‏
‏قال البيهقي : فيكون محمولا على ما حمله عليه أبو داود . ‏
‏قال وروينا عن عروة أنه كان يقطعه من أرضه وهو أحد رواة النهي , ويشبه أن يكون النهي خاصا كما قال أبو داود . ‏
‏وفي كتاب أبي سليمان الخطابي أن المزني سئل عن هذا فقال وجهه أن يكون صلى الله عليه وسلم سئل عمن هجم على قطع سدر لقوم أو ليتيم أو لمن حرم الله أن يقطع عليه فتحامل عليه بقطعه , فاستحق ما قاله , فتكون المسألة سبقت السامع فسمع الجواب ولم يسمع السؤال , وجعل نظيره حديث أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنما الربا في النسيئة " وقد قال " لا تبيعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل " . ‏
‏واحتج المزني بما احتج به الشافعي من إجازته صلى الله عليه وسلم أن يغسل الميت بالسدر ولو كان حراما لم يجز الانتفاع به . قال والورق من السدر كالغصن وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حرم قطعه من شجر الحرم بين ورقه وغيره , فلما لم يمنع عن ورق السدر دل ذلك على جواز قطع السدر . انتهى ‏
‏( صوب الله ) ‏
‏: أي نكسه وألقاه على رأسه في نار جهنم , وهذا دعاء أو خبر . قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي وقال فيه عبد الله الخثعمي . ‏
‏( عن رجل من ثقيف ) ‏
‏: قال البيهقي : الرجل لعله عمرو بن أوس ثم أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الذين يقطعون السدر يصب الله على رءوسهم النار صبا " وأخرجه من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة عن عائشة موصولا وقال المرسل هو المحفوظ . قال المنذري : وهذا مرسل .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن عمر بن ميسرة ‏ ‏وحميد بن مسعدة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏حسان بن إبراهيم ‏ ‏قال ‏
‏سألت ‏ ‏هشام بن عروة ‏ ‏عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر ‏ ‏عروة ‏ ‏فقال ‏ ‏أترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي من سدر ‏ ‏عروة ‏ ‏كان ‏ ‏عروة ‏ ‏يقطعه من أرضه وقال لا بأس به ‏ ‏زاد ‏ ‏حميد ‏ ‏فقال هي يا عراقي جئتني ببدعة قال قلت إنما البدعة من قبلكم ‏ ‏سمعت من يقول ‏ ‏بمكة ‏ ‏لعن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من قطع السدر ثم ساق معناه ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن قطع السدر ) ‏
‏: قال المنذري : السدر شجر النبق الواحدة سدرة , وقيل هو السمر , وقال الأصمعي ما ينبت عنه في البراري فهو الضال بتخفيف اللام ‏
‏( وهو ) ‏
‏: أي هشام ‏
‏( فقال )
‏: هشام ‏
‏( والمصاريع ) ‏
‏: جمع مصراع . ‏
‏قال في المصباح : المصراع من الباب الشطر وهما مصراعان ‏
‏( وقال ) ‏
‏: عروة
‏( فقال ) ‏
‏: هشام بن عروة لحسان بن إبراهيم ‏
‏( هي )
‏: ضمير الشأن والقصة والكوفيون يسمونها ضمير المجهول , وهذا الضمير يرجع إلى ما بعدها لزوما على خلاف القياس كما في قوله تعالى : { قل هو الله أحد } وقوله تعالى : { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } كذا في مغني اللبيب . فلفظة هي هذه ترجع إلى لفظ بدعة في قوله جئتني ببدعة والله أعلم ‏
‏( جئتني ببدعة )
‏: أي بأمر مبتدع لم نسمعه من النهي عن قطع السدر ‏
‏( قال )
‏: حسان ‏
‏( إنما البدعة من قبلكم ) ‏
‏: أي من جانبكم يا هشام , فأنتم تذهبون إلى جواز قطع السدر . ‏
‏قال المنذري : إسناده مضطرب وهو يروى عن عروة بن الزبير وقد ذكر عنه ولده هشام أنه كان يقطعه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في إماطة الأذى عن الطريق ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد المروزي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏علي بن حسين ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد الله بن بريدة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏بريدة ‏ ‏يقول ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏في الإنسان ثلاث مائة وستون مفصلا فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة قالوا ومن يطيق ذلك يا نبي الله قال النخاعة في المسجد تدفنها والشيء ‏ ‏تنحيه عن الطريق فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أبي بريدة ) ‏
‏: هو بدل من أبي ‏
‏( عن كل مفصل ) ‏
‏: هو على وزن مسجد أحد مفاصل الأعضاء ‏
‏( قال )
‏: النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( النخاعة ) ‏
‏: بالضم هي البزقة الخارجة من أصل الفم مما يلي النخاع قاله المناوي . ‏
‏وقال في المصباح : النخاعة ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء المعجمة . ‏
‏كذا قيده ابن الأثير . ‏
‏وقال المطرزي : النخاعة هي النخامة وهكذا قال في العباب ‏
( فإن لم تجد ) ‏
‏: أي شيئا مما يطلق عليه اسم الصدقة عرفا أو شرعا يبلغ عدد الثلاثمائة والستين ‏
‏( فركعتا الضحى ) ‏
‏: وخصت الضحى بذلك لتمحضها للشكر لأنها لم تشرع جابرة لغيرها بخلاف الرواتب قاله المناوي ‏
‏( تجزئك )
‏: أي تكفيك عن الصدقة . قال النووي : ضبطناه بفتح أوله وضمه فالضم من الإجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى , ومنه قوله تعالى : { لا تجزي نفس عن نفس } وفي الحديث " لا يجزي عن أحد بعدك " قاله السيوطي . ‏
‏قال المنذري : في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال انتهى . ‏
‏والحديث أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه , وقال المناوي في شرح الجامع الصغير إسناده حسن .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏أحمد بن منيع ‏ ‏عن ‏ ‏عباد بن عباد ‏ ‏وهذا لفظه وهو أتم ‏ ‏عن ‏ ‏واصل ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن يعمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يصبح على كل ‏ ‏سلامى ‏ ‏من ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏صدقة تسليمه على من لقي صدقة وأمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة وإماطته الأذى عن الطريق صدقة ‏ ‏وبضعته ‏ ‏أهله صدقة قالوا يا رسول الله يأتي شهوة وتكون له صدقة قال أرأيت لو وضعها في غير حقها أكان يأثم قال ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏لم يذكر ‏ ‏حماد ‏ ‏الأمر والنهي
‏حدثنا ‏ ‏وهب بن بقية ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏خالد ‏ ‏عن ‏ ‏واصل ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن يعمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الأسود الديلى ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏بهذا الحديث وذكر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في وسطه ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهذا لفظه ) ‏
‏: أي عباد ‏
‏( وهو أتم )
‏: أي حديث عباد ‏
‏( عن يحيى بن عقيل ) ‏
‏: بضم العين مصغرا ‏
‏( يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة ) ‏
‏: السلامى بضم السين وفتح الميم أي عظام الأصابع والمراد بها العظام كلها . ‏
‏قال في النهاية : السلامى جمع السلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع وقيل واحده وجمعه سواء ويجمع على سلاميات , وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان انتهى . ‏
‏قال الطيبي : اسم يصبح إما صدقة أي تصبح الصدقة واجبة على كل سلامى وإما من ابن آدم على تجويز زيادة من والظرف خبره وصدقة فاعل الظرف أي يصبح ابن آدم واجبا على كل مفصل منه صدقة , وإما ضمير الشأن , والجملة الاسمية بعدها مفسرة له . ‏
‏قال القاضي يعني أن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليما عن الآفات باقيا على الهيئة التي تتم بها منافعه فعليه صدقة شكرا لمن صوره ووقاه عما يغيره ويؤذيه ‏
‏( عن الطريق صدقة )
‏: قال القاضي عياض : يحتمل تسمية هذه الأشياء صدقة أن لها أجرا كما للصدقة أجر وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور , وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام , وقيل معناه أنه صدقة على نفسه ‏
‏( وبضعته )
‏: أي جماعه . ‏
‏في المصباح : البضع بالضم جمعه أبضاع مثل قفل وأقفال يطلق على الفرج والجماع ‏
‏( يأتي ) ‏
‏: أي أحدنا ‏
‏( قال )
‏: النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( أرأيت ) ‏
‏: أي أخبرني
‏( لو وضعها ) ‏
‏: أي شهوته ‏
‏( أكان يأثم ) ‏
: زاد مسلم : " فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " قال النبي صلى الله عليه وسلم
‏( ويجزئ ) ‏
‏: أي يكفي ‏
‏( من ذلك ) ‏
‏: هو بمعنى عن , أي يكفي عما ذكر مما وجب على السلامى من الصدقات كذا في المرقاة ‏
( ركعتان ) ‏
‏: لأن الصلاة عمل بجميع أعضاء البدن فيقوم كل عضو بشكره
‏( من الضحى ) ‏
‏: أي من صلاة الضحى أو في وقت الضحى . ‏
‏قال في النهاية : فأما الضحوة فهو ارتفاع أول النهار , والضحى بالضم والقصر فوقه وبه سميت صلاة الضحى انتهى . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي . ‏
( بهذا الحديث ) ‏
‏: السابق ‏
‏( وذكر النبي صلى الله عليه وسلم )
‏: النبي صلى الله عليه وسلم بالرفع فاعل ذكر أي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ‏
‏( في وسطه ) ‏
‏: بفتح الواو وسكون السين أي في وسط كلامه أي بين كلامه , فالضمير المجرور يرجع إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم , وقد نقل هذا الضبط عن العلامة المحدث محمد إسحاق الدهلوي رحمه الله
‏ويحتمل أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بالنصب وفاعل ذكر الراوي وضمير المجرور في لفظ وسطه يرجع إلى الحديث , أي ذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الحديث ولم يذكر في أول الحديث أي بعد أبي ذر فروى الحديث عن أبي ذر بصورة الموقوف , ثم ذكر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الحديث وجعله مرفوعا والله أعلم بالصواب . ‏
‏ويؤيد المعنى الأول الذي نقل عن شيخ شيخنا الدهلوي ما أخرجه أحمد في مسنده من طريق مهدي بن ميمون حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر قال : " قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون , إن بكل تسبيحة صدقة , وبكل تحميدة صدقة وفي بضع أحدكم صدقة , قال قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته يكون له فيها أجر ؟ قال أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر , وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر . وقال وتهليلة وتكبيرة صدقة , وأمر بمعروف صدقة , ونهي عن منكر صدقة " . ‏
‏وفي رواية له من طريق عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي ذر قال " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الأموال بالأجر , , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن فيك صدقة كثيرة فذكر فضل سمعك وفضل بصرك قال وفي مباضعتك أهلك صدقة , فقال أبو ذر أيؤجر أحدنا في شهوته ؟ قال أرأيت لو وضعته في غير حل أكان عليك وزر ؟ قال نعم . قال أفتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير " . ‏
‏وفي رواية له من طريق يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي ذر قال : " قلت يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يصلون ويصومون ويحجون , قال وأنتم تصلون وتصومون وتحجون , قلت : يتصدقون ولا نتصدق , قال وأنت فيك صدقة رفعك العظم عن الطريق صدقة وهدايتك الطريق صدقة , وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة , وبيانك عن الأرتم [ هو الذي لا يفصح الكلام ولا يبينه ] صدقة , ومباضعتك امرأتك صدقة " فذكر الحديث . ‏
‏وأما في الرواية السابقة أي رواية عباد بن عباد فكان ذكر الصدقات في صدر الكلام من غير بيان قصة الأغنياء والفقراء . ‏
‏وحديث أبي ذر أخرجه مسلم في كتاب الصلاة في باب استحباب صلاة الفتح حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي قال أخبرنا مهدي وهو ابن ميمون أخبرنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة , فكل تسبيحة صدقة , وكل تحميدة صدقة , وكل تهليلة صدقة , وكل تكبيرة صدقة , وأمر بالمعروف صدقة , ونهي عن المنكر صدقة , ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " .
‏قال المنذري والحديث أخرجه مسلم .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عيسى بن حماد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن شوك عن الطريق إما كان في شجرة فقطعه وألقاه وإما كان موضوعا فأماطه فشكر الله له بها فأدخله الجنة ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فشكر الله ) ‏
‏: أي غفر الله . قال في النهاية : فشكره لعباده مغفرته لهم ‏
‏( له ) ‏
‏: أي للرجل ‏
‏( بها )
‏: أي بهذه الخصلة والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في إطفاء النار بالليل ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سالم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏رواية وقال مرة يبلغ به النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن أبيه ) ‏
‏: عبد الله بن عمر ‏
( رواية ) ‏
‏: أي عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( لا تتركوا النار )
‏: أي موقدة . قال النووي : هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيرها , وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بتركها لانتفاء العلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم , وإذا انتفت العلة زال المنع انتهى . قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن عبد الرحمن التمار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن طلحة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أسباط ‏ ‏عن ‏ ‏سماك ‏ ‏عن ‏ ‏عكرمة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على ‏ ‏الخمرة ‏ ‏التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال ‏ ‏إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فأخذت ) ‏
‏: أي شرعت ‏
‏( فجاءت )
‏: الفأرة ‏
‏( بها ) ‏
‏: أي بالفتيلة ‏
‏( فألقتها )
‏: أي الفتيلة ‏
‏( على الخمرة ) ‏
‏: هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس قال " جاءت فأرة " الحديث وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير كذا في النهاية وفي حياة الحيوان : الخمرة السجادة التي يسجد عليها المصلي سميت بذلك لأنها تخمر الوجه أي تغطيه انتهى ‏
‏( فأحرقت ) ‏
‏: الفأرة ‏
‏( منها )
‏: أي من الخمرة ‏
‏( فقال ) ‏
‏: النبي صلى الله عليه وسلم
‏( مثل هذه ) ‏
‏: أي الفأرة ‏
‏( على هذا ) ‏
‏: أي الفعل وفأرة البيت هي الفويسقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم وأصل الفسق الخروج عن الاستقامة والجور , وبه سمي العاصي فاسقا , وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن , وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لهن بحال . وروى الطحاوي في أحكام القرآن بإسناده عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة الفويسقة , فقال استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة السراج لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم ذكره العلامة الدميري . قال المنذري : في إسناده عمرو بن طلحة ولم نجد له ذكرا فيما رأيناه من كتبهم , وإن كان هو عمرو بن طلحة وقع فيه تصحيف وهي طبقة لا يحتج بحديثه والله عز وجل أعلم . وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري قال " احترق بيت على أهله بالمدينة فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال إن هذه النار إنما هي عدوة لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم " . ‏
‏وأخرج البخاري من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمروا الآنية , وفيه فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت " وأخرجه مسلم بمعناه وفيه " فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم " قال الطبري في هذه الأحاديث الإبانة على أن الحق على من أراد المبيت في بيت ليس فيه غيره وفيه نار أو مصباح أن لا يبيت حتى يطفئه أو يجره بما يأمن به إحراقه وضره , وكذلك إن كان في البيت جماعة فالحق عليهم إذا أرادوا النوم أن لا ينام آخرهم حتى يفعل ما ذكرت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن فرط في ذلك مفرط فلحقه ضرر في نفس أو مال كان لوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته مخالفا ولا دية له . انتهى كلام المنذري . قلت : عمرو بن طلحة هو عمرو بن حماد بن طلحة الكوفي أبو محمد القناد , روى عن أسباط بن نصر ومندل بن علي , وروى عنه مسلم فرد حديث . وإبراهيم الجوزجاني قال مطين ثقة وقال أبو داود رافضي , كذا في الخلاصة . والحديث أخرجه الحاكم وقال إسناده صحيح .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قتل الحيات ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما سالمناهن منذ حاربناهن ومن ترك شيئا منهن خيفة فليس منا ‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( ما سالمناهن ) ‏
‏: أي ما صالحنا الحيات
‏( منذ حاربناهن ) ‏
‏: أي منذ وقع بيننا وبينهن الحرب , فإن المحاربة والمعاداة بين الحية والإنسان جبلية لأن كلا منهما مجبول على طلب قتل الآخر , وقيل أراد العداوة التي بينها وبين آدم عليه السلام على ما يقال إن إبليس قصد دخول الجنة فمنعه الخزنة فأدخلته الحية في فيها فوسوس لآدم وحواء حتى أكلا من الشجرة المنهية فأخرجا عنها . قاله القاري ‏
‏( ومن ترك شيئا منهن )
‏: أي من ترك التعرض لهن ‏
‏( خيفة ) ‏
‏: أي لخوف ضرر منها أو من صاحبها ‏
‏( فليس منا ) ‏
‏أي من المقتدين بسنتنا الآخذين بطريقتنا ولعل المراد ما لا تظهر فيه علامة أن يكون جنيا . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الحميد بن بيان السكري ‏ ‏عن ‏ ‏إسحق بن يوسف ‏ ‏عن ‏ ‏شريك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏القاسم بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( السكري ) ‏
‏: بضم السين وتشديد الكاف منسوب إلى بيع السكر وشرائه وعمله . قاله المقدسي في الأنساب ‏
‏( اقتلوا الحيات كلهن ) ‏
‏: ظاهر في قتل أنواع الحيات كلها . وفي حياة الحيوان وما كان منها في البيوت لا يقتل حتى ينذر ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم " إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام " حمل بعض العلماء ذلك على المدينة وحدها والصحيح أنه عام في كل بلد لا يقتل حتى ينذر . واختلف العلماء في الإنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاثة مرات والأول عليه الجمهور . وكيفية ذلك أن يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان عليهما السلام أن لا تبدون ولا تؤذونا
‏( ثأرهن ) ‏
‏: أي انتقامهن الثأر هو الدم والانتقام , والمعنى مخافة أن يكون لهن صاحب يطلب ثأرها . قد جرت العادة على نهج الجاهلية بأن يقال لا تقتلوا الحيات فإنكم لو قتلتم لجاء زوجها ويلسعكم للانتقام , فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا القول والاعتقاد كذا في المرقاة . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن نمير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن مسلم ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عكرمة ‏
‏يرفع الحديث فيما ‏ ‏أرى إلى ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من ترك الحيات مخافة ‏ ‏طلبهن ‏ ‏فليس منا ما سالمناهن منذ حاربناهن ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( طلبهن ) ‏
‏: أي انتقامهن قال المنذري : ولم يجزم موسى بن مسلم الراوي عن عكرمة بأن عكرمة رفعه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن منيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مروان بن معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏موسى الطحان ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن سابط ‏ ‏عن ‏ ‏العباس بن عبد المطلب ‏
‏أنه قال لرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنا نريد أن نكنس ‏ ‏زمزم ‏ ‏وإن فيها من هذه الجنان ‏ ‏يعني الحيات الصغار ‏ ‏فأمر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بقتلهن ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن نكنس زمزم ) ‏
‏: من باب نصر وضرب أي نصفي زمزم ونخرج منها الكناسة وهي بالضم ما يكنس وهي الزبالة والسباطة ‏
‏( وإن فيها ) ‏
‏: أي في بئر زمزم ‏
‏( من هذه الجنان ) ‏
‏: بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان كحيطان وحائط ومن هذه تبعيضية منصوبة على أنها اسم إن أي إن فيها بعض هذه الجنان ‏
‏( يعني ) ‏
‏أي يريد العباس رضي الله عنه بالجنان . قال المنذري : في سماع عبد الرحمن بن سابط من العباس بن عبد المطلب نظر والأظهر أنه مرسل .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سالم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏اقتلوا الحيات ‏ ‏وذا الطفيتين ‏ ‏والأبتر ‏ ‏فإنهما ‏ ‏يلتمسان ‏ ‏البصر ويسقطان ‏ ‏الحبل ‏ ‏قال وكان ‏ ‏عبد الله ‏ ‏يقتل كل حية وجدها فأبصره ‏ ‏أبو لبابة ‏ ‏أو ‏ ‏زيد بن الخطاب ‏ ‏وهو يطارد حية فقال إنه قد نهي عن ذوات البيوت ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن سالم ) ‏
‏: بن عبد الله بن عمر ‏
( اقتلوا الحيات ) ‏
‏: أي كلها عموما . قال القرطبي الأمر في ذلك للإرشاد , نعم ما كان منها محقق الضرر وجب دفعه ‏
‏( و ) ‏
‏: اقتلوا خصوصا
‏( ذا الطفيتين ) ‏
‏: بضم الطاء المهملة وسكون الفاء أي صاحبهما , وهي حية خبيثة على ظهرها خطان أسودان كالطفيتين , والطفية بالضم على ما في القاموس خوصة المقل ; والخوص بالضم ورق النخل الواحدة بهاء , والمقل بالضم صمغ شجرة قاله القاري . وقال في النهاية الطفية خوصة المقل في الأصل وجمعها طفى , شبه الخطين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل ‏
‏( والأبتر ) ‏
: بالنصب عطفا على ذا قيل هو الذي يشبه المقطوع الذنب لقصر ذنبه وهو من أخبث ما يكون من الحيات ‏
‏( فإنهما يلتمسان ) ‏
‏: أي يخطفان ويطمسان ‏
( البصر ) ‏
‏: أي بمجرد النظر إليهما لخاصية السمية في بصرهما , وقيل معناه أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش
‏( الحبل ) ‏
‏: بفتحتين أي الجنين عند النظر إليهما بالخاصية السمية أو من الخوف الناشئ منهما لبعض الأشخاص
‏( قال ) ‏
‏: سالم ‏
‏( وكان عبد الله ) ‏
‏: أي ابن عمر ‏
‏( فأبصره ) ‏
‏: الضمير المنصوب إلى عبد الله ‏
‏( أبو لبابة ) ‏
‏: بضم اللام الأنصاري المدني اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر صحابي مشهور وكان أحد النقباء وعاش إلى خلافة علي كذا في التقريب ‏
‏( زيد بن الخطاب ) ‏
‏: هو عم عبد الله ‏
‏( وهو ) ‏
‏: أي عبد الله
‏( يطارد ) ‏
‏: من باب المفاعلة للمغالبة أو المبالغة أي يطرد يعني يتبعها طلبا لقتلها ‏
‏( فقال ) ‏
‏: أبو لبابة ‏
‏( عن ذوات البيوت ) ‏
‏: أي صواحبها . ‏
‏وفي مرقاة الصعود : قيل إنه عام في جميع البيوت . وعن مالك تخصيصه ببيوت المدينة وهو المختار , وقيل تختص ببيوت المدن دون غيرها وعلى كل حال فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار , وروى الترمذي أنها الحية التي تكون دقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها انتهى . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي لبابة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نهى عن قتل ‏ ‏الجنان ‏ ‏التي تكون في البيوت إلا أن يكون ‏ ‏ذا الطفيتين ‏ ‏والأبتر ‏ ‏فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء ‏
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏أن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏وجد بعد ذلك ‏ ‏يعني بعد ما حدثه ‏ ‏أبو لبابة ‏ ‏حية في داره فأمر بها فأخرجت ‏ ‏يعني إلى ‏ ‏البقيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏وأحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏قالا أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏في هذا الحديث قال ‏ ‏نافع ‏ ‏ثم رأيتها بعد في بيته ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( الجنان التي تكون في البيوت ) ‏
‏: . قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم بنحوه . ‏
‏( فأمر ) ‏
‏: ابن عمر ‏
‏( بها ) ‏
‏: أي بالحية ‏
‏( فأخرجت ) ‏
‏: الحية . والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏( في هذا الحديث ) ‏
‏: السابق
‏( ثم رأيتها ) ‏
‏: أي الحية ‏
‏( بعد ) ‏
‏: أي بعد ما أخرجت إلى البقيع . ‏
‏قال المنذري : قال بعضهم يحتمل أن تكون عادت للأذية في المرة الثانية , ويحتمل أن تكون مؤمنة تحرمت به وتبركت بجواره انتهى .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن أبي يحيى ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏
‏أنه انطلق هو وصاحب له إلى ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏يعودانه فخرجنا من عنده فلقينا ‏ ‏صاحب لنا ‏ ‏وهو يريد أن يدخل عليه فأقبلنا نحن فجلسنا في المسجد فجاء ‏ ‏فأخبرنا أنه سمع ‏ ‏أبا سعيد الخدري ‏ ‏يقول ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن ‏ ‏الهوام ‏ ‏من الجن فمن رأى في بيته شيئا ‏ ‏فليحرج ‏ ‏عليه ثلاث مرات فإن عاد فليقتله فإنه شيطان ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( انطلق هو ) ‏
‏: أي والد محمد وهو أبو يحيى
‏( وصاحب له ) ‏
‏: أي لأبي يحيى ‏
‏( يعودونه ) ‏
: بصيغة الجمع تغليبا , وفي بعض النسخ يعودانه بصيغه التثنية والضمير المنصوب إلى أبي سعيد . ‏
‏قال أبو علي ‏
‏( فخرجنا من عنده ) ‏
‏: أي من عند أبي سعيد أنا ومن كان عنده بعدما دخلنا عليه غير صاحبي الذي كان يريد الدخول عليه أيضا فإنه دخل عليه بعدي كما يدل عليه السياق وهو قوله ‏
‏( فلقينا صاحبا لنا وهو يريد أن يدخل عليه ) ‏
‏: أي على أبي سعيد للعيادة بعد خروجي من عنده
‏( فأقبلنا ) ‏
‏: أي توجهنا إلى المسجد ‏
‏( فجاء )
‏: صاحبي ‏
‏( إن الهوام ) ‏
‏: جمع هامة مثل دابة ودواب , والهامة ما له سم يقتل كالحية وهو المراد ههنا , وقد تطلق على ما لا يقتل كالحشرات
‏( في بيته شيئا ) ‏
‏: أي أحدا تصور بصورة شيء من الحيات
‏( فليحرج ) ‏
‏: من التحريج بمعنى التضييق بأن يقول لهن أنتن في حرج وضيق إن عدتن إلينا فلا تلومننا أن نضيق عليكم بالتتبع والطرد والقتل كذا في النهاية وفتح الودود . ‏
‏قال المنذري : في إسناده رجل مجهول .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن موهب الرملي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏صيفي أبي سعيد ‏ ‏مولى ‏ ‏الأنصار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي السائب ‏ ‏قال
‏أتيت ‏ ‏أبا سعيد الخدري ‏ ‏فبينا أنا جالس عنده سمعت تحت سريره تحريك شيء فنظرت فإذا حية فقمت فقال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏ما لك قلت حية هاهنا قال فتريد ماذا قلت أقتلها فأشار إلى بيت في داره تلقاء بيته فقال إن ابن عم لي كان في هذا البيت فلما كان يوم الأحزاب استأذن إلى أهله وكان حديث عهد بعرس فأذن له رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأمره أن يذهب بسلاحه فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت فأشار إليها بالرمح فقالت لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني فدخل البيت فإذا حية منكرة فطعنها بالرمح ثم خرج بها في الرمح ‏ ‏ترتكض ‏ ‏قال فلا أدري أيهما كان أسرع موتا الرجل أو الحية فأتى قومه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالوا ادع الله أن يرد صاحبنا فقال استغفروا لصاحبكم ثم قال ‏ ‏إن نفرا من الجن أسلموا ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏فإذا رأيتم أحدا منهم ‏ ‏فحذروه ‏ ‏ثلاث مرات ثم إن بدا لكم بعد أن تقتلوه فاقتلوه بعد الثلاث ‏
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏بهذا الحديث ‏ ‏مختصرا قال ‏ ‏فليؤذنه ‏ ‏ثلاثا فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الهمداني ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏صيفي ‏ ‏مولى ‏ ‏ابن أفلح ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏أبو السائب ‏ ‏مولى ‏ ‏هشام بن زهرة ‏ ‏أنه دخل على ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏فذكر ‏ ‏نحوه وأتم منه قال ‏ ‏فآذنوه ‏ ‏ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان ‏

‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( أقتلها ) ‏
‏: أي الحية ‏
‏( فأشار )
‏: أبو سعيد ‏
‏( إلى بيت في داره ) ‏
‏: أي من جملة داره , وفي رواية لمسلم إلى بيت في الدار ‏
‏( تلقاء بيته ) ‏
‏: أي أبي سعيد
‏( فقال ) ‏
‏: أبو سعيد ‏
‏( يوم الأحزاب ) ‏
‏: أي يوم الخندق ‏
‏( استأذن ) ‏
‏: أي ابن عم لي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ‏
‏( وكان ) ‏
‏: ابن عم لي ‏
‏( حديث )
‏: أي جديد ‏
‏( عهد بعرس ) ‏
‏: بضم أوله أعرس الرجل بالمرأة بنى عليها ‏
‏( وأمره أن يذهب بسلاحه ) ‏. ‏
‏وفي رواية مسلم : " خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة " ‏
‏( فأتى ) ‏
‏: ابن عم ‏
‏( فأشار ) ‏
‏: ابن عم ‏
‏( إليها ) ‏
‏: أي إلى امرأته ‏
‏( بالرمح ) ‏
‏: ليطعنها به لما أصابه من غيرة وحمية
‏( فقالت ) ‏
‏: امرأته ‏
‏( فطعنها ) ‏
‏: أي الحية
‏( ثم خرج بها ) ‏
‏: أي بالحية ‏
‏( ترتكض ) ‏
‏: أي تتحرك وتضطرب الحية ‏
‏( قال ) ‏
‏: أبو سعيد ‏
‏( الرجل أو الحية ) ‏
‏: بيان لأيهما ‏
‏( أن يرد صاحبنا ) ‏
‏: أي يحييه
‏( فقال ) ‏
‏: رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
‏( استغفروا لصاحبكم ) ‏
‏: يريد أن الذي ينفعه هو استغفاركم لا الدعاء بالإحياء لأنه مضى سبيله ‏
‏( فحذروه ) ‏
‏: أي خوفوه , والمراد من التخويف التشديد بالحلف عليه كما في الرواية الآتية أن يقال لها أسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود عليهم السلام أن لا تؤذينا ‏
‏( ثم إن بدا ) ‏
‏: بالألف أي ظهر
‏( لكم بعد ) ‏
‏: أي بعد التحذير . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي . ‏
‏( بهذا الحديث ) ‏
‏: السابق
‏( فليؤذنه ) ‏
‏: من الإيذان بمعنى الإعلام , والمراد به الإنذار والاعتذار , والمعنى قولوا له نحو ما تقدم ‏
‏( بعد ) ‏
‏: أي بعد الإيذان ‏
‏( فإنه شيطان ) ‏
‏: أي فليس بجني مسلم بل هو إما جني كافر وإما حية وإما ولد من أولاد إبليس , وسماه شيطانا لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان .
‏( فذكر نحوه ) ‏
‏: أي نحو الحديث السابق . ‏
‏قال المنذري : وفي لفظ لمسلم " فإنه كافر " .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن هاشم ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏ابن أبي ليلى ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت البناني ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏سئل عن حيات البيوت فقال ‏ ‏إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم فقولوا أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن ‏ ‏نوح ‏ ‏أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن ‏ ‏سليمان ‏ ‏أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أنشدكن ) ‏
‏: من باب نصر أي أسألكن ‏
( العهد الذي أخذ عليكن نوح ) ‏
‏ولعل العهد كان عند إدخالها في السفينة
‏( أخذ عليكن سليمان ) ‏
‏: كأنه يذكرهن إياه ‏
‏( أن لا تؤذونا ) ‏
‏: أي لا تؤذونا كما في الترمذي . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه من حديث ثابت البناني إلا من هذا الوجه من حديث ابن أبي ليلى . هذا آخر كلامه . وابن أبي ليلى الذي رواه عن ثابت البناني هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي قاضيها ولا يحتج بحديثه , وأبو ليلى له صحبة واسمه يسار , وقيل داود , وقيل أوس , وقيل بلال أخوه , وقيل لا يحفظ اسمه , ولقبه أنيس .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏مغيرة ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏أنه قال ‏
‏اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏فقال لي إنسان الجان لا ينعرج في مشيته فإذا كان هذا صحيحا كانت علامة فيه إن شاء الله ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( إلا الجان الأبيض ) ‏
‏: ولعل النهي عن قتل هذا النوع من الحيات إنما كان لعدم ضرره ‏
‏( كأنه قضيب فضة ) ‏
‏: أي قطعة فضة . ‏
‏قال في المصباح : قضبت الشيء أي قطعته , ومنه قيل للغصن المقطوع قضيب فعيل بمعنى مفعول انتهى . ‏
‏( قال أبو داود ) ‏
‏: من ههنا إلى قوله إن شاء الله وجد في بعض النسخ ‏
‏( لا ينعرج ) ‏
‏: أي لا ينعطف , يقال انعرج الشيء انعطف . ‏
‏قال المنذري : هذا منقطع , إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود . قال أبو عمرو النمري روي عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن وساق هذا الحديث بإسناد أبي داود .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قتل ‏ ‏الأوزاغ ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن محمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏عامر بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏أمر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بقتل ‏ ‏الوزغ ‏ ‏وسماه فويسقا ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( بقتل الوزغ ) ‏
‏: بواو مفتوحة وزاي كذلك وبمعجمة واحدها وزغة وهي دويبة مؤذية وسام أبرص كبيرها قاله القاري . ‏
‏وفي النهاية : الوزغ جمع وزغة بالتحريك وهي التي يقال لها سام أبرص وجمعها أوزاغ ووزغان
‏( وسماه فويسقا ) ‏
‏: لأن الفسق الخروج وهن خرجن عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر وتصغيره للتعظيم أو للتحقير لأنه ملحق بالخمس أي الفواسق الخمسة التي تقتل في الحل والحرم . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم يشبه أن يكون المراد بهذا التصغير التحقير والذنب . ‏
‏قال ابن الأعرابي : لم يسمع بالفسوق في كلام الجاهلية . ‏
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية

قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏وفي صحيح البخاري عن أم شريك " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ , وقال : كان ينفخ على إبراهيم " . ‏
‏وفي الصحيحين عنها " استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الأوزاغ , فأمر بقتلها " . ‏

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح البزاز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن زكريا ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من قتل ‏ ‏وزغة ‏ ‏في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( من قتل وزغة ) ‏
‏: بفتحات . ‏
‏قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه : الضربة الأولى معلل إما لأنه حين قتل أحسن فيندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء , فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " أو يكون معللا بالمبادرة إلى الخير , فيندرج في قوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات } وعلى كلا التعليلين يكون الحية أولى بذلك والعقرب لعظم مفسدتهما انتهى . ‏
‏وقال في موضع آخر : الأجر في التكاليف على قدر النصب إذا اتحد النوع احترازا عن اختلافه كالتصدق بكل مال الإنسان , وشذ عن هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم في الوزغة " من قتلها في المرة الأولى فله مائة حسنة , ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة " فقد صار كلما كثرت المشقة قل الأجر , والسبب في ذلك أن الأجر إنما هو مترتب على تفاوت المصالح لا على تفاوت المشاق , لأن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من عباده المشقة والعناء وإنما طلب جلب المصالح ودفع المفاسد , وإنما قال أفضل العبادة أحمزها أي أشقها وأجرك على قدر نصبك , لأن الفعل إذا لم يكن شاقا كان حظ النفس فيه كثيرا فيقل الإخلاص , فإذا كثرت المشقة كان ذلك دليلا على أنه جعل خالصا لله عز وجل , فالثواب في الحقيقة مرتب على مراتب الإخلاص لا على مراتب المشقة . وقيل إن الوزغة كانت يوم رمي إبراهيم عليه السلام في النار تضرم النار عليه بنفخها والحيوانات كلها تتسبب في طفئها كذا في مرقاة الصعود ‏
( في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ) ‏
‏: وفي رواية مسلم " كتبت له مائة حسنة " وسبب تكثير الثواب في قتله أول ضربة الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به والحرص عليه . قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه.

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح البزاز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن زكريا ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أخي ‏ ‏أو ‏ ‏أختي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏في أول ضربة سبعين حسنة ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن سهيل ) ‏
‏: بن أبي صالح ‏
‏( حدثني أخي أو أختي ) ‏
‏: قال النووي في شرح مسلم : في أكثر النسخ أختي , وفي بعضها أخي بالتذكير , وفي بعضها أبي , وذكر القاضي الأوجه الثلاثة قالوا ورواية أبي خطأ وهي الواقعة في رواية أبي العلاء بن ماهان , ووقع في رواية أبي داود أخي أو أختي . ‏
‏قال القاضي : أخت سهيل سودة وأخواه هشام وعباد انتهى . ‏
‏وقال المزي في الأطراف في ترجمة إسماعيل بن زكريا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة , وفي رواية أبي الحسن بن العبد قال حدثني أبي أو أخي عن أبي هريرة ‏
‏( سبعين حسنة )
‏: قال النووي : وأما تقييد الحسنات في الضربة الأولى بمائة وفي رواية بسبعين فجوابه من أوجه إحداها أن هذا مفهوم للعدد ولا يعمل به عند الأصوليين وغيرهم , فذكر سبعين لا يمنع المائة فلا معارضة بينهما . ‏
‏الثاني لعله أخبرنا بسبعين ثم تصدق الله تعالى بالزيادة فأعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم حين أوحي إليه بعد ذلك . ‏
‏والثالث أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها فتكون المائة للكامل منهم والسبعين لغيره والله أعلم انتهى .
‏قال المنذري : وهذا منقطع وليس في أولاد أبي صالح من أدرك أبا هريرة وهم هشام ابن أبي صالح وعبد الله بن أبي صالح يعرف بعبادة وسودة بنت أبي صالح وفيهم من فيه مقال ولم يبين من حدثه منهم . ‏
‏وقال أبو مسعود الدمشقي في تعليقه : قال سهيل وحدثني أخي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره , وعلى هذا يتصل وتبقى جهالة الأخ وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في أول ضربة سبعين حسنة " انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قتل ‏ ‏الذر ‏

أي صغار النمل كذا في المصباح .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏المغيرة يعني ابن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر بها فأحرقت فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( فلدغته ) ‏
‏: بإهمال الدال وإعجام الغين أي لسعته ‏
‏( فأمر ) ‏
‏: أي نبي ‏
‏( بجهازه ) ‏
‏: بفتح الجيم وكسرها وهو المتاع فأخرج المتاع ‏
‏( من تحتها ) ‏
‏: أي الشجرة
‏( ثم أمر ) ‏
‏: نبي ‏
‏( بها ) ‏
‏: أي بالنملة وفي الرواية الآتية فأمر بقرية النملة ‏
‏( إليه ) ‏
‏: أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( فهلا نملة واحدة ) ‏
‏: أي فهلا عاقبت نملة واحدة هي التي قرصتك لأنها الجانية وأما غيرها فليس لها جناية وأما في شرعنا فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني وسواء في منع الإحراق بالنار النمل وغيره للحديث المشهور " لا يعذب بالنار إلا الله " قاله النووي . قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم والنسائي .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏وسعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( قرصت ) ‏
‏: أي لسعت ولدغت ‏
‏( نبيا من الأنبياء ) ‏
‏: هو موسى بن عمران عليه السلام كما سيجيء من كلام القرطبي , وقيل داود عليه السلام ‏
‏( فأمر بقرية النمل ) ‏
‏: أي مسكنها ومنزلها سمي قرية لاجتماعها فيه ‏
‏( نملة ) ‏
‏: أي واحدة ‏
( أهلكت أمة ) ‏
‏: أي أمرت بإهلاك طائفة عظيمة ‏
‏( من الأمم )
‏: حال كونها ‏
‏( تسبح ) ‏
‏: قال النووي : هذا الحديث محمول على أنه شرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه جواز قتل النمل وجواز الإحراق بالنار . ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق بل في الزيادة على نملة واحدة انتهى . ‏
‏وقال العلامة الدميري قال أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول : لم يعاتبه الله تعالى على تحريقها وإنما عاتبه على كونه أخذ البريء بغير البريء . وقال القرطبي : هذا النبي صلى الله عليه وسلم هو موسى بن عمران عليه السلام وأنه قال يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم وفيهم الطائع فكأنه جل وعلا أحب أن يريه ذلك من عنده فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها وعندها قرية النمل فغلبه النوم فلما وجد لذة النوم لدغته نملة فدلكهن بقدمه فأهلكهن وأحرق مسكنهن , فأراه الله تعالى الآية في ذلك عبرة لما لدغته نملة كيف أصيب الباقون بعقوبتها , يريد تعالى أن ينبهه على أن العقوبة من الله تعم الطائع والعاصي فتصير رحمة وطهارة وبركة على المطيع , وسوءا ونقمة وعذابا على العاصي وعلى هذا ليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل , فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن , وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل على ماله من المقدار , فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت للمؤمن وسلط عليها وسلطت عليه , فإذا آذته أبيح له قتلها . ‏
‏وقوله فهلا نملة واحدة دليل على أن الذي يؤذي يقتل , وكل قتل كان لنفع أو دفع ضر فلا بأس به عند العلماء , ولم يخص تلك النملة التي لدغته من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراده لقال فهلا نملتك التي لدغتك ولكن قال فهلا نملة , فكأن نملة تعم البريء والجاني , وذلك ليعلم أنه أراد تنبيهه لمسألة ربه تعالى في عذاب أهل قرية فيهم المطيع والعاصي . ‏
‏وقد قيل إن في شرع هذا النبي عليه السلام كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة فلذلك إنما عاتبه الله تعالى في إحراق الكثير لا في أصل الإحراق , ألا ترى قوله فهلا نملة واحدة وهو بخلاف شرعنا , فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان بالنار وقال " لا يعذب بالنار إلا الله تعالى " فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجاني انتهى كلام العلامة الدميري . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن حنبل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏إن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد ‏ ‏والصرد ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( النملة والنحلة والهدهد والصرد ) ‏
‏: بالجر على البدلية , ويجوز الرفع بتقدير أحدها وثانيها , ويجوز النصب بتقدير أعني .
‏قال الدميري : والمراد النمل الكبير السليماني كما قاله الخطابي والبغوي في شرح السنة , وأما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز , وكره مالك قتل النمل إلا أنه يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل . وأطلق ابن أبي زيد جواز قتل النمل إذا آذت انتهى . ‏
‏والصرد على وزن عمر , قال ابن الأثير في النهاية هو طائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود . ‏
‏قال الخطابي : إنما جاء في قتل النمل عن نوع منه خاص وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى والضرر , وأما النحلة فلما فيها من المنفعة وهو العسل والشمع , وأما الهدهد والصرد فلتحريم لحمها , لأن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو لضرر فيه كان لتحريم لحمه ألا ترى أنه نهى عن قتل الحيوان بغير مأكلة , ويقال إن الهدهد منتن الريح فصار في معنى الجلالة , والصرد تتشاءم به العرب وتتطير بصوته وشخصه , وقيل إنما كرهوه من اسمه من التصريد وهو التقليل انتهى كلام ابن الأثير . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه ابن ماجه انتهى . ‏
‏وقال النووي في شرح مسلم : رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعا بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم انتهى . وكذا صححه الإمام الحافظ عبد الحق الأشبيلي والعلامة كمال الدين الدميري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو صالح محبوب بن موسى ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو إسحق الفزاري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحق الشيباني ‏ ‏عن ‏ ‏ابن سعد ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏وهو ‏ ‏الحسن بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏
‏كنا مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في سفر فانطلق لحاجته فرأينا ‏ ‏حمرة ‏ ‏معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت ‏ ‏الحمرة ‏ ‏فجعلت ‏ ‏تفرش ‏ ‏فجاء النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن قال إنه ‏ ‏لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( فانطلق ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم
‏( حمرة ) ‏
‏: في النهاية : هي بضم الحاء وتشديد الميم وقد تخفف طائر صغير كالعصفور انتهى . وقال الدميري : بضم الحاء المهملة وتشديد الميم وبالراء المهملة ضرب من الطير كالعصفور والواحدة حمرة وهي حلال بالإجماع لأنها من أنواع العصافير . ‏
‏وأخرج أبو داود الطيالسي والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل رجل غيضة . فأخرج منها بيض حمرة فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أيكم فجع هذه ؟ فقال رجل أنا يا رسول الله أخذت بيضها " . ‏
‏وفي رواية الحاكم : " أخذت فرخها فقال صلى الله عليه وسلم رده رده رحمة لها " . ‏
‏وفي الترمذي وابن ماجه عن عامر الرام " أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا غيضة فأخذوا فرخ طائر فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرف , فقال صلى الله عليه وسلم أيكم أخذ فرخ هذا ؟ فقال رجل أنا فأمره أن يرده فرده " . ‏
‏وقد تقدم في سنن أبي داود في أول كتاب الجنائز عن عامر الرام
‏( معها ) ‏
‏: أي مع الحمرة ‏
‏( فرخان ) ‏
‏: الفرخ ولد طائر ‏
‏( تعرش ) ‏
‏: بالعين المهملة من التعريش في النهاية التعريش أن ترتفع وتظلل بجناحيها على من تحتها انتهى . ‏
‏وفي مجمع البحار : من عرش الطائر إذا رفرف بأن يرخي جناحيه ويدنو من الأرض ليسقط ولا يسقط وروي تفرش أي تبسط ‏
‏( من فجع ) ‏
‏: من التفجيع أي من أصاب المصيبة ‏
( هذه ) ‏
‏: أي الحمرة ‏
‏( بولدها ) ‏
‏: أي بأخذ ولدها .
‏قال في المصباح : الفجيعة الرزية والرزية المصيبة رزأته أنا إذا أصبته بمصيبة
‏( إليها ) ‏
‏: أي إلى الحمرة ‏
‏( ورأى ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( قرية نمل ) ‏
‏: أي مسكنها ‏
( فقال ) ‏
‏: النبي صلى الله عليه وسلم ‏
‏( من حرق هذه ) ‏
: أي قرية نمل . والحديث سكت عنه المنذري . ‏
‏وقال عبد الرحمن بن عبد الله هو ابن مسعود انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في قتل الضفدع ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن كثير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن خالد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عثمان ‏
‏أن طبيبا سأل النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن ضفدع يجعلها في دواء ‏ ‏فنهاه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن قتلها ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( عن ضفدع ) ‏
‏: بكسر الضاد وسكون الفاء والعين المهملة بينهما دال مهملة قال الجوهري : الضفدع مثل الخنصر واحد الضفادع والأنثى ضفدعة , وناس يقولون ضفدع بفتح الدال . ‏
‏قال الخليل : ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجرع وهو الطويل وهبلع وهو الأكول وبلعم وهو اسم . ‏
‏قال ابن صلاح : الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال وفتحها أشهر في السنة العامة كذا في حياة الحيوان للدميري . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي انتهى وأخرجه أيضا أبو داود الطيالسي والحاكم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي نحوه سواء . ‏
‏وروى البيهقي في سننه عن سهل بن سعد الساعدي " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل خمسة النملة والنحلة والضفدع والصرد والهدهد " انتهى . فنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتلها يدل على أن الضفدع يحرم أكلها وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في ‏ ‏الخذف ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏عقبة بن صهبان ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن مغفل ‏ ‏قال ‏
‏نهى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن ‏ ‏الخذف ‏ ‏قال إنه لا يصيد صيدا ولا ‏ ‏ينكأ ‏ ‏عدوا وإنما ‏ ‏يفقأ ‏ ‏العين ويكسر السن ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود

‏( مغفل ) ‏
‏: بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء وفتحها ولام قاله المنذري ‏
‏( عن الخذف ) ‏
‏: بالخاء والذال المعجمتين , وهو رمي الإنسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين إصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة قاله النووي ‏
‏( ولا ينكأ ) ‏
‏: أي لا يجرح ولا يقتل . ‏
‏قال النووي : هو بفتح الياء وبالهمزة في آخره هكذا هو في الروايات المشهورة . ‏
‏قال القاضي : كذا رويناه قال وفي بعض الروايات ينكي بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز . ‏
‏قال القاضي : وهو أوجه ههنا لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة , وليس هذا موضعه إلا على تجوز وإنما هذا من النكاية , يقال نكيت العدو وأنكيته نكاية ونكأت بالهمزة لغة فيه انتهى . ‏
‏وفي النهاية : يقال نكيت في العدو وأنكي نكاية فأنا ناك إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك , وقد يهمز لغة فيه يقال نكأت القرحة أنكؤها إذا قشرتها انتهى . ‏
‏وفي هذا الحديث دلالة على النهي عن الخذف لأنه لا مصلحة فيه ويخاف مفسدته ويلتحق به كل ما شاركه في هذا . ‏
‏قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه .

 

‏ ‏باب ‏ ‏ما جاء في ‏ ‏الختان ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ‏ ‏وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏مروان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن حسان ‏ ‏قال ‏ ‏عبد الوهاب الكوفي ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن عمير ‏ ‏عن ‏ ‏أم عطية الأنصارية ‏
‏أن امرأة كانت ‏ ‏تختن ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏فقال لها النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لا تنهكي ‏ ‏فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى ‏ ‏البعل ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏روي عن ‏ ‏عبيد الله بن عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك ‏ ‏بمعناه وإسناده ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ليس هو بالقوي وقد روي مرسلا ‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏ومحمد بن حسان ‏ ‏مجهول ‏ ‏وهذا ‏ ‏الحديث ضعيف ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا مروان ) ‏
‏: هو ابن معاوية ‏
( أخبرنا محمد بن حسان ) ‏
‏: الكوفي ‏
‏( قال عبد الوهاب ) ‏
: الأشجعي في روايته ‏
‏( الكوفي ) ‏
‏: أي محمد بن حسان الكوفي , وأما سليمان فقال محمد بن حسان ولم يذكر الكوفي . وفي بعض النسخ هذا الإسناد هكذا أنبأنا محمد بن حسان أخبرنا عبد الوهاب الكوفي وهو غلط لا يصح . ‏
‏قال الحافظ المزي في الأطراف : هذا الحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي كلاهما عن مروان بن معاوية عن محمد بن حسان الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن نسيبة أم عطية الأنصارية انتهى . ‏
( كانت تختن ) ‏
‏: ختن الخاتن الصبي ختنا , من باب ضرب , والاسم الختان بالكسر . كذا في المصباح . وفي المجمع : الختان موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية , وأما في الغلام فقطع جميع الجلد التي تغطي الحشفة , وفي الجارية قطع أدنى جزء من جلدة أعلى الفرج . انتهى . وفي فتح الباري : الختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا . رضي الله عنه انتهى . ‏
‏( لا تنهكي ) ‏
‏: يقال : نهكت الشيء نهكا بالغت فيه , من باب نفع وتعب , وأنهكه بالألف لغة . كذا في المصباح . وفي النهاية : معنى لا تنهكي أي لا تبالغي في استقصاء الختان . وفي النهاية في مادة شمم . وفي حديث أم عطية : " أشمي ولا تنهكي " شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة والنهك المبالغة فيه , أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها . انتهى . ‏
‏وفي المجمع : الإشمام أخذ اليسير في ختان المرأة , والنهك المبالغة في القطع . انتهى .
‏قال النووي : ويسمى ختان الرجل إعذارا بذال معجمة , وختان المرأة خفضا بخاء وضاد معجمتين . انتهى . وفي فتح الباري قال الماوردي : ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة , والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة . ‏وقال إمام الحرمين : المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل . وقال ابن الصباغ : حتى تنكشف جميع الحشفة ويتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها . قال النووي : وهو شاذ والأول هو المعتمد . ‏
‏قال الإمام : والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم . ‏
‏قال الماوردي : ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك , والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله . ‏
‏ثم ذكر الحافظ حديث أم عطية الذي في الباب , ثم قال قال أبو داود إنه ليس بالقوي . ‏
‏قلت : وله شاهدان من حديث أنس ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة , وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي . ‏
‏واختلف في النساء هل يخفضن عموما أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن بخلاف نساء المشرق قال : فمن قال إن من ولد مختونا استحب إمرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر . قال في حق المرأة كذلك ومن لا فلا . ‏
‏وقد ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه , وقال به من القدماء عطاء , وعن أحمد وبعض المالكية يجب , وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه , وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء , وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد , وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب . ‏
‏ومن حجتهم حديث شداد بن أوس رفعه : " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد فيه حجاج بن أرطاة ولا يحتج به . وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس . وسعيد بن بشر مختلف فيه . وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي من وجه آخر عن ابن عباس . وأخرجه البيهقي أيضا من حديث أبي أيوب . انتهى كلام الحافظ من الفتح مختصرا ملخصا .
‏وقال الحافظ في تلخيص الحبير : حديث الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء أخرجه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه به , والحجاج مدلس , وقد اضطرب فيه , فتارة رواه كذا , وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح , أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل , والطبراني في الكبير , وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب , أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل , وحكي عن أبيه أنه خطأ من حجاج أو من الراوي عنه عبد الواحد بن زياد . وقال البيهقي : هو ضعيف منقطع . وقال ابن عبد البر في التمهيد : هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطاة وليس ممن يحتج به . ‏
‏قلت : وله طريق أخرى من غير رواية حجاج , فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا , وضعفه البيهقي في السنن , وقال في المعرفة : لا يصح رفعه , وهو من رواية الوليد عن ابن ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عنه ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا . ‏
‏وقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية وكانت خافضة : " أشمي ولا تنهكي " أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أسيد عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس : " كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج " ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي من هذا الوجه عن عبيد الله بن عمرو قال حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير به . ‏
‏وقال المفضل العلائي : سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال : الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري . قلت : أورده الحاكم وأبو نعيم في ترجمة الفهري . وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير , فقيل عنه كذا . وقيل عنه عن عطية القرظي قال : كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية فذكره رواه أبو نعيم في المعرفة . وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال إنه مجهول ضعيف . انتهى كلامه . ‏
‏وقال المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير : حديث " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " أخرجه أحمد في مسنده من حديث الحجاج بن أرطاة عن والد أبي المليح . ‏
‏قال الذهبي : وحجاج ضعيف لا يحتج به . وأخرجه الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس , وعن ابن عباس رضي الله عنه قال السيوطي إسناده حسن . وقال البيهقي ضعيف منقطع وأقره الذهبي . وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف . وقال ابن حجر فيه : الحجاج بن أرطأة مدلس وقد اضطرب فيه وقال أبو حاتم : هذا خطأ من حجاج أو الراوي عنه . انتهى كلامه .
‏وقال المناوي في التيسير : والحديث إسناده ضعيف خلافا لقول السيوطي حسن , وقد أخذ بظاهره أبو حنيفة ومالك فقالا : سنة مطلقا , وقال أحمد : واجب للذكر سنة للأنثى , وأوجبه الشافعي عليهما . انتهى . ‏
‏وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن الحاج المالكي في المدخل : والسنة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه , واختلف في حقهن هل يخفضن مطلقا أو يفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب , فأهل المشرق يؤمرن به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرن به لعدمها عندهن . انتهى .
‏وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أم المهاجر قالت : سبيت في جواري من الروم فعرض علينا عثمان الإسلام فلم يسلم منا غيري وغير أخرى , فقال عثمان : اذهبوا فاخفضوهما وطهروهما , وفي إسناده مجهول . ‏
‏( فإن ذلك ) ‏
‏: أي عدم المبالغة في القطع وإبقاء بعض النواة والغدة على فرجها ‏
‏( أحظى للمرأة )
‏: أي أنفع لها وألذ ‏
‏( وأحب إلى البعل ) ‏
‏: أي إلى الزوج وذلك لأن الجلد الذي بين جانبي الفرج والغدة التي هناك وهي النواة إذا دلكا دلكا ملائما بالإصبع أو بالحك من الذكر تلتذ كمال اللذة حتى لا تملك نفسها وتنزل بلا جماع , فإن هذا الموضع كثير الأعصاب فيكون حسه أقوى ولذة الحكة هناك أشد , ولهذا أمرت المرأة في ختانها لإبقاء بعض النواة والغدة لتلتذ بها بالحك ويحبها زوجها بالملاعبة معها ليتحرك مني المرأة ويذوب , لأن منيها بارد بطيء الحركة , فإذا ذاب وتحرك قبل الجماع بسبب الملاعبة يسرع إنزالها فيوافق إنزالها إنزال الرجل , فإن مني الرجل لحرارته أسرع إنزالا , وهذا كله سبب لازدياد المحبة والألفة بين الزوج والزوجة , وهذا الذي ذكرته هو مصرح في كتب الطب . والله أعلم . ‏
‏( قال أبو داود روي ) ‏
‏: بصيغة المجهول , أي هذا الحديث ‏
‏( عن عبيد الله بن عمرو ) ‏
‏: ابن أبي الوليد الأسدي الرقي ثقة ‏
‏( عن عبد الملك )
‏: بن عمير الكوفي ثقة ‏
‏( بمعناه وإسناده ) ‏
‏: أي بمعنى حديث محمد بن حسان وإسناده , فعبيد الله بن عمرو الرقي وعبد الملك كلاهما من الثقات , لكن اختلف عليهما في هذا الحديث اختلافا شديدا , فقيل عن عبيد الله عن زيد ابن أبي أسيد , وقيل عنه عن رجل من أهل الكوفة , ثم اختلف على عبد الملك بن عمير فقيل عنه عن أم عطية , وقيل عنه عن الضحاك بن قيس , وقيل عنه عن عطية القرظي كما تقدم بيانه آنفا , وهذا الاضطراب موجب لضعف الحديث . ‏
‏( قال أبو داود : وليس هو ) ‏
‏: أي الحديث ‏
‏( بالقوي ) ‏
‏: لأجل الاضطراب ولضعف الراوي وهو محمد بن حسان الكوفي ‏
‏( وقد روي ) ‏
‏: هذا الحديث
‏( مرسلا ) ‏
‏: كما رواه الحاكم في المستدرك والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس : كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف آنفا من كلام الحافظ . ومن قوله قد روي مرسلا إلى آخره قد وجد في أكثر النسخ وذكره أيضا المزي في الأطراف
‏( محمد بن حسان مجهول ) ‏
‏: وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي وخالفهم الحافظ عبد الغني بن سعيد فقال هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين , وأورد هذا الحديث من طريقه في ترجمته من إيضاح الشك كتاب له .
‏وله طريقان آخران رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر , ورواه البزار من حديث نافع كلاهما عن عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ " يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن " لفظ البزار , وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف . ‏
‏وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل . ‏
‏ورواه الطبراني في الصغير وابن عدي أيضا عن أبي خليفة عن محمد بن سلام الجمحي عن زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت عن أنس نحو حديث أبي داود . قال ابن عدي : تفرد به زائدة عن ثابت , وقال الطبراني تفرد به محمد بن سلام , وقال ثعلب رأيت يحيى بن معين في جماعة بين يدي محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث , وقد قال البخاري في زائدة إنه منكر الحديث كذا في التلخيص ‏
‏( وهذا الحديث ضعيف ) ‏
: والأمر كما قال أبو داود , وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت . ‏
‏وقال ابن المنذر : ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة يتبع . ‏
‏وقال ابن عبد البر في التمهيد : والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال انتهى والله أعلم . والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في مشي النساء مع الرجال في الطريق ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني ابن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي اليمان ‏ ‏عن ‏ ‏شداد بن أبي عمرو بن حماس ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏حمزة بن أبي أسيد الأنصاري ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏
‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏للنساء ‏ ‏استأخرن فإنه ليس لكن أن ‏ ‏تحققن ‏ ‏الطريق عليكن بحافات الطريق فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( وهو خارج ) ‏
‏: أي النبي صلى الله عليه وسلم
‏( أن تحققن ) ‏
‏: بسكون الحاء المهملة وضم القاف الأولى . قال في النهاية : هو أن يركبن حقها وهو وسطها يقال سقط على حاق القفا وحقه انتهى . وقال الطيبي : أي ابعدن عن الطريق , وفاء فاختلط مسبب عن محذوف أي يقول كيت وكيت فاختلطوا فقال للنساء انتهى . ‏
‏والمعنى أن ليس لهن أن يذهبن في وسط الطريق
‏( بحافات ) ‏
‏: جمع حافة وهي الناحية ‏
‏( ثوبها )
‏: أي المرأة ‏
‏( من لصوقها ) ‏
‏: أي المرأة ‏
‏( به )
‏: بالجدار والحديث سكت عنه المنذري .

 

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى بن فارس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو قتيبة سلم بن قتيبة ‏ ‏عن ‏ ‏داود بن أبي صالح المدني ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نهى أن يمشي ‏ ‏يعني الرجل بين المرأتين ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أن يمشي يعني ) ‏
‏: هذا تفسير من أحد الرواة
‏( الرجل بين المرأتين ) ‏
‏: فإنه ينافي الحياء والمروءة والوقار : قال الإمام المنذري رحمه الله : داود بن أبي صالح هذا هو المدني . قال أبو حاتم الرازي : هو مجهول حدث بحديث منكر قال أبو زرعة لا أعرفه إلا في حديث واحد يرويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث منكر . وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير من رواية داود هذا وقال لا يتابع عليه . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات حتى كان يتعمد لها وذكر هذا الحديث انتهى .

 

‏ ‏باب ‏ ‏في الرجل يسب الدهر ‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن الصباح بن سفيان ‏ ‏وابن السرح ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله عز وجل ‏ ‏يؤذيني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ‏ ‏قال ‏ ‏ابن السرح ‏ ‏عن ‏ ‏ابن المسيب ‏ ‏مكان ‏ ‏سعيد ‏ ‏والله أعلم ‏

‏‏‏‏‏ عون المعبود شرح سنن أبي داود
‏( أخبرنا سفيان ) ‏
‏: هو ابن عيينة ذكره المزي
‏( عن سعيد ) ‏
‏: ابن المسيب ‏
‏( عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏: فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى ‏
‏( يؤذيني )
‏: من الإيذاء معناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم قاله النووي
‏( يسب الدهر ) ‏
‏: قال العلامة العيني في عمدة القاري قال الخطابي : كانت الجاهلية تضيف المصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو من الليل والنهار وهم في ذلك فرقتان فرقة لا تؤمن بالله تعالى ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار اللذان هما محل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار فتنسب المكاره إليه على أنها من فعله ولا ترى أن لها مدبرا غيره , وهذه الفرقة هي الدهرية الذين حكى الله عنهم في قوله { وما يهلكنا إلا الدهر } الآية , وفرقة تعرف الخالق وتنزهه من أن تنسب إليه المكاره فتضيفها إلى الدهر والزمان , وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه فيقول القائل منهم يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر , فقال صلى الله عليه وسلم لهم مبطلا ذلك " لا يسبن أحد منكم الدهر فإن الله هو الدهر " يريد - والله أعلم - لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنيع بكم فالله تعالى هو الفاعل له , فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السب إلى الله تعالى وانصرف إليه انتهى . ‏
‏( وأنا الدهر ) ‏
‏: قال العيني قال الخطابي : معناه أنا ملك الدهر ومصرفه فحذف اختصارا للفظ واتساعا في المعنى . ‏
‏وقال غيره : معنى قوله " وأنا الدهر " أي المدبر أو صاحب الدهر أو مقلبه أو مصرفه , ولهذا عقبه بقوله بيدي الأمر . ‏
‏ويروى بنصب الدهر على معنى أنا باق أو ثابت في الدهر . ‏
‏وروى أحمد عن أبي هريرة بلفظ " لا تسبوا الدهر " فإن الله قال " أنا الدهر الأيام والليالي أوجدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك " انتهى . وليس المراد أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى . ‏
‏وقال النووي : قوله " وأنا الدهر " فإنه برفع الراء هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماعة من المتقدمين والمتأخرين . وقال أبو بكر ومحمد بن داود الظاهري : إنما هو الدهر بالنصب على الظرف أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره . ‏
‏وحكى ابن عبد البر هذه الرواية عن بعض أهل العلم . وقال النحاس : يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبدا لا يزول . ‏
‏وقال بعضهم : هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب . وأما رواية الرفع وهي الصواب فموافقة لقوله فإن الله هو الدهر . ‏
‏قال العلماء : وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك , فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى . ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات انتهى كلامه . وفي صحيح مسلم روي هذا الحديث من طرق متنوعة وألفاظ كثيرة , فمنها قوله صلى الله عليه وسلم " قال الله عز وجل : يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار " . ‏
‏وفي رواية " قال الله : يؤذيني ابن آدم , يسب الدهر وأنا الدهر , أقلب الليل والنهار " رجلان ‏
‏وفي رواية " قال الله تبارك وتعالى : يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره , فإذا شئت قبضتهما " . ‏
‏وفي رواية " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " انتهى . ‏
قال الإمام الحافظ عبد العظيم المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي . انتهى . ‏
‏وقال الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف : والحديث أخرجه البخاري في التفسير والتوحيد والأدب , ومسلم في الأدب , وأبو داود في الأدب , والنسائي في التفسير . انتهى والله أعلم . ‏

********************************************DISCLAIMER********************************************
This email and any files transmitted with it are confidential and contain privileged or copyright
information. If you are not the intended recipient you must not copy, distribute or use this email
or the information contained in it for any purpose other than to notify us of the receipt thereof.
If you have received this message in error, please notify the sender immediately, and delete this
email from your system.

Please note that e-mails are susceptible to change.The sender shall not be liable for the improper
or incomplete transmission of the information contained in this communication,nor for any delay in
its receipt or damage to your system.The sender does not guarantee that this material is free from
viruses or any other defects although due care has been taken to minimise the risk.
**************************************************************************************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق