الجمعة، 12 يونيو 2009

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار

الأزرقي

من أقدم المصادر المعتبرة عن مكة وأشهرها. وهو كتاب خطط وجغرافية أكثر منه كتاب تاريخ. تتبع فيه الأزرقي معاهد مكة المكرمة وما فيها من آثار وأماكن، وألمََّ بمجمل تاريخها وجغرافيتها. يرجح أنه فرغ من تأليفه سنة (244هـ). ولمكانته المرموقة وعلو شهرته قام عبد الملك بن أحمد الأرمانتي (ت722) بنظمه في أرجوزة، ذكرها ابن حجر في (الدرر الكامنة) والأدفوي في (الطالع السعيد). وكان الكتاب في أصله صغيراً فأضاف إليه رواة الأزرقي أخباراً كثيرة، حتى أصبح بحجمه الحالي، وفي هذه الأخبار ما يصل إلى عام (310هـ) مع أن في الكتاب مشاهدات للمؤلف تعود إلى سنة (126هـ) مما اضطر الباحثين إلى القول أن المؤلف الحقيقي للكتاب هو جده أبو الوليد الذي كان من أصحاب الإمام الشافعي، ثم قام هو بترتيب أوراق جده وزاد عليها، فنسب الكتاب إليه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيد الامة محمد نبي الرحمة وآله وصحبه

ذكر ما كانت الكعبة الشريفة عليه فوق الماء

قبل أن يخلق الله السموات والأرض وما جاء في ذلك

أخبرني والدي الفقيه الامام المحدث صدر الدين بقية المشايخ أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانشي رحمة الله عليه قال حدثنا القاضي الامام أبو المظفر محمد بن علي بن الحسين الشيباني الطبري عن جده الشيخ الامام الحسين عن الشيخ أبي الحسن علي بن خلف الشامي عن أبي القاسم خلف بن هبة الله الشامي عن أبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس عن أبي الحسن محمد بن نافع الخزاعي عن أبي محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي عن أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد ابن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني الأزرقي قال حدثنا جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال قال كعب الأحبار: كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله عز وجل السموات والأرض بأربعين سنة ومنها دحيت الأرض، قال حدثنا أبو الوليد قال حدثني مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا أبو أيوب البصري عن هشام عن حميد قال سمعت مجاهداً يقول خلق الله عز وجل هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرضين؛ قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا جدي عن سعيد بن سلام عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس انه قال لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بعث الله تعالى ريحاً هفافة فصفقت الماء فأبرزت عن خشفة في موضع هذا البيت كانها قبة فدحا الله الأرضين من تحتها فمادت ثم مادت فأوتدها الله تعالى بالجبال فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس فلذلك سميت مكة أم القرى، قال وحدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر بن إبراهيم الجبيري عن عثمان بن عبد الرحمن عن هشام عن مجاهد قال: لقد خلق الله عز وجل موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألفي سنة وان قواعده لفي الأرض السابعة السفلى.

ذكر بناء الملائكة الكعبة قبل خلق آدم ومبتدأ الطواف كيف كان


حدثنا أبو الوليد قال حدثني علي بن هارون بن مسلم العجلي عن أبيه قال حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري قال حدثني محمد بن علي بن الحسين قال كنت مع أبي علي بن الحسين بمكة فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه إذ جاءه رجل شرجع من الرجال يقول طويل فوضع يده على ظهر أبي فالتفت أبي إليه فقال الرجل: السلام عليك يا ابن بنت رسول الله اني أريد أن أسألك فسكت أبي وأنا والرجل خلفه حتى فرغ من أسبوعه فدخل الحجر فقام تحت الميزاب فقمت أنا والرجل خلفه فصلى ركعتي أسبوعه ثم استوى قاعداً فالتفت إلي فقمت فجلست إلى جنبه فقال يا محمد فأين هذا السائل ? فأومأت إلى الرجل فجاء فجلس بين يدي أبي فقال له أبي عما تسأل ? قال أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت لم كان وأنى كان وحيث كان وكيف كان ? فقال له أبي نعم من أين أنت ? قال من أهل الشام قال أين مسكنك ? قال: في بيت المقدس قال: فهل قرأت الكتابين ? يعني التوراة والانجيل قال الرجل نعم قال أبي يا أخا أهل الشام احفظ ولا تروين عني إلا حقا أما بدؤ هذا الطواف بهذا البيت فان الله تبارك وتعالى قال للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة فقالت الملائكة أي رب أخليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون، ويتباغضون ويتباغون ? أي رب اجعل ذلك الخليفة منا فنحن لا نفسد فيها، ولا نسفك الدماء، ولا نتباغض، ولا نتحاسد، ولا نتباغى، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك، ونطيعك، ولا نعصيك فقال الله تعالى اني أعلم ما لا تعلمون قال فظنت الملائكة إن ما قالوا رداً على ربهم عز وجل وانه قد غضب من قولهم فلاذوا بالعرش، ورفعوا رؤوسهم، وأشاروا بالأصابع يتضرعون، ويبكون اشفاقاً لغضبه وطافوا بالعرش ثلاث ساعات فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم فوضع الله تعالى تحت العرش بيتاً على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمي ذلك البيت الضراح ثم قال الله تعالى للملائكة طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش قال فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش وصار أهون عليهم من العرش وهو البيت المعمور الذي ذكره الله عز وجل يدخله في كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً ثم ان الله سبحانه وتعالى بعث ملائكة فقال لهم أبنوا لي بيتاً في الأرض بمثاله وقدره فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه ان يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، فقال الرجل صدقت يا بن بنت رسول الله )ص( هكذا كان.

ذكر زيارة الملائكة البيت الحرام

شرفها الله

حدثنا أبو الوليد قال حدثني مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا عمر بن بكار عن وهب بن منبه عن ابن عباس ان جبريل عليه السلام وقف على رسول الله )ص( وعليه عصابة حمراء قد علاها الغبار فقال له رسول الله )ص(: ما هذا الغبار أرى على عصابتك أيها الروح الامين ? قال: أبي زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها، وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال أخبرني عثمان بن يسار قال: بلغني والله أعلم ان الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكاً من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف بالبيت فهبط الملك مهلا؛ وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه نحو هذا إلا انه قال: ويصلي في البيت ركعتين، وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني عباد بن كثير عن ليث بن معاذ قال: قال رسول الله )ص(: هذا البيت خامس خمسة عشر بيتاً سبعة منها في السماء إلى العرش وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى وأعلاها الذي يلي العرش، البيت المعمور لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت. حدثني أبو الوليد قال وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان عن وهب بن منبه أن ابن عباس أخبره ان جبريل وقف على رسول الله )ص( وعليه عصابة خضراء قد علاها الغبار فقال رسول الله )ص(: ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك أيها الروح الأمين ? قال: اني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها.

ذكر هبوط آدم إلى الأرض وبنائه الكعبة، وحجه، وطوافه بالبيت

حدثنا أبو الوليد حدثنا جدي قال حدثنا سعيد بن سالم عن طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وهو مثل الفلك من رعدته قال: فطأطأ الله عز وجل منه إلى ستين ذراعا، فقال: يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا أحسهم ? قال: خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتاً فطف به واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي قال: فأقبل آدم عليه السلام يتخطا فطويت له الأرض وقبضت له المفاوز فصارت كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان من مخاض ماء أو بحر فجعل له خطوة ولم تقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام وان جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض فابرز عن أس ثابت على الأرض السفلى فقذفت فيه الملائكة من الصخر ما لا يطيق حمل الصخرة منها ثلاثون رجلاً وانه بناه من خمسة اجبل من لبنان، وطور زيتا، وطور سينا والجودي، وحراء حتى استوى على وجه الأرض، قال ابن عباس: فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم عليه السلام حتى بعث الله الطوفان قال: وكان غضباً ورجساً قال: فحيث ما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام قال: ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند قال: فدرس موضع البيت في الطوفان حتى بعث الله تعالى إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده واعلامه وبنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور لو سقط، ما سقط إلا عليه. حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني عن عبد الصمد ابن معقل عن وهب بن منبه ان الله تعالى لما تاب على آدم عليه السلام أمر أن يسير إلى مكة فطوى له الأرض وقبض له المفاوز فصار كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض ماء أو بحر فجعله له خطوة فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة حتى انتهى إلى مكة، وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة حتى ان كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي لبكائه فعزاه الله تعالى بخيمة من خيام الجنة ووضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها الركن وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسياً لآدم عليه السلام يجلس عليه، فلما صار آدم عليه بمكة وحرس له تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها ويذودون عنها ساكن الأرض، وساكنها يومئذ الجن والشياطين فلا ينبغي لهم ان ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تنجس، ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الله الليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على اعلام الحرم صفاً واحداً مستديرين بالحرم الشريف كله، الحل من خلفهم والحرم كله من أمامهم فلا يجوزهم جن ولا شيطان ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت اعلامه حيث كان مقام الملائكة وحرم الله عز وجل على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم عليه السلام من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت، وإن آدم عليه السلام كان إذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فلم تزل خيمة آدم عليه السلام مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها الله تعالى وبنى بنو آدم بها من بعده مكانها بيتاً بالطين والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن نوح عليه السلام فنسفه الغرق وخفى مكانه فلما بعث الله تعالى إبراهيم خليله عليه السلام طلب الاساس فلما وصل إليه ظلل الله تعالى له مكان البيت بغمامة فكانت حفاف البيت الأول ثم لم تزل راكدة على حفافة تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع الله القواعد قامة ثم انكشفت الغمامة فذلك قول الله عز وجل: "وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت" أي الغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد فلم يزل بحمد الله منذ رفعه الله معمورا. قال وهب ابن منبه: وقرأت في كتاب من الكتب الأولى ذكر فيه أمر الكعبة فوجد فيه أن ليس من ملك من الملائكة بعثه تعالى إلى الأرض  
إلا أمره بزيارة البيت فينقض من عند العرش محرماً ملبياً حتى يستلم الحجر ثم يطوف سبعاً بالبيت ويركع في جوفه ركعتين ثم يصعد. وحدثني محمد ابن يحيى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن عبد الله بن لبيد قال: بلغني أن ابن عباس قال: لما أهبط الله سبحانه آدم عليه السلام إلى الأرض اهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته ثم أنزل عليه الحجر الأسود يعني الركن وهو يتلألأ من شدة بياضه فأخذه آدم عليه السلام فضمه إليه أنساً به ثم نزلت عليه العصا فقيل له: تخط يا آدم فتخطا فإذا هو بأرض الهند والسند فمكث بذلك ما شاء الله ثم استوحش إلى الركن فقيل له: احجج قال: فحج فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بمئتي عام. وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: بلغني ان آدم عليه السلام لما اهبط إلى الأرض حزن على ما فاته مما كان يرى ويسمع في الجنة من عبادة الله فبوأ الله له البيت الحرام وأمره بالسير إليه فسار إليه لا ينزل منزلاً إلا فجر الله له ماء معينا حتى انتهى إلى مكة فأقام بها يعبد الله عند ذلك البيت ويطوف به فلم تزل داره حتى قبضه الله بها. حدثني جدي قال: حدثني سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: بلغني ان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: يا كعب أخبرني عن البيت الحرام قال كعب: انزله الله تعالى من السماء ياقوتة مجوفة مع آدم عليه السلام فقال له: يا آدم ان هذا بيتي أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى حوله كما يصلى حول عرشي، ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة ثم وضع البيت عليه فكان آدم عليه السلام يطوف حوله كما يطاف حول العرش، ويصلي عنده كما يصلى عند العرش فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء وبقيت قواعده. حدثني جدي قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ابان بن أبي عياش قال: بلغنا عن أصحاب النبي )ص( ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل كعباً ثم نسق مثل الحديث الأول. وحدثني جدي قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس رضوان الله عليه قال: كان آدم عليه السلام أول من أسس البيت وصلى فيه حتى بعث الله الطوفان. حدثنا مهدي ابن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن ابان ان البيت أهبط ياقوتة لآدم عليه السلام أو درة واحدة. وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم القداح عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه قال: كان البيت الذي بوأه الله تعالى لآدم عليه السلام يومئذ ياقوتة من يواقيت الجنة، حمراء تلتهب، لها بابان احدهما شرقي، والآخر غربي وكان فيه قناديل من نور آنيتها ذهب من تبر الجنة وهو منظوم بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومه وهو يومئذ ياقوتة بيضاء حدثنا جدي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا المغيرة ابن زياد عن عطاء بن أبي رباح قال: لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال ان يبلغوا في الأرض فبلغوا صخراً أمثال الابل الخلف قال فقالوا: انا قد بلغنا صخراً معمولا امثال الابل الخلف قال قال: زيدوا فاحفروا، فلما زادوا بلغوا هواء من نار يلقاهم فقال: ما لكم ? قالوا: لسنا نستطيع ان نزيد، رأينا أمراً عظيماً فلا نستطيع. فقال لهم: ابنوا عليه، قال فسمعت عطاء يقول: يرون ان ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس عليه السلام خر آدم ساجداً يبكي فهتف به هاتف فقال: ما يبكيك يا آدم? قال: ابكاني انه حيل بيني وبين تسبيح ملائكتك وتقديس قدسك، قيل له: يا آدم، قم إلى البيت الحرام، فخرج إلى مكة فكان حيث يضع قدميه يفجر عيوناً، وعمراناً، ومداين وما بين قدميه الخراب والمعاطش فبلغني أن آدم عليه السلام تذكر الجنة فبكا، فلو عدل بكاء الخلق ببكاء آدم حين أخرج من الجنة ما عدله ولو عدل بكاء الخلق وبكاء آدم عليه السلام ببكاء داود حين أصاب الخطيئة ما عدله حدثني جدي قال: اخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه أن آدم عليه السلام اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة حتى ان كانت الملائكة لتحزن لحزنه، ولتبكي لبكائه قال: فعزاه  
الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة وفيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، فلما صار آدم عليه السلام إلى مكة وحرس له تلك الخيمة بالملائكة فكانوا يحرسونه ويذودون عنها سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن، والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، لأنه من نظر إلى شيء منها وجبت له، والأرض يومئذ نقية طاهرة طيبة لم تنجس ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله يومئذ مستقر الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال: فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى قبض الله آدم عليه السلام ثم رفعها إليه حدثني مهدي بن أبي المهدي عن عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل "وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت" قال وضع الله تعالى البيت مع آدم عليه السلام فأهبط الله تعالى آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه فقبض إلى ستين ذراعاً فحزن آدم عليه السلام إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى يا آدم اني أهبطت معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه فخرج آدم عليه السلام ومد له في خطو فكان خطوتان أو بين خطوتين مفازة فلم يزل على ذلك، فأتى آدم عليه السلام البيت فطاف به، ومن بعده من الانبياء، حدثني محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن عمر بن أبي معروف عن عبد الله بن أبي زياد أنه قال: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتاً بحذاء بيتي الذي في السماء تتعبد فيه أنت وولدك كما تتعبد ملائكتي حول عرشي. فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة فقذفت فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض وهبط آدم عليه السلام بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى.ه بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة وفيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، فلما صار آدم عليه السلام إلى مكة وحرس له تلك الخيمة بالملائكة فكانوا يحرسونه ويذودون عنها سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن، والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، لأنه من نظر إلى شيء منها وجبت له، والأرض يومئذ نقية طاهرة طيبة لم تنجس ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله يومئذ مستقر الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال: فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى قبض الله آدم عليه السلام ثم رفعها إليه حدثني مهدي بن أبي المهدي عن عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل "وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت" قال وضع الله تعالى البيت مع آدم عليه السلام فأهبط الله تعالى آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه فقبض إلى ستين ذراعاً فحزن آدم عليه السلام إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى يا آدم اني أهبطت معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه فخرج آدم عليه السلام ومد له في خطو فكان خطوتان أو بين خطوتين مفازة فلم يزل على ذلك، فأتى آدم عليه السلام البيت فطاف به، ومن بعده من الانبياء، حدثني محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن عمر بن أبي معروف عن عبد الله بن أبي زياد أنه قال: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتاً بحذاء بيتي الذي في السماء تتعبد فيه أنت وولدك كما تتعبد ملائكتي حول عرشي. فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة فقذفت فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض وهبط آدم عليه السلام بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى.

ما جاء في حج آدم

عليه السلام ودعائه لذريته

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: حدثت ان آدم عليه السلام خرج حتى قدم مكة فبنى البيت، فلما فرغ من بنائه قال: أي رب ان لكل أجير أجراً وإن لي أجراً، قال: نعم ! فاسألني قال: أي رب تردني من حيث أخرجتني، قال: نعم ! ذلك لك قال: أي رب ومن خرج إلى هذا البيت من ذريتي يقر على نفسه بمثل الذي قررت به من ذنوبي أن تغفر له قال نعم ! ذلك لك، حدثنا أبو الوليد قال حدثنا محمد بن يحيى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن أبي المليح انه قال: كان أبو هريرة يقول: حج آدم عليه السلام فقضى المناسك فلما حج قال: يا رب ان لكل عامل أجراً قال الله تعالى: أما أنت يا آدم فقد غفرت لك وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه غفرت له، فحج آدم عليه السلام فاستقبلته الملائكة بالردم فقالت: بر حجك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال: فما كنتم تقولون حوله ? قالوا: كنا نقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال: فكان آدم عليه السلام إذا طاف بالبيت يقول هؤلاء الكلمات وكان طواف آدم عليه السلام سبعة أسابيع بالليل وخمسة أسابيع بالنهار، قال نافع: كان ابن عمر رحمه الله يفعل ذلك، حدثني محمد بن يحيى قال حدثني هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم انه قال: طاف آدم عليه السلام سبعاً بالبيت حين نزل، ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين، ثم أتى الملتزم فقال: اللهم انك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي وتعلم حاجتي فاعطني سؤلي، اللهم اني أسألك ايماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم انه لن يصيبني إلا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي، قال: فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك، ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا كشفت غمومه وهمومه وكففت عليه ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغناء بين عينيه، وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة وان كان لا يريدها. قال: فمذ طاف آدم عليه السلام كانت سنة الطواف.

سنة الطواف

حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال حدثني موسى بن عبيد عن محمد بن المنكدر قال: كان أول شيء عمله آدم عليه السلام حين أهبط من السماء طاف بالبيت فلقيته الملائكة فقالوا: بر نسكك يا آدم طفنا بهذا البيت قبلك بألفي سنة حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن الحرام بن أبي لبيد المدني قال: حج آدم عليه السلام فلقيته الملائكة فقالوا: يا آدم بر حجك قد حججنا قبلك بألفي عام، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني سعيد ان آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشياً، وان الملائكة لقيته بالمازمين فقالوا بر حجك يا آدم إنا قد حججنا قبلك بألفي عام، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: حج آدم عليه السلام وطاف بالبيت سبعاً فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا: بر حجك يا آدم أما انا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام قال: فما كنتم تقولون في الطواف ? قالوا: كنا نقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال آدم عليه السلام: فزيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: فزادت الملائكة فيها ذلك قال: ثم حج إبراهيم عليه السلام بعد بنيانه البيت فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم إبراهيم: ماذا كنتم تقولون في طوافكم ? قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فأعلمناه ذلك فقال آدم عليه السلام: زيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال إبراهيم: زيدوا فيها العلي العظيم قال: ففعلت الملائكة ذلك.

ذكر وحشة آدم في الأرض

حين نزلها وفضل البيت الحرام والحرم

 
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه انه قال: ان آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها، ولم ير فيها أحداً غيره فقال: يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري ? قال: اني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي، ويقدس لي، وسأجعل فيها بيوتاً ترفع لذكري ويسبحني فيها خلقي، وسأبوئك فيها بيتاً أختاره لنفسه، واختصه بكرامتي، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي، فأسميه بيتي، وانطقه بعظمتي، واجوزه بحرماتي، واجعله أحق بيوت الأرض كلها وأولاها بذكري، وأضعه في البقعة التي اخترت لنفسي، فاني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من البيوت ولست أسكنه وليس ينبغي لي أن أسكن البيوت ولا ينبغي لها أن تسعني، ولكن على كرسي الكبرياء والجبروت وهو الذي استقل بعزتي، وعليه وضعت عظمتي وجلالي، وهنالك استقر قراري، ثم هو بعد ضعيف عني لولا قوتي ثم أنا بعد ذلك ملء كل شيء، وفوق كل شيء، ومع كل شيء، ومحيط بكل شيء، وامام كل شيء، وخلف كل شيء، ليس ينبغي لشيء أن يعلم علمي، ولا يقدر قدرتي، ولا يبلغ كنه شأني، اجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرماً وأمنا، أحرم بحرماته ما فوقه، وما تحته، وما حوله فمن حرمه بحرمتي فقد عظم حرماتي، ومن أحله فقد أباح حرماتي، ومن أمن أهله فقد استوجب بذلك أماني، ومن أخافهم فقد اخفرني في ذمتي، ومن عظم شأنه عظم في عيني، ومن تهاون به صغر في عيني ولكل ملك حيازة ما حواليه، وبطن مكة خيرتي وحيازتي وجيران بيتي وعمارها وزوارهما وفدي وأضيافي في كنفي وأفنيتي ضامنون علي في ذمتي وجواري فاجعله أول بيت وضع للناس، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجاً شعثاً غبراً على كل ضامر يأتين من كل فج عميق يعجون بالتكبير عجيجاً ويرجون بالتلبية رجيجاً وينتحبون بالبكاء نحيباً فمن اعتمره لا يريد غيري فقد زارني ووفد إلي ونزل بي ومن نزل بي فحقيق علي أن أتحفه بكرامتي وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته، تعمره يا آدم ما كنت حياً ثم تعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء أمة بعد أمة وقرن بعد قرن ونبي بعد نبي حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك وهو خاتم النبيين فاجعله من عماره، وسكانه، وحماته، وولاته، وسقاته يكون أميني عليه ما كان حياً فإذا انقلب إلي وجدني قد ذخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به للقربة مني والوسيلة إلي وأفضل المنازل في دار المقام واجعل إسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبي من ولدك يكون قبل هذا النبي وهو أبوه يقال له إبراهيم ارفع له قواعده، واقضي على يديه عمارته، وانيط له سقايته، وأريه حله وحرمه ومواقفه واعلمه مشاعره ومناسكه، واجعله امة واحدة، قانتاً لي، قائماً بأمري داعياً إلى سبيلي أجتبيه واهديه إلى صراط مستقيم، أبتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر، وينذر لي فيفي، ويعدني فينجز، وأستجيب له في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم فاجعلهم أهل ذلك البيت، وولاته، وحماته، وخدامه، وسدانه وخزانه، وحجابه حتى يبتدعوا ويغيروا. فإذا فعلوا ذلك فانا الله أقدر القادرين على أن استبدل من أشاء بمن أشاء، اجعل إبراهيم امام أهل ذلك البيت، وأهل تلك الشريعة يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الأنس والجن يطئون فيها آثاره، ويتبعون فيها سنته، ويقتدون فيها بهديه، فمن فعل ذلك منهم أوفى نذره، واستكمل نسكه، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه، وأخطأ بغيته فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن أين أنا ? فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم المستكملين مناسكهم المبتهلين إلى ربهم الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون وليس هذا الخلق، ولا هذا الأمر الذي قصصت عليك شأنه يا آدم بزايد في ملكي، ولا عظمتي، ولا سلطاني، ولا شيء مما عندي إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت في سبعة أبحر تمدها من بعدها سبعة أبحر لا تحصى بل القطرة أزيد في البحر من هذا الأمر في شيء مما عندي ولو لم أخلقه لم ينقص شيئاً من ملكي ولا عظمتي ولا مما عندي من الغناء والسعة إلا كما نقصت الأرض ذرة وقعت من جميع ترابها، وجبالها وحصاها، ورمالها، وأشجارها بل الذرة أنقص في الأرض من هذا الأمر لو لم أخلقه لشيء مما عندي وبعد هذا من هذا مثلاً للعزيز الحكيم، حدثنا  
مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه بنحوه.ي بن أبي المهدي قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه بنحوه.

ما جاء في البيت المعمور

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي قال حدثني سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن وهب بن منبه قال أخبرني أبو سعيد عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي )ص( في حديث حدث به قال: سمي البيت المعمور لأنه يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم ينزلون إذا أمسوا فيطوفون بالكعبة ثم يسلمون على النبي )ص( ثم ينصرفون فلا تنالهم النوبة حتى تقوم الساعة. حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه انه وجد في التوراة بيتاً في السماء بحيال الكعبة فوق قبتها اسمه الضراح وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله )ص(: البيت الذي في السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء هذا البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد ابن السايب الكلبي قال: بلغني والله أعلم ان بيتاً في السماء يقال له الضراح بحيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من الملائكة ما دخلوه قط قبلها حدثني جدي قال حدثني سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه ما البيت المعمور ? قال: هو الضراح وهو حذاء هذا البيت وهو في السماء السادسة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً.
حدثني أبو محمد قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان بن عيينة بنحوه إلا أنه قال: في السماء السابعة وقال: لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيمة.
حدثنا أبو الوليد قال حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني قال حدثنا معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدت علياً رضي الله عنه وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار أم بسهل نزلت أم بجبل فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين علي رضي الله عنه وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو ? قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة.

ما جاء في رفع البيت المعمور

زمن الغرق وما جاء فيه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد قال: بلغني انه لما خلق الله عز وجل السموات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي فجعله مستقبل البيت المعمور فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيمة واستودع الله عز وجل الركن أبا قبيس قال وقال ابن عباس: كان ذهباً فرفع زمان الغرق وهو في السماء وقال ابن جريج قال جويبر: كان بمكة البيت المعمور فرفع زمان الغرق فهو في السماء حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: أخبرني أبو سعيد عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي )ص( في حديث حدث به ان آدم عليه السلام قال: أي رب اني أعرف شقوتي اني لا أرى شيئاً من نورك يعبد فأنزل الله عز وجل عليه البيت المعمور على عرض هذا البيت في موضعه من ياقوتة حمراء ولكن طوله كما بين السماء والأرض وأمره أن يطوف به فاذهب الله عنه الغم الذي كان يجده قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح عليه السلام.

ذكر بناء ولد آدم البيت الحرام

بعد موت آدم عليه السلام


حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه انه قال: لما رفعت الخيمة التي عزى الله بها آدم من حلية الجنة حين وضعت له بمكة في موضع البيت ومات آدم عليه السلام فبنى بنو آدم من بعده مكانها بيتاً بالطين والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن نوح عليه السلام فنسفه الغرق وغير مكانه حتى بوئ لابراهيم عليه السلام.

ما جاء في طواف سفينة نوح

عليه السلام زمن الغرق بالبيت الحرام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر ابن السرى البصري عن داود بن أبي الفرات الكندي عن علباء بن أحمر اليشكري عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم وانهم كانوا أقاموا في السفينة مائة وخمسين يوماً وان الله تعالى وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً ثم وجهها الله تعالى إلى الجودى قال فاستقرت عليه فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف وأبطأ عنه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين فعرف نوح ان الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة احداها العربية قال: فكان لا يفقه بعضهم عن بعض وكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.

أمر الكعبة بين نوح وإبراهيم عليهما السلام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن بن جريج عن مجاهد انه قال كان موضع الكعبة قد خفي ودرس في زمن الغرق فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام قال: وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول غير ان الناس يعلمون ان موضع البيت فيما هنالك ولا يثبت موضعه وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض، ويدعو عنده المكروب فقل من دعا هنالك الا استجيب له. وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه لابراهيم عليه السلام لما أراد من عمارة بيته واظهار دينه وشرايعه فلم يزل منذ أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض معظماً محرماً بيته تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة وملة بعد ملة قال: وقد كانت الملائكة تحجه قبل آدم عليه السلام.

ما ذكر من تخير إبراهيم

عليه السلام موضع البيت الحرام من الأرض

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: بلغني والله أعلم ان إبراهيم خليل الله تعالى عرج به إلى السماء فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة فقالت له الملائكة: يا خليل الله اخترت حرم الله تعالى في الأرض قال: فبناه من حجارة سبعة أجبل قال: ويقولون خمسة وكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم من تلك الجبال.

باب ما جاء في إسكان إبراهيم إبنه إسماعيل

وأمه هاجر في بدء أمره عند البيت الحرام كيف كان


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال حدثني سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال أخبرني محمد بن إسحاق قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد ان الله تعالى لما بوأ لابراهيم مكان البيت خرج إليه من الشام وخرج معه ابنه إسماعيل وأمه هاجر، وإسماعيل طفل يرضع وحملوا فيما يحدثني على البراق، قال عثمان بن ساج: وحدثنا عن الحسن البصري انه كان يقول في صفة البراق عن النبي )ص( قال: انه أتاني جبريل بدابة بين الحمار والبغل، لها جناحان في فخذيها تحفزانها تضع حافرها في منتهى طرفها، قال عثمان: قال محمد بن إسحاق: ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت ومعالم الحرم قال: فخرج وخرج معه لا يمر إبراهيم بقرية من القرايا إلا قال: يا جبريل أبهذا أمرت ? فيقول له جبريل عليه السلام: أمضه حتى قدم مكة وهي إذ ذاك عضاه من سلم وسمر وبها ناس يقال لهم العماليق خارجاً من مكة فيما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة. فقال إبراهيم لجبريل: أها هنا أمرت أن أضعهما ? قال: نعم ! قال: فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشاً ثم قال: ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع الآية ثم انصرف إلى الشام وتركهما عند البيت الحرام. وحدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير بن المطلب ابن أبي وداعة السهمي عن سعيد بن جبير قال حدثنا عبد الله بن عباس انه حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم وبين سارة امرأة إبراهيم ما كان أقبل إبراهيم عليه السلام بأم إسماعيل، وإسماعيل وهو صغير ترضعه حتى قدم بهما مكة ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منها وتدر على ابنها وليس معها زاد؛ يقول سعيد بن جبير: قال ابن عباس: فعمد بهما إلى دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد يشير لنا بين البير وبين الصفة يقول فوضعهما تحتها، ثم توجه إبراهيم خارجاً على دابته واتبعت أم إسماعيل أثره حتى أوفى إبراهيم بكدا يقول ابن عباس: فقالت له أم إسماعيل إلى من تتركها وابنها ? قال: إلى الله عز وجل قالت: رضيت بالله فرجعت أم إسماعيل تحمل ابنها حتى قعدت تحت الدوحة فوضعت ابنها إلى جنبها وعلقت شنتها تشرب منها وتدر على ابنها حتى فني ماء شنتها فانقطع درها فجاع ابنها فاشتد جوعه حتى نظرت إليه أمه يتشحط قال: فحسبت أم إسماعيل انه يموت فأحزنها، يقول ابن عباس: قالت أم إسماعيل: لو تغيبت عنه حتى لا أرى موته، يقول ابن عباس: فعمدت أم إسماعيل إلى الصفا حين رأته مشرفاً تستوضح عليه أي ترى أحداً بالوادي ثم نظرت إلى المروة ثم قالت: لو مشيت بين هذين الجبلين تعللت حتى يموت الصبي ولا أراه قال ابن عباس: فمشت بينهما أم إسماعيل ثلاث مرات أو أربع ولا تجيز بطن الوادي في ذلك إلا رملا، يقول ابن عباس: ثم رجعت أم إسماعيل إلى ابنها فوجدته ينشغ كما تركته فأحزنها فعادت إلى الصفا تتعلل حتى يموت ولا تراه فمشت بين الصفا والمروة كما مشت أول مرة، يقول ابن عباس: حتى كان مشيها وبينهما سبع مرات، قال ابن عباس: قال أبو القاسم: )ص( فلذلك طاف الناس بين الصفا والمروة، قال: فرجعت أم إسماعيل تطالع ابنها فوجدته كما تركته ينشغ فسمعت صوتاً قد آب عليها ولم يكن معها أحد غيرها فقالت: قد أسمع صوتك فأغثني ان كان عندك خير قال: فخرج لها جبريل عليه السلام فاتبعته حتى ضرب برجله مكان البئر يعني زمزم فظهر ماء فوق الأرض حيث فحص جبريل، يقول ابن عباس قال أبو القاسم: )ص( فحاضته أم إسماعيل بتراب ترده خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنتها فاستقت وشربت ودرت على ابنها.
 
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال بلغني ان ملكاً أتى هاجر أم إسماعيل حين أنزلها إبراهيم بمكة قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت فأشار لها إلى البيت وهو ربوة حمراء مدرة فقال لها: هذا أول بيت وضع للناس في الأرض وهو بيت الله العتيق، واعلمي إن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس، قال ابن جريج: وبلغني ان جبريل عليه السلام حين هزم بعقبة في موضع زمزم قال لأم إسماعيل. وأشار لها إلى موضع البيت هذا أول بيت وضع للناس، وهو بيت الله العتيق، واعلمي إن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس ويعمرانه فلا يزال معموراً، محرماً، مكرماً إلى يوم القيمامة، قال ابن جريج: فماتت أم إسماعيل قبل أن يرفعه إبراهيم وإسماعيل ودفنت في موضع الحجر.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني علي ابن عبد الله بن الوازع عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الملك الذي أخرج زمزم لهاجر قال لها: وسيأتي أبو هذا الغلام فيبني بيتاً هذا مكانه وأشار لها إلى موضع البيت ثم انطلق الملك.

ما ذكر من نزول جرهم

مع أم إسماعيل في الحرم

حدثني جدي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أخرج الله ماء زمزم لأم إسماعيل فبينا هي على ذلك إذ مر ركب من جرهم قافلين من الشام في الطريق السفلى فرأى الركب الطير على الماء فقال بعضهم: ما كان بهذا الوادي من ماء ولا أنيس، يقول ابن عباس: فأرسلوا جريين لهم حتى أتيا أم إسماعيل فكلماها ثم رجعا إلى ركبهما فأخبراهم بمكانها، قال: فرجع الركب كلهم حتى حيوها فردت عليهم وقالوا: لمن هذا الماء ? قالت أم إسماعيل: هو لي قالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل معك عليه ? قالت: نعم ! يقول ابن عباس: قال أبو القاسم )ص(: القي ذلك أم إسماعيل وقد أحبت الأنس فنزلوا وبعثوا إلى أهاليهم فقدموا إليهم وسكنوا تحت الدوح، واعترشوا عليها العرش فكانت معهم هي وابنها، حتى ترعرع الغلام ونفسوا فيه وأعجبهم، وتوفيت أم إسماعيل وطعامهم الصيد يخرجون من الحرم ويخرج معهم إسماعيل فيصيد، فلما بلغ أنكحوه جارية منهم، قال: وهي في بنت سعيد بن أسامة، يقول ابن عباس: فأقبل إبراهيم من الشام يقول: حتى أطالع تركتي فأقبل إبراهيم عليه السلام حتى قدم مكة فوجد امرأة إسماعيل فسألها عنه فقالت: هو غائب، ولم تلن له في القول فقال لها إبراهيم: قولي لاسماعيل: قد جاء بعدك شيخ كذا وكذا وهو يقرأ عليك السلام ويقول لك: غير عتبة بيتك فاني لم أرضها، يقول ابن عباس: وكان إسماعيل عليه السلام كلما جاء سأل أهله هل جاءكم أحد بعدي ? فلما رجع سأل أهله فقالت امرأته: قد جاء بعدك شيخ فنعتته له فقال لها إسماعيل: قلت له شيئاً قالت: لا قال: فهل قال لك من شيء ? قالت: نعم ! اقري عليه السلام وقولي له غير عتبه بيتك فاني لم أرضها لك قال إسماعيل: أنت عتبة بيتي فارجعي إلى أهلك فردها إسماعيل إلى أهلها فأنكحوه امرأة اخرى، يقول ابن عباس: ثم لبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم رجع إبراهيم فوجد إسماعيل غايباً ووجد امرأته الاخرى فوقف فسلم فردت عليه السلام واستنزلته وعرضت عليه الطعام والشراب فقال: ما طعامكم وشرابكم ? قالت: اللحم والماء قال: هل من حب أو غيره من الطعام ? قالت: لا قال: بارك الله لكم في اللحم والماء، قال ابن عباس: يقول رسول الله )ص(: لو وجد عندها يومئذ حباً لدعا لهم بالبركة فيه فكانت أرضاً ذات زرع، ثم ولي إبراهيم عليه السلام وقال: قولي له: قد جاء بعدك شيخ فقال: اني وجدت عتبة بيتك صالحة فاقررها فرجع إسماعيل عليه السلام إلى أهله فقال: هل جاءكم بعد أي أحد ? فقالت: نعم ! قد جاء بعدك شيخ كذا وكذا قال: فهل عهد اليكم من شيء ? قالت: نعم ! يقول: اني وجدت عتبة بيتك صالحة فاقررها.

ما ذكر من بناء إبراهيم الكعبة

عليه السلام

 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: لبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم جاء الثالثة فوجد إسماعيل عليه السلام قاعداً تحت الدوحة التي بناحية البير يبري نبلاً أو نبالاً له فسلم عليه ونزل إليه فقعد معه فقال إبراهيم: يا إسماعيل ان الله تعالى قد أمرني بأمر فقال له إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك، فقال إبراهيم: يا إسماعيل أمرني ربي أن أبني له بيتاً، قال له إسماعيل: وأين ? يقول ابن عباس: فأشار له إلى أكمة مرتفعة على ما حولها عليها رضراض من حصباء يأتيها السيل من نواحيها ولا يركبها، يقول ابن عباس: فقاما يحفران عن القواعد ويحفرانها ويقولان: ربنا تقبل منا انك سميع الدعاء، ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته ويبني الشيخ إبراهيم فلما ارتفع البناء وشق على الشيخ إبراهيم تناوله قرب له إسماعيل هذا الحجر يعني المقام فكان يقوم عليه ويبني ويحوله في نواحي البيت حتى انتهى إلى وجه البيت، يقول ابن عباس: فلذلك سمي مقام إبراهيم لقيامه عليه.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير يزيد أحدهما على صاحبه عن سعيد بن جبير في حديث حدث به طويل عن ابن عباس قال: فجاء إبراهيم وإسماعيل يبري نبلاً له أو نباله تحت الدوحة قريباً من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده قال معمر: وسمعت رجلاً يقول: بكيا حتى أجابتهما الطير. قال سعيد: فقال: يا إسماعيل إن الله عز وجل قد أمرني بأمر قال: فأطع ربك فيما أمرك قال: وتعينني قال: وأعينك قال: فإن الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتاً ها هنا فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت. حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج قال قال مجاهد: أقبل إبراهيم والسكينة، والصرد والملك من الشام فقالت السكينة: يا إبراهيم ربض على البيت فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من هذه الملوك ولا أعرابي نافر إلا رأيت عليه السكينة قال: وقال ابن جريج: أقبلت معه السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج قال: قال علي بن أبي طالب: أقبل إبراهيم عليه السلام والملك والسكينة والصرد دليلاً حتى تبوأ البيت الحرام كما تبوأت العنكبوت بيتها فحفر فأبرز عن ربض في أسها أمثال خلف الابل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلاً قال: ثم قال لابراهيم: قم فابن لي بيتاً قال يا رب وأين ? قال: سنريك قال: فبعث الله تعالى سحابة فيها رأس تكلم، إبراهيم فقال يا إبراهيم ان ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها فقال له الرأس أقد فعلت ? قال: نعم ! فارتفعت السحابة فأبرز عن أس ثابت من الأرض فبناه إبراهيم عليه السلام، قال: وحدثني جدي عن سعيد ابن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن أبان عن ابن إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب في حديث حدث به عن زمزم قال: ثم نزلت السكينة كأنها غمامة أو ضبابة في وسطها كهيئة الرأس يتكلم يقول يا إبراهيم خذ قدري من الأرض، لا تزد ولا تنقص، فخط فذلك بكة وما حواليه مكة.
 
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه انه أخبره قال: لما ابتعث الله تعالى إبراهيم خليله ليبني له البيت طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة التي عزى الله بها آدم عليه السلام من خيام الجنة حين وضعت له بمكة في موضع البيت الحرام فلم يزل إبراهيم يحفر حتى وصل إلى القواعد التي أسس بنو آدم في زمانهم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها أظل الله له مكان البيت بغمامة، فكانت خفاف البيت الأول، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة ثم انكشطت الغمامة فذلك قوله عز وجل وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت أي الغمامة التي ركدت على الحفاف ليهتدي بها مكان القواعد فلم يزل والحمد لله منذ يوم ركعة الله معموراً. حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: أخبرنا حماد عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب في قوله عز وجل "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً" قال: انه ليس بأول بيت. كان نوح في البيوت قبل إبراهيم وكان إبراهيم في البيوت ولكنه أول بيت وضع للناس فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً. هذه الآيات قال: إن إبراهيم أمر ببناء البيت فضاق به ذرعاً فلم يدر كيف يبني فأرسل الله تعالى إليه السكينة وهي ريح خجوج لها رأس حتى تطوقت مثل الحجفة فبنى عليها وكان يبني كل يوم سافا ومكة يومئذ شديدة الحر، فلما بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل: اذهب فالتمس حجراً أضعه ها هنا ليهدي الناس به، فذهب إسماعيل يطوف في الجبال وجاء جبريل بالحجر الأسود وجاء إسماعيل فقال من أين لك هذا الحجر ? قال: من عند من لم يتكل على بنائي وبنائك، ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته قبيلة من جرهم، ثم انهدم فبنته قريش. فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تنازعوا فيه فقالوا: أول رجل يدخل علينا من هذا الباب فهو يضعه، فجاء رسول الله )ص( فأمر بثوب فبسط ثم وضعه فيه ثم قال: ليأخذ من كل قبيلة رجل من ناحية الثوب. ثم رفعوه ثم أخذه رسول الله )ص( فوضعه، حدثني جدي قال: حدثني سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة تدله حتى تبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها فرفعوا عن أحجار الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلاً، حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل" قال: التي كانت قواعد البيت قبل ذلك، قال الخزاعي: وحدثناه أبو عبيد الله باسناد عن سفيان مثله.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: حدثنا أبو عوانة عن ابن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اما والله ما بنياه بقصة ولا مدر ولا كان معهما من الأعوان والأموال ما يسقفانه ولكنهما أعلماه فطافا به.
حدثني جدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي قال: لما أمر إبراهيم أن يبني وانتهى إلى موضع الحجر قال لاسماعيل: ائتني بحجر ليكون علماً للناس يبتدئون منه الطواف فأتاه بحجر فلم يرضه فأتى إبراهيم بهذا الحجر، ثم قال: أتاني به من لم يكلني على حجرك.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن بشر بن عاصم قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلاً يتبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلاً فقالت السكينة: أبن علي فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة. وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السرى البصري عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال الله تعالى: يا آدم اني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي، فلم يزل كذلك حتى كان زمن الطوفان فرفع، حتى بوأ لابراهيم مكانه فبناه من خمسة أجبل من حرا، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر.
 
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عمر بن سهل عن يزيد بن نافع عن سعيد عن قتادة في قوله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد" قال: ذكر لنا انه بناه من خمسة أجبل من طورسينا، وطور زيتا، ولبنان، والجودى، وحرا، وذكر لنا ان قواعده من حراء.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء عن عمر بن مرة عن يوسف بن ماهك قال: قال عبد الله ابن عمرو ان جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة، وانه وضعه حيث رأيتم، وانكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانكم، فتمسكوا به ما استطعتم فانه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به.
 
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد ابن إسحاق قال: لما أمر إبراهيم خليل الله تعالى أن يبني البيت الحرام أقبل من أرمينية على البراق معه السكينة لها وجه يتكلم، وهي بعد ريح هفافة، ومعه ملك يدله على موضع البيت حتى انتهى إلى مكة وبها إسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين سنة وقد توفيت امه قبل ذلك ودفنت في موضع الحجر، فقال: يا إسماعيل ان الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتاً، فقال له إسماعيل: وأين موضعه ? قال: فأشار له الملك إلى موضع البيت قال: فقاما يحفران عن القواعد ليس معهما غيرهما فبلغ إبراهيم الأساس أساس آدم الأول فحفر عن ربض في البيت فوجد حجارة عظاماً ما يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا، ثم بنى على أساس آدم الأول وتطوقت السكينة كأنها حية على الأساس الأول، وقالت: يا إبراهيم ابن علي فبنى عليها فلذلك لا يطوف بالبيت أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة فبنى البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعاً، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحد وثلاثين ذراعاً وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً، فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب، قال: وكذلك بنيان أساس آدم عليه السلام، وجعل بابها بالأرض غير مبوب حتى كان تبع اسعد الحميري هو الذي جعل لها باباً، وغلقاً فارسياً، وكساها كسوة تامة، ونحر عندها. قال: وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشاً من أراك تقتحمه العنز فكان زرباً لغنم إسماعيل، قال: وحفر إبراهيم عليه السلام جباً في بطن البيت على يمين من دخله يكون خزانة للبيت يلقى فيه ما يهدى للكعبة وهو الجب الذي نصب عليه عمرو بن لحى، هبل، الصنم الذي كانت قريش تعبده ويستقسم عنده بالأزلام حين جاء به من هيت من أرض الجزيرة. قال: وكان إبراهيم يبني وينقل له إسماعيل الحجارة على رقبته فلما ارتفع البنيان قرب له المقام فكان يقوم عليه ويبني ويحوله إسماعيل في نواحي البيت حتى انتهى إلى موضع الركن الأسود قال إبراهيم لاسماعيل: يا إسماعيل أبغني حجراً أضعه ها هنا يكون للناس علماً يبتدئون منه الطواف. فذهب إسماعيل يطلب له حجراً ورجع وقد جاءه جبريل بالحجر الأسود وكان الله عز وجل استودع الركن أبا قبيس حين غرق الله الأرض زمن نوح، وقال إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له، قال: فجاءه إسماعيل فقال له: يا ابه من اين لك هذا ? قال: جاءني به من لم يكلني إلى حجرك جاء به جبريل، فلما وضع جبريل الحجر في مكانه وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ تلألؤاً من شدة بياضه فأضاء نوره شرقاً، وغرباً، ويمناً، وشاماً، قال: فكان نوره يضيء إلى منتهى انصاب الحرم من كل ناحية من نواحي الحرم قال: وانما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية، والاسلام. فأما حريقه في الجاهلية، فانه ذهبت امرأة في زمن قريش تجمر الكعبة فطارت شرارة في استار الكعبة فاحترقت الكعبة واحترق الركن الأسود، واسود وتوهنت الكعبة، فكان هو الذي هاج قريشاً على هدمها وبنائها. وأما حريقه في الاسلام ففي عصر ابن الزبير أيام حاصره الحصين بن نمير الكندي، احترقت الكعبة واحترق الركن فتفلق بثلاث فلق حتى شد شعبه ابن الزبير بالفضة فسواده لذلك قال: ولولا ما مس الركن من انجاس الجاهلية وارجاسها ما مسه ذو عاهة الا شفي، قال سعيد بن سالم: قال ابن جريج: وكان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام قال: وهي مكعبة على خلقة الكعب فلذلك سميت الكعبة. قال: ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر وانما رضمها رضماً.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: السكينة لها رأس كرأس الهرة، وجناحان. حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السرى قال: حدثنا قيس بن الربيع عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي بن أبي طالب قال: السكينة، لها رأس أكرأس الانسان ثم هي بعد ريح هفافة. حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا الفزاري عن جويبر عن الضحاك قال: السكينة الرحمة.
 ذكر حج إبراهيم عليه السلام

وأذانه بالحج وحج الأنبياء بعده، وطوافه، وطواف الأنبياء بعده

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: لما فرغ إبراهيم خليلي الرحمن من بناء البيت الحرام جاءه جبريل فقال: طف به سبعاً فطاف به سبعاً هو وإسماعيل يستلمان الأركان كلها في كل طواف، فلما اكملا سبعاً هو وإسماعيل صليا خلف المقام ركعتين. قال: فقام معه جبريل فأراه المناسك كلها الصفا والمروة ومنى ومزدلفة، وعرفة، قال: فلما دخل منى وهبط من العقبة تمثل له ابليس عند جمرة العقبة، فقال له جبريل: ارمه، فرماه إبراهيم بسبع حصيات فغاب عنه، ثم برز له عند الجمرة الوسطى فقال له جبريل: ارمه، فرماه بسبع حصيات فغاب عنه، ثم برز له عند الجمرة السفلى فقال له جبريل: ارمه، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الخذف فغاب عنه ابليس، ثم مضى إبراهيم في حجه وجبريل يوقفه على المواقف ويعلمه المناسك حتى انتهى إلى عرفة، فلما انتهى إليها قال له جبريل: أعرفت مناسكك ? قال إبراهيم: نعم ! قال: فسميت عرفات بذلك لقوله أعرفت مناسكك ? قال: ثم أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج قال: فقال إبراهيم: يا رب ما يبلغ صوتي ? قال الله سبحانه: اذن وعلي البلاغ، قال: فعلا على المقام فأشرف به حتى صار أرفع الجبال وأطولها فجمعت له الأرض يومئذ سهلها وجبلها وبرها وبحرها وانسها وجنها حتى أسمعهم جميعاً قال: فأدخل اصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه يمناً وشاماً وشرقاً وغرباً وبدأ بشق اليمن فقال: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت التخوم السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أقطار الأرض كلها، لبيك اللهم لبيك قال: وكانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا أن الله عز وجل أراد أن يجعل المقام آية فكان أثر قدميه في المقام إلى اليوم قال: أفلا تراهم اليوم يقولون ? لبيك اللهم لبيك قال: فكل من حج إلى اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم وانما حجهم على قدر اجابتهم يومئذ فمن حج حجتين فقد كان أجاب مرتين، أو ثلاثاً فثلاثاً على هذا قال: وأثر قدمي إبراهيم في المقام آية وذلك قوله تعالى: "فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً" وقال ابن إسحاق: وبلغني أن آدم عليه السلام كان استلم الأركان كلها قبل إبراهيم وحجه إسحاق وسارة من الشام، قال: وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سنة على البراق، قال: وحجت بعد ذلك الأنبياء والأمم، وحدثني جدي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال حج إبراهيم وإسماعيل ماشيين، قال: أبو محمد عبيد الله المخزومي حدثنا ابن عيينة باسناده مثله.
حدثنا الأرزقي قال: وحدثني جدي قال حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم قال: سمعت عبد الرحمن بن سابط يقول: سمعت عبد الله بن ضمرة السلولي يقول: ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم قبر تسعة وتسعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السايب عن محمد بن سابط عن النبي )ص( قال: كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت فيها، فمات بها نوح، وهود، وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر، وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن خصيف عن مجاهد انه قال: حج موسى النبي على جمل أحمر فمر بالروحاء عليه عباءتان قطوانيتان متزر باحداهما مرتدمي بالاخرى فطاف بالبيت، ثم طاف بين الصفا والمروة فبينا هو بين الصفا والمروة إذ سمع صوتاً من السماء وهو يقول: لبيك عبدي أنا معك، فخر موسى ساجداً.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن خصيف عن مجاهد انه قال: حج خمسة وسبعون نبياً كلهم قد طاف بالبيت وصلى في مسجد منى فان استطعت ان لا تفوتك الصلاة في مسجد منى فافعل، حدثني جدي قال: حدثنا مروان بن معاوية عن الأشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال: صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً كلهم مخطمون بالليف قال مروان بن معاوية: يعني رواحلهم. حدثني جدي قال حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرنا خصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد انه حدثه قال: لما قال إبراهيم: ربنا أرنا مناسكنا، أمر أن يرفع القواعد من البيت، ثم أرى الصفا والمروة وقيل هذا من شعائر الله قال: ثم خرج به جبريل فلما مر بجمرة العقبة إذا بابليس عليها فقال جبريل: كبر وارمه ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة الوسطى فقال له جبريل: كبر وارمه ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة القصوى فقال له جبريل: كبر وارمه، ثم انطلق إلى المشعر الحرام ثم أتى به عرفة فقال له جبريل: هل عرفت ما أريتك ? ثلاث مرات قال: نعم ! قال: فأذن في الناس بالحج قال: كيف أقول ? قال: قل: يا أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات قال: فقالوا: لبيك اللهم لبيك قال: فمن أجاب إبراهيم يومئذ فهو حاج قال خصيف: قال مجاهد: حين حدثني بهذا الحديث أهل القدر لا يصدقون بهذا الحديث.
 
حدثني جدي قال عثمان: وأخبرني موسى بن عبيدة قال: لما أمر إبراهيم بالأذان في الناس بالحج استدار بالأرض فدعى في كل وجه يا أيها الناس أجيبوا ربكم وحجوا قال: فلبى الناس من كل مشرق ومغرب وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته، قال عثمان: وأخبرني ابن جريج قال: قال ابن عباس: رضوان الله عليه يأتوك رجالاً مشاة وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق بعيد، قال عطاء: وأرنا مناسكنا، أبرزها لنا وأعلمناها وقال مجاهد: أرنا مناسكنا، مذابحنا قال: وأخبرني عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أهل العلم ان عبد الله بن الزبير قال: لعبيد بن عمير الليثي كيف بلغك ان إبراهيم عليه السلام دعا إلى الحج ? قال: بلغني انه لما رفع إبراهيم القواعد وإسماعيل وانتهى إلى ما أراد الله سبحانه من ذلك وحضر الحج استقبل اليمن فدعا إلى الله عز وجل وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم لبيك ثم استقبل المشرق فدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب ان لبيك لبيك، وإلى المغرب بمثل ذلك، وإلى الشام بمثل ذلك ثم حج باسماعيل ومن معه من المسلمين، من جرهم وهم سكان الحرم يومئذ مع إسماعيل وهم أصهاره، وصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى ثم بات بهم حتى أصبح وصلى بهم الغداة، ثم غدا بهم إلى نمرة فقام بهم هنالك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الظهر والعصر بعرفة في مسجد إبراهيم ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة فوقف بهم وهو الموقف من عرفة الذي يقف عليه الامام يريه ويعلمه فلما غربت الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى المزدلفة، فجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ثم بات حتى إذا طلع الفجر صلى بهم صلاة الغداة، ثم وقف به على قزح من المزدلفة وبمن معه وهو الموقف الذي يقف به الامام، حتى إذا أسفر غير مشرق دفع به وبمن معه يريه ويعلمه كيف ترمى الجمار، حتى فرغ له من الحج كله، واذن به في الناس ثم انصرف إبراهيم راجعاً إلى الشام فتوفي بها صلى الله عليه وسلم وعلى جيمع أنبياء الله والمرسلين، قال عثمان: أخبرني ابن إسحاق قال: أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بالحج واقامته للناس، وأراه مناسك البيت وشرع له فرايضه وكان إبراهيم يومئذ حين أمر بذلك ببيت المقدس من ايليا قال عثمان: وأخبرني زهير بن محمد قال: لما فرغ إبراهيم من البيت الحرام قال: أي رب اني قد فعلت فأرنا مناسكنا فبعث الله تعالى إليه جبريل فحج به حتى إذا جاء يوم النحر عرض له ابليس، فقال: احصب فحصب بسبع حصبات ثم الغد ثم اليوم الثالث فملأ ما بين الجبلين ثم علا على ثبير، فقال: يا عباد الله أجيبوا ربكم فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من ايمان فقالوا: لبيك اللهم لبيك قال: ولم يزل على وجه الأرض سبعة من المسلمين فصاعداً لولا ذاك لاهلكت الأرض ومن عليها قال عثمان: وأخبرني زهير ابن محمد أن أول من أجاب إبراهيم حين أذن بالحج أهل اليمن، وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني عثمان بن الأسود عن عطاء بن أبي رباح ان موسى بن عمران طاف بين الصفا والمروة وعليه عباءة قطوانية وهو يقول: لبيك اللهم لبيك فأجابه ربه عز وجل لبيك يا موسى وها أنا معك.
وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: حدثني غالب ابن عبيد الله قال: سمعت مجاهداً يذكر عن ابن عباس رضوان الله عليه قال: مر بصفاح الروحاء ستون نبياً، إبلهم مخطمة بالليف قال عثمان: وأخبرني غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهداً يذكر عن ابن عباس قال: أقبل موسى نبي الله تعالى يلبي تجاوبه جبال الشام على جمل أحمر عليه عباءتان قطوانيتان، قال عثمان: وأخبرني ابن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير انه قال: بلغني ان البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد الله عنده وان نوحاً قد حجه، وجاءه، وعظمه قبل الغرق فلما أصاب الأرض الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض من الغرق فكانت ربوة حمراء معروف مكانه فبعث الله عز وجل هوداً إلى عاد فتشاغل بأمر قومه حتى هلك ولم يحجه. ثم بعث الله تعالى صالحاً عليه السلام إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه، ثم بوأه الله عز وجل لابراهيم فحجه، وعلم مناسكه، ودعا إلى زيارته، ثم لم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا حجه قال عثمان: وأخبرني ابن إسحاق قال: حدثني من لا اتهم عن سعيد بن المسيب عن رجل كان من أهل العلم انه كان يقول: كأني انظر إلى موسى بن عمران منهبطاً من هرشا عليه عباءة قطوانية يلبي بحجة قال عثمان: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا اتهم عن عبد الله بن عباس رضوان الله عليه أنه كان يقول: لقد سلك فج الروحاء سبعون نبياً حجاجاً عليهم لباس الصوف مخطمي ابلهم بحبال الليف، ولقد صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً.
حدثني جدي قال: قال عثمان بن ساج: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثني طلحة بن عبد الله بن كريز الخزاعي أن موسى عليه السلام حين حج طاف بالبيت فلما خرج إلى الصفا لقيه جبريل عليه السلام فقال: يا صفي الله انه الشد إذا هبطت بطن الوادي فاحتزم موسى نبي الله على وسطه بثوبه فلما انحدر عن الصفا وبلغ بطن الوادي سعى وهو يقول: لبيك اللهم لبيك قال: يقول الله تعالى: لبيك يا موسى ها أنذا معك، قال عثمان: وأخبرني صادق انه بلغه ان رسول الله )ص( قال: لقد مر بفج الروحاء أو قال: لقد مر بهذا الفج سبعون نبياً على نوق حمر خطمها الليف، ولبوسهم العباء، وتلبيتهم شتى، منهم يونس بن متى فكان يونس يقول: لبيك فراج الكرب لبيك، وكان موسى يقول: لبيك أنا عبدك لبيك لبيك، قال: وتلبية عيسى لبيك أنا عبدك، ابن أمتك، بنت عبديك لبيك، قال: عثمان وأخبرني مقاتل قال: في المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر سبعين نبياً منهم هود، وصالح، وإسماعيل، وقبر آدم، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف في بيت المقدس.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه قال: خطب صالح الذين آمنوا معه فقال لهم: ان هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فاظعنوا عنها فانها ليست لكم بدار قالوا: رأينا لرأيك تبع فمرنا نفعل قال: تلحقون بحرم الله وأمنه لا أرى لكم دونه، فأهلوا من ساعتهم بالحج ثم احرموا في العباء وارتحلوا قلصا حمرا مخطمة بحبال الليف ثم انطلقوا آمين البيت الحرام حتى وردوا مكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا فتلك قبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني هاشم وكذلك فعل هود ومن آمن معه وشعيب ومن آمن معه.
وحدثني جدي عن رجل من أهل العلم قال حدثني محمد بن مسلم الرازي عن جرير بن عبد الحميد الرازي عن الفضل بن عطية عن عطاء ابن السايب أن إبراهيم عليه السلام رأى رجلاً يطوف بالبيت فأنكره فسأله ممن أنت ? فقال: من أصحاب ذي القرنين قال: وأين هو ? قال: هو ذا بالأبطح فتلقاه إبراهيم فاعتنقه فقيل لذي القرنين: لم لا تركب ? قال: ما كنت لأركب وهذا يمشي فحج ماشياً.

قوله عز وجل إن أول بيت وضع للناس

وما جاء في ذلك


حدثنا أبو محمد قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال: بلغنا ان اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة، وقال المسلمون: الكعبة أعظم فبلغ ذلك النبي )ص( فنزل إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً حتى بلغ فيه آيات بينات مقام إبراهيم وليس ذلك في بيت المقدس، ومن دخله كان آمناً أوليس ذلك في بيت المقدس قال عثمان: وأخبرني خصيف قال: أول بيت وضع للناس قال: أول مسجد وضع للناس، وقال مجاهد: أول بيت وضع للناس مثل قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس، قال عثمان: وأخبرني محمد بن ابان عن زيد بن أسلم انه قرأ إن أول بيت وضع للناس حتى بلغ فيه آيات بينات مقام إبراهيم قال: الآيات البينات هي مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت، وقال: يأتين من كل فج عميق، وقال عثمان: وأخبرني محمد بن إسحاق ان قول الله عز وجل: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة أي مسجد مباركاً وهدى للعالمين وقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، قال عثمان: وأخبرني يحيى ابن أبي أنيسة في قول الله عز وجل: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً قال: كان موضع الكعبة قد سماه الله عز وجل بيتاً قبل أن تكون الكعبة في الأرض وقد بني قبله بيت ولكن الله سماه بيتاً، وجعله الله مباركاً وهدى للعالمين قبلة لهم.

ما جاء في مسألة إبراهيم

خليل الله الأمن والرزق لأهل مكة شرفها الله تعالى والكتب التي وجد فيها تعظيم الحرم

حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي قال: دعا إبراهيم عليه السلام للمؤمنين وترك الكفار لم يدع لهم بشيء فقال الله تعالى: ومن كفر فامتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار، وقال زيد بن أسلم: سأل إبراهيم عليه السلام ذلك لمن آمن به ثم مصير الكافر إلى النار، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السايب الكلبي قال: قال: إبراهيم )ص( رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليم الآخر فاستجاب الله عز وجل له فجعله بلداً آمناً، وآمن فيه الخايف ورزق أهله من الثمرات، تحمل اليهم من الأفق، قال عثمان: وقال مقاتل بن حيان: انما اختص إبراهيم في مسألته في الرزق للذين آمنوا فقال تعالى: الذين كفروا سأرزقهم مع الذين آمنوا ولكني امتعهم قليلاً في الدنيا ثم اضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير، قال عثمان: وقال مجاهد: جعل الله هذا البلد آمناً لا يخاف فيه من دخله.
وحدثني جدي قال حدثني إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: حدثني سعيد بن السايب بن يسار قال: سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره يذكرون انهم سمعوا انه لما دعا إبراهيم لمكة أن يرزق أهله من الثمرات نقل الله عز وجل أرض الطايف من الشام فوضعها هنالك رزقاً للحرم.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن النبي )ص( قال: لما وضع الله الحرم نقل إليه الطايف من الشام حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا يحيى بن سليم قال: سمعت عبد الرحمن ابن نافع بن جبير بن مطعم يقول: سمعت الزهري يقول: ان الله عز وجل نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطايف لدعوة إبراهيم خليل الله قوله وأرزق أهله من الثمرات.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء إبراهيم يطالع إسماعيل عليهما السلام فوجده غايباً ووجد امرأته الاخرة، وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، فوقف فسلم، فردت عليه السلام واستنزلته وعرضت عليه الطعام والشراب فقال: ما طعامكم وشرابكم ? قالت: اللحم والماء، قال: هل من حب أو غيره من الطعام ? قالت: لا قال: بارك الله لكم في اللحم والماء، قال ابن عباس رضوان الله عليه: يقول رسول الله )ص(: لو وجد عندها يومئذ حباً لدعا لهم بالبركة فيه، فكانت تكون أرضاً ذات زرع.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير مثله وزاد فيه قال سعيد بن جبير ولا يخلى أحد على اللحم والماء بغير مكة إلا وجع بطنه وان أخلى عليهما بمكة لم يجد كذلك أذى، قال سعيد بن سالم: فلا أدري عن ابن عباس يحدث بذلك سعيد بن جبير أم لا يعني قوله ولا يخلى أحد على اللحم والماء بغير مكة إلا وجع بطنه.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي حسين عن ابن عباس رضوان الله عليهما قال: وجد في المقام كتاب هذا بيت الله الحرام بمكة، توكل الله برزق أهله من ثلاثة سبل، مبارك لأهله في اللحم والماء واللبن، لا يحله أول من أهله ووجد في حجر في الحجر كتاب من خلقة الحجر أنا الله ذو بكة الحرام، وضعتها يوم صنعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى تزول أخشباها مبارك لأهلها في اللحم والماء.
وحدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا رشيد بن أبي كريب عن أبيه عن ابن عباس رضوان الله عليه قال: لما هدموا الكعبة البيت وبلغوا أساس إبراهيم وجدوا في حجر من الأساس كتاباً فدعوا له رجلاً من أهل اليمن، وآخر من الرهبان، فإذا فيه أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السموات والأرض والشمس والقمر ويوم صنعت هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حنفاء.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: وأخبرني ابن جريج قال: أخبرنا مجاهد قال: إن في حجر في الحجر أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، مبارك لأهلها في اللحم والماء، يحلها أهلها، ولا يحلها أول من أهلها وقال: لا تزول حتى تزول الأخشبان، قال أبو محمد الخزاعي: الأخشبان يعني الجبلين، قال: وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: أخبرني خصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد قال: وجد في بعض الزبور أنا الله ذو بكة جعلتها بين هذين الجبلين وصغتها يوم صغت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء وجعلت رزق أهلها من ثلاثة سبل فليس يؤتى أهل مكة إلا من ثلاث طرق من أعلى الوادي وأسفله، وكذا، وباركت لأهلها في اللحم والماء.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان قال: أخبرني محمد ابن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد أنه حدثه أنهم وجدوا في بئر الكعبة في نقضها كتابين من صفر مثل بيض النعام مكتوب في إحداهما هذا بيت الله الحرام رزق الله أهله العبادة لا يحله أول من أهله والآخر براءة لبني فلان حي من العرب من حجة لله حجوها.
قال: حدثني جدي قال: قال عثمان: أخبرني ابن إسحاق أن قريشاً وجدت في الركن كتاباً بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من اليهود قال: فإذا هو أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى تزول أخشاها مبارك لأهلها في الماء واللبن حدثني جدي قال: قال عثمان: أخبرني محمد بن إسحاق قال: زعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجراً في الكعبة قبل مبعث النبي )ص( بأربعين حجة وذلك عام الفيل ان كان ما ذكر لي حقاً. من يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة تعملون السيئات، وتجزون الحسنات أجل كما لا يجتنى من الشوك العنب.

ذكر ولاية بني إسماعيل بن إبراهيم

عليهما السلام الكعبة بعده، وأمر جرهم


حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لقريش: إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم فاستخفوا بحقه، واستحلوا حرمته فأهلكهم الله، ثم وليته بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله فلا تهاونوا به وعظموا حرمته. حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: ولد لاسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام إثني عشر رجلاً وأمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي فولدت له اثني عشر رجلاً نابت ابن إسماعيل، وقيدار بن إسماعيل، وواصل بن إسماعيل، ومياس ابن إسماعيل، وآزر وطيما بن إسماعيل ويطور بن إسماعيل، ونبش بن إسماعيل، وقيدما بن إسماعيل وكان عمر إسماعيل فيما يذكرون ثلاثين وماية سنة فمن نابت بن إسماعيل، وقيدار ابن إسماعيل نشر الله العرب وكان أكبرهم قيدار ونابت ابنا إسماعيل ومنهما نشر الله العرب، وكان من حديث جرهم وبني إسماعيل أن إسماعيل لما توفي دفن مع أمه في الحجر، وزعموا أن فيه دفنت حين ماتت فولي البيت نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه، ثم توفي نابت بن إسماعيل فولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي وهو جد نابت بن إسماعيل أبو أمه وضم بني نابت بن إسماعيل وبني إسماعيل إليه فصاروا مع جدهم أبي أمهم مضاض ابن عمرو ومع أخوالهم من جرهم، وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة وعلى جرهم مضاض بن عمرو ملكاً عليهم، وعلى قطورا رجل منهم يقال له السميدع ملكاً عليهم وكانا حين ظعنا من اليمن أقبلا سيارة، وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم فلما نزلا مكة رأيا بلداً طيباً وإذا ماء وشجر فأعجبهما فنزلا به فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم أعلى مكة وقعيقعان، فحاز ذلك، ونزل السميدع أجيادين وأسفل مكة فما حاز ذلك، وكان مضاض بن عمرو يعشر من دخل مكة من أعلاها، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ومن كدى وكل في قومه على حياله لا يدخل واحد منهما على صاحبه في ملكه، ثم ان جرهما وقطورا بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها واقتتلوا بها حتى نشبت الحرب أو شبت الحرب بينهم على الملك وولاة الأمر بمكة مع مضاض بن عمرو بنو نابت بن إسماعيل، وبنو إسماعيل وإليه ولاية البيت دون السميدع فلم يزل بينهم البغي حتى سار بعضهم إلى بعض فخرج مضاض ابن عمرو من قعيقعان في كتيبته سايراً إلى السميدع ومع كتيبته عدتها من الرماح، والدرق، والسيوف والجعاب تقعقع بذلك معه ويقال ما سميت قعيقعان إلا بذلك وخرج السميدع بقطورا من أجياد معه الخيل والرجال ويقال ما سمي أجياد، أجياداً إلا لخروج الخيل الجياد منه مع السميدع حتى التقوا بفاضح فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل السميدع وفضحت قطورا ويقال ما سمي فاضح فاضحاً إلا بذلك، ثم إن القوم تداعوا للصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعباً بأعلى مكة يقال له شعب عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فاصطلحوا بهذا الشعب واسلموا الأمر إلى ماض بن عمرو الجرهمي فلما جمع إليه أمر أهل مكة وصار ملكها له دون السميدع نحر للناس وأطعمهم فأطبخ للناس كلهم فأكلوا فيقال: ما سميت المطابخ، مطابخ إلا بذلك، قال: فكان الذي كان بين مضاض بن عمرو، والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون فقال مضاض بن عمرو الجرهمي: هي تلك الحرب يذكر السميدع، وقتله، وبغيه والتماسه ما ليس له.

ونحن قتلنا سيد الـحـي عـنـوة

 

فأصبح فيها وهو حيران موجـع

وما كان يبغي أن يكون سـواءنـا

 

بها ملكا حتى أتانا الـسـمـيدع

فذاق وبالا حين حاول ملـكـنـا

 

وعالج منـا غـصة تـتـجـرع

فنحن عمرنا البيت كـنـا ولاتـه

 

نحامي عنه من أتانـا ونـدفـع

وما كان يبغي أن يلي ذاك غيرنـا

 

ولم يك حي قبلنـا ثـم يمـنـع

وكنا ملوكاً في الدهور التي مضت

 

ورثنا ملوكا لا ترام فـتـوضـع


قال ابن إسحاق: وقد زعم بعض أهل العلم انما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها وأطعم بها وكانت منزله، قال: ثم نشر الله تعالى بني إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم إذ ذاك الحكام بمكة وولاة البيت كانوا كذلك بعد نابت بن إسماعيل فلما ضاقت عليهم مكة وانتشروا بها انبسطوا في الأرض وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض فلا يأتون قوماً، ولا ينزلون بلداً إلا أظهرهم الله عز وجل عليهم بدينهم فوطئوهم، وغلبوهم عليها حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق ومن كان ساكناً بلادهم التي كانوا اصطلحوا عليها من غيرهم وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم اياه بنو إسماعيل لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم ان يكون به بغي أو قتال.
حدثني بعض أهل العلم قال: كانت العماليق وهم ولاة الحكم بمكة فضيعوا حرمة البيت الحرام واستحلوا فيه أموراً عظاماً ونالوا ما لم يكونوا ينالون فقام رجل منهم يقال له عموق فقال: يا قوم ابقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر الأمم قبلكم قوم هود، وصالح، وشعيب فلا تفعلوا وتواصلوا فلا تستخفوا بحرم الله وموضع بيته واياكم والظلم والالحاد فيه فانه ما سكنه أحد قط فظلم فيه والحد إلا قطع الله دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدل أرضها غيرهم حتى لا يبقى لهم باقية فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا في هلكة أنفسهم، قالوا ثم إن جرهما وقطورا خرجوا سيارة من اليمن وأجدبت بلادهم عليهم فساروا بذراريهم ونعمهم وأموالهم وقالوا: نطلب مكاناً فيها مرعى تسمن فيه ماشيتنا وان أعجبنا أقمنا فيه فإن كل بلاد ينزلها أحد ومعه ذريته وماله فهي وطنه وإلا رجعنا إلى بلدنا فلما قدموا مكة وجدوا فيها ماء طيباً، وعضاهاً ملتفة من سلم، وسمر ونباتا يسمن مواشيهم وسعة من البلاد ودفأ من البرد في الشتاء فقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأقاموا مع العماليق، وكان لا يخرج من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم وكان ذلك سنة فيهم ولو كانوا نفراً يسيراً فكان مضاض بن عمرو ملك جرهم والمطاع فيهم وكان السميدع ملك قطورا فنزل مضاض بن عمرو أعلى مكة وكان يعشر من دخلها من أعلاها وكان حوزهم وجه الكعبة والركن الأسود والمقام وموضع زمزم مصعداً يميناً وشمالاً وقعيقعان إلى أعلى الوادي، ونزل السميدع أسفل مكة وأجيادين وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها وكان حوزهم المسفلة ظهر الكعبة والركن اليماني والغربي وأجيادين والثنية إلى الرمضة فبنيا فيها البيوت واتسعا في المنازل وكثروا على العماليق فنازعتهم العماليق فمنعتهم جرهم وأخرجوهم من الحرم كله فكانوا في أطرافه لا يدخلونه فقال لهم صاحبهم عموق: ألم أقل لكم لا تستخفوا بحرمة الحرم فغلبتموني، فجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما وكثروا وربلوا وأعجبتهم البلاد وكانوا قوماً عرباً وكان اللسان عربياً، فكان إبراهيم خليل الله عليه السلام يزور إسماعيل عليه السلام فلما سمع لسانهم وإعرابهم سمع لهم كلاماً حسناً ورأى قوماً عرباً وكان إسماعيل قد أخذ بلسانهم أمر إسماعيل أن ينكح فيهم فخطب إلى مضاض ابن عمرو ابنته رعلة فزوجه اياها فولدت له عشرة ذكور وهي أم البيت وهي زوجته التي غسلت رأس إبراهيم حين وضع رجله على المقام، قالوا: وتوفي إسماعيل ودفن في الحجر وكانت أمه قد دفنت في الحجر أيضاً وترك ولداً من رعلة ابنة مضاض بن عمرو الجرهمي فقام مضاض بأمر ولد إسماعيل وكفلهم لأنهم بنو ابنته فلم يزل أمر جرهم يعظم بمكة ويستفحل حتى ولوا البيت فكانوا ولاته وحجابه وولاة الأحكام بمكة فجاء سيل فدخل البيت فانهدم فأعادته جرهم على بناء إبراهيم عليه السلام وكان طوله في السماء تسعة أذرع. وقال بعض أهل العلم كان الذي بنى البيت لجرهم أبو الجدرة فسمي عمرو الجادر وسموا بنو الجدرة، قال: ثم إن جرهماً استخفوا بأمر البيت والحرم، وارتكبوا أموراً عظاماً، واحدثوا فيها أحداثاً لم تكن. فقام مضاض بن عمرو بن الحارث فيهم فقال: يا قوم احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فاخرجتموهم فتفرقوا في البلاد فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله ولا تظلموا من دخله وجاءه معظماً لحرمته أو آخر جاء بايعاً لسلعته أو مرتغباً في جواركم فانكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن والطير يأمن فيه، قال قائل منهم: يقال له مجدع من الذي يخرجنا منه ? ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالاً وسلاحا ? فقال مضاض ابن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما تقولون. فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون، وكان للبيت خزانة بئر في بطنه يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له وهو يومئذ لا سقف له فتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله وسقط منكساً فهلك وفر الأربعة الآخرون فعند ذلك مسحت الأركان الأربعة، ود بلغنا  
في الحديث أن إبراهيم خليل الله مسح الأركان الأربعة كلها أيضاً، وبلغنا في الحديث أن آدم مسح قبل ذلك الأركان الأربعة فلما كان من أمر هؤلاء الذين حاولوا سرقة ما في خزانة الكعبة ما كان بعث الله حية سوداء الظهر، بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدي فحرست البيت خمسماية سنة لا يقربه أحد بشيء من معاصي الله إلا أهلكه الله تعالى، ولا يقدر أحد أن يروم سرقة ما كان في الكعبة، فلما أرادت قريش بناء البيت منعتهم الحية هدمه فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند المقام ثم دعوا الله تعالى فقالوا: اللهم ربنا إنما أردنا عمارة بيتك فجاء طير أسود الظهر، أبيض البطن أصفر الرجلين فأخذها فاحتملها فجرها حتى ادخلها أجياداً. وقال بعض أهل العلم: ان جرهماً لما طغت في الحرم دخل رجل منهم وامرأة يقال لهما أساف ونايلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين فاخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا فلم يزل أمرهما يدرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان. وقال بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحى دعا الناس إلى عبادتهما وقال للناس: إنما نصبا ها هنا أن آباءكم ومن قبلكم كانوا يعبدونهما وإنما ألقاه إبليس عليه وكان عمرو بن لحى فيهم شريفاً سيداً مطاعاً ما قال لهم فهو دين متبع، قال: ثم حولهما قصي بن كلاب بعد ذلك فوضعهما يذبح عندهما وجاه الكعبة عند موضع زمزم وقد اختلف علينا في نسبهما فقال: قائل اساف ابن بغا ونايلة بنت ذئب فالذي ثبت عندنا من ذلك عمن نثق به منهم عبد الرحمن بن أبي الزناد كان يقول: هو أساف بن سهيل ونايلة بنت عمرو ابن ذيب. وقال بعض أهل العلم: انه لم يفجر بها في البيت وانما قبلها، قالوا: فلم يزالا يعبدان حتى كان يوم الفتح فكسرا، وكانت مكة لا يقر فيها ظالم، ولا باغ، ولا فاجر إلا نفي منها وكان نزلها بعهد العماليق وجرهم جبابرة فكل من أراد البيت بسوء أهلكه الله فكانت تسمى بذلك الباسة. ويروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سميت بكة لأنها كانت تبك أعناق الجبابرة. وحدثني جدي قال: ويروى عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول: سمي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة أن يسطوا عليه. وروي عن عطاء بن يسار ومحمد بن كعب القرظي أنهما كانا يقولان: إنما سمي البيت العتيق لقدمه.ي الحديث أن إبراهيم خليل الله مسح الأركان الأربعة كلها أيضاً، وبلغنا في الحديث أن آدم مسح قبل ذلك الأركان الأربعة فلما كان من أمر هؤلاء الذين حاولوا سرقة ما في خزانة الكعبة ما كان بعث الله حية سوداء الظهر، بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدي فحرست البيت خمسماية سنة لا يقربه أحد بشيء من معاصي الله إلا أهلكه الله تعالى، ولا يقدر أحد أن يروم سرقة ما كان في الكعبة، فلما أرادت قريش بناء البيت منعتهم الحية هدمه فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند المقام ثم دعوا الله تعالى فقالوا: اللهم ربنا إنما أردنا عمارة بيتك فجاء طير أسود الظهر، أبيض البطن أصفر الرجلين فأخذها فاحتملها فجرها حتى ادخلها أجياداً. وقال بعض أهل العلم: ان جرهماً لما طغت في الحرم دخل رجل منهم وامرأة يقال لهما أساف ونايلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين فاخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا فلم يزل أمرهما يدرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان. وقال بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحى دعا الناس إلى عبادتهما وقال للناس: إنما نصبا ها هنا أن آباءكم ومن قبلكم كانوا يعبدونهما وإنما ألقاه إبليس عليه وكان عمرو بن لحى فيهم شريفاً سيداً مطاعاً ما قال لهم فهو دين متبع، قال: ثم حولهما قصي بن كلاب بعد ذلك فوضعهما يذبح عندهما وجاه الكعبة عند موضع زمزم وقد اختلف علينا في نسبهما فقال: قائل اساف ابن بغا ونايلة بنت ذئب فالذي ثبت عندنا من ذلك عمن نثق به منهم عبد الرحمن بن أبي الزناد كان يقول: هو أساف بن سهيل ونايلة بنت عمرو ابن ذيب. وقال بعض أهل العلم: انه لم يفجر بها في البيت وانما قبلها، قالوا: فلم يزالا يعبدان حتى كان يوم الفتح فكسرا، وكانت مكة لا يقر فيها ظالم، ولا باغ، ولا فاجر إلا نفي منها وكان نزلها بعهد العماليق وجرهم جبابرة فكل من أراد البيت بسوء أهلكه الله فكانت تسمى بذلك الباسة. ويروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سميت بكة لأنها كانت تبك أعناق الجبابرة. وحدثني جدي قال: ويروى عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول: سمي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة أن يسطوا عليه. وروي عن عطاء بن يسار ومحمد بن كعب القرظي أنهما كانا يقولان: إنما سمي البيت العتيق لقدمه.
حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن خيثم قال: كان بمكة حي يقال لهم: العماليق فأحدثوا فيها إحداثاً فجعل الله تعالى يقودهم بالغيث ويسوقهم بالسنة، يضع الغيث أمامهم فيذهبون ليرجعوا فلا يجدون شيئاً فيتبعون الغيث حتى ألحقهم بمساقط رؤوس آبائهم، وكانوا من حمير ثم بعث الله عز وجل عليهم الطوفان قال أبو خالد الزنجي: فقلت لابن خيثم: وما الطوفان ? قال: الموت. حدثني جدي سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء عن ابن عباس رضوان الله عليه أنه كان بمكة حي يقال لهم: العماليق فكانوا في عزة وكثرة، وثروة وكانت لهم أموال كثيرة من خيل، وإبل، وماشية وكانت ترعى بمكة وما حولها من مر، ونعمان وما حول ذلك، وكانت الخرف عليهم مظلة، والأربعة مغدقة، والأودية نجال، والعضاه ملتفة والأرض مبقلة وكانوا في عيش رخي فلم يزل بهم البغي والاسراف على أنفسهم والالحاد بالظلم واظهار المعاصي والاضطهاد لمن قاربهم ولم يقبلوا ما اوتوا بشكر الله حتى سلبهم الله تعالى ذلك فنقصهم بحبس المطر عنهم، وتسليط الجدب عليهم فكانوا يكرون بمكة الظل ويبيعون الماء فأخرجهم الله تعالى من مكة بالذر سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم فكانوا حوله ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث امامهم ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم الله تعالى بمساقط رؤوس آبائهم وكانوا قوماً عرباً من حمير فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا فأبدل الله تعالى الحرم بعدهم بجرهم فكانوا سكانه حتى بغوا فيه واستخفوا بحقه فأهلكم الله عز وجل جميعاً.

ما ذكر من ولاية خزاعة الكعبة

بعد جرهم، وأمر مكة


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن الكلبي عن أبي صالح قال: لما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أموراً عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون واستخفوا بحرمة الحرم وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها سراً وعلانية وكلما عدا سفيه منهم على منكر وجد من أشرافهم من يمنعه ويدفع عنه وظلموا من دخلها من غير أهلها حتى دخل رجل منهم بامرأته الكعبة فيقال فجربها أو قبلها فمسخا حجرين فرق أمرهم فيها وضعفوا وتنازعوا أمرهم بينهم واختلفوا وكانوا قبل ذلك من أعز حي في العرب وأكثرهم رجالاً، وأموالاً، وسلاحاً، وأعز عزة فلما رأى ذلك رجل منهم يقال له: مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض ابن عمرو قام فيهم خطيباً فوعظهم وقال: يا قوم ابقوا على أنفسكم وراقبوا الله في حرمه وامنه فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر هذه الأمم قبلكم قوم هود وقوم صالح وشعيب فلا تفعلوا وتواصلوا وتواصوا بالمعروف وانتهوا عن المنكر ولا تستخفوا بحرم الله تعالى وبيته الحرام، ولا يغرنكم ما أنتم فيه من الأمن والقوة فيه، واياكم والالحاد فيه بالظلم فإنه بوار وايم الله لقد علمتم انه ما سكنه أحد قط فظلم فيه وألحد إلا قطع الله عز وجل دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدل أرضها غيرهم، فاحذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله قد رأيتم وسمعتم من سكنه قبلكم من طسم وجديس والعماليق ممن كانوا أطول منكم أعماراً وأشد قوة، وأكثر رجالاً وأموالاً، وأولاداً فلما استخفوا بحرم الله وألحدوا فيه بالظلم أخرجهم الله منها بالأنواع الشتى فمنهم من أخرج بالذر، ومنهم من أخرج بالجدب، ومنهم من أخرج بالسيف، وقد سكنتم مساكنهم، وورثتم الأرض من بعدهم، فوقروا حرم الله وعظموا بيته الحرام وتنزهوا عنه وعما فيه ولا تظلموا من دخله وجاء معظماً لحرماته وآخر جاء بايعاً لسلعته أو مرتغباً في جواركم، فإنكم ان فعلتم ذلك تخوفت ان تخرجوا من حرم الله خروج ذل، وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن والطير والوحوش تأمن فيه، فقال له قائل منهم: يرد عليه يقال له: مجذع من الذي يخرجنا منه ? ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالاً وسلاحاً فقال له مضاض بن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما تقولون فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون، فلما رأى مضاض ابن عمرو بن الحارث بن مضاض ما تعمل جرهم في الحرم وما تسرق من مال الكعبة سراً وعلانية عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب وأسياف قلعية فدفنها في موضع بئر زمزم وكان ماء زمزم قد نضب وذهب لما احدثت جرهم في الحرم ما احدثت حتى غبي مكان البير ودرس فقام مضاض بن عمرو وبعض ولده في ليلة ملمة فحفر في موضع بئر زمزم وأعمق ثم دفن فيه الأسياف والغزالين فبينا هم على ذلك إذ كان من أمر أهل مأرب ما ذكر أنه ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقياء بن ماء السماء وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرء القيس ابن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب ابن يعرب بن قحطان وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو وقومه من بلد إلى بلد لا يطأون بلداً إلا غلبوا عليه وقهروا أهله حتى يخرجوا منه ولذلك حديث طويل اختصرناه، فلما قاربوا مكة ساروا ومعهم طريفة الكاهنة فقالت لهم: سيروا وأسيروا فلن تجتمعوا أنتم ومن خلفتم أبداً فهذا لكم أصل وأنتم له فرع ثم قالت: مه مه وحق ما أقول ما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم رب جميع الأنس من عرب وعجم، فقالوا: لها ما شأنك يا طريفة ? قالت: خذوا البعير فخضبوه بالدم تلون أرض جرهم جيران بيته المحرم، قال: فلما انتهوا إلى مكة وأهلها جرهم وقد قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم أرسل إليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر يا قوم إنا قد خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلداً إلا فسح أهلها لنا وتزحزحوا عنا فنقيم معهم حتى نرسل روادنا فيرتادون لنا بلداً يحملنا فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح ونرسل روادنا إلى الشام وإلى الشرق فحيث ما بلغنا أنه أمثل لحقنا به وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيراً؛ فأبت جرهم ذلك إباء شديداً واستكبروا في أنفسهم وقالوا: لا والله ما نحب أن  
تنزلوا معنا فتضيقون علينا مراتعنا ومواردنا فارحلوا عنا حيث أحببتم فلا حاجة لنا بجواركم، فأرسل اليهم ثعلبة أنه لا بد لي من المقام بهذا البلد حولا حتى يرجع إلي رسلي التي أرسلت فإن تركتموني طوعاً نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الرعي والماء، وأن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلا فضلاً ولن تشربوا إلا رنقاً، سئل أبو الوليد عن الرنق فقال الكدر من الماء وانشد لزهير:وا معنا فتضيقون علينا مراتعنا ومواردنا فارحلوا عنا حيث أحببتم فلا حاجة لنا بجواركم، فأرسل اليهم ثعلبة أنه لا بد لي من المقام بهذا البلد حولا حتى يرجع إلي رسلي التي أرسلت فإن تركتموني طوعاً نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الرعي والماء، وأن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلا فضلاً ولن تشربوا إلا رنقاً، سئل أبو الوليد عن الرنق فقال الكدر من الماء وانشد لزهير:

كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقـت

 

من طيب الراح لما بعد أن غبنا

سح السقات على ناجودها شبما

 

من ماء لينة لا طلقا ولا رنقـا

وإن قاتلتموني قاتلتكم ثم ان ظهرت عليكم سبيت النساء، وقتلت الرجال ولم أترك أحداً منكم ينزل الحرم أبداً، فأبت جرهم أن تتركه طوعاً وتعبت لقتاله فاقتتلوا ثلاثة أيام وأفرغ عليهم الصبر ومنعوا النصر ثم انهزمت جرهم فلم ينفلت منهم إلا الشريد وكان مضاض بن عمرو بن الحارث قد اعتزل جرهماً ولم يعن جرهماً في ذلك وقال: قد كنت احذركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتى نزلوا قنونا وحلى وما حول ذلك فبقايا جرهم بها إلى اليوم وفنيت جرهم أفناهم السيف في تلك الحرب وأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا فأصابتهم الحمى وكانوا في بلد لا يدرون فيه ما الحمى ? فدعوا طريفة فأخبروها الخبر فشكوا إليها الذي أصابهم فقالت لهم: قد أصابني بؤس الذي تشكون وهو مفرق ما بيننا قالوا: فماذا تأمرين ? فقالت: فيكم ومنكم الأمير وعلى التسيير قالوا: فما تقولين ? قالت: من كان منكم ذا هم بعيد، وجمل شديد، ومزاد جديد، فليلحق بقصر عمان المشيد. فكان ازد عمان ثم قالت: من كان منكم ذا جلد وقصر، وصبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خزاعة. ثم قالت: من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج. ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر والخمير، والملك ولتامير، وتلبس الديباج والحرير، فليلحق ببصرى وعوير وهما من أرض الشام فكان الذي سكنوهما آل جفنة من غسان ثم قالت: من كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيل العتاق، وكنوز الأرزاق، والدم المهراق، فليلحق بأرض العراق. فكان الذي سكنوها آل جذيمة الأبرش، ومن كان بالحيرة من غسان، وآل محرق حتى جاءهم روادهم فافترقوا من مكة فرقتين فرقة توجهت إلى عمان وهم ازد عمان وسار ثعلبة بن عمرو بن عامر نحو الشام فنزلت الأوس والخزرج ابنا حارثة ابن ثعلبة بن عمرو بن عامر وهم الأنصار بالمدينة ومضت غسان فنزلوا الشام ولهم حديث طويل اختصرناه، وانخزعت خزاعة بمكة فأقام بها ربيعة ابن حارثة بن عمرو بن عامر وهو لحى فولي أمر مكة، وحجابة الكعبة وقال حسان بن ثابت الأنصاري يذكر انخزاع خزاعة بمكة ومسير الأوس والخزرج إلى المدينة، وغسان إلى الشام:

فلما هبطنا بطن مر تـخـزعـت

 

خزاعة منا في حلول كـراكـر

حموا كل واد من تهامة واحتمـوا

 

بصم القنا والمرهفات البـواتـر

فكان لها المرباع في كـل غـارة

 

تشن بنجد والفجـاج الـعـوابـر

خزاعتنا أهل اجتهـاد وهـجـرة

 

وانصارنا جند النبي المـهـاجـر

وسرنا فلما ان هبطنـا بـيثـرب

 

بلا وهن منا ولا بـتـشـاجـرد

وجدنا بها رزقاً عدامـل بـقـيت

 

وآثار عاد بالحلال الـظـواهـر

فحلت بها الأنصار ثـم تـبـوأت

 

بيثربها دارا علـى خـير طـاير

بنو الخزرج الخيار والأوس انهـم

 

حموها بفتيان الصباح البـواكـر

نفوا من طغا في الدهر عنها وذببوا

 

يهودا بأطراف الرماح الخواطـر

وسارت لـنـا سـيارة ذات قـوة

 

بكوم المطايا والخيول الجماهـر

يؤمون نحو الشام حتى تمـكـنـوا

 

ملوكاً بأرض الشام فوق المنابـر

يصيبون فصل القول في كل خطبة

 

إذا وصلوا ايمانهم بالمحـاضـر

أولاك بنو ماء السمـاء تـوارثـوا

 

دمشقاً بملك كابراً بعـد كـابـر

قال: فلما حازت خزاعة أمر مكة وصاروا أهلها جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة فلم يدخلوا في ذلك فسألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة ما أحزنه أرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول عليهم والنزول معهم بمكة في جوارهم ومت إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال وسوء السيرة في الحرم واعتزاله الحرب فأبت خزاعة أن تقررهم ونفتهم عن الحرم كله ولم يتركوهم ينزلون معهم فقال عمرو بن لحى: وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر لقومه من وجد منكم جرهمياً قد قارب الحرم فدمه هدر. فنزعت ابل لمضاض بن عمرو ابن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي من قنونا تريد مكة فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة فمضى على الجبال من نحو أجياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الابل في بطن وادي مكة فأبصر الابل تنحر وتوكل لا سبيل له إليها فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولى منصرفاً إلى أهله وانشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

 

أنيس ولم يسمر بمـكة سـامـر

ولم يتربع واسطـاً فـجـنـوبـه

 

إلى المنحنا من ذي الاراكة حاضر

بلى نحن كنا، أهلهـا فـأزالـنـا

 

صروف الليالي والجدود العواثـر

وبدلنـا ربـي بـهـا دار غـربة

 

بها الذيب يعوي والعدو المحاصر

فإن تملء الدنيا علينـا بـكـلـهـا

 

وتصبح حال بعدنـا وتـشـاجـر

فكنا ولاة البيت من بعـد نـابـت

 

نطوف بهذا البيت والخير ظاهـر

ملكنا فعززنا فاعظم بمـلـكـنـا

 

فليس لحي غيرنـا ثـم فـاخـر

فانكح جدي خير شخص علمـتـه

 

فابناؤه منا ونـحـن الاصـاهـر

فان تنثني الدنيا علينا بـحـالـهـا

 

فان لها حالا وفيها الـتـشـاجـر

فاخرجنا منها المـلـيك بـقـدرة

 

كذلك بين الناس تجري المـقـادر

أقول إذا نام الـخـلـي ولـم أنـم

 

أذا العرش لا يبعد سهيل وعامـر

وبدلت منهم أوجهـاً لا أحـبـهـا

 

وحمير قد بدلتـهـا والـيحـابـر

وصرنا أحاديثاً وكنـا بـغـبـطة

 

كذلك عضتنا السنون الـغـوابـر

فسحت دموع العين تبكي لـبـلـدة

 

بها حرم أمن وفيها المـشـاعـر

بواد أنيس لـيس يؤذي حـمـامـه

 

ولا منفراً يوماً وفيها العصـافـر

وفيهـا وحـوش لا تـرام أنـيسة

 

إذا خرجت منها فما أن تـغـادر

فيا ليت شعري هل تعمر بعـدنـا

 

جياد فممضى سيله فالظـواهـر

فبطن منى وحش كأن لم يسر بـه

 

مضاض ومن حبي عدي عمـاير

وقال أيضاً:

يا أيها الحي سيروا إن قصركـم

 

أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

إنا كما كنتموا كنـا فـغـيرنـا

 

دهر فسوف كما صرنا تصيرونا

حثوا المطي وأرخوا من أزمتها

 

قبل الممات وقضوا ما تقضونـا

قد مال دهر علينا ثم أهلـكـنـا

 

بالبغي فيه وبر الناس ناسـونـا

إن التفكر لا يجدي بصـاحـبـه

 

عند البديهة في علم لـه دونـا

قضوا أموركم بالحزم إن لـهـا

 

أمور رشد رشدتم ثم مسنـونـا

واستخبروا في صنيع الناس قبلكم

 

كما استبان طريق عنده الهونـا

كنا زماناً ملوك الناس قبـلـكـم

 

بمسكن في حرام اللّه مسكونـا


قال فانطلق مضاض بن عمرو نحو اليمين إلى أهله وهم يتذاكرون ما حال بينهم وبين مكة وما فارقوا من أمتها، وملكها فحزنوا على ذلك حزناً شديداً فبكوا على مكة وجعلوا يقولون الأشعار في مكة، واحتازت خزاعة بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة وفيهم بنو إسماعيل بن إبراهيم بمكة وما حولها لا ينازعهم أحد منهم في شيء من ذلك ولا يطلبونه فتزوج لحي وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر فهيرة بنت عامر بن عمرو بن الحارث ابن مضاض بن عمرو الجرهمي ملك جرهم فولدت له عمرواً وهو عمرو ابن لحي وبلغ بمكة وفي العرب من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده في الجاهلية وهو الذي قسم بين العرب في حطمة حطموها عشرة آلاف ناقة وقد كان قد أعور عشرين فحلا وكان الرجل في الجاهلية إذا ملك ألف ناقة فقأ عين فحل إبله فكان قد فقأ عين عشرين فحلا، وكان أول من أطعم الحاج بمكة سدايف الابل ولحمانها على الثريد وعم في تلك السنة جميع حاج العرب بثلاثة أثواب من برود اليمن وكان قد ذهب شرفه في العرب كل مذهب وكان قوله فيهم ديناً متبعاً لا يخالف وهو الذي بحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، وسيب السايبة؛ ونصب الاصنام حول الكعبة، وجاء بهبل من هيت من أرض الجزيرة فنصبه في بطن الكعبة فكانت قريش والعرب تستقسم عنده بالأزلام، وهو أول من غير الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام وكان أمره بمكة في العرب مطاعاً لا يعصى، وكان بمكة رجل من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل وكان شاعراً فقال: لعمرو ابن لحي حين غير الحنيفية:

يا عمرو لا تظلم بمكة

 

إنهـا بـلـد حـرام

سايل بعـاد أين هـم

 

وكذاك تحترم الأنـام

وبني العماليق الـذين

 

لهم بها كان السـوام

فزعموا أن عمرو بن لحي اخرج ذلك الجرهمي من مكة فنزل بأطم من اعراض مدينة النبي )ص( نحو الشام فقال الجرهمي: وقد تشوق إلى مكة:

الا ليت شعري هل أبيتن لـيلة

 

وأهلي معاً بالمازمين حلـول

وهل ارين العيس تنفخ في البرا

 

لها بمن والمـأزمـين ذمـيل

منازل كنا أهلها لم تحل بـنـا

 

زمان بها فيما أراه تـحـول

مضى أولونا راضيين بشانهـم

 

جميعاً وغالتني بمـكة غـول

قال فكان عمرو بن لحي يلي البيت وولده من بعده خمسمائة سنة حتى كان آخرهم حليل بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو فتزوج إليه قصي ابنته حبى ابنة حليل وكانوا هم حجابه، وخزانه والقوام به، وولاة الحكم بمكة وهو عامر لم يخرب فيه خراب ولم تبن خزاعة فيه شيئاً بعد جرهم ولم تسرق منه شيئاً علمناه ولا سمعنا به وترافدوا على تعظيمه، والذب عنه وقال في ذلك عمرو بن الحارث بن عمرو الغبشاني:

نحن وليناه فلم نغـشـه

 

وابن مضاض قايم يهشه

ياخذ ما يهدى له يفشـه

 

نترك مال اللّه ما نمشه

حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران قال: خرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي قبيل الاسلام في نفر من قريش يريدون اليمن فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق وأمسوا على غير الطريق فساروا جميعاً فقال لهم أبو سلمة: اني أرى ناقتي تنازعني شقا أفلا أرسلها وأتبعها ? قالوا: فافعل فأرسل ناقته وتبعها فأصبحوا على ماء وحاضر فاستقوا وسقوا فانهم لعلى ذلك إذ أقبل اليهم رجل فقال: من القوم ? فقالوا: من قريش قال: فرجع إلى شجرة فقام امام الماء فتكلم عندها بشيء ثم رجع الينا فقال: لينطلقن أحدكم معي إلى رجل يدعوه قال أبو سلمة: فانطلقت معه فوقف بي تحت شجرة فإذا وكر معلق قال: فصوت به يا أبه يا أبه قال: فزعزع شيخ رأسه فأجابه، قال: هذا الرجل قال لي: من الرجل ? قلت: من قريش قال: من أيها ? قلت: من بني مخزوم بن يقظة قال: ايهم ? قلت: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ابن يقظة قال: ايهات منك أنا ويقظة سن أتدري من يقول ?:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

 

أنيس ولم يسمر بمـكة سـامـر

بلى نحن كنا أهلهـا فـأزالـنـا

 

صروف الدهر والجدود العواثـر


قلت لا قال: أنا قايلها أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي أتدري لم سمي أجياد أجياداً? قلت لا قال: جادت بالدماء يوم التقينا نحن وقطورا أتدري لم سمي قعيقعان قعيقعان قلت لا قال: لتقعقع السلاح في ظهورنا لما طلعنا عليهم منه

باب ما جاء في

ولاية قصي بن كلاب البيت الحرام

وأمر مكة بعد خزاعة وما ذكر من ذلك

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن ابن جريج وعن ابن إسحاق يزيد أحدهما على صاحبه قالا: أقامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة وكان بعض التبابعة قد سار إليه وأراد هدمه وتخريبه فقامت دونه خزاعة فقاتلت عليه أشد القتال حتى رجع ثم آخر فكذلك وأما التبع الثالث الذي نحر له وكساه وجعل له غلقاً وأقام عنده أياماً ينحر كل يوم ماية بدنة لا يرزأ هو ولا أحد من أهل عسكره شيئاً منها يردها الناس في الفجاج والشعاب فيأخذون منها حاجتهم ثم تقع عليها الطير فتأكل ثم تنتابها السباع إذا أمست لا يرد عنها انسان ولا طير ولا سبع ثم رجع إلى اليمن انما كان في عهد قريش فلبثت خزاعة على ما هي عليه وقريش إذ ذاك في بني كنانة متفرقة وقد قدم في بعض الزمان حاج قضاعة فيهم ربيعة بن حرام ابن ضبة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن زيد وقد هلك كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وترك زهرة وقصيا ابني كلاب مع امهما فاطمة بنت عمرو بن سعد بن سيل، وسعد بن سيل الذي يقول فيه الشاعر وكان أشجع أهل زمانه:

لا أرى في الناس شخصاً واحداً

 

فاعلموا ذاك كسعد بن سـيل

فارس أضبط فـيه عـسـرة

 

فإذا ما عاين الـقـرن نـزل

فارس يستدرج الخـيل كـمـا

 

يدرج الحر القطامي الحجـل


وزهرة أكبرهما فتزوج ربيعة بن حرام أمهما وزهرة رجل بالغ، وقصي فطيم أو في سن الفطيم فاحتملها ربيعة إلى بلادهم من أرض عذرة من أشراف الشام فاحتملت معها قصياً لصغره وتخلف زهرة في قومه فولدت فاطمة ابنة عمرو بن سعد لربيعة رزاح بن ربيعة فكان أخا قصي بن كلاب لأمه ولربيعة بن حرام من امرأة اخرى ثلاثة نفرحن، ومحمود، وجلهمة بنو ربيعة فبينا قصي بن كلاب في أرض قضاعة لا ينتمي إلا إلى ربيعة بن حرام إذ كان بينه وبين رجل من قضاعة شيء وقصي قد بلغ فقال له القضاعي: الا تلحق بنسبك وقومك فانك لست منا فرجع قصي إلى أمه وقد وجد في نفسه مما قال له القضاعي فسألها عما قال له فقالت: والله أنت يا بني خير منه وأكرم أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة وقومك عند البيت الحرام وما حوله. فأجمع قصي للخروج إلى قومه واللحاق بهم وكره الغربة في أرض قضاعة فقالت له أمه يا بني لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب فاني أخشى عليك. فأقام قصي حتى دخل الشهر الحرام وخرج في حاج قضاعة حتى قدم مكة فلما فرغ من الحج أقام بها وكان قصي رجلاً جليداً حازماً بارعاً فخطب إلى حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي ابنته حبى ابنة حليل فعرف حليل نسبه ورغب في الرجل فزوجه وحليل يومئذ يلي الكعبة وأمر مكة، فأقام قصي معه حتى ولدت حبى لقصي عبد الدار وهو أكبر ولده، وعبد مناف وعبد العزى، وعبداً بني قصي فكان حليل يفتح البيت فإذا اعتل أعطى ابنته حبى المفتاح ففتحته فإذا اعتلت أعطت المفتاح زوجها قصياً أو بعض ولدها فيفتحه وكان قصي يعمل في حيازته إليه وقطع ذكر خزاعة عنه، فلما حضرت حليلا الوفاة نظر إلى قصي، وإلى ما انتشر له من الولد من ابنته فرأى أن يجعلها في ولد ابنته فدعا قصياً فجعل له ولاية البيت وأسلم إليه المفتاح وكان يكون عند حبى، فلما هلك حليل أبت خزاعة ان تدعه وذاك وأخذوا المفتاح من حبى فمشى قصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة ودعاهم إلى أن يقوموا معه في ذلك وأن ينصروه، ويعضدوه فأجابوه إلى نصره وأرسل قصي إلى أخيه لأمه رزاح بن ربيعة وهو ببلاد قومه من قضاعة يدعوه إلى نصره ويعلمه ما حالت خزاعة بينه وبين ولاية البيت ويسأله الخروج إليه بمن أجابه من قومه فقام رزاح في قومه فأجابوه إلى ذلك فخرج رزاح بن ربيعة ومعه اخوته من أبيه حن ومحمود وجلهمة بنو ربيعة بن حرام فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب مجتمعين لنصر قصي والقيام معه، فلما اجتمع الناس بمكة خرجوا إلى الحج فوقفوا بعرفة وبجمع ونزلوا منى وقصي مجمع على ما أجمع عليه من قتالهم بمن معه من قريش، وبني كنانة، ومن قدم عليه مع أخيه رزاح من قضاعة فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل وعظموا عليهم القتال في الحرم وحذروهم الظلم والبغي بمكة وذكروهم ما كانت فيه جرهم وما صارت إليه حين الحدوا فيه بالظلم، والبغي فأبت خزاعة أن تسلم ذلك فاقتتلوا بمفضى مأزمي منى قال: فسمي ذلك المكان المفجر لما فجر فيه وسفك فيه من الدماء وانتهك من حرمته فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعاً وفشت فيهم الجراحات وحاج العرب جميعاً من مضر واليمن مستكفون ينظرون إلى قتالهم ثم تداعوا إلى الصلح ودخلت قبائل العرب بينهم وعظموا على الفريقين سفك الدماء والفجور في الحرم فاصطلحوا على أن يحكموا بينهم رجلاً من العرب فيما اختلفوا فيه فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان رجلاً شريفاً فقال لهم: موعدكم فناء الكعبة غداً فاجتمع إليه الناس وعدوا القتلى فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي إنما كانت مع قريش من بني كنانة قبائل يسيرة واعتزلت عنها بكر بن عبد مناة قاطبة، فلما اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف فقال: الا اني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمي هاتين فلا تباعة لأحد على أحد في دم واني قد حكمت لقصي بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل وان يخلى بينه وبين ذلك وأن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة؛ قال: فسمي يعمر من ذلك اليوم الشداخ فسلمت ذلك خزاعة لقصي وعظموا سفك الدماء في الحرم وافترق الناس  
فولي قصي بن كلاب حجابة الكعبة وأمر مكة وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة يستعز بهم وتملك على قومه فملكوه، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكناتهم لم يحركوا ولم يخرجوا منها فلم يزالوا على ذلك حتى الآن، وقال قصي: في ذلك وهو يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة:فولي قصي بن كلاب حجابة الكعبة وأمر مكة وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة يستعز بهم وتملك على قومه فملكوه، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم وسكناتهم لم يحركوا ولم يخرجوا منها فلم يزالوا على ذلك حتى الآن، وقال قصي: في ذلك وهو يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة:

أنا ابن العاصمين بني لـؤي

 

بمكة مولدي وبهـا ربـيت

ولي البطحاء قد علمت معـد

 

ومروتها رضيت بها رضيت

وفيها كانت الآباء قـبـلـي

 

فما شويت أخي ولا شـويت

فلست لغالب ان لـم تـأثـل

 

بها أولاد قيدر والـنـبـيت

رزاح ناصري وبه أسامـي

 

فلست أخاف ضيماً ما حييت

فكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكاً، وأطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة، والرفادة والسقاية، والندوة، واللواء، والقيادة فلما جمع قصي قريشاً بمكة سمي مجمعاً وفي ذلك يقول حذافة بن غانم الجمحي يمدحه:

أبوهم قصي كان يدعى مجمعاً

 

به جمع اللّه القبايل من فهر

هم نزلوها والمـياه قـلـيلة

 

وليس بها إلا كهول بني عمر

يعني خزاعة قال إسحاق بن أحمد: وزادني أبو جعفر محمد بن الوليد ابن كعب الخزاعي:

اقمنا بها والنـاس فـيهـا قـلايل

 

وليس بها إلا كهول بني عـمـر

هم ملؤا البطحاء مجـداً وسـوددا

 

وهم طردوا عنها غواة بني بكـر

وهم حفروها والـمـياه قـلـيلة

 

ولم يستقى إلا بنكد من الحـفـر

حليل الذي عادا كنـانة كـلـهـا

 

ورابط بيت اللّه في العسر واليسر

أحازم إما أهلـكـن فـلا تـزل

 

لهم شاكرا حتى توسد في القبـر

ويقال من أجل تجمع قريش إلى قصي سميت قريش قريشاً، قال أبو الوليد: وأنشدني عبد العزيز بن إسماعيل الحلبي في التقرش وهو الاجتماع:

أيجدي كثحنا للطـعـان إذا

 

اقترش القنا وتقعقع الحجف

ولبعضهم:

قوارش بالرماح كان فيها

 

شواطن تنتزعن به انتزاعا

والتجمع التقرش في بعض كلام العرب ويقال: كان يقال لقصي القرشي ولم يسم قرشي قبله ويقال أيضاً: إن النضر بن كنانة كان يسمى القرشي وقد قيل أيضاً انما سميت قريش قريشاً انها كانت تجاراً تكتسب وتتجر وتحترش فشبهت بحوت في البحر.
حدثني أبو الحسن الوليد بن ابان الرازي عن علي بن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال: قيل لابن عباس: لم سميت قريش قريشاً ? قال: بأمر بين مشهور بدابة في البحر تسمى قريشاً والدليل على ذلك قول تبع حين يقول:

وقريش هي التي تسكن البحر

 

بها سميت قريش قـريشـاً

تاكل الغث والـسـمـين ولا

 

تترك فيه لذي جناحين ريشا

هكذا في البلاد حتى قـريش

 

ياكلون البلاد أكلا كشـيشـاً

ولهم آخر الـزمـان نـبـي

 

يكثر القتل فيهم والخموشـا


ثم رجع إلى حديث ابن جريج ومحمد بن إسحاق قال: فحاز قصي شرف مكة وأنشأ دار الندوة وفيها كانت قريش تقضي أمورها ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون، وحلفاءهم فلما كبر قصي ورق كان عبد الدار بكره وأكبر ولده وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب شرفه كل مذهب وعبد الدار وعبد العزى وعبد بنو قصي بها لم يبلغوا ولا أحد من قومهم من قريش ما بلغ عبد مناف من الذكر والشرف، والعز وكان قصي، وحبى ابنة حليل يحبان عبد الدار ويرقان عليه لما يريان عليه من شرف عبد مناف وهو أصغر منه فقالت له حبى: لا والله لا أرضى حتى تخص عبد الدار بشيء تلحقه بأخيه فقال قصي: والله لألحقنه به ولأحبونه بذروة الشرف حتى لا يدخل أحد من قريش ولا غيرها الكعبة إلا باذنه ولا يقضون أمراً ولا يعقدون لواء إلا عنده وكان ينظر في العواقب فأجمع قصي على أن يقصم أمور مكة الستة التي فيها الذكر، والشرف، والعز بين ابنيه فأعطى عبد الدار السدانة وهي الحجابة ودار الندوة، واللواء، وأعطى عبد مناف السقاية، والرفادة، والقيادة، فأما السقاية فحياض من أدم كانت على عهد قصي توضع بفناء الكعبة ويسقى فيها الماء العذب من الآبار على الابل ويسقاه الحاج وأما الرفادة فخرج كانت قريش تخرجه من أموالها في كل موسم فتدفعه إلى قصي يصنع به طعاماً للحاج يأكله من لم يكن معه سعة ولا زاد، فلما هلك قصي أقيم أمره في قومه بعد وفاته على ما كان عليه في حياته وولي عبد الدار حجابة البيت، وولاية دار الندوة، واللواء فلم يزل يليه حتى هلك وجعل عبد الدار الحجابة بعده إلى ابنه عثمان بن عبد الدار، وجعل دار الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار فلم تزل بنو عبد مناف بن عبد الدار يلون الندوة دون ولد عبد الدار فكانت قريش إذا أرادت أن تشاور في أمر فتحها لهم عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار أو بعض ولده أو ولد أخيه، وكانت الجارية إذا حاضت أدخلت دار الندوة ثم شق عليها بعض ولد عبد مناف بن عبد الدار درعها ثم درعها اياه وانقلب بها أهلها فحجبوها فكان عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار يسمى محيضاً، وانما سميت دار الندوة لاجتماع النداة فيها يندونها يجلسون فيها لابرام أمرهم وتشاورهم، ولم تزل بنو عثمان بن عبد الدار يلون الحجابة دون ولد عبد الدار ثم وليها عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها أبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ثم وليها ولده من بعده حتى كان فتح مكة فقبضها رسول الله )ص( من أيديهم وفتح الكعبة ودخلها ثم خرج رسول الله )ص( من الكعبة مشتملاً على المفتاح فقال له العباس بن عبد المطلب بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعطنا الحجابة مع السقاية فأنزل الله عز وجل على نبيه )ص( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فقال عمر بن الخطاب: رضي الله عنه فما سمعتها من رسول الله )ص( قبل تلك الساعة فتلاها ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال غيبوه ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه، واعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها من أيديكم الا ظالم. فخرج عثمان ابن طلحة إلى هجرته مع النبي )ص( وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة فلم يزل يحجب هو وولده، وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وولد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة من المدينة وكانوا بها دهراً طويلاً فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم فولد أبي طلحة جميعاً يحجبون، وأما اللواء فكان في أيدي بني عبد الدار كلهم يليه منهم ذوو السن والشرف في الجاهلية حتى كان يوم أحد فقتل عليه من قتل منهم، وأما السقاية، والرفادة، والقيادة فلم تزل لعبد مناف بن قصي يقوم بها حتى توفي فولي بعده هاشم بن عبد مناف السقاية، والرفادة وولي عبد شمس ابن عبد مناف القيادة وكان هاشم بن عبد مناف يطعم الناس في كل موسم بما يجتمع عنده من ترافد قريش كان يشتري بما يجتمع عنده دقيقاً ويأخذ من كل ذبيحة من بدنة أو بقرة أو شاة فخذها فيجمع ذلك كله ثم يحزر به الدقيق ويطعمه الحاج فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس في سنة جدب شديد فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام فاشترى بما اجتمع عنده من ماله دقيقاً، وكعكاً فقدم به مكة في الموسم فهشم ذلك الكعك  
ونحر الجزور وطبخه وجعله ثريداً وأطعم الناس وكانوا في مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمي بذلك هاشماً وكان اسمه عمرو ففي ذلك يقول ابن الزبعري السهمي:ونحر الجزور وطبخه وجعله ثريداً وأطعم الناس وكانوا في مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمي بذلك هاشماً وكان اسمه عمرو ففي ذلك يقول ابن الزبعري السهمي:

كانت قريش بيضة فتفلـقـت

 

فالمح خالصها لعبد مـنـاف

الرايشين ولـيس يوجـد رايش

 

والقايلين هلـم لـلاضـياف

والخالطين غنيهم بفـقـيرهـم

 

حتى يعود فقيرهم كالـكـاف

والضاربين الكيس تبرق بيضه

 

والمانعين البيض بـالاسـياف

عمرو العلا هشم الثريد لمعشر

 

كانوا بمكة مسنتين عـجـاف

يعني بعمرو العلا هاشماً فلم يزل هاشم على ذلك حتى توفي وكان عبد المطلب يفعل ذلك فلما توفي عبد المطلب قام بذلك أبو طالب في كل موسم حتى جاء الاسلام وهو على ذلك، وكان النبي )ص( قد ارسل بمال يعمل به الطعام مع أبي بكر رضي الله عنه حين حج أبو بكر بالناس سنة تسع ثم عمل في حجه النبي )ص( في حجة الوداع ثم أقام أبو بكر في خلافته ثم عمر رضي الله عنه في خلافته ثم الخلفاء هلم جرا حتى الآن وهو طعام الموسم الذي تطعمه الخلفاء اليوم في أيام الحج بمكة وبمنى حتى تنقضي أيام الموسم. وأما السقاية فلم تزل بيد عبد مناف فكان يسقي الماء من بير كر آدم وبير خم على الابل في المزاد والقرب ثم يسكب ذلك الماء في حياض من ادم بفناء الكعبة فيرده الحاج حتى يتفرقوا. فكان يستعذب ذلك الماء وقد كان قصي حفر بمكة آباراً وكان الماء بمكة عزيزاً انما يشرب الناس من آبار خارجة من الحرم فأول من حفر قصي بمكة حفر بيراً يقال لها العجول كان موضعها في دار أم هاني بنت أبي طالب بالحزورة وكانت العرب إذا قدمت مكة يردونها فيسقون منها ويتراجزون عليها قال قايل فيها:

اروى من العجول ثمت انطلق

 

ان قصيا قد وفى وقد صدق

 

بالشبع للحي وري المغتـبـق

وحفر قصي أيضاً بيراً عند الردم الاعلى عند دار ابان بن عثمان التي كانت لآل جحش بن رآب ثم دثرت فنثلها جبير بن مطعم بن عدي ابن نوفل بن عبد مناف واحياها. ثم حفر هاشم بن عبد مناف بذر وقال حين حفرها لاجعلنها للناس بلاغاً وهي البير التي في حق المقوم ابن عبد المطلب في ظهر دار الطلوب مولاة زبيدة بالبطحاء في اصل المستنذر وهي التي يقول فيها بعض ولد هاشم:

نحن حفرنا بذربجانب المستنذرنسقي الحجيج الأكبر


وحفر هاشم أيضاً سجلة وهي البير التي يقال لها بير جبير بن مطعم دخلت في دار القوارير فكانت سجلة لهاشم بن عبد مناف فلم تزل لولده حتى وهبها اسد بن هاشم للمطعم بن عدي حين حفر عبد المطلب زمزم واستغنوا عنها، ويقال: وهبها له عبد المطلب حين حفر عبد المطلب زمزم واستغنى عنها وسأله المطعم بن عدي ان يضع حوضاً من ادم إلى جانب زمزم يسقي فيه من ماء بئره فأذن له في ذلك وكان يفعل، فلم يزل هاشم بن عبد مناف يسقي الحاج حتى توفي فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة كلها، وكان منها مشرب الحاج، قال: وكانت لعبد المطلب ابل كثيرة فإذا كان الموسم جمعها ثم يسقي لبنها بالعسل في حوض من ادم عند زمزم ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج لأن يكسر غلظ ماء زمزم وكانت إذ ذاك غليظة جداً، وكان الناس إذ ذاك لهم في بيوتهم اسقية يسقون فيها الماء من هذه البيار ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لأن يكسر عنهم غلظ ماء آبار مكة وكان الماء العذب بمكة عزيزاً لا يوجد الا لانسان يستعذب له من بئر ميمون وخارج من مكة، فلبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي. فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل في يده وكان للعباس كرم بالطايف وكان يحمل زبيبه اليها وكان يداين اهل الطايف ويقتضي منهم الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج ايام الموسم حتى ينقضي في الجاهلية وصدر الاسلام حتى دخل رسول الله )ص( مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة، فقام العباس ابن عبد المطلب فبسط يده وقال: يا رسول الله بأبي انت وأمي اجمع لنا الحجابة والسقاية. فقال رسول الله )ص(: اعطيكم ما ترزءون فيه ولا ترزءون منه. فقام بين عضادتي باب الكعبة فقال: الا ان كل دم او مال او مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين الا سقاية الحاج، وسدانة الكعبة فاني قد امضيتهما لاهلهما على ما كانتا عليه في الجاهلية. فقبضها العباس فكانت في يده حتى توفي فوليها بعده عبد الله بن العباس رضي الله تعالى عنه فكان يفعل فيها كفعله دون بني عبد المطلب، وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس: ما لك ولها نحن اولى بها منك في الجاهلية والاسلام، قد كان ابوك تكلم فيها فأقمت البينة وطلحة ابن عبيد الله، وعامر بن ربيعة، وازهر بن عبد بن عوف، ومخرمة ابن نوفل، ان العباس بن عبد المطلب كان يليها في الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك ابو طالب في ابله في باديته بعرنة وان رسول الله )ص( اعطاها العباس يوم الفتح دون بني عبد المطلب فعرف ذلك من حضر فكانت بيد عبد الله بن عباس بعد ابيه لا ينازعه فيها منازع، ولا يتكلم فيها متكلم حتى توفي فكانت بيد علي بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل ابيه وجده يأتيه الزبيب من ماله بالطايف وينبده حتى توفي وكانت بيد ولده حتى الآن. واما القيادة فوليها من بني عبد مناف، عبد شمس بن عبد مناف ثم وليها من بعده أمية بن عبد شمس، ثم من بعده حرب بن امية فقاد بالناس يوم عكاظ في حرب قريش وقيس عيلان، وفي الفجارين الفجار الاول والفجار الثاني وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف في حرب قريش وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة والاحابيش يومئذ مع بني بكر تحالفوا على جبل يقال له: الحبشي على قريش فسموا الاحابيش بذلك، ثم كان ابو سفيان بن حرب يقود قريشاً بعد ابيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ابو سفيان بن حرب في العير يقود الناس فلما ان كان يوم احد قاد الناس ابو سفيان بن حرب وقاد الناس يوم الاحزاب وكانت آخر وقعة لقريش وحرب حتى جاء الله بالاسلام وفتح مكة

ما جاء في انتشار ولد إسماعيل

وعبادتهم الحجارة وتغيير الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام

 
حدثنا ابو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: اخبرني ابن اسحاق ان بني اسماعيل وجرهم من ساكني مكة ضاقت عليهم مكة فتفسحوا في البلاد والتمسوا المعاش فيزعمون ان اول ما كانت عبادة الحجارة في بني اسماعيل انه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم الا احتمل معه من حجارة الحرم تعظيماً للحرم وصبابة بمكة وبالكعبة حيث ما حلوا وضعوه فطافوا به كالطواف بالكعبة حتى سلخ ذلك بهم الى ان كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة واعجبهم من حجارة الحرم خاصة، حتى خلفت الخلوف بعد الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره، فعبدوا الاوثان وصاروا الى ما كانت عليه الامم من قبلهم من الضلالات وانتجسوا ما كان يعبد قوم نوح منها على إرث ما كان بقي فيهم من ذكرها وفيهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم واسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت، والطواف به والحج والعمرة، والوقوف على عرفة، ومزدلفة، وهدي البدن، والاهلال بالحج، والعمرة مع ادخالهم فيه ما ليس منه، وكان اول من غير دين ابراهيم واسماعيل ونصب الاوثان، وسيب السايبة، وبحر البحيرة ووصل الوصية، وحمى الحام عمرو بن لحي. حدثنا جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال اخبرني ابن جريج قال: قال عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: قال رسول الله )ص(: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه يعني أمعاءه في النار على رأسه فروة فقال له رسول الله )ص(: من في النار ? قال: من بيني وبينك من الأمم. وقال رسول الله )ص(: هو أول من جعل البحيرة والسايبة والوصيلة، والحام، ونصب الأوثان حول الكعبة، وغير الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.

باب ما جاء في

أول من نصب الأصنام في الكعبة

والاستقسام بالأزلام


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد قال: حدثنا سعيد ابن سالم القداح عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: ان البئر التي كانت في جوف الكعبة، كانت على يمين من دخلها وكان عمقها ثلاثة أذرع يقال إن إبراهيم وإسماعيل حفراها ليكون فيها ما يهدي للكعبة فلم تزل كذلك حتى كان عمرو بن لحي فقدم بصنم يقال له: هبل من هيت من أرض الجزيرة، وكان هبل من أعظم أصنام قريش عندها فنصبه على البئر في بطن الكعبة وأمر الناس بعبادته فكان الرجل إذا قدم من سفر بدأ به على أهله بعد طوافه بالبيت وحلق رأسه عنده، وهبل الذي يقول له أبو سفيان يوم أحد أعل هبل أي أظهر دينك فقال النبي )ص( الله أعلى وأجل. وكان اسم البئر التي في بطن الكعبة الأخسف وكانت العرب تسميها الأخشف قال محمد بن إسحاق: كان عند هبل في الكعبة سبعة قداح كل قدح منها فيه كتاب. قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة عليهم فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله، وقدح فيه نعم للأمر إذا أرادوه يضرب به في القداح فإن خرج قدح فيه نعم عملوا به، وقدح فيه لا فإذا أرادوا الأمر ضربوا به في القداح فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه منكم وقدح فيه ملصق وقدح فيه من غيركم وقدح فيه المياه فإذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيث ما خرج به عملوا به وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاماً أو ينكحوا منكحاً أو يدفنوا ميتاً أو شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا: يا إلهنا هذا فلان أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب فإن خرج عليه منكم كان منهم وسيطاً وإن خرج عليه من غيركم كان حليفاً وإن خرج عليه ملصق كان ملصقاً على منزلته فيهم لا نسب له ولا حلف وإن خرج عليه شيء مما سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا به وإن خرج لا أخروه عامه ذلك حتى يأتوا به مرة اخرى ينتهون في أمرهم ذلك إلى ما خرجت به القداح. وبذلك فعل عبد المطلب بابنه حين أراد أن يذبحه، وقال محمد بن إسحاق: كان هبل من خرز العقيق على صورة انسان وكانت يده اليمنى مكسورة فأدركته قريش فجعلت له يداً من ذهب وكانت له خزانة للقربان، وكانت له سبعة قداح يضرب بها على الميت والعذرة والنكاح وكان قربانه ماية بعير وكان له حاجب وكانوا إذا جاءوا هبل بالقربان ضربوا بالقداح وقالوا:

انا اختلفنا فهب الـسـراحـا

 

ثلاثة يا هبل فصاحا

 

الميت والعذرة والنـكـاحـا

والبرء في المرضى والصحاحا

 

ان لم تقله فمـر الـقـداحـا

باب ما جاء في

أول من نصب الأصنام وما كان من كسرها


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: حدثني محمد بن إسحاق إن جرهماً لما طغت في الحرم دخل رجل منهم بامرأة منهم الكعبة ففجر بها ويقال انما قبلها فبها فمسخا حجرين اسم الرجل اساف بن بغاء، واسم المرأة نائلة بنت ذئب فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما على الصفا والآخر على المروة، وانما نصبا هنالك ليعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا لما يرون من الحال التي صارا إليها فلم يزل الأمر يدرس ويتقادم حتى صارا يمسحان، يتمسح بهما من وقف على الصفا والمروة ثم صارا وثنين يعبدان، فلما كان عمرو ابن لحي أمر الناس بعبادتهما والتمسح بهما وقال للناس: إن من كان قبلكم كان يعبدهما، فكانا كذلك حتى كان قصي بن كلاب فصارت إليه الحجابة وأمر مكة فحولهما من الصفا والمروة فجعل أحدهما بلصق الكعبة وجعل الآخر في موضع زمزم ويقال: جعلهما جميعاً في موضع زمزم وكان ينحر عندهما وكان أهل الجاهلية يمرون باساف ونائلة ويتمسحون بهما وكان الطايف إذا طاف بالبيت يبدأ باساف فيستلمه فإذا فرغ من طوافه ختم بنائلة فاستلمها، فكانا كذلك حتى كان يوم الفتح فكسرها رسول الله )ص( مع ما كسر من الأصنام. حدثني محمد بن يحيى المديني عن إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى عن ابن حزم عن عمرة انها قالت: كان اساف ونايلة رجلاً وامرأة فمسخا حجرين فأخرجا من جوف الكعبة وعليهما ثيابهما فجعل أحدهما بلصق الكعبة، والآخر عند زمزم وكان يطرح بينهما ما يهدى للكعبة، ويقال: إن ذلك الموضع كان يسمى الحطيم وانما نصبا هنالك ليعتبر بهما الناس. فلم يزل أمرهما يدرس حتى جعلا وثنين يعبدان وكانت ثيابهما كلما بليت أخلفوا لهما ثياباً ثم أخذ الذي بلصق الكعبة فجعل مع الذي عند زمزم، وكانوا يذبحون عندهما ولم تكن تدنو منهما امرأة طامث ففي ذلك يقول الشاعر بشر بن ابي حازم الأسدي أسد خزيمة:

عليه الطير ما يدنون منـه

 

مقامات العوارك من أساف

حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن علي بن عبد الله بن عباس قال: لقد دخل رسول الله )ص( مكة يوم الفتح وإن بها ثلاثماية وستين صنماً قد شدها ابليس بالرصاص وكان بيد رسول الله )ص( قضيب فكان يقوم عليها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ثم يشير إليها بقضيبه فتتساقط على ظهورها، وحدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله ابن مسعود قال: دخل رسول الله )ص( مكة يوم فتح وحول الكعبة ثلاثماية وستون صنماً فجعل يطعنها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، جاء الحق وما يبدي الباطل ولا يعيد.
حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: دخل رسول الله )ص( مكة وحول الكعبة ثلاثماية وستون صنماً، منها ما قد شد بالرصاص فطاف على راحلته وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، ويشير إليها فما منها صنم أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه حتى وقعت كلها، وقال ابن إسحاق: لما صلى النبي )ص( الظهر يوم الفتح أمر بالأصنام التي كانت حول الكعبة كلها فجمعت ثم حرقت بالنار وكسرت وفي ذلك يقول فضالة ابن عمير بن الملوح الليثي في ذكر يوم الفتح:

أوما رأيت محمداً وجـنـوده

 

بالفتح يوم تكسر الأصـنـام

لرأيت نور اللّه أصبح بـينـا

 

والشرك يغشى وجهه الأظلام


حدثني جدي عن محمد بن أدريس عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما يزيد رسول الله )ص( على أن يشير بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه فطاف رسول الله )ص( سبعاً على راحلته يستلم الركن الأسود بمحجنه فلما فرغ من سبعه نزل عن راحلته ثم انتهى رسول الله )ص( إلى المقام وجاءه معمر بن عبد الله بن فضلة فأخرج راحلته والدرع عليه والمغفر وعمامته بين كتفيه فصلى ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها وقال: لولا ان تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلواً. فنزع له العباس بن عبد المطلب دلواً فشرب وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه فقال الزبير بن العوام لأبي سفيان بن حرب: يا أبا سفيان قد كسر هبل أما انك قد كنت منه يوم أحد في غرور حين تزعم انه قد أنعم عليك، فقال أبو سفيان: دع هذا عنك يا بن العوام فقد أرى ان لو كان مع اله محمد غيره لكان غير ما كان.
حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن أشياخه قالوا: كان اساف ونائلة رجلاً وامرأة، الرجل اساف بن عمرو، والمرأة نائلة بنت سهيل من جرهم فزنيا في جوف الكعبة فمسخا حجرين فاتخذوهما يعبدونهما وكانوا يذبحون عندهما ويحلقون رؤوسهم عندهما إذا نكسوا، فلما كسرت الأصنام كسراً فخرجت من أحدهما امرأة سوداء شمطاء تخمش وجهها عريانة ناشرة الشعر تدعو بالويل فقيل لرسول الله )ص( في ذلك. فقال: تلك نايلة قد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. ويقال: رن ابليس ثلاث رنات رنة حين لعن فتغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورنة حين رأى رسول الله )ص( قائماً بمكة يصلي، ورنة حين افتتح رسول الله )ص( مكة فاجتمعت إليه ذريته فقال ابليس: أيئسوا أن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومهم هذا أبداً، ولكن أفشوا فيهم النوح والشعر، وذكر الواقدي عن أشياخه قال: نادى منادي رسول الله )ص( يوم الفتح بمكة، من كان يؤمن بالله ورسوله فلا يدعن في بيته صنماً إلا كسره فجعل المسلمون يكسرون تلك الأصنام قال: وكان عكرمة بن أبي جهل حين أسلم لا يسمع بصنم في بيت من بيوت قريش إلا مشى إليه حتى يكسره، وكان أبو تجارة يعملها في الجاهلية ويبيعها ولم يكن في قريش رجل بمكة إلا وفي بيته صنم، وقال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة عن سليمان بن سحيم عن بعض آل جبير بن مطعم عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم الفتح نادى منادي رسول الله )ص( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتركن في بيته صنماً إلا كسره وأحرقه وثمنه حرام. قال جبير: وقد كنت أرى قبل ذلك الأصنام يطاف بها بمكة فيشتريها أهل البدو فيخرجون بها إلى بيوتهم وما من رجل من قريش إلا وفي بيته صنم إذا دخل يمسحه، وإذا خرج يمسحه تبركاً به، قال الواقدي: وأخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الحميد بن سهيل قال: لما أسلمت هند بنت عتبة جعلت تضرب صنماً في بيتها بالقدوم فلذة فلذة وهي تقول: كنا منك في غرور

باب ما جاء في

الأصنام التي كانت على الصفا والمروة

ومن نصبها وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم القداح عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: نصب عمرو بن لحي الخلصة بأسفل مكة فكانوا يلبسونها القلايد ويهدون إليها الشعير، والحنطة، ويصبون عليها اللبن، ويذبحون لها، ويعلقون عليها بيض النعام ونصب على الصفا صنماً يقال له: نهيك مجاود الريح ونصب على المروة صنماً يقال له: مطعم الطير.

ما جاء في مناة وأول من نصبها


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديداً وهي التي كانت للأزد وغسان يحجونها ويعظمونها فإذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى لم يحلقوا إلا عند مناة وكانوا يهلون لها، ومن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة لمكان الصنمين اللذين عليهما نهيك مجاود الريح ومطعم الطير فكان هذا الحي من الأنصار يهلون بمناة وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لم يظل أحداً منهم سقف بيت حتى يفرغ من حجته أو عمرته، وكان الرجل إذا أحرم لم يدخل بيته، وان كانت له فيه حاجة تسور من ظهر بيته لأن لا يجن رتاج الباب رأسه فلما جاء الله بالاسلام وهدم أمر الجاهلية أنزل الله تعالى في ذلك وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى، قال وكانت مناة للأوس والخزرج وغسان من الأزد ومن دان بدينهم من أهل يثرب وأهل الشام وكانت على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني محمد ابن السايب الكلبي قال كانت مناة صخرة لهذيل وكانت بقديد.

باب ما جاء في اللات والعزى

وما جاء في بدوهما كيف كان

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن السايب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن رجلاً ممن مضى كان يقعد على صخرة لثقيف يبيع السمن من الحاج إذا مروا فيلت سويقهم وكان إذا غنم فسميت صخرة اللات فمات، فلما فقده الناس قال لهم عمرو: إن ربكم كان اللات فدخل في جوف الصخرة، وكان العزى ثلاث شجرات سمرات بنخلة وكان أول من دعا إلى عبادتها عمرو بن ربيعة والحارث بن كعب وقال لهم عمرو: إن ربكم يتصيف باللات لبرد الطايف، ويشتو بالعزى لحر تهامة، وكان في كل واحدة شيطان يعبد، فلما بعث الله محمداً )ص( بعث بعد الفتح خالد بن الوليد إلى العزى ليقطعها فقطعها، ثم جاء إلى النبي )ص( فقال له النبي )ص(: ما رأيت فيهن ? قال: لا شيء، قال: ما قطعتهن فارجع فاقطع، فرجع فقطع، فوجد تحت أصلها امرأة ناشرة شعرها قايمة عليهن كأنها تنوح عليهن فرجع فقال: اني رأيت كذا وكذا قال: صدقت.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرنا محمد بن إسحاق إن عمرو بن لحي اتخذ العزى بنخلة فكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة لم يحلوا حتى يأتوا العزى فيطوفون بها، ويحلون عندها، ويعكفون عندها يوماً، وكانت لخزاعة. وكانت قريش وبنو كنانة كلها يعظم العزى مع خزاعة وجميع مضر وكان سدنتها الذين يحجبونها بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، وقال عثمان: وأخبرنا محمد بن السايب الكلبي قال: كانت بنو نصر وجشم، وسعد بن بكر وهم عجز هوازن يعبدون العزى، قال الكلبي: وكانت اللات والعزى ومناة في كل واحدة منهن شيطان تكلمهم وترايا للسدنة وهم الحجبة وذلك من صنيع ابليس وأمره.
حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن عبد الله بن يزيد عن سعيد بن عمرو الهذلي قال: قدم رسول الله )ص( مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شهر رمضان فبث السرايا في كل جهة وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الاسلام، فخرج هشام بن العاصي في مايتين قبل يلملم، وخرج خالد بن سعيد بن العاصي في ثلاثماية قبل عرنة وبعث خالد ابن الوليد إلى العزى يهدمها فخرج خالد في ثلاثين فارساً من أصحابه إلى العزى حتى انتهى إليها فهدمها ثم رجع إلى النبي )ص( فقال: أهدمت ? قال: نعم يا رسول الله، قال: هل رأيت شيئاً ? قال: لا، قال: فانك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها فخرج خالد بن الوليد وهو متغيظ فلما انتهى إليها جرد سيفه فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة شعرها فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري فجعل يصيح بها ويقول:

أعزا شدي شدة لا تـكـذبـي

 

أعزى ألقى القناع وشمـري

أعزى ان لم تقتلي المرء خالداً

 

فبوئي باثم عاجل أو تنصري

فاقبل خالد بن الوليد بالسيف إليها وهو يقول:

يا عز كفرانك لا سبحانك

 

اني رأيت اللّه قد أهانك


فقال: فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ثم رجع إلى رسول الله )ص( فأخبره فقال: نعم تلك العزى قد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. ثم قال خالد: يا رسول الله الحمد لله الذي أكرمنا بك وأنقذنا بك من الهلكة لقد كنت أرى أبي يأتي العزى بخير ماله من الابل والغنم فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثلاثاً ثم ينصرف إلينا مسروراً ونظرت إلى ما مات عليه أبي وإلى ذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله وكيف خدع حتى صار يذبح لما لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع. فقال رسول الله )ص(: إن هذا الأمر إلى الله فمن يسره للهدى تيسر له، ومن يسره للضلالة كان فيها، وكان هدمها لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان وكان سادتها أفلح ابن النضر السلمي من بني سليم؛ فلما حضرته الوفاة دخل عليه أبو لهب يعوده وهو حزين فقال له: ما لي أراك حزيناً ? قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي، قال له أبو لهب: فلا تحزن فأنا أقوم عليها بعدك. فجعل أبو لهب يقول لكل من لقي: أن تظهر العزى كنت قد اتخذت عندها يداً بقيامي عليها، وأن يظهر محمد على العزى وما أراه يظهر فابن أخي، فأنزل الله تبارك وتعالى تبت يدا أبي لهب وتب.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عمن حدثه قال: جاء حسان بن ثابت الأنصاري إلى رسول الله )ص( وهو في المسجد فقال: يا رسول الله ايذن لي أن أقول فاني لا أقول إلا حقاً، قال: قل: فأنشأ يقول:

شهدت باذن الـلّـه إن مـحـمـداً

 

رسول الذي فوق السموات من عل

فقال رسول الله )ص(: وأنا أشهد فقال حسان بن ثابت:

وإن أبا يحيى ويحيى كليهما

 

له عمل في دينه متقبـل

فقال رسول الله )ص(: وأنا أشهد. فقال حسان بن ثابت:

وإن الذي عاد الـيهـود ابـن مـريم

 

رسول أتى من عند ذي العرش مرسل

فقال النبي )ص(: وأنا أشهد، فقال حسان بن ثابت:

وإن أخا الأحقاف إذ يعذلونه

 

يجاهد في ذات الإله ويعدل

فقال رسول الله )ص(: وأنا أشهد، فقال حسان بن ثابت:

وإن التي بالجزع من بطن نخلة

 

ومن دانها فل عن الحق معزل

فقال النبي )ص(: وأنا أشهد. قال سفيان: يعني العزى. وأما مناة فكانت بالمشلل من قديد.

ما جاء في ذات أنواط

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن محمد بن إدريس عن محمد بن عمر الواقدي عن معمر بن راشد البصري عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي وهو الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله )ص( إلى حنين وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويعكفون عندها يوماً قال: فرأيناً يوماً ونحن نسير مع النبي )ص( شجرة عظيمة خضراء فسايرتنا من جانب الطريق فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال لهم رسول الله )ص(: الله أكبر، الله أكبر؛ قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى: اجعل لهم لنا الهاً كما لهم آلهة. قال انكم قوم تجهلون الآية انها السنن سنن من كان قبلكم.
حدثني جدي عن محمد بن إدريس عن الواقدي قال: أخبرني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت ذات أنواط شجرة يعظمها أهل الجاهلية يذبحون لها ويعكفون عندها يوماً، وكان من حج منهم وضع زاده عندها ويدخل بغير زاد تعظيماً لها فلما مر رسول الله )ص( إلى حنين قال له رهط من أصحابه: فيهم الحارث ابن مالك يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: فكبر رسول الله )ص( وقال: هكذا فعل قوم موسى بموسى عليه السلام.

ما جاء في كسر الأصنام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن محمد ابن عمر الواقدي قال: أخبرني عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن عمرو الهذلي قال: لما فتح رسول الله )ص( مكة بث السرايا فبعث خالد بن الوليد إلى العزى وبعث إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الطفيل بن عمرو الدوسي فجعل يحرقه بالنار ويقول:

يا ذا الكفين لست من عبادكا

 

ميلادنا أقدم من ميلادكا

 

إني حششت النار في فوادكا


وبعث سعيد بن عبيد الأشهلي إلى مناة بالمشلل فهدمها. وبعث عمرو بن العاصي إلى سواع صنم هذيل فهدمه. وكان عمرو يقول: انتهيت إليه وعنده السادن فقال: ما تريد ? قلت: هدم سواع. قال: وما لك وله ? قلت: أمرني رسول الله )ص(، قال: لا تقدر على هدمه، قلت: لم ? قال: يمتنع قال عمرو: حتى الآن أنت في الباطل ويحك ! وهل يسمع ويبصر ? قال عمرو: فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته ولم يجدوا فيه شيئاً ثم قلت للسادن: كيف رأيت ? قال: أسلمت لله تعالى.

مسير تبع إلى مكة شرفها الله تعالى

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: سار تبع الأول إلى الكعبة وأراد هدمها وتخريبها وخزاعة يومئذ تلي البيت وأمر مكة، فقامت خزاعة دونه وقاتلت عنه أشد القتال حتى رجع ثم تبع آخر فكذلك. وأما التبابعة الذين أرادوا هدم الكعبة وتخريبها ثلاثة وقد كان قبل ذلك منهم من يسير في البلاد فإذا دخل مكة عظم الحرم والبيت وأما التبع الثالث الذي أراد هدم البيت فإنما كان في أول زمان قريش. قال: وكان سبب خروجه ومسيره إليه إن قوماً من هذيل من بني لحيان جاءوه فقالوا: إن بمكة بيتاً تعظمه العرب جميعاً، وتفد إليه، وتنحر عنده وتحجه وتعتمره، وإن قريشاً تليه فقد حازت شرفه وذكره وأنت أولى أن يكون ذلك البيت وشرفه وذكره لك؛ فلو سرت إليه وخربته وبنيت عندك بيتاً ثم صرفت حاج العرب إليه كنت أحق به منهم قال: فاجمع المسير إليه.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن موسى بن عيسى المديني قال: لما كان تبع بالدف من جمدان بين أمج وعسفان دفت بهم دوابهم وأظلمت الأرض عليهم فدعا أحباراً كانوا معه من أهل الكتاب فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بشيء ? قال: أردت أن أهدمه. قالوا: فانو له خيراً أن تكسوه، وتنحر عنده ففعل فانجلت عنهم الظلمة وانما سمي الدف من أجل ذلك ثم رجع إلى حديث ابن إسحاق قال: فسار حتى إذا كان بالدف من جمدان بين أمج وعسفان دفت بهم الأرض وغشيتهم ظلمة شديدة وريح، فدعا أحباراً كانوا معه من أهل الكتاب فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بسوء ? فأخبرهم بما قال له الهذليون وبما أراد أن يفعل فقالت الأحبار: والله ما أرادوا إلا هلاكك وهلاك قومك إن هذا بيت الله الحرام ولم يرده أحد قط بسوء إلا هلك. قال: فما الحيلة ? قالوا: تنوي له خيراً أن تعظمه وتكسوه وتنحر عنده وتحسن إلى أهله ففعل فانجلت عنهم الظلمة وسكنت الريح وانطلقت بهم ركابهم ودوابهم، فأمر تبع بالهذليين فضربت أعناقهم وصلبهم، وانما كانوا فعلوا ذلك حسداً لقريش على ولايتهم البيت، ثم سار تبع حتى قدم مكة فكانت سلاحه بقعيقعان فيقال: فبذلك سمي قعيقعان وكانت خيله بأجياد ويقال: انما سميت أجياد، أجياداً، بجياد خيل تبع؛ وكانت مطابخه في الشعب الذي يقال له: شعب عبد الله بن عامر بن كريز فلذلك سمي الشعب المطابخ، فأقام بمكة اياماً ينحر في كل يوم ماية بدنة لا يرزأ هو ولا أحد ممن في عسكره منها شيئاً يردها الناس فيأخذون منها حاجتهم، ثم تقع الطير فتأكل، ثم تنتابها السباع إذا أمست لا يصد عنها شيء من الأشياء انسان ولا طاير ولا سبع، يفعل ذلك كل يوم مقامه أجمع ثم كسا البيت كسوة كاملة، كساه العصب وجعل له باباً يغلق بضبة فارسية. قال ابن جريج: كان تبع أول من كسا البيت كسوة كاملة أرى في المنام أن يكسوها فكساها الأنطاع، ثم أرى أن يكسوها فكساها الوصايل ثياب حبرة من عصب اليمن، وجعل لها باباً يغلق، ولم يكن يغلق قبل ذلك، وقال تبع في ذلك وفي مسيره شعراً:

وكسونا البيت الذي حرم اللّه

 

ملاء معصـبـا وبـرودا

وأقمنا به من الشهر عشراً

 

وجعلنا لـبـابـه اقـلـيدا

وخرجنا منه نؤم سـهـيلا

 

قد رفعنا لواءنا معـقـودا

ذكر مبتدأ حديث الفيل


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق قال: كان من حديث الفيل فيما ذكر بعض أهل مكة عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس، وعن من لقي من علماء أهل اليمن وكان جل الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إن ملكاً من ملوك حمير يقال له: زرعة ذو نواس وكان قد تهود واستجمعت معه حمير على ذلك إلا ما كان من أهل نجران وهم من أشلاء سبا فانهم كانوا على دين النصرانية على أصل حكم الأنجيل وبقايا من دين الحواريين ولهم رأس يقال له: عبد الله بن ثامر، فدعاهم ذو نواس إلى اليهودية فأبوا فخيرهم فاختاروا القتل فخد لهم أخدوداً وصنف لهم القتل فمنهم من قتل صبراً، ومنهم من أوقد له النار في الأخدود فألقاه في النار إلا رجلاً من سبا يقال له دوس بن ذي ثعلبان، فذهب على فرس له يركض حتى أعجزهم في الرمل فأتى قيصر فذكر له ما بلغ منهم واستنصره فقال له: بعدت بلادك عنا ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على ديننا فينصرك فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره، فلما قدم على النجاشي بعث معه رجلاً من الحبشة يقال له ارياط وقال: إن دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها، واخرب ثلث بلادها، فلما دخلوا أرض اليمن تناوشوا شيئاً من قتال ثم ظهر عليهم ارياط وخرج زرعة ذو نواس على فرسه فاستعرض به البحر حتى لجج به فماتا في البحر وكان آخر العهد به فدخلها أرياط فعمل ما أمره به النجاشي، فقال قائل من أهل اليمن في ذلك مثلاً يضربه، لا كدوس ولا كاغلاق رحله، وقال ذو جدن فيما أصاب أهل اليمن وما نزل بهم:

دعيني لا أبالك لن تطـيقـي

 

لحاك اللّه قد أنزفت ريقـي

لدا عزف القيان إذا انتشـينـا

 

وإذ نسقى من الخمر الرحيقي

وشرب الخمر ليس علي عاراً

 

إذا لم يشكنى فيها رفـيقـي

وغمدان الذي نبـيت عـنـه

 

بنوه مسمكاً فـي راس نـيق

مصابيح السليط يلـحـن فـيه

 

إذا يمسي كتوماض البـروق

فأصبح بعـد جـدتـه رمـاداً

 

وغير حسنه لهب الـحـريق

وأسلم ذو نواس مستـمـيتـاً

 

وحذر قومه ضنك المضـيق

وقال ذو جدن أيضاً:

هونكما لن يرد الدمع ما فاتـا

 

لا تهلكي أسفاً في أثر من ماتا

أبعد بينون لا عـين ولا أثـر

 

وبعد سلحين يبني الناس أبياتـا

ذكر الفيل حين ساقته الحبشة


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق انه قال: لما ظهرت الحبشة على أرض اليمن كان ملكهم إلى ارياط وأبرهة، وكان أرياط فوق أبرهة فأقام أرياط باليمن سنتين في سلطانه لا ينازعه أحد، ثم نازعه أبرهة الحبشي الملك، وكان في جند من الحبشة فانحاز إلى كل واحد منهما من الحبشة طائفة ثم سار أحدهما إلى الآخر فكان أرياط يكون بصنعاء ومخاليفها، وكان أبرهة يكون بالجند ومخاليفها، فلما تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض أرسل أبرهة إلى أرياط انك لا تصنع بأن تلقي الحبشة بعضهم ببعض فتفنيها بيننا، فابرز لي وابرز لك فأينا ما أصاب صاحبه انصرف إليه جنده. فأرسل إليه ارياط قد أنصفت، فخرج أرياط وكان رجلاً عظيماً، طويلاً، وسيماً، وفي يده حربة له. وخرج له أبرهة وكان رجلاً قصيراً حادراً، لحيماً، دحداحاً، وكان ذا دين في النصرانية؛ وخلف أبرهة عبداً له يحمي ظهره يقال له عتودة؛ فلما دنا أحدهما من صاحبه رفع أرياط الحربة فضرب بها رأس أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفتيه فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل غلام أبرهة عتودة على أرياط من خلف أبرهة فزرقه بالحربة فقتله، فانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وكان ما صنع أبرهة من قتله أرياط بغير علم النجاشي ملك الحبشة بأرض أكسوم من بلاد الحبش فلما بلغه ذلك غضب غضباً شديداً وقال: عدا على أميري بغير أمري فقتله؛ ثم حلف النجاشي لا يدع أبرهة حتى يطأ أرضه ويجز ناصيته. فلما بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه ثم ملا جراباً من تراب أرض اليمن ثم بعث به إلى النجاشي وكتب إليه: أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك اختلفنا في أمرك، وكلنا طاعته لك إلا اني كنت أقوى على أمر الحبشة منه، وأضبط وأسوس لهم منه، وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك وبعثت به إليه مع جراب من تراب أرضي ليضعه تحت قدميه فيبر بذلك قسمه. فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب له ان أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري فأقام أبرهة باليمن؛ وبنى أبرهة عند ذلك القليس بصنعاء إلى جنب غمدان كنيسة وأحكمها وسماها القليس وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: أني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف حاج العرب إليها. قال أبو الوليد: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني من أثق به من مشيخة أهل اليمن بصنعاء ان يوسف ذا نواس وهو صاحب الأخدود الذي حرق أهل الكتاب بنجران لما غرقه الله عز وجل وجاءت الحبشة إلى أرض اليمن فعبروا من دهلك حتى دخلوا صنعاء وحرقوا غمدان وكان أعظم قصر يعلم في الأرض، وغلبوا على اليمن وبنى أبرهة الحبشي القليس للنجاشي وكتب إليه: اني قد بنيت لك بصنعاء بيتاً لم تبن العرب ولا العجم مثله. ولن أنتهي حتى أصرف حاج العرب إليه ويتركوا الحج إلى بيتهم. فبنى القليس بحجارة قصر بلقيس الذي بمأرب وبلقيس صاحبة الصرح الذي ذكره الله في القرآن في قصة سليمان وكان سليمان حين تزوجها ينزل عليها فيه إذا جاءها فوضع الرجال نسقاً يناول بعضهم بعضاً الحجارة والآلة حتى نقل ما كان في قصر بلقيس مما احتاج إليه من حجر أو رخام أو آلة للبناء وجد في بنائه وأنه كان مربعاً مستوي التربيع وجعل طوله في السماء ستين ذراعاً، وكبسه من داخله عشرة أذرع في السماء، وكان يصعد عليه بدرج الرخام وحوله سور بينه وبين القليس مايتا ذراع مطيف به من كل جانب، وجعل بين ذلك كله بحجارة تسميها أهل اليمن الجروب منقوشة مطابقة لا يدخل بين أطباقها الابرة، مطبقة به وجعل طول ما بنى به من الجروب عشرين ذراعاً في السماء ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض حجراً أخضر، وحجراً أحمر، وحجراً أبيض، وحجراً أصفر، وحجراً أسود؛ وفيما بين كل سافين خشب ساسم مدور الرأس غلظ الخشبه حضن الرجل ناتئة على البناء فكان مفصلاً بهذا البناء في هذه الصفة، ثم فصل بافريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان، وكان الرخام ناتئاً على البناء ذراعاً، ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نقم جبل صنعاء المشرف عليها، ثم وضع فوقها حجارة صفر لها بريق، ثم وضع فوقها حجارة بيض لها بريق، فكان هذا ظاهر حايط القليس، وكان عرض حايط القليس ستة أذرع،  
وذكروا انهم لا يحفظون ذرع طول القليس ولا عرضه، وكان له باب من نحاس عشرة أذرع طولاً في أربعة أذرع عرضاً وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً معلق العمل بالساج المنقوش ومسامير الذهب والفضة. ثم يدخل من البيت إلى ايوان طوله أربعون ذراعاً عن يمينه وعن يساره، وعقوده مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة ثم يدخل من الايوان إلى قبة ثلاثون ذراعاً في ثلاثين ذراعاً، جدرها بالفسيفساء وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشرة أذرع في عشرة أذرع تغشى عين من نظر إليها من بطن القبة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة. وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ وهو عندهم الأبنوس مفصل بالعاج الأبيض ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة، وكان في القبة سلاسل فضة وكان في القبة أو في البيت خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعاً يقال لها: كعيب وخشبة من ساج نحوها في الطول يقال لها: امرأة كعيب كانوا يتبركون بهما في الجاهلية وكان يقال لكعيب: الأحوزي والأحوزي بلسانهم الحر وكان أبرهة عند بناء القليس قد أخذ العمال بالعمل أخذاً شديداً وكان آلى ان لا تطلع الشمس على عامل لم يضع يده في عمله فيؤتى به إلا قطع يده. قال: فتخلف رجل ممن كان يعمل فيه حتى. طلعت الشمس وكانت له أم عجوز فذهب بها معه لتستوهبه من أبرهة، فأتته وهو بارز للناس فذكرت له علة إبنها واستوهبته منه فقال: لا أكذب نفسي ولا أفسد على عمالي فأمر بقطع يده فقالت له أمه: اضرب بمعولك ساعي بهر، اليوم لك، وغداً لغيرك، ليس كل الدهر لك. فقال: ادنوها فقال لها: إن هذا الملك أيكون لغيري ? قالت: نعم، وكان أبرهة قد أجمع أن يبني القليس حتى يظهر على ظهره فيرى منه بحر عدن فقال: لا أبني حجراً على حجر بعد يومي هذا. وأعفا الناس من العمل، وتفسير قولها ساعي بهر تقول: اضرب بمعولك ما كان حديداً، فانتشر خبر بناء أبرهة هذا البيت في العرب فدعا رجل من النساءة من بني مالك بن كنانة فتبين منهم فأمرهما أن يذهبا إلى ذلك البيت الذي بناه أبرهة بصنعاء فيحدثا فيه فذهب بهما ففعلا ذلك، فدخل أبرهة البيت فرأى أثرهما فيه فقال: من فعل هذا ? فقيل: رجلان من العرب فغضب من ذلك وقال: لا أنتهي حتى أهدم بيتهم الذي بمكة. قال: فساق الفيل إلى بيت الله الحرام ليهدمه فكان من أمر الفيل ما كان. فلم يزل القليس على ما كان عليه حتى ولى أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين العباس بن الربيع ابن عبيد الله الحارثي اليمن فذكر العباس ما في القليس من النقض والذهب والفضة وعظم ذلك عنده وقيل له: انك تصيب فيه مالاً كثيراً وكنزاً فتاقت نفسه إلى هدمه وأخذ ما فيه فبعث إلى ابن لوهب بن منبه فاستشاره في هدمه وقال: إن غير واحد من أهل اليمن قد أشاروا علي أن لا أهدمه وعظم على أمر كعيب وذكر إن أهل الجاهلية كانوا يتبركون به وانه كان يكلمهم ويخبرهم بأشياء مما يحبون ويكرهون. قال ابن وهب: كلما بلغك باطل وانما كعيب صنم من أصنام الجاهلية فتنوا به فمر بالدهل وهو الطبل وبمزمار فليكونا قريبا ثم أعله الهدامين، ثم مرهم بالهدم فإن الدهل والمزمار انشط لهم، وأطيب لأنفسهم، وأنت مصيب من نقضه مالا عظيماً مع انك تثاب من الفسقة الذين حرقوا غمدان وتكون قد محوت عن قومك اسم بناء الحبش وقطعت ذكرهم وكان بصنعاء يهودي عالم. قال: فجاء قبل ذلك إلى العباس بن الربيع يتقرب إليه فقال له: إن ملكاً يهدم القليس يلي اليمن أربعين سنة قال: فلما اجتمع له قول اليهودي ومشورة بن وهب ابن منبه أجمع على هدمه. قال أبو الوليد: فحدثني الثقة قال: شهدت العباس وهو يهدمه فأصاب منه مالاً عظيماً ثم رأيته دعا بالسلاسل فعلقها في كعيب والخشبة التي معه فاحتملها الرجال فلم يقربها أحد مخافة لما كان أهل اليمن يقولون فيها فدعا بالورديين وهي العجل فأعلق فيها السلاسل ثم جبذها الثيران وجبذها الناس معها حتى أبرزوها من السور فلما ان لم ير الناس شيئاً مما كانوا يخافون من مضرتها وثب رجل من أهل العراق كان تاجراً بصنعاء فاشترى الخشبة وقطعها لدار له فلم يلبث العراقي إن جذم فقال رعاع الناس هذا لشرائه كعيباً. قال: ثم رأيت أهل صنعاء بعد ذلك يطوفون بالقليس فيلقطون  
منه قطع الذهب والفضة.ع الذهب والفضة.
ثم رجع إلى حديث ابن إسحاق قال: فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة بذلك إلى النجاشي غضب رجل من النساءة أحد بني فقيم من بني مالك ابن كنانة فخرج حتى أتى القليس فقعد فيها أي أحدث فيها ثم خرج حتى لحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا ? فقيل له: صنعه رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع بقولك اصرف إليها حاج العرب. فغضب فجاءها فقعد فيها أي انها ليست لذلك بأهل، فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه. ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ثم سار وخرج بالفيل معه فسمعت بذلك العرب فأعظموه وقطعوا به ورأوا إن جهاده حق عليهم حين سمعوا انه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام فخرج إليه رجل من أشراف اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفر. فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وإلى مجاهدته عن بيت الله الحرام وما يريد من هدمه وإخراجه. فأجابه من أجابه إلى ذلك ثم عرض له، فقاتله فهزم ذو نفر فأتى به أسيراً فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني فعسى أن يكون مقامي معك خيراً لك من قتلي. فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق. وكان أبرهة رجلاً حليماً ورعاً ذا دين في النصرانية، ومضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج إليه حتى إذا كان في أرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبائل خثعم شهران وناهس ومن اتبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيراً فأتى به فقال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني فاني دليلك بأرض العرب وهاتان يداي على قبائل خثعم شهران وناهس بالسمع والطاعة فأعفاه وخلي سبيله وخرج به معه يدله حتى إذا مر بالطايف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف فقالوا له: ايها الملك انما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون وليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد يعنون اللات إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم وبعثوا معه أبا رغال يدله على مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزلهم بالمغمس فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك فرجمت العرب قبره فهو قبره الذي يرجم بالمغمس وهو الذي يقول فيه جرير بن الخطفي:

إذا مات الفرزدق فارجموه

 

كما ترمون قبر أبي رغال


فلما نزل أبرهة المغمس بعث رجلاً من الحبشة يقال له: الأسود بن مفصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم فأصاب فيها مايتي بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وخزاعة وكنانة وهذيل ومن كان في الحرم بقتاله ثم عرفوا انه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك؛ وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة فقال له: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل لهم: إن الملك يقول لكم اني لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تعرضوا لي بقتال فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له: عبد المطلب. فأرسل إلى عبد المطلب فقال بما قال أبرهة. فقال عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبين إبراهيم خليله عليه السلام أو كما قال: فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه وأن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك. فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقاً حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال: يا ذا نفر، هل عندك من غناء فيما نزل بنا ? قال ذو نفر: وما غناء رجل أسير في يدي ملك ينتظر أن يقتله بكرة أو عشية، ما عندي غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيساً سايس الفيل صديق لي فسأرسل إليه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك وتكلمه فيما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك، قال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب عير مكة يطعم الناس بالسهل والجبل والوحوش في رؤوس الجبال وقد أصاب الملك له مايتي بعير فاستأذن له عليه وأنفعه عنده بما استطعت فقال: افعل فكلم أنيس أبرهة فقال له: أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عير مكة وهو يطعم الناس بالسهل والجبل والوحوش في رؤوس الجبال فأذن له عليك فليكلمك في حاجته فأذن له أبرهة، وكان عبد المطلب أوسم الناس وأعظمهم وأجملهم فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة معه على سريره فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك ? قال له الترجمان: إن الملك يقول لك: ما حاجتك ? قال: حاجتي أن يرد الملك علي مايتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، تكلمني في مايتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه لا تكلمني فيه، قال عبد المطلب: إني أنا رب إبلي وإن للبيت رباً سيمنعه قال: ما كان ليمتنع مني قال: أنت وذاك، قال ابن إسحاق: وقد كان فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة الحميري يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهو يومئذ سيد بني بكر وخويلد بن واثلة الهذلي وهو يومئذ سيد هذيل فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت فأبى عليهم؛ والله أعلم أكان ذلك أم لا، وقد كان أبرهة رد على عبد المطلب الابل التي كان أصاب فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال خوفاً عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله عز وجل ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:

يا رب إن المرء يمن

 

ع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صلـيبـهـم

 

ومحالهم عدوا محالك

إن كنت تاركهـم وق

 

بلتنا فأمر ما بدا لـك

ولئن فعلـت فـإنـه

 

أمر يتم به فعـالـك

ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها وقال عبد المطلب أيضاً:

قلت والأشرم تردى خيله

 

إن ذا الأشرم غر بالحرم

كاده تبع فيمـا جـنـدت

 

حمير والحي من آل قدم

فأنثنى عنه وفي أوداجـه

 

حارج أمسك منه بالكظم

نحن أهل اللّه في بلدتـه

 

لم يزل ذاك عهد إبراهيم

نعبد اللّه وفـينـا شـيمة

 

صلة القربى وإيفاء الذمم

إن للبيت لرباً مـانـعـاً

 

من يرده باثام يصطلـم

يعي إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، ولما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه وكان اسم الفيل محموداً وأبرهة مجمع لهدم الكعبة ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل بفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل فالتفم اذنه فقال: ابرك محمود وارجع راشداً من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل اذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبرزين فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك فوجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طير منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب أحداً منهم إلا هلك، وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاؤوا ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أين المفر والإله الـطـالـب

 

والأشرم المغلوب غير الغالب

وقال نفيل أيضاً حين ولوا وعاينوا ما نزل بهم:

ألا حييت عـنـا يا ردينـا

 

نعمناكم مع الأصباح عينا

ردينة لو رأيت ولن تـريه

 

لدا جنب المحصب ما رأينا

إذاً لعذرتني وحمدت أمري

 

ولم تأسى على ما فات بينا

حمدت اللّه إذ عاينت طيراً

 

وخفت حجارة تلقى علينـا

وكل القوم يسأل عن نفـيل

 

كأن عليّ للحبشـان دينـا


فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم تسقط انملة انملة كلما سقطت منه انملة اتبعتها منه مدة تمث قيحاً ودماً حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطاير فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون. وأقام بمكة فلال من الجيش وعسفاء وبعض من ضمه العسكر، فكانوا بمكة يعتملون ويرعون لأهل مكة. قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس انه حدث إن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وانه أول ما رؤي بها من مراير الشجر الحرمل والحنظل والعشر من ذلك العام، قال أبو الوليد: وقال بعض المكيين انه أول ما كانت بمكة حمام اليمام، حمام مكة الحرمية ذلك الزمان، يقال: انها من نسل الطير التي رمت أصحاب الفيل حين خرجت من البحر من جدة، ولما هلك أبرهة، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى، ثم ملك بعد يكسوم أخوه مسروق بن أبرهة، وهو الذي قتلته الفرس حين جاءهم سيف بن ذي يزن، وكان آخر ملوك الحبشة وكانوا أربعة فجميع ما ملكوا أرض اليمن من حين دخلوها إلى أن قتلوا ثلاثين سنة ولما رد الله سبحانه عن مكة الحبشة وأصابهم ما أصابهم من النقمة أعظمت العرب قريشاً وقالوا: أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم، فجعلوا يقولون في ذلك الأشعار يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما دفع عن قريش من كيدهم ويذكرون الأشرم والفيل ومساقه إلى الحرم، وما أراد من هدم البيت واستحلال حرمته. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة أم المؤمنين قالت: رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان. قال ابن إسحاق: فلما قتلت الحبش ورجع الملك إلى حمير سرت بذلك جميع العرب لرجوع الملك فيها وهلاك الحبشة، فخرجت وفود العرب جميعها لتهنئة سيف بن ذي يزن، فخرج وفد قريش، ووفد ثقيف، وعجز هوازن وهم نصر وجشم وسعد بن بكر ومعهم وفد عدوان وفهم ابني عمرو بن قيس فيهم مسعود بن معتب، ووفد غطفان، ووفد تميم، وأسد، ووفد قبايل قضاعة والأزد فأجازهم وأكرمهم وفضل قريشاً عليهم في الجائزة لمكانهم في الحرم وجوارهم بيت الله تعالى. قال أبو الوليد: وحدثني عبد الله بن شبيب الربعي، قال: حدثنا عمرو بن بكر بن بكار قال: حدثني أحمد بن القاسم الربعي مولى قيس بن ثعلبة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي )ص( بسنتين أتاه وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئه وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، فأتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية ابن عبد شمس، وخويلد بن أسد في ناس من وجوه قريش من أهل مكة فأتوه بصنعاء وهو في قصر له يقال له غمدان، وهو الذي يقول فيه الشاعر أبو الصلت الثقفي أبو أمية بن أبي الصلت:

لا تطلب الثأر إلا كابـن ذي يزن

 

خيم في البحر للأعـداء أحـوالا

أتى هرقلا وقد شالت نعامتـهـم

 

فلم يجد عنده النصر الـذي سـالا

ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشـرة

 

من السنين يهين النفس والـمـالا

حتى أتى ببني الأحرار يقدمـهـم

 

تخالهم فوق متن الأرض أجبـالا

بيض مـرازبة غـلـب أسـاورة

 

أسد يربين في الغيضات أشـبـالا

للّه درهم مـن فـتـية صـبـر

 

ما أن رأيت لهم في الناس أمثـالا

لا يضجرون وإن حزت مغافرهم

 

ولا نرى منهم في الطعن مـيالا

أرسلت أسداً على سود الكلاب فقد

 

أضحى شريدهم في الناس فـلالا

فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعـاً

 

في رأس غمدان داراً منك محلالا

تلك المكارم لا قعبان مـن لـبـن

 

شيبا بماء فعـادا بـعـد أبـوالا

فالتطّ بالمسك إذا شالت نعامتـهـم

 

وأسبل اليوم في برديك إسـبـالا


فاستأذنوا عليه فأذن لهم فإذا الملك متضمخ بالعنبر يلصف ووميض المسك من مفرقه إلى قدمه وسيفه بين يديه، وعن يمينه وعن يساره الملوك وأبناء الملوك فدنا عبد المطلب فاستأذن في الكلام فقال له سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك. فقال له عبد المطلب: إن الله عز وجل قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً، صعباً، منيعاً، شامخاً، باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، في أكرم معدن، وأطيب موطن، وأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها الذي تخصب به، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف فلن يخمد ذكر من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه أيها الملك نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشفك الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة، قال: وأيهم أنت أيها المتكلم ? قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ابن أختنا ! قال: نعم. قال: ادن، فادناه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً وناقة ورحلا، ومستناخاً سهلا، وملكاً ربحلا يعطى عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم؛ قال: ثم قال: انهضوا إلى دار الضيافة والوفود، فأقاموا شهراً لا يصلون إليه ولا يأذن لهم في الانصراف، قال وأجرى عليهم الانزال ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه وأخلا مجلسه ثم قال: يا عبد المطلب اني مفوض إليك من سر علمي أمراً لو غيرك يكون لم أبح به له، ولكني وجدتك معدنه فأطلعتك طلعه وليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ فيه أمره، إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا واحتجناه دون غيرنا، خبراً جسيماً، وخطراً عظيماً فيه شرف للحياة، وفضيلة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة، قال: أيها الملك مثلك سر، وبر فما هو فداك أهل الوبر والمدر زمراً بعد زمر، قال: فإذا ولد بتهامة غلام به علامة، كانت له الامامة، ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة، فقال له عبد المطلب: أبيت اللعن لقد أتيت بخبر ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك واعظامه واجلاله لسألته من سارة ابائي ما أزداد به سروراً، فإن رأى الملك أن يخبرني بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح، قال: هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد بين كتفيه شامة، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه، وقد ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرايم الأرض، يعبد الرحمن، ويدخر الشيطان، ويكسر الأوثان ويخمد النيران، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله، قال: فخر عبد المطلب ساجداً فقال له: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا كعبك، فهل أحست من أمره شيئاً ? قال: نعم أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجباً وعليه رفيقاً فزوجته كريمة من كرايم قومه، آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سميته محمداً، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه، بين كتفيه شامة، وفيه كلما ذكرت من علامة، قال له: والبيت ذى الحجب، والعلامات على النصب، انك يا عبد المطلب لجده غير الكذب، وإن الذي قلت، لكما قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه من اليهود فانهم له أعداء ولن يجعل الله تعالى لهم عليه سبيلا، فاطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فاني لست آمن أن تدخلهم النفاسة، من أن تكون لك الرياسة فيبتغون لك الغوايل، وينصبون لك الحبايل، وهم فاعلون أو أبناؤهم ولولا إن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي، حتى أصير بيثرب دار مملكته، فاني أجد في الكتاب الناطق، والعلم السابق، أن بيثرب استحكام أمره، وأهل نصره، وموضع قبره، ولولا اني أقيه الآفات، واحذر عليه العاهات، لأوطأت أسنان العرب كعبه، ولأعليت على حداثة سنه ذكره، ولكني صارف ذلك إليك، عن غير تقصير بمن معك، ثم أمر لكل رجل منهم بماية من الابل وعشرة أعبد، وعشر اماء، وعشرة أرطال ذهب، وعشرة أرطال فضة وكرش مملوة عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك ثم قال له: إيتني بخبره، وما يكون من  
أمره عند رأس الحول، فمات سيف بن ذى يزن من قبل أن يحول الحول، وكان عبد المطلب يقول: أيها الناس لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي شرفه وذكره وفخره فإذا قيل له: وما ذاك ? يقول: ستعلمن ولو بعد حين. وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:مره عند رأس الحول، فمات سيف بن ذى يزن من قبل أن يحول الحول، وكان عبد المطلب يقول: أيها الناس لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي شرفه وذكره وفخره فإذا قيل له: وما ذاك ? يقول: ستعلمن ولو بعد حين. وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:

جلبنا النصح نحقبها المطـايا

 

إلى أكوار أجمـال ونـوق

مغلغلة مراتعها تـعـالـى

 

إلى صنعاء من فج عمـيق

تؤمن بنا ابن ذى يزن وتفرى

 

ذوات بطونها أم الطـريق

ونرعى من مخايلها بروقـاً

 

مواقفة الوميض إلى بروق

ولما وافقت صنعاء صارت

 

بدار الملك والحسب العريق

قال أبو الوليد: وقد ذكر الله تعالى الفيل وما صنع بأصحابه فقال: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخرها ولو لم ينطق القرآن به لكان في الأخبار المتواطئة والأشعار المتظاهرة في الجاهلية والاسلام حجة وبيان لشهرته وما كانت العرب تؤرخ به، فكانوا يؤرخون في كتبهم وديونهم من سنة الفيل، وفيها ولد رسول الله )ص( فلم تزل قريش والعرب بمكة جميعاً تؤرخ بعام الفيل، ثم أرخت بعام الفجار، ثم أرخت ببنيان الكعبة فلم تزل تؤرخ به حتى جاء الله بالاسلام فأرخ المسلمون من عام الهجرة، ولقد بلغ من شهرة أمر الفيل وصنع الله بأصحابه واستفاضة ذلك فيهم حتى قالت عائشة رضي الله عنها على حداثة سنها: لقد رأيت قايد الفيل وسايسه أعميين ببطن مكة يستطعمان وقد ذكر غير واحد من احداث قريش أنه رآهما أعميين.

ما جاء في شواهد الشعر في ذلك

قال أبو الطفيل الغنوي وهو جاهلي:

ترعى مذانب وسمى أطاع لـهـا

 

بالجزع حيث عصى أصحابه الفيل

وقال صيفي بن عامر، وهو أبو قيس بن الأسلت الخزرجي وهو جاهلي يعنى قريشاً:

قوموا فصلوا ربكم وتـعـوذوا

 

بأركان هذا البيت بين الأخاشب

فعندكم منه بـلاء ومـصـدق

 

غداة أبي يكسوم هادي الكتائب

فلما أجازوا بطن نعمان ردهـم

 

جنود المليك بين ساف وحاصب

فولوا سراعا نادمين ولـم يؤب

 

إلى أهله بالجيش غير عصائب

وقال أبو قيس بن الأسلت:

ومن صنعه يوم فيل الحبو

 

ش إذ كل ما بعثوه رزم

محاجنهم تحت أقـرابـه

 

وقد كلموا أنفه بالخـزم

وقد جعلوا سوطه مغولا

 

إذا يمموه قفـاه كـلـم

فأرسل من فوقهم حاصبا

 

يلفهم مثل لف الـقـزم

يحث على الطير أجنادهم

 

وقد ثأجوا كثؤاج الغنـم

وقال أبو الصلت الثقفي وهو جاهلي:

إن آيات ربـنـا بـينـــات

 

ما يمارى فيهن إلا كـفـور

حبس الفيل بالمعمس حـتـى

 

ظل يحبو كأنـه مـعـقـور

واضعاً حلقة الجـران كـمـا

 

قطر صخر من كبكب محدور

وقال المغيره بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم:

أنت حبست الفيل بالمغـمـس

 

حبستـه كـأنـه مـكـردس

من بعد ما هم بشر مـحـبـس

 

بمحبس ترهق فيه الأنـفـس

وقت بثاث ربنـا إلـم تـدنـس

 

يا واهب الحي الجميع الأحمس

وما لهم من طارق ومنـفـس

 

وجاره مثل الجواري الكنـس

أنت لنا في كل أمر مضـرس

 

وفي هنات أخذت بالأنـفـس

وقال ابن أذينة الثقفي:

لعمرك ما للفتى من مفـر

 

مع الموت يلحقه والكبـر

لعمرك ما للفتى عصـرة

 

لعمرك ما إن له من وزر

أبعد قبائل مـن حـمـير

 

أتوا ذات صبح بذات العبر

بألـف ألـوف وحـرابة

 

كمثل السماء قبيل المطر

يصم صراخهم المقربـات

 

ينفون من قاتلوا بالـذفـر

سعالى مثل عديد التـراب

 

تيبس منها رطاب الشجر

ما جاء في ذكر بناء قريش الكعبة في الجاهلية

 
حدثني أبو الوليد قال: حدثني جدي عن داود بن عبد الرحمن العطار قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم القاري عن أبي الطفيل قال: قلت: يا خال حدثني عن بنيان الكعبة قبل أن بنتها قريش قال: كانت برضم يابس ليس بمدر تنزوه العناق وتوضع الكسوة على الجدر ثم تدلى، ثم إن سفينة للروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة وهي يومئذ ساحل مكة قبل جدة فانكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها وأخذوا خشبها ورومياً كان فيها يقال له باقوم نجاراً بناء، فلما قدموا به مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا فاجتمعوا لذلك ونقلوا الحجارة من الضواحي فبينا رسول الله )ص( ينقلها معهم إذ انكشفت نمرته فنودي يا محمد عورتك فذلك أول ما نودي والله أعلم، فما رؤيت له عورة بعدها، فلما جمعوا الحجارة وهموا بنقضها، خرجت لهم حية سوداء الظهر، بيضاء البطن لها رأس مثل رأس الجدي تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند المقام وهو يومئذ في مكانه اليوم ثم قالوا: ربنا أردنا عمارة بيتك فرأوا طائراً أسود ظهره، أبيض بطنه، أصفر الرجلين أخذها فجرها حتى أدخلها أجياد ثم هدموها وبنوها عشرين ذراعاً طولها، قال أبو الطفيل: فاستقصرت قريش لقصر الخشب فتركوا منها في الحجر ستة أذرع وشبراً، قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: جلس عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في الحجر وأرسل إلى رجل من بني زهرة قديم فسأله عن بنيان الكعبة فقال: إن قريشاً تقوت في بنائها فعجزوا واستقصروا فبنوا وتركوا بعضها في الحجر فقال عمر: صدقت، قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري قال: لما بلغ رسول الله )ص( الحلم أجمرت امرأة من قريش الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فوها البيت للحريق الذي أصابه فتشاغلت قريش في هدم الكعبة فهابوا هدمهما فقال لهم الوليد بن المغيرة: أتريدون بهدمها الاصلاح أم الاساءة ? قالوا: بل نريد الاصلاح قال: فإن الله لا يهلك المصلحين، قالوا: من الذي يعلوها فيهدمها ? قال الوليد بن المغيرة: أنا أعلوها فأهدمها فارتقى الوليد على جدر البيت ومعه الفأس فقال: اللهم إنا لا نريد إلا الاصلاح، ثم هدم فلما رأت قريش ما هدم منها ولم يأتهم ما يخافون من العذاب هدموا معه حتى إذا بنوا فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه حتى كاد يشتجر بينهم فقالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فطلع رسول الله )ص( وهو غلام عليه وشاحاً نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية الثوب ثم ارتقى وأمرهم أن يرفعوه إليه فرفعوه إليه وكان هو الذي وضعه، حدثني جدي قال: حدثنا مسلم ابن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: جلس رجال من قريش في المسجد الحرام فيهم حويطب بن عبد العزى ومخرمة بن نوفل فتذاكروا بنيان قريش الكعبة وما هاجهم على ذلك وذكروا كيف كان بناؤها قبل ذلك قالوا: كانت الكعبة مبنية برضم يابس ليس بمدر وكان بابها بالأرض ولم يكن لها سقف وانما تدلى الكسوة على الجدر من خارج وتربط من أعلا الجدر من بطنها وكان في بطن الكعبة عن يمين من دخلها جب يكون فيه ما يهدى إلى الكعبة من مال وحلية كهيئة الخزانة وكان يكون على ذلك الجب حية تحرسه بعثها الله منذ زمن جرهم وذلك انه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا مالها وحليتها مرة بعد مرة فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة وما فيها خمسمائة سنة فلم تزل كذلك حتى بنت قريش الكعبة وكان قرنا الكبش الذي ذبحه إبراهيم خليل الرحمن معلقين في بطنها بالجدر تلقا من دخلها، يخلقان ويطيبان إذا طيب البيت فكان فيها معاليق من حلية كانت تهدى إلى الكعبة فكانت على ذلك من أمرها ثم إن امرأة ذهبت تجمر الكعبة فطارت من مجمرتها شرارة فاحترقت كسوتها وكانت الكسوة عليها ركاماً بعضها فوق بعض فلما احترقت الكعبة توهنت جدرانها من كل جانب وتصدعت وكانت الخرف الأربعة عليهم مظللة والسيول متواترة، ولمكة سيول عوارم فجاء سيل عظيم على تلك الحال فدخل الكعبة وصدع جدرانها وأخافهم ففزعت من ذلك قريش فزعاً شديداً وهابوا هدمها وخشوا أن مسوها أن ينزل عليهم العذاب قال: فبينا هم على ذلك يتناظرون ويتشاورون إذ أقبلت  
سفينة للروم حتى إذا كانت بالشعيبة وهي يومئذ ساحل مكة قبل جدة انكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها فاشتروا خشبها وأذنوا لأهلها أن يدخلوا مكة فيبيعون ما معهم من متاعهم على أن لا يعشروهم، قال: وكانوا يعشرون من دخلها من تجار الروم كما كانت الروم تعشر من دخل منهم بلادها، فكان في السفينة رومي نجار بناء يسمى باقوم فلما قدموا بالخشب مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا فأجمعوا لذلك وتعاونوا عليه وترافدوا في النفقة وربعوا قبائل قريش أرباعاً ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على جوانبها فطار قدح بني عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي وقدح بني عبد الدار وبني أسد بن عبد العزى وبني عدى بن كعب على الشق الذي يلي الحجر وهو الشق الشامي وطار قدح بني سهم وبني جمح وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة وهو الشق الغربي وطار قدح بني تيم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضموا معهم على الشق اليماني الذي يلي الصفا وأجياد، فنلقوا الحجارة ورسول الله يومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي ينقل معهم الحجارة على رقبته فبينا هو ينقلها إذ انكشفت نمرة كانت عليه فنودي يا محمد عورتك وذلك أول ما نودي والله أعلم فما رؤيت لرسول الله )ص( عورة بعد ذلك ولبج رسول الله من الفزع حين نودي، فأخذه العباس بن عبد المطلب فضمه إليه وقال: لو جعلت بعض نمرتك على عاتقك تقيك الحجارة، قال: ما أصابني هذا إلا من التعري، فشد رسول الله )ص( أزاره وجعل ينقل معهم وكانوا ينقلون بأنفسهم تبرراً وتبركاً بالكعبة. فلما اجتمع لهم ما يريدون من الحجارة والخشب وما يحتاجون إليه عدوا على هدمها فخرجت الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء الظهر، بيضاء البطن، رأسها مثل رأس الجدي، تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند مقام إبراهيم وهو يومئذ بمكانه الذي هو فيه اليوم فقال لهم الوليد بن المغيرة: يا قوم ألستم تريدون بهدمها الاصلاح ? قالوا: بلى. قال: فإن الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من طيب أموالكم ولا تدخلوا فيه مالاً من ربا، ولا مالاً من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من أموالكم فإن الله لا يقبل إلا طيباً ففعلوا ثم وقفوا عند المقام فقاموا يدعون ربهم ويقولون: اللهم إن كان لك في هدمها رضاً فأتمه وأشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ظهره أسود، وبطنه أبيض، ورجلاه صفراوان والحية على جدر البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغير فقالت قريش: انا لنرجوا أن يكون الله سبحانه وتعالى قد رضي عملكم وقبل نفقتكم فأهدموه، فهابت قريش هدمه وقالوا: من يبدأ فيهدمه ? فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمه، أنا شيخ كبير فإن أصابني أمر كان قد دنا أجلي وإن كان غير ذلك لم يرزأني فعلا البيت وفي يده عتلة يهدم بها فتزعزع من تحت رجله حجر فقال: اللهم لم ترع ? انما أردنا الاصلاح وجعل يهدمه حجراً حجراً بالعتلة فهدم يومه ذلك فقالت قريش: انا نخاف أن ينزل به العذاب إذا أمسى. فلما أمسى، لم تر بأساً فأصبح الوليد بن المغيرة غادياً على عمله فهدمت قريش معه حتى بلغوا الأساس الأول الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت فأبصروا حجارة كأنها الابل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلاً، يحرك الحجر منها فترتج جوانبها، قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين الحجرين فانفلقت منه فلقة عظيمة فأخذها أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فنزت من يده حتى عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها؛ فلما رأوا ذلك أمسكوا عن أن ينظروا ما تحت ذلك فلما جمعوا ما أخرجوا من النفقة قلت النفقة عن أن تبلغ لهم عمارة البيت كله فتشاوروا في ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته في الحجر عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساساً يبنون عليه من شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت في الحجر ستة أذرع وشبراً فبنوا على ذلك فلما وضعوا أيديهم في بنائها قالوا: ارفعوا بابها من الأرض واكبسوها حتى لا تدخلها السيول ولا ترقا إلا بسلم ولا يدخلها إلا من أردتم إن كرهتم أحداً ذفعتموه،  
ففعلوا ذلك وبنوها بساف من حجارة، وساف من خشب بين الحجارة حتى انتهوا إلى موضع الركن فاختلفوا في وضعه وكثر الكلام فيه وتنافسوا في ذلك فقالت بنو عبد مناف وزهرة: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت تيم ومخزوم: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت سائر القبائل: لم يكن الركن مما استهمنا عليه فقال أبو أمية بن المغيرة: يا قوم إنما أرادنا البر، ولم نرد الشر فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أموركم، وطمع فيكم غيركم ولكن حكموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج، قالوا: رضينا وسلمنا، فطلع رسول الله )ص( فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فحكموه، فبسط رداءه ثم وضع فيه الركن فدعا من كل ربع رجلاً فأخذوا بأطراف الثوب فكان من بني عبد مناف عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثاني أبو زمعة بن الأسود، وكان أسن القوم، وفي الربع الثالث العاصي بن وائل، وفي الربع الرابع أبو حذيفة بن المغيرة فرفع القوم الركن وقام النبي )ص( على الجدر ثم وضعه بيده فذهب رجل من اهل نجد ليناول النبي )ص( حجراً ليشد به الركن فقال العباس بن عبد المطلب: لا. ل العباس النبي )ص( حجراً فشد به الركن فغضب النجدي حيث نحى فقال النجدي: واعجباه لقوم أهل شرف وعقول وسن وأموال عمدوا إلى أصغرهم سناً، وأقلهم مالاً فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحوزهم كأنهم خدم له اما والله ليفوتنهم سبقاً وليقسمن عليهم حظوظاً وجدوداً ويقال: انه ابليس، فبنوا حتى رفعوا أربعة أذرع وشبراً ثم كبسوها ووضعوا بابها مرتفعاً على هذا الذرع ورفعوها بمدماك خشب ومدماك حجارة حتى بلغوا السقف. فقال لهم باقوم الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكبساً أو مسطحاً ? فقالوا: بل ابن بيت ربنا مسطحاً. قال: فبنوه مسطحاً وعلوا فيه ست دعايم في صفين في كل صف ثلاث دعايم من الشق الشامي الذي يلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا ارتفاعها من خارجها من الأرض إلى أعلاها ثمانية عشر ذراعاً وكانت قبل ذلك تسعة أذرع فزادت قريش في ارتفاعها في السماء تسعة أذرع أخر وبنوها من أعلاها إلى أسفلها بمدماك من حجارة ومدماك من خشب وكان الخشب خمسة عشر مدماكاً والحجارة ستة عشر مدماكاً وجعلوا ميزابها يسكب في الحجر وجعلوا درجة من خشب في بطنها في الركن الشامي يصعد منها إلى ظهرها، وزوقوا سقفها وجدرانها من بطنها ودعايمها وجعلوا في دعايمها صور الأنبياء، وصور الشجر، وصور الملائكة فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام، وصورة عيسى بن مريم وأمه، وصورة الملائكة عليهم السلام أجمعين، فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله )ص( فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب وأمر بطمس تلك الصور، فطمس. قال: ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام وقال: امحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن عيسى بن مريم وأمه ونظر إلى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله جعلوه يستقسم بالأزلام ما لابراهيم وللأزلام، وجعلوا لها باباً واحداً فكان يغلق ويفتح، وكانوا قد أخرجوا ما كان في البيت من حلية ومال وقرني الكبش وجعلوه عند أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى وأخرجوا هبل وكان على الجب الذي فيه نصبه عمرو بن لحي هنالك ونصب عند المقام حتى فرغوا من بناء البيت فردوا ذلك المال في الجب وعلقوا فيه الحلية وقرني الكبش وردوا الجب في مكانه فيما يلي الشق الشامي ونصبوا هبل على الجب كما كان قبل ذلك وجعلوا له سلماً يصعد عليه إلى بطنها وكسوها حين فرغوا من بنائها حبرات يمانية. ذلك وبنوها بساف من حجارة، وساف من خشب بين الحجارة حتى انتهوا إلى موضع الركن فاختلفوا في وضعه وكثر الكلام فيه وتنافسوا في ذلك فقالت بنو عبد مناف وزهرة: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت تيم ومخزوم: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت سائر القبائل: لم يكن الركن مما استهمنا عليه فقال أبو أمية بن المغيرة: يا قوم إنما أرادنا البر، ولم نرد الشر فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أموركم، وطمع فيكم غيركم ولكن حكموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج، قالوا: رضينا وسلمنا، فطلع رسول الله )ص( فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فحكموه، فبسط رداءه ثم وضع فيه الركن فدعا من كل ربع رجلاً فأخذوا بأطراف الثوب فكان من بني عبد مناف عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثاني أبو زمعة بن الأسود، وكان أسن القوم، وفي الربع الثالث العاصي بن وائل، وفي الربع الرابع أبو حذيفة بن المغيرة فرفع القوم الركن وقام النبي )ص( على الجدر ثم وضعه بيده فذهب رجل من اهل نجد ليناول النبي )ص( حجراً ليشد به الركن فقال العباس بن عبد المطلب: لا. ل العباس النبي )ص( حجراً فشد به الركن فغضب النجدي حيث نحى فقال النجدي: واعجباه لقوم أهل شرف وعقول وسن وأموال عمدوا إلى أصغرهم سناً، وأقلهم مالاً فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحوزهم كأنهم خدم له اما والله ليفوتنهم سبقاً وليقسمن عليهم حظوظاً وجدوداً ويقال: انه ابليس، فبنوا حتى رفعوا أربعة أذرع وشبراً ثم كبسوها ووضعوا بابها مرتفعاً على هذا الذرع ورفعوها بمدماك خشب ومدماك حجارة حتى بلغوا السقف. فقال لهم باقوم الرومي: أتحبون أن تجعلوا سقفها مكبساً أو مسطحاً ? فقالوا: بل ابن بيت ربنا مسطحاً. قال: فبنوه مسطحاً وعلوا فيه ست دعايم في صفين في كل صف ثلاث دعايم من الشق الشامي الذي يلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا ارتفاعها من خارجها من الأرض إلى أعلاها ثمانية عشر ذراعاً وكانت قبل ذلك تسعة أذرع فزادت قريش في ارتفاعها في السماء تسعة أذرع أخر وبنوها من أعلاها إلى أسفلها بمدماك من حجارة ومدماك من خشب وكان الخشب خمسة عشر مدماكاً والحجارة ستة عشر مدماكاً وجعلوا ميزابها يسكب في الحجر وجعلوا درجة من خشب في بطنها في الركن الشامي يصعد منها إلى ظهرها، وزوقوا سقفها وجدرانها من بطنها ودعايمها وجعلوا في دعايمها صور الأنبياء، وصور الشجر، وصور الملائكة فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام، وصورة عيسى بن مريم وأمه، وصورة الملائكة عليهم السلام أجمعين، فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله )ص( فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب وأمر بطمس تلك الصور، فطمس. قال: ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام وقال: امحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن عيسى بن مريم وأمه ونظر إلى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله جعلوه يستقسم بالأزلام ما لابراهيم وللأزلام، وجعلوا لها باباً واحداً فكان يغلق ويفتح، وكانوا قد أخرجوا ما كان في البيت من حلية ومال وقرني الكبش وجعلوه عند أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى وأخرجوا هبل وكان على الجب الذي فيه نصبه عمرو بن لحي هنالك ونصب عند المقام حتى فرغوا من بناء البيت فردوا ذلك المال في الجب وعلقوا فيه الحلية وقرني الكبش وردوا الجب في مكانه فيما يلي الشق الشامي ونصبوا هبل على الجب كما كان قبل ذلك وجعلوا له سلماً يصعد عليه إلى بطنها وكسوها حين فرغوا من بنائها حبرات يمانية.
 
حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن حويطب بن عبد العزى قال: كانت في الكعبة حلق أمثال لجم البهم يدخل الخائف فيها يده فلا يريبه أحد فجاء خائف ليدخل يده فاجتبذه رجل فشلت يده فلقد رأيته في الاسلام وانه لأشل.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج قال: سأل سليمان بن موسى الشامي عطاء بن أبي رباح وأنا أسمع أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى قال: نعم أدركت فيها تمثال مريم مزوقاً في حجرها عيسى ابنها قاعداً مزوقاً. قال: وكانت في البيت أعمدة ست سواري وصفها كما نقطت في هذا التربيع قال: وكان تمثال عيسى بن مريم ومريم عليهما السلام في العمود الذي يلي الباب. قال ابن جريج: فقلت لعطاء: متى هلك ? قال: في الحريق في عصر ابن الزبير وقلت: أعلى عهد النبي )ص( كان ? قال: لا أدري واني لأظنه قد كان على عهد النبي )ص(، قال له سليمان: أفرأيت تماثيل صور كانت في البيت، من طمسها ? قال: لا أدري غير اني أدركت من تلك الصور اثنتين درسهما وأراهما والطمس عليهما قال ابن جريج: ثم عاودت عطاء بعد حين فخط لي ست سواري كما خططت ثم قال: تمثال عيسى وأمه عليهما السلام في الوسطى من اللاتي تلين الباب الذي يلينا إذا دخلنا. قال ابن جريج: الذي خط هذا التربيع ونقط هذا النقط؛ حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار قال: أدركت في بطن الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيسى بن مريم وأمه.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: أخبرني بعض الحجبة عن مسافع بن شيبة بن عثمان إن النبي )ص( قال: يا شيبة أمح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي قال: فرفع يده عن عيسى بن مريم وأمه. حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عمرو بن دينار انه سمع أبا الشعثاء يقول: انما يكره ما فيه الروح، قال عمرو: أن يصنع التمثال على ما فيه الروح فأما الشجر وما ليس فيه روح فلا. حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله قال: زجر النبي )ص( عن الصور وأمر عمر بن الخطاب زمن الفتح أن يدخل البيت فيمحو ما فيه من صورة ولم يدخله حتى محي.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن النبي )ص( لم يدخل الكعبة حتى أمر عمر بن الخطاب أن يطمس على كل صورة فيها، حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال: حدثنا يزيد بن عياض ابن جعدبة عن ابن شهاب أن النبي )ص( دخل الكعبة يوم الفتح وفيها صور الملائكة وغيرها فرأى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله جعلوه شيخاً يستقسم بالأزلام، ثم رأى صورة مريم فوضع يده عليها وقال: امحوا ما فيها من الصور إلا صورة مريم. أخبرني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن ابن إسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف وغيره من أهل العلم أن قريشاً كانت قد جعلت في الكعبة صوراً فيها عيسى بن مريم ومريم عليهما السلام. قال ابن شهاب: قالت أسماء بنت شقر: إن امرأة من غسان حجت في حاج العرب فلما رأت صورة مريم في الكعبة قالت: بأبي وأمي إنك لعربية، فأمر رسول الله )ص( أن يمحوا تلك الصور إلا ما كان من صورة عيسى ومريم.
حدثني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله )ص( لما دخل مكة يوم الفتح أقبل حتى أتى البيت فطاف به سبعاً على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعى عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فطرحها.
حدثني محمد بن يحيى بن أبي عمر قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن عكرمة قال: لما كان يوم الفتح دخل رسول الله )ص( البيت فإذا فيه صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وأحسبه قال: والكبش أو رأس الكبش فأمرهم أن يمحوها قال: فما دخل حتى محيت قال: فلما دخل رأى الأزلام قد صورت في يد إبراهيم فقال: قاتلهم الله لقد أبى انهما لم يستقسما بالأزلام.
حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن خيثم قال: كان رسول الله )ص( غلاماً حيث هدمت الكعبة فكان ينقل الحجارة فوضع على ظهره أزاره يتقي به فلبج به فأخذه العباس فضمه إليه، قال رسول الله )ص(: اني نهيت أن أتعرا.
 
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار انه سمع عبيد بن عمير يقول: اسم الذي بنى الكعبة باقوم وكان رومياً كان في سفينة أصابتها ريح فحجبتها يقول حبستها فخرجت إليها قريش بجدة فأخذوا السفينة وخشبها وقالوا: ابنه لنا بنيان الشام.
حدثني جدي محمد بن يحيى عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: لما أرادوا أن يبنوا الكعبة خرجت حية فحالت بينهم وبين بنائهم وكانت تشرف على الجدار قال: فقالوا: إن أراد الله أن نتممه فسيكفيكموها ثم قال عمرو: فسمعت ابن عمير يقول: فجاء طير أبيض فأخذ بأنيابها فذهب بها نحو الحجون.
وحدثني محمد بن يحيى قال: حدثني هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن الوليد عن عطاء بن حباب إن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك بن مروان في خلافته فقال له عبد الملك بن مروان: ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم انه سمع منها، قال الحارث: انا سمعته منها، قال: سمعتها تقول ماذا ? قال: قالت: قال رسول الله )ص( إن قومك استقصروا في بناء البيت ولولا حداثة عهد قومك بالكفر أعدت فيه ما تركوه منه فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلم لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع وزاد الوليد في الحديث وجعلت لها بابين موضوعين بالأرض باباً شرقياً، وباباً غربياً وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها ? قالت: قلت: لا. قال: تعززاً لئلا يدخلها أحد إلا من أرادوا، فكانوا إذا كرهوا أن يدخلها الرجل، يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل يدفعونه فيسقط. قال عبد الملك: أنت سمعتها تقول هذا ? قال: نعم. قال: فنكت بعصاه ساعة ثم قال: إني وددت إني تركته وما تحمل.
حدثني جدي قال: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة أن رسول الله )ص( قال: ألم تر إن قومك حين بنوا البيت استقصروا عن قواعد إبراهيم ? قالت: فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعده ? قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت، قال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله )ص( ما أراه ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم عن المثنى بن الصباح قال: سمعت عمرو بن شعيب يقول: كان طول الكعبة في السماء تسعة أذرع فاستقصروا طولها وكرهوا أن يكون بغير سقف، وأرادوا الزيادة فيها فبنوها وزادوا في طولها تسعة أذرع، وتركوا في الحجر من عرضها ستة أذرع وعظم ذراع قصرت بهم النفقة. أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي حدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر قال: كان باب الكعبة على عهد إبراهيم وجرهم بالأرض حتى بنتها قريش، قال أبو حذيفة بن المغيرة: يا معشر قريش ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل عليكم إلا بسلم فإنه لا يدخل عليكم إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فيسقط فكان نكالاً لمن رآه ففعلت قريش ذلك وردموا الردم الأعلى وصرفوا السيل عن الكعبة وكسوها الوصائل.
وحدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن محمد بن أبي حميد عن مودود مولى عمر بن علي عن عمر بن علي قال: قال رسول الله )ص(: أنا وضعت الركن بيدي يوم اختلفت قريش في وضعه.
حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي قال: حدثني خالد بن القاسم عن ابن أبي تجرأة عن أمه قالت: أنا أنظر إلى رسول الله )ص( يضع الركن بيده فقلت: لمن الثوب الذي وضع فيه الحجر? قالت: للوليد بن المغيرة ويقال: حمل الحجر في كساء طاروني كان للنبي )ص(.
وحدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث عن هشام عن سعيد بن المسيب قال: الذي أخذ الحجر الذي انفلق من غمز العتلة من أساس الكعبة فنزا من يده فرجع مكانه أبو وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم.
 
حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن هشام بن عمارة عن سعيد بن محمد ابن جبير بن مطعم قال: الذي أخذ الحجر فنزا من يده عامر بن نوفل بن عبد مناف قال الواقدي: وقد ثبت انه أبو وهب بن عمرو بن عائد. حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن الوليد بن كثير عن يعقوب بن عتبة قال: اجتمع عند معاوية بن أبي سفيان وهو خليفة، نفر من قريش منهم جعدة بن هبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبد الله بن زمعة بن الأسود فتذاكروا أحاديث العرب فقال معاوية: من الرجل الذي نزا الحجر من يده حين حفر أساس البيت حتى عاد مكانه ? قالوا: من أعلم من أمير المؤمنين بهذا، قال: علي ذلك، ليس كل العلم وعيناه ولا حفظناه لقد علمنا أموراً فنسيناها، قالوا جميعاً: هو أبو وهب ابن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، قال معاوية: كذلك كنت أسمع من أبي وكان حاضراً في ذلك اليوم، قال: فمن قال حين اختلفت قريش في بنيان مقدم البيت يا معشر قريش لا تنافسوا ولا تباغضوا فيطمع فيكم غيركم ولكن جزءوا البيت أربعة أجزاء ثم ربعوا القبائل فلتكن أرباعاً ? قالوا: إنه أبو أمية بن المغيرة قال: هكذا كنت أسمع أبي يقول. قال: فمن القائل حين اختلفت قريش في وضع الركن حكموا بينكم أول من يطلع من هذا الباب ? قال: أبو حذيفة بن المغيرة قال: نعم، قال: فمن النفر الذين رفعوا الثوب حين وضعه رسول الله )ص( قال: جدك عتبة ابن ربيعة أحدهم، قال: كذلك كنت أسمع أبي يقول. قال: فمن كان من الربع الثاني ? قالوا: أبو زمعة بن الأسود بن المطلب قال: كذلك كنت أسمع أبي يقول، قال: فمن كان في الربع الثالث ? قالوا: أبو حذيفة ابن المغيرة، قال: كذلك كنت أسمع أبي يقول، قال: فمن كان في الربع الرابع ? قالوا: أبو قيس بن عدي السهمي، قال: هذه واحدة قد خذتها عليكم العاصي بن وائل، قال: فمن قال يا معشر قريش لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا طيباً من كسبكم ? قالوا: أبو حذيفة بن المغيرة قال: هذه أخرى قد أخذتها عليكم القائل هذا والمتكلم به أبو أحيحة سعيد بن العاصي قال: فأسكت القوم.
حدثني سعيد بن محمد رجل من قريش قال: حدثني عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أبيه عن جده عن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي بن أبي طالب قال: لما احترقت الكعبة في الجاهلية هدمتها قريش لتبنيها فكشف عن ركن من أركانها من الأساس فإذا حجر فيه مكتوب: أنا يعفر بن عبد قرا اقرأ على ربي السلام من رأس ثلاثة آلاف سنة.

باب ما جاء في فتح الكعبة

ومتى كانوا يفتحونها، ودخولهم اياها، وأول من خلع النعل والخف عند دخولها

حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله ابن يزيد عن سعيد بن عمرو الهذلي عن أبيه قال: رأيت قريشاً يفتحون البيت في الجاهلية يوم الاثنين والخميس وكان حجابه يجلسون عند بابه فيرتقي الرجل إذا كانوا لا يريدون دخوله فيدفع ويطرح وربما عطب وكانوا لا يدخلون الكعبة بحذاء يعظمون ذلك ويضعون نعالهم تحت الدرجة. أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه قالوا: لما فرغت قريش من بناء الكعبة كان أول من خلع الخف والنعل فلم يدخلها بهما الوليد بن المغيرة إعظاماً لها فجرا ذلك سنة. حدثني محمد بن يحيى حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن أبي سليمان عن أبيه إن فاختة ابنة زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وهي أم حكيم بن حزام دخلت الكعبة وهي حامل فأدركها المخاض فيها فولدت حكيماً في الكعبة فحملت في نطع وأخذ ما تحت مثبرها فغسل عند حوض زمزم وأخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقاً واللقاً انه لم يكن يطوف أحد بالبيت إلا عرياناً إلا الحمس فانهم كانوا يطوفون بالبيت وعليهم الثياب وكان من طاف من غير الحمس في ثيابه فإذا طاف الرجل أو لمرأة وفرغ من طوافه جاء بثيابه التي طاف فيها فطرحها حول البيت فلا يمسها أحد ولا يحركها حتى تبلى من وطيء الأقدام ومن الشمس والرياح والمطر وقال ورقة بن نوفل يذكر اللقا:

كفى حزناً كرى عليه كأنـه

 

لقى بين أيدي الطائفين حريم


يقول لا يمس، حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن إسحاق الهمداني عن زيد بن يثيع قال: سألنا علياً عليه السلام بأي شيء بعثك رسول الله )ص( إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حجته سنة تسع ? قال: بأربع، لا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا، ومن كان له عند النبي )ص( عهد فأربعة أشهر، قال أبو محمد: ووجدت في كتاب قديم فيما سمع من أبي الوليد ومن كان له عند النبي )ص( عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عند النبي )ص( عهد فعهده أربعة أشهر. حدثنا جدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة إلا الحمس، قريش وأحلافها والأحمسي المشدد في دينه في بعض كلام العرب فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثوب أحمسي قال: فإن لم يجد من يعيره من الحمس ثوباً فإنه يلقي ثيابه ويطوف عرياناً وإن طاف في ثيابه القاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها عندها فلذلك قال تبارك وتعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد.
 
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: السملة من الزينة. حدثني جدي عن عبد المجيد ابن عبد العزيز بن أبي داود عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع طاوساً يقول: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة فتبلوا حتى يأتي، يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد يقول لم يأمرهم بالحرير ولا بالديباج ولكنه كان أهل الجاهلية يطوف أحدهم بالبيت عرياناً ويدع ثيابه وراء المسجد فيجدها ثم إن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه في ذلك نزلت قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها. قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة. قال ابن جريج: لما أن هلك الله تعالى من أهلك من أبرهة الحبشي صاحب الفيل وسلط عليه الطير الأبابيل عظمت جميع العرب قريشاً وأهل مكة وقالوا: أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم فازدادوا في تعظيم الحرم والمشاعر الحرام والشهر الحرام ووقروها ورأوا إن دينهم خير الأديان وأحبها إلى الله تعالى، وقالت قريش وأهل مكة: نحن أهل الله وبنو إبراهيم خليل الله وولاة البيت الحرام وسكان حرمه وقطانه فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا ولا تعرف العرب لأحد مثل ما تعرف لنا فابتدعوا عند ذلك أحداثاً في دينهم أداروها بينهم فقالوا: لا تعظمون شيئاً من الحل كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفه، والافاضة منها وهم يعرفون ويقرون انها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويقرون لسائر العرب أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها إلا انهم قالوا: نحن الحمس أهل الحرم فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ولا نعظم غيره، ثم جعلوا لمن ولدوا من سائر العرب من سكان الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم اياهم يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، وكانت خزاعة وكنانة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أموراً لم تكن، حتى قالوا لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط ولا يسلؤا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيتاً من شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرماً ثم رفعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا كانوا حجاجاً أو عماراً، ولا يأكلون في الالحرم الا من طعام دهل الحرام أما قراء وأما شراء، وكانوا مما سنوا به انه إذا حج الصرورة من غير الحمس والحمس أهل مكة قريش وكنانة وخزاعة ومن دان بدينهم ممن ولدوا من حلفائهم وإن كان من ساكني الحل والأحمسي المشدد في دينه فإذا حج الصرورة من غير الحمس رجلاً كان أو امرأة لا يطوف بالبيت إلا عرياناً الصرورة أول ما يطوف إلا أن يطوف في ثوب أحمسي اما إعارة واما اجارة، يقف أحدهم بباب المسجد فيقول: من يعير مصونا ? من يعير ثوباً ? فإن أعاره أحمسي ثوباً او اكراه طاف به، وإن لم يعره القى ثيابه بباب المسجد من خارج ثم دخل الطواف وهو عريان، يبدأ باساف فيستلمه، ثم يستلم الركن الأسود، ثم يأخذ عن يمينه ويطوف ويجعل الكعبة عن يمينه، فإذا ختم طوافه سبعاً استلم الركن، ثم استلم نائلة فيختم بها طوافه، ثم يخرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس فيأخذها فيلبسها ولا يعود إلى الطواف بعد ذلك عرياناً، ولم يكن يطوف بالبيت عريان إلا الصرورة من غير الحمس، فأما الحمس فكانت تطوف في ثيابها فإن تكرم متكرم من رجل أو امرأة من غير الحمس ولم يجد ثياب أحمسي يطوف فيها ومعه فضل ثياب يلبسها غير ثيابه التي عليه، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، فإذا فرغ من طوافه نزع ثيابه ثم جعلها لقاً يطرحها بين، أساف ونائلة، فلا يمسها أحد ولا ينتفع بها حتى تبلى من وطئ الأقدام ومن الشمس والرياح والمطر، وقال الشاعر يذكر ذلك اللقا:

كفى حزناً كرى عليه كأنه

 

لقاً بين أيدي الطائفين حريم


يقول لا يمس: فصار هذا كله سنة فيهم، وذلك من صنع إبليس وتزيينه لهم ما يلبس عليهم من تغيير الحنيفية دين إبراهيم، فجاءت امرأة يوماً وكان لها جمال وهيئة، فطلبت ثياباً عارية فلم تجد من يعيرها، فلم تجد بداً من أن تطوف عريانة فنزعت، ثيابها بباب المسجد ثم دخلت المسجد عريانة فوضعت يديها على فرجها وجعلت تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله

 

وما بدا منه فلا احلـه

قال: فجعل فتيان مكة ينظرون إليها وكان لها حديث طويل، وقد تزوجت في قريش، قال: وجاءت امرأة أيضاً تطوف عريانة وكان لها جمال، فرآها رجل فأعجبته، فدخل الطواف وطاف في جنبها لأن يمسها فأدنى عضده من عضدها، فالتزقت عضده بعضدها فخرجا من المسجد من ناحية بني سهم هاربين على وجوههما فزعين لما أصابهما من العقوبة، فلقيهما شيخ من قريش خارجاً من المسجد، فسألهما عن شأنهما، فأخبراه بقضيتهما، فأفتاهما أن يعودا، فرجعا إلى المكان الذي أصابهما فيه ما أصابهما، فيدعوان ويخلصان أن لا يعودا، فرجعا إلى مكانهما فدعوا الله سبحانه وأخلصا إليه أن لا يعودا فافترقت أعضادهما فذهب كل واحد منهما في ناحية.

حج أهل الجاهلية

وإنساء الشهور ومواسمهم وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح مولى أم هاني عن ابن عباس قال: كانت العرب على دينين، حلة وحمس، فالحمس قريش وكل من ولدت من العرب وكنانة وخزاعة والأوس والخزرج وجشم وبنو ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأزد شنوءة، وجذم، وزبيد، وبنو ذكوان من بني سليم، وعمرو اللات، وثقيف، وغطفان والغوث، وعدوان، وعلاف، وقضاعة، وكانت قريش إذا أنكحوا عربياً إمرأة منهم اشترطوا عليه أن كل من ولدت له فهو أحمسي على دينهم، وزوج الادرم تيم بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة إبنه مجداً إبنة تيم ربيعة بن عامر بن صعصعة على أن ولده منها أحمسي على سنة قريش وفيها يقول لبيد بن ربيعة بن جعفر الكلابي:

سقى قومي بني مجد وأسقى

 

نميراً والقبائل من هـلال


وذكروا أن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان تزوج سلمى بنت ضبيعة بن علي بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان، فولدت له هوازن، فمرض مرضاً شديداً، فنذرت سلمى لئن برأ لتحمسنه، فلما برأ حمسته، فلم تكن نساؤهم ينسجن ولا يغزلن الشعر ولا يسلئين السمن إذا أحرموا، قال: وكانت الحمس إذا أحرموا إلا يأتقطوا الأقط، ولا يأكلوا السمن ولا يسلئونه، ولا يمخضون اللبن، ولا يأكلون الزبد، ولا يلبسون الوبر، ولا الشعر، ولا يستظلون به ما داموا حرماً، ولا يغزلون الوبر، ولا الشعر ولا ينسجنه، وإنما يستظلون بالأدم ولا يأكلون شيئاً من نبات الحرم، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ولا يخفرون فيها الذمة ولا يظلمون فيها، ويطوفون بالبيت وعليهم ثيابهم، وكانوا إذا أحرم الرجل منهم في الجاهلية وأول الاسلام، فإن كان أهل المدر يعني أهل البيوت والقرى نقب نقباً في ظهر بيته، فمنه يدخل ومنه يخرج، ولا يدخل من بابه، وكانت الحمس تقول: لا تعظموا شيئاً من الحل ولا تجاوزوا الحرم في الحج فلا يهاب الناس حرمكم ويرون ما تعظمون من الحل كالحرم فقصروا عن مناسك الحج والموقف من عرفة وهو من الحل، فلم يكونوا يقفون به ولا يفيضون منه، وجعلوا موقفهم في طرف الحرم من نمرة بمفضى المأزمين يقفون به عشية عرفة ويظلون به يوم عرفة في الأراك من نمرة ويفيضون منه إلى المزدلفة، فإذا عممت الشمس رؤوس الجبال، دفعوا وكانوا يقولون: نحن أهل الحرم لا نخرج من الحرم ونحن، الحمس، فتحمست قريش ومن ولدت فتحمست معهم هذه القبائل، فسميت الحمس، وإنما سميت الحمس حمساً للتشديد في دينهم، فالأحمسي في لغتهم المشدد في دينه، وكانت الحمس من دينهم إذا أحرموا أن لا يدخلوا بيتاً من البيوت ولا يستظلوا تحت سقف بيت، ينقب أحدهم نقباً في ظهر بيته، فمنه يدخل إلى حجرته ومنه يخرج ولا يدخل من بابه، ولا يجوز تحت أسكفة بابه ولا عارضته، فإذا أرادوا بعض أطعمتهم ومتاعهم، تسوروا من ظهر بيوتهم وأدبارها حتى يظهروا على السطوح ثم ينزلون في حجرتهم ويحرمون أن يمروا تحت عتبة الباب، وكانوا كذلك حتى بعث الله نبيه محمداً )ص(، فأحرم عام الحديبية، فدخل بيته وكان معه رجل من الأنصار فوقف الأنصاري بالباب فقال له: الا تدخل ? فقال الأنصاري: اني أحمسي يا رسول الله، فقال رسول الله )ص(: وأنا أحمسي ديني ودينك سواء، فدخل الأنصاري مع رسول الله )ص( كما رآه دخل من بابه، فأنزل الله عز وجل "وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيت من أبوابها"، وكانت الحلة تطوف بالبيت أول ما يطوف الرجل والمرأة في أول حجة يحجها عراة، وكانت بنو عامر بن صعصعة وعك، ممن يفعل ذلك، فكانوا إذا طافت المرأة منهم عريانة، تضع احدى يديها على قبلها والاخرى على دبرها ثم تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله

 

وما بدا منه فلا أحلـه

قال ابن عباس: فكانت قبائل من العرب من بني عامر وغيرهم يطوفون بالبيت عراة الرجال بالنهار والنساء بالليل، فإذا بلغ أحدهم إلى باب المسجد قال للحمس: من يعير مصونا ? من يعير معوزاً ? فإن أعاره أحمسي ثوبه طاف به وإلا ألقى ثيابه بباب المسجد ثم دخل للطواف، فطاف بالبيت سبعاً عرياناً، وكانوا يقولون لا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب، ثم يرجع إلى ثيابه فيجدها لم تحرك، وكان بعض نسائهم تتخذ سيوراً فتعلقها في حقوتها وتستتر بها، وهو يوم تقول فيه قول العامرية:

اليوم يبدو بعضه أو كله

 

فما بدا منه فلا احلـه

الا أن يتكرم ممنهم متكرم فيطوف في ثيابه، فإن طاف فيها لم يحل له أن يلبسها أبداً ولا ينتفع بها ويطرحها لقاً واللقا هذه الثياب التي يطوفون فيها يرمون بها باب المسجد فلا يمسها أحد من خلق الله حتى تبليها الشمس والأمطار والرياح ووطء الأقدام وفيه يقول ورقة بن نوفل الأسدي:

كفى حزناً كرى عليه كأنه

 

لقاً بين أيدي الطائفين حريم


قال الكلبي: فكان أول من انسأ الشهور من مضر، مالك بن كنانة، وذلك إن مالك بن كنانة نكح إلى معاوية بن ثور الكندي وهو يومئذ في كندة، وكانت النساءة قبل ذلك في كندة، لأنهم كانوا قبل ذلك ملوك العرب من ربيعة ومضر، وكانت كندة من أرداف المقاول فنسأ ثعلبة بن مالك ثم نسأ بعده الحارث بن مالك بن كنانة وهو القلمس، ثم نسأ بعده سرير بن القلمس، ثم كانت النساءة في بني فقيم من بني ثعلبة حتى جاء الاسلام، وكان آخر من نسأ منهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية بن عبد بن فقيم، وهو الذي جاء في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الركن الأسود، فلما رأى الناس يزدحمون عليه قال: أيها الناس أنا له جار فأخروا عنه فخفقة عمر بالدرة ثم قال: أيها الجلف الجافي قد أذهب الله عزك بالاسلام، فكل هؤلاء قد نسأ في الجاهلية والذي ينسأ لهم إذا أرادوا أن لا يحلو المحرم قام بفناء الكعبة يوم الصدر فقال: أيها الناس لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاب لقول قلته فهنالك يحرمون المحرم ذلك العام، وكان أهل الجاهلية يسمون المحرم صفر الأول، وصفر، صفر الآخر، فيقولون صفران وشهرا ربيع وجماديان ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، فكان ينسأ الانساء سنة ويترك سنة، ليحلوا الشهور المحرمة ويحرموا الشهور التي ليست بمحرمة، وكان ذلك من فعل ابليس ألقاه على ألسنتهم فرأوه حسناً، فإذا كانت السنة التي ينسأ فيها، يقوم فيخطب بفناء الكعبة ويجتمع الناس إليه يوم الصدر فيقول: يا أيها الناس إني قد انسأت العام صفر الأول يعني المحرم فيطرحونه من الشهور ولا يعتدون به، ويبتدئون العدة فيقولون: لصفر وشهر ربيع الأول صفرين ويقولون لشهر ربيع الآخر ولجمادي الاولى، شهري ربيع، ويقولون لجمادي الآخرة ولرجب جماديين، ويقولون لشعبان، رجب، ولشهر رمضان شعبان، ويقولون لشوال شهر رمضان، ولذي القعدة شوال، ولذي الحجة ذا القعدة، ولصفر الأول وهو المحرم، الشهر الذي انسأه ذا الحجة، فيحجون تلك السنة في المحرم، ويبطل من هذه السنة شهراً ينسئه ثم يخطبهم في السنة الثانية في وجه الكعبة أيضاً فيقول: أيها الناس لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم، فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاب لقول قلته، اللهم إني قد أحللت دماء المحلين طيء وخثعم في الأشهر الحرم، وانما أحل دماءهم، لأنهم كانوا يعدون على الناس في الأشهر الحرم من بين العرب فيعرونهم يطلبون بثارهم ولا يقفون عن حرمات الأشهر الحرم كما يفعل غيرهم من العرب، فكان سائر العرب من الحلة والحمس، لا يعدون في الأشهر الحرم على أحد ولو لقي أحدهم قاتل أبيه أو أخيه، ولا يستاقون مالا، اعظاما للشهور الحرم، الا خثعم وطئ فإنهم كانوا يعدون في الأشهر الحرم، فهنالك يحرمون من تلك السنة المحرم وهو صفر الأول ثم يعدون الشهور على عدتهم التي عدوها في العام الأول فيحجون في كل شهر حجتين، ثم ينسأ في السنة الثانية، فينسأ صفر الأول في عدتهم هذه وهو صفر الآخر في العدة الثانية حتى تكون حجتهم في صفر أيضاً حجتين، وكذلك الشهور كلها حتى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الذي ابتدؤا منه الانساء، يحجون في الشهور كلها في كل شهر حجتين، فلما جاء الله بالاسلام، أنزل في كتابه "انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم اللّه فيحلوا ما حرم اللّه" فأنزل الله تعالى "إن عدة الشهور عند اللّه اثني عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم" فلما كان عام فتح مكة سنة ثمان استعمل النبي )ص( عتاب بن أسيد بن أبي العيص ابن أمية بن عبد شمس على مكة ومضى إلى حنين فغزا هوازن، فلما فرغ منها مضى إلى الطائف ثم رجع عن الطائف إلى الجعرانة فقسم بها غنائم حنين في ذي القعدة، ثم دخل مكة ليلاً معتمراً، فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة من ليلته ومضى إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت، فأنشا الخروج منها راجعاً إلى المدينة، فهبط من الجعرانة في بطن سرف حتى لقي طريق المدينة من سرف، ولم يؤذن للنبي )ص( في الحج تلك السنة، وذلك إن الحج وقع تلك السنة في ذي القعدة، ولم يبلغنا انه استعمل عتاباً على الحج تلك السنة، سنة ثمان، ولا أمره فيه بشيء، فلما جاء الحج، حج المسلمون والمشركون  
فدفعوا معاً فكان المسلمون في ناحية يدفع بهم عتاب ابن أسيد ويقف بهم المواقف، لأنه أمير البلد، وكان المشركون ممن كان له عهد ومن لم يكن له عهد في ناحية يدفع بهم أبو سيارة العدواني على اتان عوراء رسنها ليف، قال فلما كان سنة تسع، وقع الحج في ذي الحجة، فأرسل النبي )ص( أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى مكة واستعمله على الحج وعلمه المناسك وأمره بالوقوف على عرفة وعلى جمع، ثم نزلت سورة براءة خلاف أبي بكر فبعث بها النبي )ص( مع علي عليه السلام وأمره إذا خطب أبو بكر، وفرغ من خطبته قام علي، فقرأ على الناس سورة براءة ونبذ إلى المشركين عهدهم، وقال: لا يجتمعن مسلم ومشرك على هذا الموقف بعد عامهم هذا، وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه الذي يخطب على الناس ويصلي بهم ويدفع بهم في الموقف، فلما كان سنة عشر، اذن الله عز وجل لنبيه )ص( في الحج، فحج رسول الله حجة الوداع وهي حجة التمام فوقف بعرفة فقال: يا أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فلا شهر ينسأ ولا عدة تخطا، وإن الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة، قال: وكانت الافاضة في الجاهلية إلى صوفة وصوفة رجل يقال له أخزم بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأسد وكان أخزم قد تصدق بابن له على الكعبة يخدمها، فجعل إليه حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الافاضة بالناس على الموقف وحبشية يومئذ يلى حجابة الكعبة وأمر مكة يصطف الناس على الموقف فيقول حبشية: اجيزى صوفة فيقول الصوفي: اجيزوا أيها الناس فيجوزون، يقال إن امرأة من جرم تزوجها أخزم بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأسد وكانت عاقراً فنذرت إن ولدت غلاماً أن تصدق به على الكعبة عبداً لها يخدمها ويقوم عليها، فولدت من أخزم الغوث، فتصدقت به عليها، فكان يخدمها في الدهر الأول مع أخواله من جرهم فولى الاجازة بالناس لمكانه من الكعبة وقالت أمه حين أتمت نذرها وخدم الغوث بن أخزم الكعبة:وا معاً فكان المسلمون في ناحية يدفع بهم عتاب ابن أسيد ويقف بهم المواقف، لأنه أمير البلد، وكان المشركون ممن كان له عهد ومن لم يكن له عهد في ناحية يدفع بهم أبو سيارة العدواني على اتان عوراء رسنها ليف، قال فلما كان سنة تسع، وقع الحج في ذي الحجة، فأرسل النبي )ص( أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى مكة واستعمله على الحج وعلمه المناسك وأمره بالوقوف على عرفة وعلى جمع، ثم نزلت سورة براءة خلاف أبي بكر فبعث بها النبي )ص( مع علي عليه السلام وأمره إذا خطب أبو بكر، وفرغ من خطبته قام علي، فقرأ على الناس سورة براءة ونبذ إلى المشركين عهدهم، وقال: لا يجتمعن مسلم ومشرك على هذا الموقف بعد عامهم هذا، وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه الذي يخطب على الناس ويصلي بهم ويدفع بهم في الموقف، فلما كان سنة عشر، اذن الله عز وجل لنبيه )ص( في الحج، فحج رسول الله حجة الوداع وهي حجة التمام فوقف بعرفة فقال: يا أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فلا شهر ينسأ ولا عدة تخطا، وإن الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة، قال: وكانت الافاضة في الجاهلية إلى صوفة وصوفة رجل يقال له أخزم بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأسد وكان أخزم قد تصدق بابن له على الكعبة يخدمها، فجعل إليه حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الافاضة بالناس على الموقف وحبشية يومئذ يلى حجابة الكعبة وأمر مكة يصطف الناس على الموقف فيقول حبشية: اجيزى صوفة فيقول الصوفي: اجيزوا أيها الناس فيجوزون، يقال إن امرأة من جرم تزوجها أخزم بن العاص بن عمرو بن مازن بن الأسد وكانت عاقراً فنذرت إن ولدت غلاماً أن تصدق به على الكعبة عبداً لها يخدمها ويقوم عليها، فولدت من أخزم الغوث، فتصدقت به عليها، فكان يخدمها في الدهر الأول مع أخواله من جرهم فولى الاجازة بالناس لمكانه من الكعبة وقالت أمه حين أتمت نذرها وخدم الغوث بن أخزم الكعبة:

إني جعلت رب من بـنـيه

 

ربيطة بمـكة الـعـلـية

فباركـن لـي بـهـا ألـيه

 

واجعله لي من صالح البرية


فولى الغوث بن أخزم الاجازة من عرفة وولده من بعده في زمن جرهم وخزاعة حتى انقرضوا، ثم صارت الافاضة في عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر في زمن قريش في عهد قصى، وكانت من بني عدوان في آل زيد بن عدوان يتوارثونه، حتى كان الذي قام عليه الاسلام سيارة العدواني وهو عمير الأعزل بن خالد بن سعيد بن الحارث بن زيد بن عدوان، وكان أيضاً من عدوان حاكم العرب عامر بن الظرب، فإذا كان الحج في الشهر الذي يسمونه ذا الحجة، خرج الناس إلى مواسمهم فيصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة فيقيمون به عشرين ليلة تقوم فيها أسواقهم بعكاظ والناس على مداعيهم وراياتهم منحازين في المنازل تضبط كل قبيلة أشرفها وقادتها ويدخل بعضهم في بعض للبيع والشراء ويجتمعون في بطن السوق، فإذا مضت العشرون انصرفوا إلى مجنة فأقاموا بها عشراً، أسواقهم قائمة، فإذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا إلى ذي المجاز فأقاموا به ثمان ليال أسواقهم قائمة، ثم يخرجون يوم التروية من ذي المجاز إلى عرفة فيتروون ذلك اليوم من الماء بذي المجاز، وانما سمي يوم التروية، لترويهم من الماء بذي المجاز، ينادي بعضهم بعضاً ترووا من الماء لأنه لا ماء بعرفة ولا بالمزدلفة يومئذ، وكان يوم التروية آخر أسواقهم، وانما كان يحضر هذه المواسم بعكاظ، ومجنة، وذي المجاز التجار من كان يريد التجارة، ومن لم يكن له تجارة ولا بيع فإنه يخرج من أهله متى أراد، ومن كان من أهل مكة ممن لا يريد التجارة، خرج من مكة يوم التروية، فيترووا من الماء فتنزل الحمس أطراف الحرم من نمرة يوم عرفة وتنزل الحلة عرفة، وكان النبي )ص( في سنته التي دعا فيها بمكة قبل الهجرة لا يقف مع قريش والحمس في طرف الحرم، وكان يقف مع الناس بعرفة، قال جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف: أضللت بعيراً يوم عرفة فخرجت أقصه واتبعه بعرفة إذ أبصرت محمداً بعرفة فقلت: هذا من الحمس ما يوقفه ها هنا فعجبت له، قال: وكانوا لا يتبايعون في يوم عرفة ولا أيام منى، فلما ان جاء الله بالاسلام أحل الله ذلك لهم فأنزل الله تعالى في كتابه ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم وفي قراءة أبي بن كعب في مواسم الحج يعني منى وعرفة وعكاظ ومجنة، وذا المجاز فهذه مواسم الحج، فإذا جاءوا عرفة أقاموا بها يوم عرفة فتقف الحلة على الموقف من عرفة عشية عرفة وتقف الحمس على انصاب الحرم من نمرة فإذا دفع الناس من عرفة وأفاضوا أفاضت الحمس من أنصاب الحرم وأفاضت الحلة من عرفة حتى يلتقوا بمزدلفة جميعاً وكانوا يدفعون من عرفة إذا طفلت الشمس للغروب وكانت على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم، فإذا كان هذا الوقت دفعت الحلة من عرفة ودفعت معها الحمس من أنصاب الحرم حتى ياتوا جميعاً مزدلفة فيبيتون بها حتى إذا كان في الغلس، وقفت الحلة والحمس على قزح، فلا يزالون عليه حتى إذا طلعت الشمس وصارت على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم دفعوا من مزدلفة وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير أي أشرق بالشمس حتى ندفع من المزدلفة فأنزل الله في الحمس، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس يعني من عرفة والناس الذين كانوا يدفعون منها أهل اليمن وربيعة وتميم، فلما حج النبي )ص( خطب الناس بعرفة فقال: إن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من عرفة إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم ويدفعون من مزدلفة إذا طلعت الشمس على رؤوس الحبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم وانا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، ونحل فطر الصائم، وندفع من مزدلفة غداً إن شاء الله قبل طلوع الشمس هدينا مخالف لهدى أهل الشرك الشرك والأوثان، قال: الكلبي وكانت هذه الأسواق بعكاظ، ومجنة، وذي المجاز قائمة في الاسلام، حتى كان حديثاً من الدهر فأما عكاظ فإنما تركت عام خرجت الحرورية بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأزدي الأباضي في سنة تسع وعشرين ومائة، خاف الناس أن ينهبوا وخافوا الفتنة فتركت حتى الآن، ثم تركت مجنة وذو المجاز بعد ذلك، واستغنوا بالأسواق بمكة وبمنى وبعرفة، قال أبو الوليد: وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء في عمل الطائف على بريد منها وهي سوق لقيس بن عيلان وثقيف وأرضها لنصر ومجنة سوق بأسفل بأسفل مكة على بريد منها وهي سوق لكنانة وأرضها من أرض كنانة وهي  
التي يقول فيها بلال: يقول فيها بلال:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

 

بفخ وحولي أذخر وجـلـيل

وهل أردن يوماً مياة مجـنة

 

وهل يبدون لي شامة وطفيل


وشامة وطفيل جبلان مشرفان على مجنة، وذو المجاز سوق لهذيل عن يمين الموقف من عرفة قريب من كبكب على فرسخ من عرفة وحباشة سوق الأزدوهي في ديار الأوصام من بارق من صدر قنونا وحلى من ناحية اليمن وهي من مكة على ست ليال وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية، وكان والي مكة يستعمل عليها رجلاً يخرج معه بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول رجب متوالية، حتى قتلت الأزد والياً كان عليها من غنى بعثه داود بن عيسى بن موسى في سنة سبع وتسعين ومائة، فأشار فقهاء أهل مكة على داود بن عيسى بتخريبها فخربها وتركت إلى اليوم، وانما ترك ذكر حباشة مع هذه الأسواق لأنها لم تكن في مواسم الحج ولا في أشهره وانما كانت في رجب قال: وكانوا يرون ان افجر الفجور العمرة في أشهر الحج، تقول قريش وغيرها من العرب لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج وكانوا يعظمون أن يأتوا شيئاً من المحارم أو يعدوا بعضهم على بعض في الأشهر الحرم وفي الحرم، وانما سمي الفجار لما صنع فيه من الفجور، وسفك فيه من الدماء، فكانوا يامنون في الأشهر الحرم وفي الحرم وكانوا يقولون: إذا برا الدبر، وعفى الوبر، ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر يعنون إذا برأ دبر الابل التي كانوا شهدوا الموسم وحجوا عليها وعفا وبرها فقال رسول الله )ص( في الاسلام دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة فاعتمر رسول الله )ص( عمرة كلها في ذي القعدة عمرة الحديبية، وعمرة القضا من قابل، وعمرته من الجعرانة كلها في ذي القعدة وأرسل عائشة رضي الله عنها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر ليلة الحصبة فاعتمرت من التنعيم قال: وكان من سنتهم ان الرجل يحدث الحدث بقتل الرجل، أو يلطمه، أو يضربه فيربط لحا من لحا الحرم قلادة في رقبته ويقول: أنا ضرورة فيقال: دعوا الضرورة بجهله وان رمي بجعره في رجله فلا يعرض له أحد، فقال النبي )ص( لا ضرورة في الاسلام وان من أحدث حدثاً خذ بحدثه، قال: فكان عمرو بن لحى وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي وهو الذي غير دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام كان فيهم شريفاً، سيداً، مطاعاً يطعم الطعام، ويحمل المغرم وكان ما قال لهم فهو دين متبع لا يعصى، وكان ابليس يلقي على لسانه الشيء الذي يغير به الاسلام فيستحسنه فيعمل به فيعمله أهل الجاهلية، وهو الذي جاء بهبل من أرض الجزيرة فجعله في الكعبة وجعل عنده سبعة قداح يستقسمون بها في كل قدح منها كتاب يعملون بما يخرج فيه، فإذا أراد الرجل أمراً أو سفراً أخرج منها قدحين في أحدهما مكتوب أمرني ربي، وفي الآخر نهاني ثم يضرب بهما ومعهما قدح غفل فإن خرج الناهي جلس، وإن خرج الآمر مضى، وإن خرج الغفل أعاد الضرب حتى يخرج أما الناهي وأما الآمر والباقي من القداح سبعة مكتوب عليها منها قدح مكتوب عليه العقل، وقدح فيه نعم، وقدح فيه لا، وقدح فيه منكم، وقدح فيه من غيركم وقدح فيه ملصق، وقدح فيه المياه فإذا أرادوا أن يختنوا غلاماً، أو ينكحوا ايما، أو يدفنوا ميتاً ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وجزور ثم قالوا لغاضرة بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي، وكانت القداح إليه فقالوا: هذه مائة درهم وجزور لقد أردنا كذا وكذا فاضرب لنا على فلان بن فلان فإن كان كما قال أهله خرج العقل أو نعم أو منكم فما خرج من ذلك انتهوا إليه في أنفسهم، وان خرج لا ضرب على المياه فإن خرج منكم كان منهم وسيطاً، وان خرج من غيركم كان حليفاً، وان خرج ملصق كان دعياً نفياً فمكثوا زماناً وهم يخلطون، وكان عمرو بن لحى غير تلبية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام بينما هو يسير على راحلته في بعض مواسم الحج وهو يلبي إذ مثل له ابليس في صورة شيخ نجدي على بعير أصهب فسايره ساعة ثم لبى ابليس فقال: لبيك اللهم لبيك، فقال عمرو بن لحى: مثل ذلك، فقال ابليس: لبيك لا شريك لك، فقال عمرو: مثل ذلك فقال ابليس: الا شريك هو لك فقال عمرو: وما هذا ? قال ابليس لعنه الله: ان بعد هذا ما يصلحه الا شريك هو لك، تملكه وما ملك؛ فقال عمرو بن لحى: ما أرى بهذا بأساً فلباها فلبى الناس على ذلك وكانوا يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك فلم تزل تلك تلبيتهم حتى جاء الله بالاسلام ولبى رسول الله )ص( تلبية إبراهيم الصحيحة لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك
لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فلباها المسلمون.بيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فلباها المسلمون.

إكرام أهل الجاهلية الحاج

حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق إن هاشم بن عبد مناف كان يقول لقريش إذا حضر الحج يا معشر قريش انكم جيران الله وأهل بيته خصكم الله بذلك وأكرمكم به ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيافه وزوار بيته يأتونكم شعثاً غبراً من كل بلد، فكانت قريش ترافد على ذلك حتى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير رغبة في ذلك فيقبل منهم لما يرجا لهم من منفعته.

إطعام أهل الجاهلية حاج البيت

حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق، إن قصي بن كلاب بن مرة قال لقريش: يا معشر قريش انكم جيران الله وأهل الحرم، وإن الحاج ضيفان الله وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاماً وشراباً أيام هذا الحج، حتى يصدروا عنكم. ففعلوا فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجاً تخرجه قريش في كل موسم من أموالهم، فيدفعونه إلى قصي، فيصنعه طعاماً للحاج أيام الموسم بمكة ومنى، فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه وهي الرفادة حتى قام الاسلام وهو في الاسلام إلى يومك هذا، وهو الطعام الذي يصنعه السلطان بمكة ومنى للناس حتى ينقضي الحاج.

ما جاء في حريق الكعبة

وما أصابها من الرمي من أبي قبيس بالمنجنيق

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد وإبراهيم بن محمد الشافعي، عن مسلم بن خالد عن ابن خيثم عن عبيد الله بن سعد، أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة محرقة، حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناس غير قليل فبكى، حتى أني انظر إلى دموعه تحدر كحلاً في عينيه من إثمد، كأنه رؤوس الذباب على وجنتيه، فقال: يا أيها الناس، والله لو أن أبا هريرة أخبركم، انكم قاتلو ابن نبيكم، بعد نبيكم، ومحرقو بيت ربكم، لقلتم، ما من أحد أكذب من أبي هريرة، أنحن نقتل ابن نبينا ونحرق بيت ربنا ? فقد والله فعلتم، لقد قتلتم ابن نبيكم، وحرقتم بيت الله، فانتظروا النقمة، فوالذي نفس عبد الله بن عمرو بيده، ليلبسنكم الله شيعاً وليذيقن بعضكم بأس بعض، يقولها ثلاثاً، ثم رفع صوته في المسجد، فما في المسجد أحد إلا وهو يفهم ما يقول، فإن لم يكن يفهم فإنه يسمع رجع صوته، فقال: أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ? فوالذي نفس عبد الله بن عمرو بيده، لو قد ألبسكم الله شيعاً وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطن الأرض خير لمن عليها، لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن حسن بن محمد بن علي بن الحنفية، قال: أول ما تكلم في القدر، حين احترقت الكعبة، فقال رجل: طارت شررة فاحترقت ثياب الكعبة، وكان ذلك من قدر الله، وقال الآخر: ما قدر الله هذا.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي عن عبد الملك الذماري، قال: أخبرنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عليم الكندي، قال: قال سلمان الفارسي: لتحرقن هذه الكعبة على يدي رجل من أهل الزبير، أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر الزهري قال: سألت أبا عون، متى كان احتراق الكعبة ? قال: يوم السبت لليال خلون من شهر ربيع الأول، قبل أن يأتينا نعي يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يوماً، وجاء نعيه في هلال شهر ربيع الآخر ليلة الثلاثاء سنة أربع وستين، قلت: وما كان سبب احتراقها ? قال: جاءنا موت يزيد، توفي لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر، والحصين بن نمير يومئذ عندنا، وكان احتراقها بعد الصاعقة التي أصابت أهل الشام بعشرين ليلة، قال أبو عون: ما كان احتراقها إلا منا، وذلك ان رجلاً منا وهو مسلم ابن أبي خليفة المذحجي كان هو وأصحابه يوقدون في خصاص لهم حول البيت، فأخذ ناراً في زج رمحه في النفط، وكان يوم ريح، فطارت منها شرارة فاحترقت الكعبة حتى صارت إلى الخشب، فقلنا لهم: هذا عملكم رميتم بيت الله عز وجل بالنفط والنار، فانكروا ذلك، قال: حدثني محمد بن يحيى قال قال الواقدي: حدثني رباح بن مسلم عن أبيه قال: كانوا يوقدون في الخصاص، فأقبلت شرارة هبت بها الريح، فاحترقت ثياب الكعبة واحترق الخشب، حدثني محمد ابن يحيى قال: قال: الواقدي وحدثني عبد الله بن يزيد عن عروة ابن أذينة قال: قدمت مكة مع أبي، يوم احترقت الكعبة، فرأيت الخشب قد خلصت إليه النار، ورأيتها مجردة من الحريق ورأيت الركن قد اسود فقلت: ما أصاب الكعبة ? فأشاروا إلى رجل من أصحاب ابن الزبير، فقالوا: هذا احترقت الكعبة في سببه، أخذ ناراً في رأس رمح له، فطارت به الريح فضربت استار الكعبة، فيما بين الركن اليماني إلى الركن الاسود.
حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن سعيد بن عبد العزيز عن رجل من قومه قال: نصبنا المنجنيق على أبي قبيس واعتنقته الرجال، وقد ألجأنا القوم إلى المسجد، فبنوا خصاصاً حول البيت في المسجد ورفافاً من خشب تكنهم من حجارة المنجنيق، فكنت أراهم إذا أمطرنا عليهم الحجارة يكنون تحت تلك الرفاف، قال: فوهن الرمي بحجارة المنجنيق الكعبة فهي تنقض.
حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن رباح بن مسلم عن أبيه قال: رأيت الحجارة تصك وجه الكعبة من أبي قبيس حتى تخرقها، فلقد رأيتها كأنها جيوب النساء، وترتج من أعلاها إلى أسفلها، ولقد رأيت الحجر يمر، فيهوي الآخر على أثره، فيسلك طريقه، حتى بعث الله عليهم صاعقة بعد العصر، فاحترق المنجنيق واحترق تحته ثمانية عشر رجلاً من أهل الشام، فجعلنا نقول: قد أظلهم العذاب، فكنا أياماً في راحة حتى عملوا منجنيقاً آخر فنصبوه على أبي قبيس.
حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي عصيدة، قال: حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي عن مولى لابن المرتفع عن ابن المرتفع، قال: كنا مع ابن الزبير في الحجر، فأول حجر من المنجنيق وقع في الكعبة، فسمعنا لها أنيناً كأنين المريض آه آه.
حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج، قال: أخبرتني عجوز من أهل مكة كانت مع عبد الله بن الزبير بمكة، فقلت لها: أخبريني عن احتراق الكعبة كيف كان ? قالت: كان المسجد فيه خيام كثيرة، فطارت النار من خيمة منها فاحترقت الخيام، والتهب المسجد حتى تعلقت النار بالبيت فاحترق، قال عثمان: وبلغني انه لما قدم جيش الحصين ابن نمير، أحرق بعض أهل الشام على باب بني جمح والمسجد يومئذ خيام وفساطيط، فمشى الحريق حتى أخذ في البيت، فظن الفريقان كلاهما انهم هالكون، فضعف بناء الكعبة، حتى ان الطير ليقع عليه فتتناثر حجارته.

باب ما جاء في بناء ابن الزبير الكعبة

وما زاد فيها من الأذرع التي كانت في الحجر من الكعبة وما نقص منها الحجاج


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: سمعت غير واحد من أهل العلم ممن حضر ابن الزبير حين هدم الكعبة وبناها، قالوا: لما ابطأ عبد الله ابن الزبير عن بيعة يزيد بن معاوية، وتخلف وخشي منهم؛ لحق بمكة ليمتنع بالحرم، وجمع مواليه، وجعل يظهر عيب يزيد بن معاوية ويشتمه ويذكر شربه الخمر وغير ذلك ويثبط الناس عنه، ويجتمع الناس إليه فيقوم فيهم بين الأيام فيذكر مساوي بني أمية فيطنب في ذلك، فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فأقسم أن لا يؤتى به إلا مغلولا، فأرسل إليه رجلاً من أهل الشام، في خيل من خيل الشام، فعظم على ابن الزبير الفتنة وقال: لأن يستحل الحرم بسببك، فإنه غير تاركك ولا تقوى عليه، وقد لج في أمرك وأقسم أن لا يؤتى بك إلا مغلولاً، وقد عملت لك غلا من فضة، وتلبس فوقه الثياب، وتبر قسم أمير المؤمنين، فالصلح خير عاقبة وأجمل بك وبه؛ فقال: دعوني أياماً حتى أنظر في أمري، فشاور أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأبت عليه أن يذهب مغلولاً وقالت: يا بني عش كريماً ومت كريماً، ولا تمكن بني أمية من نفسك فتلعب بك، فالموت أحسن من هذا، فأبى عليه أن يذهب إليه في غل، وامتنع في مواليه ومن تألف إليه من أهل مكة وغيرهم، وكان يقال لهم: الزبيرية، فبينما يزيد على بعثة الجيوش إليه، إذ أتى يزيد خبر أهل المدينة وما فعلوا بعامله ومن كان معه بالمدينة من بني أمية واخراجهم اياهم منها إلا من كان من ولد عثمان بن عفان، فجهز إليهم مسلم بن عقبة المري، في أهل الشام وأمره بقتال أهل المدينة، فإذا فرغ من ذلك سار إلى ابن الزبير بمكة، وكان مسلم مريضاً، في بطنه الماء الأصفر، فقال له يزيد: إن حدث بك الموت، فول الحصين بن نمير الكندي على جيشك. فسار حتى قدم المدينة فقاتلوه أهل المدينة فظفر بهم ودخلها، وقتل من قتل منهم، وأسرف في القتل، فسمي بذلك مسرفاً، وانهب المدينة ثلاثاً، ثم سار إلى مكة، فلما كان ببعض الطريق حضرته الوفاة، فدعا الحصين بن نمير فقال له يا برذعة الحمار، لولا اني أكره أن أتزود عند الموت معصية أمير المؤمنين ما وليتك، أنظر إذا قدمت مكة فاحذر أن تمكن قريشاً من أذنك فتبول فيها، لا تكن إلا الوقاف، ثم الثقاف، ثم الانصراف، فتوفي مسلم المسرف، ومضى الحصين بن نمير إلى مكة، فقاتل ابن الزبير بها أياماً، وجمع ابن الزبير أصحابه، فتحصن بهم في المسجد الحرام وحول الكعبة، وضرب أصحاب ابن الزبير في المسجد خياماً ورفافاً يكتنون فيها من حجارة المنجنيق ويستظلون فيها من الشمس، وكان الحضين بن نمير، قد نصب المنجنيق على أبي قبيس وعلى الأحمر وهما أخشبا مكة فكان يرميهم بها فتصيب الحجارة الكعبة، حتى تخرقت كسوتها عليها، فصارت كأنها جيوب النساء، فوهن الرمي بالمنجنيق الكعبة، فذهب رجل من أصحاب ابن الزبير يوقد ناراً في بعض تلك الخيام، مما يلي الصفا بين الركن الأسود والركن اليماني، والمسجد يومئذ ضيق صغير، فطارت شرارة في الخيمة فاحترقت، وكانت في ذلك اليوم رياح شديدة، والكعبة يومئذ مبنية بناء قريش مدماك من ساج، ومدماك من حجارة من أسفلها إلى أعلاها، وعليها الكسوة، فطارت الرياح بلهب تلك النار فاحترقت كسوة الكعبة واحترق الساج الذي بين البناء، وكان احتراقها يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول قبل أن يأتي نعي يزيد ابن معاوية بسبعة وعشرين يوماً، وجاء نعيه في هلال شهر ربيع الآخر ليلة الثلاثاء سنة أربع وستين، وكان توفي لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين؛ وكانت خلافته ثلاث سنين وسبعة أشهر. فلما احترقت الكعبة؛ واحترق الركن الأسود فتصدع، كان ابن الزبير بعد ربطه بالفضة، فضعفت جدارات الكعبة، حتى انها لتنقض من أعلاها إلى أسفلها، وتقع الحمام عليها، فتتناثر حجارتها وهي مجردة متوهنة من كل جانب، ففزع لذلك أهل مكة وأهل الشام جميعاً، والحصين بن نمير مقيم، محاصر ابن الزبير، فأرسل ابن الزبير رجالاً من أهل مكة من قريش وغيرهم، فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد، ورجال من بني أمية، إلى الحصين، فكلموه وعظموا عليه ما أصاب الكعبة، وقالوا: إن ذلك كان منكم رميتموها بالنفط. فأنكروا ذلك وقالوا: قد توفي أمير المؤمنين فعلى ماذا تقاتل ? ارجع إلى الشام حتى تنظر ماذا يجتمع عليه رأي صاحبك  
يعنون معاوية بن يزيد وهل يجمع الناس عليه ? فلم يزالوا حتى لأن لهم، وقال له عبد الله بن خالد بن أسيد: أراك تتهمني في يزيد. ولم يزالوا به حتى رجع إلى الشام فلما أدبر جيش الحصين بن نمير، وكان خروجه من مكة لخمس ليال خلون من ربيع الآخر سنة أربع وستين، دعا ابن الزبير وجوه الناس وأشرافهم وشاورهم في هدم الكعبة، فأشار عليه ناس غير كثير، بهدمها، وأبى أكثر الناس هدمها، وكان أشدهم عليه اباء عبد الله ابن عباس، وقال له: دعها على ما أقرها عليه رسول الله )ص(، فاني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم وتبنى فيتهاون الناس في حرمتها، ولكن ارقعها، فقال ابن الزبير: والله ما يرضى أحدكم ان يرقع بيت أبيه وأمه، فكيف أرقع بيت الله سبحانه، وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله، حتى أن الحمام ليقع عليه فتتناثر حجارته؛ وكان ممن أشار عليه بهدمها جابر بن عبد الله وكان جاء معتمراً وعبيد بن عمير وعبد الله بن صفوان بن أمية، فأقام أياماً يشاور وينظر ثم أجمع على هدمها، وكان يحب أن يكون هو الذي يردها على ما قال رسول الله )ص( على قواعد إبراهيم، وعلى ما وصفه رسول الله )ص( لعائشة رضي الله عنها، فأراد أن يبنيها بالورس ويرسل إلى اليمن في ورس يشترى له، فقيل له: إن الورس يرفت ويذهب، ولكن ابنها بالقصة، فسأل عن القصة فأخبر ان قصة صنعاء هي أجود القصة، فأرسل إلى صنعاء بأربع مائة دينار يشترى له بها قصة ويكترى عليها، وأمر بتنجيح ذلك، ثم سأل رجالاً من أهل العلم من أهل مكة، من أين أخذت قريش حجارتها ? فأخبروه بمقلعها، فنقل له من الحجارة قدر ما يحتاج إليه، فلما اجتمعت الحجارة وأراد هدمها خرج أهل مكة منها إلى منى، فأقاموا بها ثلاثاً فرقاً من أن ينزل عليهم عذاب لهدمها، فأمر ابن الزبير بهدمها، فما اجترأ أحد على ذلك، فلما رأى ذلك، علاها هو بنفسه فأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمي بحجارتها، فلما رأوا أنه لم يصبه شيء، اجترأوا فصعدوا يهدموها، وارقى ابن الزبير فوقها عبيداً من الحبش يهدمونها، رجاء أن يكون فيهم صفة الحبشي، الذي قال رسول الله )ص(: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، قال وقال مجاهد: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: كأني به أصيلع، أفيدع قائم عليها يهدمها بمسحاته، قال مجاهد: فلما هدم ابن الزبير الكعبة، جئت أنظر، هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو ? فلم أرها فهدموها وأعانهم الناس، فما ترجلت الشمس حتى ألصقها كلها بالأرض من جوانبها جميعاً، وكان هدمها يوم السبت النصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين، ولم يقرب ابن عباس مكة حين هدمت الكعبة، حتى فرغ منها، وأرسل إلى ابن الزبير لا تدع الناس بغير قبلة، أنصب لهم حول الكعبة الخشب، واجعل عليها الستور حتى يطوف الناس من ورائها ويصلون إليها، ففعل ذلك ابن الزبير، وقال ابن الزبير: أشهد لسمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله )ص(: ان قومك استقصروا في بناء البيت، وعجزت بهم النفقة، فتركوا في الحجر منها أذرعاً، ولولا حداثة قومك بالكفر، لهدمت الكعبة وأعدت ما تركوا منها، ولجعلت لها بابين موضوعين بالأرض، باباً شرقياً يدخل منه الناس، وباباً غربياً يخرج منه الناس، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها ? قالت: قلت: لا، قال: تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها، يدعونه أن يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل، دفعوه فسقط، فإن بدا لقومك هدمها، فهلمي لأريك ما تركوا في الحجر منها، فأراها قريباً من سبعة أذرع، فلما هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالأرض، كشف عن أساس إبراهيم فوجدوه داخلاً في الحجر نحواً من ستة أذرع وشبر، كأنها أعناق الابل أخذ بعضها بعضاً، كتشبيك الأصابع بعضها ببعض، يحرك الحجر من القواعد فتحرك الأركان كلها، فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم وأشهدهم على ذلك الأساس، قال: فأدخل رجل من القوم كان أيداً، يقال له: عبد الله بن مطيع العدوي، عتلة كانت في يده في ركن من أركان البيت، فتزعزعت الأركان جميعاً، ويقال إن مكة كلها رجفت رجفة شديدة حين زعزع الأساس، وخاف الناس خوفاً شديداً، حتى ندم كل من كان أشار على ابن الزبير بهدمها، وأعظموا ذلك اعظاماً شديداً وأسقط في أيديهم، فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم وضع البناء على ذلك  
الأساس، ووضع حدات الباب، باب الكعبة على مدماك على الشاذروان اللاصق بالأرض، وجعل الباب الآخر بازائه في ظهر الكعبة مقابله، وجعل عتبته على الحجر الأخضر الطويل الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة قريباً من الركن اليماني، وكان البناء يبنون من وراء الستر، والناس يطوفون من خارج، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان ابن الزبير حين هدم البيت، جعل الركن في ديباجة وأدخله في تابوت وأقفل عليه ووضعه عنده في دار الندوة، وعمد إلى ما كان في الكعبة من حلية فوضعها في خزانة الكعبة، في دار شيبة بن عثمان، فلما بلغ البناء موضع الركن أمر ابن الزبير بموضعه، فنقر في حجرين: حجر من المدماك الذي تحته، وحجر من المدماك الذي فوقه، بقدر الركن وطوبق بينهما، فلما فرغوا منه، أمر ابن الزبير، ابنه عباد بن عبد الله بن الزبير، وجبير بن شيبة بن عثمان، أن يجعلوا الركن في ثوب، وقال لهم ابن الزبير: إذا دخلت في الصلاة، صلاة الظهر، فاحملوه واجعلوه في موضعه، فانا أطول الصلاة، فإذا فرغتم فكبروا حتى أخفف صلاتي وكان ذلك في حر شديد فلما أقيمت الصلاة، كبر ابن الزبير وصلى بهم ركعة، خرج عباد بالركن من دار الندوة وهو يحمله ومعه جبير بن شيبة بن عثمان، ودار الندوة يومئذ قريبة من الكعبة، فخرقا به الصفوف حتى أدخلاه في الستر الذي دون البناء، فكان الذي وضعه في موضعه هذا عباد بن عبد الله بن الزبير، وأعانه عليه جبير بن شيبة، فلما أقروه في موضعه وطوبق عليه الحجران كبروا، فخفف ابن الزبير صلاته، وتسامع الناس بذلك، وغضبت فيه رجال من قريش، حين لم يحضرهم ابن الزبير، وقالوا: والله لقد رفع في الجاهلية حين بنته قريش، فحكموا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد، فطلع رسول الله )ص( فجعله في ردائه، ودعا رسول الله )ص( من كل قبيلة من قريش رجلاً فأخذوا بأركان الثوب ثم وضعه رسول الله )ص( في موضعه، وكان الركن قد تصدع من الحريق بثلاث فرق، فانشظت منه شية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر طويل، فشده ابن الزبير بالفضة، الا تلك الشظية من أعلاه موضعها بين في أعلى الركن وطول الركن ذراعان، قد أخذ عرض جدار الكعبة، ومؤخر الركن داخله في الجدر، مضرس على ثلاثة رؤوس، قال ابن جريج: فسمعت من يصف لون مؤخره الذي في الجدر، قال بعضهم: هو مورد، وقال بعضهم: هو أبيض، قالوا: وكانت الكعبة يوم هدمها ابن الزبير ثمانية عشر ذراعاً في السماء، فلما ان بلغ ابن الزبير بالبناء ثمانية عشر ذراعاً، قصرت بحال الزيادة، التي زاد من الحجر فيها، واستسمج ذلك إذ صارت عريضة لا طول لها، فقال: قد كانت قبل قريش تسعة أذرع حتى زادت قريش فيها تسعة أذرع طولاً في السماء، فانا أزيد تسعة أذرع أخرى، فبناها سبعة وعشرين ذراعاً في السماء، وهي سبعة وعشرون مدماكاً، وعرض جدارها ذراعان، وجعل فيها ثلاث دعائم، وكانت قريش في الجاهلية، جعلت فيها ست دعائم، وأرسل ابن الزبير إلى صنعاء فأتى من رخام بها يقال له البلق، فجعله في الروازن التي في سقفها للضوء، وكان باب الكعبة قبل بناء ابن الزبير مصراعاً واحداً، فجعل له ابن الزبير مصراعين طولهما أحد عشر ذراعاً من الأرض إلى منتهى أعلاهما اليوم، وجعل الباب الآخر الذي في ظهرها بازائه على الشاذروان الذي على الأساس مثله، وجعل ميزابها يسكب في الحجر، وجعل لها درجة في بطنها في الركن الشامي من خشب معرجة يصعد فيها إلى ظهرها، فلما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة، خلقها من داخلها وخارجها من أعلاها إلى أسفلها، وكساها القباطي، وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر من التنعيم، فمن قدر أن ينحر بدنة فليفعل، ومن لم يقدر على بدنة فليذبح شاة، ومن لم يقدر فليتصدق بقدر طوله، وخرج ماشياً وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا من التنعيم، شكراً لله سبحانه، ولم ير يوماً كان أكثر عتيقاً ولا أكثر بدنة منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة من ذلك اليوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة، فلما طاف بالكعبة استلم الأركان الأربعة جميعاً، وقال: انما كان ترك استلام هذين الركنين الشامي والغربي، لأن البيت لم يكن تاماً، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف به الطائف استلم الأركان جميعاً، ويدخل البيت من هذا الباب ويخرج من الباب الغربي، وأبوابه لاصقة بالأرض، حتى قتل ابن الزبير رحمه  
الله ودخل الحجاج مكة، فكتب إلى عبد الملك بن مروان، إن ابن الزبير زاد في البيت ما ليس منه، وأحدث فيه باباً آخر، فكتب إليه يستأذنه في رد البيت على ما كان عليه في الجاهلية، فكتب إليه عبد الملك بن مروان إن سد بابها الغربي، الذي كان فتح ابن الزبير، واهدم ما كان زاد فيها من الحجر، واكبسها به على ما كانت عليه، فهدم الحجاج منها ستة أذرع وشبراً، مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش الذي كانت استقصرت عليه، وكبسها بما هدم منها، وسد الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها لم يحرك منها شيئاً، فكل شيء فيها اليوم بناء ابن الزبير، إلا الجدر الذي في الحجر، فإنه بناء الحجاج وسد الباب الذي في ظهرها، وما تحت عتبة الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم إلى الأرض أربعة أذرع وشبر، كل هذا بناء الحجاج، والدرجة التي في بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما أيضاً من عمل الحجاج، فلما فرغ الحجاج من هذا كله، وفد بعد ذلك الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم انه سمع منها في أمر الكعبة، فقال الحارث: أنا سمعته من عائشة، قال: سمعتها تقول ماذا ? قال: سمعتها تقول: قال لي رسول الله )ص(: إن قومك استقصروا في بناء البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر، أعدت فيه ما تركوا منه، فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع، وقال رسول الله )ص(: وجعلت لها بابين موضوعين على الأرض باباً شرقياً يدخل الناس منه، وباباً غربياً يخرج الناس منه، قال عبد الملك بن مروان أنت سمعتها تقول هذا، قال: نعم يا أمير المؤمنين أنا سمعت هذا منها، قال فجعل ينكت منكسا بقضيب في يده ساعة طويلة، ثم قال وددت والله اني تركت ابن الزبير وما تحمل من ذلك، قال ابن جريج: وكان باب الكعبة، الذي عمله ابن الزبير، طوله في السماء أحد عشر ذراعاً، فلما كان الحجاج نقض من الباب أربعة أذرع وشبراً، عمل لها هذين البابين وطولهما ستة أذرع وشبراً، فلما كان في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعث إلى واليه على مكة خالد بن عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على بابي الكعبة، صفائح الذهب، وعلى ميزاب الكعبة وعلى الأساطين التي في بطنها وعلى الأركان في جوفها، قال أبو الوليد قال جدي فكلما كان على الميزاب وعلى الأركان في جوفها من الذهب، فهو من عمل الوليد ابن عبد الملك، وهو أول من ذهب البيت في الاسلام، فأما ما كان على الباب من عمل الوليد بن عبد الملك من الذهب، فإنه رق وتفرق، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين محمد بن الرشيد في خلافته، فأرسل إلى سالم بن الجراح، عامل كان له على صوافي مكة، بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح الذهب على بابي الكعبة، فقلع ما كان على الباب من الصفائح، وزاد عليها من الثمانية عشر ألف دينار، فضرب عليه الصفائح التي هي عليه اليوم والمسامير وحلقتا باب الكعبة، وعلى الفياريز والعتب وذلك كله من عمل أمير المؤمنين محمد بن هارون الرشيد، ولم يقلع في ذلك بابي الكعبة، ولكن ضربت عليهما الصفائح والمسامير وهما على حالهما، قال أبو الوليد: أخبرني المثنى بن جبير الصواف انهم حين فرقوا ذهب باب الكعبة، وجدوا فيه ثمانية وعشرين ألف مثقال، فزادوا عليها خمسة عشر ألف دينار، وإن الذي على الباب من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف دينار، وقالوا أيضاً انه لما قلع الذهب عن الباب البس الباب ثوباً أصفر؛ قال ابن جريج: وعمل الوليد بن عبد الملك الرخام الأحمر والأخضر والأبيض الذي في بطنها مؤزراً به جدراتها، وفرشها بالرخام وأرسل به من الشام، وجعل الجزعة التي تلقى من دخل الكعبة، من بين يدي من قام يتوخى مصلى رسول الله )ص( في موضعها، وجعل عليها طوقاً من ذهب، فجميع ما في الكعبة من الرخام فهو من عمل الوليد ابن عبد الملك، وهو أول من فرشها بالرخام وأزر به جدراتها، وهو أول من زخرف المساجد.ودخل الحجاج مكة، فكتب إلى عبد الملك بن مروان، إن ابن الزبير زاد في البيت ما ليس منه، وأحدث فيه باباً آخر، فكتب إليه يستأذنه في رد البيت على ما كان عليه في الجاهلية، فكتب إليه عبد الملك بن مروان إن سد بابها الغربي، الذي كان فتح ابن الزبير، واهدم ما كان زاد فيها من الحجر، واكبسها به على ما كانت عليه، فهدم الحجاج منها ستة أذرع وشبراً، مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش الذي كانت استقصرت عليه، وكبسها بما هدم منها، وسد الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها لم يحرك منها شيئاً، فكل شيء فيها اليوم بناء ابن الزبير، إلا الجدر الذي في الحجر، فإنه بناء الحجاج وسد الباب الذي في ظهرها، وما تحت عتبة الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم إلى الأرض أربعة أذرع وشبر، كل هذا بناء الحجاج، والدرجة التي في بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما أيضاً من عمل الحجاج، فلما فرغ الحجاج من هذا كله، وفد بعد ذلك الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم انه سمع منها في أمر الكعبة، فقال الحارث: أنا سمعته من عائشة، قال: سمعتها تقول ماذا ? قال: سمعتها تقول: قال لي رسول الله )ص(: إن قومك استقصروا في بناء البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر، أعدت فيه ما تركوا منه، فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع، وقال رسول الله )ص(: وجعلت لها بابين موضوعين على الأرض باباً شرقياً يدخل الناس منه، وباباً غربياً يخرج الناس منه، قال عبد الملك بن مروان أنت سمعتها تقول هذا، قال: نعم يا أمير المؤمنين أنا سمعت هذا منها، قال فجعل ينكت منكسا بقضيب في يده ساعة طويلة، ثم قال وددت والله اني تركت ابن الزبير وما تحمل من ذلك، قال ابن جريج: وكان باب الكعبة، الذي عمله ابن الزبير، طوله في السماء أحد عشر ذراعاً، فلما كان الحجاج نقض من الباب أربعة أذرع وشبراً، عمل لها هذين البابين وطولهما ستة أذرع وشبراً، فلما كان في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعث إلى واليه على مكة خالد بن عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على بابي الكعبة، صفائح الذهب، وعلى ميزاب الكعبة وعلى الأساطين التي في بطنها وعلى الأركان في جوفها، قال أبو الوليد قال جدي فكلما كان على الميزاب وعلى الأركان في جوفها من الذهب، فهو من عمل الوليد ابن عبد الملك، وهو أول من ذهب البيت في الاسلام، فأما ما كان على الباب من عمل الوليد بن عبد الملك من الذهب، فإنه رق وتفرق، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين محمد بن الرشيد في خلافته، فأرسل إلى سالم بن الجراح، عامل كان له على صوافي مكة، بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح الذهب على بابي الكعبة، فقلع ما كان على الباب من الصفائح، وزاد عليها من الثمانية عشر ألف دينار، فضرب عليه الصفائح التي هي عليه اليوم والمسامير وحلقتا باب الكعبة، وعلى الفياريز والعتب وذلك كله من عمل أمير المؤمنين محمد بن هارون الرشيد، ولم يقلع في ذلك بابي الكعبة، ولكن ضربت عليهما الصفائح والمسامير وهما على حالهما، قال أبو الوليد: أخبرني المثنى بن جبير الصواف انهم حين فرقوا ذهب باب الكعبة، وجدوا فيه ثمانية وعشرين ألف مثقال، فزادوا عليها خمسة عشر ألف دينار، وإن الذي على الباب من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف دينار، وقالوا أيضاً انه لما قلع الذهب عن الباب البس الباب ثوباً أصفر؛ قال ابن جريج: وعمل الوليد بن عبد الملك الرخام الأحمر والأخضر والأبيض الذي في بطنها مؤزراً به جدراتها، وفرشها بالرخام وأرسل به من الشام، وجعل الجزعة التي تلقى من دخل الكعبة، من بين يدي من قام يتوخى مصلى رسول الله )ص( في موضعها، وجعل عليها طوقاً من ذهب، فجميع ما في الكعبة من الرخام فهو من عمل الوليد ابن عبد الملك، وهو أول من فرشها بالرخام وأزر به جدراتها، وهو أول من زخرف المساجد.
 
وحدثني جدي قال لما جرد حسين بن حسن الطالبي الكعبة في سنة مايتين، في الفتنة، لم يبق عليها شيئاً مما كان عليها من الكسوة، فجئت فاستدرت بجوانبها وعددت مداميكها فوجدتها سبعة وعشرين مدماكاً، ورأيت موضع الصلة التي بنى الحجاج، مما يلي الحجر، أثر لحم البناء فيها، بين بناء ابن الزبير القديم وبين بناء الحجاج بن يوسف، شبه الصدع، وهو منه كالمتبري بأقل من الاصبع من أعلاها بين، ذلك لمن رآه، ورأيت موضع الباب الذي سده الحجاج في ظهر الكعبة على الحجر الأخضر الذي في الشاذروان، تبين حداته من أعلاه إلى أسفله، ورأيت السد الذي في الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم من العتبة إلى الأرض، وحجارة سد الباب الذي في ظهرها وما بني من هذا الباب الشرقي، ألطف من حجارة مداميك جدران الكعبة بكثير، وكل ذلك بالمنقوش.
حدثني جدي قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال حدثنا عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة أم المؤمنين عن النبي )ص( انه قال لها: يا عائشة لولا حداثة قومك بالكفر لرددت في الكعبة ما نقصوا منها، ولجعلت لها باباً آخر.
حدثني جدي قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا حسين بن عبد الله ابن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس، إن النبي )ص( قال لعائشة: إذا فتح الله لي إن شاء الله، رددت الكعبة على ما كانت عليه على عهد إبراهيم، فادخلت من الحجر فيها، وجعلت لها باباً بالأرض، وجعلت لها باباً آخر، فإن قريشاً انما جعلوا الدرجة، لأن لا يدخل الناس إلا باذن، حدثني جدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن داود بن سابور عن مجاهد، قال: لما عزم ابن الزبير على هدم الكعبة، خرجنا إلى منى ننتظر العذاب ثلاثاً، وأمر ابن الزبير الناس أن يهدموا، فلم يجترئ أحد على هدمها، فلما رآهم لا يقدمون عليها، أخذ هو بنفسه المعول ثم ارتقى فوقها فهدم، فلما رأى الناس انه لم يصبه شيء اجترءوا على هدمها، قال: فهدموا وادخل عامة الحجر فيها، فلما ظهر الحجاج، رد الذي كان ابن الزبير ادخل من الحجر، فقال عبد الملك بن مروان، وددنا أنا تركنا أبا خبيب وما تولى من ذلك يعني ابن الزبير .
وحدثني جدي قال حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: رأيت ابن الزبير هدم الكعبة وأراهم أساساً داخلاً في الحجر أخذ بعضه بعضاً، كلما حرك منه شيء تحرك كله، فبنى عليه الكعبة.
حدثني مهدي بن أبي المهدي عن عيسى بن يونس عن عبد الله بن مسلم ابن هرمز، قال حدثني يزيد مولى ابن الزبير قال: شهدت ابن الزبير احتفر في الحجر، فأصاب أساس البيت حجارة حمر كأنها الخلايق، تحرك الحجر فيهتز له البيت، فأصاب في الحجر من البيت ستة أذرع وشبراً، وأصاب فيه موضع قبر، فقال ابن الزبير: هذا قبر إسماعيل، فجمع قريشاً ثم قال لهم اشهدوا ثم بنى.
حدثني محمد بن واضح عن سليم بن مسلم عن عمر بن قيس عن سعيد بن مينا وكان على سوق مكة لابن الزبير قال: لما أراد ابن الزبير بناء الكعبة عالج الأساس، فإذا وضع الباني العتلة في حجر ارتجت جوانب البيت، فأمسك عنه، حدثني إبراهيم بن محمد الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله ابن أبي يزيد قال: رأيت ابن الزبير، حين هدم الكعبة، فأراهم أساساً آخذاً بعضه ببعض، كلما حرك منه شيء تحرك كله، قال: فرأيت فضل البيت في الحجر، قال سفيان: فذكر نحواً من ستة أذرع.
حدثني جدي قال حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن سليمان بن مينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: إذا رأيت قريشاً هدموا البيت لم بنوه فزوقوه، فإن استطعت أن تموت فمت.
 
حدثني جدي عن مسلم بن خالد الزنجي، عن يسار بن عبد الرحمن، قال: شهدت ابن الزبير حين فرغ من بناء البيت، كساه القباطي، وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر من التنعيم، قال: فما رأيت يوماً كان أكثر عتيقاً ولا أكثر بدنة مذبوحة من يومئذ، أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن موسى بن يعقوب عن عمه، قال: هدم ابن الزبير البيت حتى وضعه بالأرض، وبناها من أسها وأدخل الحجر عنده، وكان قد احترق، واحترق الخشب والحجارة، وانصدع الركن بثلاث فرق، فرأيته منكسراً، حتى شده ابن الزبير بالفضة، ثم أدخل الحجر في البيت، ونصب الخشب حول البيت، ثم سترها، وبنوا من وراء الستر، حتى بلغ الركن الأسود، فوضعه وشده بالفضة، ثم رد البيت على بنائه، وزاد في طولها فجعلها سبعة وعشرين ذراعاً، وخلق جوفها، ولطخ جدرها بالمسك حين فرغ منها، وجعل لها بابين موضوعين بالأرض، باباً في وجهها، وباباً بازائه من خلفها، يدخل من هذا الذي في وجهها ويخرج من الآخر، واعتمر حين فرغ من الكعبة، ماشياً مع رجال من قريش وغيرهم، منهم عبد الله بن صفوان وعبيد بن عمير، حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن موسى بن يعقوب عن عمه عن الحارث بن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال: ارتحل الحصين ابن نمير من مكة، لخمس ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، وأمر ابن الزبير بالخصاص التي كانت حول الكعبة فهدمت، وبالمسجد فكنس مما فيه من الحجارة والدماء، فإذا الكعبة متوهنة ترتج من أعلاها إلى أسفلها، فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق، وإذا الركن قد اسود واحترق وتفلق من الحريق، فرأيته ثلاث فرق، فشاور ابن الزبير الناس في هدمها، فأشار عليه جابر بن عبد الله، وعبيد بن عمير بهدمها، وأبى ذلك عليه ابن عباس، وقال: أنا أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، فلا تزال تهدم وتبنى، فيتهاون الناس بحرمتها، فلا أحب ذلك، أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن شرحبيل عن أبي عون عن أبيه قال: رأيت الحجر قد انفلق واسود من الحريق، فانظر إلى جوفه أبيض كأنه الفضة، وقد كان شاور المسور بن مخرمة بن نوفل قبل أن يموت، بهدمها وبنائها، فأشار عليه بذلك.
حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله بن محمد عن أبيه عن جده، انه سمع عبد الله بن عمر، يسأل نايل بن قيس الجذامي عن الأساس، فقال نايل اتبعنا الأساس في الحجر، فوجدنا أساس البيت وأصلاً بالحجر، كأنه أصابعي هذه، وشبك بين أصابعه، فسمعت ابن عمر يكبر ويحمد الله عز وجل على ذلك، أخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن محمد بن عمرو عن أبي الزبير، قال: سمعت عبد الرحمن بن سابط يقول: دعانا ابن الزبير، خمسين رجلاً من قريش، فنظرنا إلى الأساس، فإذا هو واصل بالحجر، مشبك كاصابع يدي هاتين، وشبك بين أصابعه، فقال ابن الزبير: اشهدوا ثم بنى. قال عبد الرحمن بن سابط: فجلست مع ابن عباس فأخبرته، فقال ابن عباس: ما زلنا نعلم ان من البيت في الحجر.
حدثنا محمد بن يحيى، عن الواقدي عن إبراهيم بن موسى عن عكرمة ابن خالد المخزومي، قال: هدم ابن الزبير البيت حتى سواه بالأرض، وحفر أساسه وادخل الحجر فيه، وكان الناس يطوفون من وراء الستر ويصلون إلى موضعه، وجعل الركن في تابوت، في سرقة من حرير، فأما ما كان من حلي البيت وما وجد فيه من ثياب أو طيب، فانه جعله عند الحجبة في خزانة الكعبة، حتى أعاد بناءها، قال عكرمة: فرأيت الحجر الأسود، فإذا هو ذراع أو يزيد، وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن شرحبيل بن أبي عون عن أبيه، قال: لما هدم عبد الله بن الزبير البيت، ندم كل من كان أشار عليه واعظموا ذلك.
حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس، انه أبى على ابن الزبير هدمها، وقال: أخاف أن يأتي بعدك من يهدمها، ثم يأتي بعد ذلك آخر، فإذا هي تهدم أبداً وتبنى، فسكت عبد الله بن الزبير، ولم يقرب ابن عباس مكة حتى فرغ منها.
 
وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن إبراهيم بن موسى عن عكرمة ابن خالد، قال: لما بنى ابن الزبير الكعبة انتهى به إلى الأساس الأول، وادخل الحجر فيها، فلما انتهى إلى موضع الركن الاسود، جاء به ابن الزبير وولده حتى رفعوه ووضعوه بأيديهم في ساعة خالية، تحروا بها غفلة الناس نصف النهار في يوم صايف، وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن عبد العزيز بن المطلب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي جعفر، قال: ابن الزبير وضعه وولده نصف النهار في حر شديد، فرأيت قريشاً غضبوا في ذلك، وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن ابن جريج عن خلاد بن عطاء عن أبيه، وكان يعمل في البيت محتسباً قال: وكان الركن في تابوت مقفل عليه، فلما كان وقت وضعه، وقد نقر له حجران طوبق بينهما، ثم ادخل فيه، فلما فرغ من ذلك، خرج ابن الزبير في يوم صايف نصف النهار، فأشار إلى جبير بن شيبة الحجبي، فادخلاه في موضعه، وبنى عليه، قال عطاء أبو خلاد وأنا حاضر ذلك. وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن ابن جريج عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن مسافع الحجبي، قال: لما بنى ابن الزبير البيت حتى بلغ موضع الركن، تواعد الحجبة، قال مسافع: وأنا فيهم، فلما دخل ابن الزبير في الصلاة، حسبت الظهر، خرج الحجبة بالركن من الصفوف وأنا فيهم، فرفعناه فجاء حمزة ابن عبد الله بن الزبير وأخذ بطرف الثوب فرفع معنا، وأخبرني مسافع، ان الركن أخذ عرض الضفير، ضفير البيت، حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن ابن جريج وعبد الله بن عمر بن حفص عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه، قالت كان الحجر الأسود قبل الحريق مثل لون المقام، فلما احترق أسود، قال فلما احترقت الكعبة، تصدع بثلاث فرق، فشده ابن الزبير بالفضة، وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن علي بن زيد عن أبيه عن جده، قال: رأيت ابن الزبير هدمها كلها، فلما بنى وفرغ، خلق جوفها بالعنبر والمسك ولطخ جدرها من خارج بالمسك وسترها بالديباج، وادخل الحجر فيها ورد الركن الأسود في موضعه، وكان قد انكسر بثلاث فرق من الحريق الذي أصاب الكعبة، وكان الركن عند ابن الزبير في بيته في صندوق عليه قفل، فلما بلغ البناء موضع الركن، جاء ابن الزبير حتى وضعه هو بنفسه وشده بالفضة، فهو مشدود بالفضة واعتمر من خيمة جمانة ماشياً، فرأى الناس ان قد أحسن ابن الزبير ولبى، حتى نظر إلى البيت، وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: وفد الحارث ابن عبد الله بن أبي ربيعة، على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما أظن ان أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة رضي الله عنها ما كان يزعم انه سمعه منها، قال الحارث: أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول ماذا ? قال سمعتها تقول: قال رسول الله )ص( ان قومك استقصروا في بنيان الكعبة، ولولا حداثة قومك بالشرك، أعدت فيها ما تركوا منها، فإن بدا لقومك أن يبنوها، فهلمي لأريك ما تركوا من البيت، فاراها قريباً من سبعة أذرع.
 
حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن عطاف بن خالد المخزومي عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب، قال: سمعته يقول: لقد كان عبد الملك ابن مروان، ندم حين هدم البيت ورده على بنيانه الأول، قال: ليتني كنت حملت ابن الزبير وما تحمل، حدثنا محمد بن يحيى، عن الواقدي عن إبراهيم بن شعيب، مولى لقريش، عن المسور بن رفاعة عن محمد ابن كعب القرظي، قال: لما حج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة، طاف بالبيت وأنا إلى جنبه، قال: كيف كان بناء الكعبة حين بناها ابن الزبير ? فأشار له عمر بن عبد العزيز وهو إلى جنبه، من الشق الآخر إلى ما كان ابن الزبير فعل، وأنه جعل لها بابين، وأدخل الحجر في البيت، فقال سليمان: ليت ان أمير المؤمنين يعني عبد الملك كان ولى ابن الزبير ما تولى من ذلك، فقال له عمر بن عبد العزيز: أما اني قد سمعنه يقول: ليت اني تركت ابن الزبير وما تحمل، قال سليمان: أنت سمعته يقول ذلك ? قال: نعم ثم التفت إلى محمد بن كعب فقال: كم طولها ? قال: سبعة وعشرون ذراعاً، قال: وعلى ذلك كانت ? قال: لا، قال: فكم كانت ? قال: كانت على عهد النبي )ص( ثمانية عشر ذراعاً، قال: فمن زاد فيها ? قال: ابن الزبير، قال سليمان لولا انه أمر، كان أمير المؤمنين فعله، لاحببت ان أردها على ما بناها ابن الزبير، ثم قال: علي بحجاب البيت، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب القرظي، فجعل سليمان ينظر إلى ما فيها من الحلي، فقال لابن كعب: ما هذا ? قال: يا أمير المؤمنين أقره رسول الله )ص( يوم فتح مكة، ثم أقره الولاة بعده، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية رضي الله تعالى عنهم، قال صدقت.

ما جاء في مقلع الكعبة من أين قلع

حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، قال: لما أراد ابن الزبير هدم الكعبة، سأل رجالاً من أهل العلم من أهل مكة، من أين كانت قريش، أخذت حجارة الكعبة حين بنتها ? فأخبر أنهم بنوها من حراء ومن ثبير ومن المقطع، وهو الجبل المشرف على مسجد القاسم بن عبيد بن خلف بن الأسود الخزاعي، على يمين من أراد المشاش من مكة مشرفاً على الطريق، وانما سمي المقطع، لأنه جبل صلب الحجارة، فكان يوقد بالنار ثم يقطع، ويقال: انما سمي المقطع، لأن أهل الجاهلية من أهل مكة كانوا إذا خرجوا من مكة قلدوا أنفسهم ورواحلهم من عضاة الحرم، فإذا لقيهم أحد قالوا: هذا من أهل الله، فلا يعرض له، حتى إذا دخلوا الحرم أمنوا فصاروا عند المقطع، فقطعوا قلائدهم وقلائد رواحلهم التي من عضاة الحرم هنالك، فسمي بذلك المقطع، ومن قافية الخندمة والخندمة جبل في ظهر أبي قبيس من ظهرها المشرف على دار أبي صيفي المخزومي في شعب آل سفيان دون شعب الخوز، وذلك الموضع عن يمين من انحدر من الثنية التي يسلك فيها من شعب ابن عامر إلى شعب آل سفيان، ثم إلى منى، وهذا الموضع مرتفع في الجبل، موضع مقلعه بين بين هذه الثنية وبين الثنية التي تشرف على شعب الخوز، يسلك منها من منى إلى مكة، من سلك شعب الخوذ، ومن جبل عند الثنية البيضاء التي في طريق جدة، وهو الجبل المشرف على ذي طوى، ويقال له: حلحلة، قال: جدي ومنه بنيت دار العباس بن محمد، التي على الصيارفة بمكة، ومن جبل بأسفل مكة عن يسار من انحدر من ثنية بني عضل، ويقال لهذا الجبل مقلع الكعبة، ومن مزدلفة من حجر بها يقال له: المفجري، فهذه الجبال السبعة التي يعرفها أهل العلم من أهل مكة، انها مقلع الكعبة، قال مسلم بن خالد: ولم يثبت عندنا انها بنيت من غير هذه الأجبل.

في معاليق الكعبة وقرني الكبش

ومن علق تلك المعاليق

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن منصور ابن عبد الرحمن الحجبي عن خاله مسافع بن شيبة عن صفية بنت شيبة، ان امرأة من بني سليم ولدت عامتهم، قالت لعثمان بن طلحة: لم دعك النبي )ص( بعد خروجه من البيت ? قال: قال لي: اني رأيت قرني الكبش في البيت، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل مصلياً، قال عثمان: وهو الكبش الذي فدى به إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
حدثني محمد بن يحيى، عن سليم بن مسلم عن عمرو بن قيس، انه كان يقول: كان قرنا الكبش في الكعبة، فلما هدمها ابن الزبير وكشفها، وجدوهما في جدار الكعبة مطليين بمشق، قال: فتناولهما فلما مسهما، همدا من الأيدي، قال محمد بن يحيى، عن هشام بن سليمان عن ابن جريج عن عبد الله بن شيبة بن عثمان، قال: سألته هل كان في الكعبة قرنا كبش ? قال: نعم كان فيها، قلت: رأيتهما، قال: حسبت انه قال أبي أخبرني انه رآهما، وعن ابن جريج عن عجوز، قالت: رأيتهما وبهما مغرة.
حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن أشياخه قال: لما فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدائن كسرى، كان مما بعث به إليه هلالان، فبعث بهما فعلقهما في الكعبة، وبعث عبد الملك بن مروان بالشمستين وقدحين من قوارير وضرب على الاسطوانة الوسطى الذهب من أسفلها إلى أعلاها صفايح، وبعث الوليد بن عبد الملك بقدحين، وبعث الوليد ابن يزيد بالسرير الزينبي وبهلالين، وكتب عليهما اسمه، بسم الله الرحمن الرحيم، أمر عبد الله الخليفة الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في سنة احدى ومائة؛ قال أبو الوليد: أخبرنيه إسحاق بن سلمة الصايغ، انه قرا حين خلق الكعبة، وأخبرنيه غير واحد من الحجبة سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وبعث أبو العباس بالصحفة الخضراء، وبعث أبو جعفر بالقارورة الفرعونية، كل هذا معلق في البيت، وكان هارون الرشيد قد وضع في الكعبة قصبتين علقهما مع المعاليق في سنة ست وثمانين ومائة، وفيهما بيعة محمد وعبد الله ابنيه وما عقد لهما وما أخذ عليهما من العهود، وبعث المأمون بالياقوتة التي تعلق في كل سنة في وجه الكعبة في الموسم: بسلسلة من ذهب، وبعث أمير المؤمنين جعفر المتوكل، بشمسة عملها من ذهب مكللة بالدر الفاخر والياقوت الرفيع والزبرجد بسلسلة من ذهب تعلق في وجه الكعبة في كل موسم.
حدثني سعيد بن يحيى البلخي، قال: أسلم ملك من ملوك التبت، وكان له صنم من ذهب يعبده في صورة انسان، وكان على رأس الصنم تاج من الذهب مكلل بخرز الجوهر والياقوت الأحمر والأخضر والزبرجد، وكان على سرير مربع مرتفع من الأرض على قوائم، والسرير من فضة، وكان على السرير فرشة الديباج، وعلى أطراف الفرش أزرار من ذهب وفضة مرخاة، والأزرار على قدر الكرين في وجه السرير، فلما أسلم ذلك الملك، أهدى السرير والصنم إلى الكعبة، فبعث به إلى أمير المؤمنين عبد الله المأمون هدية للكعبة، والمأمون يومئذ بمرو من خراسان، فبعث به المأمون إلى الحسن بن سهل بواسط، وأمره أن يبعث به إلى الكعبة، فبعث به مع نصير بن إبراهيم الأعجمي، رجل من أهل بلخ من القواد، فقدم به مكة في سنة احدى ومائتين، وحج بالناس تلك السنة إسحاق ابن موسى بن عيسى بن موسى، فلما صدر الناس من منى، نصب نصير ابن إبراهيم السرير وما عليه من الفرشة والصنم، في وسط رحبة عمر بن الخطاب، بين الصفا والمروة، فمكث ثلاثة أيام منصوباً ومعهم لوح من فضة مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا سرير فلان بن فلان ملك التبت، أسلم وبعث بهذا السرير هدية إلى الكعبة، فاحمدوا الله الذي هداه للاسلام، وكان يقف على السرير محمد بن سعيد ابن أخت نصير الأعجمي، فيقرأه على الناس بكرة وعشية، ويحمد الله الذي هدى ملك التبت إلى الاسلام، ثم دفعه إلى الحجبة، وأشهد عليهم بقبضه، فجعلوه في خزانة الكعبة، في دار شبة بن عثمان، حتى استخلف حمدون ابن علي بن عيسى بن ماهان، يزيد بن محمد بن حنظلة المخزومي على مكة، وخرج إلى اليمن فخالفه إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد العلوي إلى مكة مقبلاً من اليمن، فسمع به يزيد بن محمد فخندق على مكة وسكها بالبنيان من أنقابها، وأرسل إلى الحجبة فأخذ السرير وما عليه منهم، فاستعان به على حربه، وقال: أمير المؤمنين يخلفه لها، وضربه دنانير ودراهم، وذلك في سنة اثنتين ومائتين، فبقي التاج واللوح في الكعبة إلى اليوم.

نسخة ما في اللوح الذي في جوف الكعبة

الذي كان مع السرير


بسم الله الرحمن الرحيم، أمر عبد الله الامام المأمون أمير المؤمنين أكرمه الله ذا الرياستين، الفضل بن سهل بالبعثة بهذا السرير من خراسان إلى بيت الله الحرام، في سنة مائتين وهو سرير الاصبهبد كابل شاه بعد مهراب بني دومي كابل شاه، المحمول تاجه إلى مكة المخزون سريره في بيت مال المسلمين، بالمشرق في سنة سبع وتسعين ومائة، ومن نبأ أمر الاصبهبد، أنه أضعف عليه الخراج والفدية عن بلاد كابل والقندهار، ونصبت المنابر وبنيت المساجد فيها، وخرج الأصبهبد كابل شاه، نازلاً عن سريره هذا خاضعاً لله مستسلماً، حتى حاول حدود كابل وأرض الطخارستان، ووضع يده في يد صاحب جبل خراسان ذي الرياستين على ما سامه ذو الرياستين، من خطة الذل للدين ولامام المسلمين، ثم أقام البريد من القندهار إلى الباميان، وأضاف بلاد كابل والقندهار إلى بلاد خراسان، وأذعن للوالي مع الجنود مقيماً حدود الله والاسلام، عاملاً بأحكامه فيه وفي من اختار الاسلام معه، وأقام على العهد في مملكته، وسير الامام أكرمه الله الرايات الخضر على يدي ذي الرياستين إلى القشمير، وفي ناحية التبت ما سيرها، فأظهره الله سبحانه على بوخان وراور بلاد بلور صاحب جبل خاقان وجبل التبت، وبعث به إلى العراق مع فرسان التبت، ومن ناحية السرير ما طلب على باراب وشاوغر وزاول، وبلاد اطراز، وقتل قائد الثغر وسبا أولاد جبغويه الخرلخي مع خاتوناتة، بعد أحجاره اياه ببلاد كيماك وبعد غلبه ما غلب على مدينة كاسان وبعث بمفاتيح قلاع فرغانة إلى العرب، فمن قرأ هذه السطور فليعن على تعزيز الاسلام وتذليل الشرك بقول أو فعل؛ فإن ذلك واجب على الناس تعزيز الدين إذا قامت به الأئمة، ومن أراد الزهد والجهاد وأبواب البر والمعاونة على ما يكسب الاسلام كهذا العز وهذه المفاخر، وقد نسخنا ما كان حفر على صفيحة تاج مهرب بني دومي كابل شاه، في سنة سبع وتسعين ومائة على هذا اللوح ومن نصر دين الله نصره الله، لقوله تبارك وتعالى ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز.
وكتب الحسن بن سهل صنو ذي الرياستين في سنة مايتين:  
وشخص أمير المؤمنين هارون الرشيد، من الرقة يريد الحج يوم الاثنين لسبع ليال بقين من شهر رمضان سنة ست وثمانين ومائة، فلم يدخل مدينة السلام، ونزل منزلاً منها على سبعة فراسخ على شاطئ الفرات، يقال له: الدارب وقد بني له بها منزل، ثم شخص خارجاً ومعه الأمين ولي العهد محمد بن أمير المؤمنين والمأمون ولي العهد من بعده عبد الله بن أمير المؤمنين، ومعه جميع وزرائه وقرابته، فعدل إلى المدينة من الربذة وقدمها، فأقام بها يومين، لم يصنع الأول منهما شيئاً إلا الصلاة في المسجد والتسليم على النبي )ص(، وجلس في اليوم الثاني في المقصورة حيال المنبر، فأمر بالمقصورة فغلقت كلها، ودعا بدفاتر العطاء، فأخرج يومه ذلك لأهل العطاء ثلاثة أعطية، وبدأ بالعطا بنفسه فيؤدى باسمه ووزن له عطاؤه فجعله في كمه، ثم فعل ذلك بالأمين والمأمون، ثم ببني هاشم المبدئين في الدعوة على غيرهم، فأعطوا كذلك عشيتهم، ثم قام إلى منزله فأصبح غادياً من المدينة الشريفة إلى مكة المعظمة، فلما قدمها عزل العثماني صهره محمد بن عبد الله عن صلاة مكة، وولى مكانه سليمان بن جعفر بن سليمان، فلما كان قبل التروية بيوم بعد الصبح، صعد المنبر فخطب خطبة الحج، ثم فتح له باب البيت فدخله وحده ليس معه غيره، وقام مسرور على باب البيت وأجيف أحد المصراعين، فمكث فيه طويلاً في جوف الكعبة، ثم دعا بالأمين محمد ولي العهد، فكلمه طويلاً في جوف الكعبة، ثم دعا بالمأمون عبد الله ففعل به مثل ذلك، ثم دعا بسليمان ابن أبي جعفر، ثم دعا بالفضل بن الربيع، ثم بعيسى ابن جعفر وجعفر بن جعفر وجعفر بن موسى أمير المؤمنين، فدخلوا عليه جميعاً، ثم دخل بعدهم الحارث وابان ومحمد بن خالد وعبيد بن يقطين ونظراؤهم، ودعا بيحيى بن خالد، ولم يكن حاضراً، فأتي به معجلاً حتى دخل، ودعا بجعفر بن يحيى، ثم كتب وليا العهد، كل واحد منهما على نفسه، كتاباً لأمير المؤمنين فيما أخذ على كل واحد منهما لصاحبه، وتوكد فيه عليهما بخط يده، وحضرت الصلاة صلاة الظهر من قبل فراغهم، فنزل أمير المؤمنين، فصلى بهم الظهر ثم عاد إلى الكعبة فكان فيها إلى أن فرغوا من الكتابين، واحضروا الناس سوى من سمينا قاضي مكة محمد بن عبد الرحمن المخزومي، وأسد ابن عمرو قاضي مدينة الشرقية، وبعض من حجبة البيت، ثم حضرت صلاة العصر عند فراغهم فنزل أمير المؤمنين، فصلى بهم ثم طافوا سبعاً ثم دخل منزله من دار العجلة وأمر بحشر من حضر من الهاشميين وغيرهم ليشهدوا على الكتابين، وأرسل إلى سليمان بن أبي جعفر وعيسى ابن جعفر وجعفر بن موسى وقد كانوا انصرفوا، فردوا من منازلهم فجاءوا متضجرين، وأخرج إليهم الكتابين وقد وضع عليهما الطين، وليس من الخواتيم إلا خاتماً وليي العهد، فقرئا على جميع من حضر ليشهدوا عليه، ولم يثبت في الكتابين إلا اسماء من كان في الكعبة، حيث كتب الكتابان ولم يختم غيرهم، ولم يكن الكتابان طيناً ولا طويا ولا ختما في جوف الكعبة، ثم أمر أمير المؤمنين بعد أن شهدوا على الكتابين أن يعلقا في داخل الكعبة قبالة بابها مع المعاليق التي فيها حيث يراهما الناس، وضمنهما الحجبة واستحلفهم على حفظهما والقيام بهما وان يصونوهما ويعلقوهما في وقت الحج منشورين، وصنع لهما قصبتان من ذهب فكللوهما بفصوص الياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ، ثم انصرف أمير المؤمنين بعد قضاء نسكه، فسار مقتصداً لم يعد المراحل حتى وافى الكوفة.

نسخة الكتابين اللذين كتبا في بطن الكعبة

الذين شهد عليهما، ونسخة الشرط الذي كتبه محمد بن أمير المؤمنين في بطن الكعبة


بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه له محمد بن هارون أمير المؤمنين، في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره طائعاً غير مكره، إن أمير المؤمنين هارون ولاني العهد من بعده، وجعل لي البيعة في رقاب المسلمين جميعاً، وولى أخي عبد الله بن أمير المؤمنين هارون العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعدي، برضاء مني وتسليم طائعاً غير مكره، وولاه خراسان بثغورها وكورها وجنودها وخراجها وطرزها وبريدها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشرها وعشورها وجميع أعمالها في حياته وبعد وفاته، فشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين علي الوفاء، بما جعل له أمير المؤمنين هارون من البيعة والعهد وولاية الخلافة وأمور المسلمين بعدي، وتسليم ذلك له وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها، وما اقطعه أمير المؤمنين هارون من قطيعة وجعل له من عقدة أو ضيعة من ضياعه وعقدة أو ابتاع له من الضياع والعقد، بما أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلي أو جواهر أو متاع أو كسوة أو رقيق أو منزل أو دواب أو قليل أو كثير، فهو لعبد الله بن أمير المؤمنين موفراً عليه مسلماً له، وقد عرفت ذلك كله شيئاً شيئاً باسمه وأصنافه ومواضعه، انا وعبد الله بن هارون أمير المؤمنين، فإن اخلتفنا في شيء منه فالقول فيه قول عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، لا اتبعه بشيء من ذلك ولا آخذه منه ولا انتقصه صغيراً ولا كبيراً ولا من ولاية خراسان ولا غيرها مما ولاه أمير المؤمنين من الأعمال، ولا أعزله عن شيء منها ولا أخلعه ولا أستهدل به غيره، ولا اقدم قبله في العهد والخلافة أحداً من الناس جميعاً، ولا أدخل عليه مكروهاً في نفسه ودمه ولا شعره ولا بشره ولا خاص ولا عام من أموره وولايته ولا أمواله ولا قطائعه ولا عقده، ولا اغير عليه شيئاً بسبب من الأسباب، ولا آخذه ولا أحداً من عماله وكتابه وولاة أمره، ممن صحبه وأقام معه بمحاسبة، ولا اتتبع شيئاً مما جرى على يديه وأيديهم في ولايته خراسان وأعمالها، وغيرها مما ولاة أمير المؤمنين في حياته وصحته، من الجباية والأموال والطرز والبريد والصدقات والعشر والعشور وغير ذلك، ولا آمر بذلك أحداً من الناس، ولا أرخص فيه لغيري ولا احدث فيه نفسي بشيء أمضيه عليه، ولا التمس فيه قطيعته، ولا انقص شيئاً مما جعل له هارون أمير المؤمنين وأعطاه في حياته وخلافته وسلطانه، من جميع ما سميت في كتابي هذا، وآخذ له علي وعلى جميع الناس البيعة، ولا أرخص لأحد من الناس كلهم في جميع ما ولاه، ولا في خلعه ولا في مخالفته، ولا أسمع من أحد من البرية في ذلك قولاً، ولا أرضى بذلك في سر ولا علانية، ولا أغمض عليه ولا أتغافل عليه ولا أقبل من بر من العباد ولا فاجر ولا صادق ولا كاذب ولا ناصح ولا غاش ولا قريب ولا بعيد ولا أحد من ولد آدم عليه السلام من ذكر ولا انثى، مشورة ولا مكيدة ولا حيلة في شيء من الأمور سرها وعلانيتها وحقها وباطلها وباطنها وظاهرها، ولا سبب من الأسباب أراد بذلك إفساد شيء، مما اعطيت عبد الله بن هارون أمير المؤمنين من نفسي، وأوجبت له علي وشرطت وسميت في كتابي هذا، وأراد به أحد من الناس أجمعين سوءاً أو مكروهاً أو أراد خلعه أو محاربته أو الوصول إلى نفسه ودمه أو حرمه أو سلطانه أو ماله أو ولايته جميعاً أو فرادى مسرين أو مظهرين له، ان أنصره واحوطه وادفع عنه كما ادفع عن نفسي ومهجتي ودمي وشعري وبشري وحرمي وسلطاني، واجهز الجنود إليه واعينه على كل من غشه وخالفه، ولا اسلمه ولا أتخلى منه، ويكون أمري وأمره في ذلك واحداً أبداً ما كنت حياً، وان حدث بأمير المؤمنين حدث الموت، وأنا وعبد الله بن أمير المؤمنين بحضرة أمير المؤمنين، أو أحدنا، أو كنا غايبين عنه جميعاً مجتمعين كنا أو متفرقين، وليس عبد الله بن هارون أمير المؤمنين في ولايته بخراسان، فعلي لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين، أن أمضيه إلى خراسان، وأسلم له ولايتها وأعمالها كلها وجنودها ولا اعوقه عنها ولا أحبسه قبلي ولا في شيء من البلدان دون خراسان، واعجل أشخاصه إلى خراسان والياً عليها وعلى جميع أعمالها، منفرداً بها مفوضاً إليه جميع أعمالها كلها، وأشخص معه جميع من ضم إليه أمير المؤمنين من قواده وجنوده وأصحابه وكتابه، وعماله، ومواليه، وخدمه، ومن تبعه من صنوف الناس بأهليهم وأموالهم،  
ولا أحبس عنه أحداً منهم، ولا اشركه معه في شيء منها أحداً، ولا أرسل عليه أميناً، ولا كاتباً ولا بنداراً، ولا أضرب على يديه في قليل ولا كثير، واعطيت هارون أمير المؤمنين وعبد الله بن هارون على ما شرطت لهما على نفسي من جميع ما سميت وكتبت في كتابي هذا، عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي، وذمم المؤمنين، وأشد ما أخذ الله عز وجل على النبيين والمرسلين وخلقه أجمعين من عهوده ومواثيقه، والايمان المؤكدة التي أمر الله عز وجل بالوفاء بها ونهى عن نقضها وتبديلها، فإن أنا نقضت شيئاً مما شرطت لهارون أمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين، وسميت في كتابي هذا، أو حدثت نفسي أن أنقض شيئاً مما أنا عليه، أو غيرت أو بدلت أو حدثت أو غدرت أو قبلت من أحد من الناس، صغيراً أو كبيراً، براً أو فاجراً، ذكراً أو انثى، جماعة أو فرادى، فبرئت من الله سبحانه ومن ولايته ومن دينه، ومن محمد رسول الله )ص(، ولقيت الله عز وجل يوم القيامة كافراً به مشركاً، وكل امرأة هي اليوم لي، أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة، طالق ثلاثاً البتة طلاق الحرج، وعلى المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجة نذراً واجباً لله تعالى في عنقي حافياً راجلاً، لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك، وكل مال هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدياً بالغ الكعبة الحرام، وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحراراً لوجه الله تعالى، وكل ما جعلت لأمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين وكتبته وشرطته لهما، وحلفت عليه وسميت في كتابي هذا لازماً لي الوفاء به لا أضمر غيره، ولا أنوي إلا اياه، فإن أضمرت أو نويت غيره فهذه العهود والمواثيق والايمان كلها لازمة لي واجبة علي، وقواد أمير المؤمنين وجنوده وأهل الآفاق والمصار وعوام المسلمين براء من بيعتي وخلافتي وعهدي وولايتي، وهم في حل من خلعي وإخراجي، ومن ولايتي عليهم حتى أكون سوقة من السوق، وكرجل من عرض المسلمين، لا حق لي عليهم ولا ولاية ولا تبعة لي قبلهم، ولا بيعة لي في أعناقهم، وهم في حل من الأيمان التي أعطوني، براء من تبعتها ووزرها في الدنيا والآخرة. أحبس عنه أحداً منهم، ولا اشركه معه في شيء منها أحداً، ولا أرسل عليه أميناً، ولا كاتباً ولا بنداراً، ولا أضرب على يديه في قليل ولا كثير، واعطيت هارون أمير المؤمنين وعبد الله بن هارون على ما شرطت لهما على نفسي من جميع ما سميت وكتبت في كتابي هذا، عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي، وذمم المؤمنين، وأشد ما أخذ الله عز وجل على النبيين والمرسلين وخلقه أجمعين من عهوده ومواثيقه، والايمان المؤكدة التي أمر الله عز وجل بالوفاء بها ونهى عن نقضها وتبديلها، فإن أنا نقضت شيئاً مما شرطت لهارون أمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين، وسميت في كتابي هذا، أو حدثت نفسي أن أنقض شيئاً مما أنا عليه، أو غيرت أو بدلت أو حدثت أو غدرت أو قبلت من أحد من الناس، صغيراً أو كبيراً، براً أو فاجراً، ذكراً أو انثى، جماعة أو فرادى، فبرئت من الله سبحانه ومن ولايته ومن دينه، ومن محمد رسول الله )ص(، ولقيت الله عز وجل يوم القيامة كافراً به مشركاً، وكل امرأة هي اليوم لي، أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة، طالق ثلاثاً البتة طلاق الحرج، وعلى المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجة نذراً واجباً لله تعالى في عنقي حافياً راجلاً، لا يقبل الله مني إلا الوفاء بذلك، وكل مال هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدياً بالغ الكعبة الحرام، وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحراراً لوجه الله تعالى، وكل ما جعلت لأمير المؤمنين ولعبد الله بن هارون أمير المؤمنين وكتبته وشرطته لهما، وحلفت عليه وسميت في كتابي هذا لازماً لي الوفاء به لا أضمر غيره، ولا أنوي إلا اياه، فإن أضمرت أو نويت غيره فهذه العهود والمواثيق والايمان كلها لازمة لي واجبة علي، وقواد أمير المؤمنين وجنوده وأهل الآفاق والمصار وعوام المسلمين براء من بيعتي وخلافتي وعهدي وولايتي، وهم في حل من خلعي وإخراجي، ومن ولايتي عليهم حتى أكون سوقة من السوق، وكرجل من عرض المسلمين، لا حق لي عليهم ولا ولاية ولا تبعة لي قبلهم، ولا بيعة لي في أعناقهم، وهم في حل من الأيمان التي أعطوني، براء من تبعتها ووزرها في الدنيا والآخرة.
 
شهد سليمان بن أمير المؤمنين المنصور، وعيسى بن جعفر، وجعفر ابن جعفر، وعبد الله بن المهدي، وجعفر بن موسى أمير المؤمنين، وإسحاق ابن موسى أمير المؤمنين، وإسحاق بن عيسى بن علي، وأحمد بن إسماعيل ابن علي، وسليم بن جعفر بن سليمان، وعيسى بن صالح بن علي، وداود ابن عيسى بن موسى، ويحيى بن عيسى بن موسى وداود بن سليمان بن جعفر، وخزيمة بن حازم، وهرثمة بن أعين، ويحيى بن خالد، والفضل بن يحيى، وجعفر بن يحيى والفضل بن الربيع، مولى أمير المؤمنين، والعباس بن الفضل ابن الربيع مولى أمير المؤمنين، وعبد الله بن الربيع مولى أمير المؤمنين، والقاسم ابن الربيع مولى أمير المؤمنين، ودقاقة بن عبد العزيز العبسي، وسليمان بن عبد الله بن الأصم، والربيع بن عبد الله الحارثي، وعبد الرحمن ابن أبي السمراء الغساني ومحمد بن عبد الرحمن قاضي مكة، وعبد الكريم بن شعيب الحجبي وإبراهيم بن عبد الله الحجبي، وعبد الله بن شعيب الحجبي، ومحمد ابن عبد الله بن عثمان الحجبي، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبي، وعبد الواحد بن عبد الله الحجبي، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن نبيه الحجبي، وابان مولى أمير المؤمنين، ومحمد بن منصور، وإسماعيل بن ضبيح، والحارث مولى أمير المؤمنين، وخالد مولى أمير المؤمنين، وكتب في ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة.

نسخة الشرط الذي كتبه عبد الله بن هارون

أمير المؤمنين في بطن الكعبة


بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين، كتبه له عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، في صحة من عقله وجواز من أمره وصدق نية، فيما كتب في كتابه ومعرفة ما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته ولجماعة المسلمين، إن أمير المؤمنين هارون، ولأني العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين في سلطانه، بعد أخي محمد بن هارون أمير المؤمنين، وولاني في حياته وبعده ثغور خراسان وكورها وجميع أعمالها، من الصدقات والعشر والعشور والبريد والطرز وغير ذلك، واشترط لي على محمد بن أمير المؤمنين، الوفاء بما عقد لي به من الخلافة والولاية للعباد والبلاد بعده، وولاني خراسان وجميع أعمالها، ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين أو ابتاع لي من الضياع والعقد والدور والرباع، أو ابتعت منه من ذلك، وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من الأموال والجوهر والكساء والمتاع والدواب، في سبب محاسبه ولا تبيع لي في ذلك ولا لأحد منهم أبداً، ولا يدخل علي ولا على أحد ممن كان معي ومني، ولا عمالي ولا كتابي ومن استعنت به من جميع الناس، مكروهاً في دم ولا نفس ولا شعر ولا بشر ولا مال ولا صغير ولا كبير، فأجابه إلى ذلك وأقر به، وكتب له به كتاباً وكتبه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين هارون وقبله وعرف صدق نيته، فشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين، وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد بن أمير المؤمنين وأطيعه ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشه، وأوفي ببيعته وولايته، ولا أغدر، ولا أنكث، وأنفذ كتبه، وأموره وأحسن موازرته ومكانفته، وأجاهد عدوه في ناحيتي بأحسن جهاد، ما وفى لي بما شرط لي ولعبد الله هارون أمير المؤمنين، وسماه في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين، ورضي به أمير المؤمنين وقبله ولم ينقص شيئاً من ذلك ولا ينقص أمراً من الأمور، التي اشترطها لي عليه هارون أمير المؤمنين، وإن احتاج محمد بن هارون أمير المؤمنين، إلى جند وكتب إلي يأمرني بأشخاصهم إليه، أو إلى ناحية من النواحي أو إلى عدو من أعدائه، خالفه أو أراد نقص شيء من سلطانه وسلطاني الذي أسنده هارون أمير المؤمنين إلينا وولانا، أن أنفذ أمره ولا أخالفه ولا أقصر في شيء، أن كتب به إلي وإن أراد محمد بن أمير المؤمنين، أن يولي رجلاً من ولده العهد والخلافة من بعدي، فذلك له ما وفى لي، بما جعل لي أمير المؤمنين هارون، فاشترط لي عليه وشرطه على نفسه في أمري، وعلى انفاذ ذلك والوفاء له بذلك، ولا انقض ذلك ولا اغيره ولا ابدله ولا اقدم فيه أحداً من ولدي ولا قريباً ولا بعيداً من الناس أجمعين، إلا أن يولي هارون أمير المؤمنين أحداً من ولده العهد من بعدي، فيلزمني ومحمداً الوفاء بذلك، وجعلت لأمير المؤمنين ومحمد بن أمير المؤمنين علي الوفاء بما اشترطت وسميت في كتابي هذا ما وفى له محمد بن أمير المؤمنين، ولمحمد بن أمير المؤمنين هارون بجميع ما اشترط لي هارون أمير المؤمنين عليه في نفسي، وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من جميع الأشياء المسماة في الكتاب الذي كتبه له عبد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم المؤمنين، وأشد ما أخذ الله عز وجل على النبيين والمرسلين وخلقه أجمعين من عهوده ومواثيقه والأيمان المؤكدة التي أمر الله عز وجل بالوفاء بها، فإن نقضت شيئاً مما شرطت وسميت في كتابي هذا له، أو غيرت أو بدلت أو نكثت أو غدرت، فبرئت من الله تعالى ومن ولايته ومن دينه ومن محمد رسوله )ص(، ولقيت الله سبحانه يوم القيامة كافراً مشركاً به، وكل امرأة هي اليوم لي أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة، طالق ثلاثاً البتة طلاق الحرج، وكل مملوك لي اليوم أو املكه إلى ثلاثين سنة، أحرار لوجه الله تعالى، وعلى المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين حجة نذراً واجباً علي وفي عنقي، حافياً راجلاً لا يقبل الله مني إلا الوفاء به، وكل مال هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة هديا بالغ الكعبة، وكل ما جعلت لعبد الله هارون أمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لي، لا أضمر غيره ولا أنوي سواه، شهد تسمية الشهود في ذلك الذين شهدوا على محمد بن أمير المؤمنين.
 
فلم يزل الشرطان معلقان في جوف الكعبة، حتى مات هارون الرشيد أمير المؤمنين وبعد ما مات بسنتين في خلافة محمد بن الرشيد، ثم كلم الفضل بن الربيع محمد بن عبد الله الحجبي أن يأتيه بهما، فنزعهما من الكعبة وذهب بهما إلى بغداد فأخذهما الفضل فخرقهما وأحرقهما بالنار.

نسخة ما كان كتب على صحيفة التاج

بسم الله الرحمن الرحيم

أمر الامام المأمون أمير المؤمنين أكرمه الله بحمل هذا التاج من خراسان، وتعليقه في الموضع الذي علق فيه الشرطان في بيت الله الحرام شكراً لله عز وجل على الظفر بمن غدر وتبجيلاً للكعبة إذا استخف بها من نكث وحال عما أكد على نفسه فيها، ورجا الامام عظيم الثواب من الله عز وجل بسده الثلمة التي اخترمها، المخلوع في الدين فإنه قد كان جرئاً على الغدر والاستخفاف بما أكد في بيت الله عز وجل وحرمه، وتوخى الامام تذكير من تنفعه الذكرى ليزيدهم به يقيناً في دينهم، وتعظيماً لبيت ربهم وتحذيراً لمن استخف وتعدى فإنما علقنا هذا التاج بعد غدر المخلوع واخراجه الشرطين واحراقه إياهما فأخرجه الله من ملكه بالسيف، واحرق محلته بالنار عبرة وعظة وعقوبة بما كسبت يداه، وما الله بظلام للعبيد، وبعد عقد الامام المأمون أكرمه الله بخراسان لذي الرياستين الفضل بن سهل وتوليته اياه المشرق وبلوغ الراية السوداء بلاد كابل ونهر السند وتصيير مهرب بني دومي كابل شاه سريره وتاجه على يدي ذي الرياستين إلى باب الإمام المأمون أمير المؤمنين، واسلام كابل شاه واهل طاعته على يدي الامام بمرو، فأمر الإمام جزاه الله عن الاسلام والمسلمين خيراً لثروه من الأئمة المهديين أن يدفع السرير إلى خزان بيت مال المسلمين بالمشرق، ويعلق التاج في بيت الله الحرام بمكة، وبعث به ذو الرياستين والي الامام على المشرق ومدبر خيوله، وصاحب دعوته بعد ما اجتمع المسلمون على طاعة الامام المأمون أمير المؤمنين أكرمه الله، ووفوا له بوفائه بعهد الله وأطاعوه بتمسكه بطاعة الله عز وجل وكانفوه بعمله بكتاب الله واحيائه سنة رسول الله )ص(، وبرئوا به من المخلوع لغدره ونكثه وتبديله فالحمد لله رب العالمين معز من اطاعه ومذل من عصاه، ورافع من وفى، وواضع من غدر، وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم، كتب الحسن بن سهل صنو ذي الرياستين في سنة تسع وتسعين ومائة.

ذكر الجب الذي كان في الجاهلية في الكعبة

ومال الكعبة الذي يهدى لها وما جاء في ذلك


حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: كان في الكعبة على يمين من دخلها جب عميق حفره إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما السلام حين رفع القواعد، وكان يكون فيه ما يهدى للكعبة من حلي أو ذهب أو فضة أو طيب أو غير ذلك، وكانت الكعبة ليس لها سقف، فسرق منها على عهد جرهم مال مرة بعد مرة، وكانت جرهم ترتضي لذلك رجلاً يكون عليه يحرسه، فبينا رجل ممن ارتضوه عندها إذ سولت له نفسه فانتظر حتى إذا انتصف النهار، وقلصت الظلال، وقامت المجالس، وانقطعت الطرق، ومكة إذ ذاك شديدة الحر، بسط رداءه، ثم نزل في البئر فأخرج ما فيها فجعله في ثوبه، فأرسل الله عز وجل حجراً من البئر فحبسه حتى راح الناس، فوجدوه فأخرجوه، وأعادوا ما وجدوا في ثوبه في البئر، فسميت تلك البير الأخسف، فلما أن خسف بالجرهمي وحبسه الله عز وجل، بعث الله عند ذلك ثعباناً وأسكنه في ذلك الجب في بطن الكعبة أكثر من خمسمائة سنة يحرس ما فيه، فلا يدخله أحد الا رفع رأسه وفتح فاه، فلا يراه أحد الا ذعر منه، وكان ربما يشرف على جدار الكعبة، فأقام كذلك في زمن جرهم وزمن خزاعة وصدراً من عصر قريش، حتى اجتمعت قريش في الجاهلية على هدم البيت وعمارته، فحال بينهم وبين هدمه حتى دعت قريش عند المقام عليه والنبي )ص( معهم وهو يومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي بعد، فجاء عقاب فاختطفه ثم طار به نحو أجياد الصغير؛ قال حدثني جدي: قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن ان عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن لا ادع في الكعبة صفراء ولا بيضاء الا قسمتها؛ فقال له أبي بن كعب: والله ما ذلك لك. فقال عمر: لم ? فقال: إن الله عز وجل قد بين موضع كل شيء وأقره رسول الله )ص(، فقال عمر: صدقت؛ حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن سفيان بن سعيد الثوري عن واصل الأحدب عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: جلست إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام، فقال: جلس إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجلسك هذا، فقال: لقد هممت أن لا أترك فيها صفراء ولا بيضاء الا قسمتها يعني الكعبة قال شيبة: فقلت له: انه قد كان لك صاحبان لم يفعلاه، رسول الله )ص(، وأبو بكر رضي الله عنه؛ فقال عمر: هما المرء ان أقتدي بهما؛ حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن رجل عن الحسين بن علي أن عمر رضي الله عنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: لقد هممت أن اقسم هذا المال يعني مال الكعبة فقال له علي: ان استطعت ذلك. فقال عمر: وما لي لا أستطيع ذلك أولا تعينني على ذلك ? فقال علي: إن استطعت ذلك، فردها عمر ثلاثاً، فقال علي رضي الله عنه: ليس ذلك اليك، فقال عمر: صدقت.
 
وحدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه، قالوا: قال عمر رضي الله عنه: لقد هممت أن لا أترك في الكعبة شيئاً الا قسمته؛ فقال له أبي ابن كعب: والله ما ذلك لك؛ قال: ولم ? قال: قرر الله موضع كل مال وأقره رسول الله )ص(؛ قال: صدقت، وكان ابن عباس يقول: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: ان تركي هذا المال في الكعبة لا آخذه فأقسمه في سبيل الله تعالى وفي سبيل الخير، وعلي بن أبي طالب يسمع ما يقول، فقال: ما تقول يا بن أبي طالب ? احلف بالله لئن شجعتني عليه لأفعلن. قال: فقال له علي: اتجعله فيأ وأحرى صاحبه رجل يأتي في آخر الزمان ضرب أدم طويل، فمضى عمر، قال: وذكروا أن النبي )ص( وجد في الجب الذي كان في الكعبة سبعين ألف أوقية من ذهب مما كان يهدى إلى البيت، وأن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: يا رسول الله لو استعنت بهذا المال على حربك، فلم يحركه، ثم ذكر لأبي بكر فلم يحركه، حدثني محمد بن يحيى قال: حدثني بعض الحجبة في سنة ثمان وثمانين ومائة، أن ذلك المال بعينه في خزانة الكعبة، ثم لا أدري ما حاله بعد، حدثني جدي وغيره من مشيخة أهل مكة وبعض الحجبة: إن الحسين ابن الحسن العلوي عمد إلى خزانة الكعبة في سنة مائتين في الفتنة حين أخذ الطالبيون مكة، فأخذ مما فيها مالاً عظيماً وانتقله إليه؛ وقال: ما تصنع الكعبة بهذا المال موضوعاً لا تنتفع به، نحن أحق به نستعين به على حربنا، حدثني جدي قال: سمعت عبد الله بن زرارة بن مصعب بن شيبة ابن جبير بن شيبة بن عثمان، يقول: حضرت الوفاة فتى منا من أصحابنا من الحجبة بالبوباة من قرن، فاشتد عليه الموت جداً، فمكث أياماً ينزع نزعاً شديداً حتى رأوا منه ما غمهم وأحزنهم من شدة كربه، فقال له أبوه: يا بني لعلك أصبت من هذا الأبرق شيئاً يعني مال الكعبة قال: نعم يا أبت، أربعمائة دينار، فقال أبوه: اللهم، إن هذه الأربعمائة دينار علي في أنضر مالي للكعبة، ثم انحرف إلى أصحابه فقال: اشهدوا أن للكعبة علي أربعمائة دينار في انضر مالي أؤديها إليها، قال: فسري عنه ثم لم يلبث الفتى أن مات، قال أبو الوليد: وسمعت يوسف بن إبراهيم بن محمد العطار يحدث عن عبد الله بن زرارة، أن مال الكعبة كان يدعى الأبرق ولم يخالط مالا قط الا محقه، ولم يرزأ أحد منه قط من أصحابنا الا بان النقص في ماله، وأدنى ما يصيب صاحبه أن يشدد عليه الموت، قال: ولم يزل من مضى من مشيخة الحجبة يحذرونه أبناءهم ويخوفونهم اياه ويوصونهم بالتنزه عنه، ويقولون: لن تزالوا بخير ما دمتم أعفة عنه وإن كان الرجل ليصيب منه الشيء فيضعه عند الناس، حدثني مسافع بن عبد الرحمن الحجبي قال: لما بويع بمكة لمحمد بن جعفر ابن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، في الفتنة في سنة مائتين حين ظهرت المبيضة بمكة أرسل إلى الحجبة فتسلف منهم من مال الكعبة خمسة آلاف دينار، وقال: نستعين بها على أمرنا، فإذا أفاء الله علينا رددناها في مال الكعبة، فدفعوا إليه وكتبوا عليه بذلك كتاباً وأشهدوا فيه شهوداً، فلما خلع نفسه ورفع إلى أمير المؤمنين المأمون، تقدم الحجبة واستعدوا عليه عند أمير المؤمنين، فقضاهم أمير المؤمنين المأمون عن محمد بن جعفر خمسة آلاف دينار وكتب لهم بها إلى إسحاق بن عباس بن عباد بن محمد وهو وال على اليمن، فقبضتها الحجبة وردوها في خزانة الكعبة، حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى قال: حدثنا أيوب بن موسى عن سعيد بن يسار الخزاعي عن ابن عمر، انه كان في دار خالد بن أسيد بمكة، فجاءه رجل فقال: أرسل معي بحلي إلى الكعبة، فقال له: ممن أنت ? قال: من أهل العراق، قال: ما أحمقكم يا أهل العراق أما فيكم مسكين ? أما فيكم يتيم ? أما فيكم فقير? ان كعبة الله لغنية عن الذهب والفضة ولو شاء الله لجعلها ذهباً وفضة. قال ابن يسار: فكان معي حلي بعثت بها إلى الكعبة فقلت له: وأنا مستحي، فقال: وأنت أيضاً، ثم قال لي كما قال للآخر.

ذكر من كسى الكعبة في الجاهلية


حدثنا عم أبي أبو محمد قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن همام بن منبه عن ابن هريرة عن النبي )ص( انه نهى عن سب أسعد الحميري وهو تبع، وكان هو أول من كسى الكعبة، وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد ابن إسحاق قال: بلغني عن غير واحد من أهل العلم ان أول من كسى الكعبة كسوة كاملة تبع وهو أسعد أري في النوم انه يكسوها فكساها الانطاع ثم اري ان يكسوها فكساها الوصايل ثياب حبرة من عصب اليمن وجعل لها باباً يغلق وقال أسعد في ذلك:

وكسونا البيت الذي حرم الل

 

ه ملاء ومعضداً وبـرودا

واقمنا به من الشهر عشراً

 

وجعلنا لبـابـه اقـلـيدا

وخرجنا منه نؤم سـهـيلا

 

قد رفعنا لواءنا معـقـودا

وحدثني محمد بن يحيى قال: حدثني سليم بن مسلم عن ابن جريج انه كان يقول: اول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع كساها العصب وجعل لها باباً يغلق، حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن افلح بن حميد عن أبيه عن النوار بنت مالك بن صرمة أم زيد بن ثابت قالت: رأيت على الكعبة قبل ان الد زيد بن ثابت وأنا به نسء مطارف خز خضراء وصفراء وكراراً واكسية من اكسية الاعراب وشقاق شعر الكرار الخيش الرقيق واحدها كر .
حدثني جدي أحمد بن محمد عن الواقدي عن عبد الحكيم بن عبد الله ابن أبي فروة عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم السلمي قال: نذرت أمي بدنة تنحرها عند البيت وجللتها شقتين من شعر ووبر فنحرت البدنة وسترت الكعبة بالشقتين والنبي )ص( يومئذ بمكة لم يهاجر فانظر إلى البيت يومئذ وعليه كسى شتى من وصايل وانطاع وكرار وخز ونمارق عراقية أي ميسانية كل هذا قد رأيته عليه، وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة انه قال: بلغني ان الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسى شتى كانت البدنة تجلل الحبرة والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن وكان هذا يهدى للكعبة سوى جلال البدن هدايا من كسى شتى خز وحبرة وأنماط فيعلق فتكسى منه الكعبة ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة، فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوب آخر ولا ينزع مما عليها شيء من ذلك وكان يهدى إليها خلوق ومجمر وكانت تطيب بذلك في بطنها ومن خارجها.
وحدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة، فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها، من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان يختلف إلى اليمن يتجر بها فأثرى في المال، فقال لقريش: أنا أكسو وحدي الكعبة سنة وجميع قريش سنة، فكان يفعل ذلك حتى مات يأتي بالحبرة الجيدة من الجند فيكسوها الكعبة فسمته قريش العدل لأنه عدل فعله بفعل قريش كلها فسموه إلى اليوم العدل ويقال لولده بنو العدل.

ذكر كسوة الكعبة في الاسلام

وطيبها وخدمها وأول من فعل ذلك


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى قال: حدثنا أبي عن خالد عن ابن المهاجر ان النبي )ص( خطب الناس يوم عاشوراء فقال النبي )ص(: هذا يوم عاشوراء يوم تنقضي فيه السنة، وتستتر فيه الكعبة، وترفع فيه الأعمال، ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم. وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: كانت الكعبة فيما مضى انما تكسى يوم عاشوراء، إذا ذهب آخر الحاج حتى كانت بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القمص يوم التروية من الديباج، لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا، فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الأزار، حدثني جدي عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع قال: كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم، القباطي والحبرة، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة، وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه قال: كسى البيت في الجاهلية الانطاع ثم كساه النبي )ص( الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج ويقال: أول من كساه الديباج يزيد ابن معاوية ويقال: ابن الزبير، ويقال: عبد الملك بن مروان، وأول من خلق جوف الكعبة ابن الزبير، وأول من دعا على الكعبة عبد الله بن شيبة ويلقب الأعجم فدعا لعبد الملك بن هشام وكان خليفة.
حدثني محمد بن يحيى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن حبيب بن أبي ثابت قال: كسا النبي )ص( الكعبة، وكساها أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم عن موسى بن عبيدة الربذي ان عمر بن الخطاب كسا الكعبة القباطي من بيت المال، قال أبو الوليد: وحدثني جدي قال: حدثني سعيد بن سالم عن ابن أبي نجيح عن أبيه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطي من بيت المال، وكان يكتب فيها إلى مصر تحاك له هناك، ثم عثمان من بعده، فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين كسوة عمر القباطي، وكسوة ديباج، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان للفطر وأجرى لها معاوية وظيفة من الطيب لكل صلاة وكان يبعث بالطيب والمجمر والخلوق في الموسم وفي رجب وأخدمها عبيداً بعث بهم إليها فكانوا يخدمونها ثم اتبعت ذلك الولاة بعده.
وحدثني جدي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني علقمة ابن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي )ص( انها قالت: كسوة البيت على الأمراء.
 
وحدثني جدي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني هشام ابن عروة ان عبد الله بن الزبير كسا الكعبة الديباج، وحدثني محمد بن يحيى عن سليم بن مسلم عن ابن جريج قال: كان معاوية أول من طيب الكعبة بالخلوق والمجمر وأجرى الزيت لقناديل المسجد من بيت المال، وأخبرني محمد ابن يحيى عن الواقدي عن عبد العزيز بن المطلب عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني فلما كان ابن الزبير اتبع أثره فكان يبعث إلى مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة فكانت تكسى يوم عاشوراء، وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر يجلل بدنة بالأنماط فإذا نحرها بعث بالأنماط إلى الحجبة فيجعلونها على الكعبة قبل أن تكسى الكعبة، وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه قالوا: فلما ولي عبد الملك بن مروان كان يبعث كل سنة بالديباج فيمر به على المدينة فينشر يوماً في مسجد رسول الله )ص( على الأساطين ها هنا وها هنا ثم يطوى ويبعث به إلى مكة وكان يبعث بالطيب إليها وبالمجمر وإلى مسجد رسول الله )ص( ثم كان أول من أخدم الكعبة يزيد بن معاوية وهم الذين يسترون البيت، حدثني جدي قال: كانت الكعبة تكسى في كل سنة كسوتين كسوة ديباج، وكسوة قباطي؛ فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق عليها القميص ويدلى ولا يخاط فإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الأزار حتى تذهب الحجاج لئلا يخرقونه فإذا كان العاشوراء علق عليها الأزار فوصل بالقميص فلا تزال هذه الكسوة الديباج عليها حتى يوم سبع وعشرين من شهر رمضان فتكسى القباطي للفطر، فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه ان الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر ويرقع حتى يسمج، فسأل مبارك الطبري مولاه وهو يومئذ على بريد مكة وصوافيها في أي الكسوة الكعبة أحسن ? فقال له: في البياض فأمر بكسوة من ديباج أبيض فعملت فعلقت سنة ست ومايتين وأرسل بها إلى الكعبة فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسا: الديباج الأحمر يوم التروية، وتكسى القباطي يوم هلال رجب، وجعلت كسوة الديباج الأبيض التي أحدثها المأمون يوم سبع وعشرين من شهر رمضان للفطر وهي تكسى إلى اليوم ثلاث كسا، ثم رفع إلى المأمون أيضاً ان أزار الديباج الأبيض الذي كساها يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحجاج قبل أن يخاط عليها أزار الديباج الأحمر الذي يخاط في العاشور فبعث بفضل أزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية أو يوم السابع فيستر به ما تخرق من الأزار الذي كسيته للفطر إلى أن يخاط عليها أزار الديباج الأحمر في العاشور، ثم رفع إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله ان أزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس وتمسحهم بالكعبة فزادها أزارين مع الأزار الأول فاذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض؛ سئل أبو الوليد عن أذال فقال أسبل؛ وقال الشاعر في معنى ذلك :

على ابن أبي العاصي دلاص حصينة

 

أجاد المسدى سردهـا فـاذالـهـا

ثم جعل فوقه في كل شهرين ازار وذلك في سنة أربعين ومايتين لكسوة سنة احدى وأربعين ومايتين ثم نظر الحجبة فإذا الأزار الثاني لا يحتاج إليه فوضع في تابوت الكعبة وكتبوا إلى أمير المؤمنين إن أزاراً واحداً مع ما أذيل من قمصها يجزيها فصار يبعث بأزار واحد فتكساه بعد ثلاثة أشهر ويكون الذيل ثلاثة أشهر، قال أبو الوليد: ثم أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله عز وجل باذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكعبة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين، حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ان عائشة زوج النبي )ص( قالت: أطيب الكعبة أحب إلي من أن أهدي إليها ذهباً وفضة، حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة عن عائشة رضي الله عنها انها قالت: طيبوا البيت فإن ذلك من تطهيره.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة ان عبد الله بن الزبير خلق جوف الكعبة أجمع، حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كان يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر ويجمر الكعبة كل يوم جمعة برطلين من مجمر.

ما جاء في تجريد الكعبة

وأول من جردها

حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن أبيه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت في كل سنة فيقسمها على الحاج فيستظلون بها على السمر بمكة، حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: كانت على الكعبة كسى كثيرة من كسوة اهل الجاهلية من الانطاع والأكسية والكرار والأنماط فكانت ركاماً بعضها فوق بعض فلما كسيت في الاسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء وكانت تكسى في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي يؤتى به من مصر، غير ان عثمان رضي الله عنه كساها سنة بروداً يمانية أمر بعملها عامله على اليمن يعلى بن منبه فكان أول من ظاهر لها كسوتين، فلما كان معاوية كساها الديباج مع القباطي فقال شيبة بن عثمان: لو طرح عنها ما عليها من كسى الجاهلية فخفف عنها حتى لا يكون مما مسه المشركون شيء لنحاسيتهم فكتب في ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام فكتب إليه ان جردها وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة، قال: فرأيت شيبة جردها حتى لم يترك عليها شيئاً مما كان عليها وخلق جدراتها كلها وطيبها ثم كساها تلك الكسوة التي بعث بها معاوية إليها وقسم الثياب التي كانت عليها على اهل مكة وكان ابن عباس حاضراً في المسجد الحرام وهم يجردونها قال: فما رأيته انكر ذلك ولا كرهه.
حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق فخلقها وطيبها، قلت: وما تلك الثياب ? قال: من كل نحو كرار وانطاع وخيراً من ذلك وكان شيبة يكسو منها حتى راى على امرأة حائض من كسوته فدفنها في بيت حتى هلكت يعني الثياب حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن إبراهيم بن يزيد عن ابن أبي مليكة قال: رأيت شيبة بن عثمان جرد الكعبة فرأيت عليها كسوة شتى كراراً وانطاعاً ومسوحاً وخيراً من ذلك حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الحكيم بن عبد الله ابن أبي فروة عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار قال: قدمت مكة معتمراً فجلست إلى ابن عباس في صفة زمزم وشيبة بن عثمان يومئذ يجرد الكعبة قال عطاء بن يسار: فرأيت جدارها ورأيت خلوقها وطيبها ورأيت تلك الثياب التي أخبرني عمر بن الحكم السلمي انه رآها في حديث نذر أمه البدنة قد وضعت بالأرض فرأيت شيبة بن عثمان يومئذ يقسمها أو قسم بعضها فأخذت يومئذ كساء من نسج الأعراب فلم أر ابن عباس أنكر شيئاً مما صنع شيبة بن عثمان، قال عطاء بن يسار: وكانت قبل هذا لا تجرد انما يخفف عنها بعض كسوتها وتترك عليها حتى كان شيبة بن عثمان أول من جردها وكشفها وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أنه قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق من ثياب كان أهل الجاهلية كسوها إياها ثم خلقها وطيبها قلت: وما كانت تلك الثياب ? قال: من كل، كراراً وانطاعاً وخيراً من ذلك وكان شيبة يقسم تلك الثياب فرأى على امرأة حايض ثوباً من كسوة الكعبة فرفعه شيبة فأمسك ما بقي من الكسوة حتى هلكت يعني الثياب .
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين ان شيبة بن عثمان دخل على عائشة فقال: يا أم المؤمنين تجتمع عليها الثياب فتكثر فيعمد إلى بيار فيحفرها ويعمقها فتدفن فيها ثياب الكعبة لكي لا تلبسها الحايض والجنب قالت عائشة: ما أصبت وبئس ما صنعت لا تعد لذلك فإن ثياب الكعبة إذا نزعت عنها لا يضرها من لبسها من حائض أو جنب ولكن بعها واجعل ثمنها في سبيل الله تعالى والمساكين وابن السبيل، وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن موسى بن ضمرة ابن سعيد المازني عن عبد الرحمن بن محمد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال قال: رأيت شيبة بن عثمان يسأل ابن عباس عن ثياب الكعبة ثم ساق مثل حديث عائشة فقال له ابن عباس مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها، وأخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن خالد بن الياس عن الأعرج عن فاطمة الخزاعية قالت: سألت أم سلمة زوج النبي )ص( عن ذلك فقالت: إذا نزعت عنها ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس من حايض أو جنب، قال أبو الوليد: سمعت غير واحد من مشيخة أهل مكة يقول: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين وماية فجرد الكعبة وأمر بالمسجد الحرام فهدم وزاد فيه الزيادة الأولى، وأخبرني عبد الله بن إسحاق الحجبي عن جدته فاطمة بنت عبد الله قالت: حج المهدي فجرد الكعبة وطلا جدرانها من خارج بالغالية والمسك والعنبر قالت: فأخبرني جدك تعني زوجها محمد بن إسماعيل أين إبراهيم الحجبي قال: صعدنا على ظهر الكعبة بقوارير من الغالية فجعلنا نفرغها على جدرات الكعبة من خارج من جوانبها كلها وعبيد الكعبة قد تعلقوا بالبكرات التي تخاط عليها ثياب الكعبة ويطلون بالغالية جدراتها من أسفلها إلى أعلاها؛ قال أبو محمد الخزاعي: أنا رأيتها وقد غير الجدر الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر وقد انفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار اصبع من دبرها ومن وجهها وقد رهم بالجص الأبيض.
 
حدثني جدي قال: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فرفع إليه انه قد اجتمع على الكعبة كسوة كثيرة حتى انها قد أثقلتها ويخاف على جدراتها من ثقل الكسوة فجردها حتى لم يبق عليها من كسوتها شيئاً ثم ضمخها من خارجها وداخلها بالغالية والمسك والعنبر وطلا جدراتها كلها من أسفلها إلى أعلاها من جوانبها كلها ثم أفرغ عليها ثلاث كسى من قباطي وخز وديباج والمهدي قاعد على ظهر المسجد مما يلي دار الندوة ينظر إليها وهي تطلى بالغالية وحين كسيت ثم لم يحرك ولم يخفف عنها من كسوتها الشيء حتى كان سنة المائتين وكثرت الكسوة أيضاً عليها جداً فجردها حسين بن حسن الطالبي في الفتنة وهو يومئذ قد أخذ مكة ليالي دعت المبيضة إلى أنفسها وأخذوا مكة فجردها حتى لم يبق عليها من كسوتها شيئاً، قال جدي: فاستدرت بجوانبها وهي مجردة فرأيت جدات الباب الذي كان ابن الزبير جعله في ظهرها وسده الحجاج بأمر عبد الملك فرأيت جداته وعتبه على حالها وعددت حجارته التي سد بها فوجدتها ثمانية وعشرين حجراً في تسعة مداميك في كل مدماك ثلاثة أحجار إلا المدماك الأعلى فإن فيه أربعة أحجار رأيت الصلة التي بنى الحجاج مما يلي الحجر حين هدم ما زاد ابن الزبير قال: فرأيت تلك الصلة بينة في الجدر وهي كالمتبرية من الجدر الآخر، قال إسحاق: ورأيت جدارتها كلون العنبر الأشهب حين جردت في آخر ذي الحجة من سنة ثلاث وستين ومائتين وأحسبه من تلك الغالية، قال وكان تجريد الحسين بن الحسن إياها أول يوم من المحرم يوم السبت سنة مائتين، ثم كساها حسين بن حسن كسوتين من قز رقيق احداهما صفراء، والاخرى بيضاء مكتوب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأخيار أمر أبو السرايا الأصفر بن الأصفر داعية إلى محمد بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام، قال أبو الوليد: وابتدأت كسوتها من سنة المائتين وعدتها إلى سنة أربع وأربعين ومائتين مائة وسبعون ثوباً، قال محمد الخزاعي: وأنا رأيتها وقد عمر الجدر الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر فانفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار نصف اصبع من وجهها ومن دبرها وقد رهم بالجص الأبيض وقد رأيتها حين جردت في آخر ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومائتين فرأيت جدراتها كلون العنبر الأشهب من تلك الغالية.

ما جاء في دفع النبي المفتاح

إلى عثمان بن طلحة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن شهاب الزهري قال: دفع النبي )ص( مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة فقال: ها يا عثمان غيبوه، قال: فخرج عثمان إلى الهجرة وخلفه شيبة فحجب، وأخبرني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج ان النبي )ص( قال: خذوها يا بني أبي طلحة خذوا ما أعطاكم الله ورسوله تالدة خالدة لا ينعها منكم الا ظالم، وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد في قوله عز وجل "ان اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى اهلها"، قال: نزلت في عثمان ابن طلحة بن أبي طلحة حين قبض النبي )ص( مفتاح الكعبة ودخل به الكعبة يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه لا ينزعها منكم الا ظالم قال وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما خرج رسول الله )ص( من الكعبة خرج وهو يتلو هذه الآية، فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك، وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم عن غالب بن عبيد الله انه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: دفع النبي )ص( مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة يوم الفتح ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يظلمكموها الا كافر، وسمعت غيره يقول الا ظالم، وأخبرني محمد ابن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال أنزل الله تعالى في الكعبة "ان اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى اهلها".
حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن أشياخه قالوا: انصرف رسول الله )ص( يوم الفتح بعد ما طاف على راحلته فجلس ناحية من المسجد والناس حوله ثم أرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة فقال )ص( قل له: ان رسول الله )ص( يأمرك أن تأتيه بمفتاح الكعبة فجاء بلال إلى عثمان فقال: ان رسول الله )ص( يأمرك أن تأتيه بمفتاح الكعبة فقال عثمان: نعم فخرج إلى أمه سلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية ورجع بلال إلى النبي )ص( فأخبره انه قال نعم ثم جلس بلال مع الناس فقال عثمان لأمه: والمفتاح يومئذ عندها يا أمت أعطيني المفتاح فإن رسول الله )ص( أرسل إلي وأمرني أن آتي به إليه فقالت له أمه: أعيذك بالله أن تكون الذي تذهب بمأثرة قومك على يديك فقال: والله لتدفعه أو ليأتينك غيري فيأخذه منك فأدخلته في حجرها وقالت: أي رجل يدخل يده ها هنا ? فبينما هما على ذلك إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الدار وعمر رافع صوته حين رأى ابطاء عثمان يا عثمان اخرج، فقالت أمه: يا بني خذ المفتاح فلئن تأخذه أنت أحب إلي من أن يأخذه تيم وعدي فأخذه عثمان فأتى به النبي )ص( فناوله إياه فلما ناوله اياه فتح الكعبة وأمر رسول الله )ص( بالكعبة فغلقت عليه ومعه أسامة بن زيد، وبلال ابن رباح، وعثمان بن طلحة فمكث فيها ما شاء الله وكان البيت يومئذ على ست أعمدة، قال ابن عمر: فسألت بلالا أين صلى رسول الله )ص( ? قال: جعل عمودين عن يمينه وعموداً عن يساره، وثلاثة وراءه، قالوا: ثم خرج رسول الله )ص( والمفتاح في يده ووقف على الباب خالد بن الوليد يذب الناس عن الباب حتى خرج رسول لله )ص(.
حدثني جدي عن ابن ادريس عن الواقدي قال: حدثني علي بن محمد ابن عبد الله العمري عن عنصور الحجبي عن أمه صفية ابنة شيبة عن برة ابنة أبي تجراة قالت: أنا أنظر إلى رسول الله )ص( حين خرج من البيت فوقف على الباب فأخذ بعضادتي الباب فأشرف على الناس وفي يده المفتاح ثم جعله في كمه )ص(، وحدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن أشياخه قالوا: فلما أشرف رسول الله )ص( وقد لبط بالناس حول الكعبة خطب رسول الله )ص( خطبته وقد كتبناها في غير هذا الموضع من كتابنا بغير هذا الاسناد ثم نزل رسول الله )ص( ومعه المفتاح فتنحى ناحية من المسجد فجلس وكان قد قبض السقاية من العباس، وقبض المفتاح من عثمان بن طلحة فلما جلس بسط العباس بن عبد المطلب يده فقال: بأبي وأمي يا رسول الله اجمع لنا الحجابة والسقاية فقال رسول الله )ص(: اعطيكم ما ترزءون فيه ولا اعطيكم ما ترزءون منه ثم قال )ص(: ادع لي عثمان فقام عثمان بن عفان فقال: ادع لي عثمان، فقام عثمان بن طلحة وكان رسول الله )ص( قال لعثمان بن طلحة يوماً وهو بمكة يدعوه إلى الاسلام ومع عثمان المفتاح فقال )ص(: لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت، فقال عثمان: لقد هلكت قريش يومئذ إذاً وذلت، فقال رسول الله )ص(: بل عزت وعمرت يومئذ يا عثمان قال عثمان: فدعاني رسول الله )ص( بعد أخذه المفتاح فذكرت قوله )ص( وما كان قال لي فأقبلت فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم الا ظالم، يا عثمان إن الله سبحانه وتعالى استأمنكم على بيته فخذوها بأمانة الله عز وجل، قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال )ص( ألم يكن الذي قلت لك ? قال: فذكرت قوله بمكة فقلت: بلى أشهد انك رسول الله فأعطاه المفتاح والنبي )ص( مضطبع عليه بثوبه وقال عليه السلام: غيبوه.

الصلاة في الكعبة

وأين صلى النبي صلى الله عليه وسلم منها


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: أقبل رسول الله )ص( عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ثم دعا بعثمان ابن طلحة فقال: ائتني بالمفتاح فذهب عثمان إلى أمه فأبت أن تعطيه إياه فقال: والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي أو ظهري، قال: فأعطته اياه، فجاء به إلى النبي )ص( فدفعه إليه ففتح الباب فدخله رسول الله )ص(، وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة فاجافوا عليهم الباب ملياً ثم فتح الباب وكنت فتى قوياً فبدرت فزحمت الناس فكنت أول من دخل الكعبة فرأيت بلالاً عند الباب فقلت له: أي بلال أين صلى رسول الله )ص( ? قال: بين العمودين المقدمين وكانت الكعبة على ستة أعمدة قال ابن عمر: فنسيت أسأله كم صلى )ص(.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه حين تدخل قريباً من ثلاثة أذرع فصلى وهو يتوخى المكان الذي أخبره بلال ان النبي )ص( صلى فيه وليس على أحد بأس أن يصلي في أي جوانب البيت شاء.
وحدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن البصري وطاووس ان النبي )ص( دخل يوم الفتح البيت فصلى فيه ركعتين ثم خرج وقد لبط بالناس حول الكعبة.
 
وحدثني جدي عن مسلم بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي )ص( صلى في الكعبة بين العمودين، وحدثني جدي ويوسف بن محمد ابن إبراهيم العطال يزيد أحدهما على صاحبه في اللفظ والمعنى واحد قالا حدثنا عبد الله بن زرارة بن مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان عن أبيه عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن أخيه شيبة بن جبير بن شيبة ابن عثمان قال: حج معاوية ابن أبي سفيان وهو خليفة فاشترى دار الندوة من أبي الرهين العبدري بمائة ألف درهم فجاء شيبة بن عثمان فقال له: إن لي فيها حقاً وقد أخذتها بالشفعة، فقال له معاوية: فاحضر المال قال: أروح به إليك العشية وكان ذلك بعد ما صدر الناس عن الحج وقد كان معاوية تهيأ للخروج إلى الشام فصلى معاوية بالناس العصر ثم دخل الطواف فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم انصرف فدخل دار الندوة فقام إليه شيبة حين أراد أن يدخل الدار فقال: يا أمير المؤمنين قد أحضرت المال قال: فاثبت حتى يأتيك رأي فاجيف الباب، وارخى الستر، وركب معاوية من الدار دؤابة وخرج من الباب الآخر ومضى معاوية إلى المدينة، فلم يزل شيبة جالس بالباب حتى جاء المؤذن فسلم وأذنه بصلاة المغرب فخرج والي مكة عبد الله بن خالد ابن أسيد فقام إليه شيبة فقال: أين أمير المؤمنين ? قال: قد راح إلى الشام، قال شيبة: والله لا أكلمه أبداً فلما حج معاوية حجته الثانية بعث إلى شيبة أن يفتح له الكعبة حتى يدخلها ويصلي فيها، قال شيبة بن جبير بن شيبة: فأرسلني جدي بالمفتاح وأنا غلام حدث وأبى شيبة بن عثمان أن يفتح له الباب ولم يأته ولم يسلم عليه قال شيبة بن جبير: فلما رآني معاوية استصغرني وقال: من أنت يا حبيب قال: قلت أنا شيبة بن جبير قال: لا بأس يا بن أخي غضب أبو عثمان، شيبة مكان شيبة ففتحت له الكعبة فلما دخل اجفت عليه الباب ولم يدخل معه الكعبة الا حاجبه أبو يوسف الحميري فبينا معاوية يدعو في البيت ويصلي إذا بحلقة باب الكعبة تحرك تحريكاً ضعيفاً فقال لي: يا شيبة أنظر هذا عثمان بن محمد بن أبي سفيان فإن كان اياه فادخله ففتحت الباب فإذا هو هو فأدخلته ثم حركت الحلقة تحريكاً هو أشد من الأول فقال: انظر هذا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان فإن كان اياه فادخله ففتحت فإذا هو هو فأدخلته ثم قال: لأبي يوسف الحميري انظر عبد الله بن عمر فإني رأيته آنفاً خلف المقام حتى اسأله أين صلى النبي )ص( من الكعبة ? فقام أبو يوسف الحميري فجاء بعبد الله بن عمر فقال له معاوية: يابا عبد الرحمن أين صلى رسول الله )ص( عام دخلها ? قال: بين العمودين المقدمين اجعل بينك وبين الجدر ذراعين أو ثلاثاً فبينا نحن كذلك إذ رج الباب رجاً شديداً وحركت الحلقة تحريكاً أشد من الأولى فقال معاوية: انظر هذا عبد الله بن الزبير فإن كان اياه فادخله فنظرت فإذا هو هو فادخلته فأقبل على معاوية وهو مغضب فقال: أيها يابن أبي سفيان ترسل إلى عبد الله بن عمر تسأله عن شيء أنا أعلم به منك ومنه حسداً لي ونفاسة علي، فقال له معاوية: على رسلك يابا بكر فانما نرضاك لبعض دنيانا فصلى معه وخرج وخرجت معه فدخل زمزم فنزع منها دلواً فشرب منه وصب باقيه على رأسه وثيابه ثم خرج فمر بعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلف المقام في حلقة فنظر إليه محدقاً فقال له عبد الرحمن: ما نظرك إلي ? فوالله لأبي خير من أبيك ولأمي خير من أمك ولأنا خير منك فلم يجبه بشيء ومضى حتى دخل دار الندوة، فلما جلس في مجلسه قال عجلوا علي بعبد الرحمن بن أبي بكر فقد رأيته خلف المقام قال: فادخل عليه فقال: مرحباً يا بن الشيخ الصالح قد علمت ان الذي خرج منك آنفاً لجفائنا بك وذلك لنأي دارنا عن دارك فارفع حوائجك فقال: علي من الدين كذا، واحتاج إلى كذا، واجر إلي كذا، واقطعني كذا، فقال معاوية: قد قضيت جميع حوائجك قال: وصلتك حم يا أمير المؤمنين ان كنت لأبرنا بنا وأوصلنا لنا، حدثني أحمد بن ميسرة المكي قال حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواد عن أبيه قال: حدثني نافع ان ابن عمر أخبره ان النبي )ص( دخل الكعبة فجاء مسرعاً لينظر كيف يصنع النبي )ص( قال: فجاء وعلى الباب زحام شديد فزاحم الناس حتى دخل فقال: وكان يومئذ شاباً قوياً فلما دخل لقي النبي )ص( خارجاً قال: فسأل بلالاً وكان خلف النبي )ص(: أين صلى رسول  
الله )ص( ? فأشار له بلال إلى السارية الثانية عند الباب قال: صلى رسول الله )ص( عن يمينها تقدم عنها شيئاً، حدثني أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه قال: بلغني ان الفضل بن العباس رضوان الله عليهما دخل مع النبي )ص( يومئذ فقال: لم أره صلى فيها، فقال أبي: وذلك فيما بلغني إن النبي )ص( استعانه لحاجة فجاء وقد صلى ولم يره، قال عبد المجيد: قال أبي: وذلك انه بعثه فجاء بذنوب من ماء زمزم ليطمس به الصور التي في الكعبة فصلى خلافه فلذلك لم يره صلى.الله )ص( ? فأشار له بلال إلى السارية الثانية عند الباب قال: صلى رسول الله )ص( عن يمينها تقدم عنها شيئاً، حدثني أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه قال: بلغني ان الفضل بن العباس رضوان الله عليهما دخل مع النبي )ص( يومئذ فقال: لم أره صلى فيها، فقال أبي: وذلك فيما بلغني إن النبي )ص( استعانه لحاجة فجاء وقد صلى ولم يره، قال عبد المجيد: قال أبي: وذلك انه بعثه فجاء بذنوب من ماء زمزم ليطمس به الصور التي في الكعبة فصلى خلافه فلذلك لم يره صلى.
وحدثني جدي ومحمد بن يحيى ومحمد بن سلمة عن مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله )ص( دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فأغلقها عليه فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر: سألت بلالا ماذا صنع رسول الله )ص( ? قال: جعل عموداً عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة من ورائه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى، وحدثني جدي عن مسلم بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه رأى علي بن حسين يصلي في الكعبة، وحدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي قال: رأيت صدقة ابن يسار يدخل البيت كلما فتح فقلت له: ما أكثر دخولك البيت يا با عبد الله ! قال: والله اني لأجد في نفسي ان أراه مفتوحاً ثم لأصلي فيه، حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن موسى بن عقبة قال: طفت مع سالم بن عبد الله بن عمر خمسة أسبع كلما طفنا سبعاً دخلنا الكعبة فصلينا فيها ركعتين.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن ابن جريج عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قدم مكة حاجاً أو معتمراً فوجد البيت مفتوحاً لم يبدأ بشيء أول من أن يدخله.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن الصلاة في الكعبة فقال: صلى الله عليه وآله وسلم فيها فإن رسول الله )ص( صلى فيها وستأتي آخر فينهاك فلا تطعه يعني ابن عباس فأتيت ابن عباس فسألته فقال: ايتم به كله ولا تجعلن شيئاً منه خلفك وستأتي آخر فيأمرك به فلا تطعه يعني ابن عمر ، حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: ليس من أمر حجك دخولك البيت قال: وحدثني جدي قال: سمعت سفيان يقول: سمعت غير واحد من أهل العلم يذكرون أن رسول الله )ص( انما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها، قال: وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال أوصاني عبد الكريم بن أبي المخارق أن لا أخرج من منزلي يوم الجمعة حتى أصلي ركعتين ولا أدخل الكعبة حتى أغتسل، وحدثني جدي قال حدثنا سالم ابن سالم البلخي قال: حدثنا ابن جريج أن عطاء جاء يوماً وقد فاتته الظهر مع الامام فدخل الكعبة وصلى في جوفها.

ما جاء في رقي بلال الكعبة

وأذانه عليها يوم الفتح

 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي عن ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على ظهر الكعبة فقال بعض الناس: يا عباد الله لهذا العبد الأسود أن يؤذن على ظهر الكعبة فقال بعضهم أن يسخط الله عليه هذا الأمر يغيره فأنزل الله عز وجل "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى" الآية وأخبرني جدي عن محمد بن ادريس الشافعي عن الواقدي عن أشياخه قالوا جاءت الظهر يوم الفتح فأمر رسول الله )ص( بلالاً أن يؤذن بالظهر فوق ظهر الكعبة وقريش فوق رؤوس الجبال وقد فر وجوههم وتغيبوا خوفاً أن يقتلوا فمنهم من يطلب الأمان، ومنهم من قد اومن فلما أذن بلال رفع صوته كأشد ما يكون قال: فلما قال أشهد أن محمداً رسول الله تقول جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي ووالله ما نحب من قتل الأحبة أبداً ولقد جاء إلى أبي الذي كان جاء إلى محمد من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه، وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يسمع بهذا اليوم، وكان أسيد مات قبل الفتح بيوم، وقال الحارث بن هشام: واثكلاه ليتني مت قبل أن أسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة، وقال الحكم بن أبي العاص: هذا والله الحدث الجليل أن يصبح عبد بني جمح ينهق على بنية أبي طلحة، وقال سهيل بن عمرو: إن كان هذا سخطاً لله فسيغيره الله، وقال أبو سفيان بن حرب: أما أنا فلا أقول شيئاً لو قلت شيئاً لأخبرته هذه الحصاة، فأتى جبريل عليه السلام رسول الله )ص( فأخبره خبرهم فأقبل حتى وقف عليهم فقال: أما أنت يا فلان فقلت: كذا، وأما أنت يا فلان فقلت: كذا، وأما أنت يا فلان فقلت: كذا، فقال أبو سفيان: أما أنا يا رسول الله فما قلت شيئاً فضحك رسول الله )ص(، قال أبو الوليد: وكان بلال لأيتام من بني السباق ابن عبد الدار أوصى به أبوهم إلى أمية بن خلف الجمحي وأمية الذي كان يعذبه وكان اسم أخيه كحيل بن رباح.

باب ما جاء في الحبشي الذي يهدم الكعبة

وما جاء فيمن أرادها بسوء وغير ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص السعيدي عن جده عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أنه قال: اخرجوا يا اهل مكة قبل احدى الصيلمين؛ قيل: وما الصيلمان ? قال: ريح سوداء تحشر الذرة والجعل، قيل: فما الاخرى ? قال: تجيش البحر بمن فيه من السودان ثم يسيلون سيل النمل حتى ينتهوا إلى الكعبة فيخربونها والذي نفس عبد الله بيده لانظر إلى صفته في كتاب الله أفيحج أصيلع قائماً يهدمها بمسحاته، قيل له: فأي المنازل يومئذ أمثل ? قال: الشعف يعني رؤوس الجبال .
وحدثني جدي عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله )ص( يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه كان يقول: كأني به أصيلع أفيدع قائماً عليها يهدمها بمسحاته، قال مجاهد: فلما هدم ابن الزبير الكعبة جئت انظر هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو فلم أرها.
وحدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية عن علي بن أبي طالب أنه قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني أنظر إليه حبشياً أصيلع أصيمع قائماً عليها يهدمها بمسحاته.
حدثني جدي قال حدثنا ابن عيينة عن أمية بن صفوان بن عبد الله ابن صفوان عن جده عبد الله بن صفوان عن حفصة انها قالت سمعت رسول الله )ص( يقول: ليؤمن هذا البيت حبش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم فخسف بهم فلا يبقى الا الشريد الذي يخبر عنهم، فقال رجل لجدي: أشهد ما كذبت على حفصة ولا كذبت حفصة على رسول الله )ص(، قال أمية: فلما جاء جيش الحجاج لم نشك انهم هم حبش.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: حدثنا سعيد بن سلمة عن موسى بن جبير ابن شيبة عن أبي أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي )ص( انه قال: اتركوا الحبشة ما تركتكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة الا ذو السويقتين من الحبشة، وحدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن موسى بن أبي عيسى المديني قال لما كان تبع بالدف من جمدان دفت بهم دوابهم وأظلمت عليهم الأرض فدعا الأحبار فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بشيء ? قال: أردت أن أهدمه، قالوا: فانو له خيراً أن تكسوه، وتنحر عنده ففعل فانجلت عنهم الظلمة قال: وانما سمي الدف من أجل ذلك.
وحدثني جدي قال حدثنا: سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني رجل عن سعيد بن إسماعيل انه سمع أبا هريرة يحدث أبا قتادة ان رسول الله )ص( قال: يبايع للرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت الا أهله فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب وتأتي الحبش فيخربونه خراباً لا يعمر بعده أبداً وهم الذين يستخرجون كنزه.

ما يقال عند النظر إلى الكعبة

حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم عن طريف عن حميد بن يعقوب عن ابن المسيب قال: سمعت من عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمة ما بقي أحد ممن سمعها منه غيري سمعته يقول حين رأى البيت: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا رأى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس رضي الله عنه يحدث عن النبي )ص( أنه قال: ترفع الأيدي في سبع مواطن، في بدء الصلاة، وإذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة وبجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميت. وحدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: حدثت عن مكحول أنه قال: كان النبي )ص( إذا رأى البيت رفع يديه فقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً، ثم يقول الذي حدثني هذا الحديث وذلك حين دخل النبي )ص( مكة ابن جريج هو القائل.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني غالب ابن عبد الله عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا نظر إلى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام.

ما جاء في أسماء الكعبة

ولم سميت الكعبة ولأن لا يبنى بيت يشرف عليها

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: انما سميت الكعبة لأنها مكعبة على خلقة الكعب قال: وكان الناس يبنون بيوتهم مدورة تعظيماً للكعبة فأول من بنى بيتاً مربعاً حميد ابن زهير فقالت قريش: ربع حميد بن زهير بيتاً، أما حياة وأما موتاً.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري عن إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن أبي المهاجر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: انما سميت بكة لأنه يجتمع فيها الرجال والنساء، وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري عن أبي عوانة عن مغيرة عن إبراهيم قال: بكة موضع البيت، ومكة القرية، وحدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم عن ابن جريج انه كان يقول: انما سميت بكة لتباك الناس بأقدامهم قدام الكعبة ويقال: انما سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة، حدثني جدي عن ابن عيينة عن ابن شيبة الحجبي عن شيبة بن عثمان انه كان يشرف فلا يرى بيتاً مشرفاً على الكعبة الا أمر بهدمه.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال: انما سمي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة، قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب الزهري انه بلغه انما سمي البيت العتيق من أجل ان الله عز وجل أعتقه من الجبابرة، قال عثمان: وقال مجاهد والسدي: انما سمي البيت العتيق الكعبة أعتقها الله من الجبابرة فلا يتجبروا فيها إذا طافوا وكان البيت يدعى قادساً ويدعى ناذراً ويدعى القرية القديمة ويدعى البيت العتيق، قال عثمان: وأخبرني النضر بن عربي عن مجاهد قال: البيت العتيق أعتقه الله عز وجل من كل جبار فلا يستطيع جبار يدعي انه له، ولا يقال بيت فلان ولا ينسب إلا إلى الله عز وجل، حدثنا جدي عن داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن مجاهد قال: من أسماء مكة هي مكة وهي بكة وهي أم رحم وهي أم قرى وهي صلاح وهي كوثى وهي الباسة وأول من تقدم في صلاح فاسمع أهلها وأول من اذن بمكة حبيب بن عبد الرحمن، وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت، ومكة هي الحرم كله، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السائب الكلبي في قوله الله عز وجل: ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً قال: وهي الكعبة، قال عثمان: وأخبرني يحيى ابن أبي أنيسة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: سمعته يقول: بكة البيت وما حواليه مكة وانما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً في الطواف. وقال غيره: ان أول بيت وضع للناس أول مسجد بني للناس المؤمنين الذي ببكة، وبكة ما بين الجبلين تبك الرجال والنساء لا يضر أحد كيف صلى ان مر أحد بين يديه، ومكة الحرم كله والبيت قبلة اهل المسجد، والمسجد قبلة اهل مكة، والحرم قبلة الناس كلهم مبارك، فيه المغفرة، وتضعيف الأجر في الطواف والصلاة تعدل مائة صلاة وهدى للعالمين قبلة لهم، وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن ابان عن زيد بن أسلم قال: بكة الكعبة والمسجد مبارك للناس، ومكة ذو طوى وهو بطن مكة الذي ذكره الله عز وجل في سورة الفتح.
وحدثني جدي عن ابن أبي يحيى قال: بلغني أن اسماء مكة: مكة وبكة وأم رحم وأم القرى والباسة والبيت العتيق والحاطمة تحطم من استخف بها والباسة تبسهم بساً أي تخرجهم اخراجاً إذا غشموا وظلموا.
وحدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن خيثم عن يوسف بن ماهك قال: كنت جالساً مع عبد الله بن عمرو بن العاص في ناحية المسجد الحرام إذ نظر إلى بيت مشرف على أبي قبيس فقال: أبيت ذلك ? فقلت: نعم فقال: إذا رأيت بيوتها يعني بذلك مكة قد علت أخشبيها وفجرت بطونها أنهاراً، فقد أزف الأمر، قال أبو الوليد: قال جدي: لما بنى العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس داره التي بمكة على الصيارفة حيال المسجد الحرام أمر قوامه أن لا يرفعوها فيشرفوا بها على الكعبة، وأن يجعلوا أعلاها دون الكعبة فتكون دونها اعظاماً للكعبة أن تشرف عليها، قال جدي: فلم تبق بمكة دار لسلطان ولا غيره حول المسجد الحرام تشرف على الكعبة الا هدمت أو خربت الا هذه الدار فإنها على حالها إلى اليوم.

ما جاء في قول الله عز وجل

وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً

حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن محمد ابن السائب الكلبي قال: أما مثابة للناس فإن الناس لا يقضون منه وطراً يثوبون إليه كل عام، وأما أمناً فإن الله عز وجل جعله أمناً من دخله كان آمناً ومن أحدث حدثاً في بلد غيره ثم لجا إليه فهو آمن إذا دخله ولكن اهل مكة لا ينبغي لهم أن يكنوه، ولا يكسوه، ولا يؤوه، ولا يبايعوه ولا يطعموه، ولا يسقوه فإذا خرج أقيم عليه الحد، ومن أحدث فيه حدثاً أخذ بحدثه.

ما جاء في قول الله سبحانه جعل الله

الكعبة البيت الحرام قياماً للناس


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال: ترك النبي )ص( القلائد حين جاء الاسلام، قال عثمان: وأخبرني النضر بن عربي عن عكرمة قال: قياماً للناس نظاماً لهم والشهر الحرام والهدي والقلائد قال: كان ذلك في الجاهلية قياماً من أحل من ذلك شيئاً عجلت له العقوبة على احلاله، قال عثمان: أخبرني محمد بن السائب الكلبي قال: قياماً للناس أمناً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد، كل هذا كان أمناً للناس في جاهليتهم ومن بعد ما أسلموا، قال عثمان: قال الضحاك: قياماً للناس قياماً لدينهم ومعالم حجهم، قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة قال: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس وما ذكر من الشهر الحرام والهدي والقلائد حياة لهم في دينهم ومعايشهم لا يستحلوا ذلك وأن يأمنوا في ذلك، قال عثمان: وقال السدي: قياماً للناس هو قيام لدينهم وحجهم والشهر الحرام قياماً للهدي والقلائد لا يستحلون فيه.

ما جاء في تطهير إبراهيم وإسماعيل البيت

للطائفين والقائمين والركع السجود وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج قال: قال عطاء: عن عبيد بن عمير الليثي قال: طهرا بيتي من الآفات والريب قال ابن جريج: الآفات الشرور والريب، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السائب الكلبي ان الله عهد إلى إبراهيم عليه السلام إذ بنى البيت ان طهره من الأوثان فلا ينصب حوله وثن وأما الطائفون فمن اعتز به من بلد غيره وأما العاكفون والقائمون فاهل البلد والركع السجود فاهل الصلاة، قال السدي: طهرا بيتي يعني امنا بيتي، قال عثمان: أخبرني ابن إسحاق إن الله عز وجل لما أمر إبراهيم بعمارة البيت الحرام ورفع قواعده وتطهيره للطائفين والعاكفين عنده والركع السجود وهو يومئذ بالبيت المقدس من ايليا وإسحاق فيما يذكرون يومئذ وصيف خرج إبراهيم حتى قدم مكة وإسماعيل قد نكح النساء.
وحدثني جدي عن ابن عيينة عن سفيان بن سعيد الثوري عن جابر الجعفي عن مجاهد وعطاء في قوله تعالى: سواء العاكف وفيه والباد قال: العاكف فيه اهل مكة، والبادي الغرباء سواء هم في حرمته.

ما جاء في أول من استصبح حول الكعبة

وفي المسجد الحرام بمكة وليلة هلال المحرم


حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا إسحاق بن نافع يقال له الجارف وليس هو الخزاعي الذي حدث عنه أبو الوليد عن ابن بزيع ابن شموءل قال: سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول: بلغنا إن أول من استصبح لأهل الطواف في المسجد الحرام عقبة بن الأزرق بن عمرو وكانت داره لاصقة بالمسجد الحرام من ناحية وجه الكعبة والمسجد يومئذ ضيق ليس بين جدر المسجد وبين المقام إلا شيء يسير فكان يضع على حرف داره، وجدر داره وجدر المسجد واحد، مصباحاً كبيراً يستصبح فيه فيضيء له وجه الكعبة والمقام وأعلى المسجد، قال: وأول من أجرى للمسجد زيتاً وقناديل معاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليه، حدثني جدي قال: وحدثني عبد الرحمن بن أبي الحسن بن القاسم بن عقبة بن الأزرق عن أبيه قال: أول من استصبح لأهل الطواف وأهل المسجد الحرام جدي عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني كان يضع على حرف داره مصباحاً عظيماً فيضيء لأهل الطواف وأهل المسجد وكانت داره لاصقة بالمسجد والمسجد يومئذ ضيق انما جدراته جدرات دور الناس قال: فلم يزل يضع ذلك المصباح على حرف داره حتى كان خالد بن عبد الله القسري فوضع مصباح زمزم مقابل الركن الأسود في خلافة عبد الملك بن مروان فمنعنا أن نضع ذلك المصباح فرفعناه، قال: فدخلت دارنا تلك في المسجد حين وسع، دخل بعضها حين وسع ابن الزبير والمسجد ودخلت بقيتها في توسيع المهدي الأول، حدثني جدي قال حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبيد بن عمير قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: كان عمر بن عبد العزيز يأمر الناس ليلة هلال المحرم يوقدون النار في فجاج مكة ويضعون المصابيح للمعتمرين مخافة السرق، قال أبو الوليد: فلم يزل مصباح زمزم على عمود طويل مقابل الركن الأسود الذي وضعه خالد بن عبد الله القسري فلما كان محمد بن سليمان على مكة في خلافة المأمون في سنة ست عشرة ومائتين وضع عموداً طويلاً مقابله بحذاء الركن الغربي فلما ولي مكة محمد ابن داود جعل عمودين طويلين أحدهما بحذاء الركن اليماني والآخر بحذاء الركن الشامي فلما ولي هارون الواثق بالله أمر بعمد من شبه طوال عشرة فجعلت حول الطواف يستصبح عليها لأهل الطواف وأمر بثمان ثريات كبار يستصبح فيها وتعلق في المسجد الحرام في كل وجه اثنتان.
وحدثني جدي قال: أول من استصبح بين الصفا والمروة خالد بن عبد الله القسري في خلافة سليمان بن عبد الملك في الحج وفي رجب، قال أبو الوليد: قال جدي: أول من أثقب النفاطات بين الصفا والمروة في ليالي الحج وبين المأزمين مأزمي عرفة أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله الطاهر بن عبد الله بن طاهر سنة حج في سنة تسع عشرة ومائتين فجرى ذلك إلى اليوم، قال الخزاعي: أخبرني أبو عمران موسى بن منويه قال: أخبرني الثقة أن هذه العمد الصفر كانت في قصر بابك الخرمي بناحية أرمينية كانت في صحن داره يستصبح فيها فلما خذله الله وقتل بابك وأتى برأسه إلى سامرا وطيف به في البلدان وكان قد قتل خلقاً عظيماً من المسلمين وأراح الله منه، هدمت داره وأخذت هذه الأعمدة التي حول البيت الحرام في الصف الأول، ومنها في دار الخلافة أربعة أعمدة وبعث بهذه الأعمدة المعتصم بالله أمير المؤمنين في سنة مائتين ونيف وثلاثين فهذا خبر الأعمدة الصفر التي حول الكعبة وهي عشرة أساطين وكانت أربع عشرة اسطوانة فأربع في دار الخلافة بسامرا.

ذكر ما كان عليه ذرع الكعبة

حتى صار إلى ما هو عليه اليوم من خارج وداخل


قال أبو الوليد: كان إبراهيم خليل الرحمن بنى الكعبة البيت الحرام فجعل طولها في السماء تسعة أذرع وطولها في الأرض ثلاثين ذراعاً وعرضها في الأرض اثنين وعشرين ذراعاً وكان غير مسقف في عهد إبراهيم ثم بنتها قريش في الجاهلية والنبي )ص( يومئذ غلام فزادت في طولها في السماء تسعة أذرع اخرى فكانت في السماء ثمانية عشر ذراعاً وسقفوها ونقصوا من طولها في الأرض ستة أذرع وشبراً فتركوها في الحجر واستقصرت دون قواعد إبراهيم وجعلوا ربضاً في بطن الكعبة وبنوا عليه حين قصرت بهم النفقة وحجروا الحجر على بقية البيت لأن يطوف الطائف من ورائه فلم يزل على ذلك حتى كان زمن عبد الله بن الزبير فهدم الكعبة وردها إلى قواعد إبراهيم وزاد في طولها في السماء تسعة أذرع اخرى على بناء قريش فصارت في السماء سبعة وعشرين ذراعاً، وأوطأ بابها بالأرض وفتح في ظهرها باباً آخر مقابل هذا الباب، وكانت على ذلك حتى قتل ابن الزبير وظهر الحجاج وأخذ مكة، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يأمره أن يهدم ما كان ابن الزبير زاد من الحجر في الكعبة ففعل وردها إلى قواعد قريش التي استقصرت في بطن البيت وكبسها بما فضل من حجارتها وسد بابها الذي في ظهرها ورفع بابها هذا الذي في وجهها والذي هي عليه اليوم من الذرع.

باب ذرع البيت من خارج

طولها في السماء سبعة وعشرون ذراعاً، وذرع طول وجه الكعبة من الركن الأسود إلى الركن الشامي خمسة وعشرون ذراعاً، وذرع دبرها من الركن اليماني إلى الركن الغربي خمسة وعشرون ذراعاً، وذرع شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرون ذراعاً، وذرع شقها الذي فيه الحجر من الركن الشامي إلى الركن الغربي أحد وعشرون ذراعاً، وذرع جميع الكعبة مكسراً أربعمائة ذراعاً وثمانية عشر ذراعاً، وذرع نفذ جدار الكعبة ذراعان، والذراع أربعة وعشرون اصبعاً، والكعبة لها سقفان أحدهما فوق الآخر.

ذرع الكعبة من داخلها


قال أبو الوليد: ذرع طول الكعبة في السماء من داخلها إلى السقف الأسفل مما يلي باب الكعبة ثمانية عشر ذراعاً ونصف وطول الكعبة في السماء إلى السقف الأعلى عشرون ذراعاً، وفي سقف الكعبة أربع روازن نافذة من السقف الأعلى إلى السقف الأسفل للضوء، وعلى الروازن رخام كان ابن الزبير أتى به من اليمن من صنعاء يقال له البلق، وبين السقفين فرجة، وذرع التحجير الذي فوق ظهر سطح الكعبة ذراعان ونصف وذرع عرض جدر التحجير كما يدور ذراع، وفي التحجير ملبن مربع من ساج في جدرات سطح الكعبة كما يدور، وفيه حلق حديد تشد فيها ثياب الكعبة، وكانت أرض سطح الكعبة بالفسيفساء ثم كانت تكف عليهم إذا جاء المطر فقلعته الحجبة بعد سنة المائتين وشيدوه بالمرمر المطبوخ والجص، شيد به تشييداً، وميزاب الكعبة في وسط الجدر الذي يلي الحجر بين الركن الشامي والركن الغربي يسكب في بطن الحجر، وذرع طول الميزاب أربعة أذرع، وسعته ثمانية أصابع في ارتفاع مثلها، والميزاب ملبس صفايح ذهب داخله وخارجه، وكان الذي جعل عليه الذهب الوليد ابن عبد الملك، وذرع مسيل الماء في الجدر ذراع وسبعة عشر اصبعاً، وذرع داخل الكعبة من وجهها من الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى الركن الشامي وفيه باب الكعبة تسعة عشر ذراعاً وعشر أصابع، وذرع ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي وهو الشق الذي يلي الحجر خمسة عشر ذراعاً وثمانية عشر اصبعاً، وذرع ما بين الركن الغربي إلى الركن اليماني وهو ظهر الكعبة عشرون ذراعاً وستة أصابع، وذرع ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود ستة عشر ذراعاً وستة أصابع، وفي الكعبة ثلاثة كراسي من ساج طول كل كرسي في السماء ذراع ونصف وعرض كل كرسي منها ذراع وثمانية أصابع في مثلها، والكراسي ملبسة ذهب وفوق الذهب ديباج وتحت الكراسي رخام أحمر بقدر سعة الكراسي وطول الرخام في السماء سبعة أصابع وعلى الكراسي أساطين متفرقة ملبسة، الاسطوانة الأولى التي على باب الكعبة ثلثها ملبس صفايح ذهب وفضة وبقيتها مموهة وذرع غلظها ذراعان ونصف وفوق الأساطين كراسي ساج مربعة منقوشة بالذهب والزخرف وعلى الكراسي ثلاث جوايز ساج أطرافها على الجدر الذي فيه باب الكعبة وأطرافها الاخرى على الجدر الذي يستقبل باب الكعبة وهو دبرها، والجوايز منقوشة بالذهب والزخرف وسقف الكعبة منقوش بالذهب والزخرف ويدور تحت السقف افريز منقوش بالذهب والزخرف وتحت الافريز طوق من فسيفسا.

ذرع ما بين الأساطين

وذرع ما بين الجدر الذي يلي الركن الأسود والركن اليماني إلى الاسطوانة الأولى أربعة أذرع ونصف وذرع ما بين الاسطوانة الأولى إلى الاسطوانة الثانية أربعة أذرع ونصف وذرع ما بين الاسطوانة الثانية إلى الاسطوانة الثالثة أربعة أذرع ونصف وذرع ما بين الاسطوانة الثالثة إلى الجدر الذي يلي الحجر ذراعان وثمانية أصابع وبين الأساطين من المعاليق سبعة وعشرون معلاقاً، والمعاليق في ثلثي الأساطين والمعاليق في عمد حديد وسلاسل المعاليق فضة وبين الجدر الذي بين الحجر الأسود والركن اليماني إلى الاسطوانة الأولى أحد عشر معلاقاً ومن الاسطوانة الأولى إلى الاسطوانة الثانية ثمان معاليق فيها تاجان ومن الاسطوانة الثانية إلى الاسطوانة الثالثة ثمان وبقيتها مموهة، ثم أمرت السيدة أم أمير المؤمنين في سنة عشر وثلاثمائة غلامها لؤلؤ بأن يلبسها كلها ذهباً وهذه المعاليق على ما وصفنا إلى سنة تسع وثلاثين ومايتين.

صفة الروازن التي للضوء في سقف الكعبة

قال أبو الوليد: وفي سقف الكعبة أربع روازن منها روزنة حيال الركن الغربي والثانية حيال الركن اليماني والثالثة حيال الركن الأسود والرابعة حيال الاسطوانة الوسطى، وهي التي تلي الجدر بين الركن الأسود والركن اليماني، والروازن مربعة في أعلاها رخام يماني يدخل منه الضوء إلى بطن الكعبة.

صفة الجزعة وذرعها

قال أبو الوليد: وفي الجدر الذي مقابل باب الكعبة وهو دبرها جزعة سوداء مخططة ببياض وذرع سعتها اثنا عشر اصبعاً في مثلها وهي مدورة وحولها طوق ذهب عرضه ثلاث أصابع وهي تستقبل من دخل من باب الكعبة وارتفاعها من بطن الكعبة ستة أذرع ونصف يقال: إن النبي )ص( صلى مقابل موضعها، جعلها حيال حاجبه الأيمن، قال أبو الوليد: وهذه الجزعة أرسل بها الوليد بن عبد الملك فجعلت هناك. صفة الدرجة

وفي الكعبة إذا دخلتها على يمينك درجة يظهر عليها إلى سطح الكعبة وهي مربعة مع جدري الكعبة في زاوية الركن الشامي منها داخل في الكعبة من جدرها الذي فيه بابها ثلاثة أذرع ونصف، وذرع الجدر الآخر الذي يلي الحجر ثلاثة أذرع ونصف، وذرع باب الدرجة في السماء ثلاثة أذرع ونصف، وذرع عرضه ذراع ونصف، وبابها ساج فرد أعسر وهو في حد جدر الكعبة وكان ساجه بادياً ليس عليه ذهب ولا فضة حتى أمر به أمير المؤمنين المتوكل على الله فضربت على الباب صفايح من فضة وجعل له غلق من فضة في المحرم سنة سبع وثلاثين ومايتين، وعلى الباب ملبن ساج ملبس فضة، وفي الباب حلقة فضة وعلى الباب صفايح من فضة وجعل له غلق من فضة في المحرم سنة سبع وثلاثين ومايتين، وعلى الباب ملبن ساج ملبس فضة، وفي الباب حلقة فضة وعلى الباب قفل من حديد في الملبن الذي يلي جدار الكعبة وباب الدرجة عن يمين من دخل الكعبة مقابله وطول الدرجة في السماء من بطن الكعبة عشرون ذراعاً وعدد أضفارها ثمانية وأربعون ضفراً وفيها ثمان مستراحات وعرض الدرجة ذراع وأربعة أصابع وفي الدرجة ثماني كواء داخلة في الكعبة منها أربع حيال الباب وأربع حيال الاسطوانة التي تلي الجدر الذي يلي الحجر وعلى بابها الذي يلي سطح الكعبة باب ساج طوله ذراعان ونصف وعرض ذلك الباب ذراعان.

صفة الأزار الرخام الأسفل الذي في بطن الكعبة

وبطن الكعبة موزرة مدارة من داخلها برخام أبيض وأحمر وأخضر وألواح ملبسة ذهباً وفضة وهما أزاران، أزار أسفل فيه ثمانية وثلاثون لوحاً طول كل لوح ذراعان وثمانية أصابع من ذلك الألواح البيض أحد وعشرون لوحاً منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني سبعة ألواح، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود ستة ألواح، ومنها في الملتزم لوحان ومنها في الجدر الذي فيه باب الكعبة ثلاثة ألواح، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر أربعة ألواح، وعدد الألواح الخضر تسعة عشر لوحاً منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني أربعة، ومنها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني أربعة، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والحجر الأسود أربعة ومنها في الجدر الذي فيه الباب خمسة، ومنها في الملتزم لوحان، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر أربعة.

صفة الأزار الأعلى

قال أبو الوليد: وفي الأزار الأعلى الثاني، اثنان وأربعون لوحاً طول كل لوح أربعة أذرع وأربع أصابع، الألواح البيض من ذلك عشرون لوحاً منها في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود خمسة، ومنها لوح في الملتزم، ومنها في الجدر الذي فيه الباب خمسة، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر تسعة، ومن الألواح الحمر تسعة، منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني ثلاثة، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود لوحان، ومنها في الجدر الذي فيه الباب لوحان، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر لوحان، ومن الألواح الخضر ستة، منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني لوحان، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود لوحان، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر لوحان، ومن الألواح الملبسة الذهب والفضة التي في الأركان ستة ألواح طول كل لوح منها أربعة أذرع وأربعة أصابع وعرض كل لوح منها ذراع وأربعة أصابع منها لوح في طرف زاوية الجدر الذي يلي الدرجة وهو الشامي ولوح في زاوية الركن الغربي وهو مما يلي الحجر وفي طرف الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني لوحان وفي طرف الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود لوح وهو مما يلي الركن اليماني، وفي الملتزم لوح وفي الجدر الذي على يمينك إذا دخلت الكعبة لوح.

صفة المسامير التي في بطن الكعبة


قال أبو الوليد: وفي الألواح من المسامير ستة عشر مسماراً، منها في الألواح التي تلي الملتزم ثلاثة، وفي الألواح التي بين الركن اليماني والركن الأسود وهي التي تلي الركن اليماني ثلاثة، ومنها مسمار في بطن الكعبة على ثلاثة أذرع ونصف، وفي بقية الألواح مسمار أو مسماران، والمسامير مفضضة مقبوة منقوشة تدوير كل مسمار سبع أصابع، والمسامير من بطن الكعبة على أربعة أذرع ونصف وفوق الأزار أزار من رخام منقوش مدار في جوانب البيت كله وفي نقشه حبل غير منقوش بذهب وبين هذا الأزار الذي فيه الحبل أزار صغير كما يدور البيت منقوش عليه بماء الذهب من تحت الافريز الذي تحت السقف، والافريز من فسيفسا منقوش واصل بالسقف.

صفة فرش أرض البيت بالرخام

قال أبو الوليد: وأرض الكعبة مفروشة برخام أبيض وأحمر وأخضر عدد الرخام ستة وثلاثون رخامة، منها أربع خضر بين الأساطين وبين جدري الكعبة عرض كل رخامة ذراع وأربع أصابع وعرضهن من عرض كراسي الأساطين ومن الجدر الذي فيه الباب باب الكعبة إلى الرخام الأخضر الذي بين الأساطين ست عشرة رخامة منها ست بيض وسبع حمر طولهن سبعة أذرع وخمسة عشر اصبعاً، وبين جدار الدرجة وبين الرخام الأخضر ثلاث رخامات منها اثنتان بيضاوان وواحدة حمراء طول كل رخامة منها أربعة أذرع ونصف، وست عشرة رخامة ثمان بيض وثمان حمر طول كل رخامة سبعة أذرع وتسع أصابع وأطرافهن في حد الرخام الأخضر الذي بين الأساطين والجدرين وأطرافهن في الجدر الذي يستقبل باب الكعبة منها رخامة بيضاء عرضها ذراعان واصبعان، ذكر ان النبي )ص( صلى في موضعها وهي الثالثة من الرخام البيض من حد الركن اليماني وطرفها في الاسطوانة الأولى من حيال باب الكعبة، وعند عتبة باب الكعبة رخامتان خضراء وحمراء مفروشتان.

ذكر ما غير من فرش أرض الكعبة


قال أبو الوليد: وذلك إلى آخر شهور سنة أربعين ومائتين ومحمد المنتصر بالله ولي عهد المسلمين يومئذ يلي أمر مكة والحجاز وغيرهما، فكتب والي مكة إليه اني دخلت الكعبة فرأيت الرخام المفروش به أرضها قد تكسر وصار قطعاً صغاراً ورأيت ما على جدراتها من الرخام قد تزايل تهندمه ووهى عن مواضعه وأحضرت من فقهاء اهل مكة وصلحائهم جماعة وشاورتهم في ذلك فأجمع ظنهم بأن ما على ظهر الكعبة من الكسوة قد أثقلها ووهنها ولم يأمنوا أن يكون ذلك قد أضر بجدراتها وانها لو جردت أو خفف عنها بعض ما عليها من الكسوة كان أصلح وأوثق لها فأنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى رأيه الميمون فيه ويأمر في ذلك بما يوفقه الله عز وجل ويسدده له وكان فرش أرض الكعبة قد انثلم منه شيء كثير شائن وكتب صاحب البريد إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله بمثل ما كتب به العامل بمكة من ذلك وتواترت كتبهما به وتماليا في ذلك، وذكرا في بعض كتبهما ان أمطار الخريف قد كثرت، وتواترت بمكة ومنى في هذا العام فهدمت منازل كثيرة، وان السيل حمل في مسجد رسول الله )ص( وإبراهيم نبي الله )ص(، المعروف بمسجد الخيف، فهدم سقوفه وعامة جدراته وذهب بما فيه من الحصباء فاعراه، وهدم من دار الامارة بمنى وما فيها من الحجر جدرات وعدة أبيات، وهدم العقبة المعروفة بجمرة العقبة وبركة الياقوتة وبرك المأزمين والحياض المتصلة بها، وبركة العيرة وان العمل في ذلك إن لم يتدارك ويبادر باصلاحه كان على سيل زيادة وهو عمل كثير لا يفرغ منه إلا في أشهر كثيرة، ورفع جماعة من الحجبة إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله رقعة ذكروا فيها إن ما كتب به العامل بمكة من ذكر الرخام المتكسر في أرض الكعبة لم يزل على ما هو عليه، وإن ذلك لكثرة وطء من يدخل الكعبة من الحاج والمعتمرين والمجاورين واهل مكة وانه لا يرزاها ولا يضرها، وانه ليس في جدراتها من الرخام المتزايل، ولا على ظهرها من الكسوة ما يخاف بسببه وهن ولا غيره، وان زاويتين من زوايا الكعبة من داخلها ملبس ذهباً وزاويتين فضة وأن ذلك لو كان ذهباً كله كان أحسن وأزين، وان قطعة فضة مركبة على بعض جدرات الكعبة شبه المنطقة فوق الأزار الثاني من الرخام تحت الأزار الأعلى من الرخام المنقوش المذهب في زيق في الوسط فيه الجزعة التي تستقبل من توخى مصلى رسول الله )ص( وتلك القطعة في الزيق مبتدا منطقة كانت عملت في خلافة محمد بن الرشيد عملها سالم بن الجراح أيام عمل الذهب على باب الكعبة، ثم جاء خلع محمد قبل أن يتم فوقف عن عملها، ولو كان بدل تلك القطعة منطقة فضة مركبة في أعلى أزار الكعبة في تربيعها كان أبهى وأحسن، وإن الكرسي المنصوب المقعد فيه مقام إبراهيم عليه السلام ملبس صفايح من رصاص، ولو عمل مكان الرصاص فضة كان أشبه به وأحسن وأوثق له. فأمر أمير المؤمنين المتوكل على الله بعمل ذلك أجمع، فوجه رجلاً من صناعه يقال له: إسحاق بن سلمة الصايغ شيخ له معرفة بالصناعات ورفق وتجارب، ووجه معه من الصناع من تخيرهم إسحاق ابن سلمة من صناعات شتى من الصوغ والرخاميين وغيرهم من الصناع نيفاً وثلاثين رجلاً، ومن الرخام الألواح الثخان ليشق كل لوح منها بمكة لوحين، مائة لوح، ووجه بذهب وفضة وآلات لشق الرخام ولعمل الذهب والفضة، ورفع الحجبة أيضاً رقعة إلى أمير المؤمنين يذكرون له إن العامل بمكة أن تسلط على أمر الكعبة أو كانت له مع إسحاق بن سلمة في ذلك يد لم يؤمن أن يعمد إلى ما كان صحيحاً أو يتعلل فيه فيخربه أو يهدمه، ويحدث في ذلك أشياء لا تؤمن عواقبها يطلب بذلك ضرارهم وانهم لا يأمنون ذلك منه، فأمر أمير المؤمنين بكتاب إلى العامل بمكة في جواب ما كان هو وصاحب البريد كتبا به، أن أمير المؤمنين قد أمر بتوجيه إسحاق بن سلمة الصايغ للوقوف على تلك الأعمال، ورد الأمر فيها إلى إسحاق ليعمل بما فيه الصلاح والأحكام إن شاء الله تعالى، فقدم إسحاق بن سلمة الصايغ بمن معه من الصناع والذهب والفضة والرخام والآلات، مكة لليلة بقيت من رجب سنة احدى وأربعين ومائتين ومعه كتاب منشور مختوم في أسفله بخاتم أمير المؤمنين إلى العامل بمكة وغيره من العمال بمعاونة إسحاق بن سلمة ومكانفته على ما يحتاج إليه من ترويج هذه الأعمال وأن لا تجعلوا على أنفسهم في مخالفة ما أمروا به من ذلك سبيلا، فدخل إسحاق بن  
سلمة الكعبة في شعبان، بعد قدومه مكة بأيام، ودخل معه العامل بمكة وصاحب البريد وجماعة من الحجبة وناس من اهل مكة من صلحائهم من القرشيين، وجماعة من الصناع الذين قدم بهم معه وأحضر منجنيقاً طويل الصقة إلى جانب الحدر الذي يقابل من دخل الكعبة وصعد عليه إسحاق بن سلمة ومعه خيط وسابورة، فأرسل الخيط من أعلى المنجنيق وهو قائم عليه، ثم نزل وفعل ذلك بجدراتها الأربعة فوجدها كأصح ما يكون من البناء وأحكمه فسأل الحجبة هل يجوز التكبير داخل الكعبة فقالوا: نعم فكبر وكبر من حضره داخل الكعبة وكبر الناس ممن في الطواف وغيرهم من خارجها، وخر من في داخل الكعبة جميعاً سجداً لله وشكراً، وقام إسحاق بن سلمة بين بابي الكعبة، فأشرف على الناس وقال: يا أيها الناس احمدوا الله تعالى على عمارة بيته، فانا لم نجد فيه من الحدث مما كتب به إلى أمير المؤمنين شيئاً، بل وجدنا الكعبة وجدراتها وأحكام بنائها واتقانها على اتقن ما يكون، وابتدأ إسحاق بن سلمة عمل الذهب والفضة والرخام في الدار المعروفة بخالصة في دار الخزانة عند الخياطين وصار إلى منى فأمر بعمل ضفيرة تتخذ ليرد سيل الجبل عن المسجد ودار الامارة فاتخذ هناك ضفيرة عريضة مرتفعة السمك وأحكمها بالحجارة والنورة والرماد فصار ما ينحدر من السيل يتسرب في أصل الضفيرة من خارجها ويخرج إلى الشارع الأعظم بمنى ولا يدخل المسجد ولا دار الامارة منه شيء وصار ما بين الضفيرة والمسجد وهو عن يسار الامام رفقاً للمسجد وزيادة في سعته ثم هدم المسجد وما كان من دار الامارة مستهدماً وأعاد بناءه ورم ما كان مسترماً وأحكم العقبة وجدراتها وأصلح الطريق التي سلكها رسول الله )ص( من منى إلى الشعب ومعه العباس بن عبد المطلب الذي يقال له: شعب الأنصار الذي أخذ فيه رسول الله )ص( البيعة على الأنصار، وكانت هذه الطريق قد عفت ودرست فكانت الجمرة زايلة عن موضعها، أزالها جهال الناس برميهم الحصى، وغفل عنها حتى ازيحت عن موضعها شيئاً يسيراً منها من فوقها فردها إلى موضعها الذي لم تزل عليه، وبنى من ورائها جداراً أعلاه عليها ومسجداً متصلاً بذلك الجدار لئلا يصل إليها من يريد الرمي من أعلاها وانما السنة لمن أراد الرمي أن يقف من تحتها من بطن الوادي فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويرمي كما فعل رسول الله )ص( وأصحابه من بعده، وفرغ من البرك واحكم عملها وعمل الفضة على كرسي المقام مكان الرصاص الذي عليه، واتخذ له قبة من خشب الساج مقبوة الرأس بضباب لها من حديد ملبسة الداخل بالأدم وكانت القبة قبل ذلك مسطحة، وكان العامل بمكة قد أمر بكتاب يقرأ لأمير المؤمنين، فجلس خلف المقام وأقام كاتبه قايماً على الصندوق، فقرأ الكتاب فأعظم ذلك المسلمون اعظاماً شديداً وأنكروه أشد النكرة، وخاف الحجبة أن يعود لمثلها، فرفعوا في ذلك رقعة إلى أمير المؤمنين فأمره أمير المؤمنين أن يتخذ كرسياً يقرأ عليه الكتب وأن ينزه المقام عن ذلك ويعظم، وعمل إسحاق الذهب على زاويتي الكعبة من داخلها مكان ما كان هنالك من الفضة ملبساً، وكسر الذهب الذي كان على الزاويتين الباقيتين وأعاد عمله، فصار ذلك أجمع على مثال واحد منقوشة مؤلفة ناتئة، وعمل منطقة من فضة وركبها فوق أزار الكعبة في تربيعها كلها، منقوشة مؤلفة جليلة ناتئة يكون عرض المنطقة ثلثي ذراع وعمل طوقاً من ذهب منقوش متصلاً بهذه المنطقة فركبه حول الجزعة التي تقابل من دخل من باب الكعبة فوق الطوق الذهب القديم الذي كان مركباً حولها من عمل الوليد بن عبد الملك وكره أن يقلع ذلك الطوق الأول لسبب تكسر خفي في الجزعة فتركه على حاله لئلا يحدث في الجزعة حادث، وقلع الرخام المتزايل من جدرات الكعبة وكان يسيراً برخامتين أو ثلاثاً وأعاد نصبه كلها بجص صنعاني كان كتب فيه إلى عامل صنعاء، فحمل إليه منه جص مطبوخ صحيح غير مدقوق اثنا عشر حملاً، فدقه ونخله وخلطه بماء زمزم ونصب به هذا الرخام، وفي أعلى هذه المنطقة الفضة رخام منقوش محفور فألبس ذلك الرخام ذهباً رقيقاً من الذهب الذي يتخذ للسقوف فصار كأنه سبيكة مضروبة عليه إلى موضع الفسيفسا الذي تحت سقف الكعبة وغسل الفسيفسا بماء الورد وحماض الاترنج ونقض ما كان من الأصباغ المزخرفة على السقف وعلى الأزار الذي دون السقف فوق الفسيفساء ثم ألبسها ثياب قباطي اخرجها إليه  
الحجبة مما عندهم في خزانة الكعبة والبس تلك الثياب ذهباً رقيقاً وزخرفه بالأصباغ، وكانت عتبة باب الكعبة السفلى قطعتين من خشب الساج قد رثتا ونخرتا من طول الزمان عليهما فأخرجهما وصير مكانهما قطعة من خشب الساج وألبسها صفايح فضة من الفضة التي كانت في الزاويتين التي صير مكانهما ذهباً ولم يقلع في ذلك بابا الكعبة وحرفا فأزيلا شيئاً يسيراً وهما قايمان منصوبان وكان في الجدر الذي في ظهر الباب يمنة من دخل الكعبة رزة وكلاب من صفر يشد به الباب إذا فتح بذلك الكلاب لئلا يتحرك عن موضعه فقلع ذلك الصفر وصير مكانه فضة والبس ما حول باب الدرجة فضة مضروبة وكان الرخام الذي قدم به معه إسحاق رخاما يسمى المسير غير مشاكل لما كان على جدرات الكعبة من الرخام فشقه وسواه وقلع ما كان على جدرات المسجد الحرام في ظهر الصناديق التي يكون فيها طيب الكعبة وكسوتها من الرخام وقلع الرخام الذي كان على جدر المسجد الذي بين باب الصفا وبين باب السمانين واسم ذلك الرخام البذنجنا ونصب الرخام المسير الذي جاء به مكانه على جدرات المسجد وانزل المعاليق المعلقة بين الأساطين ونفضها من الغبار وغسلها وجلاها والبس عمدها الحديد المعترضة بين الأساطين ذهباً من الذهب الرقيق وأعاد تعليقها في مواضعها على التأليف، وفرغ من ذلك اجمع ومن جميع الأعمال التي بمنى، يوم النصف من شعبان سنة اثنتين وأربعين ومائتين، واحضر الحجبة في ذلك اليوم أجزاء القرآن، وهم جماعة فتفرقوها بينهم وإسحاق بن سلمة معهم حتى ختموا القرآن، وأحضروا ماء ورد ومسكاً وعوداً وسكا مسحوقاً، فطيبوا به جدرات الكعبة وأرضها وأجافوا بابها عليهم عند فراغهم من الختمة، فدعوا ودعا من حضر الطواف وضجوا بالتضرع والبكاء إلى الله عز وجل ودعوا لأمير المؤمنين ولولاة عهود المسلمين ولأنفسهم ولجميع المسلمين، فكان يومهم ذلك يوماً شريفاً حسناً، قال أبو الوليد: وأخبرني إسحاق بن سلمة الصايغ ان مبلغ ما كان فيه الأربع الزوايا من الذهب والطوق الذي حول الجزعة، نحو من ثمانية آلاف مثقال، وان ما في منطقة الفضة وما كان على عتبة الباب السفلي من الصفايح وعلى كرسي المقام من الفضة، نحو من سبعين ألف درهم، وما ركب من الذهب الرقيق على جدرات الكعبة وسقفها، نحو من مايتي حق يكون في كل حق خمسة مثاقيل، وخلط إسحاق بن سلمة ما بقي قبله مع هذا الجص الصنعاني وما قلع من أرض الكعبة من الرخام المتكسر مما لا يصلح اعادته في شيء من العمل وثلاثة حقاق من هذا الذهب الرقيق وجراب فيه تراب مما قشر من جدرات الكعبة ومسامير فضة صغار قبل الحجبة، لما عسى ان يحتاجوا إليه لها، وانصرف بعد فراغه من الحج في آخر سنة اثنتين وأربعين ومايتين.مما عندهم في خزانة الكعبة والبس تلك الثياب ذهباً رقيقاً وزخرفه بالأصباغ، وكانت عتبة باب الكعبة السفلى قطعتين من خشب الساج قد رثتا ونخرتا من طول الزمان عليهما فأخرجهما وصير مكانهما قطعة من خشب الساج وألبسها صفايح فضة من الفضة التي كانت في الزاويتين التي صير مكانهما ذهباً ولم يقلع في ذلك بابا الكعبة وحرفا فأزيلا شيئاً يسيراً وهما قايمان منصوبان وكان في الجدر الذي في ظهر الباب يمنة من دخل الكعبة رزة وكلاب من صفر يشد به الباب إذا فتح بذلك الكلاب لئلا يتحرك عن موضعه فقلع ذلك الصفر وصير مكانه فضة والبس ما حول باب الدرجة فضة مضروبة وكان الرخام الذي قدم به معه إسحاق رخاما يسمى المسير غير مشاكل لما كان على جدرات الكعبة من الرخام فشقه وسواه وقلع ما كان على جدرات المسجد الحرام في ظهر الصناديق التي يكون فيها طيب الكعبة وكسوتها من الرخام وقلع الرخام الذي كان على جدر المسجد الذي بين باب الصفا وبين باب السمانين واسم ذلك الرخام البذنجنا ونصب الرخام المسير الذي جاء به مكانه على جدرات المسجد وانزل المعاليق المعلقة بين الأساطين ونفضها من الغبار وغسلها وجلاها والبس عمدها الحديد المعترضة بين الأساطين ذهباً من الذهب الرقيق وأعاد تعليقها في مواضعها على التأليف، وفرغ من ذلك اجمع ومن جميع الأعمال التي بمنى، يوم النصف من شعبان سنة اثنتين وأربعين ومائتين، واحضر الحجبة في ذلك اليوم أجزاء القرآن، وهم جماعة فتفرقوها بينهم وإسحاق بن سلمة معهم حتى ختموا القرآن، وأحضروا ماء ورد ومسكاً وعوداً وسكا مسحوقاً، فطيبوا به جدرات الكعبة وأرضها وأجافوا بابها عليهم عند فراغهم من الختمة، فدعوا ودعا من حضر الطواف وضجوا بالتضرع والبكاء إلى الله عز وجل ودعوا لأمير المؤمنين ولولاة عهود المسلمين ولأنفسهم ولجميع المسلمين، فكان يومهم ذلك يوماً شريفاً حسناً، قال أبو الوليد: وأخبرني إسحاق بن سلمة الصايغ ان مبلغ ما كان فيه الأربع الزوايا من الذهب والطوق الذي حول الجزعة، نحو من ثمانية آلاف مثقال، وان ما في منطقة الفضة وما كان على عتبة الباب السفلي من الصفايح وعلى كرسي المقام من الفضة، نحو من سبعين ألف درهم، وما ركب من الذهب الرقيق على جدرات الكعبة وسقفها، نحو من مايتي حق يكون في كل حق خمسة مثاقيل، وخلط إسحاق بن سلمة ما بقي قبله مع هذا الجص الصنعاني وما قلع من أرض الكعبة من الرخام المتكسر مما لا يصلح اعادته في شيء من العمل وثلاثة حقاق من هذا الذهب الرقيق وجراب فيه تراب مما قشر من جدرات الكعبة ومسامير فضة صغار قبل الحجبة، لما عسى ان يحتاجوا إليه لها، وانصرف بعد فراغه من الحج في آخر سنة اثنتين وأربعين ومايتين.
 صفة باب الكعبة

وذرع طول باب الكعبة في السماء ستة أذرع وعشرة أصابع، وعرض ما بين جداريه ثلاثة أذرع وثماني عشرة اصبعاً، والجداران وعتبة الباب العليا ونجاف الباب ملبس صفايح ذهب منقوش، وفي جدار عضادتي الباب أربع عشرة حلقة من حديد مموهة بالفضة متفرقة في كل جدار سبع حلق يشد بها جوف الباب من أستار الكعبة، وفي عتبة باب الكعبة ثمانية عشر مسماراً، منها أربعة على الباب، وأربعة عشر في وجه العتبة، والمسامير حديد ملبسة ذهباً مقبوة منقوشة تدوير حول كل مسمار سبع أصابع، وملبن باب الكعبة الذي يطأ عليه من دخلها داخل في الجدر عشر أصابع، والملبن ساج ملبس صفايح ذهب، وعرض وجه الملبن عشر أصابع، وعرض وجهه الآخر أربع أصابع وفي الملبن من المسامير ستة وأربعون مسماراً، منها سبعة في أعلى الملبن وهي تلي العتبة، وفي الجانب الأيمن تسعة عشر مسماراً، وفي الجانب الأيسر عشرون مسماراً، والمسامير مقبوة ملبسة ذهباً منقوشة، تدوير حول كل مسمار منها سبع أصابع، وذرع طول باب الكعبة في السماء ستة أذرع وعشر أصابع وهما مصراعان عرض كل مصراع ذراع وثماني عشرة اصبعاً وعود الباب ساج وغلظه ثلاث أصابع فإذا غلقا فعرضهما ثلاثة أذرع ونصف، وفي كل مصراع ست عوارض، والعوارض من ساسم وظهر الباب من داخل ملبس صفايح فضة، وفي المصراع الأيمن من داخل غلق رومي وأم الغلق ملبسة فضة وطول الغلق أربع عشرة اصبعاً وفي المصراع الأيسر حلقة فضة يكون فيها غلق الباب إذا غلق، وفي الباب الأيسر سكرة ووج الباب ملبس صفايح ذهب منقوشة وصفايح ساذج ما بين المسامير التي في العوارض صفايح مربعة منقوشة في كل مصراع خمس صفايح. وتدوير حول الصفايح الساذج صفايح منقوشة وفي الباب الأيسر انف الباب ملبس ذهباً منقوشاً طرفاه مربعان، وعلى الانف كتاب فيه بسم الله الرحمن الرحيم ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية محمد سول الله، وعدد المسامير مائتا مسمار منها مائة كبار منها في العوارض اثنان وسبعون مسماراً في كل عارضة ستة مسامير، وفي كل مصارع عشرة مسامير، وبين كل عارضتين مسماران في طرفي الباب ومنها حول خرتة الباب التي يدخل فيها الرومي اثنا عشر مسماراً صغاراً، ومنها في المصراع الأيمن مسماران من فضة ساذج مموهان تدوير حول كل مسمار ست أصابع وبينهما حاجز يفتح فيه الغلق الرومي الداخل وما بين المسامير تسع أصابع والمسامير مقبوة ملبسة ذهباً وهي منقوشة تدوير كل مسمار سبع أصابع والمسامير الصغار التي في المصراع الأيسر خمسون مسماراً وهي مضروبة حول الصفايح المربعة المنقوشة التي بين العوارض، حول كل صفيحة عشرة مسامير والمسامير ملبسة ذهباً مقبوة منقوشة وهي على صفايح ساذج عرض الصفايح اصبعان كما يدور حول الصفيحة المنقوشة ورجلا البابين حديد ملبسان ذهباً وفي المصراعين سلوقيتان فضة مموهتان وفي السلوقيتين حلقتا ذهب سعة كل حلقة ثمان أصابع وهما حلقتا قفل الباب وهما على ذراعين وستة عشر اصبعا من الباب.

باب صفة الشاذروان وذرع الكعبة

ذرع الكعبة من خارجها في السماء من البلاط المفروش حولها تسعة وعشرون ذراعاً وست عشرة اصبعاً وطولها من الشاذروان سبعة وعشرون ذراعاً وعدد حجارة الشاذروان التي حول الكعبة ثمانية وستون حجراً في ثلاثة وجوه من ذلك من حد الركن الغربي إلى الركن اليماني خمسة وعشرون حجراً، منها حجر طوله ثلاثة أذرع ونصف وهو عتبة الباب الذي سد في ظهر الكعبة وبينه وبين الركن اليماني أربعة أذرع وفي الركن اليماني حجر مدور، وبين الركن اليماني والركن الأسود تسعة عشر حجراً ومن حد الشاذروان إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ثلاثة أذرع واثنا عشر اصبعاً ليس فيه شاذروان ومن حد الركن الشامي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ثلاثة وعشرون حجراً ومن حد الشاذروان الذي يلي الملتزم إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ذراعان ليس فيهما شاذروان وهو الملتزم وطول الشاذروان في السماء ستة عشر اصبعاً وعرضه ذراع وطول درجة الكعبة التي يصعد عليها الناس إلى بطن الكعبة من خارج ثماني أذرع ونصف وعرضها ثلاثة أذرع ونصف وفيها من الدرج ثلاث عشرة درجة وهي من خشب الساج.

ذكر الحجر

 
حدثنا أبو محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي حدثنا سعيد بن سالم وعبد الرزاق بن همام قالا: حدثنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء بن خباب قال أبو الوليد: وحدثني محمد بن يحيى حدثنا هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء بن خباب أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك بن مروان في خلافته فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم انه سمع منها ? قال الحارث: أنا سمعته منها قال: سمعتها تقول ماذا ? قال: قالت: قال رسول الله )ص(: إن قومك استقصروا في بناء البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر اعدت فيه ما تركوا من فأراها قريباً من سبعة أذرع وزاد الوليد بن عطاء بن خباب في الحديث وجعلت لها بابين موضوعين بالأرض شرقياً وغربياً وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها ? قالت: قلت: لا قال: تعززا لئلا يدخلها أحد إلا من أرادوا فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد يدخلها دفعوه فسقط، قال: عبد الملك أنت سمعتها تقول هذا قال: قلت: نعم قال: فنكت بعصاه ساعة ثم قال: لوددت اني تركته وما تحمل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: ما أبالي صليت في الحجر أو في الكعبة.
حدثنا أبو الوليد حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي حدثنا الدراوردي عن علقمة ابن أبي علقمة عن أبيه عن عائشة انها قالت: كنت أحب ان أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله )ص( بيدي فأدخلني الحجر فقال لي: صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فانما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت، حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن سفيان عن هشام بن حجير قال: قال ابن عباس: الحجر من البيت، حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي عن خالد ابن عبد الرحمن بن خالد بن سلمة المخزومي قال: حدثني المبارك بن حسان الأنماطي قال: رأيت عمر بن عبد العزيز في الحجر فسمعته يقول شكا إسماعيل عليه السلام إلى ربه عز وجل حر مكة فأوحى الله تعالى إليه اني أفتح لك باباً من الجنة في الحجر يجري عليك منه الروح إلى يوم القيامة وفي ذلك الموضع توفي، قال خالد: فيرون إن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي فيه قبره.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن خالد بن عبد الرحمن قال: حدثني الحارث بن أبي بكر الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: حفر ابن الزبير الحجر فوجد فيه سفطاً من حجارة خضر فسأل قريشاً عنه فلم يجد عند أحد منهم فيه علماً قال: فأرسل إلى عبد الله بن صفوان فسأله فقال: هذا قبر إسماعيل عليه السلام فلا تحركه قال: فتركه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى قال: أخبرنا هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الله بن عبيد ابن عمير انه قال: دخل بين عائشة وبين أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر كلام فحلف أن لا يكلمها فأرادته على أن يأتيها فأبى فقيل لها: إن له ساعة من الليل يطوفها فرصدته بباب الحجر حتى إذا مر بها أخذت بثوبه فجذبته فأدخلته الحجر ثم قالت له فلان عبدي حر وفلان والذي أنا في بيته وجعلت تعتذر إليه وتحلف له.
 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى حدثنا هشام بن سليمان المخزومي عن أم كلثوم ابنة أبي عوف ان عائشة سالت أن يفتح لها باب الكعبة ليلاً فأبى عليها شيبة بن عثمان فقالت لأختها أم كلثوم ابنة أبي بكر انطلقي بنا حتى ندخل الكعبة فدخلت الحجر، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح قال: وجد في الحجر حجر مدفون مكتوب فيه مبارك لأهلها في الماء واللبن لا تزول حتى تزول أخشباها، وقال ابن إسحاق: كان قبر إسماعيل عليه السلام وقبر أمه هاجر في الحجر، حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني محمد بن يحيى عن أبيه إن أمير المؤمنين المنصور أبا جعفر حج وزياد بن عبيد الله الحارثي يومئذ أمير مكة فطاف أبو جعفر ثم دعا زياداً فقال: اني رأيت الحجر حجارته بادية فلا أصبحن حتى يستر جدار الحجر بالرخام فدعا زياد بالعمال فعملوه على السرج قبل أن يصبح وكان قبل ذلك مبنياً بحجارة بادية ليس عليها رخام ثم كان المهدي بعد قد جدد رخامه، حدثنا أبو الوليد قال وأخبرني محمد بن يحيى عن أبيه قال: ثم رأيت جعفر بن سليمان بن علي وهو أمير مكة والمدينة في سنة احدى وستين ومائة بلط بطن الحجر بالرخام وذلك عام زاد المهدي في المسجد الحرام زيادته الأولى وشرع أبواب المسجد على المسعى قال أبو محمد الخزاعي: أنا أدركت هذا الرخام الذي عمله وكان رخاماً أبيض وأخضر وأحمر وكان مزوي وشوابير صغاراً ومداخلا بعضه في بعض أحسن من هذا العمل ثم تكسر فجدده أبو العباس عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى وهو أمير مكة في سنة احدى وأربعين ومائتين ثم جدد بعد ذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائتين.

الجلوس في الحجر وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: كنا جلوساً مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس وفضله وعلي بن عبد الله بن عباس في الطواف وخلفه ابنه محمد ابن علي فعجبنا من تمام قامتهما وحسن وجوههما فقال عطاء: وأين حسنهما من حسن عبد الله بن عباس ? ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة وأنا في المسجد الحرام طالعاً من جبل أبي قبيس إلا ذكرت وجه ابن عباس ولقد رأيتنا جلوساً معه في الحجر إذ أتاه شيخ قديم بدوي من هذيل يهدج على عصاه فسأله عن مسئلة فأجابه فقال الشيخ لبعض من في المجلس: من هذا الفتى ? فقالوا: هذا عبد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال الشيخ: سبحان الذي مسخ حسن عبد المطلب إلى ما أرى، فقال عطاء: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة وأحسن الناس وجهاً ما رآه قط شيء إلا أحبه وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره ولا يجلس معه عليه أحد وكان الندي من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش فجاء رسول الله )ص( وهو غلام يدرج ليجلس على المفرش فجذبوه فبكى فقال عبد المطلب: وذلك بعد ما حجب بصره ما لابني يبكي قالوا له: انه أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه فقال عبد المطلب: دعوا ابني فإنه يحس بشرف أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قط، قال: وتوفي عبد المطلب والنبي )ص( ابن ثمان سنين وكان خلف جنازته يبكي حتى دفن بالحجون، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله )ص(: لو كان عندي سعة قدمت في البيت من الحجر أذرعاً وفتحت له باباً آخر يخرج الناس منه.
حدثنا أبو الوليد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء ابن السايب عن سعيد بن جبير أن عائشة سألت النبي )ص( أن يفتح لها الباب ليلاً فجاء عثمان بن طلحة بالمفتاح إلى رسول الله )ص( فقال: يا رسول الله انها لم تفتح بليل قط قال: فلا تفتحها ثم قال لعائشة: إن قومك لما بنوا البيت قصرت بهم النفقة فتركوا بعض البيت في الحجر فأدخلي الحجر فصلي فيه.
حدثنا أبو الوليد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عتاب عن خصيف عن مجاهد قال: جاءت عائشة فدخلت البيت في ستاره ومعها نسوة فأغلقت الحجبة البيت دون النساء فجعلن ينادين يا أم المؤمنين قال مجاهد: فسمعت عائشة تقول: عليكن بالحجر فإنه من البيت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال: تذاكروا المهدي عند طاوس وهو جالس في الحجر فقلت يا با عبد الرحمن أهو عمر بن عبد العزيز ? فقال: لا إنه لم يستكمل العدل وإن ذلك إذا كان زيد المحسن في احسانه وحط عن المسيء من اساءته ولوددت أني أدركته وعلامته كذا وكذا، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي: حدثنا ابن عيينة حدثنا الوليد بن كثير عن ابن ثدرس عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت: لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب جاءت أم جميل بنت حرب بن أمية إمرأة أبي لهب ولها ولولة وفي يدها فهر فدخلت المسجد ورسول الله )ص( جالس في الحجر ومعه أبو بكر رضي الله عنه فأقبلت وهي تلملم الفهر في يدها وتقول: مذمماً أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، قالت: فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله هذه أم جميل وأنا أخشى عليك منها وهي امرأة فلو قمت، فقال: انها لن تراني وقرأ قرآناً أعتصم به، ثم قرأ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً قلت: فجاءت حتى وقفت على أبي بكر رضي الله عنه وهو مع رسول الله )ص( ولم تره فقالت: يا با بكر فأين صاحبك ? قال: الساعة كان ها هنا قالت: انه ذكر لي انه هجاني وايم الله اني لشاعرة وإن زوجي لشاعر ولقد علمت قريش اني بنت سيدها، قال سفيان قال الوليد في حديثه فدخلت الطواف فعثرت في مرطها فقالت: نفس مذمم، فقال النبي )ص(: الا ترى يا با بكر ما يدفع الله تعالى به عني من شتم قريش يسموني مذمماً وأنا محمد فقالت لها أم حكيم ابنة عبد المطلب: مهلاً يا أم جميل، اني لحصان فما اكلم، وثقاف فما أعلم وكلتانا من بني العم، ثم قريش بعد اعلم، قال أبو الوليد: فلم يزل رخام الحجر الذي عمله المهدي بعد عمل أبي جعفر أمير المؤمنين على حاله وكان سيله يخرج من تحت الأحجار التي على بابها الغربي حتى رث في خلافة المتوكل على الله جعفر أمير المؤمنين فقلع في سنة احدى وأربعين ومايتين والبس رخاماً حسناً قلع من جوانب المسجد الحرام من الشق الذي يلي باب العجلة إلى باب دار عمرو بن العاص ومما يلي أبواب بني مخزوم والباب الذي مقابل دار عبد الله بن جدعان وكان عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن محمد الهاشمي أمر أن يقلع له لوح من رخام الحجر يسجد عليه فقلع له في الموسم فأرسل أحمد بن طريف مولى العباس ابن محمد الهاشمي برخامتين خضراوين من مصر هدية للحجر مكان ذلك اللوح وهي الرخامة الخضراء على سطح جدار الحجر مقابل الميزاب على هيئة الزورق والرخامة الاخرى هي الرخامة الخضراء التي تحت الميزاب تلي جدر الكعبة فجعلتا في هذين الموضعين وهما من أحسن رخام في المسجد خضرة قال أبو محمد الخزاعي: ثم حولت التي كانت على ظهر الحجر فجعلت تحت الميزاب مقابل الميزاب أمام الرخامتين اللتين على هيئة المحراب في سنة ثلاث وثمانين ومايتين.

ما جاء في الدعاء والصلاة عند مثعب الكعبة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن عطاء بن أبي رباح قال: من قام تحت مثعب الكعبة فدعا استجيب له وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عيسى بن يونس السبيعي حدثنا عنبسة بن سعيد الرازي عن إبراهيم بن عبد الله الخاطبي عن عطاء عن ابن عباس قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار. قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار ? قال: تحت الميزاب، قيل وما شراب الأبرار ? قال: ماء زمزم، حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن سليم حدثنا الزنجي مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء انه قال: من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا استجيب له وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن أبي عمر قال: حدثنا بشر ابن السري عن حماد بن سلمة قال: حدثتني أم شيبة قالت: سمعت أم عمرو امرأة الزبير تقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أعزم بالله على امرأة صلت في الحجر، حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا بشر بن السري عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السايب قال: رأيت سعيد بن جبير يطوف فإذا دخل الحجر وضع نعليه على جدر الحجر، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن جعفر بن محمد عن أبيه إن النبي )ص( كان إذا حاذى ميزاب الكعبة وهو في الطواف يقول: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مسافع بن عبد الرحمن الحجبي حدثنا بشر بن السري عن أيمن بن نايل قال رقدت في الحجر فركضني سعيد بن جبير وقال: مثلك يرقد في هذا المكان.

صفة الحجر وذرعه

قال أبو الوليد: الحجر مدور وهو ما بين الركن الشامي والركن الغربي وأرضه مفروشة برخام وهو مستو بالشاذروان الذي تحت أزار الكعبة وعرضه من جدر الكعبة من تحت الميزاب إلى جدر الحجر سبعة عشر ذراعاً وثمان أصابع، وذرع ما بين بابي الحجر عشرون ذراعاً وعرضه اثنان وعشرون ذراعاً، وذرع من داخله في السماء ذراع وأربعة عشر اصبعاً، وذرعه مما يلي الباب الذي يلي المقام ذراع وعشر أصابع وذرع جدر الحجر الغربي في السماء ذراع وعشرون اصبعاً وذرع طول جدر الحجر من خارج مما يلي الركن الشامي ذراع وستة عشر اصبعاً وطوله من وسطه في السماء ذراعان وثلاث أصابع الرخام من ذلك ذراع وأربع عشرة اصبعاً وعرض الجدار ذراعان الا اصبعين والجدر ملبس رخاماً وفي أعلاه في وسط الجدار رخامة خضراء طولها ذراعان الا اصبعين وعرضها ذراع وثلاث أصابع، قال أبو محمد الخزاعي: وقد حولت هذه الرخامة فجعلت تحت الميزاب مما يلي الكعبة، قال أبو الوليد: وذرع باب الحجر الذي يلي المشرق مما يلي المقام خمسة أذرع وثلاث أصابع وفي عتبة هذا الباب حجران ارتفاعهما من بطن الحجر أربع أصابع وذرع باب الحجر الذي يلي المغرب سبعة أذرع وفي عتبة بابه أربعة أحجار وارتفاعها من بطن الحجر أربع أصابع ومخرج سيل ماء الحجر من وسطه من تحت الحجارة في ثقب بين حجرين، قال أبو محمد الخزاعي: قد كان على ما ذكره أبو الوليد ثم كان رخامه قد تكسر من وطي الناس فعمل في خلافة المتوكل على الله وأمير مكة يومئذ أبو العباس عبد الله بن محمد بن داود فرفعت أرض الحجر شيئاً حتى كان ماؤه يخرج من فوق الأحجار التي في عتبة الباب الغربي فكان كذلك حتى عمر في خلافة أمير المؤمنين المعتضد بالله فأشرف العمال في رفع أرضه حتى صارت أرفع من حجارة عتبتي البابين حتى احتاجوا إلى أن يكسروا طرفي العمل المشرف على بابي الحجر ولو كانوا جعلوه مستوياً مع العتبتين كما كان كان أصوب، قال أبو الوليد وذرع تدوير الحجر من داخله ثمانية وثلاثون ذراعاً وذرع تدوير الحجر من خارج أربعون ذراعاً وست أصابع وذرع ما بين حدات الحجر من الشق الشرقي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود تسعة وعشرون ذراعاً وأربع عشرة اصبعاً، وذرع ما بين حدات الحجر من شق المغرب إلى حد الركن اليماني اثنان وثلاثون ذراعاً وذرع طوف واحد حول الكعبة مائة ذراع وثلاثة وعشرون ذراعاً وثنتا عشرة اضبعاً، وذرع طواف سبع حول الكعبة ثمانمائة وستة وستون ذراعاً وعشرون اصبعاً.

ما جاء في فضل الركن الأسود

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: الركن والمقام من الجنة.
وبه قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ليس في الأرض من الجنة الا الركن الأسود والمقام فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة ولولا ما مسهما من اهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله عز وجل وبه قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد وسفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله ابن عمرو بن العاص انه قال في الركن، لولا ما مسه من انجاس الجاهلية وارجاسهم ما مسه ذو عاهة الا برأ، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: نزل الركن وانه لأشد بياضاً من الفضة، قال: حدثني جدي عن سفيان عن ابن جريج مثله.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن وهب بن منبه إن عبد الله بن عباس أخبره إن النبي )ص( قال لعائشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلم الركن: لولا ما طبع على هذا الحجر، يا عائشة من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذا لاستشفي به من كل عاهة وإذا لألفي اليوم كهيئته يوم أنزله الله عز وجل وليعيدنه إلى ما خلقه أول مرة وانه لياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة ولكن الله سبحانه وتعالى غيره بمعصية العاصين، وستر زينته عن الظلمة والأئمة لأنه لا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء كان بدؤه من الجنة، حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج عن عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الأحبار انهما قالا: لولا ما تمسح به من الأرجاس في الجاهلية ما مسه ذو عاهة الا شفي وما من الجنة شيء في الأرض الا هو.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي )ص( قال: إن الله عز وجل يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عبد الله بن يحيى السهمي قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: الركن حجر من حجارة الجنة ولولا ما مسه من الأنجاس لكان كما نزل به.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس قال: الركن يمين الله في الأرض يصافح بها عباده كما يصافح أحدكم أخاه، حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن أبي عمر حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد الأعمى عن أبيه عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فلما دخلنا الطواف قام عند الحجر وقال: والله اني لأعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول الله )ص( يقبلك ما قبلتك ثم قبله ومضى في الطواف فقال له علي عليه السلام: بلى يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع قال: وبم ذلك ? قال: بكتاب الله تعالى قال: وأين ذلك من كتاب الله تعالى ? قال: قال الله تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم" قالوا بلى شهدنا الآية قال: فلما خلق الله عز وجل آدم مسح ظهره فأخرج ذريته من صلبه فقررهم انه الرب وهم العبيد ثم كتب ميثاقهم في رق وكان هذا الحجر له عينان ولسان فقال له: افتح فاك قال: فالقمه ذلك الرق وجعله في هذا الموضع وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، قال: فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا با الحسن، حدثنا أبو الوليد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ليبعثن الله عز وجل هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي حدثنا يحيى بن سليم المكي قال: سمعت ابن جريج يقول: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: سمعت ابن عباس يقول: إن هذا الركن الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها عباده مصافحة الرجل أخاه.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يقول: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة وأنزل الركن بين دار السايب بن أبي وداعة وبين دار مروان ودار ابن أبي محذورة، حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا الحكم بن ابان قال: حدثني أبي عن عكرمة قال: إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن لم يدرك بيعة رسول الله )ص( فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا العلاء عن عمرو بن مرة عن يوسف ابن ماهك قال: قال عبد الله بن عمرو: إن جبريل عليه السلام نزل بالحجر من الجنة وانه وضعه حيث رأيتم وانكم لم تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم فتمسكوا به ما استطعتم فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به.
 
حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا يزيد بن أبي حكيم وابن عمارة وابن بكار عن الحكم قال: سمعت عكرمة يقول: الركن ياقوتة من يواقيت الجنة وإلى الجنة مصيره، قال قال ابن عباس: لولا ما مسه من أيدي الجاهليين لأبرأ الأكمه والأبرص، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى حدثنا هشام بن سليمان عن ابن جريج عن منصور بن عبد الرحمن عن ابن عباس رضي الله عنه قال: انزل الركن والمقام مع آدم عليه السلام ليلة نزل بين الركن والمقام فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما إليه وأنس بهما، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن أبيه عن محمد بن عبد الملك ابن جريج عن أبيه انه قال: كان سلمان الفارسي قاعداً بين الركن وزمزم والناس يزدحمون على الركن فقال لجلسائه: هل تدرون ما هو ? قالوا: هذا الحجر قال: قد أرى ولكنه من حجارة الجنة أما والذي نفس سلمان الفارسي بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بالحق، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن أبيه عن محمد ابن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن مجاهد انه قال: يأتي يوم القيامة الركن والمقام كل واحد منهما مثل أبي قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن أبي اسماعل عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي حسين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن الركن يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها خلقه والذي نفس ابن عباس بيده ما من امرئ مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً عنده الا أعطاه اياه، قال عثمان: وحدثت إن الله تبارك وتعالى لما أخذ ميثاق العباد جعله في الركن الأسود فيبعثه الله عز وجل بالوفاء بعهده.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وابن أبي عمر بن عامر قالا حدثنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي عن أبيه عن عبد الأعلى عن عبد الله بن عامر بن كريز انه قدم مع جدته أم عبد الله بن عامر معتمرة فدخلت عليها صفية بنت شيبة فأكرمتها واجازتها فقالت صفية: ما أدري ما أكرم به هذه المرأة أما دنياها فعظيمة فنظرت حصاة مما كان نقر من الركن الأسود حين أصابه الحريق فجعلتها لها في حق ثم قالت لها: انظري هذه الحصاة فإنها حصاة من الركن الأسود فاغسليها للمرضى فإني أرجو أن يجعل لله سبحانه لهم فيها الشفاء، فخرجت في أصحابها فلما خرجت من الحرم ونزلت في بعض المنازل صرع أصحابها فلم يبق منهم أحد الا أخذته الحمى فقامت فصلت ودعت ربها عز وجل ثم التفتت اليهم فقالت: ويحكم انظروا في رحالكم ماذا خرجتم به من الحرم فما الذي أصابكم الا بذنب، قالوا: ما نعلم انا خرجنا من الحرم بشيء قال: قالت لهم: أنا صاحبة الذنب انظروا أمثلكم حياة وحركة قال: فقالوا: لا نعلم منا أحداً أمثل من عبد الأعلى قالت: فشدوا له راحلة ففعلوا قال: ثم دعته فقالت: خذ هذا الحق الذي فيه هذه الحصاة فاذهب به إلى اختي صفية بنت شيبة فقل لها: إن الله سبحانه وضع في حرمه وأمنه أمراً لم يكن لأحد أن يخرجه من حيث وضعه الله تعالى فخرجنا بهذه الحصاة فأصابتنا فيها بلية عظيمة فصرع أصحابنا كلهم فإياك أن تخرجيها من حرم الله عز وجل، قال عبد الأعلى: فما هو الا أن دخلت الحرم فجلنا ننبعث رجلاً رجلا، حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا إبراهيم ابن محمد ابن أبي يحيى عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي )ص( قال: الحجر الأسود نزل به ملك من السماء، وبه حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى حدثني ليث بن سعد عن مغيرة بن خالد المخزومي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثني إبراهيم بن محمد حدثني عبد الله ابن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الركن والمقام من جوهر الجنة، حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثني إبراهيم بن محمد حدثني عبد الله بن أبي لبيدة عن ابن عباس قال: انزل الركن الأسود من الجنة وهو يتلألأ تلألؤاً من شدة بياضه فأخذه آدم عليه السلام فضمه إليه انساً به.
 
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني يحيى بن أبي أنيسة عن عطاء عن عبد الله بن عباس قال: سمعته يقول: الحجر الأسود من حجارة الجنة ليس في الدنيا من الجنة غيره ولولا ما مسه من دنس الجاهلية وجهلها ما مسه ذو عاهة الا برأ، وبه عن عثمان بن ساج قال أخبرني يحيى بن أبي أنيسة عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: لولا أن الحجر تمسه الحائض وهي لا تشعر والجنب وهو لا يشعر ما مسه أجذم ولا أبرص الا برأ.
وبه عن سعيد بن سالم القداح عن عثمان بن ساج قال أخبرني المثنى ابن الصباح عن مسافع الحجبي عن عبد الله بن عمرو قال: أشهد بالله أن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة لولا أن الله تعالى أطفأ نورهما لأضاء نورهما ما بين السماء والأرض؛ وبه عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني معمر البصري عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: الركن من الجنة ولو لم يكن من الجنة لفني.
حدثنا أبو الوليد أخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني يحيى بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: كان الحجر الأسود أبيض كاللبن وكان طوله كعظم الذراع وما اسوداده الا من المشركين كانوا يمسحونه ولولا ذلك ما مسه ذو عاهة الا برأ، قال عثمان وأخبرني ابن نبيه الحجبي عن أمه انها حدثته ان أباها حدثها انه رأى الحجر قبل الحريق وهو أبيض يتلألأ يترايا الانسان فيه وجهه، قال عثمان: وأخبرني زهير انه بلغه ان الحجر من رضراض ياقوت الجنة وكان أبيض يتلألأ فسوده أرجاس المشركين وسيعود إلى ما كان عليه قال: وهو يوم القيامة مثل أبي قبيس في العظم، له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق ويشهد على من استلمه بغير حق، حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نزل آدم عليه السلام من الجنة معه الحجر الأسود متأبطه وهو ياقوتة من يواقيت الجنة ولولا ان الله طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه ونزل بالباسنة ونخلة العجوة قال أبو محمد الخزاعي: الباسنة آلات الصناع.
حدثنا أبو الوليد قال أخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن ابان بن أبي عياش إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل كعباً عن الحجر فقال: مروة من مرو الجنة.

باب ما جاء في تقبيل الركن الأسود

والسجود عليه

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر قال: رأيت ابن عباس رضي الله عنه جاء يوم التروية وعليه حلة مرجلا رأسه فقبل الركن الأسود وسجد عليه ثم قبله وسجد عليه ثلاثاً حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يطوف بالبيت: ما أنت الا حجر ولولا أني رأيت رسول الله )ص( يقبلك ما قبلتك يريد الركن .
حدثنا أبو الوليد حدثني مهدي بن أبي المهدي حدثنا سفيان بن عاصم عن ابن سرجس قال: رأيت الأصيلع يعني عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله )ص( يقبلك ما قبلتك يريد الركن .
حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي ابن أبي المهدي حدثنا إبراهيم بن الحكم ابن ابان حدثني أبي حدثني عكرمة قال: كان عمر بن الخطاب إذا بلغ موضع الركن قال: أشهد أنك حجر لا تضر ولا تنفع وإن ربي الله الذي لا إله الا هو ولولا أني رأيت رسول الله )ص( يمسحك ويقبلك ما قبلتك ولا مسحتك، وبه حدثنا إبراهيم بن الحكم بن ابان عن أبيه قال: ردف عكرمة مولى ابن عباس دين فخرج إلى اليمن يسأل فيه حتى بلغ عدن فقال له أبي: كم دينك ? قال: كذا وكذا قال: فأقم وعلى دينك ومثله فأقام عنده سنة فسمعت منه ما أريد.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان قال: أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: رأيت طاوساً أتى الركن فقبله ثلاثاً ثم سجد عليه وقال: قال عمر: انك لحجر ولولا أني رأيت رسول الله )ص( يقبلك ما قبلتك.

باب ما جاء في

فضل استلام الركن الأسود واليماني

 
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار حدثني معمر عن عطاء بن السايب إن عبيد بن عمير قال لابن عمر: اني أراك تزاحم على هذين الركنين فقال: اني سمعت رسول الله )ص( يقول: إن استلامهما يحط الخطايا حطا، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثني داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج إن رجلاً يقال له: حميد بن نافع قال لابن عمر: رأيتك تصنع أشياء لا يصنعها غيرك، فقال ابن عمر: انك لا تزال طاعناً في شيء ما هو ? قال: رأيتك تصفر لحيتك وتلبس النعال السبنية ولا تهل في الحج والعمرة حتى تنبعث بك ناقتك ولا تستلم الا هذين الركنين الشرقيين. قال: أما ما ذكرت من تصفير لحيتي فإني رأيت رسول الله )ص( يصفر لحيته، وأما ما ذكرت من النعال السبنية فإني رأيت رسول الله )ص( لم يلبس غيرها حتى مات، وأما ما ذكرت من استلام الركنين الشرقيين فإن رسول الله )ص( لم يستلم غيرهما حتى مات، وأما اهلالي حين تنبعث ناقتي فإن رسول الله )ص( لم يكن يهل حتى تنبعث به راحتله.
حدثنا أبو الوليد حدثني احمد بن ميسرة المكي حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: سمعت غير واحد من أهل المدينة يذكرون إن رجلاً سأل ابن عمر فقال: يا با عبد الرحمن نراك تفعل خصالاً أربعاً لا يفعلها الناس، نراك لا تستلم من الأركان الا الحجر والركن اليماني، ونراك لا تلبس من النعال الا السبنية، ونراك تصفر شعرك ويصبغ الناس بالحناء ونراك لا تحرم حتى تنبعث بك راحلتك، وتوجه فقال عبد الله: اني رأيت رسول الله )ص( يفعل ذلك.
حدثنا أبو الوليد حدثني احمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيه قال: وقد سمعت نافعاً يذكر هذه الخصال عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

الزحام على استلام الركن الأسود

والركن اليماني

حدثنا أبو الوليد قال حدثني احمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي )ص( انه كان لا يدع الركن الأسود والركن اليماني أن يستلمهما في كل طواف أتى عليهما، قال: وكان لا يستلم الآخرين قال: وأخبرني نافع إن ابن عمر كان لا يدعهما في كل طوف طاف بهما حتى يستلمهما لقد زاحم على الركن مرة في شدة الزحام حتى رعف فخرج فغسل عنه ثم رجع فعاد يزاحم فلم يصل إليه حتى رعف الثانية فخرج فغسل عنه ثم رجع فما تركه حتى استلمه.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني ابن ميسرة عن عبد المجيد عن أبيه عن نافع قال: لقد رأيت ابن عمر زاحم مرة على الركن اليماني حتى انبهر فتنحى فجلس في ناحية الطواف حتى استراح ثم عاد فلم يدعه حتى استلمه، قال أحمد بن ميسرة قال أخبرنا عبد المجيد قال أبي: ليس هذا بواجب على الناس ولكنه كان يحب أن يصنع كما صنع النبي )ص(.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: إن عبد الله بن عمر كان لا يترك استلام الركنين في زحام ولا غيره حتى رأيته زاحمنا عنه يوم النحر وأصابه دم فقال: قد اخطأنا هذه المرة.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا ابن عيينة عن إبراهيم بن أبي حرة قال: كنت ازاحم أنا وسالم بن عبد الله بن عمر على الركن حتى نستلمه قال سفيان: وقال غير إبراهيم بن أبي حرة كان سالم بن عبد الله لو زاحم الابل لزحمها، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى قال: سألت القاسم بن محمد عن استلام الركن فقال: استلمه وزاحم عليه يا بن أخي فقد رأيت ابن عمر يزاحم عليه حتى يدمى، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه إن النبي )ص( قال لعبد الرحمن بن عوف: كيف فعلت يا با محمد في استلام الركن الأسود ? قال: كل ذلك استلم واترك قال: أصبت وان رسول لله )ص( طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه يكره أن يضرب عنه الناس.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا ابن عيينة عن أبي يعقوب العبدي قال: سمعت رجلاً من خزاعة كان أميراً على مكة منصرف الحاج عن مكة يقول: إن رسول الله )ص( قال لعمر بن الخطاب: يا عمر انك رجل قوي وانك تؤذي الضعيف فإذا رأيت خلوة فاستلمه والا فكبر وامض.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه إن رسول الله )ص( قال لعبد الرحمن بن عوف: كيف صنعت يا با محمد في استلام الحجر ? وكان قد استأذنه في العمرة فقال: كلا قد فعلت استلمت وتركت فقال النبي )ص(: أصبت.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثني داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يستلم إذا وجد فجوة فإذا اشتد الزحام كبر كلما حاذاه.
حدثنا أبو الوليد قال حدثنا جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أخبرني عطاء انه سمع ابن عباس يقول: إذا وجدت على الركن زحاماً فلا تؤذ ولا تؤذى.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: كان طاوس قل ما استلم الركنين إذا رأى عليهما زحاماً قال وقال ابن عباس: لا تؤذ مسلماً ولا يؤذيك إن رأيت منه خلوة فقبله أو استلمه والا فامض.

الختم بالاستلام والاستلام في كل وتر

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثني داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة كان يختم طوافه باستلام الأركان كلها وكان لا يدع الركن اليماني الا أن يغلب عليه.
حدثني جدي حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: طفنا مع طاوس حتى إذا حاذى بالركن قال: استلموا بنا هذا لنا خامس قال ابن أبي نجيح: فظننت انه يستحب أن يستلمه في الوتر.

استلام الركنين الغربيين

اللذين يليان الحجر

حدثا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج أخبرني موسى بن عقبة عن أبي النضر إن عبد الله بن عمر لم يكن يدع الركنين اللذين يليان الحجر الا انه كان يرى إن البيت لم يتمم في ذلك الوجه، وبه عن عثمان بن ساج أخبرني عثمان بن الأسود عن مجاهد انه قال: الركنان اللذان يليان الحجر لا يستلمان، حدثنا أبو الوليد قال حدثني احمد بن ميسرة عن عبد المجيد عن أبيه حدثني نافع عن ابن عمر انه طاف معه مرة فلما حاذى الركن الغربي ذهب ليستلم وهو ناسي فلما مد يده قبضها ولم يستلم ثم أقبل علي فقال اني نسيت، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج أخبرني سليمان ابن عتيق عن عبد الله بن باباه عن بعض آل يعلى بن أمية عن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستلمنا الركن الأسود، قال يعلى: فكنت مما يلي باب البيت فلما حاذينا الركن الشامي مددت يدي لأستلم فقال: ما شأنك ? فقلت: الا تستلم ? فقال ألم تطف مع النبي )ص( ? قال: قلت: بلى قال: افرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين ? قال: قلت: لا، قال: افليس لك في رسول الله اسوة حسنة ? قال: قلت: بلى قال: فأبعد عنه.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد عن عثمان عن موسى ابن عقبة أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر انه لم يزل يرى أباه عبد الله بن عمر في حج ولا عمرة إذا طاف بالبيت يدع مس الركن الأسود واليماني وانه لم يره يمس الركنين الأخرين.

ترك استلام الأركان

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثني يحيى بن سليم حدثنا إسماعيل بن كثير قال حدثني مجاهد قال: كنا مع عبد الله ابن عمر في الطواف فنظر إلى رجل يطوف كالبدوي طويل مضطرب حجرة من الناس فقال: أي شيء تصنع ها هنا ? قال: أطوف فقال: مثل الجمل تخبط ولا تستلم ولا تكبر ولا تذكر الله تعالى ثم قال له: ما اسمك ? قال: حنين قال: فكان ابن عمر إذا رأى الرجل لا يستلم الركن قال: أحنيني هو. حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني ابن جريج إن عبد الله بن عمر رأى رجلاً يطوف بالبيت لا يستلم فقال: يا هذا ما تصنع ها هنا ? قال: أطوف قال: ما طفت ?. وبه عن عثمان بن ساج قال: وأخبرني ابن أبي أنيسة عن عطاء بن أبي رباح قال: طفت مع جابر بن عبد الله ومع عبد الله بن عمرو بن العاص ومع ابن عباس ومع أبي سعيد الخدري فما رأيت منهم انساناً استلمه حتى فرغ.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا ابن عيينة قال: رأيت عبد الله بن طاوس وطفت معه فلما حاذى الركن رفع يده وكبر.

استلام النساء الركن

حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن الزنجي عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال: قالت امرأة وهي تطوف مع عائشة: انطلقي فاستلمي يأم المؤمنين فجذبتها وقالت: انطلقي عنا وأبت أن تستلم.
حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن أبي عمر حدثنا حكام بن سلم الرازي حدثنا المثنى ابن الصباح قال: كنا نطوف مع عطاء ابن أبي رباح فرأى امرأة تريد أن تستلم الركن فصاح بها وزجرها: غطي يديك لا حق للنساء في استلام الركن، قال أبو محمد: حدثنا يحيى بن المقري حدثنا حكام بن سلم باسناده مثله.

تقبيل الركن اليماني

ووضع الخد عليه

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي وعبد الله بن مسلمة القعنبي قالا: حدثنا عيسى بن يونس ابن أبي إسحاق: السبيعي حدثنا عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد قال: كان رسول الله )ص( يستلم، الركن اليماني ويضع خده عليه.

استلام الركن اليماني وفضله

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم لقداح عن عثمان بن ساج قال أخبرني عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمر بالركن اليماني الا وعنده ملك يقول: يا محمد استلم، وبه عن عثمان أخبرني ياسين عن عبد الله بن حميد عن إبراهيم النخعي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله )ص(: ما مررت بالركن اليماني الا وجدت جبريل غليه قائماً، وبه قال وأخبرني ياسين عن عبد الله بن الزبير عن أبيه انه قال: يا بني أدنني من الركن اليماني فإنه كان يقال: انه باب من أبواب الجنة، وبه عن عثمان قال وأخبرني جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي وقد مررنا قريباً من الركن اليماني ونحن نطوف دونه فقلت: ما أبرد هذا المكان فقال: قد بلغني انه باب من أبواب الجنة، وبه عن عثمان قال: وبلغني عن عطاء قال: قيل: يا رسول الله رأيناك تكثر استلام الركن اليماني، قال: فقال: إن كان قاله ما أتيت عليه قط الا وجبريل قائم عنده يستغفر لمن استلمه، وبه عن عثمان وأخبرني زهير بن محمد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين عن مجاهد قال: من وضع يده على الركن اليماني ثم دعا استجيب له قال: قلت له: قم بنا يا با الحجاج فلنفعل ذلك ففعلنا ذلك.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي أخبرنا سعيد عن عثمان بن ساج حدثنا عثمان بن الأسود عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين عن مجاهد قال: ما من انسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو الا استجيب له، قال: وبلغني ان بين الركن اليماني والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه هم هنالك منذ خلق الله سبحانه البيت.

باب ما يقال عند استلام الركن الأسود

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل بلغك من قول يستحب عنده استلام الركن ? قال: لا، وكأنه يأمر بالتكبير.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر: انه كان إذا استلم الركن قال: بسم الله والله أكبر.
حدثنا أبو الوليد قال وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم قال أخبرني موسى بن عبيدة عن سعيد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب إن عمر ابن الخطاب كان يقول إذا كبر لاستلام الحجر: بسم الله والله أكبر على ما هدانا الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت وبلات والعزى وما يدعى من دون الله، إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين قال عثمان: بلغني انه يستحب أن يقال عند استلام الركن: بسم الله والله أكبر اللهم ايماناً بك وتصديقاً بما جاء به محمد رسول الله )ص(.

باب ما يقال من

الكلام بين الركن الأسود واليماني

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أخبرني يحيى بن عبيد إن عبد الله بن السايب أخبره إن أباه أخبره انه سمع النبي )ص( يقول فيما بين الركن اليماني والركن الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني ياسين حدثني إبراهيم عن الحجاج ابن الفرافصة عن علي بن أبي طالب انه كان إذا مر بالركن اليماني قال: بسم الله والله أكبر والسلام على رسول الله )ص( ورحمة الله وبركاته اللهم اني أعوذ بك من الكفر والفقر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وبه عن عثمان قال وأخبرني ياسين قال أخبرني أبو بكر بن محمد عن سعيد بن المسيب إن النبي )ص( كان إذا مر بالركن اليماني قال: اللهم اني أعوذ بك من الكفر والذل والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فقال رجل: يا رسول الله ارأيت إن كنت عجلا قال: وإن كنت أسرع من برق الخلب، قال أبو محمد الخزاعي الخلب السحاب الذي ليس فيه مطر، قال: وأخبرت إن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول بين الركنين: اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واحفظني في كل غائبة لي بخير انك على كل شيء قدير قال عثمان: وبلغني ان رجلاً كان على عهد رسول الله )ص( يقول بين الركن الأسود والركن اليماني ثلاث مرات: اللهم أنت الله وأنت الرحمن لا إله غيرك وأنت الرب لا رب غيرك وأنت القائم الدائم الذي لا تغفل وأنت الذي خلقت ما يرى وما لا يرى وأنت علمت كل شيء بغير تعليم فسمع النبي )ص( من صنيعه فقال: إن كان قاله والله اعلم بشروه بالجنة وأخبروه انه في قومه مثل صاحب ياسين في قومه. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثني عيسى بن يونس حدثنا عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد انه كان يقول ملك موكل بالركن اليماني منذ خلق الله السموات والأرض يقول آمين فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمر بن قتادة عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: على الركن اليماني ملكان موكلان يؤمنان على دعاء من يمر بهما وان على الأسود ما لا يحصى.

ما يقال عند استلام الركن

ومن أي جانب يستلم

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا ابن عيينة عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: يقال عند استلام الركن: اللهم اجابة دعوة نبيك واتباع رضوانك وعلى سنة نبيك )ص(.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سفيان بن عبد الكريم عن مجاهد قال: لا بأس أن يستلم الحجر من قبل الباب؛ حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج وأخبرني خصيف بن عبد الرحمن إن مجاهداً قال له: لا تستلم الحجر من قبل الباب ولكن استقبله استقبالاً، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرت ان طاوساً استقبله حين ابتدأ الطواف، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد ابن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني المثنى بن الصباح إن عطاء كان يستلم الحجر من أين شاء.

ما جاء في رفع الركن الأسود

حدثنا أبو الوليد قال أخبرني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال أخبرني زهير بن محمد عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله )ص( أكثروا استلام هذا الحجر فإنكم توشكون أن تفقدوه بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذا أصبحوا وقد فقدوه إن الله عز وجل لا يترك شيئاً من الجنة في الأرض الا أعاده فيها قبل يوم القيامة، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن عثمان أخبرني إبراهيم الصايغ عن رجل عن عمرو بن ميمون الأودي عن يوسف بن ماهك قال: إن الله تعالى جعل الركن عيد اهل هذه القبلة كما كانت المائدة عيداً لبني إسرائيل وانكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم وإن جبريل وضعه في مكانه وانه يأتيه فيأخذه من مكانه، قال عثمان: وحدثت عن مجاهد انه قال: كيف بكم إذا أسري بالقرآن ورفع من صدوركم ونسخ من قلوبكم ورفع الركن ? قال عثمان: وبلغني عن النبي )ص( انه قال: أول ما يرفع الركن والقرآن ورؤيا النبي )ص( في المنام.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج عن مقاتل عن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: إن الله تعالى يرفع القرآن من صدور الرجال والحجر الأسود قبل يوم القيامة.

ما جاء في تقبيل الأيدي إذا استلم الركن

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال: رأيت عبد الله بن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم قال ابن جريج قلت له: وابن عباس قال: وابن عباس حسبت كثيراً.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا عبد الله بن يحيى السهمي قال: رأيت عطاء بن أبي رباح وعكرمة بن خالد وابن أبي مليكة يطوفون بعد العصر ويصلون، ورأيتهم يستلمون الركن الأسود واليماني ويقبلون أيديهم ويمسحون بها وجوههم وربما استلموا ولا يمسحون بها أفواههم ولا وجوههم.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا عيسى بن يونس بن أبي إسحاق عن عبد الله ابن أبي زياد قال: رأيت عطاء ومجاهداً وسعيد بن جبير إذا استلموا الركن قبلوا أيديهم.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن الزنجي عن ابن جريج قال: قال عمرو بن دينار: جفا من استلم الركن ولم يقبل يده، قال ابن جريج: وأخبرت أن النبي )ص( كان إذا طاف على راحلته يستلم الركن بمحجنه ثم يقبل طرف المحجن، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سفيان انه سمع حميد بن حيان قال: رأيت سالم بن عبد الله إذا استلم يضع يده على خده أو جبهته، قال سفيان: ورأيت أيوب بن موسى إذا استلم الركن يضع يده على جبهته أو على خده، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سفيان عن عبد الكريم عن مجاهد قال: لا بأس أن تستلم الحجر من قبل الباب.

أول من استلم الركن الأسود

قبل الصلاة وبعدها من الأئمة

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: أول من استلم الركن الأسود من الأئمة قبل الصلاة وبعدها ابن الزبير فاستحسنت ذلك الولاة بعده فاتبعته.

ذكر ما يدور بالحجر الأسود من الفضة

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي قال: كان ابن الزبير أول من ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه الحريق ثم كانت الفضة قد رقت وتزعزعت وتقلقلت حول الحجر الأسود حتى خافوا على الركن أن ينقص فلما اعتمر أمير المؤمنين هارون الرشيد وجاور في سنة تسع وثمانين وماية أمر بالحجارة التي بينها الحجر الأسود فثقبت بالماس من فوقها وتحتها ثم افرغ فيها الفضة وكان الذي عمل ذلك ابن الطحان مولى ابن المشمعل وهي الفضة التي هي عليه اليوم.

ذكر ذرع ما يدور بالحجر الأسود من الفضة

ذراع وأربع أصابع، وذرع ما بين الحجر إلى الأرض ذراعان وثلثا ذراع، وذرع ما بين الركن والمقام ثمانية وعشرون ذراعاً، وحول الحجر الأسود طوق من فضة مفرغ وهو يلي الجدر ودخول الفضة التي حول الحجر الأسود ودخول الحجر الأسود في الجدر عن وجه حد الجدر اصبعان ونصف.

ما جاء في الملتزم والقيام في ظهر الكعبة

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن أبي الزبير المكي عن ابن عباس قال: الملتزم والمدعى والمتعوذ ما بين الحجر والباب، قال أبو الزبي: فدعوت هنالك بدعاء بحذاء الملتزم فاستجيب لي، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي أخبرنا ابن عيينة عن حميد عن مجاهد قال: رأيت ابن عباس وهو يستعيذ ما بين الركن والباب.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم حدثنا عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ولا يقوم عبد ثم فيدعو الله عز وجل بشيء الا استجاب له.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي حدثنا سفيان عن عبد الكريم عن مجاهد قال: الصق خديك بالكعبة ولا تضع جبهتك، حدثنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن ملمة القعنبي حدثنا عيسى بن يونس عن المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله بن عمرو فلما جئنا دبر الكعبة قلت: الا تتعوذ ? قال: أعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن والباب ثم وضع صدره ووجهه وذراعين وكفيه بسطاً وقال: هكذا رأيت رسول لله )ص( يفعل.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن مسلم بن خالد الزنجي عن عثمان ابن يسار عن المغيرة بن حكيم عن سعد بن خيثمة انه رأى اناساً يتعلقون بالبيت فقال والله لو رأيتنا وما نفعل هذا والله ما يرضى بعضهم حتى انه ليستدبرها باسته، حدثنا أبو الوليد قال حدثني محمد بن يحيى حدثنا عبد العزيز ابن عمران عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عطاء قال: مر ابن الزبير بعبد الله بن عباس بين الباب والركن الأسود فقال ليس ها هنا الملتزم، الملتزم دبر البيت، قال ابن عباس: هناك ملتزم عجايز قريش.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج أخبرني المثنى بن الصباح عن عطاء قال: طاف عبد الملك بن مروان والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة اسبوعاً حتى إذا كانا في دبر الكعبة تعوذ عبد الملك فقال الحارث أتدري من أحدث هذا أحدثه عجايز قومك، قال عثمان: وبلغني عن مجاهد قال قال معاية بن أبي سفيان: من قام عند ظهر البيت فدعا استجيب له وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، حدثنا أبو الوليد حدثنا سفيان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: رأيت القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز يقفان في ظهر الكعبة بحيال الباب فيتعوذان ويدعوان.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج حدثني زهير بن أبي بكر المديني عن عطاء عن ابن عباس قال: من التزم الكعبة ثم دعا استجيب له، فقيل له: وإن كانت استلامة واحدة، قال: وإن كانت أوشك من برق الخلب.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني محمد بن يحيى حدثنا هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم انه قال: طاف آدم سبعاً بالبيت حين نزل ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين ثم أتى الملتزم فقال: اللهم انك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي، وتعلم حاجتي فاعطني سؤلي، اللهم اني أسألك ايماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم انه لن يصيبني الا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قد دعوتني بدعوات واستجبت لك ولن يدعوني بها أحد من ولدك الا كشفت همومه وغمومه وكففت عليه ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين عينيه وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها قال: فمنذ طاف آدم كانت سنة الطواف.
حدثنا أبو الوليد حدثني أحمد بن نصر العرني عن عثمان بن اليمان عن حفص بن سليمان عن علقة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله )ص(: طاف آدم بالبيت سبعاً حين نزل ثم نسق مثل هذا الحديث حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن ابن عيينة عن حميد بن قيس عن مجاهد قال: جئت ابن عباس وهو يتعوذ بين الباب والركن الأسود فقلت له كيف تقرأ هذه الآية قالوا ساحران تظاهرا، قال لي: عكرمة مولاه سحران تظاهرا.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن عبد المجيد عن ابن جريج والمثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه انه قال: طاف محمد ابن عبد الله بن عمرو مع أبيه عبد الله بن عمرو بن العاص فلما كان في السابع أخذ بيده إلى دبر الكعبة فجبذه وقال أحدهما: أعوذ بالله من النار، وقال الآخر: أعوذ بالله من الشيطان ثم مضى حتى أتى الركن فاستلمه ثم قام بين الركن والباب فألصق وجهه وصدره بالبيت وقال: هكذا رأيت رسول الله )ص( فعل، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن يحيى بن سليم عن محمد ابن السايب بن بركة عن أمه إن عائشة رضي الله عنها زوج النبي )ص( أرسلت إلى أصحاب المصابيح فاطفوها ثم طافت في ستر وحجاب قالت وطفت معها فطافت ثلاثة أسبع كلما طافت سبعاً وقفت بين الباب والحجر تدعو، حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن يحيى بن سليم عن عثمان ابن الأسود عن مجاهد قال: كان يقال: ما بين الباب والحجر يدعى الملتزم ولا يقوم عبد عنده فيدعو الا رجوت أن يستجاب له، قال أبو الوليد ذرع الملتزم وهو ما بين باب الكعبة وحد الركن الأسود أربعة أذرع.

ما جاء في الصلاة في وجه الكعبة

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم ابن حكيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس ان النبي )ص( قال: أمني جبريل عند باب الكعبة مرتين، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء إن موسى بن عبد الله بن جميل سلم على ابن عباس وهو يصلي في وجه الكعبة فأخذ بيده.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: البيت كله قبلة وقبلته وجهه فإن أخطاك وجهه فقبلة النبي )ص(، وقبلة النبي )ص( ما بين الميزاب إلى الركن الشامي الذي يلي المقام.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سفيان عن عمرو قال رأيت ابن الزبير: إذا صلى العصر تقدم إلى وجه الكعبة فصلى ركعتين، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن محمد بن عباد عن جعفر عن ابن السايب إن النبي )ص( صلى يوم الفتح في وجه الكعبة حذو الطرقة البيضاء ثم رفع يديه فقال هذه القبلة، قال أبو الوليد: قال جدي: كان داود بن عبد الرحمن يشير لنا إلى الموضع الذي صلى فيه النبي )ص( من وجه الكعبة قبل أن يطلى على الشاذروان الذي تحت أزار الكعبة الجص والمرمر عند الحجر السابع أو التاسع، قال جدي: الذي يشك في باب الحجر الشرقي، قال أبو الوليد قال جدي: إن رأيت المرمر والجص قد قرف عن الشاذروان فعد سبعة أحجار من باب الحجر الشرقي فإن كان السابع حجر طويل من أطول السبعة فيه حفر شبه النقر فهو الموضع والا فهو التاسع، قال داود وكان ابن جريج يشير لنا إلى هذا الموضع ويقول هذا الموضع الذي صلى فيه النبي )ص( وهو الموضع الذي جعل فيه المقام حين ذهب به سيل أم نهشل إلى أن قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرده إلى موضعه الذي كان فيه في الجاهلية وفي عهد النبي )ص( وأبي بكر رضي الله عنه وبعض خلافة عمر رضي الله عنه إلى أن ذهب به السيل.
إلى هنا انتهى الجزء الأول من كتاب أخبار مكة المكرمة ويليه إن شاء الله الجزء الثاني، وأوله:

الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

باب ما جاء في فضل الطواف بالكعبة


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني معمر عن عطاء بن السايب عن عبيد بن عمير عن ابن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طاف بالبيت كتب الله عز وجل له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيئة. حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثني عيسى بن يونس عن عبد الله ابن أبي سليمان حدثني مولى أبي سعيد الخدري قال: رأيت أبا سعيد يطوف بالبيت وهو متكيء على غلام له يقال له طهمان وهو يقول: لأن أطوف بهذا البيت أسبوعاً لا أقول فيه هجراً وأصلي ركعتين أحب إلي من أن أعتق طهمان وضرب بيده على منكبه. حدثنا أبو الوليد حدثني جدي أخبرنا الزنجي عن ابن جريج أخبرني قدامة بن موسى بن قدامة بن مظعون أن أنس بن مالك قدم المدينة فركب إليه عمر بن عبد العزيز فسأله عن الطواف للغرباء أفضل أم العمرة ? قال: بل الطواف. حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن الزنجي عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا البيت دعامة الاسلام من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة، وعن العلاء المكي عن جابر بن ساج الجزري قال: جلس كعب الأحبار أو سلمان الفارسي بفناء البيت، فقال: شكت الكعبة إلى ربها عز وجل ما نصب حولها من الأصنام وما استقسم به من الأزلام فأوحى الله تعالى إليها اني منزل نوراً وخالق بشراً يحنون اليك حنين الحمام إلى بيضه ويدفون اليك دفيف النسور فقال له قائل: وهل لها لسان ? قال: نعم وأذنان وشفتان. حدثنا أبو الوليد حدثني يحيى بن سعيد عن أخيه علي بن سعيد عن سعيد بن سالم أخبرنا إسماعيل بن عياش عن مغيرة بن قيس التميمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انه قال من توضأ وأسبغ الوضوء ثم أتى الركن يستلمه خاض في الرحمة فإن استلمه فقال: بسم الله والله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، غمرته الرحمة فإذا طاف بالبيت كتب الله عز وجل له بكل قدم سبعين ألف حسنة وحط عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة وشفع في سبعين من اهل بيته فإذا أتى مقام إبراهيم عليه السلام فصلى عنده ركعتين إيماناً واحتساباً كتب الله له كعتق أربعة عشر محرراً من ولد إسماعيل وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، قال القداح: وزاد فيه آخر وأتاه ملك فقال له: أعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى. حدثنا أبو الوليد حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح حدثنا خلف بن ياسين عن أبي الفضل الفراء عن المغيرة بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرج المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض في الرحمة فإذا دخله غمرته ثم لا يرفع قدماً ولا يضع قدماً إلا كتب الله عز وجل له بكل قدم خمسمائة حسنة وحط عنه خمسمائة سيئة أو قال خطيئة ورفعت له خمسمائة درجة فإذا فرغ من طوافه فصلى ركعتين دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل واستقبله ملك على الركن فقال له: استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى وشفع في سبعين من اهل بيته. قال أبو محمد الخزاعي: حدثنا يحيى بن سعيد بن سالم بإسناده مثله حدثنا أبو الوليد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم الجبيري عن عثمان بن عبد الرحمن عن عمرو بن يسار المكي قال: إن الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكاً في بعض أموره إلى الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته الحرام فهبط مهلاً وإن البعير إذا حج عليه بورك في أربعين من أمهاته وإذا حج عليه سبع مرار كان حقاً على الله عز وجل أن يرعى في رياض الجنه. حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: من طاف بهذا البيت سبعاً وصلى عنده ركعتين كان له عدل عتق رقبة. حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا عطاف ابن خالد المخزومي عن إسماعيل بن نافع عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف فجاءه رجلان: أحدهما أنصاري، والآخر ثقفي، فسلما عليه ودعوا له فقالا جئناك يا رسول الله لنسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألان عنه فعلت وإن شئتما أسكت فتسألان فعلت فقالا: أخبرنا يا رسول الله نزداد ايماناً أو  
يقيناً يشك إسماعيل بن نافع فقال الأنصاري للثقفي سل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الثقفي: بل أنت فاسأله فإني أعرف لك حقك قال: أخبرني يا رسول الله قال: جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، وعن الركعتين بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن موقفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه وعن نحرك وما لك فيه، وعن حلقك رأسك وما لك فيه وعن طوافك بالبيت بعد ذلك وما لك فيه. قال: أي والذي بعثك بالحق نبياً انه الذي جئت أسألك عنه، قال صلى الله عليه وسلم: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام ما تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه الا كتب الله لك بذلك حسنة ومحا عنك به خطيئة ورفع لك به درجة وأما طوافك بالبيت فإنك لا تضع رجلاً ولا ترفعها إلا كتب الله عز وجل لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة ورفع لك درجة وأما ركعتاك بعد الطواف فعدل سبعين رقبة من ولد إسماعيل وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعدل رقبة وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله عز وجل يهبط إلى السماء الدنيا ثم يباهي بكم الملائكة ويقول هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل أو عدد القطر أو زبد البحر لغفرتها أفيضوا فقد غفرت لكم ولمن شفعتم له وأما رميك الجمار فلك بكل رمية كبيرة من الكباير الموبقات الموجبات وأما نحرك فمذخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة فقال يا رسول الله: أرأيت إن كانت الذنوب أقل من ذلك ? قال: يذخر لك في حسناتك وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتي ملك حتى يضع كفه بين كتفيك فيقول لك أعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى وقال الثقفي: أخبرني يا رسول الله قال: جئتني تسألني عن الصلاة قال: أي والذي بعثك بالحق نبياً لعلمها جئت أسألك. قال إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء فإنك إذا تمضمضت انتثرت الذنوب من شفتيك وإذا استنشقت انتثرت الذنوب من منخريك وإذا غسلت وجهك انتثرت الذنوب من أشفار عينيك وإذا غسلت يديك انتثرت الذنوب من أظفار يديك فإذا مسحت رأسك انتثرت الذنوب من رأسك فإذا غسلت قدميك انتثرت الذنوب من أظفار قدميك فإذا قمت إلى الصلاة فاقرأ من القرآن ما تيسر فإذا ركعت فامكن يديك على ركبتيك وأفرق بين أصابعك واطمأن راكعاً فإذا سجدت فامكن رأسك من السجود حتى تطمئن سجودك وصل من أول الليل وآخره قال: فإن صليت الليل كله قال: فأنت إذاً أنت حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة المكي حدثنا يحيى بن سليم قال: حدثني محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج من مكة كان له بكل خطوة يخطوها بعيره سبعون حسنة فإن حج ماشياً كان له بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم تدري وما حسنات الحرم ? الحسنة بمائة ألف حسنة.يناً يشك إسماعيل بن نافع فقال الأنصاري للثقفي سل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الثقفي: بل أنت فاسأله فإني أعرف لك حقك قال: أخبرني يا رسول الله قال: جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، وعن الركعتين بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن موقفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه وعن نحرك وما لك فيه، وعن حلقك رأسك وما لك فيه وعن طوافك بالبيت بعد ذلك وما لك فيه. قال: أي والذي بعثك بالحق نبياً انه الذي جئت أسألك عنه، قال صلى الله عليه وسلم: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام ما تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه الا كتب الله لك بذلك حسنة ومحا عنك به خطيئة ورفع لك به درجة وأما طوافك بالبيت فإنك لا تضع رجلاً ولا ترفعها إلا كتب الله عز وجل لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة ورفع لك درجة وأما ركعتاك بعد الطواف فعدل سبعين رقبة من ولد إسماعيل وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعدل رقبة وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله عز وجل يهبط إلى السماء الدنيا ثم يباهي بكم الملائكة ويقول هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل أو عدد القطر أو زبد البحر لغفرتها أفيضوا فقد غفرت لكم ولمن شفعتم له وأما رميك الجمار فلك بكل رمية كبيرة من الكباير الموبقات الموجبات وأما نحرك فمذخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة فقال يا رسول الله: أرأيت إن كانت الذنوب أقل من ذلك ? قال: يذخر لك في حسناتك وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتي ملك حتى يضع كفه بين كتفيك فيقول لك أعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى وقال الثقفي: أخبرني يا رسول الله قال: جئتني تسألني عن الصلاة قال: أي والذي بعثك بالحق نبياً لعلمها جئت أسألك. قال إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء فإنك إذا تمضمضت انتثرت الذنوب من شفتيك وإذا استنشقت انتثرت الذنوب من منخريك وإذا غسلت وجهك انتثرت الذنوب من أشفار عينيك وإذا غسلت يديك انتثرت الذنوب من أظفار يديك فإذا مسحت رأسك انتثرت الذنوب من رأسك فإذا غسلت قدميك انتثرت الذنوب من أظفار قدميك فإذا قمت إلى الصلاة فاقرأ من القرآن ما تيسر فإذا ركعت فامكن يديك على ركبتيك وأفرق بين أصابعك واطمأن راكعاً فإذا سجدت فامكن رأسك من السجود حتى تطمئن سجودك وصل من أول الليل وآخره قال: فإن صليت الليل كله قال: فأنت إذاً أنت حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة المكي حدثنا يحيى بن سليم قال: حدثني محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج من مكة كان له بكل خطوة يخطوها بعيره سبعون حسنة فإن حج ماشياً كان له بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم تدري وما حسنات الحرم ? الحسنة بمائة ألف حسنة.
 
حدثنا أبو الوليد قال وحدثني ابن أبي عمر حدثني إسماعيل بن إبراهيم الصايغ قال: حدثني هارون بن كعب عن زيد الحواري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه جمع بنيه عند موته فقال. يا بني لست آسي على شيء كما آسي ان لا أكون حججت ماشياً فحجوا مشاة قالوا: ومن أين ? قال من مكة حتى ترجعوا إليها فإن للراكب بكل قدم سبعين حسنة وللماشي بكل قدم سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قالوا: وما حسنات الحرم ? قال: الحسنة بمائة ألف حسنة، قال أبو محمد الخزاعي حدثناه ابن أبي عمر باسناده مثله. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني يحيى بن سعيد عن أخيه علي بن سعيد بن سالم القداح عن أبيه قال: أخبرني المثنى بن الصباح عن عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص انه قال: من طاف بالبيت سبعاً لمي تكلم فيه إلا بذكر الله تعالى ثم ركع ركعتين أو أربعاً كان كمن أعتق أربع رقاب. وبه عن سعيد بن سالم: أخبرنا إسرائيل بن يونس عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال: من طاف بالبيت سبعاً كان له عدل عتق رقبة من تقبل منه.

ما جاء في الرحمة

التي تنزل على اهل الطواف وفضل النظر إلى البيت

حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي حدثني داود بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو بكر المقدمي البصري حدثنا إسماعيل بن مجاهد حدثنا الأوزاعي عن حسان ابن عطية إن الله عز وجل خلق لهذا البيت عشرين ومائة رحمة ينزلها في كل يوم فستون منها للطايفين، وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين، قال حسان: فنظرنا فإذا هي كلها للطائفين هو يطوف ويصلي وينظر.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني موسى بن عبيدة الربذي أخبرنا: عبد المجيد بن عمران العجلي عن إبراهيم النخعي أو حماد بن أبي سلمة قال: الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها من البلاد. حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم وسليم بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل الله عز وجل على هذا البيت كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ستون منها للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين قال عثمان: وأخبرني ياسين عن أبي الأشعث ابن دينار عن يونس بن خباب قال: النظر إلى الكعبة عبادة فيما سواها من الأرض عبادة الصايم القايم الدايم القانت، قال عثمان وأخبرني ياسين عن رجل عن مجاهد قال: النظر إلى الكعبة عبادة ودخول فيها دخول في حسنة وخروج منها خروج من سيئة. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد عن عثمان قال: أخبرني ياسين عن أبي بكر المدني عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: النظر إلى الكعبة محض الايمان وبه حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني ياسين عن ابن المسيب قال: من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه. قال عثمان: وأخبرني زهير بن محمد عن أبي السايب المديني قال: من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر قال عثمان: وأخبرني زهير بن محمد قال: الجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت قال عثمان: وبلغني عن عطاء قال: النظر إلى البيت عبادة والناظر إلى البيت بمنزلة الصائم القائم الدائم المخبت المجاهد في سبيل الله سبحانه.

ما جاء في القيام على باب المسجد

مستقبل البيت يدعو

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد عن عثمان بن ساج قال أخبرني عثمان بن الأسود قال: كنت مع مجاهد فخرجنا من باب المسجد فاستقبلت الكعبة فرفعت يدي فقال: لا تفعل ان هذا من فعل اليهود.

باب ما جاء في المشي في الطواف

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن مشي الانسان في الطواف فقال: أحب له أن يمشي فيه مشيه في غيره. حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن الزبير يطوف بالبيت فيسرع المشي ما رأيت أحداً أسرع مشياً منه، قال الخزاعي: حدثناه أبو عبيد الله قال: حدثنا سفيان عن عمرو باسناده مثله.
حدثني جدي عن سليم بن مسلم عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس قال: أسعد الناس بهذا الطواف قريش واهل مكة وذلك انهم ألين الناس فيه مناكب وانهم يمشون فيه التؤدة.

باب انشاد الشعر والاقران في الطواف

والاحصاء والكلام فيه وقراءة القرآن

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد ابن السايب عن أمه انها طافت مع عائشة ثلاثة أسبع فلم تفصل بينها بصلاة فلما فرغت ركعت ست ركعات، قالت: فذكر لها نسوة من قريش حسان بن ثابت وهي في الطواف فسبوه فقالت: أليس قد ذهب بصره? وهو القائل:

هجوت محمداً فأجبت عنه

 

وعند اللّه في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي

 

لعرض محمد منكم وقاء

أتهجوه ولست له بكـفء

 

فشركما لخيركما الفـداء

قال أبو محمد إسحاق: حدثناه أبو عبيد الله قال: حدثنا سفيان باسناده مثله. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن فضيل بن عياض قال: حدثنا منصور عن إبرهيم قال: القراءة في الطواف بدعة.
حدثني جدي عن الزنجي عن ابن جريج قال: قال عطاء: من طاف بالبيت فليدع الحديث كله إلا ذكر الله تعالى وقراءة القرآن. حدثني جدي قال حدثنا: يحيى بن سليم قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو في الطواف: كم تعد يا فلان ? ثم قال: تدري لم سألتك ? قال: الله ورسوله أعلم. قال: لكي تكون أحصى لعددك.
حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح قال: كان أكثر كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف في الطواف ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة قال: كنت أطوف مع طاوس فسألته عن شيء فقال: ألم أقل لك ? قال: قلت: لا أدري. قال: ألم أقل لك إن ابن عباس قال: إن الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام. حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة انه قدم مكة فطاف سبعاً فقرأ فيه بالسبع الطوال ثم طاف سبعاً آخر فقرأ فيه بالمائتين ثم طاف سبعاً آخر فقرأ فيه بالمثاني، قال الخزاعي إسحاق بن أحمد: حدثناه أبو عبيد الله قال: حدثنا سفيان باسناده مثله وزاد ثم طاف سبعاً آخر فقرأ بالحواميم ثم طاف سبعاً آخر فقرأ إلى آخر القرآن. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: القراءة في الطواف شيء أحدث.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني زهير بن محمد عن عبد الله بن توبة عن عبد الله بن عمر أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن ما لنا نراك تستلم الركنين استلاماً لا نرى أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، قال: اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما ويقول: استلامهما يمحو الخطايا، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طاف سبعاً يحصيه كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة وحطت عنه سيئة ورفعت له درجة ثم صلى ركعتين كان له كعتق. حدثني جدي عن عيسى بن يونس عن إسماعيل بن عبد الملك قال: رأيت سعيد بن جبير يتكلم في الطواف ويضحك. قال أبو الوليد: كتب إلى عبد الله بن أبي غسان رجل من رواة العلم من ساكن صنعاء وحمل الكتاب إلى رجل ممن أثق به وأملاه بمحضره يقول في كتابه: حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن وهب بن الورد قال: كنت مع سفيان الثوري بعد العشاء الآخرة في الحجر فانصرف سفيان وبقيت تحت الميزاب فسمعت من تحت الأستار، إلى الله أشكو وإليك يا جبريل ما ألقى من الناس من التفكه حولي بالكلام، وقال في كتابه: وأخبرني يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية قال: لئن عشت وطالت بك حياتك لترين الناس يطوفون حول الكعبة ولا يصلون. قال: وسمعت غير واحد من الفقهاء يقولون: بني هذا البيت على سبع وركعتين. حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء عن ابن عباس قال: حج آدم فطاف بالبيت سبعاً فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال: فما كنتم تقولون في الطواف ? قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال آدم: فزيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: فزادت الملائكة فيها ذلك قال: فلما حج إبراهيم عليه السلام بعد بنائه البيت فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم إبراهيم: ماذا تقولون في طوافكم ? قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأعلمناه ذلك فقال: زيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقال إبراهيم: زيدوا فيها العلي العظيم ففعلت الملائكة.

ما جاء في القيام في الطواف

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة المكي قال: حدثنا عبد المجيد ابن أبي رواد قال: سألت أبي عن القيام في الطواف فقال: كان عبد الكريم بن أبي المخارق أول من نهاني عن ذلك قال: أخذت بيده فاحتبسته لأسأله عن شيء فأنكر علي ذلك نكرة شديدة ووعظني فيه بأشياء قال: فبعثني ذلك على مسألته فأخبرت إن المطلب بن أبي وداعة خرج نحو البادية ثم قدم فرأى ناساً قياماً في الطواف يتحدثون فأنكر ذلك ثم قال: اتخذتم الطواف أندية قال أبي: ثم سألت نافعاً مولى ابن عمر فقلت: هل كان ابن عمر يقوم في الطواف ? فقال: لا، رأيته قائماً فيه حتى يفرغ منه إلا عند الحجر والركن اليماني فإنه لا يدعهما إن يستلمهما في كل طواف طاف بهما.

ما جاء في النقاب للنساء في الطواف

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء إنه كره أن تطوف المرأة بالكعبة وهي متنقبة حتى أخبرته صفية بنت شيبة أنها رأيت عائشة تطوف بالبيت وهي متنقبة فرجع عن رأيه ذلك وأرخص فيه. حدثني أحمد بن ميسرة المكي عن عبد المجيد عن أبيه قال: أخبرني عبد الكريم بن أبي المخارق انه كان يكره للنساء التنقب في الطواف.

من نذر أن يطوف على أربع

ومن كره الأقران والطواف راكباً


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس انه سئل عن امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال: تطوف عن يديها سبعاً وعن رجليها سبعاً. حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن عياش بن أبي ربيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم رجلين مقترنين قد ربط أحدهما نفسه إلى صاحبه بطريق المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال الأقران ? قالا: يا نبي الله نذرنا أن نقترن حتى نطوف بالبيت فقال: أطلقا قرانكما فلا نذر إلا ما ابتغي به وجه الله. حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن أبي جريج عن عطاء أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم طافت بالبيت يوم النحر راكبة من وراء المصلين، قال أبو الوليد: حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه إن أم سلمة طافت بالبيت على بعير.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: طاف رجل بالبيت على فرس فمنعوه فقال: أتمنعوني أن أطوف على كوكب ? قال: فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب عمر أن امنعوه. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الافاضة على راحلته واستلم الركن بمحجنه وقبل طرف المحجن وذلك ليلاً.

ما جاء في طواف الحية

حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن بشر بن تيم عن أبي الطفيل قال: كانت إمرأة من الجن في الجاهلية تسكن ذا طوى وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره وكانت تحبه حباً شديداً وكان شريفاً في قومه فتزوج وأتى زوجته فلما كان يوم سابعه قال لأمه: يأمت اني أحب أن أطوف بالكعبة سبعاً نهاراً فقالت له أمه: أي بني اني أخاف عليك سفهاء قريش فقال: أرجو السلامة فأذنت له فولى في صورة جان، فلما أدبر جعلت تعوذه وتقول: أعيذه بالكعبة المستورة، ودعوات ابن أبي محذورة، وما تلى محمد من سورة، اني إلى حياته فقيرة، وإنني بعيشه مسرورة فمضى الجان نحو الطواف فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلباً حتى إذا كان ببعض دور بني سهم عرض له شاب من بني سهم أحمر أكشف أزرق أحول أعسر فقتله فثارت بمكة غبرة حتى لم تبصر لها الجبال قال أبو الطفيل: وبلغنا انه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن قال: فأصبح من بني سهم على فرشهم موتي كثير من قتل الجن وكان فيهم سبعون شيخاً أصلع سوى الشباب قال: فنهضت بنو سهم وحلفاؤهم ومواليها وعبيدها فركبوا الجبال والشعاب بالثنية فما تركوا حية ولا عقرباً ولا حكاً ولا عضاية ولا خنفساً ولا شيئاً من الهوام يدب على وجه الأرض إلا قتلوه فأقاموا بذلك ثلاثاً فسمعوا في الليلة الثالثة على أبي قبيس هاتفاً يهتف بصوت له جهوري يسمع به بين الجبلين يا معشر قريش الله الله فإن لكم أحلاماً وعقولاً اعذرونا من بني سهم فقد قتلوا منا أضعاف ما قتلنا منهم ادخلوا بيننا وبينهم بالصلح نعطيهم ويعطونا العهد والميثاق أن لا يعود بعضنا لبعض بسوء أبداً ففعلت ذلك قريش واستوثقوا لبعض من بعض فسميت بنو سهم الغياطلة قتلة الجن حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني محمد بن نبيهة السهمي عن محمد بن هاشم السهمي قال: كنت بمال لي بتبالة أجد نخلاً لي به وبين يدي جارية لي فارهة فصرعت قدمي فقلت لبعض خدمنا: هل رأيتم هذا منها من قبل هذا ? قالوا: لا. قال: فوقفت عليها فقلت: يا معشر الجن أنا رجل من بني سهم وقد علمتم ما كان بيننا وبينكم في الجاهلية من الحرب وما صرنا إليه من الصلح والعهد والميثاق أن لا يغدر بعضنا ببعض، ولا يعود إلى مكروه صاحبه فإن وفيتم وفينا، وإن غدرتم عدنا إلى ما تعرفون. قال: فأفاقت الجارية ورفعت رأسها فما عيد إليها بمكروه حتى ماتت.
حدثنا أبو محمد قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني داود بن عبد الرحمن قال: حدثنا ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن طلق بن خبيب قال: كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو بن العاص في الحجر إذ قلص الظل وقامت المجالس إذا نحن ببريق أيم طالع من هذا الباب، يعني باب بني شيبة، فاشرأبت له أعين الناس فطاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين وراء المقام فقمنا إليه فقلنا: الا أيها المعتمر قد قضى الله نسكك وإن بأرضنا عبيداً وسفهاء وأنا نخشى عليك منهم فكوم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما في السماء حتى مثل علينا فما نراه. قال أبو محمد الخزاعي: الأيم الحية الذكر، قال أبو الوليد: أقبل طاير أشف من الكعيت شيئاً لونه لون الحبرة بريشة حمراء وريشة سوداء دقيق الساقين طويلهما له عنق طويلة دقيق المنقار طويله كأنه من طير البحر، يوم السبت يوم سبع وعشرين من ذي القعدة سنة ست وعشرين ومائتين حين طلعت الشمس والناس إذ ذاك في الطواف كثير من الحاج وغيرهم من ناحية أجياد الصغير حتى وقع في المسجد الحرام وقريباً من مصباح زمزم مقابل الركن الأسود ساعة طويلة، قال: ثم طار حتى صدم الكعبة في نحو من وسطها بين الركن اليماني والركن الأسود وهو إلى الأسود أقرب ثم وقع على منكب رجل في الطواف عند الركن الأسود من الحاج من أهل خراسان محرم يلبي وهو على منكبه الأيمن فطاف الرجل به أسابيع، والناس يدنون منه وينظرون إليه وهو ساكن غير مستوحش منهم، والرجل الذي عليه الطير يمشي في الطواف في وسط الناس وهم ينظرون إليه ويتعجبون، وعينا الرجل تدمعان على خديه ولحيته، قال: وأخبرني محمد بن عبد الله بن ربيعة قال: رأيته على منكبه الأيمن والناس يدنون منه وينظرون إليه فلا ينفر منهم ولا يطير. وطفت أسابيع ثلاثة كل ذلك أخرج من الطواف فأركع خلف المقام ثم أعود وهو على منكب الرجل، قال: ثم جاء إنسان من أهل الطواف فوضع يده عليه فلم يطر، وطاف بعد ذلك به ثم طار هو من قبل نفسه حتى وقع على يمين المقام ساعة طويلة وهو يمد عنقه ويقبضها إلى جناحه، والناس مستكفون له ينظرون إليه عند المقام إذ أقبل فتى من الحجبة فضرب بيده فيه فأخذه ليريه رجلاً منهم كان يركع خلف المقام فصاح الطير في يده أشد صياح وأوحشه، لا يشبه صوته أصوات الطير ففزع منه فأرسله من يده فطار حتى وقع بين يدي دار الندوة خارجاً من الظلال في الأرض قريباً من الأسطوانة الحمراء واجتمع الناس ينظرن إليه وهو مستأنس في ذلك كله غير مستوحش من الناس، ثم طار هو من قبل نفسه فخرج من باب المسجد الذي بين دار الندوة ودار العجلة نحو قعيقعان.

باب من قال إن الكعبة قبلة لأهل المسجد

والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة أهل الأرض ومتى صرفت القبلة إلى الكعبة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن عجلان عن ابن أبي حسين قال: الكعبة قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل الحرم؛ والحرم قبلة أهل الأرض. وحدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: صرفت القبلة بعد الهجرة بسبعة عشر شهراً. حدثني القعنبي عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح قال، قال: عبد الله بن عمرو: البيت كله قبلة، وقبلته وجهه، فإن فاتك ذلك فعليك بقبلة النبي صلى الله عليه وسلم، قال سفيان: هي ما بين الركن الشامي وميزاب الكعبة.

ما جاء في الصلاة في كل وقت

بمكة والطواف

حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن عبد الله ابن باباه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب إن وليتم من أمر هذا البيت شيئاً فلا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه قال: كان الرجال والنساء يطوفون معاً مختلطين حتى ولي مكة خالد بن عبد الله القسري لعبد الملك بن مروان ففرق بين الرجال والنساء في الطواف وأجلس عند كل ركن حرسا معهم السياط يفرقون بين الرجال والنساء، فاستمر ذلك إلى اليوم. قال جدي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: خالد القسري أول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف.
حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أخبرني أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة فقال: إن الله تعالى قد شرفك وكرمك وحرمك والمؤمن أعظم حرمة عند الله تعالى منك قال أبو محمد الخزاعي: سمعت بعض المشايخ يقول: بلغ خالد بن عبد الله القسري قول الشاعر:

يا حبذا الموسم من موفـد

 

وحبذا الكعبة من مشهـد

وحبذا اللاتي يزاحمنـنـا

 

عند استلام الحجر الأسود

فقال خالد: اما إنهن لا يزاحمنك بعد هذا فأمر بالتفريق بين النساء والرجال في الطواف.

ما جاء في الطواف في المطر

وفضل ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا داود بن عجلان أنه طاف مع أبي عقال في مطر قال: ونحن رجال فلما فرغنا من سبعنا أتينا نحو المقام فوقف أبو عقال دون المقام فقال: ألا أحدثكم بحديث تسرون به أو تعجبون به ? قلنا: بلى قال: طفت مع أنس بن مالك والحسن وغيرهما في مطر فصلينا خلف المقام ركعتين فأقبل علينا أنس بوجهه فقال لنا: استأنفوا العمل فقد غفر لكم ما مضى هكذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفنا معه في مطر، قال أبو محمد الخزاعي: حدثنا محمد بن أبي عمر عن داود بن عجلان باسناده مثله.

ما جاء في فضل الطواف

عند طلوع الشمس وعند غروبها

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافان لا يوافقهما عبد مسلم الا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فيغفر له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت طواف بعد صلاة الفجر يكون فراغه مع طلوع الشمس، وطواف بعد صلاة العصر يكون فراغه مع غروب الشمس، قال الخزاعي عن إسحق حدثناه ابن أبي عمر حدثنا عبد الرحمن بن زيد باسناده مثله الصواب عبد الرحيم.

ما جاء في صيام شهر رمضان بمكة

والاقامة بها وفضل ذلك

حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: ذكر عطاء بن كثير حديثاً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : المقام بمكة سعادة والخروج منها شقوة وقال عثمان: قال مقاتل: من نزل مكة والمدينة من غير أهلها محتسباً حتى يموت دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. قال عثمان: وأخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: سمعت سالم بن عبد الله يذكر إن غلاماً كان لعبد الله بن عمر يخرج له ثلاثمائة وخمسين درهماً في كل عام ويعلف له ظهره ما كان بمكة حتى يخرج. قال ابن عمر. لأخرجنك إلى المدينة قال: فأنا أزيدك في خراجي. قال: ما بي ذلك يا بني. قال سالم: فرأيته ينفق على غلامه بالمدينة. حدثني ابن أبي عمر حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة وكتب له كل يوم حسنة وكل ليلة حسنة وكل يوم عتق رقبة، وكل ليلة عتق رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وكل ليلة حملان فرس في سبيل الله تعالى، قال الخزاعي: إسحق حدثناه ابن أبي عمر قال: حدثنا عبد الرحيم بن زيد باسناده مثله.

ما جاء في الحطيم وأين موضعه


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر وكان إساف ونايلة رجل وامرأة دخلا الكعبة فقبلها فيها فمسخا حجرين، فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما في مكان زمزم والآخر في وجه الكعبة ليعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا. قال: فسمي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالايمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم فقل من دعا هنالك على ظالم إلا أهلك، وقل من حلف هنالك إثماً إلا عجلت له العقوبة فكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الايمان فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله بالاسلام فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة. حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن ناساً كانوا في الجاهلية حلفوا عند البيت على قسامة وكانوا حلفوا على باطل، ثم خرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نزلوا تحت صخرة فبينا هم قايلون إذ أقبلت الصخرة عليهم فخرجوا من تحتها يشتدون فانفلقت بخمسين فلقة فأدركت كل رجل منها فلقة فقتلته وكانوا من بني عامر بن لؤي، قال الزنجي: فكان ذلك الذي أقل عددهم فورث حويطب بن عبد العزى عامة رباعهم.
حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن ابن أبي نجيح عن حويطب بن عبد العزى انه قال: كان في الجاهلية في الكعبة حلق أمثال لجم البهم يدخل الخايف فيها يده فلا يريبه أحد، فلما كان ذات يوم ذهب خايف ليدخل يده فيها فاجتبذه رجل فشلت فيها يمينه فأدركه الاسلام وانه لأشل حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن حويطب بن عبد العزى قال: كنا جلوساً بفناء الكعبة في الجاهلية فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها، فجاء زوجها فمد يده إليها فيبست يده، فلقد رأيته في الاسلام بعد وانه لأشل.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن محمد بن سوقة قال: كنا جلوساً مع سعيد بن جبير في ظل الكعبة فقال: أنتم الآن في أكرم ظل على وجه الأرض.
حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه قالوا: أقامت قريش بعد قصي على ما كان عليه قصي بن كلاب من تعظيم البيت والحرم، وكان الناس يكرهون الايمان عند البيت مخافة العقوبة في أنفسهم وأموالهم قال الواقدي: فحدثني عبد المجيد بن أبي أنس عن أبيه عن أبي القاسم مولى ربيعة بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: عدا رجل من بني كنانة من هذيل في الجاهلية على ابن عم له فظلمه واضطهده، فناشده الله تعالى والحرم وعظم عليه فأبى إلا ظلمه فقال: والله لألحقن لحرم الله تعالى في الشهر الحرام فلأدعون الله عليك. فقال له ابن عمه مستهزئاً به: هذه ناقتي فلانة فأنا أقعدك على ظهرها فاذهب فاجتهد. قال: فاعطاه ناقته وخرج حتى جاء الحرم في الشهر الحرام فقال: اللهم اني أدعوك دعاء جاهد مضطر على فلان ابن عمي لترميه بداء لا دواء له. قال: ثم انصرف فوجد ابن عمه قد رمي في بطنه فصار مثل الزق فما زال ينتفخ حتى انشق. قال عبد المطلب: فحدثت بهذا الحديث ابن عباس فقال: أنا رأيت رجلاً دعا على ابن عم له بالعمى فرأيته يقاد أعمى. حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل رجلاً من بني سليم عن ذهاب بصره، فقال: يا أمير المؤمنين كنا بني ضبعاء عشرة وكان لنا ابن عم فكنا نظلمه ونضطهده وكان يذكرنا الله والرحم ان لا نظلمه، وكنا أهل جاهلية نرتكب كل الأمور، فلما رأى ابن عمنا أنا لا نكف عنه ولا نرد إليه ظلامته أمهل حتى إذا دخلت الأشهر الحرم انتهى إلى الحرم فجعل يرفع يديه إلى الله تعالى ويقول:

اللهم أدعوك دعاء جـاهـدا

 

أقتل بني الضبعاء الا واحدا

ثم اضرب الرجل فذره قاعدا

 

أعمى إذا ما قيد عني القايدا


فمات أخوة لي تسعة في تسعة أشهر في كل شهر واحد وبقيت أنا فعميت ورمى الله في رجلي وكمهت فليس يلايمني قايد. قال: فسمعت عمر بن الخطاب يقول: سبحان الله ان هذا لهو العجب. أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن شريك بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل ابن عمهم الذي دعا عليهم قال: دعوت عليهم ليالي رجب الشهر كله بهذا الدعاء فأهلكوا في تسعة أشهر وأصاب الباقي ما أصابه، أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد ابن سهيل عن مكرمة عن ابن عباس قال: دعا رجل على ابن عم له استاق ذوداً له فخرج يطلبه حتى أصابه في الحرم فقال: ذودي، فقال اللص، كذبت ليس الذود لك قال: فأحلف قال: إذ أحلف، فحلف عند المقام بالله الخالق رب هذا البيت ما الذود لك فقيل له: لا سبيل لك عليه فقام رب الذود بين الركن والمقام باسطاً يديه يدعو على صاحبه فما برح مقامه يدعو عليه حتى وله، فذهب عقله وجعل يصيح بمكة فمالي وللذود مالي ولفلان رب الذود، فبلغ ذلك عبد المطلب فجمع ذوده فدفعها إلى المظلوم فخرج بها وبقي الآخر متولهاً حتى وقع من جبل فتردى منه فأكلته السباع. حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن أيوب بن موسى أن امرأة كانت في الجاهلية معها ابن عم لها صغير، وكانت تخرج فتكتسب عليه ثم تأتي فتطعمه من كسبها فقالت له: يا بني ان أغيب عنك فإني أخاف عليك أن يظلمك ظالم فإن جاءك ظالم بعدي فإن لله تعالى بمكة بيتاً لا يشبهه شيء من البيوت ولا يقاربه مفسد وعليه ثياب، فإن ظلمك ظالم يوماً فعذبه فإن له رباً يسمعك قال: فجاءه رجل فذهب به فاسترقه. قال: وكان أهل الجاهلية يعمرن أنعامهم فأعمر سيده ظهره فلما رأى الغلام البيت عرف الصفة فنزل يشتد حتى تعلق بالبيت وجاء سيده فمد يده إليه ليأخذه فيبست يده فمد الأخرى فيبست يده الأخرى فاستفتى في الجاهلية فأفتي لينحر عن كل واحدة من يديه بدنة ففعل فأطلقت له يداه وترك الغلام وخلى سبيله.

ما يستحلف فيه بين الركن والمقام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن شيخ من بني البكاء قديم قد بلغ مائة سنة وصلى خلف معاوية بن أبي سفيان يقال له وهب يحدث عن قومه: إن رجلاً منهم تزوج إمرأة فسألته أمها بعيراً من أبله فأبى فقالت: اني قد أرضعتكما فرفع ذلك إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فرأى أن تستحلف عند الكعبة انها قد أرضعتهما، فلما أرادوا استحلافها أبت وكأنها ورعت وتأثمت وقالت: انما أردت معنى أن أفرق بينهما. حدثني جدي عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: لا يحلف بين المقام والبيت في الشيء اليسير أخاف أن يتهاون الناس به. حدثني جدي حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد قال: رأى عبد الرحمن بن عوف جماعة عند المقام فقال: ما هذا ? قالوا: رجل يستحلف، قال: أفي دم ? قالوا: لا. قال: أفي مال عظيم ? قالوا: لا. قال: يوشك الناس أن يتهاونوا بهذا المقام.
حدثني جدي قال حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال: لا يستحلف بين المقام والبيت في الشيء اليسير.

ما جاء في المقام وفضله

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن الركن والمقام من الجنة.
حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله. حدثني جدي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثني ليث عن مجاهد انه قال: لا يمس المقام فإنه آية من آيات الله عز وجل.

ما جاء في الأثر الذي في المقام

وقيام إبراهيم عليه السلام عليه


حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى "فيه آيات بينات" قال: أثر قدميه في المقام. حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قام إبراهيم عليه السلام على هذا المقام فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم، قال: فقالوا: لبيك اللهم لبيك قال: فمن حج إلي اليوم فهو ممن استجاب لابراهيم عليه السلام.
حدثني جدي قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا عمر بن سهل بن مروان عن يزيد عن سعيد عن قتادة واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال: انما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثره وأصابعه فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق وانماح.
حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن موسى بن سعيد عن نوفل بن معاوية الديلي قال: رأيت المقام في عهد عبد المطلب وهو مثل المهاة، قال أبو محمد الخزاعي: سئل أبو الوليد عن المهاة، فقال: خرزة بيضاء وأنشد أبو الوليد:

مهاة كمثل البدر بين السحـايب

 

تعلقها قلبي وما طرّ شلربي

 

إلى أن أتى حلمي وشابت ذوائبي


حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن عمر الواقدي عن ابن أبي سبرة عن إسحق ابن عبد الله بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري قال: سألت عبد الله ابن سلام عن الأثر الذي في المقام فقال: كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا ان الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعل المقام آية من آياته فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام فارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته، فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا: لبيك أللهم لبيك، فكان أثر قدميه فيه لما أراد الله سبحانه، فكان ينظر عن يمينه وعن شماله ويقول: أجيبوا ربكم فلما فرغ أمر بالمقام فوضعه قبلة، فكان يصلي إليه مستقبل الباب فهو قبلة إلى ما شاء الله. ثم كان إسماعيل بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة. ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصلى إلى بيت المقدس فصلى إليه قبل أن يهاجر وبعد ما هاجر ثم أحب الله تعالى أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه عليهم السلام قال: فصلى إلى الميزاب وهو بالمدينة ثم قدم مكة فكان يصلي إلى المقام ما كان بمكة، قال: حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن كثير بن كثير قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير في أعلى المسجد ليلاً فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن لا تروني فسأله القوم فأكثروا، فكان مما سئل عنه أن قال رجل: أحق ما سمعنا يذكر في المقام مقام إبراهيم ? فقال سعيد: وماذا سمعت ? قال الرجل: سمعنا إن إبراهيم نبي الله سبحانه حين جاء من الشام حلف لامرأته أن لا ينزل بمكة حتى يرجع يقول الرجل: فقرب إليه المقام فرجل عليه فقال سعيد: ليس كذلك، حدثنا ابن عباس ولكنه حدثنا أنه حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم وبين سارة امرأة إبراهيم عليه السلام ما كان، أقبل إبراهيم نبي الله بأم إسماعيل وإسماعيل معها وهو صغير يرضعها حتى قدم بهما مكة ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منها وتدر على ابنها، ليس معها زاد، يقول سعيد بن جبير: قال ابن عباس: فعمد بهما إلى دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد يشير لنا بين البير وبين الصفة يقول: فوضعهما تحتها ثم توجه إبراهيم خارجاً على دابته واتبعت أم إسماعيل أثره حتى أوفى إبراهيم بكذا يقول ابن عباس: فقالت له أم إسماعيل: إلى من تتركها وابنها ? قال: إلى الله سبحانه قالت: رضيت بالله تعالى، فرجعت أم إسماعيل تحمل ابنها حتى قعدت تحت الدوحة ووضعت ابنها إلى جنبها، ثم ساق حديثاً طويلاً يقول فيه: ثم جاء الثالثة فوجد إسماعيل قاعداً تحت الدوحة إلى ناحية البير يبري نبلاً له فسلم عليه ونزل إليه فقعد معه فقال له إبراهيم عليه السلام: يا إسماعيل إن الله سبحانه قد أمرني بأمر، قال إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك قال إبراهيم: أمرني ربي أن أبني له بيتاً، قال له إسماعيل: وأين ? يقول ابن عباس: فأشار إلى أكمة بين يديه مرتفعة على ما حولها عليها رضراض من حصباء يأتيها السيل من نواحيها ولا يركبها، قال ابن عباس. فقاما يحفران عن القواعد ويقولان: ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم، ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته ويبني الشيخ إبراهيم، فلما ارتفع البنيان وشق على الشيخ تناوله قرب له إسماعيل هذا الحجر فكان يقوم عليه ويبني ويحوله في نواحي البيت حتى انتهى إلى وجه البيت يقول ابن عباس: فذلك مقام إبراهيم عليه السلام وقيامه عليه.

باب ما جاء في موضع المقام

وكيف رده عمر رضي الله عنه إلى موضعه هذا


حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن جده قال: كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر بن الخطاب الردم الأعلى، وكان يقال لهذا الباب باب السيل، قال: فكانت السيول ربما دفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال له سيل أم نهشل، وانما سمي بأم نهشل انه ذهب بأم نهشل ابنة عبيدة بن أبي أحيحة سعيد بن العاصي فماتت فيه فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة في وجهها وكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فأقبل عمر فزعاً فدخل بعمرة في شهر رمضان وقد غبي موضعه وعفاه السيل، فدعا عمر بالناس فقال: أنشد الله عبداً عنده علم في هذا المقام، فقال المطلب بن أبي وداعة السهمي: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك فقد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ومن موضعه إلى باب الحجر ومن موضعه إلى زمزم بمقاط، وهو عندي في البيت فقال له عمر: فاجلس عندي، وأرسل إليها فأتى بها فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا، فسأل الناس وشاورهم فقالوا: نعم هذا موضعه، فلما استثبت ذلك عمر رضي الله عنه وحق عنده أمر به فاعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوله فهو في مكانه هذا إلى اليوم. قال: وردم عمر الردوم الأعلى بالصخر وحصنه، قال ابن جريج: ولم يعله سيل بعد عمر رضي الله عنه حتى الآن. قال أبو الوليد: هو الردم الذي دون زقاق النار قال جدي: وهو الردم الذي من دار ابان بن عثمان إلى دار ببة بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ابن أخي أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. قال الخزاعي: ببة لقب له واسمه عبد الله بن ربيعة، قال أبو الوليد: قال جدي: فلم يظهر عليه سيل منذ عمله عمر رضي الله عنه إلى اليوم غير انه قد جاء سيل في سنة اثنتين ومائتين يقال له سيل ابن حنظلة فكشف عن بعض ربضه ورأينا حجارته ورأينا فيه صخراً ما رأينا مثله ولم يظهر عليه. قال أبو الوليد: قال لي جدي: طفت مع داود بن عبد الرحمن غير مرة فأشار إلى الموضع الذي ربط عنده المقام في وجه الكعبة بأستارها إلى أن قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرده قال: وقال داود: كنا إذا طفنا مع ابن جريج يشير لنا إليه، قال أبو الوليد: قال لي جدي: بعدما جصص شاذروان الكعبة بالجص والمرمر وإنما جصص حديثاً من الدهر فقال لي وأنا معه في الطواف: اعدد من باب الحجر الشامي من حجارة شاذروان الكعبة فإذا بلغت الحجر السابع فإن كان حجراً طويلاً هو أطول السبعة فيه حفر شبه النقر فهو موضعه، وإلا فهو التاسع من حجارة الشاذروان. قال جدي: نسيت عددها وفد كنت عددتها هي إما سبعة وإما تسعة إلا انه عند حجر طويل هو أطول السبعة أو التسعة فيه الحفر فإن رأيته قد قرف عنه الجص فاعدد وانظر إليه.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول: موضع المقام هذا الذي هو به اليوم هو موضعه في الجاهلية وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، الا ان السيل ذهب به في خلافة عمر فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس.
حدثني ابن أبي عمر قال: حدثنا ابن عيينة عن حبيب بن أبي الأشرس قال: كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه فلما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل من يعلم موضعه ? فقال المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوفت عليه هذا من الحجر إليه ومن الركن إليه ومن وجه الكعبة إليه. فقال: إئت به فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم عند ذلك، قال سفيان: فذلك الذي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه إن المقام كان عند سفع البيت، فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن وأما ما يقول الناس: انه كان هنالك موضعه فلا، قال سفيان: وقد ذكر عمرو بن دينار نحواً من حديث ابن أبي الأشرس هذا لا أميز أحدهما عن صاحبه.
 
حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم عن ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن صفوان انه قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الله بن السايب العابدي وعمر نازل بمكة في دار ابن سباع بتحويل المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم، قال: فحوله ثم صلى المغرب وكان عمر قد اشتكى رأسه قال: فلما صليت ركعة جاء عمر فصلى ورائي قال: فلما قضى صلاته قال عمر: أحسنت فكنت أول من صلى خلف المقام حين حول إلى موضعه عبد الله ابن السايب القائل.
حدثني جدي قال: حدثنا سليم بن مسلم عن ابن جريج عن محمد بن عباد ابن جعفر عن عبد الله ابن السايب وكان يصلي بأهل مكة فقال: أنا أول من صلى خلف المقام حين رد في موضعه هذا، ثم دخل عمر وأنا في الصلاة فصلى خلفي صلاة المغرب.

ما جاء في الذهب الذي على المقام

ومن جعله عليه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: سمعت عبد الله بن شعيب بن شيبة بن جبير بن شيبة يقول: ذهبنا نرفع المقام في خلافة المهدي فانثلم قال: وهو من حجر رخو يشبه السنان فخشينا أن يتفتت أو قال يتداعى فكتبنا في ذلك إلى المهدي فبعث إلينا بألف دينار فضببنا بها المقام أسفله وأعلاه وهو الذهب الذي عليه اليوم، قال: سمعت يوسف بن محمد العطار يحدث عن عبد الله بن شعيب نحوه، قال: ولم يزل ذلك الذهب عليه حتى ولي أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله فجعل عليه ذهباً فوق ذلك الذهب أحسن من ذلك العمل فعمل في مصدر الحج سنة ست وثلاثين ومائتين فهو الذهب الذي عليه اليوم وجعل فوق ذلك الذهب الذي كان عمله المهدي ولم يقلع عنه، وأخبرني غير واحد من مشيخة أهل مكة قالوا: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فنزل دار الندوة فجاء عبيد الله بن عثمان بن إبراهيم الحجبي بالمقام مقام إبراهيم في ساعة خالية نصف النهار مشتمل عليه فقال للحاجب: ائذن لي على أمير المؤمنين فإن معي شيئاً لم يدخل به على أحد قبله وهو يسر أمير المؤمنين فأدخله عليه فكشف عن المقام فسر بذلك وتمسح به وسكب فيه ماء ثم شربه وقال له: اخرج. وأرسل إلى بعض أهله فشربوا منه وتمسحوا به ثم ادخل فاحتمله ورده مكانه وأمر له بجوايز عظيمة واقطعه خيفاً بنخلة يقال له ذات القوبع فباعه من منيرة مولاة المهدى بعد ذلك بسبعة آلاف دينار

ذكر ذرع المقام

قال أبو الوليد: وذرع المقام ذراع والمقام مربع سعة أعلاه أربع عشر اصبعا في أربع عشرة أصبعا ومن أسفله مثل ذلك وفي طرفيه من أعلاه وأسفله طوقا ذهب وما بين الطوقين من الحجر من المقام بارز بلا ذهب عليه طوله من نواحيه كلها تسع أصابع وعرضه عشر أصابع عرضاً في عشر أصابع طولا وذلك قبل أن يجعل عليه هذا الذهب الذي هو عليه اليوم من عمل أمير المؤمنين المتوكل على الله، وعرض حجر المقام من نواحيه احدى وعشرون اصبعا، ووسطه مربع والقدمان داخلتان في الحجر سبع أصابع ودخولهما منحرفتان، وبين القدمين من الحجر اصبعان ووسطه قد استدق من التمسح به والمقام في حوض من ساج مربع حوله رصاص ملبس به وعلى الحوض صفايح رصاص ملبس بها ومن المقام في الحوض اصبعان، وعلى المقام صندوق ساج مسقف ومن وراء المقام ملبن ساج في الأرض في طرفيه سلسلتان تدخلان في أسفل الصندوق ويقفل فيهما بقفلان حدثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب الربعي مولى أبي قبيس بن ثعلبة قال: حدثني على بن جهم بن بدر الشامى قال: حدثني ابن مسهر عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: أوصى مسلمة بن عبد الملك بالثلث من ثلث ماله لطلاب الأدب وقال: إنها صناعة مجفو أهلها

باب ما جاء في اخراج جبريل زمزم

لأم إسماعيل عليهما السلام


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال أخبرني مسلم بن خالد عن ابن جريج عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس انه حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم وبين سارة إمرأة إبراهيم ما كان أقبل إبراهيم نبي الله بأم إسماعيل وإسماعيل وهو صغير ترضعه حتى قدم بهما مكة ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منه وتدر على ابنها وليس معها زاد يقول سعيد بن جبير: قال ابن عباس: فعمد بهما إلى دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد يشير لنا بين البير وبين الصفة يقول: فوضعهما تحتها ثم توجه إبراهيم خارجاً على دابته واتبعت أم إسماعيل أثره حتى وافى إبراهيم بكدا يقول ابن عباس: فقالت له أم إسماعيل: إلى من تتركها وولدها ? قال: إلى الله عز وجل فقالت: قد رضيت بالله عز وجل، فرجعت أم إسماعيل تحمل ابنها حتى قعدت تحت الدوحة ووضعت ابنها إلى جنبها وعلقت شنتها تشزب منها وترضع ابنها حتى فني ماء شنتها فانقطع درها فجاع ابنها فاشتد جوعه حتى نظرت إليه أمه يتشحط فخشيت أم إسماعيل أن يموت فأحزنها ذلك، يقول ابن عباس: قالت أم إسماعيل: لو تغيبت عنه حتى يموت ولا أرى موته يقول ابن عباس: فعمدت أم إسماعيل إلى الصفا حين رأته مشرفاً تستوضح عليه أي ترى أحداً بالوادي ثم نظرت إلى المروة فقالت: لو مشيت بين هذين الجبلين تعللت حتى يموت الصبي ولا اراه. يقول ابن عباس: فمشت بينهما أم إسماعيل ثلاث مرات أو أربع ولا تجيز ببطن الوادي في ذلك إلا رملاً يقول ابن عباس: ثم رجعت أم إسماعيل إلى ابنها فوجدته ينشع كما تركته فأحزنها فعادت إلى الصفا تعلل حتى يموت ولا تراه، فمشت بين الصفا والمروة كما مشت أول مرة، يقول ابن عباس: حتى كان مشيها بينهما سبع مرات يقول: قال ابن عباس قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: فلذلك طاف الناس بين الصفا والمروة، قال: فرجعت أم إسماعيل تطالع ابنها فوجدته كما تركته ينشع فسمعت صوتاً فرأت عليها ولم يكن معها أحد غيرها فقالت قد أسمع صوتك فأغثني إن كان عندك خير، فخرج لها جبريل عليه السلام فاتبعته حتى ضرب برجله مكان البير فظهر ماء فوق الأرض حيث فحص جبريل يقول ابن عباس: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: فحاضته أم إسماعيل بتراب ترده خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنتها، يقول أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ولو تركته أم إسماعيل كان عينا معينا يجري. يقول ابن عباس: فجاءت أم إسماعيل بشنتها فاستقت وشربت فدرت على ابنها، فبينا هي كذلك إذ مر ركب من جرهم قافلين من الشام في الطريق السفلى فرأى الركب الطير على الماء فقال بعضهم: ما كان بهذا الوادي من ماء ولا أنيس، يقول ابن عباس: فأرسلوا جريين لهم حتى أتيا أم إسماعيل، فكلماها ثم رجعا إلى ركبهما فأخبراهم بمكانها فرجع الركب كلهم حتى حيوها فردت عليهم وقالوا: لمن هذا الماء ? قالت أم إسماعيل: هو لي، قالوا: أتأذنين لنا أن نسكن معك عليه ? قالت: نعم قال ابن عباس: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ألفى ذلك أم إسماعيل وقد أحبت الأنس فنزلوا وبعثوا إلى أهليهم فقدموا وسكنوا تحت الدوح واعترشوا عليها العرش فكانت معهم هي وابنها، وقال بعض أهل العلم: كانت جرهم تشرب من ماء زمزم فمكثت بذلك ما شاء الله أن تمكث فلما استخفت جرهم بالحرم وتهاونت بحرمة البيت وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها سراً وعلانية وارتكبوا مع ذلك أموراً عظاما نضب ماء زمزم وانقطع فلم يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول عصراً بعد عصر حتى غبى مكانه وقد كان عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي قد وعظ جرهما في ارتكابهم الظلم في الحرم واستخفافهم بأمر البيت وخوفهم النقم وقال لهم: إن مكة بلد لا تقر ظالماً فالله الله قبل أن يأتيكم من يخرجكم منها خروج ذل وصغار فتتمنوا أن تتركوا تطوفون بالبيت فلا تقدروا على ذلك، فلما لم يزدجروا ولمي عون وعظه عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب وأسياف قلعية كانت أيضاً في الكعبة فحفر لذلك كله بليل في موضع زمزم ودفنه سراً منهم حين خافهم عليه فسلط الله عليهم خزاعة فأخرجتهم من الحرم ووليت عليهم الكعبة والحكم بمكة ما شاء الله أن تليه، وموضع زمزم في ذلك لا يعرف لتقادم الزمان حتى بوأه الله تعالى لعبد المطلب بن هاشم لما أراد الله من ذلك فخصه به من بين قريش.
 ما جاء في حفر عبد المطلب بن هاشم زمزم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري قال: أول ما ذكر من عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً خرجت فارة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب فقال: والله لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره قال: فجلس عند البيت وأجلت عنه قريش فقال:

لا هم إن المرء يمـن

 

ع رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صلـيبـهـم

 

وضلالهم عدوا محالك

قال: فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه فرجعت قريش وقد عظم فيها لصبره وتعظيمه محارم الله عز وجل فبينما هو في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه فأدرك وهو الحارث بن عبد المطلب فأتى عبد المطلب في المنام فقيل له: احفر زمزم خبئة الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال: اللهم بين لي، فأتى في المنام مرة اخرى فقيل له: اجفر زمزم بين الفرث والدم عند نقرة الغراب في قرية النمل مستقبلة الانصاب الحمر فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينظر ما سمي له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة فانفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هنالك فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنيع ? إنا لم نكن نزنك بالجهل لم تحفر في مسجدنا ? فقال عبد المطلب: اني لحافر هذا البير ومجاهد من صدني عنها فطفق هو وابنه الحارث وليس له ولد يومئذ غيره فسفه عليهما يومئذ ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم يومئذ، حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولد أن ينحر أحدهم ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حين دفنت فلما رأت قريش انه قد أدرك السيوف قالوا: يا عبد المطلب أجزنا مما وجدت، فقال عبد المطلب: هذه السيوف لبيت الله الحرام فحفر حتى انبط الماء في القرار ثم بحرها حتى لا ينزف ثم بنى عليها حوضاً فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب به الحاج فيكسره ناس من حسدة قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأري في المنام فقيل له: قل: اللهم اني لا أحلها لمغتسل ولكن هي للشارب حل وبل ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب يعنى حين اختلفت قريش في المسجد فنادى بالذي أري ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش الا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته، ثم تزوح عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال: اللهم اني كنت نذرت لك نحر أحدهم واني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت، فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب: اللهم أهو أحب اليك أم مائة من الابل ? ثم اقرع بينه وبين المائة من الابل فكانت القرعة على المائة من الابل فنحرها عبد المطلب.
حدثني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن محمد بن إسحق قال: حدثني غير واحد من أهل العلم ان عبد المطلب أرى في منامه أن يحفر زمزم في موضعها الذي هي فيه فحفرها بين أساف ونايلة الوثنين اللذين كانا بمكة فلما استقام حفرها وشرب أهل مكة والحاج منها عفت على الآبار التي كانت بمكة قبلها لمكانها من البيت والمسجد وفضلها على ما سواها من المياه، ولأنها بير إسماعيل بن إبراهيم في الموضع الذي ضرب فيه جبريل برجله فهزمه ونبع الماء منه، قال ابن إسحق: وكان سبب حفرها ان عبد المطلب بن هاشم بينا هو نائم في الحجر فأمر بحفر زمزم في منامه وهو دفين بين صنمي قريش أساف ونائلة عند منحر قريش، قال ابن إسحق: فحدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن عبد الله بن يزيد اليافعي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال قال عبد المطلب: اني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة قال: قلت: وما طيبة ? قال: ثم ذهب عني فرجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر برة ? قال: قلت: وما برة ? قال: ثم ذهب عني فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: أحفر زمزم، قال: قلت وما زمزم قال: لا تنزف أبداً ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل. قال: فلما ابان له شأنها ودل على موضعها وعرف انه قد صدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره، فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش انه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب انها بير إسماعيل وان لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها، فقال عبد المطلب: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر خصصت به دونكم وأُعطيته من بينكم. قالوا: فانصفنا فإنا غير تاركيك حتى نحاكمك فيها قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم قال: نعم وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر. قال: والأرض إذ ذاك مفاوز فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة واستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون ? قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فأمرنا بما شئت قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه بما بكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحداً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً، قالوا: سمعنا ما أردت فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن القاءنا بأيدينا لعجز لا نبتغي لأنفسنا حيلة. فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون اليهم وما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال: هلم إلى الماء فقد سقانا الله عز وجل فاشربوا واستقوا، فشربوا واستقوا فقالت القبائل التي نازعته: قد والله قضى الله عز وجل لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبداً الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة، هو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً. فرجع ورجعوا معه ولم يمضوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم. قال ابن إسحق: وسمعت أيضاً من يحدث في أمر زمزم: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه قيل لعبد المطلب حين أمر بحفر زمزم: أدع بالماء الرواء غير المكدر فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش، فقال: أتعلمون اني قد أمرت ان أحفر زمزم ? قالوا: فهل بين لك أين هي ? قال: لا، قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت إن يكن حقاً من الله بين لك، وان يكن من الشيطان لم يرجع إليك. فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فأري فقيل: احفر زمزم ان حفرتها لم تذم وهي تراث أبيك الأعظم فلما قيل له ذلك: قال: وأين هي ? قال: قيل له: عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غداً، قال فغدا عبد المطلب ومعه  
ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين: أساف ونائلة: فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالت: والله لا ندعك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب للحارث: دعني أحفر والله لأمضين لما أمرت به فلما عرفوا انه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر الا يسيراً حتى بدا له الطي طي البير فكبر وعرف انه قد صدق، فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم حين خرجت من مكة ووجد فيه أسيافاً قلعية وادراعاً وسلاحاً فقالت له قريش: إن لنا معك في هذا شركاً وحقاً قال: لا، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح، قالوا: وكيف نصنع ? قال: اجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، قالوا: انصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش. ثم قال: اعطوها من يضرب بها عند هبل وقام عبد المطلب فقال:ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين: أساف ونائلة: فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالت: والله لا ندعك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب للحارث: دعني أحفر والله لأمضين لما أمرت به فلما عرفوا انه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر الا يسيراً حتى بدا له الطي طي البير فكبر وعرف انه قد صدق، فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم حين خرجت من مكة ووجد فيه أسيافاً قلعية وادراعاً وسلاحاً فقالت له قريش: إن لنا معك في هذا شركاً وحقاً قال: لا، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح، قالوا: وكيف نصنع ? قال: اجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، قالوا: انصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش. ثم قال: اعطوها من يضرب بها عند هبل وقام عبد المطلب فقال:

لا همّ أنت الملك المحمود

 

ربي وأنت المبدئ المعيد

من عندك الطارف والتليد

 

فاخرج لنا الغداة ما تريد

فضرب بالقداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان على الأسياف والدروع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الأسياف على باب الكعبة وضرب فوقه أحد الغزالين من الذهب فكان ذلك أول ذهب حليته الكعبة وجعل الغزال الآخر في بطن الكعبة في الجب الذي كان فيها يجعل فيه ما يهدى إلى الكعبة، وكان هبل صنم قريش في بطن الكعبة على الجب فلم يزل الغزال في الكعبة حتى أخذه النفر الذي كان من أمرهم ما كان، وهو مكتوب أخذه وقصته في غير هذا الموضع، فظهرت زمزم فكانت سقاية الحاج ففيها يقول مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس: يمدح عبد المطلب:

فأي مناقب الخـيرات

 

لم تشدد به عـضـدا

ألم تسق الحجيج وتنحر

 

المـدلابة الـرفـدا

وزمزم من ارومتـه

 

وتملأ عين من حسدا


وكان عبد المطلب قد نذر لله عز وجل عليه حين أمر بحفر زمزم لئن حفرها وتم له أمرها وتتام له من الولد عشرة ذكرو ليذبحن أحدهم لله عز وجل فزاد الله في شرفه وولده فولد له عشرة نفر، الحارث وأمه من بني سواءة بن عامر أخو هلال بن عامر، وعبد الله، وأبو طالب، والزبير وأمهم المخزومية، والعباس وضرار وأمهما النمرية، وأبو لهب، وأمه الخزاعية، والغيداق وأمه الغبشانية خزاعية، وحمزة والمقوم وأمهما الزهرية، فلما تتام له عشرة من الولد وعظم شرفه وحفر زمزم وتم له سقيها اقرع بين ولده أيهم يذبح فخرجت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه ليذبحه فقامت له أخواله بنو مخزوم وعظماء قريش وأهل الرأي منهم وقالوا: والله لا تذبحه فإنك ان تفعل تكن سنة علينا في أولادنا وسنة علينا في العرب وقامت بنوه مع قريش في ذلك فقالت له قريش: إن بالحجاز عرافة لها تابع فسلها ثم أنت على رأس أمرك ان أمرتك بذبحه ذبحته وان أمرتك بأمر لك فيه فرج قبلته قال: فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوا المرأة فيها يقال لها تخيبر، فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره فقالت: ارجعوا اليوم عني حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا عنها حتى كان الغد ثم غدوا عليها فقالت: نعم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم ? قالوا: عشر من الابل قال: وكانت كذلك قالت: فارجعوا إلى بلادكم وقربوا عشراً من الابل ثم اضربوا عليها بالقداح وعلى صاحبكم فإن خرجت على الابل فانحروها وإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الابل عشراً ثم اضربوا بالقداح عليها وعلى صاحبكم حتى يرضى ربكم فإذا خرجت على الابل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى مكة فأقرع عبد المطلب على عبد الله وعلى عشر من الابل فخرجت القرعة على عبد الله، فقالت قريش المطلب: يا عبد المطلب زد ربك حتى يرضى فلم يزل يزيد عشراً عشراً وتخرج القرعة على عبد الله، وتقول قريش: زد ربك حتى يرضى ففعل حتى بلغ مائة من الابل فخرجت القداح على الابل فقالت قريش لعبد المطلب: انحرها فقد رضي ربك وقرعت، فقال: لم انصف إذا ربي حتى تخرج القرعة على الابل ثلاثاً فأقرع عبد المطلب على ابنه عبد الله وعلى المائة من الابل ثلاثاً كل ذلك تخرج القرعة على الابل فلما خرجت ثلاث مرات نحر الابل في بطون الأودية والشعاب وعلى رؤوس الجبال لم يصد عنها إنسان ولا طائر ولا سبع ولم يأكل منها هو ولا أحد من ولده شيئاً وتجلبت لها الأعراب من حول مكة وأغارت السباع على بقايا بقيت منها فكان ذلك أول ما كانت الدية مائة من الابل، ثم جاء الله بالاسلام فثبتت الدية عليه، قال: ولما انصرف عبد المطلب ذلك اليوم إلى منزله مر بوهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهو جالس في المسجد وهو يومئذ من أشراف أهل مكة فزوج ابنته آمنة عبد الله بن عبد المطلب.

ذكر فضل زمزم وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عبد الله ابن عثمان بن خيثم عن وهب بن منبه أنه قال في زمزم: والذي نفسي بيده انها لفي كتاب الله مضنونة وانها لفي كتاب الله تعالى برة وانها لفي كتاب الله سبحانه شراب الأبرار وانها لفي كتاب الله طعام طعم وشفاء سقم.
حدثني جدي عن الزنجي عن ابن خيثم قال: قدم علينا وهب بن منبه فاشتكى، فجئناه نعوده فإذا عنده من ماء زمزم قال: فقلنا: لو استعذبت فإن هذا ماء فيه غلظ، قال: ما أريد أن أشربه حتى أخرج منها غيره والذي نفس وهب بيده إنها لفي كتاب الله زمزم، لا تنزف ولا تذم وإنها لفي كتاب الله برة شراب الأبرار، وإنها لفي كتاب الله مضنونة، وإنها لفي كتاب الله طعام طعم وشفاء سقم، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب منها حتى يتضلع الا نزعت منه داء وأحدثت له شفاء. حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن أبي يزيد عن عبيد بن عمير عن كعب انه قال لزمزم: انا لنجدها مضنونة ضن بها لكم، أول من سقى ماءها إسماعيل عليه السلام طعام طعم وشفاء سقم.
حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تريد شفاء شفاك الله، وإن شربته لظمأ أرواك الله، وإن شربته لجوع أشبعك الله، وهي هزمة جبريل بعقبة وسقيا الله إسماعيل عليه السلام، قال أبو الوليد: والهزمة الغمرة بالعقب في الأرض، وقال: زمزم شقت من الهزمة.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن فرات القزاز عن أبي الطفيل قال: سمعت علياً يقول: خير واديين في الناس وادي مكة وواد بالهند الذي هبط به آدم عليه السلام ومنه يؤتى بهذا الطيب الذي يتطيبون به، وشر واديين في الناس واد بالأحقاف وواد بحضرموت يقال له: برهوت، وخير بير في الناس بير زمزم، وشر بير في الناس بلهوت واليها تجتمع أرواح الكفار وهي في برهوت.
حدثنا جدي عن سفيان عن إبراهيم بن نافع عن ابن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم فبعث إليه براويتين وجعل عليهما كراً غوطياً.
حدثنا جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج قال: حدثني ابن أبي حسين أنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو، إن جاءك كتابي هذا ليلاً فلا تصبحن، وإن جاءك نهاراً فلا تمسين حتى تبعث إلي بماء زمزم، فاستعانت امرأته أثيلة الخزاعية جدة أيوب بن عبد الله فادلجناهما وجواريهما فلم يصبحا حتى قرنا مزادتين وفرغتا منهما فجعلهما في كرين غوطيين ثم ملأهما وبعث بهما على بعير.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد، حدثنا عبد الملك بن الحارث بن أبي ربيعة المخزومي عن عكرمة بن خالد قال: بينما أنا ليلة في جوف الليل عند زمزم جالس إذ نفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم لشيء قط، فلما فرغوا صلوا قريباً مني فالتفت بعضهم فقال لأصحابه: إذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار، قال: فقاموا ودخلوا زمزم فقلت: والله لو دخلت على القوم فسألتهم، فقمت فدخلت فإذا ليس فيها من البشر أحد.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد عن رجل يقال له رباح مولى لآل الأخنس أنه قال: اعتقني أهلي فدخلت من البادية إلى مكة فأصابني بها جوع شديد حتى كنت أكوم الحصا ثم أضع كبدي عليه، قال: فقمت ذات ليلة إلى زمزم فنزعت فشربت لبناً كأنه لبن غنم مستوحمة أنفاساً، حدثني محمد ابن يحيى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عمر بن عبد الله القيسي عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم عن عبد الله بن غنمة عن العباس ابن عبد المطلب قال: تنافس الناس في زمزم في الجاهلية حتى إن كان أهل العيال يغدون بعيالهم فيشربون منها فتكون صبوحاً لهم وقد كنا نعدها عوناً على العيال.
حدثني محمد بن يحيى عن سليم بن مسلم عن سفيان الثوري عن العلاء بن أبي العباس عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن عباس يقول: كانت تسمى في الجاهلية شباعة يعني زمزم ويزعم انها نعم العون على العيال، وحدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له، وعن الواقدي عن عبد الحميد بن عمران عن خالد بن كيسان عن ابن عباس انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق.
وحدثني جدي عن سعيد عن عثمان قال: حدثنا أبو سعيد عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: علامة ما بيننا وبين المنافقين ان يدلوا دلواً من ماء زمزم فيتضلعوا منها، ما استطاع منافق قط يتضلع منها، وعن الواقدي عن الثوري عن مغيرة بن زياد عن عطاء ان كعب الأحبار حمل منها ثنتي عشرة راوية إلى الشام، وعن الواقدي عن ثور بن يزيد عن مكحول عن كعب الأحبار انه كان يحمل معه من ماء زمزم يتزوده إلى الشام، وعن الواقدي عن ابن أبي ذؤيب عن القاسم بن عباس عن باباه مولى العباس بن عبد المطلب قال: جاء كعب الأحبار باداوة من ماء إلى زمزم ونحن ننزع عليها فنحيناه عنها، فقال العباس رضي الله عنه: دعوه يفرغها فيها واستقى منهما اداوة وقال: انهما ليتعارفان يعني ايليا وزمزم .
 
حدثني جدي قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا عنبسة بن سعيد الرازي عن إبراهيم بن عبد الله الخاطبي عن عطاء عن ابن عباس قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار، قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار ? قال تحت الميزاب، قيل وما شراب الأبرار ? قال: ماء زمزم، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال: سمعت انه يقال: خير ماء في الأرض ماء زمزم وشر ماء في الأرض ماء برهوت شعب من شعاب حضرموت وخير بقاع الأرض المساجد، وشر بقاع الأرض الأسواق، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال: حدثني عبد الله بن أبي بريدة عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ ان زبيد بن الصلت أخبره أن كعباً قال: لزمزم برة مضنونة ضن بها لكم أول من أخرجت له إسماعيل ونجدها طعام طعم وشفاء سقم، قال ابن جريج: وأخبرني يزيد بن أبي زياد عن شيخ من أهل الشام قال: سمعت كعباً يقول: إني لأجد في كتاب الله تعالى المنزل أن زمزم طعام طعم، وشفاء سقم، حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني الكلبي عن عون بن حميد بن مل عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر أنه قال: قال لي عمي أبو ذر: يا بن أخي في حديث حدث به عن مقدم أبي ذر مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في حديثهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: متى كنت ها هنا ? قال: قلت: أربع عشرة بين يوم وليلة وما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم فما أجد على كبدي سخفة وجع ولقد تكسرت عكن بطني فقال: انها طعام طعم، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني عبد العزيز بن أبي رواد قال: أخبرني رباح عن الأسود قال: كنت مع أهلي بالبادية فاتبعت بمكة فاعتقت فمكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئاً آكله، قال: فمكثت أشرب من ماء زمزم فانطلقت حتى أتيت زمزم فبركت على ركبتي مخافة أن أستقي وأنا قائم فيرفعني الدلو من الجهد، فجعلت انزع قليلاً قليلاً حتى أخرجت الدلو فشربت فإذا أنا بصريف اللبن بين ثناياي فقلت: لعلي ناعس فضربت بالماء على وجهي وانطلقت وأنا أجد قوة اللبن وشبعه، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: أخبرني عبد العزيز بن أبي رواد ان راعياً كان يرعى وكان من العباد فكان إذا ظمئ وجد فيها لبناً وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيها ماء، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني مقاتل عن الضحاك بن مزاحم قال: بلغني ان التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق، وإن ماءها يذهب بالصداع وإن الاطلاع فيها يجلو البصر، وانه سيأتي عليها زمان يكون أعذب من النيل والفرات، قال: أبو محمد الخزاعي: وقد رأينا ذلك في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وذلك انه أصاب مكة أمطار كثيرة فسال واديها بأسيال عظام في سنة تسع وسبعين وسنة ثمانين ومائتين فكثر ماء زمزم وارتفع حتى كان قارب رأسها فلم يكن بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها، وما رأيتها قط كذلك ولا سمعت من يذكر انه رآها كذلك، وعذبت جداً حتى كان ماؤها أعذب من مياه مكة التي يشربها أهلها، وكنت أنا وكثير من أهل مكة نختار الشرب منها لعذوبته وانا رأيناه أعذب من مياه العيون ولم أسمع أحداً من المشايخ يذكر انه رآها بهذه العذوبة، ثم غلظت بعد ذلك في سنة ثلاث وثمانين وما بعدها، وكان الماء في الكثرة على حاله وكنا نقدر انها لو كانت في بطن وادي مكة لسال ماؤها على وجه الأرض لأن المسجد أرفع من الوادي وزمزم أرفع من المسجد، وكانت فجاج مكة وشعابها في هاتين السنتين وبيوتها التي في هذه المواضع تتفجر ماء.

ذكر شرب النبي من ماء زمزم

حدثنا أبو الوليد قال أخبرني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن عبد الرحمن بن الحارث بن عباس عن زيد بن علي عن أبيه عن عبد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في حديث حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجل من ماء زمزم فتوضأ به ثم قال: انزعوا عن سقايتكم يا بني عبد المطلب فلولا ان تغلبوا عليها لنزعت معكم.
حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس عن طاوس قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفيضوا نهاراً وأفاض في نسائه ليلاً فطاف بالبيت على ناقته ثم جاء زمزم فقال: ناولوني فنول دلواً فشرب منها ثم تمضمض فمج في الدلو ثم أمر بما في الدلو فأفرغ في البير ثم قال: لولا ان تغلبوا عليها لنزعت معكم، قال ابن جريج: أخبرني من سمع طاوسا يقول: جاء النبي صلى الله عليه وسلم زمزم فقال: ناولوني فنول دلواً فشرب منها ثم مضمض ثم مج في الدلو ثم أمر بما في الدلو فأفرغ في البير ثم قال نحواً مما قال ابن طاوس في النزع، ثم مشى إلى السقاية سقاية النبيذ ليشرب فقال العباس: إن هذا قد ساطنه الأيدي منذ اليوم وقد انفل وفي البيت شراب صاف، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب الا منه، فعاد عباس لذلك القول فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب إلا منه حتى عاد عباس ثلاث مرات فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب إلا منه فسقي منه قال: فكان طاوس يقول: الشرب من النبيذ من تمام الحج، قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من النبيذ ومن ماء زمزم وقال: لولا ان يكون سنة لنزعت، قال ابن عباس: ربما فعلت أي ربما نزعت .
حدثنا ابن جريج أيضاً عن عطاء قال: رأيت عقيل بن أبي طالب شيخاً كبيراً يفتل الغرب، وكانت عليها غروب ودلاء، فرأيت رجالاً منهم بعد ما معهم مولى، في الأرض يلقون أرديتهم فينزعون في القمص حتى إن أسافل قمصهم لمبتلة بالماء، فينزعون قبل الحج وأيام منى وبعده، قال ابن جريج: وأخبرني حسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن دواد بن علي بن عبد الله بن عباس، إن رجلاً نادى ابن عباس والناس حوله فقال: سنة تتبعون بهذا النبيذ أم هو أهون عليكم من العسل واللبن ? فقال ابن عباس: جاء النبي صلى الله عليه وسلم عباساً فقال: اسقونا فقال: إن هذا شراب قد مغث ومرث أفلا نسقيك لبناً وعسلاً ? فقال: أسقونا مما تسقون منه الناس، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه من المهاجرين والأنصار بعساس النبيذ فلما شرب النبي صلى الله عليه وسلم عجل قبل أن يروى فرفع رأسه فقال: أحسنتم هكذا اصنعوا فقال ابن عباس: فرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أحب إلينا من أن تسيل شعابنا علينا لبناً وعسلاً، قال ابن جريج قال عطاء: فلا يخطئني إذا أفضت أن أشرب من ماء زمزم، قال: وقد كنت فيما مضى أنزع مع الناس الدلو التي أشرب منها اتباع السنة فأما مذ كبرت فلا أنزع، ينزع لي فأشرب وإن لم يكن لي ظمأ اتباع صنيع محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فأما النبيذ فمرة أشرب منه ومرة لا أشرب منه.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه إن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض في نسائه ليلاً وطاف على راحلته يستلم الركن بمحجنه ويقبل طرف المحجن، ثم أتى زمزم فقال: انزعوا فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت، فقال العباس رضي الله عنه: ان يفعل فربما فعلت فداك أبي أمي، ثم أمر بدلو فنزع له منها فشرب فمضمض ثم مج في الدلو وأمر به فأهريق في زمزم ثم أتى السقاية فقال: اسقوني من النبيذ فقال عباس: يا رسول الله ان هذا شراب قد مغث وثفل وخاضته الأيدي ووقع فيه الذباب وفي البيت شراب هو أصفى منه، قال منه فاسقني، يقول ذلك ثلاث مرات، وأعاد النبي صلى الله عليه وسلم قوله ثلاث مرات كل ذلك يقول: منه فاسقني، فسقاه منه فشرب، قال ابن طاوس: فكان أبي يقول: هو من تمام الحج، حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم نزع له دلو من ماء زمزم فشرب قائماً.
 
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن مسعر بن عبد الجبار بن وايل بن حجر عن أبيه، ان النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدلو من ماء زمزم فاستنثر خارجاً من الدلو ومضمض ثم مج فيه، قال مسعر: مسكاً أو أطيب من المسك، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان قال: أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي انه سمع طاوساً يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم السقاية فقال: اسقوني، فقال عباس: انهم قد مرثوه وأفسدوه أفأسقيك ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقوني منه، فسقوه منه ثم نزعوا له دلواً فغسل فيه وجهه وتمضمض فيه فقال: أعيدوه فيها ثم قال: إنكم على عمل صالح لولا ان يتخذ سنة لأخذت بالرشاء والدلو، حدثني جدي عن عبد المجيد عن عثمان بن الأسود عن مجاهد عن ابن عباس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة زمزم، فأمر بدلو فنزعت له من البير فوضعها على شفة البير ثم وضع يده من تحت عراقي الدلو ثم قال: بسم الله ثم كرع فيها فأطال ثم أطال فرفع رأسه فقال: الحمد لله، ثم عاد فقال: بسم الله، ثم كرع فيها فأطال وهو دون الأول، ثم رفع رأسه فقال: الحمد لله، ثم كرع فيها فقال: بسم الله فأطال وهو دون الثاني، ثم رفع رأسه فقال: الحمد لله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: علامة ما بيننا وبين المنافقين لم يشربوا منها قط حتى يتضلعوا.

ما جاء في

تحريم العباس بن عبد المطلب زمزم

للمغتسل فيها وغير ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن من سمع عاصم بن بهدلة يحدث عن زر بن حبيش قال: رأيت عباس بن عبد المطلب في المسجد الحرام وهو يطوف حول زمزم يقول: لا أحلها لمغتسل وهي لمتوضيء وشارب حل وبل، قال سفيان: يعني لمغتسل فيها وذلك انه وجد رجلاً من بني مخزوم، وقد نزع ثيابه وقام يغتسل من حوضها عريانا.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس يقول: هي حل وبل يعني زمزم فسئل سفيان ما حل وبل ? قال: حل محلل.
حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس انه بلغه ان رجلاً من بني مخزوم اغتسل من زمزم فوجد من ذلك وجداً شديداً فقال: لا أحلها لمغتسل يعني في المسجد وهي لشارب ومتوضيء حل وبل يقول: حل محلل.

اذن النبي لأهل السقاية من أهل بيته

في البيتوتة بمكة ليالي منى

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج، حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له، قال ابن جريج: وأخبرني عطاء إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى من أجل شغلهم فيها، قلت: أترى لآل جبير رخصة ? قال: لا، إنما ذلك لمن أرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: أي أهل بيته رأيته يبيت بمكة، قال: لم أر أحداً منهم يبيت بمكة الا ابن عباس فكان يبيت بمكة ليالي منى. يظل ختى إذا كان الرمي انطلق فرمى ثم دخل إلى مكة فبات بها وظل حتى مثلها أيام منى كلها.

ما ذكر من غور الماء

قبل يوم القيامة إلا زمزم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني مقاتل عن الضحاك بن مزاحم إن الله عز وجل يرفع المياه العذبة قبل يوم القيامة، وتغور المياه غير زمزم وتلقي الأرض ما في بطنها من ذهب وفضة ويجيء الرجل بالجراب فيه الذهب والفضة، فيقول: من يقبل هذا مني ? فيقول: لو أتيتني به أمس قبلته.

ما كان عليه حوض زمزم

في عهد ابن عباس ومجلسه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: وإنما كانت سقايتهم التي يسقون بها، قال: كان لزمزم حوضان في الزمان الأول، فحوض بينها وبين الركن يشرب منه الماء، وحوض من ورائها للوضوء له سرب يذهب فيه الماء من باب وضوئهم الآن يعني باب الصفا قال: فيصب النازع الماء وهو قائم على البير في هذا وفي هذا من قربها من البير، قال الخزاعي: وفي ذلك يقول الشاعر:

كأني لم أقطـن بـمـكة سـاعة

 

ولم يلهني فيها ربيب مـنـعـم

ولم أجلس الحوضين شرقي زمزم

 

وهيهات أني منك لا أين زمـزم


قال: ولم يكن عليها شباك حينئذ قال: وأراد معاوية بن أبي سفيان أن يسقي في دار الندوة فأرسل إليه ابن عباس رضي الله عنه، ان ليس ذلك لك فقال: صدق فسقي حينئذ بالمحصب ثم رجع فسقي بمنى، قال مسلم بن خالد: كان موضع السقاية التي للنبيذ بين الركن وزمزم مما يلي ناحية الصفا فنحاها ابن الزبير إلى موضعها الذي هي فيه اليوم. وقال غير واحد من أهل العلم من أهل مكة: كان موضع مجلس ابن عباس في زاوية زمزم التي تلي الصفا والوادي وهو على يسار من دخل زمزم، وكان أول من عمل على مجلسه القبة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، وعلى مكة يومئذ خالد بن عبد الله القسري عاملاً لسليمان بن عبد الملك ثم عملها أمير المؤمنين أبو جعفر في خلافته، وعمل على زمزم شباكاً ثم عمله المهدي وعمل شباكي زمزم أيضاً، فعمل في مجلس ابن عباس كنيسة ساج على رف في الركن على يسارك، أخبرني جدي قال: أول من عمل القبة التي على الصحفة التي بين زمزم وبين بيت الشراب، المهدي في خلافته عملها لهم أبو بحر المجوسي النجار كان جاء به عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس إلى مكة من العراق، فعمل له سقوفاً في داره التي عند المروة وباب داره، سنة احدى وستين ومائة، قال أبو محمد الخزاعي: سمعت شيخاً قديماً من أهل مكة يذكر أن المهدي ومن كان أشار عليه بعملها انما تحروا بها موضع الدوحة التي أنزل إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه هاجر تحتها فبنيت هذه القبة في موضع الدوحة والله عز وجل أعلم.

باب ذكر غور زمزم

وما جاء في ذلك

قال أبو الوليد: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعاً، وفي قعرها ثلاث عيون، عين حذاء الركن الأسود، وعين حذاء أبي قبيس والصفا، وعين حذاء المروة. ثم كان قد قل ماؤها جداً حتى كانت تجم في سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ومائتين، قال: فضرب فيها تسعة أذرع سحا في الأرض في تقوير جوانبها ثم جاء الله بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماءها، وقد كان سالم بن الجراح قد ضرب فيها في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين أذرعاً، وكان قد ضرب فيها في خلافة المهدي أيضاً، وكان عمر بن ماهان وهو على البريد والصوافي في خلافة الأمين محمد بن الرشيد قد ضرب فيها وكان ماءها قد قل حتى كان رجل يقال له: محمد بن مشير من أهل الطائف يعمل فيها، فقال: أنا صليت في قعرها، فغورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعاً، ذلك كله بنيان وما بقي فهو جبل منقور وهو تسعة وعشرون ذراعاً، وذرع حبك زمزم في السماء ذراعان وشبر، وذرع تدوير فم زمزم أحد عشر ذراعاً، وسعة فم زمزم ثلاثة أذرع وثلثا ذراع، وعلى البير ملبن ساج مربع فيه اثنتا عشرة كرة يستقى عليها، وأول من عمل الرخام على زمزم وعلى الشباك وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته ثم عملها المهدي في خلافته، ثم غيره عمر بن فرج الرخجي في خلافة أبي إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين سنة عشرين ومائتين، وكانت مكشوفة قبل ذلك الا قبة صغيرة على موضع البير وفي ركنها الذي يلي الصفا على يسارك كنيسة على موضع مجلس ابن عباس رضي الله عنه، غيرها عمر بن فرج فسقف زمزم كلها بالساج المذهب من داخلها وجعل عليها من ظهرها الفسيفسا وأشرع لها جناحاً صغيراً كما يدور تربيعها وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها قناديل يستصبح فيها في الموسم وجعل على القبة التي بين زمزم وبين بيت الشراب الفسيفسا، وكانت قبل ذلك تزوق في كل موسم عمل ذلك كله في سنة عشرين ومائتين.

ذكر حد المسجد الحرام

وفضله وفضل الصلاة فيه


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد قال: سمعت محمد بن الحارث بن سفيان يحدث عن علي الأزدي قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنا لنجد في كتاب الله عز وجل ان حد المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى، وحدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن سليمان عن عبد الله بن عكرمة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي انه قال: أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد قال: والمهدي وضع المسجد على المسعى، حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: المسجد الحرام الحرم كله، حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أي المساجد على وجه الأرض وضع أولا? قال: المسجد الحرام قال: قلت ثم أي ? قال: المسجد الأقصى قال: قلت: كم كان بينهما ? قال: أربعون سنة ثم حيث عرضت لك الصلاة فصل فهو مسجد.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي ومهدي بن أبي المهدي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أي المساجد وضع أولا ? قال: جدي في حديثه على وجه الأرض مرة أو قال: مثل ذلك قال: قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي ? قال: ثم المسجد الأقصى قلت: كم كان بينهما ? قال: أربعون سنة، قلت: ثم أي ? قال: ثم حيث ما أدركتك الصلاة فصل فإن الأرض كلها طهور.
وحدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.
وحدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اتيان بيت المقدس، فقال له: اذهب فتجهز فإذا تجهزت فاعلمني، فلما تجهز جاءه فقال له عمر: اجعلها عمرة قال: ومر به رجلان وهو يعرض ابل الصدقة فقال لهما: من أين جئتما ? فقالا: من بيت المقدس قال: فعلاهما بالدرة وقال: احج كحج البيت ? قالا: انما كنا مجتازين، وأخبرنا جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي قال: أخبرنا إبراهيم بن يزيد عن عطاء بن أبي رباح قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال: اني نذرت اني أصلي في بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ها هنا أفضل فصل فرد ذلك عليه ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس أبي القاسم بيده الصلاة ها هنا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من البلدان.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي عن ابن أبي مليكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، الا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من خمس وعشرين ألف صلاة فيما سواه من المساجد.
 
حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري عن يزيد بن زريع قال: حدثنا أبو رجاء قال: سأل حفص الحسن وأنا أسمع عن قوله عز وجل ان أول بيت وضع للناس قال: هو أول مسجد عبد الله فيه في الأرض، فيه آيات بينات، قال: فعدهن الحسن وأنا أنظر إلى أصابعه، مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت، حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن عمرو بن دينار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد، إلى مسجد إبراهيم ومسجد محمد ومسجد ايليا، وحدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن إسماعيل بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة الا في المسجد الحرام، وفضل المسجد الحرام، فضل مائة صلاة، حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن خلاد ابن عطاء عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن الزبير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل المسجد الحرام على مسجدي هذا مائة صلاة، قال خلاد: فلقيت عمرو ابن شعيب فقلت: ان عطاء بن أبي رباح أخبرني ان ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل المسجد الحرام على مسجدي مائة صلاة، فقال عمرو بن شعيب: أوهم عطاء انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفضل المسجد الحرام على مسجدي كفضل مسجدي على المساجد، وأخبرني محرز بن مسلمة عن مالك بن أنس عن زيد ابن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام.
حدثني جدي: قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عن قزعة قال: أردت الخروج إلى الطور فسألت ابن عمر فقال ابن عمر: أما علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى ودع عنك الطور فلا تأته.

أول من أدار الصفوف حول الكعبة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان بن عيينة قال: أول من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبد الله القسري، حدثني جدي قال: حدثني عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي عن أبيه قال: كان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام، تركز حربة خلف المقام بربوة فيصلي الامام خلف الحربة والناس وراءه فمن أراد صلى مع الامام ومن أراد طاف بالبيت وركع خلف المقام، فلما ولى خالد بن عبد الله القسري مكة لعبد الملك بن مروان وحضر شهر رمضان، أمر خالد القراء أن يتقدموا فيصلوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك إن الناس ضاق عليهم أعلى المسجد فأدارهم حول الكعبة فقيل له: تقطع الطواف لغير المكتوبة قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعاً فأمرهم ففصلوا بين كل ترويحتين بطواف سبع، فقيل له: فإنه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائف من مصل وغيره فيتهيأ للصلاة، فأمر عبيد الكعبة أن يكبروا حول الكعبة يقولون: لحمد لله والله أكبر، فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا بين التكبيرتين سكتة حتى يتهيأ الناس ممن في الحجر ومن في جوانب المسجد من مصل وغيره فيعرفون ذلك بانقطاع التكبير ويصلي ويخفف المصلي صلاته ثم يعودون إلى التكبير حتى يفرغوا من السبع، ويقوم مسمع فينادي الصلاة رحمكم الله، قال: وكان عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ونظراءهم من العلماء يرون ذلك ولا ينكرونه.
حدثني جدي عن مسلم بن خالد الزنجي وسعيد بن سالم قالا: حدثنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: إذا قل الناس في المسجد الحرام أحب إليك أن يصلوا خلف المقام أو يكونوا صفاً واحداً حول الكعبة قال: بل يكونوا صفاً واحداً حول الكعبة قال: وتلى: وترى الملائكة حافين من حول العرش.

موضع قبور عذارى بنات إسماعيل

عليه السلام في المسجد الحرام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري انه سمع ابن الزبير على المنبر يقول: إن هذا المحدودب قبور عذارى بنات إسماعيل عليه السلام يعني مما يلي الركن الشامي من المسجد الحرام قال: وذلك الموضع يسوى مع المسجد فلا ينشب أن يعود محدودباً منذ كان.

الصلاة في المسجد الحرام

والناس يمرون بين أيدي المصلي

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن رجل من أهله عن جده المطلب بن أبي وداعة السهمي، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه ليس بينهم وبينه شبر.

انشاد الضالة في المسجد الحرام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في المسجد يقول: من دعا إلى الجمل الأحمر ? قال: لا. جدت وقال: ألهذا بنيت المساجد ?، حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد الحرام فقال: لا وجدت.

ما جاء في النوم في المسجد الحرام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: كنا ننام في المسجد الحرام زمان ابن الزبير، حدثني جدي قال: حدثنا مسلم ابن خالد الزنجي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أتكره النوم في المسجد الحرام ? قال: لا بل أحبه.

الوضوء في المسجد الحرام وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء انه كان يتوضأ في المسجد الحرام، وقال أبو محمد الخزاعي: يعني يتمسح بغير استنجاء .
حدثني أحمد بن ميسرة المكي قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: رأيت عطاء وطاوساً يكونان في المسجد الحرام فربما توضأ وقال: يفحص لهما بعض جلسائهما عن البطحاء فيتوضآن وضوءاً سابغاً حتى الرجلين لا يكون من وضوء الصلاة شيء أتم منه ثم تعاد البطحاء كما كانت.

ذكر ما كان عليه المسجد الحرام وجدرانه

وذكر من وسعه وعمارته إلى أن صار إلى ما هو عليه الآن ذكر عمل عمر بن الخطاب وعثمان رضي الله عنهما

حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: كان المسجد الحرام ليس عليه جدرات محاطة انما كانت الدور محدقة به من كل جانب، غير أن بين الدور أبواباً يدخل منها الناس من كل نواحيه فضاق على الناس فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دوراً فهدمها وهدم على من قرب من المسجد وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنع من البيع فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جداراً قصيراً وقال لهم عمر: انما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها ولم تنزل الكعبة عليكم، ثم كثر الناس في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فوسع المسجد واشترى من قوم وأبى آخرون أن يبيعوا، فهدم عليهم فصيحوا به فدعاهم فقال: انما جرأكم على حلمي عنكم فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد فاحتذيت على مثاله فصيحتم بي ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فتركهم.

ذكر بنيان عبد الله بن الزبير

رضي الله عنه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: كان المسجد الحرام محاطاً بجدار قصير غير مسقف انما يجلس الناس حول المسجد بالغداة والعشي يتبعون الأفياء، فإذا قلص الظل قامت المجالس.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن الزبير وهو جالس على ضفير المسجد الحرام وهو يقول لابن لعبد الله بن عامر: لقد رأيتني وأباك وما لنا إلا كذا وكذا وكان أبوك أكبر مني سناً، قال سفيان: ذكر شيئاً فنسيته.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة عن أبيه قال: زاد ابن الزبير في المسجد الحرام واشترى دوراً من الناس وأدخلها في المسجد فكان مما اشترى بعض دارنا يعني دار الأزرق قال: وكانت لاصقة بالمسجد الحرام وبابها شارع على باب بني شيبة الكبير على يسار من دخل المسجد الحرام، فاشترى نصفها فأدخله في المسجد الحرام ببضعة عشر ألف دينار قال: وكتب لنا إلى مصعب بن الزبير بالعراق يدفعها إلينا قال: فركب منا رجال فوجدوا مصعباً يقاتل عبد الملك بن مروان فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى قتل مصعب، فرجعوا إلى مكة قال: فجعل ابن الزبير يعدنا ويدفعنا حتى جاءه الحجاج فحاصره فقتل، ولم نأخذ شيئاً فكلمنا في ذلك الحجاج بعد مقتل ابن الزبير فقال: أنا أبرد عن ابن الزبير هو ظلمكم فأنتم وهو أعلم، قال: وكان ابن الزبير قد انتهى بالمسجد إلى أن أشرعه على الوادي، مما يلي الصفا وناحية بني مخزوم والوادي يومئذ في موضع المسجد اليوم، ثم مضى به مصعداً من وراء بيت الشراب لاصقاً به وبين جدر بيت الشراب الذي يلي الصفا وبين جدر المسجد إلا قدر ما يمر الرجل وهو منحرف ثم أصعد به عن بيت الشراب مصعداً بقدر سبعة أذرع أو نحو ذلك ثم رده في العراض وكانت زاوية المسجد التي تلي المسعى ونحو الوادي الزاوية الشرقية، ليس بينها وبين زاوية بيت الشراب الشرقية إلا نحواً من سبعة أذرع ثم رده عرضاً على المطمار إلى باب دار شيبة بن عثمان وهي يومئذ أدخل منها اليوم في المسجد الحرام، ثم رد جدار المسجد منحدراً على وجه دار الندوة وهي يومئذ داخلة في المسجد الحرام وبابها في وسط الصحن، أشار لي جدي إلى موضع يكون بينه وبين موضع الصف الأول مثل ما بينه وبين الأساطين الأولى من الطاق الأول من المسجد الحرام اليوم يكون على النصف أو نحو ذلك من الاسطوانة الحمراء إلى موضع الصف، الأول فضرب جدي برجله في هذا الموضع فقال: كان ها هنا باب دار الندوة وأخبرنيه داود بن عبد الرحمن العطار قال: رأيت ابن هشام المخزومي وهو أمير على مكة يخرج من باب الندوة وهو يومئذ في هذا الموضع، فادخل الطواف وأطوف سبعاً قبل أن يصل إلى الركن الأسود قال: يضع يديه على أكبر شيخين من قريش بالباب، ثم يمشي الأطاريح فيمشي قليلاً قليلاً ويتقهقر أبداً حتى يبلغ الركن فيستلمه، فلم يزل باب دار الندوة في موضعه هذا حتى زاد أبو جعفر أمير المؤمنين في المسجد، فأخره إلى ما هو عليه اليوم، وكان هذا بنيان ابن الزبير الذي ذكرت في هذا الكتاب، قال جدي لم أسمع أحداً ممن سألت من مشيخة أهل مكة وأهل العلم يذكرون غير ذلك، غير اني قد سمعت من يذكر أن ابن الزبير كان قد سقفه فلا أدري أكله أم بعصه، قال: ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه ولكنه رفع جدرانه وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة.
حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن فروة عن أبيه قال: كنت على عمل المسجد في زمان عبد الملك بن مروان قال: فجعلوا في رؤوس الأساطين خمسين مثقالاً من ذهب في رأس كل أسطوانة، حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن زاذان بن فروخ قال: مسجد الكوفة تسعة أجربة ومسجد مكة تسعة أجربة وشيء، قال أبو الوليد: قال جدي: وذلك في زمن ابن الزبير

ذكر عمل الوليد بن عبد الملك

حدثنا أبو محمد إسحاق بن أحمد حدثنا أبو الوليد قال قال جدي: ثم عمر الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام، وكان إذا عمل المساجد زخرفها قال: فنقض عمل عبد الملك، وعمله عملاً محكماً وهو أول من نقل إليه أساطين الرخام فعمله بطاق واحد بأساطين الرخام وسقفه بالساج المزخرف وجعل على رءوس الأساطين الذهب على صفايح الشبه من الصفر قال: وأزر المسجد بالرخام من داخله، وجعل في وجه الطيقان في أعلاها الفسيفساء وهو أول من عمله في المسجد الحرام، وجعل للمسجد شرافات وكانت هذه عمارة الوليد بن عبد الملك.

عمل أمير المؤمنين أبي جعفر

 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: لم يعمر المسجد الحرام بعد الوليد بن عبد الملك من الخلفاء ولم يزد فيه شيئاً، حتى كان أبو جعفر أمير المؤمنين فزاء في شقه الشامي الذي يلي دار العجلة ودار الندوة في أسفله ولم يزد عليه في أعلاه ولا في شقه الذي يلي الوادي، قال: فاشترى من الناس دورهم اللاصقة بالمسجد من أسفله حتى وضعه على منتهاه اليوم قال: فكانت زاوية المسجد التي تلي أجياد الكبير عند باب بني جمح عند الأحجار النادرة من جدر المسجد الذي عند بيت زيت قناديل المسجد عند آخر منتهى أساطين الرخام من أول الأساطين المبيضة، فذهب به في العرض على المطمار حتى انتهى إلى المنارة التي في ركن المسجد اليوم عند باب بني سهم وهو من عمل أبي جعفر، ثم اصعد به على المطمار في وجه دار العجلة حتى انتهى إلى موضع متزاور عند الباب الذي يخرج منه إلى دار حجير بن أبي أهاب، بين دار العجلة ودار الندوة، وكان الذي ولي عمارة المسجد لأمير المؤمنين أبي جعفر، زياد بن عبيد الله الحارثي وهو أمير على مكة وكان على شرطته عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الشيبي جد مسافع بن عبد الرحمن فلما انتهى به إلى الموضع المتزاور، ذهب عبد العزيز ينظر فإذا هو ان مضى به على المطمار أجحف بدار شيبة بن عثمان وأدخل أكثرها في المسجد، فكلم زياد بن عبيد الله في أن يميل عنه المطمار شيئاً ففعل فلما صار إلى هذا الموضع المتزاور أماله في المسجد، أمره على دار الندوة فأدخل أكثرها في المسجد، ثم صار إلى دار شيبة ابن عثمان فأدخل منها إلى الموضع الذي عند آخر عمل الفسيفساء اليوم في الطاق الداخل من الأساطين التي تلي دار شيبة ودار الندوة، فكان هذا الموضع زاوية المسجد وكانت فيه منارة من عمل أمير المؤمنين أبي جعفر، ثم رده في العراض حتى وصله بعمل الوليد بن عبد الملك الذي في أعلا المسجد، وانما كان عمل أبي جعفر طاقاً واحداً وهو الطاق الأول الداخل اللاصق بدار شيبة بن عثمان ودار الندوة ودار العجلة ودار زبيدة، فذلك الطاق هو عمل أبي جعفر لم يغير ولم يحرك عن حاله إلى اليوم وانما عمل الفسيفساء فيه لأنه كان وجه المسجد وكان بناء المسجد من شق الوادي من الأحجار التي وضعت عند بيت الزيت عند أول الأساطين المبيضة عند منتهى أساطين الرخام فكان من هذا الموضع مستقيماً على المطمار حتى يلصق ببيت الشراب على ما وصفت في صدر الكتاب، وكان عمل أبي جعفر اياه بأساطين الرخام طاقاً واحداً وأزر المسجد كما يدور من بطنه بالرخام وجعل في وجه الأساطين الفسيفساء، فكان هذا عمل أبي جعفر المنصور على ما وصفت وكان ذلك كله على يدي زياد بن عبيد الله الحارثي وكتب على باب المسجد الذي يمر منه سيل المسجد وهو سيل باب بني جمح وهو آخر عمل أبي جعفر من تلك الناحية بالفسيفساء الأسود في فسيفساء مذهب وهو قائم إلى اليوم بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركاً إلى قوله "غني عن العالمين" أمر عبد الله أمير المؤمنين أكرمه الله بتوسعة المسجد الحرام وعمارته والزيادة فيه نظراً منه للمسلمين واهتماماً بأمورهم، وكان الذي زاد فيه الضعف مما كان عليه قبل وأمر ببنيانه وتوسعته في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة وفرغ منه ورفعت الأيدي عنه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة بتيسير أمر الله بأمر أمير المؤمنين ومعونة منه له عليه وكفاية منه له وكرامة أكرمه الله بها فأعظم الله أجر أمير المؤمنين فيما نوى من توسعة المسجد الحرام وأحسن ثوابه عليه فجمع الله تعالى له به خير الدنيا والآخرة وأعز نصره وأيده.

ذكر زيادة المهدي أمير المؤمنين الأولى


حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي أحمد بن محمد قال: سمعت عبد الرحمن ابن الحسن بن القاسم بن عقبة يقول: حج المهدي سنة ستين ومائة فجرد الكعبة مما كان عليها من الثياب وأمر بعمارة المسجد الحرام وأمر أن يزاد في أعلاه ويشترى ما كان في ذلك الموضع من الدور وخلف تلك الأموال، وكان الذي أمر بذلك محمد بن عبد الرحمن بن هشام الأوقص المخزومي وهو يومئذ قاضي أهل مكة، قال: فاشترى الأوقص الدور فما كان منها صدقة عزل ثمنه واشترى هو لأهل الصدقة بثمن دورهم مساكن في فجاج مكة عوضاً من صدقاتهم تكون لأهل الصدقة على ما كانوا فيه من شروط صدقاتهم قال: فاشترى كل ذراع في ذراع مكسراً مما دخل في المسجد بخمسة وعشرين ديناراً، وما دخل في الوادي بخمسة عشر ديناراً قال: فكان مما دخل في ذلك الهدم دار الأزرق وهي يومئذ لاصقة بالمسجد الحرام على يمين من خرج من باب بني شيبة بن عثمان الكبير، فكان ثمنها ناحية ثمانية عشر ألف دينار، وذلك إن أكثرها دخل في المسجد في زيادة ابن الزبير حين زاد فيه قال: واشترى لهم بثمنها مساكن عوضاً من دارهم فهي في أيديهم إلى اليوم، قال: ودخلت أيضاً دار خيرة بنت سباع الخزاعية بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخر المسعى، قال: ودخلت أيضاً دار لآل جبير بن مطعم قال: ودخل أيضاً بعض دار شيبة بن عثمان، فاشترى جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور فهدمها ووضع المسجد على ما هو عليه اليوم شارعاً على المسعى وجعل موضع دار القوارير رحبة فلم تزل على ذلك حتى استقطعها جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين فبناها ثم قبضها حماد البربري بعد ذلك فبنى باطنها بالقوارير وبنى ظاهرها بالرخام والفسيفساء، وكان الذي زاد المهدي في المسجد في الزيادة الأولى ان مضى بجدره الذي يلي الوادي إذ كان لاصقاً ببيت الشراب حتى انتهى به إلى حد باب بني هاشم الذي يقال له: باب البطحاء على سوق الخلقان إلى حده الذي يلي باب بني هاشم الذي عليه العلم الأخضر الذي يسعى منه من أقبل من المروة يريد الصفا، وموضع ذلك بين لمن تأمله فكان ذلك الموضع زاوية المسجد وكانت فيه منارة شارعة على الوادي والمسعى وكان الوادي لاصقاً بهما يمر في بطن المسجد اليوم قبل أن يؤخر المهدي المسجد إلى منتهاه اليوم من شق الصفا والوادي ثم رده على مطماره حتى انتهى به إلى زاوية المسجد التي تلي الحذاءين وباب بني شيبة الكبير إلى موضع المنارة اليوم ثم رد جدر المسجد منحدراً حتى لقي به جدر المسجد القديم من بناء أبي جعفر أمير المؤمنين قريباً من باب دار شيبة، من وراء الباب منحدراً عن الباب باسطوانتين من الطاق اللاصق بجدر المسجد إلى منتهى عمل الفسيفساء من ذلك الطاق الداخل وذلك الفسيفساء وحده وجدر المسجد منحدراً إلى أسفل المسجد، عمل أبي جعفر أمير المؤمنين فكان هذا الذي زاد المهدي في المسجد في الزيادة الأولى، وكان أبو جعفر أمير المؤمنين انما جعل في المسجد من الظلال طاقاً واحداً وهو الطاق الأول اللاصق بجدر المسجد اليوم فأمر المهدي بأساطين الرخام فنقلت في السفن من الشام حتى أنزلت بجدة ثم جرت على العجل من جدة إلى مكة، فجعلت أساطين لما هندم المهدي في أعلى المسجد ثلاثة صفوف وجعل بين يدي الطاق الذي كان بناه أبو جعفر مما يلي دار الندوة ودار العجلة وأسفل المسجد إلى موضع بيت الزيت عند باب بني جمح صفين حتى صارت ثلاثة صفوف، وهي الطيقان التي في المسجد اليوم لم تغير، قال: ولما وضع الأساطين حفر لها ارباضاً على كل صف من الأساطين جدراً مستقيماً ثم رد بين الأساطين جدرات أيضاً بالعرض حتى صارت كالصليب على ما أصف في كتابي هذا.
فلما ان قرر الأرباض على قرار الأرض حتى انبط الماء بناها بالنورة والرماد والجص حتى إذا استوى بالأرباض على وجه الأرض وضع فوقها الأساطين على ما هي عليه اليوم، ولم يكن حول المهدي في الهدم الأول من شق الوادي والصفا شيئاً أقره على حاله طاقاً واحداً وذلك لضيق المسجد في تلك الناحية انما كان بين جدر الكعبة اليماني وبين جدر المسجد الذي يلي الوادي والصفا تسعة وأربعون ذراعاً ونصف ذراع، فهذه زيادة المهدي الأولى في عمارته إياه، فالذي في المسجد من الأبواب من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين من أسفل المسجد باب بني جمح وهو ثلاث طيقان ومن تحته يخرج سيل المسجد الحرام كله ومن بين يديه بلاط يمر عليه سيل المسجد، وفي دار زبيدة بابان كانا يخرجان إلى زقاق، كان بين المسجد والدار التي صارت لزبيدة؛ وكان ذلك الزقاق طريقاً مسلوكاً ما سد إلا حديثاً والبابان مبوبان، ومن عمل أبي جعفر المنصور أيضاً باب بني سهم وهو طاق واحد وباب عمرو بن العاص وبابان في دار العجلة طاقاً طاقاً كانا يخرجان إلى زقاق، كان بين دار العجلة وبين جدر المسجد وكان طريقاً مسلوكاً يمر فيه سيل السويقة وسيل ما أقبل من جبل شيبة بن عثمان، ولم تزل تلك الطريق على ذلك حتى سدها يقطين بن موسى حين بنى دار العجلة قدم الدار إلى جدر المسجد وأبطل الطريق وجعل تحت الدار سرباً مستقيماً مسقفاً يمر تحته السيل وذلك السرب على حاله إلى اليوم وسد أحد بابي المسجد الذي كان في ذلك الزقاق وهو الباب الأسفل منهما وموضعه بين في جدر المسجد وجعل الباب الآخر باباً لدار العجلة ضيقه وبوبه وهو باب دار العجلة إلى اليوم، ومما جعل أيضاً أبو جعفر الباب الذي يسلك منه إلى دار حجير بن أبي إهاب بين دار العجلة ودار الندوة وباب دار الندوة، فهذه الأبواب السبعة من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين، وأما الأبواب التي من زيادة المهدي الأولى فمنها الباب الذي في دار شيبة بن عثمان وهو طاق واحد، ومنها الباب الكبير الذي يدخل منه الخلفاء كان يقال له: باب بني عبد شمس ويعرف اليوم بباب بني شيبة الكبير وهو ثلاث طيقان وفيه اسطوانتان وبين يديه بلاط مفروش من حجارة وفي عتبة الباب حجارة طوال مفروش بها العتبة، قال أبو الوليد: سألت جدي عنها فقلت: أبلغك أن هذه الحجارة الطوال كانت أوثاناً في الجاهلية تعبد فإني أسمع بعض الناس يذكرون ذلك ? فضحك وقال: لا، لعمري ما كانت بأوثان، ما يقول هذا إلا من لا علم له انما هي حجارة كانت فضلت مما قلع القسري لبركته التي يقال لها: بركة البردي بفم الثقبة، واصل ثبير كانت حول البركة مطروحة حتى نقلت حين بنى المهدي المسجد فوضعت حيث رأيت، ومنها الباب الذي في دار القوارير كان شارعاً على رحبة في موضع الدار وهو طاق واحد، ومنها باب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الباب الذي مقابل زقاق العطارين وهو الزقاق الذي يسلك منه إلى بيت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهو طاق واحد، ومنها باب العباس بن عبد المطلب وهو الباب الذي عنده العلم الأخضر الذي يسعى منه من أقبل من المروة يريد الصفا وهو ثلاث طيقان وفيه اسطوانتان، فهذه الخمسة الأبواب التي عملها المهدي في الزيادة الأولى.

ذكر زيادة المهدي

الاخرة في شق الوادي من المسجد الحرام


قال أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي: قال جدي: لما بنى المهدي المسجد الحرام وزاد الزيادة الأولى، اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة الشامي، وضاق شقه اليماني الذي يلي الوادي والصفا، فكانت الكعبة في شق المسجد، وذلك إن الوادي كان داخلاً لاصقاً بالمسجد في بطن المسجد اليوم، قال: وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه في موضع الوادي اليوم انما كان موضعه دور الناس، وانما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي، ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت فيما بين الوادي والصفا، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم، عند موضع المنارة الشارعة في نحو الوادي، فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم، قال أبو الوليد: فلما حج المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة ورأى الكعبة في شق من المسجد الحرام، كره ذلك، وأحب أن تكون متوسطة في المسجد، فدعا المهندسين فشاورهم في ذلك، فقدروا ذلك، فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل، وقالوا: ان وداي مكة له أسيال عارمة، وهو واد حدور، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد، مع إن وراءه من الدور والمساكن ما تكثر فيه المؤنة، ولعله أن لا يتم، فقال المهدي: لا بد لي من أن أوسعه حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال، ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال، وعظمت في ذلك نيته، واشتدت رغبته، ولهج بعمله، فكان من أكبر همه، فقدروا ذلك وهو حاضر. ونصبت الرماح على الدور، من أول موضع الوادي إلى آخره، ثم ذرعوه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك وما يكون للوادي فيه منه، فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي وعلم ما يدخل في المسجد من ذلك، وزنوه مرة بعد مرة وقدروا ذلك، ثم خرج المهدي إلى العراق وخلف الأموال، فاشتروا من الناس دورهم، فكان ثمن كلما دخل في المسجد من ذلك كل ذراع مكسر بخمسة وعشرين ديناراً، وكان ثمن كل ما دخل في الوادي خمسة عشر ديناراً، وأرسل إلى الشام وإلى مصر، فنقلت أساطين الرخام في السفن حتى أنزلت بجدة، ثم نقلت على العجل من جدة إلى مكة، ووضعوا أيديهم فهدموا الدور وبنوا المسجد، فابتدأوا من أعلاه من باب بني هاشم الذي يستقبل الوادي والبطحاء، ووسع ذلك الباب وجعل بازائه من أسفل المسجد مستقبله باباً آخر، وهو الباب الذي يستقبل فج خط الحزامية، يقال له: باب البقالين، فقال المهندسون: إن جاء سيل عظيم فدخل المسجد خرج من ذلك الباب، ولم يحمل في شق الكعبة، فابتدأوا عمل ذلك في سنة سبع وستين ومائة، واشتروا الدور وهدموها، فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي، وجعلوا المسعى والوادي فيهما فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، ثم حرفوا الوادي في موضع الدور حتى لقوا به الوادي القديم، بباب أجياد الكبير بفم خط الحزامية، فالذي زيد في المسجد من شق الوادي تسعون ذراعاً من موضع جدر المسجد الأول إلى موضعه اليوم، وانما كان عرض المسجد الأول من جدر الكعبة اليماني إلى جدر المسجد اليماني، الشارع على الوادي الذي يلي باب الصفا، تسع وأربعون ذراعاً ونصف ذراع، ثم بنى منحدراً حتى دخلت دار أم هانئ بنت أبي طالب، وكانت عندها بير جاهلية، كان قصي حفرها، فدخلت تلك البير في المسجد، فحفر المهدي عوضاً منها البير التي على باب البقالين الذي في حد ركن المسجد الحرام اليوم، ثم مضوا في بنائه بأساطين الرخام وسقفه بالساج المذهب المنقوش، حتى توفي المهدي سنة تسع وستين ومائة وقد انتهوا إلى آخر منتهى أساطين الرخام من أسفل المسجد، فاستخلف موسى أمير المؤمنين، فبادر القوام باتمام المسجد، وأسرعوا في ذلك، وبنوا أساطينه بحجارة، ثم طليت بالجص، وعمل سقفه عملاً دون عمل المهدي في الأحكام والحسن، فعمل المهدي في ذلك الشق من أعلى المسجد إلى منتهى آخر أساطين الرخام، ومن ذلك الموضع، عمل في خلافة موسى إلى المنارة الشارعة، على باب أجياد الكبير، ثم منحدراً في عرض المسجد، إلى باب بني جمح، إلى الأحجار النادرة من بيت الزيت، حتى وصل بعمل أبي جعفر وعمل المهدي في الزيادة الأولى، فهذا جميع ما عمر في المسجد الحرام وما أحدث فيه إلى اليوم، وكان في موضع  
الدار التي يقال لها: دار جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، بين باب البقالين وباب الخياطين، لاصقة بالمسجد الحرام، رحبة بين يدي المسجد، حتى استقطعها جعفر بن يحيى في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، فبناها ولم يتم أعلاها حتى جاء نعيه، ولم يتم جناحها وأعلاها.دار التي يقال لها: دار جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، بين باب البقالين وباب الخياطين، لاصقة بالمسجد الحرام، رحبة بين يدي المسجد، حتى استقطعها جعفر بن يحيى في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، فبناها ولم يتم أعلاها حتى جاء نعيه، ولم يتم جناحها وأعلاها.

باب ذراع المسجد الحرام

قال أبو الوليد: ذرع المسجد الحرام مكسراً مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وذرع المسجد طولاً، من باب بني جمح إلى باب بني هاشم، الذي عنده العلم الأخضر مقابل دار العباس بن عبد المطلب، أربعمائة ذراع وأربعة أذرع مع جدريه يمر في بطن الحجر لاصقاً بجدر الكعبة، وعرضه من باب دار الندوة إلى الجدار الذي يلي الوادي عند باب الصفا لاصقاً بوجه الكعبة ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع، وذرع عرض المسجد الحرام، من المنارة التي عند المسعى إلى المنارة التي عند باب بني شيبة الكبير، مائتا ذراع وثمانية وسبعون ذراعاً، وذرع عرض المسجد الحرام، من منارة باب أجياد إلى منارة بني سهم، مائتا ذراع وثمانية وسبعون ذراعاً.

باب عدد أساطين المسجد الحرام

وعدد أساطين المسجد الحرام من شقه الشرقي، مائة وثلاث اسطوانات، ومن شقه الغربي، مائة اسطوانة وخمس اسطوانات، ومن شقه الشامي، مائة وخمس وثلاثون اسطوانة، ومن سقه اليماني، مائة واحدى وأربعون اسطوانة، فجميع ما فيه من الأساطين أربعمائة اسطوانة وأربع وثمانون اسطوانة، طول كل اسطوانة عشرة أذرع، وتدويرها ثلاثة أذرع، وبعضها يزيد على بعض في الطول والغلظ، ومنها على الأبواب عشرون اسطوانة، على الأبواب التي تلي المسعى منها ست، ومنها على الأبواب التي تلي الوادي والصفا عشر، ومنها على الأبواب التي تلي باب بني جمح أربع، وذرع ما بين كل اسطوانتين من أساطينه، ستة أذرع وثلاث عشرة اصبعاً.

صفة الأساطين


الأساطين التي كراسيها مذهبة، ثلاثمائة واحدى وعشرون، منها في الظلال التي تلي دار الندوة، مائة وثلاث وثلاثون، ومنها في الظلال التي تلي باب بني جمح، أربع وخمسون، ومنها في الظلال التي تلي الوادي، اثنتان وأربعون، ومنها في الظلال التي تلي المسعى، اثنتان وتسعون، وفي ثلاث أساطين من العدد، كراسيها حمر وفي الشق الذي يلي الوادي، منها مما يلي بطن المسجد كرسيان، ومنها في الظلال، واحدة، وفوق الكراسي التي على الأساطين، ملا بن ساج منقوشة بالزخرف والذهب، قال أبو الوليد: وفي الأساطين، أربع وأربعون اسطوانة مبنية بالحجارة، ليست برخام مطلي عليها الجص، وهي مما عمل بعد موت المهدي، في خلافة موسى بن المهدي، منها في الظلال التي تلي باب بني جمح، ست وعشرون، ومنها في الظلال التي تلي الوادي، ثمان عشرة، وعلى ست عشرة اسطوانة من أساطين الرخام، كراسيها العليا من حجارة منقوشة بالجص، منها واحدة مما يلي باب بني جمح، ومنها في الشق الذي يلي الوادي خمس عشرة، أربع تلي بطن المسجد، واحدى عشرة في الظلال، ومن الأساطين من الرخام سبع وعشرون، كراسيها التي تلي الأرض حجارة، وهي من عمل أمير المؤمنين أبي جعفر، منها في شق دار العجلة سبع، ومنها في شق بني جمح عشرون، وعدد الأساطين التي تلي أبواب المسجد الحرام من كل ناحية، مائة واحدى وخمسون، مما يلي دار الندوة خمس وأربعون، ومما يلي باب بني جمح ثلاثون، ومما يلي الوادي أربع وأربعون، ومما يلي المسعى اثنتان وثلاثون، وفي الأساطين اسطوانتان حمراوان مخططتان ببياض، واسطوانتان مما يلي بطن المسجد على باب دار الندوة، احداهما بنفسجية، والأخرى حمراء، وفي شق باب بني شيبة الكبير، اسطوانتان بيضاوان ملونتان مخرزتان مسيرتان، ومما يلي بطن المسجد أيضاً، اسطوانتان عدسيتان برشاوان، وعلى باب المسعى اسطوانتان خضراوان مسيرتان ملونتان، وهما على باب العباس بن عبد المطلب، واسطوانة غبراء، ومما يلي بطن المسجد على باب الوادي مما يلي المسجد، وهي أغلظ اسطوانة في المسجد، خضراء، ومما يلي بطن المسجد من شق الوادي، اسطوانتان منقوشتان مكتوبتان بالذهب إلى أنصافهما، وهما على باب الصفا، قال إسحاق: احداهما فيها كتاب من جنس الحجر أصفى من لونها، وهو: الله أولى بالمؤمنين، إلا انه قد نقر عليه فأفسد، وهو بين من خلقة الحجر، واسطوانتان أيضاً على باب الصفا بحذاهما مما يلي السوق، منقوشتان مكتوبتان بالذهب، بينهما طريق النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد إلى الصفا، وفي وجه المسجد مما يلي الصفا اسطوانتان مسيرتان شارعتان في المسجد، احداهما في أعلى هذا الشق والأخرى في أسفله.

صفة الطاقات وعددها وكم ذرعها


قال أبو الوليد: وعلى الأساطين أربعمائة طاقة وثمان وتسعون طاقة، منها في الظلال التي تلي دار الندوة، مائة واثنتان وأربعون طاقة، ومنها في الظلال التي تلي الوادي، مائة وخمس وأربعون طاقة، ومنها في الظلال التي تلي المسعى، تسع وتسعون طاقة، ومنها في الظلال التي تلي شق بني جمح، مائة واثنتا عشرة طاقة، ومنها في الطيقان التي تلي بطن المسجد الحرام، مائة واحدى وخمسون، من ذلك مما يلي دار الندوة ست وأربعون، ومنها مما يلي باب بني جمح تسع وعشرون، ومنها مما يلي الوادي خمس وأربعون، ومنها مما يلي المسعى احدى وثلاثون، وذرع ما بين الركن الأسود إلى مقام إبراهيم عليه السلام، تسعة وعشرون ذراعاً وتسع أصابع، وذرع ما بين جدر الكعبة من وسطها إلى المقام سبعة وعشرون ذراعاً، وذرع ما بين شاذروان الكعبة إلى المقام ستة وعشرون ذراعاً ونصف، ومن الركن الشامي إلى المقام ثمانية وعشرون ذراعاً وتسع عشرة اصبعاً، ومن الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى حد حجرة زمزم، ستة وثلاثون ذراعاً ونصف، ومن الركن الأسود إلى رأس زمزم أربعون ذراعاً، ومن وسط جدر الكعبة إلى حد المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعاً، ومن وسط جدر الكعبة إلى الجدر الذي يلي باب بني جمح مائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعاً، ومن وسط جدر الكعبة إلى الجدر الذي يلي الوادي مائة ذراع واحد وأربعون ذراعاً وثماني عشرة اصبعاً، ومن وسط جدر الكعبة الذي يلي الحجر إلى الجدر الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعاً وأربع عشرة اصبعاً، ومن ركن الكعبة الشامي إلى حد المنارة التي تلي المروة مائتا ذراع وأربعة وستون ذراعاً، ومن ركن الكعبة الغربي إلى حد المنارة التي تلي باب بني سهم مائتا ذراع وثمانية أذرع ونصف، ومن الركن اليماني إلى المنارة التي تلي أجياد الكبير مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعاً وست عشرة اصبعاً، ومن الركن الأسود إلى المنارة التي تلي المسعى والوادي مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعاً، ومن الركن الأسود إلى وسط باب الصفا مائة ذراع وخمسون ذراعاً وست أصابع، ومن الركن الشامي إلى وسط باب بني شيبة مائتا ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً وخمس أصابع، ومن الركن الأسود إلى سقاية العباس، وهو بيت الشراب خمسة وتسعون ذراعاً، ومن باب بني شيبة إلى المروة ثلاثمائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعاً، ومن الركن الأسود إلى الصفا مائتا ذراع واثنان وتسعون ذراعاً وثماني عشرة اصبعاً، ومن المقام إلى جدر المسجد الذي يلي المسعى مائة ذراع وثمانية وثمانون ذراعاً، ومن المقام إلى الجدر الذي يلي باب بني جمح مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعاً، ومن المقام إلى الجدر الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً، ومن المقام إلى الجدر الذي يلي الصفا مائة ذراع وأربعة وستون ذراعاً ونصف، ومن المقام إلى جدر حجرة زمزم اثنان وعشرون ذراعاً، ومن المقام إلى حرف بير زمزم أربعة وعشرون ذراعاً وعشرون اصبعاً، ومن وسط سقاية العباس إلى جدر المسجد الذي يلي المسعى مائة ذراع، ومن وسط السقاية إلى الجدر الذي يلي باب بني جمح مائتا ذراع واحد وتسعون ذراعاً، ومن وسط السقاية إلى الجدر الذي يلي دار الندوة مائتا ذراع، ومن وسط السقاية إلى الجدر الذي يلي الوادي خمسة وثمانون ذراعاً.

صفة أبواب المسجد الحرام وعددها وذرعها


قال أبو الوليد: وفي المسجد الحرام من الأبواب، ثلاثة وعشرون باباً، فيها ثلاث وأربعون طاقاً، منها في الشق الذي يلي المسعى وهو الشرقي، خمسة أبواب، وهي إحدى عشرة طاقاً من ذلك، الباب الأول وهو الباب الكبير الذي يقال له: باب بني شيبة وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف، وبهم كان يعرف في الجاهلية والاسلام عند أهل مكة، فيه اسطوانتان وعليه ثلاث طاقات، والطاقات طولها عشرة أذرع، ووجهها منقوش بالفسيفساء، وعلى الباب روشن ساج منقوش مزخرف بالذهب والزخرف، طول الروشن سبعة وعشرون ذراعاً، وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن الروشن إلى الأرض سبعة عشر ذراعاً، وما بين جدري الباب أربعة وعشرون ذراعاً، وجدرا الباب ملبسان برخام أبيض وأحمر، وفي العتبة أربع مراقي داخلة، ينزل بها في المسجد، والباب الثاني طاق طوله عشرة أذرع، وعرضه سبعة أذرع، كان فتح في رحبة في موضع دار القوارير، وهو باب دار القوارير، والباب الثالث طاق واحد طوله عشرة أذرع وعرضه سبعة أذرع، وهو باب النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخرج منه ويدخل فيه من منزله الذي في زقاق العطارين، يقال له: مسجد خديجة ابنة خويلد، يصعد إليه من المسعى بخمسة درجات، والباب الرابع فيه اسطوانتان وعليه ثلاث طاقات طول كل طاقة ثلاثة عشر ذراعاً، ووجوه الطاقات وداخلها منقوشة بالفسيفساء، وعلى الباب روشن ساج منقوش بالزخرف والذهب طوله ستة وعشرون ذراعاً وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن أعلى الروشن إلى العتبة ثلاثة وعشرون ذراعاً، وما بين جدري الباب أحد وعشرون ذراعاً، والجدران ملبسان رخاماً أبيض وأحمر وأخضر ورخاماً مموهاً منقوشاً بالذهب، ويرتقى إلى الباب بسبع درجات، وهو باب العباس بن عبد المطلب، وعنده علم المسعى من خارج، والباب الخامس وهو باب بني هاشم وهو مستقبل الوادي، وسعة ما بين جدري الباب أحد وعشرون ذراعاً، وفيه اسطوانتان عليهما ثلاث طاقات طول كل طاقة ثلاثة عشر ذراعاً، ووجوه الطاقات وداخلها منقوش بالفسيفساء، وعارضتا الباب ملبستان صفايح رخام أبيض وأخضر وأحمر ورخاماً منقوشاً مموهاً، وفوق الباب روشن ساج منقوش بالذهب والزخرف طوله، أربعة وعشرون ذراعاً، وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن أعلى الروشن إلى عتبة الباب ثلاثة وعشرون ذراعاً، وفي عتبة الباب سبع درجات إلى بطن الوادي.
 
وفي الشق الذي يلي الوادي، وهو شق المسجد اليماني، سبعة أبواب وسبعة عشر طاقاً، منها الباب الأول فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاقة في السماء ثلاثة عشر ذراعاً ونصف، وما بين جدري الباب أربعة عشر ذراعاً وثماني عشرة اصبعاً، وفي العتبة اثنتا عشرة درجة إلى بطن الوادي، وهو الباب الأعلى يقال له: باب بني عائذ، والباب الثاني فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاقة ثلاثة عشر ذراعاً ونصف، وما بين جدري الباب أربعة عشر ذراعاً ونصف، وفي العتبة اثنتا عشرة درجة في بطن الوادي، وهو باب بني سفيان ابن عبد الأسد، والباب الثالث وهو باب الصفا فيه أربع أساطين عليها خمس طاقات، طول كل طاقة في السماء ثلاثة عشر ذراعاً ونصف، والطاق الأوسط أربعة عشر ذراعاً، ووجوه الطاقات وداخلها منقوش بالفسيفساء، واسطوانتا الطاق الأوسط من أنصافهما منقوشتان مكتوب عليهما بالذهب، وما بين جدر الباب ستة وثلاثون ذراعاً وجدر الباب ملبس رخاماً منقوشاً بالذهب ورخاماً أبيض وأحمر وأخضر ولون اللازورد، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وفي الدرجة الرابعة، إذا خرجت من المسجد حذو الطاق الأوسط، حجر فيه من رصاص، ذكروا إن النبي صلى الله عليه وسلم وطئ في موضعها حين خرج إلى الصفا، قال أبو محمد الخزاعي: لما غرق المسجد وما حوله من المسعى والوادي والطريق، في سنة إحدى وثمانين ومائتين، في خلافة المتعضد بالله ظهر من درج الأبواب أكثر مما كان ذكر الأزرقي، فكان عدد ما ظهر من درج أبواب الوادي كله من أعلى المسجد إلى أسفله، اثنتي عشرة درجة لكل باب، قال أبو الوليد: وكان في موضعه زقاق ضيق يخرج منه من مضى من الوادي يريد الصفا، فكانت هذه الرصاصة في وسط الزقاق يتحرا بها ويحذونها موطأ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقال لهذا الباب: باب بني عدي بن كعب كانت دور بني عدي ما بين الصفا إلى المسجد وموضع الجنبزة، التي يسقى فيها الماء عند البركة هلم جرا إلى المسجد، فلما وقعت الحرب بين بني عدي بن كعب وبين بني عبد شمس، تحولت بنو عدي إلى دور بني سهم، وباعوا رباعهم ومنازلهم هنالك جميعاً إلا آل صداد وآل المومل، وقد كتبت ذكر ذلك في موضع الرباع من هذا الكتاب، ويقال له اليوم: باب بني مخزوم، والباب الرابع فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاق منها ثلاثة عشر ذراعاً ونصف، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعاً وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة في بطن الوادي، ويقال هذا الباب: باب بني مخزوم، والباب الخامس فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاق ثلاثة عشر ذراعاً ونصف، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعاً، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وهذا الباب من أبواب بني مخزوم، والباب السادس فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاق في السماء ثلاثة عشر ذراعاً ونصف، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعاً، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وكان يقال لهذا الباب: باب بني تيم، وكان بحذا دار عبد الله بن جدعان ودار عبد الله بن معمر بن عثمان التيمي، فدخلتا في الوادي حين وسع المهدي المسجد، وقد فضلت من دار ابن جدعان فضلة، وهي بأيديهم إلى اليوم، والباب السابع فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاق ثلاثة عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وما بين جدري الباب أربعة عشر ذراعاً وثماني عشرة اصبعاً، وفي عتبة الباب اثنتا عشرة درجة، وهذا الباب مما يلي دور بني عبد شمس وبني مخزوم، وكان يقال له: باب أم هانيء ابنة أبي طالب، وعلى الأساطين التي على الأبواب كراسي مما يلي الوادي، وباب بني هاشم وباب بني جمح ساج منقوشة بالزخرف والذهب.
 
وفي الشق الذي يلي بني جمح ستة أبواب وعشر طاقات، الباب الأول وهو يلي المنارة التي تلي أجياد الكبير، فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاق ثلاثة عشر ذراعاً، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعاً، وفي عتبة الباب ثماني درجات، وهو يقال: له باب بني حكيم بن حزام، وباب بني الزبير بن العوام، والغالب عليه باب الحزامية يلي الخط الحزامي، والباب الثاني فيه اسطوانتان عليهما ثلاث طاقات، طول كل طاق في السماء ثلاثة عشر ذراعاً، وما بين جدري الباب أحد وعشرون ذراعاً، وفي عتبة الباب سبع درجات، وهذا الباب يستقبل دار عمرو بن عثمان بن عفان، يقال له اليوم: باب الخياطين، والباب الثالث فيه اسطوانة عليها طاقان طول كل طاق في السماء عشرة أذرع، ووجه الطاقين منقوش بالفسيفساء، وما بين جدري الباب خمسة عشر ذراعاً، وفي عتبة الباب سبع درجات، وبين يدي الباب بلاط يمر عليه سيل المسجد من سرب تحت هذا الباب، وذلك الفسيفساء من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين، وهو آخر عمله في ذلك الموضع، وهو باب بني جمح قال أبو الحسن: قد كان هذا على ما ذكره الأزرقي، حتى كانت أيام جعفر المقتدر بالله أمير المؤمنين، وكان يتولى الحكم بمكة محمد بن موسى، فغير هذين البابين المعروف أحدهما بالخياطين والآخر ببني جمح، وجعل ما بين داري زبيدة مسجداً، وصلة بالمسجد الكبير عمله بأروقة وطاقات وصحن، وجعله شارعاً على الوادي الأعظم بمكة، فاتسع الناس به وصلوا فيه، وذلك كله في سنة ست وسنة سبع وثلاثمائة، قال أبو الوليد: والباب الرابع طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه خمسة أذرع، وعليه باب مبوب كان يشرع في زقاق بين دار زبيدة وبين المسجد، وكان ذلك الزقاق مسلوكاً، وهو باب أبي البختري بن هاشم الأسدي، كان يستقبل داره التي دخلت في دار زبيدة وفيها بير الأسود بن المطلب بن أسد، وهو الباب الذي يصعد منه اليوم إلى دار زبيدة، والباب الخامس طاق طوله في السماء عشرة أذرع، وعرضه أربعة أذرع واثنتا عشرة أصبعاً، والباب مبوب يشرع في زقاق دار زبيدة أيضاً، والباب السادس طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه سبعة أذرع، وفي العتبة عشر درجات وهو باب بني سهم.
وفي الشق الذي يلي دار الندوة ودار العجلة، وهو الشق الشامي، من الأبواب ستة أبواب، الباب الأول وهو يلي المنارة التي تلي بني سهم، طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه أربعة أذرع، وفي العتبة ست درجات، وهو باب عمرو بن العاص، والباب الثاني قد سد في دار العجلة، وموضعه بين لمن يقابله، والباب الثالث هو باب دار العجلة، والباب الرابع هو باب قعيقعان طاق طوله في السماء عشرة أذرع وعرضه تسعة أذرع وست أصابع، وفي عتبة الباب من خارج بلاط من حجارة وينزل منه إلى بطن المسجد بست درجات، ويقال ثمان درجات، ويقال له باب حجير بن أبي اهاب، قال أبو محمد الخزاعي: وهو حجير بن أبي اهاب التيمي، وهي الدار التي بينهما الطريق إلى قعيقعان، كانتا اقطعتا عمرو بن الليث الصفار، ثم صارت احداهما اصطبلاً للسلطان، والاخرى لاصقة بدار العروس ودار جعفر بن محمد فيها بيوت تسكن، قال أبو الوليد: وينزل منه إلى بطن المسجد بست درجات وبين يدي الباب من خارج بلاط من حجارة، والباب الخامس هو باب دار الندوة، والباب السادس طاق واحد طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه خمسة أذرع، وفي عتبة هذا الباب ثماني درجات في بطن المسجد، وهو باب دار شيبة بن عثمان، يسلك منه إلى السويقة، وفي هذا الشق درجة يصعد منها إلى دار الامارة، وهي دار السلامة درجة رخام عليها درابزين، وفي هذا الشق جناح من دار العجلة، كان أشرع للمهدي أيام بنيت في سنة ستين ومائة فلم يزل ذلك الجناح على حاله حتى جاءت المبيضة، فقطعه حسين بن حسن العلوي، ووضع الجناح لاصقاً بالكواء التي كانت أبواب الجناح في سنة مائتين في الفتنة فلم يزل على ذلك، حتى أمر أمير المؤمنين المعتصم بالله في سنة احدى وعشرين ومائتين، بعمارة دار العجلة فاشرع الجناح وجعل شباكه بالحديد وجعلت عليه أبواب مزررة تطوى وتنشر فهو قائم إلى اليوم.

ذرع جدرات المسجد الحرام


قال أبو الوليد: ذرع الجدر الذي يلي المسعى، وهو الشرقي ثمانية عشر ذراعاً في السماء، وطول الجدر الذي يلي الوادي، وهو الشق اليماني في السماء اثنان وعشرون ذراعاً، وطول الجدر الذي يلي بني جمح، وهو الغربي، اثنان وعشرون ذراعاً ونصف، وطول الجدر الذي يلي دار الندوة، وهو الشق الشامي، تسعة عشر ذراعاً ونصف.

الشرافات التي في بطن المسجد وخارجه

قال أبو الوليد: وعدد الشرافات التي على جدرات المسجد من خارجه مائتا شرافة واثنتان وسبعون شرافة ونصف، منها في الجدر الذي يلي المسعى، ثلاث وسبعون شرافة، ومنها في الجدر الذي يلي الوادي مائة وتسع عشرة، ومنها في الجدر الذي يلي بني جمح خمس وسبعون، ومنها في الجدر الذي يلي دار الندوة خمس شرافات ونصف، وفي جدرات المسجد من خارج روازن منقوشة بالجص، وطاقات نافذة إلى المسجد ووجهها منقوش بالجص، وعلى الطاقات شباك حديد، ووجوه طاقات الأبواب ووجوه الشرف منقوش بالجص، وسيل سطح المسجد من الشق الذي يلي المسعى والشق الذي يلي دار الندوة، يجري سيله في سربين محفورين على جدرات المسجد، ثم يسيل في اسطوانة مبنية على باب بني شيبة الكبير، ثم يصير إلى سقاية مدبولة على باب المسجد بين يدي دار القوارير عليها شباك وباب يغلق، وسيل شق الوادي وشق بني جمح، يسيل في سرب قد جعل في الجدار، كان يسيل في سقاية عند الخياطين، مدلولة كانت الخيزران أم الخليفتين موسى وهارون، قد حفرتها هناك في موضع الرحبة التي استقطعها جعفر بن يحيى، فبنى فيها الدار التي على البقالين والخياطين، ثم صارت بعد لزبيدة، فلما بنيت هذه الدار، صرف سيل المسجد، فصار يجري في سرب عظيم، وهو ميزاب من ساج يسكب على البير التي على باب البقالين التي حفرها المهدي عوضاً من بير قصي بن كلاب، التي يقال لها: العجول، دخلت في المسجد الحرام حين وسعه المهدي.

ذكر عدد الشراف التي في بطن المسجد

وما يشرع من الطيقان في الصحن

وفي شق المسجد الشرقي الذي فيه المسعى احد وثلاثون طاقاً فوقها مائة شرفة مجصصة، وفي الشق الذي يلي باب بني شيبة الصغير ودار الندوة ستة وأربعون طاقاً فوقها مائة وأربع وسبعون شرافة، وفي الشق اليماني خمسة وأربعون طاقاً فوقها مائة وخمسون شرفة مجصصة، وفي الشق الغربي تسعة وعشرون طاقاً فوقها أربع وتسعون شرافة، وبين مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الصفا وبين الركن الذي فيه منارة المسعى تسعة عشر طاقاً، فهذا ما في بطن المسجد من الشرف البيض، وأما خارج المسجد فبعض الشرف قائم وبعضه داخل في الدور.

ذكر صفة سقف المسجد

وللمسجد الحرام سقفان أحدهما فوق الآخر، فأما الأعلى منهما فمسقف بالدرم اليماني، وأما الأسفل فمسقف بالساج والسيلج الجيد، وبين السقفين فرجة قدر ذراعين ونصف، والسقف الساج مزخرف بالذهب، مكتوب في دوارات من خشب، فيه قوارع القرآن وغير ذلك من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمهدي.

ذكر الأبواب التي يصلى فيها

على الجنائز بمكة المشرفة

وهي ثلاثة أبواب، منها باب العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ويعرف ببني هاشم، فيه موضع قد هندم للجنائز لتوضع فيه، ومنها باب بني عبد شمس وهو باب بني شيبة الكبير، ومنها باب الصفا وفيه موضع قد هندم أيضاً فوضع فيه الجنائز، وعلى باب الصفا صلي على سفيان بن عيينة حين مات، فهذه الأبواب التي يصلى فيها على الجنائز، وكان الناس فيما مضى من الزمان يصلون على الرجل المذكور في المسجد الحرام.

ذكر منارات المسجد الحرام

وعددها وصفتها


وفي المسجد الحرام أربع منارات يؤذن فيها مؤذنو المسجد، وهي في زوايا المسجد على سطحه، يرتقى إليها بدرج، وعلى كل منارة باب يغلق عليها شارع في المسجد الحرام، وعلى روس المنارات شراف، فأولها المنارة التي تلي باب بني سهم، تشرف على دار عمرو بن العاص، وفيها يؤذن صاحب الوقت بمكه، والمنارة الثانية تلي أجياد تشرف على الحزورة وسوق الخياطين، وفيها يسحر المؤذن في شهر رمضان، والمنارة الثالثة تشرف على دار ابن عباد ودار السفيانيين على سوق الليل، ويقال لها: منارة المكيين، والمنارة الرابعة بين المشرق والشام وهي مطلة على دار الامارة وعلى الحذائين والردم، وفيها يتعبد أبو الحجاج الخراساني، ويكون فيها بالليل والنهار، ويصلي الصلوات فيها ولا ينحدر منها إلا من جمعة إلى جمعة، وكان رجلاً صالحاً فيما ذكروا.

ذكر قناديل المسجد الحرام

وعددها والثريات التي فيه وتفسير أمرها

قال أبو الوليد: وعدد قناديل المسجد الحرام أربعمائة قنديل وخمسة وخمسون قنديلاً، والثريات التي يستصبح فيها في شهر رمضان وفي الموسم ثمان ثريات، أربع صغار، وأربع كبار، يستصبح في الكبار منها في شهر رمضان وفي المواسم، ويستصبح منها بواحدة في ساير السنة على باب دار الامارة، وهذه الثريات في معاليق من شبه، ولها قصب من شبه، تدخل هذه القصبة في حبل ثم تجعل في جوانب المسجد الأربعة، في كل جانب واحدة يستصبح فيها في رمضان فيكون لها ضوء كثير ثم ترفع في سائر السنة.

ذكر ظلة المؤذنين

التي يؤذن فيها المؤذنون يوم الجمعة إذا خرج الامام

قال أبو الوليد: أول من عمل الظلة للمؤذنين التي على سطح المسجد يؤذنون فيها المؤذنون يوم الجمعة، والامام على المنبر عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي، وهو أمير مكة في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، وكان المؤذنون يجلسون هناك يوم الجمعة في الشمس في الصيف والشتاء، فلم تزل تلك الظلة على حالها، حتى عمر المسجد الحرام في خلافة جعفر المتوكل على الله أمير المؤمنين في سنة أربعين ومائتين فهدمت تلك الظلة وعمرت وزيد فيها، فهي قائمة إلى اليوم.

ما جاء في منبر مكة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد الرحمن بن حسن عن أبيه قال: أول من خطب بمكة على منبر، معاوية بن أبي سفيان، قدم به من الشام سنة حج في خلافته، منبر صغير على ثلاث درجات، وكانت الخلفاء والولاة قبل ذلك، يخطبون يوم الجمعة على أرجلهم قياماً في وجه الكعبة وفي الحجر، وكان ذلك المنبر الذي جاء به معاوية، ربما خرب، فيعمر ولا يزاد فيه، حتى حج الرشيد هارون أمير المؤمنين في خلافته، وموسى بن عيسى عامل له على مصر فأهدى له منبراً عظيماً في تسع درجات منقوش، فكان منبر مكة، ثم أخذ منبر مكة القديم فجعل بعرفة، حتى أراد الواثق بالله الحج فكتب، فعمل له ثلاثة منابر: منبر بمكة، ومنبر بمنى، ومنبر بعرفة، فمنبر هارون الرشيد ومنابر الواثق كلها بمكة إلى اليوم.

صفة ما كانت عليه زمزم

وحجرتها وحوضها قبل أن تغير في خلافة المعتصم بالله في سنة تسع عشرة ومائتين وذلك مما كان عمل المهدي أمير المؤمنين في خلافته


قال أبو الوليد: وكان ذرع وجه حجرة زمزم، الذي فيه بابها، وهو مما يلي المسعى اثني عشر ذراعاً وتسع عشرة اصبعاً، وذرع الشق الذي يلي المقام عشرة أذرع واثنتا عشرة اصبعاً، وذرع الشق الذي يلي الكعبة تسعة أذرع وخمس عشرة اصبعاً، وذرع الشق الذي يلي الوادي والصفا ثلاثة عشر ذراعاً وثلاث أصابع، وذرع طول حجرة زمزم من خارج في السماء خمسة أذرع، من ذلك الحجارة ذراعان واثنتا عشرة اصبعاً، عليها الرخام والساج ذراعان واثنتا عشرة اصبعاً، ويدور في وسط الجدر حوض في جوانب زمزم كلها، طول الحوض في السماء تسع عشرة اصبعاً، وعرضه ثماني عشرة اصبعاً، وطول الجدر من داخل ذراعان، والجدر الذي داخله وخارجه وبطن الحوض، وجدرانه ملبس رخاماً، وعرض الجدر ذراع وأربع أصابع، وعلى الجدر حجرة ساج، من ذلك سقف على الحوض طوله في السماء عشرون اصبعاً، وتحت السقف ستة وثلاثون طاقاً، يؤخذ منها الماء من الحوض، ويتوضأ منها، طول كل طاق عشرون اصبعاً وعرضه أربع عشرة اصبعاً، منها في الوجه الذي يلي المقام اثنا عشر طاقاً، ومنها في الوجه الذي يلي الكعبة اثنا عشر طاقاً، وفي الوجه الذي يلي الوادي اثنا عشر طاقاً، وحجرة الساج مشبكة، وذرع سعة باب حجرة زمزم في السماء ثلاثة أذرع، وعرض الباب ذراعان وهو ساج مشبك، وبطن حجرة زمزم مفروش برخام حول البير، ومن حد البير إلى عتبة باب الحجرة أربعة أذرع ونصف، وذرع تدوير رأس البير من خارج خمسة عشر ذراعاً ونصف، وتدويرها من داخل اثنا عشر ذراعاً ونصف، وعلى الحجرة أربع أساطين ساج عليها ملبن ساج مربع، فيه اثنتا عشرة بكرة، يستقى عليها الماء، وفي حد مؤخره مما يلي الوادي، كنيسة ساج يكون فيها القيم، ويقال انها مجلس عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وفوق الملبن حجرة ساج عليها قبة، خارجها أخضر، ثم غيرت بالفسيفساء، وداخلها أصفر وفي حد حجرة زمزم اسطوانة ساج، مستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فوقها قبة من شبه، يسرج فيها بالليل لأهل الطواف، وهو الذي يقال له: مصباح زمزم ثم نحاه عمر ابن فرج الرخجي عن زمزم حين غيرت وبنيت، فلما بعث أمير المؤمنين الواثق بالله رحمه الله بعمد مصابيح الشبه، رمي بذلك العمود الذي كان يسرج عليه وأخرج من المسجد.

ذكر ما غير من عمل زمزم

في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله سنة عشرين ومايتين وأول من عمل الرخام عليها

قال أبو الوليد: كان أول من عمل الرخام على زمزم والشباك وفرش أرضها بالرخام، أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته، ثم عملها المهدي في خلافته، ثم عمره عمر بن فرج الرخجي في خلافة أبي إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين، في سنة عشرين ومائتين وكانت مكشوفة قبل ذلك، إلا قبة صغيرة على موضع البير، ثم غيرها عمر بن فرج فسقف زمزم كلها بالساج المذهب من داخل، وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها قناديل، يستصبح فيها في الموسم، وجعل على القبة التي بين زمزم وبيت الشراب الفسيفساء، وكانت قبل ذلك تزوق في كل موسم، عمل ذلك كله في سنة عشرين ومائتين.

صفة القبة وحوضها وذرعها


قال أبو الوليد: وذرع ما بين حجرة زمزم إلى وسط جدر الحوض الذي قدام السقاية التي عليه القبة، أحد وعشرون ذراعاً ونصف، وذرع سعة الحوض من وسطه اثنا عشر ذراعاً وتسع أصابع في مثله، وذرع تدوير الحوض من داخل تسعة وثلاثون ذراعاً، وذرع تدويره من خارج أربعون ذراعاً، وهو مفروش بالرخام، وجدره ملبس رخاماً، حتى غيره عمر بن فرج الرخجي، فجعل جداره بحجر مفجري منقوش، وفرش أرضه بالرخام، وذرع طول جدره، من داخل في السماء، عشر أصابع وعرضه ثمان أصابع، وفي وسطه رخامة منقوشة يخرج منها الماء في فوارة تخرج من الحوض الذي في حجرة زمزم، إذا دخلت الحجرة على يمينك، ثم يخرج في قناة رصاص حتى يخرج في وسط الحوض من هذه الفوارة، وهو الحوض الذي كان يسقى فيه النبيذ، وبين الحوض الذي في زمزم الذي يخرج منه الماء إلى هذا الحوض الكبير الذي عليه القبة، ثمانية وعشرون ذراعاً، وحول هذا الحوض اثنتا عشرة اسطوانة ساج، طول كل اسطوانة أربعة أذرع، وما بين حد الأساطين ووجه زمزم أربعة عشر ذراعاً، وفوق الأساطين حجرة ساج طولها في السماء ذراعان، وعلى الحجرة قبة ساج خارجها أخضر وداخلها أصفر، طول القبة من وسطها من داخل أربعة عشر ذراعاً، وكانت هذه القبة عملها المهدي في خلافته سنة ستين ومائة، عملها أبو بحر المجوسي النجار، الذي كان جاء به عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس من العراق، يعمل أبواب داره التي على المروة يقال لها: دار مخرمة، ويعمل سقوفها في سنة ستين ومائة، قال أبو الوليد: أخبرني بذلك جدي، وكانت تزوق في كل سنة، حتى أمر بها عمر بن فرج سنة تسع عشرة ومائتين، فجعل عليها الفسيفساء، فثقلت ودقت أساطينها الساج عنها، فقلعها محمد بن الضحاك في سنة عشرين ومائتين، نزع اسطوانة اسطوانة ويدعم ما فوقها، فبدلت أساطين جلالاً، أجل من الأساطين التي كانت قبلها من ساج، وجعل الأساطين من حجارة منقوشة، دفنها حتى لا يأكل الماء الخشب إذا دفن في الأرض، وسكب بين الخشب وبين الحجارة الرصاص، وفي جدر الحوض الذي عليه القبة حجر، بحيال السقاية سقاية العباس بن عبد المطلب، فيه قناة من رصاص إلى الحوض الداخل في السقاية، يصب فيه النبيذ إلى الحوض الذي فيه القبة أيام التشريق وأيام الحج، وبين الحوضين ستة أذرع، قال أبو محمد الخزاعي: فلما كان في سنة ست وخمسين ومائتين، في خلافة المهتدي بالله، قدم خادم على عمارة المسجد يقال له: بسر، فغير أرض هذه القبة نقض رخامها، ثم كبسها حتى ارتفعت أرضها، وجعل فيها بركة صغيرة يخرج فيها الماء من الفوارة التي في بطنها، وجعل عليها شباكاً من خشب بأبواب تغلق وكان أول عمل الصحفة المكشوفة، وقد كان قبل ذلك يصلي فيها الناس وينلمون، وقد كان قبل ذلك في زوايا هذه القبة، أربع قباب صغار، في كل ركن قبة، فقلعن في أيام عبد الله بن محمد بن داود، قال أبو الوليد: ومن الحوض الذي عليه القبة إلى الحوض الذي ليس عليه قبة، خمسة أذرع، وسعة الحوض الذي ليس لعيه قبة من وسطه بين يدي بيت الشراب اثنا عشر ذراعاً وثماني عشرة اصبعاً في مثله، وتدويره من داخل ثمانية وثلاثون ذراعاً ونصف، وتدويره من خارج أربعون ذراعاً ونصف، وطول جدر الحوض من داخل ثلاثة عشر ذراعاً، وعرض جدره ثماني أصابع، وتدوير حول الحوض خمسون حجراً، كل حجر طوله أطول من جدر الحوض، وبطن الحوض مفروش بحجارة، ثم فرش بعد برخام، وفي وسط الحوض حجر مثقوب يخرج منه ماء زمزم من الحوض الذي في زمزم، عن يسارك إذا دخلت، وبينهما خمسة وثلاثون ذراعاً وثماني أصابع، يصب الماء فيه أيام الحج للوضوء، ويصب النبيذ من السقاية في الحوض الذي تحت القبة، ثم ترك ذلك فصار يكون الوضوء في حوض آخر من القبة، وعليه شباك يتوضأ منه من كواء في الشباك، وجعل في الحوض الآخر سرب يتوضأ فيه، ويصير ماؤه من السرب الذي يذهب فيه ماء وضوء زمزم إلى الوادي.

صفة سقاية العباس بن عبد المطلب

رضي الله عنه وما فيها وفرعها إلى أن غيرت في خلافة الواثق بالله في سنة تسع وعشرين ومائتين


قال أبو الوليد: وذرع طول سقاية العباس بن عبد المطلب أربعة وعشرون ذراعاً في تسعة عشر ذراعاً، وفيها من الأساطين في جدرانها أربع، وفي وسط جدر وجهها اسطوانة، وفي جدرها في وسطه من مؤخرها اسطوانة، وما بين الأساطين الواح ساج، وطول جدراتها في السماء ثمانية أذرع، الساج من ذلك ستة أذرع وثماني أصابع، وعلى الأساطين جوايز عليها بناء ذراع وست عشرة اصبعاً، وعلى جدرات السقاية ست وأربعون شرافة، منها على الجدر الذي يلي الكعبة ثلاث عشرة شرافة، ومنها على الجدر الذي يلي الوادي عشر، وكان ذلك عمل المهدي، غيره حسين بن حسن العلوي سنة مائتين في الفتنة، وهدم شرافها، ونقص من سمكها، وفتح الأبواب والألواح الساج التي بين الأساطين وسقفها، وبطحها بالبطحاء، فكان الناس يصلون فيها، وقال إذا كان الموسم جعلت عليها الأبواب، وهكذا كانت تكون قبل ذلك، فلما ان جاء مبارك الطبري، رد الألواح الساج في مكانها، وأغلقها وأخرج البطحاء منها، وكان في السقاية بابان: باب حيال الكعبة، وفيه مصراعان طولهما أربعة أذرع وعشرون اصبعاً، وعرضهما ثلاثة أذرع وعشرون اصبعاً، والباب الثاني في الجدر الذي يلي الوادي، طوله ثلاثة أذرع وأربع أصابع، وعرضه ذراع ونصف، وكان في السقاية ستة أحواض، منها ثلاثة، طول كل حوض منها خمسة أذرع ونصف، وعرض كل حوض منها ذراعان، وطول كل حوض منها في السماء ثلاثة أذرع ونصف، وثلاثة أحواض، طول كل حوض منها ذراع ونصف في السماء، والحياض ساج، في كل حوض منها، حوض من ادم ينبذ فيه نبيذ للحاج، ويصب في الحياض ما يجري في قناة من رصاص، والقناة في حجرة زمزم، إذا دخلت على يسارك تحت الكنيسة، عليها حوض من ساج ذراع عرضاً في ذراع، وطوله في السماء ثماني عشرة اصبعاً، وطول قصبة القناة الرصاص، من بطن حجرة زمزم، أربعة أذرع، وطول قصبة الرصاص، من بطن السقاية إلى أعلى الحوض، ثلاثة أذرع واثنا عشر اصبعاً، ومن الحياض التي فيها النبيذ إلى طرف القناة، وهي في حجرة زمزم، اثنان وخمسون ذراعاً، ومن حد مؤخر حجرة زمزم التي تلي المقام إلى حد السقاية، وبينهما الحوض الذي عليه قبة زمزم، تسعة وثلاثون ذراعاً، ومن حد مؤخر حجرة زمزم، الذي فيه الكنيسة، إلى حد السقاية، وبينهما الحوض الذي ليس عليه قبة، تسعة وأربعون ذراعاً وتسع أصابع، فلم يزل هذا بناء الصفة، صفة زمزم، وهو بيت الشراب حتى هدمه عمر بن فرج الرخجي، في سنة تسع وعشرين ومايتين وبناه، فبنى أسفله بحجارة بيض منقوشة، مداخلة على عمل الأجنحة الرومية، وبنى أعلاه بآجر، وألبسة رخاماً، وجعل بينه كواء عليها شباك من حديد، وأبواب، وجعلها مكنسة، وفوق الكنيسة ثلاث قباب صغار، وألبس ذلك كله بالفسيفساء، وجعل في بطنها حوضاً كبيراً من ساج في بطن الحوض، حوض من ادم ينبذ فيه الشراب للحاج أيام الموسم.

ذكر ما عمل في المسجد من البرك والسقايات


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة بن الأزرق عن أبيه، قال: كتب سليمان بن عبد الملك بن مروان إلى خالد بن عبد الله القسري: ان أجر لي عيناً تخرج من الثقبة، من مائها العذب الزلال، حتى تظهر بين زمزم والركن الأسود، ويضاهى بها رغم ماء زمزم، قال: فعمل خالد بن عبد الله القسري البركة التي بفم الثقبة، يقال لها: بركة القسري، ويقال لها أيضاً: بركة البردي ببير ميمون وهي قايمة إلى اليوم بأصل ثبير، فعملها بحجارة منقوشة طوال، وأحكمها وأنبط ماءها في ذلك الموضع، ثم شق لها عيناً تسكب فيها من الثقبة، وبنى سد الثقبة وأحكمه، والثقبة شعب يفرع فيه وجه ثبير، ثم شق من هذه البركة عيناً تجري إلى المسجد الحرام، فأجراها في قصب من رصاص، حتى أظهرها في فوارة تسكب في فسقينة من رخام، بين زمزم والركن والمقام، فلما ان جرت وظهر ماؤها، أمر القسري بجزر فنحرت بمكة وقسمت بين الناس، وعمل طعاماً فدعا عليه الناس، ثم أمر صايحاً فصاح الصلاة جامعة، ثم أمر بالمنبر فوضع في وجه الكعبة، ثم صعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس احمدوا الله تبارك وتعالى وادعوا لأمير المؤمنين الذي سقاكم الماء العذب الزلال النقاح، بعد الماء المالح الأجاج، المائي الذي لا يشرب إلا صبراً، يعني زمزم قال: ثم تفرغ تلك الفسقينة في سرب من رصاص، يخرج إلى وضوء كان عند باب المسجد، باب الصفا، في بركة كانت في السوق، قال فكان الناس لا يقفون على تلك الفسقينة، ولا يكاد أحد يأتيها، وكانوا على شرب ماء زمزم أرغب ما كانوا فيه، قال: فلما رأى ذلك القسري، صعد المنبر فتكلم بكلام يؤنب فيه أهل مكة، فلم تزل تلك البركة على حالها، حتى قدم داود بن علي بن عبد الله بن عباس مكة، حين أفضت الخلافة إلى بني هاشم، فكان أول من أحدث بمكة، هدمها ورفع الفسقينة وكسرها، وصرف العين إلى بركة كانت بباب المسجد، قال فسر الناس بذلك سروراً عظيماً حين هدمت.

ما ذكر من بناء المسجد الجديد

الذي كان دار الندوة وأضيف إلى المسجد الحرام الكبير


قال أبو محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي: فكانت دار الندوة، على ما ذكر الأزرقي في كتابه، لاصقة بالمسجد الحرام، في الوجه الشامي من الكعبة، وهي دار قصي بن كلاب، وكانت قريش لتبركها بأمر قصي، تجتمع فيها للمشورة في الجاهلية ولابرام الأمور، وبذلك سميت دار الندوة لاجتماع الندى فيها، فكانت حين قسم قصي الأمور الستة التي كان فيها الشرف والذكر، وهي الحجابة، والسقاية، والرفادة، والقيادة، واللواء، والندوة، بين أبنيه: عبد مناف وعبد الدار، مما صير إلى عبد الدار مع الحجابة واللواء، وكانت السقاية والرفادة والقيادة مما صير إلى عبد مناف بن قصي، فأما عبد مناف بن قصي، فجعل السقاية وهي زمزم، وسقاية العباس والرفادة وهي اطعام الحاج في كل موسم وشرابهم، إلى ابنه هاشم بن عبد مناف، فهي في ولده إلى اليوم، وجعل القيادة إلى ابنه عبد شمس بن عبد مناف، فهي في ولده إلى اليوم، وأما عبد الدار، فجعل الحجابة إلى ابنه عثمان بن عبد الدار، وجعل الندوة إلى ابنه عبد مناف بن عبد الدار، وجعل اللواء لولده جميعاً، فكانوا يلونه حتى كان يوم أحد، فقتل عليه من قتل منهم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، حتى قتل عليه، ثم كانت الندوة بعد إلى هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، ثم إلى ابنيه عمير: أبي مصعب بن عمير، وعامر، ابني هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، ثم ابتاعها معاوية بن أبي سفيان في خلافته من ابن الرهين العبدري، وهو من ولد عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار، فطلب شيبة بن عثمان من معاوية الشفعة فيها، فأبى عليه فعمرها معاوية وكان ينزل فيها إذا حج، وينزلها من بعده من الخلفاء من بني أمية إذا حجوا، وقد دخل بعضها في المسجد الحرام في زيادة عبد الملك بن مروان وابنيه الوليد وسليمان، ثم دخل بعضها أيضاً في زيادة أبي جعفر المنصور في المسجد، ثم كانت خلفاء بني العباس ينزلونها بعد ذلك إذا حجوا، أبو العباس وأبو جعفر والمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد، إلى أن ابتاع هارون الرشيد دار الامارة من بني خلف الخزاعيين وبناها، فكان بعد ذلك ينزلها فلم تزل على ذلك حتى خربت وتهدمت، قال أبو محمد الخزاعي: ورأيتها على أحوال شتى، كانت مقاصيرها التي للنساء تكرى من الغرباء والمجاورين، ويكون في مقصورة الرجال دواب عمال مكة، ثم كانت بعد ينزلها عبيد العمال بمكة من السودان وغيرهم، فيعبثون فيها ويوذون جيرانها، ثم كانت تلقى فيها القمايم ويتوضأ فيها الحاج، وصارت ضرراً على المسجد الحرام، فلما كان في سنة أحد وثمانين ومائتين، استعمل على بريد مكة رجل من أهلها من جيران المسجد الحرام له علم ومعرفة وحسبة وفطنة بمصالح المسجد الحرام والبلد، فكتب في ذلك إلى الوزير عبيد الله بن سليمان ابن وهب، يذكر ان دار الندوة قد عظم خرابها وتهدمت وكثر ما يلقى فيها من القمايم حتى صارت ضرراً على المسجد الحرام وجيرانه، وإذا جاء المطر سال الماء منها حتى يدخل المسجد الحرام من بابها للشارع في بطن المسجد الحرام، وانها لو اخرج ما فيها من القمايم وهدمت وعدلت وبنيت مسجداً يوصل بالمسجد الحرام، أو جعلت رحبة له يصلي الناس فيها ويتسع فيها الحاج، كانت مكرمة لم يتهيأ لأحد من الخلفاء بعد المهدي، وشرفاً وأجراً باقياً مع الأبد، وذكر ان في المسجد خراباً كثيراً، وإن سقفه يكف إذا جاء المطر، وإن وادي مكة قد انكبس بالتراب، حتى صار السيل إذا جاء يدخل المسجد، وشرح ذلك للأمير بمكة، عج بن حاج مولى أمير المؤمنين والقاضي بها محمد بن أحمد بن عبد الله المقدمي، وسألهما أن يكتبا بمثل ذلك، فرغبا في الأجر وجميل الذكر وكتبا إلى الوزير بمثل ذلك، فلما وصلت الكتب، عرضت على أمير المؤمنين أبي العباس المعتضد بالله أبي ابن أحمد الناصر لدين الله ابن جعفر المتوكل على الله، ورفع وفد الحجبة إلى بغداد، يذكرون ان في جدار بطن الكعبة رخاماً قد اختلف وتشعب، في أرضها رخام قد تكسر، وإن بعض عمال مكة كان قد قلع ما على عضادتي باب الكعبة من الذهب فضربه دنانير واستعان به على حرب، وأمور كانت بمكة بعد العلوي الخارجي، الذي كان بها في سنة احدى وخمسين ومائتين فكانوا يسترون العضادتين بالديباج، وإن بعض العمال بعده قلع مقدار الربع من أسفل  
ذهب بابي الكعبة وما على الأنف، واستعان به على فتنة بين الحناطين والجزارين بمكة، سنة ثمان وستين ومائتين، وجعل على ذلك فضة مضروبة مموهة بالذهب، على مثال ما كان عليها، فإذا تمسح الحاج به في أيام الحج، بدت الفضة، حتى تجدد تمويهها في كل سنة، وإن رخام الحجر قد رث فهو يحتاج إلى تجديد، وإن بلاطاً من حجارة حول الكعبة لم يكن تاماً، يحتاج أن تتم جوانبها كلها؛ وسألوا الأمير بعمل ذلك، فأمر أمير المؤمنين كاتبه عبيد الله بن سليمان بن وهب وغلامه بدر المؤمر بالحضرة، بعمل ما رفع إليه من عمل الكعبة والمسجد الكبير، وبعمارة دار الندوة مسجداً يوصل بالمسجد الكبير، ويعزق الوادي كله والمسعى وما حول المسجد، واخرج لذلك مالاً كثيراً، فأمر بذلك القاضي ببغداد يوسف ابن يعقوب، وحمل المال إليه فأنفذ بعضه سفاتج، وأنفذ بعضه في أيام الحج مع ابنه أبي بكر عبد الله بن يوسف، وكان يقدم في كل سنة على حوايج الخليفة ومصالح الطريق وعمارتها، فقدم عبد الله بن يوسف في وقت الحج وقدم معه برجل يقال له: أبو الهياج عمير بن حيان الأسدي، من بني أسد بن خزيمة، له أمانة ونية حسنة، فوكله بالعمل وخلف معه عمالاً وأعواناً لذلك، فعمل ذلك وعزق الوادي عزقاً جيداً حتى ظهرت من درج أبواب المسجد الشارعة على الوادي اثنتا عشرة درجة، وانما كان الظاهر منها خمس درجات، ثم أخرج القمايم من دار الندوة، وهدمت ثم انشيت من أساسها، فجعلت مسجداً بأساطين وطاقات. وأروقة مسقفة بالساج المذهب المزخرف، ثم فتح لها في جدار المسجد الكبير اثنا عشر باباً، ستة كبار سعة كل باب خمسة أذرع، وارتفاعه في السماء أحد عشر ذراعاً، وجعل بين الستة الأبواب الكبار، ستة أبواب صغار سعة كل كل واحد منها ذراعان ونصف، وارتفاعه في السماء ثمانية أذرع وثلثا ذراع، حتى اختلطت بالمسجد الكبير، قال أبو الحسن الخزاعي: قد كان هذا الجدار معمولاً على ما ذكره عم أبي أبو محمد الخزاعي إلى أيام الخليفة جعفر المقتدر بالله، ثم غيره القاضي محمد بن موسى، وإليه أمر البلد يومئذ، وجعله بأساطين حجارة مدورة عليها ملابن ساج بطاقات معقودة بالآجر الأبيض والجص وصله بالمسجد الكبير وصولاً أحسن من العمل الأول، حتى صار من في دار الندوة من مصل أو غيره يستقبل الكعبة فيراها كلها، عمل ذلك كله في سنة ست وثلاثماية؛ قال أبو محمد: وجعل لها سوى ذلك أبواباً ثلاثة شارعة في الطريق التي حولها، منها باب بطاقين على أسطوانة بالقرب من باب الطبري مقابل دار صاحب البريد سعته عشرة أذرع وربع ذراع، وارتفاعه في السماء أحد عشر ذراعاً وثلثا ذراع، وباب في أعلى هذا الطريق طاق واحد سعته خمسة أذرع، وارتفاعه في السماء اثنا عشر ذراعاً، وباب بين دور الخزاعيين، ولد نافع بن عبد الحارث، بطاقين على اسطوانة يستقبل من أقبل من السويقة وقعيقعان، سعته أحد عشر ذراعاً ونصف، وارتفاعه في السماء عشرة أذرع وربع ذراع، وسوا جدارها وسقوفها وشرفها بالمسجد الكبير، وفرغ منها في ثلاث سنين، فصلى الناس فيها واتسعوا بها، وجعل لها منارة وخزانة في زاويتي مؤخرها، فكان ذرع طول هذا المسجد من وجهه من جدار المسجد الكبير إلى مؤخره بالأروقة أربعة وثمانون ذراعاً، وعرضه بالأروقة ستة وسبعون ذراعاً، وسعة صحنه تسعة وأربعون ذراعاً في سبعة وأربعين ذراعاً، وعدد ما فيه من الأساطين، سوى ما على الأبواب، اثنتان وعشرون، وعدد الطاقات سوى الأبواب، سبع وستون اسطوانة، وعلى الأبواب اثنتان، وعدد الطاقات سوى الأبواب احدى وسبعون طاقاً، وعلى الأبواب خمس طاقات، وعدد الشرف التي تلي بطن المسجد، ثماني وستون شرافة وعدد السلاسل التي للقناديل سبع وستون سلسلة فيها قناديلها، آخر خبر دار الندوة بكماله والحمد لله وحده. بابي الكعبة وما على الأنف، واستعان به على فتنة بين الحناطين والجزارين بمكة، سنة ثمان وستين ومائتين، وجعل على ذلك فضة مضروبة مموهة بالذهب، على مثال ما كان عليها، فإذا تمسح الحاج به في أيام الحج، بدت الفضة، حتى تجدد تمويهها في كل سنة، وإن رخام الحجر قد رث فهو يحتاج إلى تجديد، وإن بلاطاً من حجارة حول الكعبة لم يكن تاماً، يحتاج أن تتم جوانبها كلها؛ وسألوا الأمير بعمل ذلك، فأمر أمير المؤمنين كاتبه عبيد الله بن سليمان بن وهب وغلامه بدر المؤمر بالحضرة، بعمل ما رفع إليه من عمل الكعبة والمسجد الكبير، وبعمارة دار الندوة مسجداً يوصل بالمسجد الكبير، ويعزق الوادي كله والمسعى وما حول المسجد، واخرج لذلك مالاً كثيراً، فأمر بذلك القاضي ببغداد يوسف ابن يعقوب، وحمل المال إليه فأنفذ بعضه سفاتج، وأنفذ بعضه في أيام الحج مع ابنه أبي بكر عبد الله بن يوسف، وكان يقدم في كل سنة على حوايج الخليفة ومصالح الطريق وعمارتها، فقدم عبد الله بن يوسف في وقت الحج وقدم معه برجل يقال له: أبو الهياج عمير بن حيان الأسدي، من بني أسد بن خزيمة، له أمانة ونية حسنة، فوكله بالعمل وخلف معه عمالاً وأعواناً لذلك، فعمل ذلك وعزق الوادي عزقاً جيداً حتى ظهرت من درج أبواب المسجد الشارعة على الوادي اثنتا عشرة درجة، وانما كان الظاهر منها خمس درجات، ثم أخرج القمايم من دار الندوة، وهدمت ثم انشيت من أساسها، فجعلت مسجداً بأساطين وطاقات. وأروقة مسقفة بالساج المذهب المزخرف، ثم فتح لها في جدار المسجد الكبير اثنا عشر باباً، ستة كبار سعة كل باب خمسة أذرع، وارتفاعه في السماء أحد عشر ذراعاً، وجعل بين الستة الأبواب الكبار، ستة أبواب صغار سعة كل كل واحد منها ذراعان ونصف، وارتفاعه في السماء ثمانية أذرع وثلثا ذراع، حتى اختلطت بالمسجد الكبير، قال أبو الحسن الخزاعي: قد كان هذا الجدار معمولاً على ما ذكره عم أبي أبو محمد الخزاعي إلى أيام الخليفة جعفر المقتدر بالله، ثم غيره القاضي محمد بن موسى، وإليه أمر البلد يومئذ، وجعله بأساطين حجارة مدورة عليها ملابن ساج بطاقات معقودة بالآجر الأبيض والجص وصله بالمسجد الكبير وصولاً أحسن من العمل الأول، حتى صار من في دار الندوة من مصل أو غيره يستقبل الكعبة فيراها كلها، عمل ذلك كله في سنة ست وثلاثماية؛ قال أبو محمد: وجعل لها سوى ذلك أبواباً ثلاثة شارعة في الطريق التي حولها، منها باب بطاقين على أسطوانة بالقرب من باب الطبري مقابل دار صاحب البريد سعته عشرة أذرع وربع ذراع، وارتفاعه في السماء أحد عشر ذراعاً وثلثا ذراع، وباب في أعلى هذا الطريق طاق واحد سعته خمسة أذرع، وارتفاعه في السماء اثنا عشر ذراعاً، وباب بين دور الخزاعيين، ولد نافع بن عبد الحارث، بطاقين على اسطوانة يستقبل من أقبل من السويقة وقعيقعان، سعته أحد عشر ذراعاً ونصف، وارتفاعه في السماء عشرة أذرع وربع ذراع، وسوا جدارها وسقوفها وشرفها بالمسجد الكبير، وفرغ منها في ثلاث سنين، فصلى الناس فيها واتسعوا بها، وجعل لها منارة وخزانة في زاويتي مؤخرها، فكان ذرع طول هذا المسجد من وجهه من جدار المسجد الكبير إلى مؤخره بالأروقة أربعة وثمانون ذراعاً، وعرضه بالأروقة ستة وسبعون ذراعاً، وسعة صحنه تسعة وأربعون ذراعاً في سبعة وأربعين ذراعاً، وعدد ما فيه من الأساطين، سوى ما على الأبواب، اثنتان وعشرون، وعدد الطاقات سوى الأبواب، سبع وستون اسطوانة، وعلى الأبواب اثنتان، وعدد الطاقات سوى الأبواب احدى وسبعون طاقاً، وعلى الأبواب خمس طاقات، وعدد الشرف التي تلي بطن المسجد، ثماني وستون شرافة وعدد السلاسل التي للقناديل سبع وستون سلسلة فيها قناديلها، آخر خبر دار الندوة بكماله والحمد لله وحده.
 الرمل بالبيت وبين الصفا والمروة

وموضع القيام عليهما ومخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفا

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج، قال: قال عطاء: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو ولم يعرج ولم يبلغنا انه دخل بيتاً ولا لوى لشيء، ولا عرج في حجته هذه وفي عمره كلها حتى دخل المسجد ولم يصنع شيئاً ولا ركع حتى بدا بالبيت فطاف به وهذا أجمع في حجته وعمره كلها، قال عطاء: فمن قدم معتمراً فدخل المسجد لأن يطوف في وقت صلاة لا يمنع فيه الطواف، فلا يصلي تطوعاً حتى يطوف بالبيت سبعاً، قال: وإن وجد الناس في المكتوبة فصلى معهم، فلا أحب أن يصلي بعدها شيئاً حتى يطوف، قال عطاء: وإن جاء قبل الصلوات كلهن قبيل كل صلاة فلا يجلس ولا ينتظرها ليطف، قال: فإن قطع الامام عليه طوافه أتم بعده، قلت لعطاء: الا اركع قبل تلك الصلاة ان لم أكن ركعت ? قال: لا إلا الصبح، قال: فإن جئت قبلها ولم تكن ركعت ركعتين فاركعهما وطف من أجل انهما أعظم شأناً من غيرهما من الركوع قبل كل صلاة، قال عطاء: وإن جئت مغارب الشمس طفت ولم أنتظر غيوب الشمس بطوافي، ثم لم أصل حتى الليل، وهو يشدد في تأخير الطواف بالبيت جداً، قال: لا تؤخره إلا لحاجة أما لوجع وأما لحصار، قال: فإذا دخلت المسجد، فساعتئذ فطف حين تدخل، قلت له: اني ربما دخلت عشية فأحببت أن أؤخره إلى الليل قال: لا يؤخره إلا أن يمنع انسان الطواف فيصلي تطوعاً ان بدا له، قلت لعطاء: المرأة تقدم نهاراً حراماً ان كانت لا تخرج بالنهار، قال: ما ابالي إن كانت مستورة إن تؤخر طوافها إلى الليل، قال ابن جريج أخبرني عطاء قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يزد على الركعتين في حجته وعمره كلها، قال عطاء: ولا أحب أن يزيد من طاف ذلك السبع على ركعتين قال: فإن زاد عليهما فلا بأس، قال ابن جريج: وأخبرني إسماعيل بن أمية قال: قال لي نافع: كان عبد الله بن عمر إذا قدم مكة، طاف ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم استلم الركن ثم خرج إلى الصفا؛ قال ابن جريج: قال عطاء: ومن شاء ركع تينك الركعتين عند المقام، ومن شاء فحيث شاء، قال: فلا يضرك أين ركعتهما، قال ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه، انه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت، ذهب إلى المقام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وصلى ركعتين، قال ابن جريج: قال عطاء: ومن شاء حين يخرج إلى الصفا استلم الركن، ومن شاء ترك، قال: وإن استلم أحب إلي، وإن لم يفعل فلا بأس، قال ابن جريج: وأخبرني جعفر بن محمد عن أبيه، أنه سمع جابراً يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فصلى عند المقام ركعتين حين طاف سبعة، ذلك ثم رجع فاستلم الركن وخرج إلى الصفا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: انما نبدأ بما بدأ الله به، إن الصفا والمروة من شعاير الله، قال ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه انه سمع جابر ابن عبد الله، يخبر عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: حتى إذا أتينا البيت، استلم الركن فطاف بالبيت سبعة أطواف رمل، من ذلك ثلاثة أطواف.

باب أين يوقف من الصفا والمروة

وحد المسعى


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن الزنجي عن ابن جريج، قال قال عطاء: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم إلى الصفا، قال: فبلغني إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسند فيهما قليلاً في الصفا والمروة غير كثير، فيرى من ذلك البيت، قال: ولم يكن حينئذ هذا البنيان، قلت له: أوصف ذلك لك، وسمى حيث كان يبلغ ذلك ? قال: لا إلا كذلك، كان يسند فيهما قليلاً كيف ترى الآن، قال: كذلك أسند فيهما، قلت: أفلا أسند حتى أرى البيت ? قال: لا، ثم إلا أن تشاء غير مرة، قال: ذلك لي فأما أن يكون حقاً عليك فلا، ولم يخبرني إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبلغ المروة البيضاء قال: كان يسند فيهما قليلاً ولا يبلغ ذلك، قال ابن جريج: اسأل انسان عطاء، أيجزى عن الذي يسعى بين الصفا والمروة، ان لا يرقى واحداً منهما وأن يقوم بالأرض قايماً ? قال: أي لعمري وما له، قال ابن جريج: وكان عطاء يقول: استقبل البيت من الصفا والمروة لا بد من استقباله، قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يدع أن يرقى في الصفا والمروة، حتى يبدو له البيت منهما، ثم يستقبل البيت، قال ابن جريج: أخبرني نافع قال: كان عبد الله بن عمر، يخرج إلى الصفا فيبدأ به، فيرقى حتى يبدو له البيت، فيستقبله لا ينتهي في، كلما حج أو اعتمر حتى يرى البيت من الصفا والمروة، ثم يستقبله منهما، فيبلغ من الصفا قراره فيه قدر قدمي الانسان قط، بل يعجز عن قدميه حتى يخرج منهما أطراف قدميه، لا يقوم أبداً إلا فيهما، في كل ما حج أو اعتمر، قال: أظنه والله رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقوم فيهما، قال: وكان يقوم من المروة، قال لا يأتي المروة البيضاء يقوم عن يمينه حتى يصعد فيها، قال ابن جريج: قال عطاء: فسعى به النبي صلى الله عليه وسلم بطن وادي مكة قط.
حدثنا ابن جريج، عن صالح مولى التومة عن أبي هريرة وعن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب، انهما قالا: السنة في الطواف بين الصفا والمروة، أن ينزل من الصفا ثم يمشي حتى يأتي بطن المسيل، فإذا جاءه سعى حتى يظهر منه، ثم يمشي حتى يأتي المروة، قال ابن جريج: أخبرني نافع قال: فينزل ابن عمر من الصفا، فيمشي، حتى إذا جاء باب دار بني عباد، سعى حتى ينتهي إلى الزقاق الذي يسلك إلى المسجد، الذي بين دار ابن أبي حسين ودار ابنة قرظة، سعياً دون الشد وفوق الرملان، ثم يمشي مشيه الذي هو مشيه، حتى يرقى المروة، فيجعل المروة، البيضاء أمامه ويمينه قال: ولا يأتي حجر المروة قال ابن جريج: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله، يسأل عن السعي، فقال: السعي بطن المسيل، قال بن جريج: وأخبرني جعفر بن محمد عن أبيه، انه سمع جابر بن عبد الله، يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم نزل عن الصفا، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى إذا اصعد من الشق الآخر مشى، حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن شقيق بن سلمة عن مسروق بن الأجدع، قال: قدمت معتمراً مع عايشة وابن مسعود، فقلت: أيهما الزم ? ثم قلت: الزم عبد الله بن مسعود ثم آتي أم المؤمنين فاسلم عليها، فاستلم عبد الله بن مسعود الحجر ثم أخذ على يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم أتى المقام فصلى ركعتين ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وخرج إلى الصفا فقام على صدع فيه فلبى، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إن ناساً من أصحابك ينهون عن الاهلال ها هنا، قال: ولكني آمرك به، هل تدري ما الاهلال ? انما هي استجابة موسى عليه السلام لربه عز وجل، قال: فلما أتى الوادي رمل وقال: رب اغفر وارحم انك أنت الأعز الأكرم.

ما جاء في موقف

من طاف بين الصفا والمروة راكباً

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء: من طاف بين الصفا والمروة راكباً، فليجعل المروة البيضاء في ظهره، ويستقبل البيت، وليدع الطريق طريق المروة، وليأخذ من دار عبد الله بن عبد الملك، وهي بين دار منارة المنقوشة وبين المروة البيضاء في طريق دار طلحة بن داود، حتى يجعل المروة في ظهره.

ذكر ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا

وذرع ما بين الصفا والمروة


قال أبو الوليد: وذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا، مايتا ذراع واثنان وستون ذراعاً وثمانية عشر اصبعاً، وذرع ما بين المقام إلى باب المسجد الذي يخرج منه إلى الصفا، ماية ذراع وأربعة وستون ذراعاً ونصف، وذرع ما بين باب المسجد الذي يخرج منه إلى الصفا إلى وسط الصفا، ماية ذراع واثنا عشر ذراعاً ونصف، وعلى الصفا اثنتا عشرة درجة من حجارة، ومن وسط الصفا إلى علم المسعى الذي في حد المنارة ماية ذراع واثنان وأربعون ذراعاً ونصف، والعلم اسطوانة طولها ثلاثة أذرع، وهي مبنية في حد المنارة وهي من الأرض على أربعة أذرع، وهي ملبسة بفسيفساء، وفوقها لوح طوله ذراع وثمانية عشر اصبعاً وعرضه ذراع، مكتوب فيه بالذهب، وفوقه طاق ساج، وذرع ما بين العلم الذي في حد المنارة إلى العلم الأخضر الذي على باب المسجد، وهو المسعى، ماية ذراع واثنا عشر ذراعاً، والسعي بين العلمين، وطول العلم الذي على باب المسجد، عشرة أذرع وأربعة عشر أصبعاً، منه اسطوانة مبيضة ستة أذرع، وفوقها اسطوانة ولها ذراعان وعشرون أصبعاً، وهي ملبسة فسيفساء أخضر، وفوقها لوح طوله ذراع وثمانية عشر اصبعاً، واللوح مكتوب فيه بالذهب، وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى المروة، خمسماية ذراع ونصف ذراع، وعلى المروة خمس عشرة درجة، وذرع ما بين الصفا والمروة، سبعماية ذراع وستة وستون ذراع ونصف، وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب، وبينهما عرض المسعى، خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار بن عباد، الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة، وبينهما الوادي، ماية ذراع واحد وعشرون ذراعاً.

باب ذرع طواف سبع بالكعبة

ذرع طواف سبع بالكعبة، ثمانماية ذراع وستة وثلاثون ذراعاً وعشرون اصبعاً، ومن المقام إلى الصفا مايتا ذراع وسبعة وسبعون ذراعاً، ومن الصفا إلى المروة، طواف واحد سبعماية ذراع وستة وستون ذراعاً ونصف، يكون سبع بينهما خمسة آلاف وثلاثماية ذراع وخمسة وستون ذراعاً ونصف، ومن الركن الأسود إلى المقام، ومن المقام إلى الصفا، ومن الصفا إلى المروة سبع، ستة آلاف ذراع وخمسماية وثمانية وثلاثون ذراعاً وسبعة عشر أصبعاً.

ذكر بناء درج الصفا والمروة

حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي أحمد بن محمد قال: كان الصفا والمروة يسند فيهما من سعى بينهما، ولم يكن فيهما بناء ولا درج، حتى كان عبد الصمد ابن علي في خلافة أبي جعفر المنصور، فبنى درجهما التي هي اليوم درجهما، فكان أول من أحدث بناءها، ثم كحل بعد ذلك بالنورة في زمن مبارك الطبري في خلافة المأمون.

تحريم الحرم وحدوده

ومن نصب أنصابه وأسماء مكة وصفة الحرم


حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي أحمد بن محمد وإبراهيم بن محمد الشافعي، قالا: أخبرنا مسلم ابن خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن وطاوس، إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح البيت؛ فصلى فيه ركعتين ثم خرج، وقد لبط بالناس حول الكعبة فأخذ بعضادتي الباب، فقال: الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون وماذا تظنون ? قالوا: نقول خيراً ونظن خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت فأسجح، قال: فإني أقول: كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين إلا إن كان ربا كان في الجاهلية أو دم أو مال، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة، وسقاية الحاج، فإني قد أمضيتهما لأهلهما على ما كانتا عليه، إلا إن الله سبحانه وتعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها، كلكم لآدم، وآدم من تراب، وأكرمكم عند الله أتقاكم، إلا وفي قتيل العصا والسوط، الخطأ شبه العمد، الدية مغلظة ماية ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها، إلا ان الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرام الله سبحانه، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، قال: يقصرها النبي صلى الله عليه وسلم بيده لا ينفر صيدها، ولا تعضد عضاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلا خلاها، فقال له العباس رضي الله عنه: وكان شيخاً مجربا يا رسول الله الا الأذخر، فإنه لا بد منه للقين ولظهور البيت، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: الا الأذخر فإنه حلال، قال: فلما هبط النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي الا لا وصية لوارث وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وانه لا يحل لامرأة أن تعطي شيئاً من مالها الا باذن زوجها.
 
وحدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن أشياخه، قالوا: لما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكة، يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي، وكان جنيدب بن الأدلع قد قتل رجلاً من أسلم في الجاهلية يقال له: أحمر بأساً، وكان شجاعاً، وكان من خبر قتله اياه، قالوا: خرج غزي من هذيل في الجاهلية وفيهم جنيدب بن الأدلع، يريدون حي أحمر بأساً، وكان أحمر بأساً رجلاً شجاعاً لا يرام، وكان لا ينام في حيه انما كان ينام خارجاً من حاضره، وكان إذا نام غط غطيطاً منكراً لا يخفي مكانه، وكان الحاضر إذ أتاهم الفزع، صاحوا يا أحمر بأساً، فيثور مثل الأسد فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل، قال لهم جنيدب بن الأدلع، إن كان أحمر بأساً في الحاضر فليس إليهم سبيل، وإن له غطيطاً لا يخفى فدعوني أتسمع له، فتسمع الحس فسمعه فأمه حتى وجده نايماً فقتله، ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا حمر بأساً، فلا شيء أحمر بأساً قد قتل، فقالوا من الحاضر ثم انصرفوا فتشاغلوا بالاسلام، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع مكة يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي، فقال جنيدب بن الأدلع: قاتل أحمر بأساً، قال: نعم، فخرج جنيدب يستجيش عليه حيه، فكان أول من لقي خراش بن أمية الكعبي، فأخبره فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه، والناس حوله وهو يحدثهم عن قتل أحمر بأساً، وهم يجتمعون عليه، إذ أقبل خراش بن أمية الكعبي مشتملاً على السيف، فقال: هكذا عن الرجل، فوالله ما ظن الناس إلا أنه يفرج عنه الناس ليتفرقوا عنه، فانفرجوا عنه فلما انفرج الناس عنه حمل عليه خراش بن أمية بالسيف فطعنه في بطنه، وابن الدلع مستند إلى جدار من جدر مكة، فجعلت حشوته تسايل من بطنه وان عينيه لتبرقان في رأسه وهو يقول، أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ? فوقع الرجل فمات، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقام خطيباً وهذه الخطبة الغد من يوم فتح مكة بعد الظهر فقال صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إن الله سبحانه قد حرم مكة، يوم خلق السموات والأرض، ويوم خلق الشمس والقمر، ووضع هذين الجبلين فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، ولا يعضد فيها شجراً لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغايب، فإن قال قايل: قد قتل بها رسول الله، فقولوا: إن الله سبحانه وتعالى قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر أن يقع، وقد قتلتم هذا القتيل والله لأدينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بالخيار إن شاءوا فدم قتيلهم وإن شاءوا فعقله، فدخل أبو شريح خويلد الكعبي على عمرو بن سعيد بن العاص وهو يريد قتال ابن الزبير، فحدثه هذا الحديث وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن يبلغ الشاهد الغايب، وكنت شاهداً وكنت غايباً، وقد أديت إليك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال له عمرو بن سعيد، انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك، انها لا تمنع من ظالم ولا خالع طاعة ولا سافك دم، فقال أبو شريح: قد أديت إليك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به، فأنت وشأنك، قال الواقدي: وحدثني عبد الله بن نافع عن أبيه، أنه أخبر ابن عمر بما قال أبو شريح لعمرو بن سعيد، فقال ابن عمر: يرحم الله أبا شريح، قضى الذي عليه، قد علمت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم يومئذ في خزاعة حين قتلوا الهذلي بأمر لا أحفظه، الا اني سمعت المسلمين يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أديه، قال وقال الواقدي: حدثني عمر بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن عبد الملك ابن عبيد بن سعيد بن يربوع، عن خرينق ابنة الحصين، عن عمران بن الحصين قال: قتله خراش بعد ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتل، فقال: لو كنت قاتلاً مؤمناً بكافر لقتلت خراشاً بالهذلي، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خزاعة يخرجون ديته، فكانت خزاعة اخرجت ديته فقال عمران بن الحصين: فكأني أنظر إلى غنم عفر جاءت بها بنو مدلج في العقل، وكانوا يتعاقلون في الجاهلية، ثم شده الاسلام وكان أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام،  
حدثني جدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي، إن رجلين من خزاعة قتلا رجلاً من هذيل بالمزدلفة، فأتوا إلي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يستشفعون بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله سبحانه حرم مكة ولم يحرمها الناس، لا تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد كان بعدي ولا تحل لي إلا ساعة من نهار، فهي حرام بحرام الله سبحانه إلى يوم القيامة، فلا يستن بي أحد فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بها، وإني لا أعلم أحداً أعتى على الله عز وجل من ثلاثة: رجل قتل بها، ورجل قتل بدخول الجاهلية قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله وايم الله ليودين هذا القتيل.ي جدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي، إن رجلين من خزاعة قتلا رجلاً من هذيل بالمزدلفة، فأتوا إلي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يستشفعون بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله سبحانه حرم مكة ولم يحرمها الناس، لا تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد كان بعدي ولا تحل لي إلا ساعة من نهار، فهي حرام بحرام الله سبحانه إلى يوم القيامة، فلا يستن بي أحد فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بها، وإني لا أعلم أحداً أعتى على الله عز وجل من ثلاثة: رجل قتل بها، ورجل قتل بدخول الجاهلية قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله وايم الله ليودين هذا القتيل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا سليمان بن حرب الأزدي، قال حدثنا جرير بن حازم عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: إن هذا الحرم حرم ما حذاءه من السموات السبع والأرضين السبع، وإن هذا البيت رابع أربعة عشر بيتاً، في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت، ولو وقعن وقع بعضهن على بعض، وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عمر بن سهيل، عن يزيد عن سعيد عن قتادة، قال: ذكر لنا إن الحرم حرم ما بحياله إلى العرش.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر عن الزهري في قوله عز وجل "رب اجعل هذا بلداً آمناً"، قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الناس لم يحرموا مكة، ولكن الله سبحانه وتعالى حرمها، فهي حرام إلى يوم القيامة، وإن من أعتى الخلق على الله عز وجل، رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، ورجل أخذ بدخول الجاهلية.
حدثني مهدي بن أبي المهدي، قال حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الله بن وهب أو ابن موهب عن عمرة عن عايشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستة لعنهم الله تعالى وكل نبي مجاب الدعوة: الزايد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله سبحانه، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله، أو يعز بذلك من أذل الله سبحانه، والمستحل بحرم الله سبحانه، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي، قال حدثنا أبو أيوب البصري عن هشام عن الحسن، قال: البيت بحذاء البيت المعمور وما بينهما بحذائه إلى السماء السابعة وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة حرام كله، وحدثني جدي عن إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البيت المعمور في السماء يقال له: الضراح، وهو على منا الكعبة، يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم يروه قط، وإن للسماء السابعة لحرماً، على منا حرم مكة.
 
حدثني جدي قال حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على الحجون يوم الفتح، فقال: والله انك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا اني أخرجت منك ما خرجت، وانها لا تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كان بعدي، وانما أحلت لي ساعة من نهار، وانها من ساعتي هذه من النهار، حرام لا يعضد شجرها، ولا يحتش خلاها، ولا يلتقط ضالتها إلا بانشاد، فقال رجل: إلا الأذخر يا رسول الله، فإنه لقبورنا وبيوتنا ولقيوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمك إلا الأذخر، حدثني جدي عن مسلم بن خالد، قال سمعت صدقة بن يسار يقول: تفسير اللقطة لا ترفع إلا بانشاد، قال: أن يسمع منشدها فيرفعها إليه وإلا فلا يمسها.
حدثنا جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: إن مكة حرام، حرمها الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر، ووضع هذين الأخشبين لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، لا يختلا خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها ولا ترفع لقطتها، إلا لمن أنشدها فقال العباس رضي الله عنه: إلا الأذخر يا رسول الله، فإنه لا غنى لأهل مكة عنه فإنه للقين والبنيان فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الأذخر، وحدثنا جدي قال: أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله سبحانه حرم مكة ولم يحرمها الناس، ولا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، ولا يعضد فيها شجراً، فإن ارتخص فيها أحد شيئاً، فقال قد أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه أحلها لي ولم يحلها للناس، وانما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم انكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله فمن قتل بها بعد قتيلاً، فإن أهله بين خيرتين، فإن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل.

ذكر الحرم كيف حرم


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السلام، يريه ذلك جبريل عليه السلام، فلما كان يوم فتح مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها، وأخبرني جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه، قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: إنه لما خاف آدم عليه السلام على نفسه من الشيطان، فاستعاذ بالله سبحانه فأرسل الله عز وجل ملائكة حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها، قال: فحرم الله تعالى الحرم من حيث كانت الملائكة عليهم السلام وقفت، حدثني جدي قال حدثنا سعيد بن سالم القداح، عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه، إن آدم عليه السلام اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة، حتى إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي لبكائه، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة، قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، وفيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، والركن يومئذ نجم من نجومه، فكان ضوء ذلك النور ينتهي إلى موضع الحرم، فلما سار آدم إلى مكة حرسه الله وحرس تلك الخيمة بالملائكة، فكانوا يقفون على مواضع أنصاب الحرم يحرسونه ويذودون عنه سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن والشياطين، فلا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، لأنه من نظر إلى شيء منها وجبت له والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم تسفك فيها الدماء ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله سبحانه يومئذ مستقراً لملائكته، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى قبض الله تعالى آدم ثم رفعها إليه، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه قال: سمعت بعض أهل العلم يقولون: قال إبراهيم عليه السلام لاسماعيل: أبغني حجراً أجعله للناس آية، قال: فذهب إسماعيل ثم رجع ولم يأته بشيء ووجد الركن عنده فلما رآه، قال له: من أين لك هذا ? قال إبراهيم: جاء به من لم يكلني إلى حجرك؛ جاء به جبريل عليه السلام، قال: فوضعه إبراهيم عليه السلام في موضعه هذا، فأنار شرقاً وغرباً ويمناً وشاماً، فحرم الله تعالى الحرم من حيث انتهى نور الركن واشراقه من كل جانب، قال: ولما قال إبراهيم ربنا أرنا مناسكنا، نزل إليه جبريل فذهب به فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام، ويحثي عليها التراب، وكان جبريل يقفه على الحدود، قال: وسمعت إن غنم إسماعيل عليه السلام، كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج منه، فإذا بلغت منتهاه من كل ناحية من نواحيه، رجعت صابة في الحرم.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج، قال: كنت أسمع من أبي يزعم إن إبراهيم أول من نصب أنصاب الحرم، حدثنا أبو الوليد حدثنا جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن محمد بن الأسود، انه أخبره إن إبراهيم أول من نصب أنصاب الحرم، وإن جبريل عليه السلام دله على مواضعها، قال ابن جريج: وأخبرني أيضاً عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر يوم الفتح تميم بن أسد جد عبد الرحمن بن عبد المطلب بن تميم فجددها.
 
حدثنا أبو الوليد وحدثني محمد بن يحيى عن هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن موسى بن عقبة، أنه قال: عدت قريش على أنصاب الحرم فنزعتها، فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتد عليك ان نزعت قريش أنصاب الحرم، قال: نعم قال: أما انهم سيعيدونها، قال: فرأى رجل من هذه القبيلة من قريش ومن هذه القبيلة حتى رأى ذلك عدة من قبايل قريش قايلاً يقول: حرم كان أعزكم الله به، ومنعكم، فنزعتم أنصابه، الآن تخطفكم العرب، فأصبحوا يتحدثون بذلك في مجالسهم، فأعادوها، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد قد أعادوها، قال: أفأصابوا يا جبريل ? قال: ما وضعوا منها نصباً إلا بيد ملك، حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن إسحاق بن حازم عن جعفر بن ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن إبراهيم عليه السلام، نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام، ثم لم تحرك حتى كان قصي فجددها، ثم لم تحرك حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها، ثم لم تحرك حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبعث أربعة من قريش كانوا يبتدئون في بواديها فجددوا أنصاب الحرم، منهم مخرمة بن نوفل، وأبو هود سعيد بن يربوع المخزومي، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر بن عبد عوف الزهري، حدثنا أبو الوليد حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي، حدثني خالد بن الياس عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: لما ولي عثمان بن عفان بعث على الحج عبد الرحمن بن عوف وأمره أن يجدد أنصاب الحرم، فبعث عبد الرحمن نفراً من قريش منهم حويلب بن عبد العزى، وعبد الرحمن بن أزهر، وكان سعيد بن يربوع قد ذهب بصره في آخر خلافة عمر، وذهب بصر مخرمة بن نوفل في خلافة عثمان، فكانوا يجددون أنصاب الحرم في كل سنة، فلما ولي معاوية كتب إلى والي مكة فأمره بتجديدها، قال: فلما بعث عمر بن الخطاب النفر الذين بعثهم في تجديد أنصاب الحرم، أمرهم أن ينظروا إلى كل واد يصب في الحرم فنصبوا عليه وأعلموه وجعلوه حرماً، وإلى كل واد يصب في الحل فجعلوه حلا.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة، قال لما حج عبد الملك بن مروان أرسل إلى أكبر شيخ يعلمه من خزاعة، وشيخ من قريش، وشيخ من بني بكر وأمرهم بتجديد الحرم، قال أبو الوليد وكل واد في الحرم فهو يسيل في الحل ولا يسيل من الحل في الحرم إلا من موضع واحد عند التنعيم عند بيوت غفار.

ذكر حدود الحرم الشريف

قال أبو الوليد: من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت غفار على ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن، طرف اضاءة لبن في ثنية لبن، على سبعة أميال، ومن طريق جدة منقطع الأعشاش على عشرة أميال، ومن طريق الطايف على طريق عرفة من بطن نمرة، على أحد عشر ميلاً، ومن طريق العراق على ثنية خل بالمقطع، على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة في شعب آل عبد الله بن خالد بن أسيد على تسعة أميال.

تعظيم الحرم وتعظيم الذنب فيه

والالحاد فيه

حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سفيان عن مسعر عن مصعب بن شيبة عن عبد الله بن الزبير قال: إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى، خلعت نعالها تعظيماً للحرم، حدثنا أبو الوليد حدثنا عمر بن حكام البصري عن شعبة عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى "ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"، قال كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان، أحدهما في الحل، والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم، فقيل له في ذلك، فقال: انا كنا نتحدث ان من الالحاد في الحرم أن يقول كلا والله وبلى والله، حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: كان يعجبهم إذا قدموا مكة، أن لا يخرجوا منها حتى يختموا القرآن.
حدثنا أبو الوليد وحدثني جدي عن سفيان بن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس، قال: استأذنني الحسين بن علي في الخروج فقلت: لولا ان يرزأ بي أو بك لتشبثت بيدي في رأسك، فكان الذي رد علي من قول، لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل حرمتها بي يعني الحرم فكان ذلك الذي سلا نفسي عنه، قال ثم يقول طاوس: والله ما رأيت أحداً أشد تعظيماً للمحارم من ابن عباس رضي الله عنه، ولو شاء أن أبكي لبكيت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد قالا: أخبرنا مسلم ابن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: لم تكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم من زمن الغرق، وبه قال حدثني جدي وإبراهيم بن محمد عن مسلم ابن خالد عن ابن خيثم قال: كان بمكة حي يقال لهم، العماليق فأحدثوا فيها احداثاً، فنفاهم الله عز وجل منها فجعل يقودهم بالغيث، ويسوقهم بالسنة، يضع الغيث أمامهم فيذهبون ليرجعون، فلا يجدون شيئاً فيتبعون الغيث حتى ألحقهم الله تعالى بمساقط روس آبائهم، وكانوا من حمير، ثم بعث الله عليهم الطوفان، قال الزنجي: فقلت لابن خيثم: وما كان الطوفان ? قال: الموت، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك، قام فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله لهم آية، فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها، ويشربون من لبنها مثل ما كانوا يتروون من مائهم من غبها إلا وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فوعدهم الله ثلاثه أيام فكان موعد من الله تعالى غير مكذوب، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم، إلا رجلاً كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله، فقالوا: يا رسول الله ومن هو ? قال: أبو رغال.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن أيوب بن موسى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: أيها الناس، إن هذا البيت لاق ربه فسايله عنكم، الا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره، الا واذكروا إذ كان ساكنه لا يسفكون فيه دماً حراماً، ولا يمشون فيه بالنميمة.
حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السايب عن محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم، يحكي عن ربه تعالى قال: لا يكون بمكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا نمام، ودحيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة، قال: فلما أراد أن يجعل في الأرض خليفة، قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ? يعني مكة فقال الشعبي: النميمة عدلت بالدم والربا فلم يزل يحدثني فيها حتى عرفت انها شر الأعمال، وقال محمد بن سابط: كان النبي من الأنبياء صلى الله عليه وسلم، إذا هلكت أمته لحق بمكة فتعبد فيها النبي ومن معه، حتى يموت فمات بها نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر.
 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا يحيى بن سليم، عن أبي خيثم قال: سمعت عبد الرحمن بن سابط يقول: سمعت عبد الله بن ضمرة السلولي يقول: ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم إلى الحجر، قبر تسعة وتسعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك، فتلك قبورهم غور الكعبة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا أحمد بن ميسرة المكي حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواد عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لخطيئة أصيبها بمكة أعز علي من سبعين خطيئة أصيبها بركبة، وبه قال أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب كان يقول لقريش: يا معشر قري ألحقوا بالأرياف فهو أعظم لأخطاركم، وأقل لأوزاركم، وبه قال: حدثني أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه، قال أخبرت إن سعيد بن المسيب رأى رجلاً من أهل المدينة بمكة فقال: ارجع إلى المدينة، فقال الرجل: انما جيت أطلب العلم، فقال سعيد بن المسيب: أما إذا أبيت، فانا كنا نسمع إن ساكن مكة لا يموت حتى يكون عنده بمنزله، الحل لما يستحل من حرمتها، وبه عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه قال: أخبرت إن عمر بن عبد العزيز قدم مكة، وهو إذ ذاك أمير فطلب إليه أهل مكة أن يقيم بين أظهرهم بعض المقام وينظر في حوايجهم، فأبى عليهم، فاستشفعوا إليه بعبد الله بن عمرو بن عثمان، قال فقال له: اتق الله فإنها رعيتك وإن لهم عليك حقاً، وهم يحبون أن تنظر في حوايجهم فذلك أيسر عليهم من أن ينتابوك بالمدينة، قال: فأبى عليه، قال: فلما أبى قال له عبد الله بن عمرو: أما إذا أبيت فأخبرني لم تأبى ? فقال له عمر: مخافة الحدث بها، وقال عبد العزيز: وأخبرت إن عمر بن عبد العزيز وافقه شهر رمضان بمكة، فخرج فصام بالطايف.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم قال: سمعت ابن خيثم يحدث عن عثمان انه سمع بن عمر يقول: احتكار الطعام بمكة للبيع الحاد، وبه حدثنا يحيى بن سليم، حدثنا عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: بيع الطعام بمكة الحاد، قال عثمان: يعني أن يشترى ها هنا ويبيع ها هنا ولا يعني الجالب، وبه حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم عن عبيد الله بن عياض عن يعلى بن منبه، انه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: يا أهل مكة، لا تحتكروا الطعام بمكة، فإن احتكار الطعام بمكة للبيع الحاد، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج، قال قال مجاهد: ومن يرد فيه بالحاد بظلم يعمل عملاً سيئاً، وقال غيره: المسجد الحرام والمشركون صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد وعن سبيل الله يوم الحديبية.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج في قوله عز وجل "ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" استحلالاً متعمداً، قال وقال ابن جريج أيضاً، قال ابن عباس: والشرك.
 
حدثنا أبو الوليد قال أخبرني جدي عن سعيد عن عثمان، أخبرني المثنى بن الصباح عن عطاء بن أبي رباح، حدثني إسماعيل بن جليحة قال: كان عبد الله ابن عمر إذا طاف بين الصفا والمروة دخل على خالة له، فقال أين ابنك ? فقالت: بأبي أنت وأمي، يخرج إلى هذا السوق فيشتري من السمراء ويبيعها، قال: فمريه لا يقربن من ذلك شيئاً فإنه الحاد، قال عثمان قال مجاهد: العاكف فيه الساكن فيه، والبادي الجالب، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السايب الكلبي قال: العاكف أهل مكة، وأما البادي فمن أتاه من غير أهل البلد، قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة قال قال إسماعيل: سمعت مرة الهمداني يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ليس أحد من خلق الله تعالى يهم بسيئة فيها، فيؤخذ بها ولا تكتب عليه حتى يعملها غير شيء واحد، قال: ففزعنا لذلك، فقلنا: ما هو يا أبا عبد الرحمن ? فقال عبد الله: من هم أو حدث نفسه بأن يلحد بالبيت، أذاقه الله عز وجل من عذاب أليم، ثم قرأ ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقة من عذاب أليم، قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة، قال قال السدي: الالحاد الاستحلال، فإن قوله عز وجل ومن يرد فيه بالحاد يعني الظلم فيه فيقول: من يستحله ظالماً فيتعدى فيه، فيحل فيه ما حرم الله تعالى، قال عثمان: وأخبرني المثنى بن الصباح قال: بلغني إن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير، كانا جالسين فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: اني لا أجد في كتاب الله عز وجل رجلاً يسمى عبد الله عليه نصف عذاب هذه الأمة، فقال عبد الله بن الزبير لئن كنت وجدت هذا في كتاب الله تعالى انك لأنت هو، قال: وانما أراد عبد الله بن عمرو بهذا، أي فلا يستحل القتال في الحرم.
حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان بن منصور السهامي، حدثنا محمد بن زياد عن ابن قرة عن عثمان بن الأسود بسنده أما عن مجاهد وأما عن غير ذلك، قال: من أخرج مسلماً من ظله في حرم الله تعالى من غير ضرورة، أخرجه الله تعالى من ظل عرشه يوم القيامة.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن سفيان الثوي عن جابر الجعفي عن مجاهد وعطاء، في قوله تعالى "سواء العاكف فيه والبادي" قال: العاكف أهل مكة والبادي الغرباء سواء هم في حرمته، حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: حدثني إسماعيل بن أمية ان عمر بن الخطاب قال: لأن اخطئ سبعين خطية بركبة، أحب إلي من أن اخطئ خطيئة واحدة بمكة، قال ابن جريج قال مجاهد: حذر عمر قريشاً الحرم قال: وكان بها ثلاثة أحياء من العرب فهلكوا، لأن اخطئ اثنتي عشرة خطيئة بركبة، أحب إلي من أن اخطئ خطيئة واحدة إلى ركنها، قال ابن جريج: بلغني إن الخطيئة بمكة ماية خطيئة والحسنة على نحو ذلك، وقال ابن جريج: حدثني إبراهيم حديثاً رفعه إلى فاطمة السهمية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: الالحاد في الحرم ظلم الخادم فما فوق ذلك.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا إبراهيم حدثنا محمد بن سوقة عن عكرمة عن ابن عباس انه قال: حج الحواريون، فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيماً للحرم: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا إبراهيم بن محمد عن ابان بن أبي عياش عن عبد الرحمن بن سابط انه سمع عبد الله بن عمر وهو جالس في الحجر، يطعن بمخصرته في البيت وهو يقول انظروا ما أنتم قايلون غداً إذا سئل هذا عنكم وسئلتم عنه، واذكروا إذ عامره لا يتجر فيه بالربا ولا يسفك فيه الدماء ولا يمشى فيه بالنميمة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثني صفوان بن سليم عن فاطمة السهمية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: الالحاد في الحرم، شتم الخادم فما فوق ذلك ظلماً.
 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عكرمة ابن خالد، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار ورجلاً من مزينة، وابن خطل في بعض حاجته، فقال للمزني وابن خطل: أطيعا الأنصاري حتى ترجعا، فلما كانوا ببعض الطريق أمر الأنصاري المزني ببعض العمل وقال لابن خطل: اذبح هذه الشاة فلم يرجع الأنصاري حتى فرغ المزني مما أمره به وإذا الشاة كما هي، قال الأنصاري لابن خطل: ما منعك من ذبح هذه الشاة ? قال ابن خطل: أنت أحق بها مني، ثم انهما تباطشا فقتله ابن خطل، ثم أراد المزني فقال: ويلك ما شأنك ? وجه حيث شئت فأنا أتبعك.

ما جاء في القاتل يدخل الحرم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس قال: إذا دخل القاتل الحرم، لم يجالس ولم يبايع ولم يؤو، ويأتيه الذي يطلبه فيقول: يا فلان اتق الله في دم فلان واخرج من المحارم، فإذا خرج أقيم عليه الحد.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء: ما قوله تعالى "ومن دخله كان آمناً" قال: يأمن فيه كل شيء دخله، قال: وإن كان صاحب دم إلا أن يكون قتل في الحرم، فيقتل فيه، فإن قتل في غيره ثم دخله أمن حتى يخرج منه، ثم تلا عند ذلك "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال: أنكر ابن عباس قتل ابن الزبير سعداً مولى عقبة وأصحابه قال: تركه في الحل، حتى إذا دخل الحرم أخرجه منه فقتله، فقال رجل من القوم: قاتلوه، قال: أولم يؤمنوا إذا دخلوا الحرم ? قلت لعطاء: أرأيت لو وجدت فيه قاتل أبي أو أخي ? قال: إذا تدعه واعزم على الناس أن لا يؤوه ولا يجالسوه ولا يبايعوه حتى يخرج، فلعمري ليوشكن أن يخرج منه، فقال له سليمان بن موسى: فعبدي أبق فدخله قال: فخذه انك لا تأخذه لتقتله، حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم حدثنا عمران أبو العوام عن حماد عن إبراهيم قال: إذا قتل رجل في الحرم أدخل الحرم فقتل، وإذا قتل خارجاً من الحرم ثم دخل الحرم أخرج من الحرم فقتل.
حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا عمر بن سهل عن يزيد عن سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إن الحرم لا يمنعه حد الله، إذا أصاب حداً في غير الحرم فلجأ في الحرم لم يمنعه ذلك من أن يقام عليه، ورأى قتادة مثل ما قال الحسن.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة ومجاهد في قوله عز وجل "ومن دخله كان آمناً"، قال كان ذلك في الجاهلية فأما اليوم فلو سرق أحد قطع، ولو قتل قتل، ولو قدر على المشركين فيه قتلوا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج أخبرنا ابن طاوس في قوله تبارك وتعالى "ومن دخله كان آمناً"، قال: يأمن فيه من فر إليه وإن أحدث كل حدث قتل أو سرق أو زنا أو صنع ما صنع، إذا كان هو يفر إليه أمن فيه فلا يمس ما كان فيه ولكن يمنع الناس أن يؤوه أو يبايعوه أو يجالسوه، فإن كانوا هم أدخلوه فيه فلا بأس أن يخرجوه إن شاءوا، قال: وإن أحدث في الحرم أخذ في الحرم، قال ابن جريج قلت لابن طاوس: فإن عطاء أخبرني عن ابن عباس، انه أنكر ما أتى إلى سعد وهم أدخلوه الحرم، قال: وأبو عبد الرحمن قد أنكر ما أتى إليه يعني طاوساً إن سعداً لم يقتل انما قاتلهم، قال لي ابن طاوس: قال طاوس: فمن فر إليه أمن، ولكن يمنع الناس أن يؤوه أو يبايعوه أو يجالسوه، قال فإن كانوا أدخلوه فيه أخرجوه منه إن شاءوا، قال: فإن أدخلوه ثم انفلت منهم فدخله اخرجوه، قال: انما أنكر طاوس ما أتى إلى سعد انه لم يقتل أحداً، قال ابن جريج: وأخبرني بن أبي حسين عن عكرمة بن خالد، قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه، قال ابن جريج: أخبرني ابن الزبير قال قال ابن عمر: لو وجدت فيه قاتل عمر ما ندهته، قال ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد قال قال عمر: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه، قال ابن جريج: وبلغني إن الرجل كان يلقى قاتل أخيه أو أبيه في الكعبة أو في الحرم أو في الشهر الحرام، فلا يعرض له أو محرماً أو مقلداً هديا قد بعث به فلا يعرض له، وهم يغير بعضهم على بعض فيقتلون ويأخذون الأموال في غير ذلك، فجعل الله ذلك قياماً لهم لولا ذلك لم يكن لهم بقية.

ما يؤكل من الصيد في الحرم

وما دخل فيه حيا مأسورا

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن كثير الرازي عن مجاهد، انه أكل لحم الطير الذي يدخل به الحرم حياً في مرضه الذي مات فيه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني مسلم بن خالد الزنجي قال: سمعت عمرو بن دينار، وذكر عنده الصيد يدخل به الحرم حياً، قال: لا بأس بأكله، ويقول: لو أهدي إلي ظبي فلبث عندي في البيت أياماً ثم انفلت من بيتي فلبث في الحرم أربعة أيام، ثم وجدته في اليوم الخامس فعرفت انه ظبيي الذي كان عندي، لأخذته فأكلته، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد، قال: سمعت صدقة بن يسار يقول: سألت عطاء بن أبي رباح عن الصيد يدخل به الحرم حياً فارخص لي في أكله، ثم عدت إليه، بعد فنهاني عنه، فلقيت سعيد بن جبير فسألته عنه فأخبرته بقول عطاء بن أبي رباح: فقال لي: كله ولا تجد في نفسك منه شيئاً.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح أنه كان لا يرى باساً بما دخل به الحرم من الصيد مأسوراً، وقال غيره: ان عطاء كرهه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال كنا نسأله عن الحمام الشامي، فيقول: انظروا فإن كان له في الوحش أصل فهو صيد، وإن لا، فإنما هو بمنزلة الدجاج، فنظروا فإذا ليس له في الوحش أصل، قال أبو الوليد: دخلت على يوسف بن محمد بن إبراهيم بمكة، أعوده في مرضه الذي مات فيه، وفي منزله جنبة فيها حمامات مقرقرة بيض.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن ابن الماء أصيد بر أو صيد بحر وعن أشباهه ? قال: حيث يكون أكثره صيداً، قال ابن جريج: وسأل إنسان عطاء وأنا حاضر عن حيتان بركة القسري وهي بركة عظيمة في الحرم بأصل ثبير فقال: نعم والله لوددت إن عندنا منها، وسألته عن صيد الأنهار وقلات المياه أليس من صيد البحر ? قال: بلى وتلا هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، ومن كل يأكلون لحماً طرياً.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يصلح أخذ الجراد في الحرم، قلت له أو قيل له: إن قومك يأخذونه وهم مخبتون في المسجد الحرم يعني قريشاً قال: إن قومي لا يعلمون.

كفارة قتل الصيد في الحرم

 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس، إن غلاماً من قريش قتل حمامة من حمام الحرم، قال ابن عباس: فيه شاة، وبه قال سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: في حمام مكة شاة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن حريج، قال قال عطاء: في حمام مكة شاة، قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقضي في شيء مما ذكرت ? قال: لا، غير إن عثمان بن عبيد الله بن حميد حاءه، فقال: إن ابناً لي قتل حمامة، قال: ابتع شاة فتصدق بها، قلت لعطاء: من حمام مكة قتل ابن عثمان ? قال: نعم، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد ابن المسيب يقول: من قتل حمامة من حمام مكة فعليه شاة؛ حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحمامة، فأطيرت فوقعت على المروة فأخذتها حية، فجعل فيها عمر شاة، قال: وأمر عثمان رضي الله عنه بحمامة فأطيرت من واقف، فوقعت على واقف فأخذتها حية فدعا نافع بن الحارث الخزاعي فحكما فيها عنزاً عفراء، قال ابن جريج: أخبرني بعض أصحابنا قال قال انسان لطاوس: كم في الحمامة ? قال: مد ذرة، قال مجاهد: يا با عبد الرحمن كان ابن عباس يقول: شاة، قال: فشاة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، قال قال عطاء في إنسان أخذ حمامة يخلص ما في رجليها فماتت، قال: ما أرى عليه شيئاً، قال وقال عطاء: في الفرخ الصغير الذي لم يطر جفرة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء: كم في بيضة من بيض حمام مكة ? قال: نصف درهم بين البيضتين درهم ويحكم في ذلك قال: فأما ذلك فالذي أرى، فقال إنسان لعطاء: بيضة حمام مكة وجدتها على فراشي، قال: فامطها عن فراشك قلت: فكانت في سهوة أو في مكان من البيت كهيئة ذلك معتزل من البيت قال: فلا تمطها؛ قال وقال عطاء: في بيضة كسرت فيها فرخ قال: درهم، قال رجل لعطاء: اجعل بيضة دجاجة تحت حمام مكة، قال: لا أخشى أن يضر ذلك بيضها.

ما ذكر في قطع شجر الحرم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء، انه قال: في الدوحة من شجر الحرم إذا قطعت من أصلها بقرة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء، إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبصر رجلاً يعضد على بعير له في الحرم، فقال له: يا عبد الله إن هذا حرم الله لا ينبغي لك أن تصنع فيه هذا، فقال الرجل: اني لم أعلم يا أمير المؤمنين، فسكت عمر عنه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: حدثني مزاحم عن أشياخ له إن عبد الله بن عامر كان يقطع الدوحة من داره بالشعب من السمر والسلم ويغرم عن كل دوحة بقرة؛ قال ابن جريج: وسمعت إسماعيل بن أمية يقول: أخبرني خالد بن مضرس إن رجلاً من الحاج قطع شجرة من منزله بمنى قال: فانطلقت به إلى عمر بن العزيز فأخبرته خبره، فقال: صدق كانت ضيقت علينا منزلنا ومناخنا فتغيظ عليه عمر ثم قال ما رأيته إلا دينه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن إسماعيل بن أمية مثله إلا انه قال: فتغيظ عليه عمر ثم أمره أن يفديها، وقال ابن أبي يحيى: من قرب غصناً لبعيره أو لشاته فكسره حين قربه فقد ضمنه، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن إبراهيم بن محمد عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن محمد بن عباد بن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: لا يقطع الأخضران بعرنة ومر يعني الاراك والسدر .

الأكل من ثمر شجر الحرم وما ينزع منه


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء انه كان يقول لا بأس أن يؤكل من ثمر الحرم، قال مسلم: يعني النبق والعشرق والجعة وبه حدثنا مسلم بن خالد قال: سمعت ابن أبي نجيح يحدث عن عطاء انه كان يرخص في السنا أن يؤخذ من ورقه ولا ينزع من أصله في الحرم فيستمشى به، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عبد الله بن يحيى السهمي قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يسأل عن الحبلة توجد في الحرم قال: يتنمصها تنمصاً، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم عن ابن جريج عن عطاء انه كان يرخص في العشرق والضغابيس والحنساء ان تنزع من الحرم، قال يحيى: وكان إسماعيل بن أمية يكره ذلك إلا ما أنبت ماءك، ويقول: انما هذا رأي من عطاء.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: سئل عطاء انبسط بساطاً على نبت الحرم ينزل عليه ? قال نعم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: كره عطاء وعمرو بن دينار نزع ما نبت على ماءك من شجر الحرم، ثم رجع عطاء فيما نبت مع القضب والخضر في الحرم فقيل له: إذا لا يستطيع الناس خضرهم؛ فقال: حل لك ما نبت على ماءك وإن لم تكن أنبته، وأكره أن أقرب لبعيري غصنا أو لشاتي، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء انه أرخص في الأراك في الحرم للسواك، قال سفيان: وحدثت عن عمرو بن دينار انه كان يقول في السنا في الحرم: خذ من ورقه، ولا تنزعه من أصله.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار: ولا بأس بنزع البهش في الحرم والعشرق والضغابيس والسواك من البشامة في الحرم ولا يراه أذى، ويقول: لا يختلا خلاها إلا للماشية، قال وقال عمرو بن دينار أيضاً: ويورق السنا للمشى توريقاً ولعمري لئن كان من أصله ابلغ لينزعن كما تنزع الضغابيس؛ وأما للتجارة فلا.

ما جاء في تعظيم الصيد في الحرم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان قال: رأيت صدقة ابن يسار جعل لحمام مكة حوضاً مصهرجاً ويصب لهن فيه الماء، وبه حدثنا سفيان عن هشام بن حجير قال: دخلنا على الحسن بن أبي الحسن مع عمرو بن دينار في دار عمر بن عبد العزيز فرأيته يأخذ الحنطة بيده فينثرها للحمام يعني حمام مكة قال هشام: ولو أطعمه مسكينا لكان أفضل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن محمد بن عمر عن عبد الله بن نافع عن أبيه قال: كان ابن عمر يغشاه الحمام على رحله وطعامه وثيابه ما يطرده، وكان ابن عباس يرخص أن يكشكش، حدثنا أبو الوليد كتب إلى عبد الله بن أبي غسان رجل من رواة العلم من ساكني صنعاء وحمل الكتاب رجل ممن أثق به وأملاه بمحضره يقول في كتابه: حدثنا محمد بن يزيد ابن خنيس عن عبد العزيز بن أبي رواد إن قوماً انتهوا إلى ذي طوى ونزلوا بها فإذا ظبي قد دنا منهم فأخذ رجل منهم بقايمة من قوايمه فقال له أصحابه: ويحك أرسله قال فجعل يضحك ويأبى أن يرسله فبعر الظبي وبال ثم أرسله، فناموا في القايلة فانتبه بعضهم فإذا بحية منطوية على بطن الرجل الذي أخذ الظبي، فقال له أصحابه: ويحك لا تتحرك وانظر ما على بطنك فلم تنزل الحية عنه حتى كان منه من الحدث مثل ما كان من الظبي، حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا أبو بكر ابن محمد بن يزيد بن خنيس عن أبيه بهذا الحديث كله، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سليم بن مسلم عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: دخل قوم مكة تجاراً من الشام في الجاهلية بعد قصي بن كلاب فنزلوا بذي طوى تحت سمرات يستظلون بها فاختبزوا ملة لهم ولم يكن معهم أدم فقام رجل منهم إلى قوسه فوضع عليها سهماً ثم رمى به ظبية من ظباء الحرم وهي حولهم ترعى فقاموا إليها فسلخوها، وطبخوا لحمها ليأتدموا به، فبينما قدرهم على النار تغلي بلحمة وبعضهم يشتوي إذ خرجت من تحت القدر عنق من النار عظيمة فاحرقت القوم جميعاً ولم تحرق ثيابهم ولا أمتعتهم ولا السمرات اللاتي كانوا نحتها، فلما كان من شأن الغلام التيمي ما كان من هتكه أستار الكعبة قال في ذلك عبد شمس بن عبد مناف شعراً: وهو يذكرهم الظبي وما أصاب أصحابه ويخوف قريشاً النقم، وكان من حديث الغلام التيمي أنه أقبل ذات يوم حتى دخل المسجد وقريش في أنديتهم فضرب بيده إلى ناحية من أستار الكعبة فهتك بعضها ثم خرج يسعى وقريش تنظر إليه ولم يقم إليه أحد فوثب إليه عبد شمس يسعى في أثره حتى أدركه فأخذه ثم نادى بأعلى صوته يا آل قصي، يا آل عبد مناف فهطع إليه الناس فقال: هل رأيتم ما صنع هذا الغلام ? قالوا: نعم، قال فاقسم برب الكعبة لتعظمن حرمتها، ولتكفن سفهاءكم عن انتهاك حرمتها، أو لينزلن بكم ما نزل بمن كان قبلكم، فقال له أخوه هاشم بن عبد مناف: ليس لك بضربه حاجة ولكن أنظر فإن كان قد بلغ فاقطع يده، فنظروا إليه فإذا هو لم يبلغ فأمر به فضرب ضرباً شديداً فقال في ذلك عبد شمس بن عبد مناف:

يا رحـالات قـريش بـلــد

 

من يرد فيه ملدات الظـلـم

يقرع السن وشـيكـاً نـادمـاً

 

حين لا ينفع عذر من ظـلـم

طهروا الأثواب لا تلتحـقـوا

 

دون بر اللّه عذراً ينـتـقـم

ثم قوموا عصبـاً مـن دونـه

 

بوفاء الآل في الشهر الأصم

قبلها ألحـد فـيه مـلـحـد

 

قتلاً قاد بـن عـاد بـن أرم

هل سمعتم بـقـبـيل عـرب

 

عطبوا أو بقبيل من عـجـم

هلكوا في ظبية يتـبـعـهـا

 

شادن أحوى له طرف أحـم

فرمـاه بـصـهـار ريشـه

 

وشوى من لحمـه ثـم يشـم

فرماه بـشـهـاب ثـاقـب

 

مثل ما أوقد في الريح الضرم

مقام سيدنا رسول الله

صلى الله عليه وسلم بمكة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا ابن عيينة حدثنا يحيى بن سعيد عن عجوز منهم قالت: رأيت ابن عباس رضي الله عنه يختلف إلى صرمة ابن قيس الأنصاري يروي هذه الأبيات:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

 

يذكر لو لاقى صديقـاً مـواتـياً

ويعرض في أهل المواسم نفسـه

 

فلم ير من يؤوي ولم ير داعـيا

فلما أتانا واطمأنت بـه الـنـوى

 

وأصبح مسروراً بطيبة راضـيا

وأصبح ما يخشى ظلامة ظالـم

 

بعيد ولا يخشى من الناس باغـيا

نعادي الذي عادى من الناس كلهم

 

جميعاً وإن كان الحبيب المصافيا

بذلنا له الأموال من جل مالـنـا

 

وأنفسنا عند الوغى والـتـأسـيا

ونعلم أن اللّه لا شيء مثله

 

وأن كتاب اللّه أصبح هاديا

ما يقتل من دواب الحرم وما رخص فيه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: أصبنا حيات بالرمل ونحن محرمون فقتلناهن، فقدمنا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألناه فقال: هي عدو فاقتلوهن حيث وجدتموهن.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن وهو محرم وفي الحرم، الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والعقرب.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الحية يقتلها المحرم، فقال: هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها، حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي حدثنا سفيان عن ابن جريج قال: كنا نسأل عطاء عن الثعلب فيقول: أسبع هو ? فنقول انه يفرس الدجاج، فيقول: أسبع هو ? ولم يبين لنا فيه شيئاً أخبرنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن مسعر عن إبراهيم ابن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الحية وغيرها يقتلها وهو محرم فقال نعم حتى سأله عن الزنبور يقتله المحرم فقال: نعم وهي الدبرة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم عن ابن جريج بكل ما قلت في هذا الباب ابن جريج قال قلت لعطاء: ما تعدون أنه حل للمحرم أن يقتله وعمن تروون ? قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أخال، قال: أعددهن، فعددهن على نحو ما تعدون وجعل الحية معهن، قال ابن جريج قلت لنافع: ماذا سمعت من ابن عمر يحل للمحرم قتله من الدواب ? قال فقال نافع: قال لي عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من الدواب خمس لا جناح على من قتلهن: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور، قال لي ابن جريج قال لي عطاء: في هؤلاء اللاتي أحللن للمحرم وليتبعهن الحرام فليقتلهن وإن لم يعرض له، وقال عمرو ابن دينار: مثل ذلك قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن دينار إن عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي عمارة أخبره انه رأى ابن عمر يرمي غراباً بالنبل وهو حرام.
حدثنا ابن جريج حدثنا أبو الزبير إن مجاهداً أخبره إن أبا عبيدة بن عبد الله ابن مسعود قال أبو الوليد: أظنه عن أبيه قال بينما نحن في مسجد الخيف ليلة عرفة التي قبل يوم عرفة إذ سمعنا حس الحية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوها، فدخلت في شق حجر فأتى بسعفة فأضرم فيها ناراً فأدخلنا عوداً ففلعنا عنها بعض الحجر فلم نجدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فقد وقاها الله شركم ووقاكم شرها.
حدثنا ابن جريج قال قال عطاء: كل عدو لك لم يذكر لك قتله فاقتله وأنت حرم.
حدثنا ابن جريج قال قلت لعطاء: العقاب فإنها زعموا تحمل حمل الضأن قال: اقتل، قلت: الصقر والحميميق فإنهما يأخذان حمام المسلمين، قال: فاقتل واقتل البعوض، والذباب، واقتل الذيب فإنه عدو، قال عطاء: واقتل الوزغ فإنه كان يؤمر بقتله، واقتل الجان ذا الطفيتين فإنه يؤمر بقتله، قال ابن جريج: وأخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة إن ابن المسيب أخبره إن أم شريك استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغان فأمرها بقتلها، وأم شريك احدى نساء بني عامر بن لؤي.
حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية أن نافعاً مولى ابن عمر حدثه أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام النار، قال: فكانت عايشة رضي الله عنها تقتلهن.

من كره أن يدخل شيئاً من حجارة

الحل في الحرم أو يخرج شيئاً من حجارة الحرم إلى الحل أو يخلط بعضه ببعض


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة المكي حدثني عبد المجيد ابن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: سمعت غير واحد من الفقهاء يذكرون أنه يكره أن يخرج أحد من الحرم من ترابه أو حجارته بشيء إلى الحل، قال: ويكره أن يدخل من تراب الحل أو حجارته إلى الحرم بشيء أو يخلط بعضه ببعض، حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد عن أبيه قال: أخبرني بعض من كنا نأخذ عنه إن ابن الزبير يقدم يوماً إلى المقام ليصلي وراءه فإذا حصى بيض أتي بها وطرحت هنالك، فقال: ما هذه البطحاء ? قال فقيل له: انه حصى أتي بها من مكان كذا وكذا خارج من الحرم، قال فقال: القطوة وارجعوا به إلى المكان الذي جئتم به منه وأخرجوه من الحرم، وقال: لا تخلطوا الحل بالحرم، حدثنا أبو الوليد حدثنا أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيه قال: وأدركتهم أنا بمكة وانما يؤتى ببطحاء المسجد من الحرم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن ابن عيينة قال سمعت رزين مولى ابن عباس يقول: كتب إلي علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن أبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه.

ما ذكر من أهل مكة انهم أهل الله

عز وجل

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت أسيداً في الجنة وأنى يدخل أسيد الجنة فعرض له عتاب بن أسيد فقال: هذا الذي رأيت أدعوه لي فدعا فاستعمله يومئذ على مكة ثم قال لعتاب: أتدري على من استعملتك ? استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيراً يقولها ثلاثاً.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه كان يقول: كان أهل مكة فيما مضى يلقون فيقال لهم: يا أهل الله وهذا من أهل الله.
حدثنا أبو الوليد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم المكي، قال: استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نافع بن عبد الحارث الخزاعي على مكة، قال: فلما قدم عمر استقبله، فقال عمر: من استخلفت على أهل مكة ? فقال: ابن أبزي قال: استعملت على أهل الله رجلاً من الموالي فغضب عمر حتى قام في الغرز، قال فقال: اني وجدته أقراهم لكتاب الله، وأعلمهم بدين الله، قال: فتواضع عمر بن الخطاب حتى لصق بالرحل ثم قال لئن قلت ذلك: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى يرفع بهذا الدين أقواماً ويضع به آخرين.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: سمعت معمراً يحدث عن الزهري عن نافع بن عبد الحارث انه يلقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: مر خلفت على أهل مكة ? قال: ابن لبزي، قال عمر: مولى ? قال: نعم إنه قاريء لكتاب الله، فقال عمر رضي الله عنه: إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن إبراهيم بن سعيد الزهري عن ابن شهاب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة إن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان وكان عمر استعمله على مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي ? قال: استخلفت عليهم ابن أبزي، قال: ومن ابن أبزي ? قال: رجل من موالينا، فقال عمر رضي الله عنه: استخلفت عليهم مولى، فقال: انه قاري لكتاب الله، عالم بالفرايض، قاض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله سبحانه يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين؛ قال أبو محمد الخزاعي حدثنا أبو مروان العثماني حدثنا إبراهيم بن سعد الزهري باسناده مثله.
حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن يحيى حدثنا هشام بن سليم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله انه كان يقول: كان أهل مكة فيما مضى يلقون، فيقال لهم: يا أهل الله وهذا من أهل الله.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج مثله.
حدثنا أبو الوليد حدثنا ابن أبي عمر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن أسماء ابنة عميس قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو شاك، فقال: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له فلو قد ملكنا كان أعتى وأعتى، فكيف تقول لله سبحانه إذا لقيته ? فقال أبو بكر: اجلسوني فاجاسوه، فقال: هل تفرقني إلا بالله عز وجل فإني أقول إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك: قال معمر: فقلت للزهري: وما قوله خير أهلك ? قال: خير أهل مكة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج، أخبرني معاذ ابن أبي الحارث إن النبي صلى الله عليه وسلم حين استعمل عتاب بن أسيد على مكة قال: هل تدري على من استعملتك ? استعملتك على أهل الله، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه، انه قال في حديث حدث به في الحرم، قال: ومن آمن أهله استوجب بذلك أماني، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي، ولكل ملك حيازة مما حواليه، وبطن مكة حوزتي التي احتزت لنفسي دون خلقي، انا الله ذو بكة، أهلها خيرتي، وجيران بيتي، وعمارها وزوارها وفدي؛ وأضيافي، وفي كنفي، وأماني، ضامنون علي في ذمتي، وجواري.

تذكر النبي وأصحابه مكة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح قال قالت عايشة: لولا الهجرة لسكنت مكة، اني لم أر السماء بمكان قط أقرب إلى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة حين رأى شكوى أصحابه من وباء المدينة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر رضي الله عنه وبلال فكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهلـه

 

والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا اقلع عنه يرفع عقيرته ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

 

بفخ وحولي إذخر وجـلـيل

وهل أردن يوماً مياه مجـنة

 

وهل يبدون لي شامة وطفيل

اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من مكة.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: سمعت طلحة ابن عمرو يقول: قال ابن أم مكتوم وهو آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف:

حبذا مكة من وادى

 

بها أرضي وعوادي

بها ترسـخ أوتـادي

 

بها أمشي بلا هادي

قال داود: ولا أدري يطوف بالبيت أو بين الصفا والمروة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني معمر وابن أبي ذيب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابن عمر بن عدي بن أبي الحمراء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو في الحزورة: والله انك لخير أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا اني أخرجت منك ما خرجت.
حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا أبو أيوب البصري حدثنا أبو يونس عن عبد الرحمن بن سابط قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينطلق إلى المدينة واستلم الحجر وقام وسط المسجد التفت إلى البيت فقال: اني لأعلم ما وضع الله عز وجل في الأرض بيتاً أحب إليه منك، وما في الأرض بلد أحب إلي منك، وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني، ثم نادى يا بني عبد مناف لا يحل لعبد منع عبداً صلى في هذا المسجد أية ساعة شاء من ليلة أو نهار.
حدثنا أبو الوليد حدثنا هارون بن أبي بكر حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن عزيز الزهري قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له: يا أصيل كيف عهدت مكة ? قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: اقم حتى يأتيك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلبث ان دخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا أصيل كيف عهدت مكة ? قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها وابيضت بطحاؤها، وأغدق أذخرها، وأسلت ثمامها، وامش سلمها، فقال: حسبك يا أصيل لا تحزنا يعني بقوله امش سلمها يعني نواميه الرخصة التي في أطراف أغصانه.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخرج من مكة: أما والله اني لأخرج منك واني لأعلم انك أحب البلاد إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا ان أهلك اخرجوني منك ما خرجت، يا بني عبد مناف ان كنتم ولاة هذا الأمر بعدي فلا تمنعن طايفاً يطوف ببيت الله عز وجل أي ساعة شاء من ليل أو نهار، ولولا ان تطغى قريش لأخبرتها بما لها عند الله عز وجل، اللهم أذقت أولها وبالا، فأذق آخرها نوالا، وبه عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عام الفتح على الحجون، ثم قال: والله انك لخير أرض الله، وانك لأحب أرض الله إلى الله، ولو لم أخرج منك ما خرجت، انها لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كاين بعدي، وما أحلت لي إلا ساعة من نهار، ثم هي من ساعتي هذه حرام، لا يعضد شجرها، ولا يحتش خلاها، ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد؛ فقال رجل يقال له أبو شاة: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقبورنا ولبيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الأذخر، قال أبو الوليد: حدثنا جدي عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لما قدم المهاجرون المدينة اشتكوا بها فعاد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال: كيف تجدك? فقال أبو بكر رضي الله عنه:

كل امرئ مصبح في أهلـه

 

والموت أدنى من شراك نعله

ثم دخل على عامر بن فهيرة فقال: كيف تجدك يا عامر ? فقال:

اني وجدت الموت قبل ذوقه

 

إن الجبان حتفه من فوقه

 

كالثور يحمي جلده بروقـه

ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال، فقال: كيف تجدك يا بلال ? فقال بلال:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

 

بفخ وحولي أذخر وجـلـيل

وهل أردن يوماً مياه مجـنة

 

وهل يبدون لي شامة وطفيل

حد من هو حاضر المسجد الحرام

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء: من له المتعة ? فقال: قال الله عز وجل: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" فأما القرى الحاضرة للمسجد الحرام التي لا يتمتع أهلها فالمطنبة بمكة، المظلة عليه نخلتان، ومن الظهران وعرنة وضجنان والرجيع، وأما القرى التي ليست بحاضرة المسجد الحرام التي يتمتع أهلها إن شاءوا فالسفر، والسفر ما يقصر إليه الصلاة، قال عطاء: وكان ابن عباس يقول: تقصر الصلاة إلى الطايف وعسفان وجدة والرهاط وما كان من أشباه ذلك.

ما جاء في ذكر الدابة ومخرجها


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى حدثنا عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن ابن عباس قال: الدابة التي يخرج الله سبحانه للناس تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، هو الثعبان الذي كان في البيت فأرسل الله عقاباً فاختطفه، وبه حدثنا عبد العزيز بن عمران عن إسماعيل بن شيبة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: اختطف العقاب الثعبان فألقاه نحو المخسف العماليق بقية عاد، قال: مجاهد قال ابن عباس: ألقاه العقاب بأجياد فمن أجياد تخرج الدابة، وبه حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن الحصين بن عبد الله النوفلي قال: الدابة تشتو بمكة وتصيف ببسل، وبه حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الملك بن عبد العزيز عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: تخرج الدابة من تحت الصفا فتستقبل المشرق فتصرخ صرخة حتى تبلغ صرختها منقطع الأرض من المشرق، ثم تستقبل المغرب فتصرخ صرخة حتى تبلغ صرختها منقطع الأرض من المغرب، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تبلغ صرختها منقطع الأرض من اليمن، ثم تستقبل الشام فتصرخ صرخة تبلغ صرختها منقطع الأرض من الشام، ثم تغدو فتقيل بعسفان، قال قلنا: زدنا، قال: ليس عندي غير هذا، وبه حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة قال: الدابة لا تكلم الناس ولكنها تكلمهم.
حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: انما جعل المسبق من أجل الدابة انها تخرج قبل التروية بيوم أو يوم التروية أو يوم عرفة أو يوم النحر، أو الغد من يوم النحر، وبه عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: مر أبو داود البدري من بني مازن على رجل وهو يغرس ودية فاستحيى من أبي داود، فقال أبو داود يا ابن أخي إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل عن اثباتها فإن للناس مدة بعد ذلك، قال أبو داود: تخرج الدابة فتسم من شاء الله سبحانه، ثم يقيم الناس دهراً فيلقى الرجل الرجل ينشد ضالته فيقول: سمعت رجلاً من المخلصين ينشدها بمكان كذا وكذا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس يبتدرون الساعة لا أدري أيهن قبل، وأيهن جاء لم ينفع نفساً ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً، الدابة، وياجوج، ومأجوج، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وعيسى بن مريم عليه السلام.

ما ذكر من المحصب وحدوده

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: المحصب ليس بشيء انما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال سفيان عن عمرو بن دينار عن صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار عن أبي رافع وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح ولكن ضربت فيه قبته فجاء فنزل، قال سفيان: ثم سمعته من صالح بن كيسان بعد ذلك فحدث بمثله، قال: أخبرنا سفيان أخبرنا عمرو بن دينار اذهبوا إلى صالح بن كيسان فاسئلوه عن حديث يذكره في المحصب، وقدم معتمراً فجئناه فحدثنا به، وكان عمرو قد حدثنا به عنه، وبه حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر إن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم لم تكونا تحصبان، حدثنا أبو الوليد حدثنا جدي حدثنا الزنجي عن ابن جريج قال قال عطاء: لا تحصب ليلتئذ انما هو مناخ الركبان قال: وكان أهل الجاهلية يحصبون، قال ابن جريج: وكنت أسمع الناس يقولون لعطاء: انما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ المحصب ينتظر عائشة فيقول: لا، ولكن انما هو مناخ للركبان فيقول: من شاء حصب ومن شاء لم يحصب.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت: انما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل به لأنه كان أسمح لخروجه حين يخرج فمن شاء نزله، ومن شاء تركه، وحد المحصب من الحجون مصعداً في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى إلى حايط خرمان مرتفعاً عن بطن الوادي، فذلك كله المحصب وربما كان الناس يكثرون حتى يكونوا في بطن الوادي، قال أبو محمد الخزاعي: الحجون الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة على يمينك وأنت مصعد، وهو أيضاً مشرف على شعب الجزارين في أصله دار ابن أبي ذر إلى موضع القبة بمسجد سلسبيل أم زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر.

ذكر منزل النبي عام الفتح

بعد الهجرة وتركه دخول بيوت مكة بعد الهجرة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أين تنزل بمكة ? قال: وهل ترك لنا عقيل بمكة من ظل ? حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما سكن المدينة كان لا يدخل بيوت مكة، قال: كان إذا طاف بالبيت انطلق إلى أعلى مكة فاضطرب به الأبنية، قال عطاء: في حجته فعل ذلك أيضاً، ونزل أعلى مكة قبل التعريف، وليلة النفر نزل أعلى الوادي.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جد عن محمد بن ادريس عن محمد بن عمر عن معاوية بن عبد الله بن عبيد الله عن أبيه عن أبي رافع قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: ألا تنزل منزلك بالشعب ? قال: وهل ترك لنا عقيل منزلاً ? قال: وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنازل اخوته من الرجال والنساء بمكة حين هاجروا ومنزل كل من هاجر من بني هاشم، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فانزل في بعض بيوت مكة في غير منزلك، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أدخل البيوت فلم يزل مضطرباً بالحجون لم يدخل بيتاً، وكان يأتي المسجد من الحجون، وبه عن محمد بن ادريس عن محمد بن عمر عن أبي سبرة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً بالحجون في الفتح يأتي لكل صلاة، وبه عن محمد بن ادريس عن محمد بن عمر عن ابن أبي ذيب عن المقبري عن أبي مرة مولى عقيل عن أم هاني بنت أبي طالب قالت: ذهبت إلى خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فلم أجده، ووجدت فيه فاطمة، فقلت: ماذا لقيت من ابن أمي ? علي أجرت حموين لي من المشركين ? فتفلت عليهما ليقتلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان ذلك له، قد آمنا من آمنت، وأجرنا من أجرت، ثم أمر فاطمة فسكبت له غسلاً فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات في نوب واحد ملتحفاً به، وذلك ضحى في يوم فتح مكة وكان الذي أجارت أم هاني يوم الفتح عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، والحارث ابن هشام بن المغيرة كلاهما من بني مخزوم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله: أين منزلك غداً ? قال: وذلك في حجته، قال: وهل ترك لنا عقيل منزلاً ? قال: ونحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة يعني المحصب حيث تقاسمت قريش على الكفر، وذلك إن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يوارثوهم إلا أبا لهب فإنه لم يدخل الشعب مع بني هاشم وتركته قريش لما تعلم من عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت بنو هاشم كلها مسلمها وكافرها يحتمي للنبي صلى الله عليه وسلم الا أبا لهب، قال أسامة: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن عبد الله بن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قدمنا مكة إن شاء الله تعالى نزلنا بالخيف الذي تحالفوا علينا فيه، قال ابن جريج: قلت لعثمان: أي حلف ? قال: الأحزاب، وبه عن الزنجي عن ابن جريج عن عطاء إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل بيوت مكة بعد أن سكن المدينة، قال: كان إذا طاف بالبيت انطلق إلى أعلى مكة فضرب به الأبنية؛ قال عطاء: وفعل ذلك في حجته أيضاً نزل بأعلى مكة قبل التعريف، وليلة الصدر نزل بأعلى الوادي.

من كره كراء بيوت مكة

وما جاء في بيع رباعها ومنع تبويب دورها، واخراج الرقيق والدواب منها

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم قال: حدثني عمر بن سعيد بن أبي حسين قال: حدثني عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال: كانت الدور والمساكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ما تكرى ولا تباع ولا تدعا إلا السوايب، من احتاج سكن، ومن استغنى اسكن، قال يحيى: قلت لعمرو بن سعيد: فإنك تكري، قال: قد أحل الله الميتة للمضطر إليها حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن عبيد الله بن أبي زياد عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: من أكل كراء بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه ناراً.
حدثنا أبو الوليد حدثني قال جدي حدثنا يحيى بن سليم حدثنا عبد الله بن صفوان الوهطي قال: سمعت أبي يقول: بلغني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ساكن مكة حياً من العرب، فكانوا يكرون الظلال، ويبيعون الماء فابدلها الله تعالى بهم قريشاً فكانوا يظلون في الظلال، ويسقون الماء.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن حماد بن شعيب الكوفي عن الأعمش عن مجاهد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع رباع مكة وعن أجر بيوتها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: كان عطاء ينهي عن الكراء في الحرم، قال ابن جريج: قرأت كتاباً من عمر بن عبد العزيز إلى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وهو عامله على مكة يأمره أن لا يكرى بمكة شيء، قال ابن جريج أخبرني عطاء إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينهي ان تبوب أبواب دور مكة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيد قال: بلغني إن مجاهداً كان يقول: الكراء بمكة نار، وقال أبي: سمعت عبد الكريم بن أبي المخارق يقول: لا تباع تربتها، ولا يكرى ظلها يعني مكة وقال: اني قدمت مكة سنة ماية وعليها عبد العزيز بن عبد الله أميراً فقدم عليه كتاب من عمر بن عبد العزيز ينهي عن كراء بيوت مكة ويأمره بتسوية منى، قال: فجعل الناس يدسون إليهم الكراء سراً ويسكنون، قال وقال أبي: حدثني إسماعيل بن أمية عن رجل من قريش أنه قال: لقد أدركت الناس وإن الركبان يقدمون فيبتدرهم من شاء الله من أهل مكة أيهم ينزلهم، ثم نحن اليوم نبتدرهم أينا يكريهم حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي حدثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن أمية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج الرقيق والدواب من مكة ولم يدع أحداً يبوب داره بمكة، حتى استأذنته هند بنت سهيل وقالت: انما أريد بذلك أحراز متاع الحاج وظهرهم فأذن لها فعملت بابين على دارها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس إن ابن صفوان قال له: كيف وجدتم امارة الأحلاف فيكم ? قال: التي قبلها خير منها، قال فقال ابن صفوان: فإن عمر قال كذا لشيء لم يذكره سفيان، قال ابن عباس: اسنة عمر تريد هيهات هيهات تركت والله سنة عمر شرقاً ومغرباً، قضى عمر ان أسفل الوادي وأعلاه مناخ للحاج، وإن أجياد وقعيقعان للمريحين والذاهب، واتخذتها أنت وصاحبك دوراً وقصوراً.

من لم ير بكرائها وبيع رباعها بأسا


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي عن إبراهيم عن علقمة بن نضلة قال: وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحذاءين فضرب برجله فقال: سنام الأرض إن لها سناماً يزعم ابن فرقد يعني عتبة بن فرقد السلمي اني لا أعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجني وتجني ثنية قريب من الطائف، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إن أبا سفيان لقديم الظلم، ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس قال قيل لصفوان بن أمية وهو بأعلى مكة: انه لا دين لمن لا يهاجر، فقال: لا أصل إلى منزلي حتى آتي المدينة؛ فقدم المدينة فنزل على العباس رضي الله عنه، ثم أتى المسجد فنام ووضع خميصة له تحت رأسه فأتاه سارق فسرقها، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به أن تقطع يده، فقال: يا رسول الله هي له، قال: فهل لا كان ذلك قبل أن تأتيني به ? فقال: ما جاء بك، قال قيل: انه لا دين لمن لم يهاجر، قال: ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة فقروا على سكناتكم فقد انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ إن نافع بن عبد الحارث ابتاع من صفوان ابن أمية دار السجن وهي دار أم وايل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر فالبيع له، وإن لم يرض فلصفوان أربعماية درهم: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج أخبرني هشام بن حجير عن طاوس قال: الله يعلم اني سألته عن مسكن لي، فقال: كل كراه يعني مكة قال ابن جريج: وكان عمرو بن دينار لا يرى به بأساً، قال: وكيف يكون به بأس ? والربع يباع ويوكل ثمنه، وقد ابتاع عمر رضي الله عنه دار السجن بأربعة آلاف درهم وأعربوا فيها أربعماية عمرو القايل، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواد عن أبيه قال: بلغني أن طاوساً وعمرو بن دينار كانا لا يريان بكراء بيوت مكة بأساً، قال عبد العزيز ابن أبي رواد: وذكر لعمرو بن دينار قول عبد الكريم بن أبي المخارق: لا تباع تربتها، ولا يكرى ظلها، فقال: جاءوا به يا خراساني على الروي.

سيول وادي مكة في الجاهلية

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى حدثنا عبد العزيز ابن عمران عن محمد بن عبد العزيز إن وادي مكة سال في الجاهلية سيلاً عظيماً وخزاعة تلي الكعبة وإن ذلك السيل هجم على أهل مكة فدخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة ورمى بالشجر بأسفل مكة وجاء برجل وامرأة ميتين فعرفت المرأة كانت تكون بأعلى مكة، يقال لها فارة، ولم يعرف الرجل، فبنت خزاعة حول البيت بناء أداروه عليه وأدخلوا الحجر فيه ليحصنوا البيت من السيل فلم يزل ذلك البناء على حاله حتى بنت قريش الكعبة فسمي ذلك السيل سيل فارة وسمعت انها امرأة من بني بكر.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: حدثني أبي عن جدي قال: جاء سيل في الجاهلية كسا ما بين الجبلين.

سيول وادي مكة في الإسلام
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: وسال وادي مكة في الاسلام بأسيال عظام مشهورة عند أهل مكة، منها سيل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال له سيل أم نهشل أقبل السيل حتى دخل المسجد الحرام من الوادي ومن أعلى مكة من طريق الردم وبين الدارين وكان ذلك السيل ذهب بأم نهشل بنت عبيد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس حتى استخرجت منه بأسفل مكة فسمي سيل أم نهشل واقتلع السيل المقام مقام إبراهيم عليه السلام وذهب به حتى وجد بأسفل مكة وغبي مكانه الذي كان فيه فأخذ وربط بلصق الكعبة بأستارها وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك، فجاء فزعاً حتى رد المقام مكانه وقد كتبت ذكر رده إياه وكيف كان في صدر كتابنا هذا مع ذكر المقام، فعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تلك السنة الردم الذي يقال له: ردم عمر، وهو الردم الأعلى من عند دار جحش ابن رئاب التي يقال لها: دار ابان بن عثمان إلى دار ببة فبناه بالضفاير والصخر العظام وكبسه فسمعت جدي يذكر انه لم يعله سيل منذ ردمه عمر إلى اليوم وقد جاءت بعد ذلك أسيال عظام كل ذلك لا يعلوه منها شيء.

ذكر سيل الجحاف وما جاء في ذلك

قال أبو الوليد: وكان سيل الجحاف في سنة ثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان صح الحاج يوماً وذلك يوم التروية وهم آمنون غارون قد نزلوا في وادي مكة واضطربوا الأبنية ولم يكن عليهم من المطر إلا شيء يسير، إنما كانت السماء في صدر الوادي وكان عليهم رشاش من ذلك، قال أبو الوليد قال جدي: فحدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: لم يكن المطر عام الجحاف على مكة إلا شيئاً يسيراً، وإنما كانت شدته بأعلى الوادي، قال: فصبحهم يوم التروية بالغبش قبل صلاة الصبح فذهب بهم وبمتاعهم ودخل المسجد، وأحاط بالكعبة، وجاء دفعة واحدة، وهدم الدور الشوارع على الوادي؛ وقتل الهدم ناساً كثيراً، ورقي الناس في الجبال؛ واعتصموا بها، فسمي بذلك الجحاف وقال فيه عبد الله بن أبي عمارة:

لم تر عيني مثل يوم الاثنين

 

أكثر محزوناً وأبكى للعين

إذ خرج المخبئات يسعـين

 

سوانداً في الجبلين يرقين

فكتب في ذلك إلى عبد الملك بن مروان ففزع لذلك وبعث بمال عظيم وكتب إلى عامله على مكة عبد الله بن سفيان المخزومي، ويقال: بل كان عامله الحارث بن خالد المخزومي يأمره بعمل ضفاير للدور الشارعة على الوادي للناس من المال الذي بعث به وعمل ردماً على أفواه السكك يحصن بها دور الناس من السيول، وبعث رجلاً نصرانياً مهندساً في عمل ضفاير المسجد الحرام، وضفاير الدور في جنبتي الوادي وكان من ذلك الردم الذي يقال له: ردم الحزامية على فوهة خط الحزامية والردم الذي يقال له: ردم بني جمح وليس لهم ولكنه لبني قراد الفهريين فغلب عليه ردم بني جمح وله يقول الشاعر:

سأملك عبرة وأفيض أخرى

 

إذا جاوزت ردم بني قراد


قال: فأمر عامله بالصخر العظام فنقلت على العجل وحفر الأرباض دون دور الناس فبناها وأحكمها من المال الذي بعث به، قالوا: وكانت الابل والثيران تجر تلك العجل حتى ربما أنفق في المسكن الصغير لبعض الناس مثل ثمنه مراراً؛ ومن تلك الضفاير أشياء إلى اليوم قايمة على حالها من دار ابان بن عثمان التي هي عند ردم عمر هلم جرا إلى دار ابن الجوار فتلك الضفاير التي في أرباض تلك الدور كلها مما عمل من ذلك المال، ومن ردم بني جمح منحدراً في الشق الأيسر إلى أسفل مكة وأشياء من ذلك هي أيضاً على حالها، وأما ضفاير دار أويس التي بأسفل مكة ببطح نحر الوادي فقد اختلف علينا في أمرها فقال بعضهم: هي من عمل عبد الملك؛ وقال آخرون: لا، بل هي من عمل معاوية بن أبي سفيان وهو أثبتهما عندنا، وكان قد جاء بعد ذلك سيل يقال له: سيل المخبل في سنة أربع وثمانين أصاب الناس عقبه مرض شديد في أجسادهم، وألسنتهم، أصابهم منه شبه الخبل، فسمي سيل المخبل، وكان عظيماً دخل المسجد الحرام، وأحاط بالكعبة، وكان بعد ذلك أيضاً سيل عظيم في سنة أربع وثمانين وماية، وحماد البربري أمير على مكة، دخل المسجد الحرام وذهب بالناس وأمتعتهم وغرق الوادي في أثره في خلافة الرشيد هارون، وجاء سيل في سنة اثنتين ومايتين في خلافة المأمون وعلى مكة يزيد بن محمد بن حنظلة المخزومي خليفة لحمدون بن علي بن عيسى بن ماهان فدخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة وكان دون الحجر الأسود بذراع ورفع المقام عن مكانه لما خيف عليه أن يذهب به السيل، وهدم دوراً من دور الناس وذهب بناس كثير، وأصاب الناس بعده مرض شديد من وباء وموت فاش فسمي ذلك السيل سيل ابن حنظلة، ثم جاء بعد ذلك في خلافة المأمون سيل وهو أعظم من سيل ابن حنظلة في سنة ثمان ومايتين في شوال جاء والناس غافلون فامتلأ السد الذي بالثقبة فلما فاض انهدم السد فجاء السيل الذي اجتمع فيه مع سيل السدرة وسيل ما أقبل من منى فاجتمع ذلك كله فجاء جملة فاقتحم المسجد الحرام، وأحاط بالكعبه وبلغ الحجر الأسود، ورفع المقام من مكانه لما خيف عليه ان يذهب به، فكبس المسجد والوادي بالطين والبطحاء، وقلع صناديق الأسواق ومقاعدهم وألقاها بأسفل مكة، وذهب بأناس كثير، وهدم دوراً كثيرة مما أشرف على الوادي، وكان أمير مكة يومئذ عبد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وعلى بريد مكة وصوافيها مبارك الطبري، وكان وافى تلك السنة العمرة في شهر رمضان قوم من الحاج من أهل خراسان وغيرهم كثير، فلما رأى الناس من الحاج وأهل مكة ما في المسجد من الطين والتراب اجتمع الناس فكانوا يعملون بأيديهم، ويستأجرون من أموالهم حتى كانت النساء بالليل والعواتق يخرجن فينقلن التراب التماس الأجر والبركة، حتى رفع من المسجد الحرام ونقل ما فيه فرفع ذلك إلى المأمون فأرسل بمال عظيم فأمر أن يعمل به في المسجد، ويبطح، ويعزق وادي مكة، فعزق منه وادي مكة، وعمر المسجد الحرام وبطح ثم لم يعزق وادي مكة حتى كانت سنة سبع وثلاثين ومايتين فأمرت أم أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله باثني عشر ألف دينار لعزقه، فعزق بها عزقاً مستوعباً.

ما ذكر من أمر الوقود بمكة

ليلة هلال شهر المحرم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الله ابن عمير عن عطاء بن أبي رباح إن عمر بن عبد العزيز أمر أهل مكة أن يوقدوا ليلة هلال المحرم للحاج مخافة السرق حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن مزاحم عن كلثوم ابن جبر أن عمر بن عبد العزيز قال: يا أهل مكة أوقدوا ليلة هلال المحرم لرحيل الحاج يحذر عليهم السرق .

ما جاء في منزل رسول الله

صلى الله عليه وسلم بمنى وحدود منى

 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج قال قلت لعطاء: أين منى ? قال: من العقبة إلى محسر، قال عطاء: فلا أحب أن ينزل أحد إلا فيما بين العقبة إلى محسر، حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال: أخبرنا نافع قال: كان ابن عمر يقول قال عمر: لا يبيتن أحد من الحاج وراء العقبة، حتى يكونوا بمنى ويبعث من يدخل من ينزل من الأعراب من وراء العقبة حتى يكون بمنى، وبه أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قال عطاء: سمعنا انه يكره أن ينزل أحد دون العقبة هلم إلينا يعني إلى مكة .

موضع منزل النبي

صلى الله عليه وسلم بمنى ومنازل أصحابه رضي الله عنهم

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس قال: كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على يسار مصلى الامام، وكان ينزل أزواجه موضع دار الامارة، وكان ينزل الأنصار خلف دار الامارة، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أن أنزلوا ها هنا وها هنا، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن حميد بن قيس عن محمد بن الحارث التيمي عن رجل من قومه يقال له: معاذ أو ابن معاذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الناس مناسكهم بمنى، قال: ففتح الله أسماعنا حتى انا لنسمعه ونحن في رحالنا قال: ينزل المهاجرون شعب المهاجرين، وينزل الأنصار الشعب بمنى الذي من وراء دار الامارة، ونزل الناس منازلهم، قال: وارموا بمثل حصى الخذف، حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق قال: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه زيد بن صوجان، أين منزلك بمنى ? قال في الشق الأيسر، قال عمر: ذلك منزل الداج فلا تنزله، قال سفيان: ثم يقول عمر: ومنزلي منزل الداج، والداج هم التجار.

باب ما ذكر من النزول بمنى

وأين نزل النبي صلى الله عليه وسلم منها

حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قدمنا مكة إن شاء الله تعالى نزلنا بالخيف والخيف مسجد منى الذي تحالفوا فيه علينا قلت لعثمان: أي حلف ? قال: الأحزاب، قال عثمان ابن أبي سليمان، عن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر قال: كان منزلنا بمنى يريد منزل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الصخرة التي عليها المنارة.

ما ذكر من البناء بمنى

وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي قال: حدثني سفيان عن إسماعيل بن أمية أن عائشة أم المؤمنين استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء كنيف بمنى، فلم يأذن لها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: قدمت مكة سنة ماية وعليها عبد العزيز ابن عبد الله بن خالد بن أسيد أميراً فقدم عليه كتاب من عمر بن عبد العزيز ينهي عن كراء بيوت مكة ويأمر بتسوية منى فجعل الناس يدسون إليهم الكراء سراً ويسكنون.

ما جاء في مسجد الخيف

وفضل الصلاة فيه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد ومحمد بن أبي عمر العدني قالا: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال: صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً، كلهم مخطمون بالليف؛ قال مروان: يعني رواحلهم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن حصيف عن مجاهد انه قال: حج خمسة وسبعون نبياً كلهم قد طاف بالبيت وصلى في مسجد منى، فإن استطعت أن لا تفوتك صلاة في مسجد منى فافعل، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال سمعت أبا هريرة يقول: لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد منى كل سبت، وبه عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية أن خالد بن مضرس أخبره انه رأى أشياخاً من الأنصار يتحرون مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام المنارة، قريباً منها، قال جدي: الأحجار التي بين يدي المنارة، وهي موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم لم نزل نرى الناس وأهل العلم يصلون هنالك ويقال له: مسجد العيشومة، وفيه عيشومة أبداً خضراء في الجذب والخضب بين حجرين من القبلة وتلك العيشومة قديمة لم تزل ثم.

ما جاء في مسجد الكبش

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال: الصخرة التي بمنى التي بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم عليه السلام فداء ابنه إسحاق، هبط عليه من ثبير كبش أعين، أقرن، له ثعاء فذبحه، قال: وهو الكبش الذي قربه ابن آدم عليه السلام فتقبل منه كان مخزوناً حتى فدى به إسحاق، وكان ابن آدم الآخر قرب حرثاً فلم يتقبل منه، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه قال: لما فدى الله إسماعيل عليه السلام بالذبح نظر إبراهيم فإذا الكبش منهبطاً من ثبير على العرق الأبيض الذي يلي باب شعب علي رضي الله عنه، فخلى إسماعيل وسعى يتلقى الكبش ليأخذه، فحاد عنه فلم يزل يعرض له ويرده حتى أخذه على أقيصر وهو الصفا الذي بأصل الجبل على باب شعب علي الذي يقال: بنت عليه لبابة بنت علي بن عبد الله بن عباس المسجد الذي يقال له: مسجد الكبش، ثم اقتاده إبراهيم حتى ذبحه في المنحر، ولقد سمعت من نذكر انه ذبحه على أقيصر.

من أول من رمى الجمار

وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج أخبرني خصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد انه حدثه قال: لما قال إبراهيم عليه السلام ربنا أرنا مناسكنا أمر أن يرفع القواعد من البيت، ثم أري الصفا والمروة؛ وقيل هذا من شعاير الله، ثم خرج به جبريل فلما مر بجمرة العقبة إذا بابليس، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة الثانية، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة القصوى، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم انطلق إلى المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة، فقال له جبريل: هل عرفت ما أريتك ثلاث مرات? قال نعم، قال: فاذن في الناس بالحج قال: كيف أقول ? قال قل: "يأيها الناس أجيبوا ربكم" ثلاث مرات، قالوا: لبيك اللهم لبيك، قال: فمن أجاب إبراهيم يومئذ فهو حاج، قال خصيف قال لي مجاهد: حين حدثني بهذا الحديث أهل القدر لا يصدقون بهذا الحديث.

في أول من نصب الأصنام بمنى

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق ان عمرو بن لحى نصب بمنى سبعة أصنام، نصب صنما على القرين الذي بين مسجد منى والجمرة الأولى على بعض الطريق، ونصب على الجمرة الأولى صنما، وعلى المدعا صنما، وعلى الجمرة الوسطى صنما، ونصب على شفير الوادي صنما، وفوق الجمرة العظمى صنما؛ وعلى الجمرة العظمى صنما وقسم عليهن حصى الجمار احدى وعشرين حصاة يرمى كل وثن منها بثلاث حصيات، ويقال للوثن حين يرمى: أنت أكبر من فلان، الصنم الذي يرمى قبله.

في رفع حصى الجمار

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: قلت له: يا با الطفيل هذه الجمار ترمى في الجاهلية والاسلام كيف لا تكون هضابا تسد الطريق ? قال: سألت عنها ابن عباس فقال: إن الله تعالى وكل بها ملكاً فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي المغيرة عن ابن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري قال: ما تقبل من الحصى رفع يعني حصى الجمار .
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن خيثم قال: سألت أبا الطفيل قلت: هذه الجمار ترمى منذ كان الاسلام، كيف لا تكون هضاباً تسد الطريق ? فقال أبو الطفيل: سألت عنها ابن عباس فقال: إن الله تعالى وكل بها ملكاً فما تقبل منه رفع وما لم يتقبل منه ترك.

في ذكر حصى الجمار

كيف يرمى به

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن مسلم بن هرمز انه سمع سعيد بن جبير يقول: انما الحصى قربان فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه فهو الذي يبقى، وبه عن ابن جريج قال: أخبرت إن نفيعاً كان جالساً عند ابن عمر إذ قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نترايا في الجاهلية من الحصى والمسلمون اليوم أكثر ثم انه لضحضاح، فقال ابن عمر: انه والله ما قبل الله من امرئ حجة إلا رفع حصاه.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال عطاء: ثم سألت ابن عباس فقلت: يا با عباس اني توسطت الجمرة فرميت بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فوالله ما وجدت له مسا، فقال ابن عباس: ما من عبد إلا وهو موكل به ملك يمنعه مما لم يقدر عليه، فإذا جاء القدر لم يستطع منعه منه والله ما قبل الله من امرئ حجة إلا رفع حصاه.

من أين ترمى الجمرة

وما يدعى عندها وما جاء في ذلك

حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال عطاء: ارم الجمرة من المسيل ولم يكن يوجبه، قال: ثم ارجع من أسفل من المسيل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع، قال: فإن دهمك الناس فارمها من حيث شئت فلا بأس ولا حرج، قلت لعطاء: من أين أرمي السفليين ? قال: أعلهما كما يصنع من أقبل من أسفل منى، قال: فإن دهمك الناس فارمهما من فرعهما ولم يكن يوجبه، قال: فإن كثر عليك الناس فلا حجر من أي نواحيها رميتها، قال عطاء: ولا يضرك أي طريق سلكت نحو الجمرة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني هارون عن ابن أبي عائشة عن عدي بن عدي عن سليمان بن ربيعة الباهلي قال: نظرنا عمر رضي الله عنه يوم النفر الأول فخرج علينا ولحيته تقطر ماء، في يده حصيات، وفي حجره حصيات، ماشياً يكبر في طريقه حتى رمى الجمرة الأولى، ثم مضى حتى انقطع من فضض الحصى وحيث لا يناله حصى من رمى فدعا ساعة ثم مضى إلى الجمرة الوسطى ثم الأخرى، قال ابن جريج قال عطاء: وإذا رميت قمت عند الجمرتين السفليين، قلت: حيث يقوم الناس الآن، قال: نعم فدعوت بما بدا لك ولم أسمع بدعاء معلوم في ذلك، قلت: الا يقام عند التي عند العقبة ? قال: لا، ولا يقام عند شيء من الجمار يوم النفر، قلت: أبلغك ذلك عن ثبت، قال: نعم، وحق سنة على الراكب والراجل والمرأة والناس أجمعين القيام عند الجمرتين القصويين، قال ابن جريج: وأخبرني نافع ان ابن عمر كان يقوم عند الجمرتين القصويين من مكة، ولا يقوم عند التي عند العقبة، قال: فيقوم عندهما فيطيل القيام ويكبر ويدعو، قال ابن جريج قال لي عطاء: رأيت ابن عمر يقوم عند الجمرتين قدر ما كنت قاريا سورة البقرة، قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن عثمان بن خيثم أخبرني محمد بن الأسود بن خلف قال: أدركت الناس يتزودون الماء في الأدوات إلى الجمار من طول القيام، قال ابن خيثم: وأخبرني سعيد بن جبير انه رمى مع ابن عباس فوقف عند الجمرتين قدر قراءة سورة من السبع، فقلت له: يا أبا عبد الله ابن خيثم القايل إن من الناس من يبطي، ومنهم من يسرع، قال: قدر قراءتي، قلت: فإنك من أسرع الناس قراءة، قال: كذلك حزيت، قال ابن خيثم: وأخبرت عن الأزدي خبر سعيد بن جبير اياي فقال: كذلك أحزي قيامي بقدر سورة من السبع، قال ابن جريج قلت لعطاء: استقبل البيت في الدعاء عند الجمرتين؛ فقال لي ما قال لي في الموقف بعرفة آخر ما ذاكرت عطاء في هذا الباب شاهد قوله حزيت، حدثنا أبو الوليد قال جدي: أنشدني مسلم ابن خالد عند قوله: حزيت لأبي ذويب الهذلي:

فلو كان حولي حازيان وطارق

 

وعلق انجاسا على المنجـس

إذا لأتتني حيث كنت منـيتـي

 

تحث بها هاد إلى منـقـرس

ما ذكر من اتساع منى أيام الحج

 ولما سميت منى، وأسماء جبالها، وشعابها

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى أخبرنا سليم بن مسلم عن عبيد الله ابن أبي زياد عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن عباس يسأل عن منى ويقال له: عجبا لضيقه في غير الحج، فقال ابن عباس: إن منى يتسع بأهله كما يتسع الرحم للولد.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أبو عبد الله يعني ابن عمر عن الكلبي إن ابن عباس رضي الله عنه قال: انما سميت منى منى لأن جبريل حين أراد أن يفارق آدم عليه السلام قال له: تمن، قال: أتمنى الجنة، فسميت منى لأمنية آدم عليه السلام، حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني محمد بن يحيى عن عبد الله بن أبي الوزير عمر بن مطرف عن أبيه قال: انما سميت منى لما يمنى فيها من الدماء، قال أبو الوليد: اسم الجبل الذي مسجد الخيف بأصله الصفايح واسم الجبل الذي في وجاهه على يسارك إذا أتيت من مكة القابل، وهو من الانبرة، وقال بعض أهل العلم: انما سميت منى لما يمنى فيها من الدماء، قال تمنى تقدر، قال الشاعر:

منت لك ان تلاقيك المنـايا

 

أحاد أحاد في الشهر الحلال

ويروى منى لك أن تلاقيني، قال أبو محمد الخزاعي: أخبرنا أحمد بن عمر قال: أخبرني عبد الحميد بن أبي غسان قال قال الكلبي: انما سميت الجمار الجمار لأن آدم عليه السلام كان يرمي ابليس فيجمر من بين يديه والاجمار الاشراع قال لبيد بن ربيعة:

وإذا حركت غرزي أجمرت

 

أو قرابي عدو جون قد ابل

قد ابل أي قد أكل الربل والابل التي تأكل الربل يقال: ابل بلولة.
قال الفرزدق:

وكنت أرى ان قـد سـمـعـت نـدائي

 

ولو نأت على أثري ان يجمروني وراءيا

يقول: كنت أرى ان قد سمعت ندائي ولو نأت نفسي أن يجمروني وراءيا، قال أحمد بن عمرو: وأنشدني رجل من أهل فارس في أبيات يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم

يا أيها الرجل الذي تهوى بـه

 

وجناء مجمرة المناسم عرمس

ما جاء في صفة مسجد منى وذرعه وأبوابه


حدثنا أبو الوليد قال: ذرع مسجد الخيف من وجهه في طوله من حدقه التي تلي دار الامارة إلى حدته التي تلي عرفة مايتا ذراع وثلاثة وتسعون ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، ومن حدته التي تلي الطريق السفلى في عرضه إلى حدته التي تلي الجبل مايتا ذراع وأربعة أذرع واثنتا عشرة اصبعاً وطوله مما يلي الجبل من حدته السفلى إلى حدته التي تلي دار الامارة مايتا ذراع وأربعة وستون ذراعاً وثمان عشرة اصبعاً، وعرضه مما يلي دار الامارة مايتا ذراع، وفي قبلة المسجد مما يلي دار الامارة ثلاث ظلال، وفي شقه الذي يلي الطريق ظلة واحدة، وفي شقه الذي يلي أسفل منى ظلة واحدة، وفي شقه الذي أسفل منى ظلة واحدة، وفي شقه الذي يلي الجبل ظلة واحدة، وفيه من الأساطين ماية وثمان وستون اسطوانة، منها في القبلة ثمان وسبعون مما يلي بطن المسجد من ذلك أربع وعشرون، وفي شقه الأيمن أربع وثلاثون، وفي أسفله وهو الذي يلي عرفات خمس وعشرون، وفي شقه الأيمن أربع وثلاثون، وفي أسفله وهو الذي يلي عرفات خمس وعشرون، وفي شقه الأيسر الذي يلي الجبل احدى وثلاثون، منها واحدة في الظلة، وعلى الأساطين من الطاقات ماية طاقة وتسع عشرة طاقة منها في القبلة سبع وعشرون، ومنها في بطن المسجد ثلاث وعشرون، ومنها في الشق الأيمن خمس وثلاثون، ومنها في الشق الذي يلي عرفات أربع وعشرون، ومنها في الجانب الذي يلي الجبل ثلاث وثلاثون، طول الطاقات في السماء تسعة أذرع واثنتا عشرة اصبعاً، وما بين كل اسطوانتين خمسة أذرع واثنتا عشرة اصبعاً، وبعضها يزيد وينقص في طول الطاقات وما بين الأساطين، وعلى الأساطين الداخلة في الظلال جوايز خشب دوم طول كل اسطوانة في السماء أحد عشر ذراعاً، وطول السقف في السماء اثنا عشر ذراعاً، وفيه من القناديل ماية قنديل واحد وسبعون قنديلاً، منها في القبلة أحد وثمانون قنديلاً، ومنها في الشق الأيمن خمسة وثلاثون، ومنها في الشق الذي يلي عرفات أربعة وعشرون، ومنها في الشق الذي يلي الجبل أحد وثلاثون، وذرع عرض الظلال من أوسطها الظلة التي تلي القبلة سبعة وثلاثون ذراعاً، وعرض الظلة التي تلي الشق الأيمن اثنا عشر ذراعاً، وعرض الظلة التي تلي عرفات عشرة أذرع، وعرض الظلة التي تلي الجبل أحد عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وفي وسط المسجد منارة مربعة عرضها ستة أذرع واثنتا عشرة اصبعاً في مثله، وطولها في السماء أربعة وعشرون ذراعاً، وفيها من الدرج احدى وأربعون درجة من ذلك من خارج درجتان، وفيها ثمان مستراحات، وفيها ثمان كواء، وبابها طاق، وفوقها ثمان شرافات في كل وجه شرافتان، وذرع ما بين المنارة إلى قبلة المسجد ماية ذراع وتسعة وعشرون ذراعاً، ومن المنارة إلى الجدر الذي يلي عرفات ماية ذراع وعشرة أذرع، ومن المنارة إلى الجدر الذي يلي الطريق أحد وتسعون ذراعاً اثنتا عشرة اصبعاً، ومن المنارة إلى الجدر الذي يلي الجبل تسعون ذراعاً واثنتا عشرة أصبعاً وفي المسجد سقاية طولها خمسون ذراعاً، ودخولها في الأرض تسعة أذرع، وعرضها خمسة أذرع؛ ولها بابان عليهما باب ساج وهي بين المنارة وبين الجدر الذي يلي الطريق، وفي زاوية مؤخر المسجد الذي يلي الطريق درجة مربعة يصعد فيها إلى سطوح المسجد طولها خمسة عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وفيها من الدرج سبع وثلاثون درجة، وفيها من المستراحات تسع، ومن الكواء عشر وبابها طاق في ظلة المسجد التي تلي عرفات، وعلى درجات المسجد من خارج ثلاثماية وثلاث وخمسون شرافة ونصف شرافة، منها على جدر القبلة سبع وسبعون، ومنها على الجدر الذي يلي الطريق ماية وثلاث شرافات ونصف، ومنها على الجدر الذي يلي عرفة سبعون، ومنها على الجدر الذي يلي الجبل ماية وثلاث شرافات وعلى جدرات المسجد من داخل من الشرف ثلاثماية وثمان وعشرون، منها على جدر القبلة أربع وستون، ومنها على الجدر الذي يلي الطريق خمس وثمانون، ومنها على الجدر الذي يلي عرفات أربع وتسعون، ومنها على الجدر الذي يلي الجبل خمس وثمانون، وعلى جدرات المسجد من الميازيب من داخل وخارج ستة وثمانون، منها مما يلي دار الامارة خمسة عشر، ومنها مما يلي الطريق أربعة وعشرون، ومنها مما يلي عرفة تسعة، ومنها مما يلي الجبل خمسة عشر، ومنها في بطن المسجد مما يلي دار الامارة اثنان وعشرون، وفي الجدر الذي يلي الجبل واحد، وذرع طول  
جدرات المسجد من نواحيه من داخل اثنا عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وبعضها يزيد وينقص، وذرع جدرات المسجد من خارج ثلاثة عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وطول الجدر الذي يلي عرفة أحد عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وذرع طول الجدر الذي يلي الجبل تسعة أذرع، وطول الجدر الذي يلي دار الامارة اثنا عشر ذراعاً. المسجد من نواحيه من داخل اثنا عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وبعضها يزيد وينقص، وذرع جدرات المسجد من خارج ثلاثة عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وطول الجدر الذي يلي عرفة أحد عشر ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وذرع طول الجدر الذي يلي الجبل تسعة أذرع، وطول الجدر الذي يلي دار الامارة اثنا عشر ذراعاً.

ذكر سعة مسجد منى وتكسيره

قال أبو الوليد: طول المسجد من حد الطاقات التي تلي القبلة إلى حد الطاقات التي تلي عرفة من وسطه ماية ذراع واحد وثلاثون ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وعرضه من حد الظلة التي تلي الطريق إلى الظلة التي تلي الجبل ماية ذراع وستة وستون ذراعاً وسبع أصابع، يكون تكسيره أحد وعشرون ألف ذراع وثمانماية وسبعة وستون ذراعاً وثلاث أصابع، وذرع طوله من وسطه من دار الامارة إلى الجدر الذي يلي عرفات مايتا ذراع وثمانون ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، وعرضه من وسط الجدر الذي يلي الطريق إلى الجدر الذي يلي الجبل ماية ذراع وتسعة وثمانون ذراعاً وتسع أصابع يكون مكسراً ثلاثة وخمسون ألفاً وستة وتسعون ذراعاً وربع ذراع.

صفة أبواب مسجد الخيف وذرعها

قال أبو الوليد: فيه عشرون باباً، منها في الجدر الذي يلي الطريق تسعة أبواب شارعة في الرحبة على السوق طول كل باب منها ثمانية أذرع واثنتا عشرة اصبعاً، وعرض كل باب خمسة أذرع وبعضها يزيد وينقص في العرض، ومنها في الجدر الذي يلي عرفات خمسة طول كل باب منها ثمانية أذرع واثنتا عشرة أصبعاً، وعرض كل باب خمسة أذرع، وبعضها يزيد وينقص في العرض، ومنها في الجدر الذي يلي الجبل أربعة أبواب منها ثلاثة أبواب طول كل باب منها ثمانية أذرع وعرض الباب الأول منها خمسة أذرع، وعرض الثاني أربعة أذرع وأربع أصابع، وعرض الثالث ثلاثة أذرع وثمان عشرة اصبعاً، والباب الرابع طوله سبعة أذرع، وعرضه ثلاثة أذرع، وفي قبلة المسجد بابان في دار الامارة الباب الأول منهما طوله ستة أذرع واثنتا عشرة اصبعاً، وعرضه ذراعان والباب الثاني طوله أربعة أذرع وست أصابع، وعرضه ذراعان.

ذرع منى والجمار

ومازمي منى إلى محسر

قال: ومن حد مسجد منى الذي يلي عرفات إلى وسط حياض الياقوتة ثلاثة آلاف وسبعماية وثلاثة وخمسون ذراعاً، ومن وسط حياض الياقوتة إلى حد محسر ألفا ذراع، ومن مسجد منى إلى قرين الثعالبي ألف ذراع وخمسماية وثلاثون ذراعاً، وذرع ما بين مازمي منى من الجبل إلى الجبل خمسون ذراعاً، وذرع الطريق طريق العقبة من العلم الذي على الجدار إلى الجدار الذي بحذائه سبعة وستون ذراعاً الطريق المفروشة بحجارة يمر عليها سيل منى، من ذلك تسعة وعشرون ذراعاً، وعرض الجدر الذي بين الطريقين ذراعان، وطوله ذراع وبعضه يزيد وبعضه ينقص في الطول، وعرض الطريق الأعظم العقبة المدرجة ستة وثلاثون ذراعاً، ومن جمرة العقبة وهي من أول الجمار مما يلي مكة إلى الجمرة الوسطى أربعماية ذراع وسبعة وثمانون ذراعاً واثنتا عشرة اصبعاً، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة الثالثة وهي تلي مسجد منى ثلاثماية ذراع وخمسة أذرع، ومن الجمرة التي تلي مسجد منى إلى أوسط أبواب المسجد ألف ذراع وثلاثماية ذراع واحد وعشرون ذراعاً، وذرع منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر سبعة آلاف ومايتا ذراع، وعرض منى من مؤخر المسجد الذي يلي الجبل إلى الجبل الذي بحذائه ألف ذراع وثلاثماية ذراع، وذرع عرض طريق شعب علي عليه السلام وهو حيال جمرة العقبة ستة وعشرون ذراعاً، وعرض الطريق الأعظم حيال الجمرة الأولى وهي الطريق الوسطى وهي التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر من مزدلفة حين غدا من قزح إلى الجمرة ولم تزل الأيمة أيمة الحج تسلكها حتى تركت من سنة المايتين وجاء امراء لا يعرفون ذلك سلكوا الطريق الملاصقة المسجد وليست بطريق النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون ذراعاً والدكان الذي في حد الجمرة بينهما. ذرع ما بين المزدلفة إلى منى

وذرع مسجد المزدلفة وصفة أبوابه

قال: ومن حد مؤخر مسجد منى إلى مسجد مزدلفة ميلان، وذرع مسجد مزدلفة تسعة وخمسون ذراعاً وشبر في مثله، ويكون مكسراً ثلاثة آلاف ذراع وخمسماية ذراع وأحد وأربعون ذراعاً والمسجد يدور حوله جدار ليس بمظلل، وذرع طول جدر القبلة في السماء سبعة أذرع وثمان عشرة اصبعاً معطوفاً في الشق الأيمن عشرة أذرع، وفي الشق الأيسر مثله، وبقية الجدرين الأيمن والأيسر ومؤخر المسجد ثلاثة أذرع في السماء وفيه من الأبواب ستة: باب في القبلة، وبابان في الجدر الأيمن، وبابان في الجدر الأيسر، وباب في مؤخر المسجد سعته ستة وأربعون ذراعاً، وعلى الجدرات من الشرف سبع وخمسون شرافة منها على جدار القبلة ست عشرة، ومنها على الجدر الأيمن تسع عشرة، ومنها على الجدر الأيسر ثمان عشرة شرافة، وذرع ما بين مؤخر مسجد المزدلفة من شقه الأيسر إلى قزح أربعماية ذراع وعشرة أذرع، وقزح عليه اسطوانة من حجارة مدورة تدوير حولها أربعة وعشرون ذراعاً، وطولها في السماء اثنا عشر ذراعاً، فيها خمس وعشرون درجة وهي على أكمة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة المزدلفة، وكانت قبل ذلك توقد عليها النار بالحطب فلما مات هارون الرشيد أمير المؤمنين كانوا يضعون عليها مصابيح كبار يسرج فيها بفتل جلال، فكان ضوؤها يبلغ مكاناً بعيداً، ثم صارت اليوم توقد عليها مصابيح صغار وفتل رقاق ليلة المزدلفة.

ذرع ما بين مزدلفة إلى عرفة

ومازمي عرفة ومسجد عرفة وأبوابه والحرم والموقف

قال: وذرع ما بين مازمي عرفة ماية ذراع وذراعان واثنتا عشرة اصبعاً، وذرع ما بين مسجد مزدلفة إلى مسجد عرفة ثلاثة أميال وثلاثة آلاف وثلاثماية وتسعة عشر ذراعاً، وذرع سعة مسجد عرفة من مقدمه إلى مؤخره ماية ذراع وثلاثة وستون ذراعاً، ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر بين عرفة والطريق مايتا ذراع وثلاثة عشر ذراعاً، ويدور حول المسجد جدر طول جدر القبلة ثمانية أذرع في السماء واثنتا عشرة اصبعاً، وعطفه في الشق الأيمن عشرون ذراعاً، وعطفه في الشق الأيسر مثله وذرع طول الجدرين الأيمن والأيسر بعد العطف ثلاثة أذرع وأربع أصابع، وعلى جدرات المسجد من الشرف مايتا شرافة وثلاث شرافات ونصف، منها على در القبلة أربع وستون، وعلى العطف مع جدر القبلة من الجانب الأيمن ثمان وعلى العطف مع جدر القبلة من الجانب الأيسر ثمان، ومنها على بقيته سبع وخمسون ونصف، ومنها على مؤخر المسجد عشر في الأيمن، وفي الأيسر أربع، وفي مسجد عرفة من الأبواب عشرة أبواب: باب في القبلة عليه طاق طوله تسعة أذرع، وعرضه ذراعان وثمان عشرة اصبعاً، وفي الجدر الأيمن أربعة أبواب، وفي الأيسر أربعة أبواب عرض كل باب ستة أذرع، وسعة الباب الذي يلي الموقف ماية ذراع وأحد وثلاثون ذراعاً ومن حد مؤخر المسجد الأيمن إلى حد مؤخره الأيسر جدر مدور طوله ثلاثماية ذراع وأربعون ذراعاً، وعرضه من وسطه من جدر المسجد ثمانية وستون ذراعاً، والأبواب التي في الجدر الأيمن في الجبر، وعلى الجدر من الشرافات ماية شرافة وخمس شرافات، وطول الجدر في السماء ستة أذرع، وفي مؤخر المسجد الأيمن في طرف الجبر دكان مربع طوله في السماء خمسة أذرع وسعة أعلاه سبعة أذرع وثمان عشرة اصبعاً في ستة أذرع وثمان عشرة اصبعاً يؤذن عليه يوم عرفة، وفي المسجد محراب على دكان مرتفع يصلي عليه الامام وبعض من معه ويصلي بقية الناس أسفل؛ وارتفاع الدكان ذراعان، قال أبو الوليد: ومن حد الحرم إلى مسجد عرفة ألف ذراع وستماية ذراع وخمسة أذرع ومن نمرة وهو الجبل لذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مازمي عرفة تريد الموقف، وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرع في خمسة أذرع ذكروا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف وهو منزل الأيمة إلى اليوم؛ والغار داخل في جدار دار الامارة في بيت في الدار، ومن الغار إلى مسجد عرفة ألفا ذراع واحد عشر ذراعاً، ومن مسجد عرفة إلى موقف الامام عشية عرفة ميل يكون الميل خلف الامام إذا وقف وهو حيال جبل المشاة.

عدد الأميال من المسجد الحرام

إلى موقف الامام بعرفة وذكر مواضعها


قال أبو الوليد: من باب المسجد الحرام وهو الباب الكبير باب بني عبد شمس الذي يعرف اليوم ببني شيبة إلى أول الأميال، وموضعه على جبل الصفا والميل الثاني في حد جبل العيرة والميل حجر طوله ثلاثة أذرع، وهو من الأميال المروانية، وموضع الميل الثالث بين مازمي منى، وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمسة عشر ذراعاً، وموضع الميل الخامس وراء قرين الثعالب بمائة ذراع، وموضع الميل السادس في جدر حايط محسر، وبين جدار حايط محسر ووادي محسر خمسماية ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً، وموضع الميل السابع دون مسجد مزدلفة بمايتي ذراع وسبعين ذراعاً، والميل حجر مرواني طوله ثلاثة أذرع، وموضع الميل الثامن في حد الجبل دون مازمي عرفة وهو بحيال سقاية زبيدة، والطريق بينه وبين سقاية زبيدة وهو على يمينك وأنت متوجه إلى عرفات، وموضع الميل التاسع بين مازمي عرفة بفم الشعب الذي يقال له: شعب المبال، الذي بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة يريد المزدلفة، وهذا الميل بحيال سقاية شعب السقيا سقاية خالصة، وموضع الميل العاشر حيال سقاية ابن برمك، وبينهما طريق وهو حد جبل المنظر وموضع الميل الحادي عشر في حد الدكان الذي يدور حول قبلة المسجد بعرفة، مسجد إبراهيم خليل الرحمن، وبينه وبين جدار المسجد خمسة وعشرون ذراعاً، وموضع الميل الثاني عشر خلف الامام حيث يقف عشية عرفة على قرن يقال له: النابت، بينه وبين موقف النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أذرع فيما بين المسجد الحرام وبين موقف الامام بعرفة، بريد سواء لا يزيد ولا ينقص.

ما جاء في ذكر المزدلفة وحدودها

والوقوف بها والنزول وقت الدفعة منها والمشعر الحرام وايقاد النار عليه ودفعة أهل الجاهلية

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول: المزدلفة كلها موقف، قال ابن جريج: قلت لنافع مولى ابن عمر: أين كان يقف ابن عمر بجمع كلما حج ? قال: على قزح نفسه، لا ينتهي حتى يتخلص فيقف عليه مع الامام كلما حج، قال ابن جريج: قال محمد بن المنكدر: أخبرني من رأى أبا بكر الصديق رضي الله عنه واقفاً على قزح، حدثني جدي حدثني سفيان عن عمار الدهني عن أبي إسحق السبيعي عن عمرو بن ميمون قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص ونحن بعرفة عن المشعر الحرام، فقال: إن اتبعتني أخبرتك، فدفعت معه حتى إذا وضعت الركاب أيديها في الحرم، قال: هذا المشعر الحرام، قلت: إلى أين ? قال: إلى أن تخرج منه، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن عمر عن إسحاق بن عبد الله بن خارجة عن أبيه قال: لما أفضى سليمان ابن عبد الملك بن مروان من المازمين نظر إلى النار التي على قزح، فقال لخارجة بن زيد: يا با زيد، من أول من صنع هذه النار ها هنا ? قال خارجة: كانت في الجاهلية وصنعتها قريش، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة تقول: نحن أهل الله، قال خارجة: فأخبرني رجال من قومي انهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي، قالوا: قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة ناراً حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن عمر عن أبي دخشم الجهني غنيم بن كليب عن أبيه عن جده قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها، حتى نزل قريباً منها.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني محمد بن يحيى عن محمد بن عمر عن كثير عن عبد الله المزني عن نافع عن ابن عمر قال: كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن عمر عن سعيد بن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف على يسار النار قال: فسألت سعيد بن عطاء كيف نزل عمر عن يسار النار، قال: يستقبل الكعبة، ثم يجعل النار عن يمينه.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل ليلة جمع في منزل الأئمة الآن ليلة جمع يعني دار الامارة التي في قبلة مسجد مزدلفة قال ابن جريج: قلت لعطاء: وأين المزدلفة ? قال: المزدلفة إذا أفضت من مازمي عرفة فذلك إلى محسر، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما؛ قال: قف أيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح، هلم إلينا، قال عطاء: فإذا أفضت من مأزمي عرفة فانزل في كل ذلك عن يمين وشمال، قلت له: انزل في الجرف إلى الجبل الذي يأتي عن يميني حين أفضي إذا أقبلت من المأزمين قال: نعم، إن شئت وأحب إلي أن تنزل دون قزح هلم إلي وحذوه، قلت لعطاء: فأحب إليك أن أنزل على قارعة الطريق، قال: سواء إذا انحفظت عن قزح هلم إلينا وهو يكره أن ينزل الناس على الطريق، قال: يضيق على الناس فإن نزلت فوق قزح إلى مفضى مأزمي عرفة فلا بأس إن شاء الله، قلت لعطاء: أرأيت قولك انزل أسفل قزح أحب إليك، من أجل أي شيء تقول ذلك ? قال: من أجل طريق الناس إنما ينزل الناس فوقه فيضيقون على الناس طريقهم فيؤذي ذلك المسلمين في طريقهم، قلت: هل لك إلى ذلك ? قال: لا، قلت: أرأيت ان اعتزلت منازل الناس وذهبت في الجرف الذي عن يمين المقبل من عرفة ولست قرب واحد، قال: لا أكره ذلك، قلت: أذلك أحب إليك أم أنزل أسفل من قزح في الناس ? قال: سواء ذلك كله إذا اعتزلت ما يؤذي الناس من التضييق عليهم في طريقهم، قلت لعطاء: انما ظننت انك تقول: نزل النبي صلى الله عليه وسلم أسفل من قزح فأنا أحب أن أنزل أسفل منه، قال: لا، والله ما بي ذلك ما لشيء منها أثره على غيره، قلت لعطاء: أين تنزل أنت ? قال: عند بيوت ابن الزبير الأولى عند حايط المزدلفة في بطحاء هنالك، قال ابن جريج: أخبرني عطاء ان ابن عباس كان يقول: ارفعوا عن محسر وارتفعوا عن عرنات، قلت: ماذا ? قال: أما قوله ارتفعوا عن عرنات فعشية عرفة في الموقف، أي لا تقفوا بعرنة، وأما قوله ارفعوا عن محسر ففي المنزل بجمع، أي لا تنزلوا محسراً لا تبلغوه، قلت لعطاء: وأين محسر ? وأين تبلغ من جمع ? وأين يبلغ الناس من منزلهم من محسر? قال: لم أر الناس يخلفون بمنازلهم القرن الذي يلي حايط محسر الذي هو أقرب قرن في الأرض من محسر على يمين الذاهب الذي يأتي من مكة عن يمين الطريق قال: ومحسر إلى ذلك القرن يبلغه محسر وينقطع إليه، قال: فاحسب انها كدية محسر حتى ذلك القرن، قال: فلا أحب أن ينزل أحد أسفل من ذلك القرن تلك الليلة.

في ذكر طريق ضب

ضب طريق مختصر من المزدلفة إلى عرفة وهي في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة، وقد ذكروا ان النبي صلى الله عليه وسلم سلكها حين غدا من منى إلى عرفة، قال ذلك بعض المكيين.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرني الزنجي عن ابن جريج قال: سلك عطاء طريق ضب، فقيل له في ذلك: فقال: لا بأس بذلك انها هي الطريق، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني عبد الله بن محمد بن سليمان بن منصور السهامي حدثنا محمد بن زياد عن أبي قرة عن ابن جريج عن عطاء قال: سلك عطاء طريق ضب، قال هي طريق موسى بن عمران عليه السلام.

منزل سيدنا رسول الله من نمرة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: سألت عطاء أين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوم عرفة ? قال: بنمرة منزل الخلفاء إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة يلقى عليها ثوب يستظل به صلى الله عليه وسلم.

ذكر عرفة وحدودها والموقف بها


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن نجيح عن مجاهد قال: قال ابن عباس حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى أجبال عرنة إلى الوصيق إلى ملتقى الوصيق إلى وادي عرفة قال: وموقف النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة بين الأجبل النبعة والنبيعة والنابت وموقفه منها على النابت وهي الظراب التي تكتنف موضع الامام والنابت عند النشرة التي خلف موقف الامام وموقفه صلى الله عليه وسلم على ضرس من الجبل النابت مضرس بين أحجار هنالك ناتئة في الجبل الذي يقال له الآل بعرفة عن يسار طريق الطايف وعن يمين الامام وله يقول: نابغة بني ذيبان:

بمصطحبات من لصاف وثبرة

 

يزرن إلالاّ سيرهن التدافـع

ذكر منبر عرفة

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي، عن عمرو بن دينار قال: رأيت منبر النبي صلى الله عليه وسلم في زمان ابن الزبير ببطن عرنة حيث يصلي الامام الظهر والعصر عشية عرفة مبنياً بحجارة ضفيرة قد ذهب به السيل فجعل ابن الزبير منبراً من عيدان.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن خال له يقال له: يزيد بن شيبان قال: كنا في موقف لنا بعرفة قال: يبعده عمرو بن دينار من موقف الامام جداً قال يزيد: فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: اني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم هذه فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أضللت بعيراً لي يوم عرفة فخرجت أطلبه حتى جيت عرفة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة مع الناس فقلت: هذا رجل من الحمس فما له خرج من الحرم يعني قريشاً كانت تسمي الحمس والأحمسي المشدد في دينه فكانت قريش لا تجاوز الحرم تقول: نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقف بعرفة وذلك قول الله عز وجل: "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس" قال سفيان: جاءهم إبليس، فقال: انكم إن خرجتم من الحرم إلى الحل زهدت العرب في حرمكم فخذلهم عن ذلك، وبه قال سفيان: عن حميد بن قيس عن مجاهد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف بعرفة سنيه كلها لا يقف مع قريش في الحرم يعني إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة .
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرفة كلها موقف، وفجاج منى كلها منحر، ومزدلفة كلها موقف.
وبه حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس انه قال: ارفعوا عن عرنات، وعن محسر يعني في الموقف.
وبه حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال: رأيت الفرزدق جاء إلى قوم من بني تميم في مسجد لهم بعرفة معهم مصاحف لهم يبعد مكانهم من موقف الامام فوقف عليهم ففداهم بالأب والأم وقال: انكم على إرث من إرث آبائكم.

ذكر الشعب الذي بال فيه رسول الله

صلى الله عليه وسلم ليلة الدفعة


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي؛ حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا صلاة إلا بجمع، قال ابن جريج: قال عطاء: أردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة أسامة بن زيد حتى جاء جمعاً، فلما جاء الشعب الذي يصلي فيه الآن الخلفاء المغرب يعني خلفاء بني مروان نزل فيه فاهراق الماء ثم توضأ، فلما رأى أسامة نزول النبي صلى الله عليه وسلم نزل أسامة فلما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وفرغ قال لأسامة: لم نزلت ? وعاد أسامة فركب معه، ثم انطلق حتى جاء جمعاً فصلى بها المغرب والعشاء، قال: فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي في ذلك حتى دخل جمعاً يخبر ذلك عنه أسامة بن زيد، قال ابن جريج: أخبرني عامر بن مصعب عن سعيد بن جبير قال: دفعت مع عبد الله بن عمر بن الخطاب من عرفة حتى إذا وازنا بالشعب الذي يصلي فيه الخلفاء المغرب دخله ابن عمر فتنفض فيه، ثم توضأ وركب فانطلقنا حتى جاء جمعاً فأقام هو بنفسه الصلاة ليس فيها أذان ولا إقامة بالأولى فصلى المغرب فلما سلم التفت إلينا فقال: الصلاة ولم يؤذن بالأولى ولم يقم لها، قال ابن جريج: وكان عطاء لا يعجبه أن ابن عمر لم يقم للعشاء، قال عطاء: لكل صلاة إقامة لا بد.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة وابن أبي حرملة عن كريب عن ابن عباس قال أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بال في الشعب ليلة المزدلفة ولم يقل اهراق الماء، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: سمعت أسمة بن زيد يقول: أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فلما جئنا الشعب أو إلى الشعب نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاهراق الماء ثم توضأ فلم يتم الوضوء فقلت: يا رسول الله ألا تصلي ? قال: الصلاة أمامك، فركبنا حتى جينا جمعاً فنزل فتوضأ فأتم الوضوء ثم أذن بالصلاة فصلى المغرب، ثم صلى العشاء ولم يصل بينهما شيئاً، قال: وكان عطاء إذا ذكر له الشعب قال: اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالاً واتخذتموه مصلا يعني خلفاء بني مروان وكانوا يصلون فيه المغرب.
حدثنا أبو الوليد قال: سألت جدي عن الشعب الذي بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة حين أفاض من عرفة فقال: هو الشعب الكبير الذي بين مأزمي عرفة على يسار المقبل من عرفة يريد المزدلفة في أقصى المأزم مما يلي نمرة وبين يدي هذا الشعب الميل ومن هذا الميل إلى سقاية زبيدة التي في أول المزدلفة مثل الميل عندها دينها إلى المزدلفة قليلاً وهو أقصى هذا الشعب فيه صخرة كبيرة وهي الصخرة التي لم أزل أسمع من أدركت من أهل العلم يزعم ان النبي صلى الله عليه وسلم بال خلفها، استتر بها، ثم لم تزل أيمة الحج تدخل هذا الشعب فتبول فيه وتتوضأ فيه إلى اليوم، قال أبو محمد: احسب ان جد أبي الوليد أو هم وذلك ان أبا يحيى بن أبي ميسرة أخبرني انه الشعب الذي في بطن المأزم على يمينك وأنت مقبل من عرفة بين الجبلين إذا أفضيت من مضيق المأزمين وهو أقرب وأوصل بالطريق لأن الشعب الذي ذكره جد أبي الوليد الأزرقي يبعد عن الطريق

ذكر المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة

وما فيها من آثار النبي صلى الله عليه وسلم وما صح من ذلك

قال أبو الوليد: مولد النبي أي البيت الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في دار محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف كان عقيل بن أبي طالب أخذه حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وفي غيره يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع حين قيل له أين ننزل يا رسول الله ? وهل ترك لنا عقيل من ظل ? فلم يزل بيده وبيد ولده حتى باعه ولده من محمد يوسف فأدخله في داره التي يقال لها البيضاء وتعرف اليوم بابن يوسف، فلم يزل ذلك البيت في الدار حتى حجت الخيزران أم الخليفتين موسى وهارون فجعلته مسجداً يصلى فيه وأخرجته من الدار وأشرعته في الزقاق الذي في أصل تلك الدار يقال له: زقاق المولد.
حدثنا أبو الوليد قال: سمعت جدي ويوسف بن محمد يثبتان أمر المولد وانه ذلك البيت لا اختلاف فيه عند أهل مكة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن أخيه قال: حدثني رجل من أهل مكة يقال له: سليمان بن أبي مرحب مولى بني خثيم قال: حدثني ناس كانوا يسكنون ذلك البيت قبل أن تشرعه الخيزران من الدار، ثم انتقلوا عنه حين جعل مسجداً، قالوا لا والله ما أصابتنا فيه جايحة ولا حاجة فأخرجنا منه فاشتد الزمان علينا.
ومنزل خديجة ابنة خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو البيت الذي كان يسكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة وفيه ابتنى بخديجة، وولدت فيه خديجة أولادها جميعاً وفيه توفيت خديجة، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم ساكناً فيه حتى خرج إلى المدينة مهاجراً فأخذه عقيل بن أبي طالب، ثم اشتراه منه معاوية وهو خليفة فجعله مسجداً يصلى فيه، وبناه بناءه هذا وحدد الحدود التي كانت لبيت خديجة لم تغير فيما ذكر عن من يوثق به من المكيين، وفتح معاوية فيه باباً من دار أبي سفيان بن حرب هو قايم إلى اليوم وهي الدار التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهي الدار التي يقال لها اليوم: دار ريطة بنت أبي العباس أمير المؤمنين، وفي بيت خديجة هذا صفيحة من حجارة مبني عليها في الجدر جدر البيت الذي كان يسيكنه النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ قدام الصفيحة مسجداً، وهذه الصفيحة مستقبلة في الجدر من الأرض قدر ما يجلس تحتها الرجل، وذرعها ذراع في ذراع وشبر. قال أبو الوليد: سألت جدي أحمد بن محمد ويوسف بن محمد بن إبراهيم وغيرهما من أهل العلم من أهل مكة عن هذه الصفيحة ولم جعلت هنالك ? وقلت لهم: أو لبعضهم اني أسمع الناس يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس تحت تلك الصفيحة فيستدري بها من الرمي بالحجارة إذا جاءته من دار أبي لهب، ودار عدي بن أبي الحمراء الثقفي فأنكروا ذلك وقالوا: لم نسمع بهذا من ثبت ولقد سمعنا من يذكرها من أهل العلم فأصح ما انتهى إلينا من خبر ذلك إن أهل مكة كانوا يتخذون في بيوتهم صفايح من حجارة تكون شبه الرفاف توضع عليها المتاع والشيء من الصيني والداجن يكون في البيت، فقل بيت يخلو من تلك الرفاف، قال جدي: وأنا أدركت بعض بيوت المكيين القديمة، فيها رفاف من حجارة يكون عليها بعض متاع البيت، قال فيقولون: إن تلك الصفيحة التي في بيت خديجة من ذلك.
ومسجد في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي التي عند الصفا يقال لها دار الخيزران كان بيتاً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مختبياً فيه، وفيه أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومسجد بأعلى مكة عند الردم عند بير جبير بن مطعم يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وقد بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وبنى عنده جنبذاً يسقى فيه الماء.
ومسجد بأعلى مكة أيضاً يقال له مسجد الجن، وهو الذي يسميه أهل مكة مسجد الحرس وإنما سمي مسجد الحرس إن صاحب الحرس كان يطوف بمكة حتى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يجزه حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسه يأتونه من شعب بني عامر ومن ثنية المدنيين فإذا توافوا عنده رجع منحدراً إلى مكة، وهو فيما يقال له: موضع الخط الذي خط رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ليلة استمع عليه الجن، وهو يسمى مسجد البيعة يقال: إن الجن بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع.
ومسجد يقال له مسجد الشجرة بأعلى مكة في دبر دار منارة بحذاء هذا المسجد مسجد الجن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعى شجرة كانت في موضعه وهو في مسجد الجن فسألها عن شيء فأقبلت تخط بأصلها وعروقها الأرض حتى وقفت بين يديه، فسألها عما يريد ثم أمرها فرجعت حتى انتهت إلى موضعها.
 
ومسجد بأعلى مكة عند سوق الغنم عند قرن مسقلة، ويزعمون إن عنده بايع النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمكة يوم الفتح، حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي عن الزنجي، عن ابن جريج حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم ان محمد بن الأسود بن خلف الخزاعي، أخبره أن أباه الأسود حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قرن مسقلة بالمعلاة قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الرجال والنساء والصغار والكبار فبايعهم على الاسلام والشهادة قال: قلت: وما الشهادة ? قال محمد بن الأسود: شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. ومسجد السرر وهو المسجد الذي يسميه أهل مكة مسجد عبد الصمد بن علي كان بناه.
ومسجد بعرفة عن يمين الموقف يقال له: مسجد إبراهيم وليس بمسجد عرفة الذي يصلي فيه الامام.
ومسجد يقال له: مسجد الكبش بمنى قد كتبت ذكره في موضع ذكر منى وما جاء فيه.
ومسجد بأجياد وموضع فيه يقال له: المتكا سمعت جدي أحمد بن محمد ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكا وهل يصح عندهما ان النبي صلى الله عليه وسلم اتكى فيه فرأيتهما ينكران ذلك ويقولان: لم نسمع به من ثبت، قال لي جدي: سمعت الزنجي مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم القداح وغيرهما من أهل العلم يقولون: إن أمر المتكا ليس بالقوي عندهم بل يضعفونه غير أنهم يثبتون ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأجياد الصغير لا يثبت ذلك الموضع ولا يوقف عليه، قال: ولم أسمع أحداً من أهل مكة يثبت أمر المتكا.
ومسجد على جبل أبي قبيس يقال له: مسجد إبراهيم سمعت يوسف بن محمد بن إبراهيم يسأل عنه؛ هل هو مسجد إبراهيم خليل الرحمن ? فرأيته ينكر ذلك ويقول: انما قيل هذا حديثاً من الدهر، لم أسمع أحداً من أهل العلم يثبته، قال أبو الوليد: وسألت أنا جدي عنه فقال لي: متى بني هذا المسجد إنما بني حديثاً من الدهر، ولقد سمعت بعض أهل العلم من أهل مكة يسأل عنه أهذا المسجد مسجد إبراهيم خليل الرحمن ? فينكر ذلك ويقول: بل هو مسجد إبراهيم القبيسي لانسان كان في جبل أبي قبيس ساسي يسأل عنده، فقلت لجدي: فإني سمعت بعض الناس يقول: إن إبراهيم خليل الرحمن حين أمر بالأذان في الناس بالحج صعد على جبل أبي قبيس فأذن فوقه فأنكر ذلك وقال: لا، لعمري ما بين أصحابنا اختلاف ان إبراهيم خليل الرحمن حين أمر بالأذان في الناس بالحج قام على مقام إبراهيم فارتفع به المقام حتى صار أطول من الجبال وأشرف على ما تحته، فقال: أيها الناس أجيبوا ربكم قال: وقد كنت ذكرت ذلك عند موضع ذكر المقام مفسراً.
ومسجد بذي طوى بين ثنية المدنيين المشرفة على مقبرة مكة، وبين الثنية التي تهبط على الحصحاص، وذلك المسجد بنته زبيدة بأزج.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أخبرنا الزنجي عن ابن جريج عن موسى بن عقبة إن نافعاً حدثه، إن عبد الله بن عمر أخبره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى حين يعتمر، وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد، حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال: وحدثني نافع إن ابن عمر حدثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى فيبيت به حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمة غليظة ليس بالمسجد الذي بني ثم ولكنه أسفل من الجبل الطويل الذي قبل الكعبة يجعل المسجد الذي بني بيسار المسجد بطرف الأكمة ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء، تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها بيمين ثم يصلي مستقبل الفرضين من الجبل الطويل الذي بينه وبين الكعبة.

ذكر حراء وما جاء فيه


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي، حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر أخبرني الزهري عن عروة عن عايشة رضي الله عنها انها قالت: أول ما بدي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءته مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد والتبرر الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة ابنة خويلد فيتزود بمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال: إقرأ، قال: فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: إقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت ما اقرأ، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، حتى بلغ ما لم يعلم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: جاءت خديجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحيس وهو بحراء فجاءه جبريل فقال: يا محمد هذه خديجة قد جاءت تحمل حيساً معها والله يأمرك ان تقرأها السلام وتبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فلما ان رقيت خديجة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا خديجة إن جبريل قد جاءني والله يقرءك السلام ويبشرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب فقالت خديجة: الله السلام ومن الله السلام وعلى جبريل السلام.

ذكر طريق النبي من حراء إلى ثور

قال أبو الوليد: قال جدي: وبلغني عن محمد بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي الأوقص قال: كانت طريق النبي صلى الله عليه وسلم من حراء إلى ثور في شعب الرخم على الثنية التي تخرج على بير خالد بن عبد الله القسري التي بين مأزمي منى يقال لها: القسرية وهي الثنية التي عن يسار الذاهب إلى منى من مكة ثم سلك النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب الذي بنى ابن شيحان سقاية بفوهته ثم في الثنية التي تخرج على المفجر فحبس ابن علقمة أعطيات الناس سنة وهو أمير مكة فضرب بها الثنية التي بين شعب الرخم وبين بير خالد بن عبد الله القسري وبناها ودرج أبو جعفر أمير المؤمنين الثنية الاخرى التي تخرج إلى المفجر.

باب ذكر ثور وما جاء فيه

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن أبي عمر العدني عن سعيد بن سالم القداح عن عمر بن جميل الجمحي عن ابن أبي مليكة إن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج هو وأبو بكر إلى ثور جعل أبو بكر يكون امام النبي صلى الله عليه وسلم مرة وخلفه مرة، قال: فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك، وإذا كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك حتى انتهى إلى الغار وهو في ثور قال أبو بكر رضي الله عنه: لما انتهيا حتى ادخل يدي فأحسه فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك قال: وبلغني انه كان في الغار حجر فألقم أبو بكر رضي الله عنه رجله ذلك الحجر فرقاً أن يخرج منه دابة أو شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر مسجد البيعة وما جاء فيه


قال أبو الوليد: حدثني جدي حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن عبد الله ابن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير محمد بن مسلم انه حدثه جابر بن عبد الله الأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ، ومنازلهم بمنى، من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة، فلا يجد أحداً يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مضر أو اليمن فيأتيه قومه أو ذو رحمه فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمشي بين رجالهم يدعوهم الله عز وجل يشيرون إليه بأصابعهم حتى بعثنا الله عز وجل له من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون باسلامه حتى لم تبق دار من دور يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام ثم بعثنا الله عز وجل له فاتمرنا واجتمعنا سبعين رجلاً منا فقلنا: حتى متى ندع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ? فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فتواعدنا شعب العقبة واجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده، فقلنا يا رسول الله على ما نبايعك ? قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى التفقد في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله لا تأخذكم في الله لومة لايم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأبناءكم وأزواجكم ولكم الجنة، فقمنا إليه نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلاً إلا أنا، فقال: رويداً يا أهل يثرب انا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم انه رسول الله، وإن اخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وان تعضكم السيوف، فأما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وأما أنتم قوم تخافون على أنفسكم خيفة فذروه هو أعذر لكم عند الله، قالوا: امط عنا يدك يا أسعد بن زرارة، لا تذر هذه البيعة ولا نستقبلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً يأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة.

في مسجد الجعرانة

حدثنا أبو الوليد: حدثني جدي قال: قال لي داود بن عبد الرحمن العطار وسألته عن حديث فقال لي: اكتب هذا الحديث فإن أهل العراق يستطرفونه ويسألوني عنه كثيراً.
حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي مع حجته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي، عن ابن جريج قال: أخبرني زياد ان محمد بن طارق أخبره انه اعتمر مع مجاهد من الجعرانة فاحرم من وراء الوادي حيث الحجارة المنصوبة، قال: من ها هنا احرم النبي صلى الله عليه وسلم، واني لأعرف أول من اتخذ هذا المسجد على الأكمة بناه رجل من قريش سماه واشترى ما لا عنده نخلاً فبنى هذا المسجد، قال ابن جريج: فلقيت أنا محمد ابن طارق فسألته فقال: اتفقت أنا ومجاهد بالجعرانة، فأخبرني أن المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بالجعرانة، قال: فأما هذا المسجد الأدنى فانما بناه رجل من قريش واتخذ ذلك الحائط.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد المجيد عن ابن جريج عن مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن مخرش الكعبي ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلاً من الجعرانة حين المساء معتمراً، فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته ثم خرج من تحت ليلته، فأصبح بالجعرانة كبايت حتى إذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف حتى جامع الطريق، طريق المدينة بسرف، قال مخرش: فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس.

مسجد التنعيم وما جاء فيه


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن ابن خيثم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن: اردف اختك يعني عائشة فاعمرها من التنعيم فإذا اهبطت بها الأكمة فمرها فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار انه سمع عمرو بن أوس يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يقول: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أردف عائشة فاعمرها من التنعيم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم قال: رأيت عطاء بن أبي رباح ومجاهداً وعبد الله بن كثير الداري وناساً من القراء إذا كانت ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان، خرجوا إلى خيمة جمانة فاعتمروا منها قال ابن خيثم: ثم تركوا ذلك، قال يحيى: حين كبروا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج حدثنا الحجاج بن زياد انه رأى ابن الزبير عند خيمة جمانة وراءها شيئاً بالتنعيم اعتمر على برذون أبيض، فقلت: من معه ? قال: معه أربعة نفر أو خمسة من الأحراس، قال الزنجي: فسألت الحجاج انا بعد، فأخبرني قال: رأيت ابن الزبير يصلي في مسجد من وراء خيمة جمانة على يمينك وأنت ذاهب فلا أراه إلا معتمراً.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا جدي، حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عايشة رضي الله عنها، قال: فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي الشافعي المسجد الذي من وراء الأكمة وهو المسجد الخراب، قال الخزاعي: ثم عمره أبو العباس عبد الله بن محمد ابن داود وجعل على بيره قبة وهو أمير مكة، ثم بنته العجوز وجودته وأحسنت بناءه في سنة.

ما جاء في مقبرة مكة وفضائلها

حدثنا أبو الوليد قال: قال جدي: لا نعلم بمكة شعباً يستقبل ناحية من الكعبة ليس فيه انحراف إلا شعب المقبرة فإنه يستقبل وجه الكعبة كله مستقيما.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أخبرنا الزنجي عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي خداش عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم المقبرة هذه، مقبرة أهل مكة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن الوليد بن هشام عن يحيى بن محمد بن عبد الله بن صيفي انه قال: من قبر في هذه المقبرة بعث آمنا يوم القيامة يعني مقبرة مكة .
حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي عن الزنجي قال: كان أهل الجاهلية وفي صدر الاسلام يدفنون موتاهم في شعب أبي دب، من الحجون إلى شعب الصفي صفي السباب، وفي الشعب اللاصق بثنية المدنيين الذي هو مقبرة أهل مكة اليوم، ثم تمضي المقبرة مصعدة لاصقة بالجبل إلى ثنية اذاخر بحايط خرمان، وكان يدفن في المقبرة التي عند ثنية اذاخر، آل اسيد بن أبي العيص بن أبي أمية بن عبد شمس، وفيها دفن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ومات بمكة في سنة أربع وسبعين، وقد أتت له أربع وثمانون وكان نازلاً على عبد الله بن خالد بن أسيد في داره وكان صديقاً له فلما حضرته الوفاة أوصاه أن لا يصلي عليه الحجاج، وكان الحجاج بمكة والياً بعد مقتل ابن الزبير فصلى عليه عبد الله ابن خالد بن أسيد ليلاً على ردم آل عبد الله عند باب دارهم، ودفنه في مقبرته هذه عند ثنية اذاخر بحايط خرمان، ويدفن في هذه المقبرة مع آل أسيد آل سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر مخزوم وهم يدفنون فيها جميعاً إلى اليوم، وشعب أبي دب الذي يعمل فيه الجزارون بمكة بالمعلاة، وأبو دب رجل من بني سواة بن عامر سكنه، فسمي به، وعلى فم هذا الشعب سقيفة من حجارة بناها أبو موسى الأشعري ونزلها حين انصرف من الحكمين، وقال: اجاور قوماً لا يعذرون يعني أهل القبور وقد زعم بعض المكيين ان في هذا الشعب قبر آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: قبرها في دار رائعة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج أنه حدث عن عبد الله بن مسعود انه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فجلس إليه فناجاه طويلاً ثم ارتفع صوته ينتحب باكياً فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله ? فقد أبكانا وأفزعنا، فأخذ بيد عمر ثم أومأ إلينا فأتيناه، فقال: أفزعكم بكائي ? فقلنا: نعم يا رسول الله، فقال ذلك مرتين أو ثلاثاً ثم قال: ان القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب واني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فأنزل الله عز وجل "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى" الآية "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها اياه" الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة فذلك الذي أبكاني، إلا اني قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، وأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وعن نبيذ الأوعية فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة، وكلوا من لحوم الأضاحي وادخروا ما شيتم فإنما نهيت إذ الخير قليل، فوسعه الله على الناس، الا وان وعاء لا يحرم شيئاً وكل مسكر حرام، قال ابن جريج: وأخبرني ابن أبي مليكة في حديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ايتوا موتاكم فسلموا عليهم أو صلوا، شك الخزاعي فإن لكم عبرة، قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ورأيت عائشة أم المؤمنين تزور قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر مات بالحبشي فلم يحمل إلى مكة والحبشي جبل بأسفل مكة على بريد منها، وفي هذه المقبرة يقول كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي:

كم بذاك الحجون من حي صـدق

 

من كهـول أعـفة وشـبـاب

سكنوا الجزع جزع بيت أبي مـو

 

سى إلى النخل من صفي السباب

أهل دار تبـايعـوا لـلـمـنـايا

 

ما على الدهر بعدهم من عتاب

فارقوني وقد علـمـت يقـينـاً

 

ما لمـن ذاق مـيتة مـن اياب

قال أبو الوليد: فكان أهل مكة يدفنون موتاهم في جنبتي الوادي يمنة وشامة في الجاهلية وفي صدر الاسلام، ثم حول الناس جميعاً قبورهم في الشعب الأيسر لما جاء من الرواية فيه ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الشعب، ونعم المقبرة. ففيه اليوم قبور أهل مكة إلا آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وآل سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فهم يدفنون في المقبرة العليا بحايط خرمان.

ما جاء في مقبرة المهاجرين التي بالحصحاص

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الاسلام ولم يستطيعوا الهجرة، فلما كان يوم بدر خرج بهم كرهاً فقتلوا فانزل الله فيهم "ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولائك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفواً غفوراً" فكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من كان بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر، وكان مريضاً: اخرجوني إلى الروح يريد المدينة، فخرجوا به، فلما بلغوا الحصحاص مات فأنزل الله سبحانه وتعالى "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله" إلى آخر الآية.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: حدثت ان سعد بن أبي وقاص اشتكى خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين ذهب إلى الطايف فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن القاري: يا عمرو بن القاري ان مات فها هنا، فأشار له إلى طريق المدينة، قال ابن جريج: وحدثث أيضاً عن نافع بن سرجس قال: عدنا أبا واقد البكري في وجعه الذي مات فيه، فمات فدفن في قبور المهاجرين التي بفخ، قال ابن جريج: ومات ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدفنوا هنالك في قبور المهاجرين، قال وتبعث تلك القبور التي دون فخ نافع ابن سرجس القائل، قال ابن جريج: وما زلت أسمع وأنا غلام انها قبور المهاجرين. وعن محمد بن إسحق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن رجال من قومه قالوا: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان جندع بن ضمرة بن أبي العاص رجلاً مسلماً فاشتكا بمكة فلما خاف على نفسه قال: اخرجوني من مكة فإن حرها شديد، قالوا: فأين تريد ? فأشار بيده نحو المدينة وانما يريد الهجرة فأدركه الموت باضاة بني غفار فأنزل الله تعالى "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه، فيقال انه دفن في مقبرة المهاجرين بطرف الحصحاص، وبه سميت مقبرة المهاجرين،" قال أبو الوليد، وقبر ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالة عبد الله بن عباس على الثنية التي بين وادي سرف وبين اضاة بني غفار ماتت بسرف فدفنت منالك، واضاة بني غفار التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام وأنا باضاة بني غفار فقال: يا محمد ان ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف فقلت: أسأل الله المعافاة، قال: فإنه يأمرك أن تقرأه على حرفين، قلت: أسأل الله المعافاة، قال: فإنه يأمرك أن تقرأه على ثلاثة أحرف، فقلت أسأل الله المعافاة، قال: فإن الله يأمرك أن تقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني دي عن الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال: حضرت مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسرف، فقال ابن عباس: هذه زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها فلا تزلزلوا ولا تزعزعوا وارفقوا إذا حملتم، فإنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع فكان يفرض لثمان ولا يفرض لواحدة.

ذكر الابار التي بمكة قبل زمزم

حدثنا أبو الوليد وحدثني محمد بن يحيى قال: سمعت عبد العزيز بن عمران يقول: بئر كرآدم: بلغني ان آدم عليه السلام حين أهبط إلى مكة حفر بيراً تسمى كرآدم المفجر في شعب حواء وأخبرني عن الثقة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما انتشرت قريش بمكة وكثر ساكنها، قلت عليهم المياه واشتدت المؤنة في الماء حفرت بمكة بئر رم: آباراً فحفر مرة بن كعب بن لؤي بيراً يقال لها: رم وبلغني ان موضعها عند طرف الموقف بعرنة قريباً من عرفة.
بئر خم: قال إسحق وحفر كلاب بن مرة بيراً يقال لها: خم كانت مشرباً للناس في الجاهلية، ويقال: انها كانت لبني مخزوم.
وقال بعض أهل العلم: كان قصي بن كلاب حفر بيراً بمكة بئر العجول: لم يحفر أول منها وكان يقال لها: العجول كان موضعها في دار أم هاني بنت أبي طالب بالحزورة وهي البير التي دفع هاشم بن عبد مناف أخا بني ظويلم بن عمرو النضري فيها فمات وكانت العرب إذا قدموا مكة يردونها ويتراجزون عليها فقال قايل فيها:

أروى من العجول ثمت انطلق

 

إن قصياً قد وفى وقد صدق

 

بالشبع للحي وري المغتـبـق

بئر: وبيراً عند الردم الأعلى ردم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أصل الردم في أعلى الوادي خلف دار آل جحش بن رياب الأسدي التي يقال لها: دار ابان بن عثمان يقال: إن قصياً حفرها، فدثرت وإن جبير بن مطعم بن عدي نثلها وأحياها، وعندها مسجد يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، بناه عبد الله بن عبيد الله ابن العباس بن محمد.
بئر بذر: قال ابن إسحاق: وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وقال حين حفرها: لأجعلنها للناس بلاغاً وهي البير التي في حق المقوم بن عبد المطلب في ظهر دار طلوب مولاة زبيدة في أصل المستنذر ويقال إن قصياً حفرها فنثلها أبو لهب وهي التي تقول فيها بعض بنات عبد المطلب:  

نحن حفرنا بذربجانب المستنذرنسقي الحجيج الأكبر

بئر سجلة: وذكروا أيضاً إن هاشماً حفر سجلة وهي البير التي يقال لها: بير جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، دخلت في دار أمير المؤمنين التي بين الصفا والمروة في أصل المسجد الحرام التي يقال لها: دار القوارير أدخلها حماد البربري حين بنى الدار للرشيد هارون أمير المؤمنين، وكانت البير شارعة في المسعى يقال: إن جبير بن مطعم ابتاعها من ولد هاشم، وقال بعض المكيين: وهبها له أسد بن هاشم حين ظهرت زمزم، ويقال: وهبها عبد المطلب حين حفر زمزم واستغنى عنها للمطعم بن عدي وأذن له أن يضع حوضاً عند زمزم من أدم يسقي فيه منها ويسقى الحاج وهو أثبت الأقاويل عندنا.
بئر الطوي: وحفر عبد شمس بن عبد مناف بيراً يقال لها: الطوي وموضعها في دار ابن يوسف بالبطحاء.
بئر الجفر: وحفر أمية بن عبد شمس بيراً يقال لها: الجفر وهي في وجه المسكن الذي كان لبني عبد الله بن عكرمة بن خالد ابن عكرمة المخزومي بطرف أجياد الكبير واشترى ذلك المسكن ياسر خادم زبيدة فأدخله في المتوضأة التي عملها على باب أجياد الكبير.
بئر أم جعلان: وكانت لبني عبد شمس بير يقال لها: أم جعلان موضعها دخل في المسجد الحرام.
بئر العلوق: وكانت لهم أيضاً بير يقال لها: العلوق بأعلى مكة عند دار ابان بن عثمان.
بئر شفية: وكانت لبني أسد بن عبد العزى بير يقال لها: شفية موضعها في دار أم جعفر يقال لها: بئر الأسود.
بئر السنبلة: وكانت لبني جمح بير يقال لها: السنبلة كانت لخلف ابن وهب في خط الحزامية بأسفل مكة، قبالة دار الزبير بن العوام يقال لها اليوم: بئر أبي ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بصق فيها وإن ماءها جيد من الصداع.
بئر أم حردان: وكانت عند ردم بني جمح بير يقال لها: أم حردان ذكر أنه لا يدرى من حفرها ثم صارت لبني جمح.
بئر رمرم: وكانت لبني سهم بير يقال لها: رمرم يقال: انها دخلت في المسجد الحرام حين وسعه أبو جعفر أمير المؤمنين في ناحية بني سهم.
بئر الغمر: وكانت لبني سهم أيضاً بير يقال لها: الغمر لم يذكر موضعها.
وقد سمعنا في البيار حديثاً جامعاً، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن هشام بن عمارة عن سعيد ابن محمد بن جبير بن مطعم قال أخبرني أبي قال: سألني عبد الملك بن مروان من أين كانت أولية قريش تشرب الماء قبل قصي، وكعب بن لوي ? وعامر بن لوي، قال: فقال أبي: لا تسأل عن هذا أحداً أبدا اعلم به مني سألت عن ذلك مشيخة جلة دخل الاسلام على أحدهم بئر السيرة: وقد أفند فقال: كان أول من حفر بيراً مرة، حفر بيراً يقال لها: السيرة خارجة من الحرم فكانوا يشربون منها دهراً إذا كثرت الأمطار شربوا وإذا أقحطوا ذهب ماؤها، وكانوا يشربون من أغادير في رؤوس الجبال، ثم كان مرة حفر  
بئر الروا: بيراً أخرى يقال لها: بير الروا وهما خارجتان من مكة وهما في بواديهما مما يلي عرفة وهم يومئذ حول مكة، وخزاعة تلي البيت وأمر مكة، ثم حفر كلاب بن مرة خم ورم والجفر وهذه أبيار كلاب بن مرة كلها خارجاً من مكة، ثم كان قصي حين جمع قريشاً وسميت قريش لتقرشها وهو التجمع بعد التفرق وأهل مكة على ما كان عليه الآباء من الشرب من روس الجبال، ومن هذه الآبار التي خارج من مكة فلم يزل الأمر على ذلك حتى هلك قصي ثم ولده من بعده يفعلون ذلك حتى هلك أعيان بني قصي عبد الدار، وعبد مناف، وعبد العزى، وعبد بنو قصي فخلف أبناؤهم في قومهم على ما كان من فعلهم، فلما انتشرت قريش وكثر ساكن مكة قلت عليهم المياه واشتدت عليهم المؤنة، وعطش الناس بمكة أشد العطش فكان أول من حفر عبد شمس بن عبد مناف بن قصي فحفر الطوي وهي التي بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف، وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهي البير التي عند المستنذر في خطم الخندمة على فم شعب أبي طالب وقال حين حفرها: لأجعلنها بلاغاً للناس، وحفر هاشم سجلة وهي بير مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي يسقي عليها اليوم، قال عبد الملك: والله القديم ما تحريت الصدق لك وعليك قال: ثم ماذا ? قال: ثم ابتاعها مطعم بن عدي من أسد بن هاشم وبنو هاشم تزعم إن عبد المطلب بن هاشم وهبها له حين حفر زمزم واستغنى عنها، وسأله مطعم بن عدي أن يضع حوضاً من ادم إلى جنب زمزم يسقي فيه من ماء بيره فأذن له في ذلك وكان يفعل ذلك، قال محمد بن جبير: فكثرت المياه بمكة بعد ما حفرت زمزم حتى روي القاطن والبادي، ودنت لها بكر وخزاعة فارتووا منها لا تنزح، قال عبد الملك: بئر الجفر: ثم ماذا ? قال محمد بن جبير: ثم حفر أمية بن عبد شمس الجفر لنفسه.
بئر ميمون: وحفر ميمون بن الحضرمي حليفك بيره، وكانت آخر بير حفرت من هذه الآبار في الجاهلية قال: رأيت قول الله تعالى "قل أرأيتم ان أصبح ماؤكم غوراً" قال: يعني تلك الآبار التي كانت تغور فيذهب ماؤها "فمن يأتيكم بماء معين" زمزم ماؤها معين، قال غير محمد بن جبير: مجاهد وعطاء وغيرهما من أهل العلم في قوله تعالى: "فمن يأتيكم بماء معين" قالوا: زمزم، وبير ميمون بن الحضرمي، قال محمد بن جبير: فلما حفرت بنو عبد مناف آبارها سقوا الناس واستقوا الناس عليها فشق ذلك على قبايل قريش ورأوا انهم لا ذكر لهم في تلك الآبار حفرت قريش آباراً وجعلوا يبتارون بها في الري والعذوبة حتى كاد أن يكون في ذلك شر طويل، فمشت في ذلك كبراء قريش فاقصر الشر، وحفرت بنو أسد بن عبد العزى شفية بير بني أسد بن عبد العزى.
بئر أم احراد: وحفرت بنو عبد الدار أم احراد، وحفرت بنو جمح السنبلة وهي بير خلف بن وهب، وحفرت بنو سهم الغمر.
بئر السقيا: وحفرت بنو مخزوم السقيا بير هشام بن المغيرة.
بئر الثريا: وحفرت بنو تيم الثريا وهي بير عبد الله بن جدعان.
بئر النقع: وحفرت بنو عامر بن لؤي النقع قال عبد الملك: يا با سعيد إن هذا العلم لو سألت عنه جميع قومك ما عرفوه. قال محمد بن جبير: ليأتين عليهم زمان لا يعرفون ما هو أظهر من هذا، قال عبد الملك: أي والله.

باب الآبار التي حفرت بعد زمزم في الجاهلية

قال أبو الوليد: الآبار التي حفرت في الجاهلية بعد زمزم بير في دار محمد بن يوسف البيضاء، حفرها عقيل بن أبي طالب ويقال: حفرها عبد شمس بن عبد مناف ونثلها عقيل ابن أبي طالب يقال لها: الطوي.
بئر الأسود: وبير الأسود بن البختري كانت على باب دار الأسود عند الحناطين، دخلت في دار زبيدة الكبيرة عند الحناطين والبير قايمة في أسفل الدار إلى اليوم.
ركايا قدامة: وركايا قدامة بن مظعون حذاء أضاة النبط بعرنة في شقها الذي يلي مكة قريباً من السيرة.
بئر حويطب: وبير حويطب بن عبد العزى في بطن وادي مكة بفناء دار حويطب.
بئر خالصة: والبير التي نثلت خالصة مولاة الخيزران بالسقيا في المسيل الذي يفرغ بين مازمي عرفة ومسجد إبراهيم إلى هنا.
بئر زهير: وبير بأجياد في دار زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي.

ذكر الآبار الاسلامية

بئر الياقوتة: قال أبو الوليد: الياقوتة التي بمنى حفرها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته فعملها الحجاج بن يوسف بعد مقتل ابن الزبير وضرب فيها وأحكمها.
بئر عمرو: وبير عمر بن عثمان بن عفان التي بمنى في شعب آل عمرو بئر الشركاء: وبير الشركاء بأجياد لبني مخزوم.
بئر عكرمة: وبير عكرمة بأجياد الصغير في الشعب الذي يقال له: الأيسر.
بئر الصلا: وبيار الأسود بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي الصلا في أصل ثنية أم قردان.
بئر الطلوب: وبير يقال لها: الطلوب كانت لعمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي في شعب عمرو بالمرضه دون الميثب.
بئر أبي موسى: وبير أبي موسى الأشعري بالمعلاة على فم أبي دب بالحجون حفرها حين انصرف من الحكمين إلى مكة.
بئر شوذب: وبير شوذب كانت عند باب المسجد عند باب بني شيبة فدخلت في المسجد الحرام حين وسعه المهدي في خلافته في الزيادة الأولى سنة احدى وستين وماية وشوذب مولى لمعاوية ابن أبي سفيان بئر البرود: والبرود بفخ حفرها خراش بن أمية الخزاعي الكعبي وله يقول الشاعر:

بين البرود وبين بلدح نلتقي

بئر بكار: وبير بكار بذي طوي عند ممادر بكار وبكار رجل من أهل العراق كان سكن مكة وأقام بها.
بئر وردان: وبير وردان، ووردان مولى المطلب بن أبي وداعة بذي طوي عند سقاية سراج بفخ، وسراج مولى بني هاشم.
بئر الصلاصل: وبير الصلاصل بفم شعب البيعة عند العقبة، عقبة منى، ولها يقول أبو طالب:

ونسلمه حتـى نـصـرع حـولـه

 

ونذهل عن ابـنـائنـا والـحـلايل

وينهض قوم في الـحـديد الـيكـم

 

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

بئر السقيا: وبير السقيا عند المازمين مازمي عرفة عملها عبد الله بن الزبير بن العوام رحمه الله تعالى

ما جاء في العيون التي اجريت في الحرم

قال أبو الوليد: كان معاوية بن أبي سفيان رحمه الله قد اجرى في الحرم عيونا. واتخذ لها أخيافاً فكانت حوايط، حايط الحمام: وفيها النخل والزرع، منها حايط الحمام، وله عين وهو من حمام معاوية الذي بالمعلاة إلى موضع بركة أم جعفر، وذلك الموضع الساعة يقال له: حايط الحمام، وانما سمي حايط الحمام لأن الحمام كان في أسفله.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي حدثنا عبد الرحمن ابن الحسن بن القاسم عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال: قال رجل من بني سليم لعمر بن الخطاب بمكة: يا أمير المؤمنين اقطعني خيف الأرين حتى املأه عجوة، فقال له عمر: نعم، فبلغ ذلك أبا سفيان بن حرب، فقال: دعوة فليملأه ثم لينظر اينا ياكل جناه، فبلغ ذلك السلمي فتركه، وكان أبو سفيان يدعيه، فكان معاوية بعد هو الذي عمله وملأه عجوة، قال: وكان له مشرع يرده الناس.
حايط عوف: ومنها حايط عوف موضعه من زقاق خشبة دار مبارك التركي ودار جعفر بن سليمان وهما اليوم من حق أم جعفر، ودار مال الله، وموضع الماجلين ماجلي أمير المؤمنين هارون الذي بأصل الحجون، فهذا كله موضع حايط عوف إلى الجبل وكانت له عين تسقيه، وكان فيه النخل، وكان له مشرع يرده الناس حايط الصفي: ومنها حايط يقال له: الصفي موضع من دار زينب بنت سليمان التي صارت لعمرو بن مسعدة، والدار التي فوقها إلى دار العباس بن محمد التي بأصل نزاعة المشوى وكانت له عين، وكان له مشرع يرده الناس يقول فيه الشاعر:

سكنوا الجزع جزع بيت أبي مـو

 

سى إلى النخل من صفي السباب

حايط مورش: ومنها حايط يقال له حايط مورش، ومورش كان قيما عليه في موضع دار محمد بن سليمان بن علي، ودار لبابة بنت علي، ودار ابن قثم اللواتي بفم شعب الخوز، وكان فيه النخل، وكانت له عين ومشرع يرده الناس إلى اليوم، وكان فيه النخل والزرع حديثاً من الدهر على طريق منى وطريق العراق.
حايط خرمان: ومنها حايط خرمان وهو من ثنية اذاخر إلى بيوت جعفر العلقمي وبيوت بن أبي الرزام وماجله قايم إلى اليوم، وكان فيه النخل والزرع حديثاً من الدهر، وكانت له عين ومشرع يرده الناس.
حايط مقيصرة: ومنها حايط مقيصرة وكان موضعه نحو بركتي سليمان بن جعفر إلى قصر أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر، وكانت له عين ومشرع، وكان فيه النخل.
حايط حراء: ومنها حايط حراء وضفيرته قايمة إلى اليوم، وكان فيه النخل، وكان له مشرع يرده الناس.
حايط ابن طارق: ومنها حايط ابن طارق بأسفل مكة، وكانت له عين تمر في بطن وادي مكة تحت الأرض وكانت له عين ومشرع وكان فيه النخل.
حايط فخ: ومنها حايط فخ وهو قايم إلى اليوم  
حايط بلدح: ومنها حايط بلدح.
فهذه العيون العشرة اجراها معاوية رحمه الله تعالى واتخذها بمكة واتخذت بعد ذلك ببلدح عيون سواها منها.
حايط ابن العاص: عين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ببلدح وهي قايمة إلى اليوم.
حايط سفيان: وحايط سفيان والخيف الذي أسفل منه وهما اليوم لأم جفعر.
وكانت عيون معاوية تلك قد انقطعت وذهبت فأمر أمير المؤمنين الرشيد بعيون منها فعملت وأحييت وصرفت في عين واحدة يقال لها: الرشا تسكب في الماجلين اللذين أحدهما لأمير المؤمنين الرشيد بالمعلاة ثم تسكب في البركة التي عند المسجد الحرام ثم كان الناس بعد يقطع هذه العيون في شدة من الماء، وكان أهل مكة والحاج يلقون من ذلك المشقة حتى إن الراوية لتبلغ في الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل الماء، فبلغ ذلك أم جعفر بنت أبي الفضل جعفر بن أمير المؤمنين المنصور، فأمرت في سنة أربع وتسعين وماية بعمل بركتها التي بمكة فأجرت لها عيناً من الحرم فجرت بماء قليل لم يكن فيه ري لأهل مكة، وقد غرمت في ذلك غرماً عظيماً فبلغها فأمرت جماعة من المهندسين أن يجروا لها عيوناً من الحل، وكان الناس يقولون: إن ماء الحل لا يدخل الحرم، لأنه يمر على عقاب جبال، فأرسلت بأموال عظام ثم أمرت من يزن عينها الأولى فوجدوا فيها فساداً فانشأت عيناً اخرى إلى جانبها وأبطلت تلك العيون فعملت عينها هذه بأحكم ما يكون من العمل وعظمت في ذلك رغبتها وحسنت نيتها فلم تزل تعمل فيها حتى بلغت ثنية خل فإذا الماء لا يظهر في ذلك الجبل فأمرت بالجبل فضرب فيه، وانفقت في ذلك من الأمول ما لم يكن تطيب به نفس كثير من الناس حتى أجراها الله عز وجل لها، وأجرت فيها عيوناً من الحل منها عين من المشاش واتخذت لها بركاً تكون السيول إذا جاءت تجتمع فيها، ثم أجرت لها عيوناً من حنين واشترت حايط حنين فصرفت عينه إلى البركة وجعلت حايطه سداً يجتمع فيه السيل، فصارت لها مكرمة لم تكن لأحد قبلها وطابت نفسها بالنفقة فيها بما لم تكن تطيب نفس أحد غيرها به، فأهل مكة والحاج انما يعيشون بها بعد الله عز وجل، ثم أمر أمير المؤمنين المأمون صالح بن العباس في سنة عشر ومايتين أن يتخذ له بركاً في السوق خمساً لئلا يتعنى أهل أسفل مكة والثنية وأجيادين والوسط إلى بركة أم جعفر فأجرى عيناً من بركة أم جعفر من فضل مائها في عين تسكب في بركة البطحاء عند شعب بن يوسف في وجه دار ابن يوسف، ثم يمضي إلى بركة عند الصفا ثم يمضي إلى بركة عند الحناطين ثم يمضي إلى بركة بفوهة سكة الثنية دون دار أويس ثم يمضي إلى بركة عند سوق الحطب بأسفل مكة ثم يمضي في سرب ذلك إلى ما جل أبي صلاية ثم إلى الماجلين اللذين في حايط ابن طارق بأسفل مكة، وكان صالح بن العباس لما فرغ منها ركب بوجوه الناس إليها، فوقف عليها حين جرى فيها الماء ونحر عند كل بركة جزوراً، وقسم لحمها على الناس.

ما ذكر من أمر الرباع رباع قريش وحلفائها


أولها رباع بني عبد المطلب بن هاشم قال أبو الوليد الدار التي صارت لابن سليم الأزرق وهي إلى جنب دار بني مرحب صارت لإسماعيل بن إبراهيم الحجبي وهي قبالة دار حويطب بن عبد العزى إلى منتهى دار إبراهيم بن محمد بن طلحة ابن عبد الله فلولده الحارث بن عبد المطلب أول ذلك الحق وهي الدار التي اشتراها ابن أبي الكلوح البصري، والحق الذي يليه وهو الشعب شعب ابن يوسف وبعض دار ابن يوسف لأبي طالب، والحق الذي يليه وبعض دار ابن يوسف المولد مولد النبي صلى الله عليه وسلم وما حوله لأبي النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب، والحق الذي يليه حق العباس بن عبد المطلب، وهي دار خالصة مولاة الخيزران، ثم حق المقوم بن عبد المطلب وهي دار الطلوب مولاة زبيدة ثم حق أبي لهب وهي دار أبي يزيد اللهبي. فهذا آخر حقهم في هذا الموضع، وذكر غير واحد من المكيين ان الشعب الذي يقال له: شعب ابن يوسف كان لهاشم بن عبد مناف دون الناس، قالوا: وكان عبد المطلب قد قسم حقه بين ولده ودفع اليهم ذلك في حياته حين ذهب بصره فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله بن عبد المطلب، وللعباس بن عبد المطلب أيضاً الدار التي بين الصفا والمروة التي بيد ولد موسى بن عيسى التي إلى جنب الدار التي بيد جعفر بن سليمان ودار العباس هي الدار المنقوشة التي عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا بأصلها ويزعمون انها كانت لهاشم بن عبد مناف، وفي دار العباس هذه حجران عظيمان يقال لهما: اساف ونايلة صنمان كانا يعبدان في الجاهلية هما في ركن الدار، ولهم أيضاً دار أم هاني بنت أبي طالب التي كانت عند الحناطين عند المنارة فدخلت في المسجد الحرام حين وسعه المهدي الهدم الآخر سنة سبع وستين وماية.

رباع حلفاء بني هاشم

دار الأسود بن خلف الخزاعي وهي دار طلحة الطلحات باعها عبد الله بن القاسم بن عبيدة بن خلف الخزاعي من جعفر بن يحيى البرمكي بماية ألف دينار: وهي دار الإمارة التي عند الحذائين بناها حماد البربري للرشيد هارون أمير المؤمنين، ولهم أيضاً دار القدر التي هي في زقاق أصحاب الشيرق باعها عبد الرحمن بن القاسم بن عبيدة بن خلف الخزاعي من الفضل بن الربيع بعشرين ألف دينار، ولآل حكيم بن الأوقص السلمي حلفاء بني هاشم دار حمزة في السويقة ودار درهم في السويقة، وللملحيين الخزاعيين أيضاً دار أم إبراهيم التي في زقاق الحذائين اشتراها معاوية منهم، وكان يقال لها: دار أوس، وللملحيين أيضاً دار ابن ماهان في زقاق الحذائين.
ولبني عتوارة من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة دار عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، ومن دار الطلحيين التي بالبطحاء إلى باب شعب بن عامر فذلك الربع لهم أيضاً.

رباع بني عبد المطلب بن عبد مناف

الدار التي بفوهة شعب ابن عامر يقال لها: دار قيس بن مخرمة كانت لهم جاهلية، وزعم بعض الناس ان دار عمرو بن سعيد بن العاص التي في ظهر دار سعيد كانت لهم فخرجت من أيديهم؛ وقال غير هؤلاء: بل كانت هذه الدار لقوم من بني بكر وهم أخوال سعيد بن العاص فاشتراها منهم وهو أشهر القولين.

رباع حلفائهم

لآل عتبة بن فرقد السلمي دارهم وربعهم التي عند المروة، وهو شق المروة السوداء دار الحرشي المنقوشة وزقاق آل أبي ميسرة يقال لها: دار ابن فرقد.

رباع بني عبد شمس بن عبد مناف

لآل حرب بن أمية بن عبد شمس دار أبي سفيان بن حرب التي بين الدارين يقال لها: دار ريطة ابنة أبي العباس، وهي الدار التي قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال: اصعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعلاة في بعض حاجته فمر بأبي سفيان بن حرب يهني جملاً له فنظر إلى أحجار قد بناها أبو سفيان شبه الدكان في وجه داره يجلس عليه في فيء الغداة، فقال له عمر: يا با سفيان ما هذا البناء الذي أحدثته في طريق الحاج ? فقال أبو سفيان: دكان نجلس عليه في فيء الغداة، فقال له عمر: لا أرجع من وجهي هذا حتى تقلعه وترفعه، فبلغ عمر حاجته، فجاء والدكان على حاله، فقال له عمر: ألم أقل لك لا أرجع حتى تقلعه ? قال أبو سفيان: انتظرت يا أمير المؤمنين أن يأتينا بعض أهل مهنتنا فيقلعه ويرفعه فقال عمر رضي الله عنه: عزمت عليك لتقلعنه بيدك ولتنقلنه على عنقك فلم يراجعه أبو سفيان حتى قلعه بيده ونقل الحجارة على عنقه وجعل يطرحها في الدار فخرجت إليه هند ابنة عقبة، فقالت: يا عمر أمثل أبي سفيان تكلفه هذا وتعجله عن ان يأتيه بعض أهل مهنته فطعن بمخصرة كانت في يده في خمارها فقالت هند ونقحتها بيدها: اليك عني يا بن الخطاب فلو في غير هذا اليوم تفعل هذا لاضطمت عليك الأخاشب، قال: فلما قلع أبو سفيان الحجارة ونقلها استقبل عمر القبلة وقال: الحمد لله الذي أعز الاسلام وأهله عمر بن الخطاب رجل من بني عدي بن كعب يأمر أبا سفيان بن حرب سيد بني عبد مناف بمكة فيطيعه ثم ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني سليمان بن حرب باسناد له قال: كان المسلمون يرون للسلطان عزمة فلقب أهل الكوفة سعيد بن العاص في امارة عثمان بن عفان أشعر بكا فقام فصعد المنبر فقال: عزمت على من كان لي عليه سمع وطاعة، سماني أشعر بركا، الا قام، فقام الذي سماه، فقال: أيها الأمير من الذي يجترئ أن يقوم فيقول: أنا الذي سميتك أشعر بركا وأشار إلى صدره أو إلى نفسه.
حدثنا أبو الوليد وحدثني جدي حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال: وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحذاءين فضرب برجله فقال سنام الأرض ان لها سناماً زعم ابن فرقد يعني عتبة بن فرقد السلمي اني لأعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجنى وتجنى ثنية قريبة من الطايف فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إن أبا سفيان لقديم الظلم ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته.
 
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: ابتنى معاوية بمكة دوراً منها الست المتقاطرة ليس لأحد بينها فصل أولها دار البيضاء التي على المروة وبابها من ناحية المروة ووجهها شارع على الطريق العظمى بين الدارين وكانت فيها طريق إلى جبل الديلمي فلم تزل حتى اقطعها العباس بن محمد بن علي فسد تلك الطريق فهي مسدودة إلى اليوم، ثم قبضت بعد من العباس بن محمد، فهي في الصوافي وإنما سميت دار البيضاء انها بنيت بالجص ثم طليت به فكانت كلها بيضاء، وجدر الدار الرقطاء إلى جنبها وإنما سميت الرقطاء لأنها بنيت بالآجر الأحمر والجص الأبيض فكانت رقطاء ثم كانت قد اقطعها الغطريف بن عطاء ثم قبضت منه فهي اليوم في الصوافي، ودار المراجل تلي دار الرقطاء بينهما الطريق إلى جبل الديلمي وإنما سميت دار المراجل لأنها كانت فيها قدور من صفر لمعاوية يطبخ فيها طعام الحاج، وطعام شهر رمضان فصارت دار المراجل لولد سليمان ابن علي بن عبد الله بن عباس اقطعها، ويقال: أنها كانت لآل المؤمل الندويين فابتاعها منهم معاوية، ويقال: إن دار الرقطاء والبيضاء كانتا لآل أسيد بن أبي العيص بن أمية فابتاعها منهم معاوية، ودار ببة إلى جنب دار المراجل على رأس الردم ردم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وببة عبد الله بن الحارث بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب وهي الدار التي صارت لعيسى بن موسى، ودار سلمة ابن زياد وهي التي إلى جنب دار ببة، وسلم بن زياد كان قيماً عليها وكان يسكنها، ودار الحمام وهي التي إلى جنب دار سلمة بينهما زقاق النار يقال: إن دار الحمام كانت لعبد الله بن عامر بن كريز فناقله بها معاوية إلى دار ابن عامر التي في الشعب، شعب ابن عامر، ودار رابعة وهي مقابل دار الحمام وهي التي في وجهها دور بني غزوان بأصل قرن مسقلة، ودار أوس وهي الدار التي يدخل إليها من زقاق الحذاءين يقال لها اليوم: دار سلسبيل يعني أم زبيدة كانت لآل أوس الخزاعي فابتاعها منهم معاوية وبناها، ودار سعد، وسعد هذا هو سعد القصير غلام معاوية كان بناها سعد بالحجارة المنقوشة فيها التماثيل مصورة في الحجارة وكانت فيها طريق تمرها المحامل والقباب من السويقة إلى المروة وكان بينها وبين دار عيسى بن علي ودار سلسبيل طريق في زقاق ضيق فصارت لعبد الله ابن مالك بن الهيثم الخزاعي فهدمها وسد الطريق التي كانت في بطنها وأخرج للناس طريقاً تمر بها المحامل والقباب فكان الزقاق الضيق بينهما وبين دار سلسبيل أم زبيدة، ودار عيسى بن علي وهي دار عبد الله بن مالك التي إلى جنب دار عيسى بن علي في زقاق الجزارين وقد زعم بعض الناس انها كانت لسعد بن أبي طلحة بن عبد العزى العبدري وكان معاوية اشتراها منهم، ودار الشعب بالثنية عند الدارين يقال لها اليوم: دار الزنج، ويقال: أنها كانت من حق بني عدي ويقال: انها كانت لبني جمح فابتاعها منهم معاوية وبناها ودار جعفر بالثنية أيضاً إلى جنب دار عمرو بن عثمان فيها طريق مسلوكة يقال: انها كانت لبني عدي ويقال: لبني هاشم فابتاعها منهم وبناها، ودار البخاتي في خط الحزامية كانت فيها بخاتي معاوية إذا حج وفيها بير وهي اليوم لولد أبي عبد الله الكاتب، ودار الحدادين التي بسوق الليل مقابل سوق الفاكهة وسوق الرطب في الزقاق الذي بين دار حويطب ودار ابن أخي سفيان بن عيينة التي بناها، ودار الحدادين هذه كانت في ما مضى يقال لها دار مال الله كان يكون فيها المرضى وطعام مال الله، حدثني أبو الوليد قال: حدثني حمزة بن عبد الله بن حمزة بن عتبة عن أبيه قال: أدركت فيها المرضى وما نعرفها الا بدار مال الله وهي من رباع بني عامر ابن لؤي فابتاعها منهم معاوية، ولآل حرب أيضاً دار لبابة ابنة علي بن عبد الله ابن عباس التي عند القواسين كانت لحنظلة بن أبي سفيان وهي لهم ربع جاهلي، ودار زياد وكان موضعها رحبة بين دار أبي سفيان ودار حنظلة بن أبي سفيان في وجه دار سعيد بن العاص، ودار الحكم بن أبي العاص وكانت تلك الرحبة يقال لها: بين الدارين يعنون دار أبي سفيان ودار حنظلة بن أبي سفيان، وكانت إذا قدمت العير من السراة والطايف وغير ذلك تحمل الحنطة والحبوب والسمن والعسل تحط بين الدارين وتباع فيها، فلما استلحق معاوية زياد بن سمية خطب إلى سعيد بن العاص اخته فرده فشكاه إلى معاوية، فقال معاوية لزياد بن  
سمية: لأقطعنك أشرف ربع مكة ولأسدن عليه وجه داره، فاقطعه هذه الرحبة فسدت وجه دار سعيد، ووجه دار الحكم فتكلم مروان في دار الحكم حين سدوا وجهها وبقيت بغير طريق فترك له تسعة أذرع قدر ما يمر فيه حمل حطب، ولم يترك لسعيد من الطريق الا نحواً من ثلاثة أذرع لا يمرها حمل حطب، وكان يقال: لدار زياد هذه دار الصرارة، وكانت من دور معاوية دار الديلمي التي على الجبل الديلمي وإنما سميت دار الديلمي إن غلاماً لمعاوية يقال له: الديلمي هو الذي بناها والدار التي في السويقة يقال لها: دار حمزة تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعي اشتراها من آل أبي الأعور السلمي فكانت له حتى كانت فتنة ابن الزبير فاصطفاها ووهبها لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير، فيه تعرف اليوم بدار حمزة، وهي اليوم في الصوافي.سمية: لأقطعنك أشرف ربع مكة ولأسدن عليه وجه داره، فاقطعه هذه الرحبة فسدت وجه دار سعيد، ووجه دار الحكم فتكلم مروان في دار الحكم حين سدوا وجهها وبقيت بغير طريق فترك له تسعة أذرع قدر ما يمر فيه حمل حطب، ولم يترك لسعيد من الطريق الا نحواً من ثلاثة أذرع لا يمرها حمل حطب، وكان يقال: لدار زياد هذه دار الصرارة، وكانت من دور معاوية دار الديلمي التي على الجبل الديلمي وإنما سميت دار الديلمي إن غلاماً لمعاوية يقال له: الديلمي هو الذي بناها والدار التي في السويقة يقال لها: دار حمزة تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعي اشتراها من آل أبي الأعور السلمي فكانت له حتى كانت فتنة ابن الزبير فاصطفاها ووهبها لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير، فيه تعرف اليوم بدار حمزة، وهي اليوم في الصوافي.

رباع آل سعيد بن العاص بن أمية

قال أبو الوليد: دار أبي أحيحة سعيد بن العاص التي إلى جنب دار الحكم وهي لهم ربع جاهلي ولهم دار عمرو بن سعيد الأشدق وهي شرى، كانت لقوم من بني بكر، وهم أخوال سعيد بن العاص.

ربع آل أبي العاص بن أمية

لآل عثمان بن عفان دار الحناطين التي يقال لها: دار عمرو بن عثمان، ذكر بعض المكيين انها كانت لآل السباق بن عبد الدار، وقال بعضهم: كانت لآل أمية بن المغيرة، ودار عمرو بن عثمان التي بالثنية يقال: انها كانت لآل قدامة ابن مظعون الجمحي، ولآل الحكم بن أبي العاص دار الحكم التي إلى جنب دار سعيد بن العاص بين الدارين بنحر طريق من سلك من زقاق الحكم، ويقال: إن دار الحكم هذه كانت لوهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي أمه فصارت لأمية بن عبد شمس أخذها عقلاً في ضرب إليته، ولتلك الضربة قصة مكتوبة، ولهم دار عمر بن عبد العزيز كانت لناس من بني الحارث بن عبد مناف ثم اشتراها عمر وأمر ببنائها وهو وال على مكة والمدينة في خلافة الوليد ابن عبد الملك فمات الوليد بن عبد الملك قبل أن يفرغ منها فأمر عمر بن عبد العزيز بإتمام بنائها وكان بناؤها للوليد من ماله فلما ان فرغ منها عمر بن عبد العزيز، قدم في الموسم وهو والي الحج في خلافة سليمان، فلما نظر إليها لم ينزلها ثم تصدق بها على الحجاج والمعتمرين وكتب في صدقتها كتاباً وأشهد عليه شهوداً ووضعه في خزانة الكعبة عند الحجبة وأمرهم بالقيام عليها وأسكنها الحاج والمعتمرين فكانوا يفعلون ذلك  
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي قال: أخبرني عبد الرحمن بن الحسن ابن القاسم بن عقبة عن أبيه بهذه القصة كلها، وكان صديقاً لعمر بن عبد العزيز عالماً بأمره، قال أبو الوليد: قال لي جدي: فلم تزل تلك الدار في يد الحجبة يلونها ويقومون عليها حتى قبضت أموال بني أمية، فقبضت فيما قبض فاقطعها أبو جعفر أمير المؤمنين يزيد بن منصور الحجبي الحميري خال المهدي فلما استخلف المهدي قبضها من يزيد بن منصور وردها على ولد عمر بن عبد العزيز فأسلموها إلى الحجبة، فلم تزل بأيديهم على ما كانت عليه، قال أبو الوليد: وأخبرني جدي قال: ففيها عمل تابوت الكعبة الكبير وهي في أيدي الحجبة ثم تكلم فيها ولد يزيد من منصور في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين فردت عليهم ثم باعوها فاشتراها أمير المؤمنين الرشيد ثم ردت أيضاً في خلافة الرشيد إلى الحجبة فكانت في أيديهم حتى قبضها حماد البربري، فلم تزل في الصوافي حتى ردها المعتصم بالله أبو إسحق أمير المؤمنين على ولد عمر بن عبد العزيز في سنة سبع وعشرين ومايتين، وهي في يد ولد عمر بن عبد العزيز اليوم ودار مروان بن محمد ابن مروان بالثنية كانت شري من بني سهم.

ربع آل اسيد بن أبي العيص

لهم دار عبد الله بن خالد بن أسيد التي كانت على الردم الأدنى، ردم آل عبد الله وهي لهم ربع جاهلي، ولهم الدار التي فوقها على رأس الردم، بينها وبين دار عبد الله زقاق ابن هربذ، وهذه الدار لأبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهو ربع عتاق بن أسيد، والدار التي وراء دار عثمان في الزقاق وكان على بابها كتاب أبي عمر المعلم لهم أيضاً شري، ولهم دار حماد البربري التي إلى جنب دار لبابة كانت لولد عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد فباعوها، ولهم دار الحارث، ودار الحصين اللتان بالمعلاة في سوق ساعة عند فوهة شعب ابن عامر، والحصين ابن عبد الله بن خالد بن أسيد.

ربع آل ربيعة بن عبد شمس

لهم دار عتبة بن ربيعة بن عبد شمس التي بين دار أبي سفيان ودار ابن علقمة، ثم كانت قد صارت للوليد بن عتبة بن أبي سفيان فبناها بناءها الذي هو قايم إلى اليوم، ويقال: كان فيها حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي الذي كانت قريش أمرته على سقائها، وهو الذي يقول فيه الحارث بن أمية الأصغر:

اقرر بالأباطح كـل يوم

 

مخافة أن يشردني حكيم

قال أبو الوليد: قال جدي: هذه الدار هي دار عتبة بن ربيعة التي كان يسكن في الجاهلية، ودار عتبة بن ربيعة أيضاً بأجياد الكبير في ظهر دار خالد ابن العاص بن هشام المخزومي وهي دار موسى بن عيسى التي عملت متوضيات لأمير المؤمنين يقال: أنها كانت لعبد شمس بن عبد مناف.

ولآل عدي بن ربيعة بن عبد شمس

الدار التي صارت لجعفر بن يحيى بن خالد بن برمك بفوهة أجياد الكبير، عمرها جعفر بن يحيى بالحجر المنقوش والساج، اشتراها جعفر بن يحيى من أم السايب بنت جميع الأموية بثمانين ألف دينار وكانت هذه الدار لأبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس زوج زينب بنت لنبي صلى الله عليه وسلم وفيها ابتنى بزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدتها إليها أمها خديجة بنت خويلد، وفيها ولدت ابنته أمامة بنت زينب فلما أسلم وهاجر أخذها بنو عمه مع ما أخذوا من رباع المهاجرين.

ربع آل عقبة بن أبي معيط

الدار التي يقال لها: دار الهرابذة من الزقاق الذي يخرج على النجارين يلي ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس إلى المسكن الذي صار لعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد إلى الزقاق الآخر الأسفل الذي يخرج على البطحاء أيضاً عند حمام ابن عمران العطار، فذلك الربع يقال له: ربع أبي معيط.

ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس

 
قال أبو الوليد: الدار التي في ظهر دار أبان بن عثمان مما يلي الوادي عند النجارين إلى زقاق بن هربذ، وإلى ربع أبي معيط فذلك الربع ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس في الجاهلية، ولعبد الله بن عامر بن كريز داره التي في الشعب، والشعب كله من ربعه من دار قيس بن مخرمة إلى دار حجير، ما وراء دار حجير إلى ثنية أبي مرحب إلى موضع نادر من الجبل كالمنحوت، وهو قايم إلى اليوم شبه الميل يقال: إن كان ذلك علماً بين معاوية وبين عبد الله بن عامر فما وراء ذلك إلى الشعب هو لعبد الله بن عامر، وما كان في وجهه مما يلي حايط عوف بن مالك فذلك لمعاوية رحمه الله.

ولود أمية بن عبد شمس الأصغر

الدار التي بأجياد الكبير عند الحواتين يقال لها: دار عبلة في ظهرها دار الدومة فهذه الدار للحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس، زعم بعض المكيين انها كانت لأبي جهل بن هشام فوهبها للحارث بن أمية على شعر قاله فيه، وقال بعضهم: اشتراها منه بزق خمر، وللعبلات أيضاً حق بالثنية في حق بني عدي في مبط الحزنة ولآل سمرة بن حبيب بن عبد شمس داران بأسفل مكة عند خيام عنقود، وعنقود انسان كان يبيع الروس هنالك، ولهم أيضاً دار بأعلى مكة في وجه شعب بن عامر مقابل زقاق النار في موضع سوق الغنم القديم يقال لها اليوم: دار سمرة.

رباع حلفاء بني عبد شمس

دار جحش بن رياب الأسدي هي الدار التي بالمعلاة عند ردم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال لها: دار أبان بن عثمان عندها الرواسون، فلم تزل هذه الدار في أيدي ولد جحش وهم بنو عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهم أمية بنت عبد المطلب، فلما أذن الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الهجرة إلى المدينة، خرج آل جحش جميعاً الرجال والنساء إلى المدينة مهاجرين وتركوا دارهم خالية، وهم حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس، فعمد أبو سفيان بن حرب إلى دارهم هذه فباعها بأربع ماية دينار من عمرو بن علقمة العامري من بني عامر بن لوي، فلما بلغ آل جحش ان أبا سفيان قد باع دارهم انشا أبو أحمد بن جحش يهجو أبا سفيان ويعيره ببيعها وكانت تحته الفارعة بنت أبي سفيان.

ابلغ أبا سـفـيان أمـراً

 

في عواقبـه نـدامـه

دار ابن أختك بعـتـهـا

 

تقضي بها عنك الغرامه

وحليفكم بـالـلّـه رب

 

الناس مجتهد القسامـه

اذهب بها اذهب بـهـا

 

طوقتها طوق الحمامـه

 
فلما كان يوم فتح مكة، أتى أبو أحمد بن جحش وقد ذهب بصره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها، وقال: يا رسول الله إن أبا سفيان عمد إلى دارنا فباعها، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساره بشيء فما سمع أبو أحمد بعد ذلك ذكرها بشيء، فقيل لأبي أحمد بعد ذلك: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ? قال: قال لي: إن صبرت كان خيراً لك وكانت لك بها دار في الجنة، قال: قلت أنا أصبر، فتركها أبو أحمد، ثم اشتراها بعد ذلك يعلى بن منبه التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف فكانت له، وكان عثمان بن عفان قد استعمله على صنعاء ثم عزله وقاسمه ماله كله كما كان عمر يفعل بالعمال إذا عزلهم، قاسمهم أموالهم، فقال له عثمان: حين عزله يا با عبد الله كم لك بمكة من الدور ? فقال: لي بها دور أربع قال: فإني مخيرك ثم اختار قال: افعل ما شئت يا أمير المؤمنين فاختار يعلى دار غزوان ابن جابر بن شبيب بن عتبة بن غزوان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الوجهين التي كانت بباب المسجد الأعظم الذي يقال له: باب بني شيبة، وكان عتبة بن غزوان لما هاجر دفعها إلى أمية بن أبي عبيدة بن همام بن يعلى بن منبه، فلما كان عام الفتح وكلم بنو جحش بن رياب الأسدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارهم، فكره لهم أن يرجعوا في شيء من أموالهم أخذ منهم في الله تعالى وهجروه لله أمسك عتبة بن غزوان عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار هذه ذات الوجهين وسكت المهاجرون فلم يتكلم أحد منهم في دار هجرها لله سبحانه، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسكنيه كليهما، مسكنه الذي ولد فيه، ومسكنه الذي ابتنى فيه بخديجة بنت خويلد وولد فيه ولده جميعاً، وكان عقيل بن أبي طالب أخذ مسكنه الذي ولد فيه، وأما بيت خديجة فأخذه معتب بن أبي لهب وكان أقرب الناس إليه جواراً فباعه بعد من معاوية بماية ألف درهم، وكان عتبة بن غزوان يبلغه عن يعلى انه يفخر بداره فيقول: والله لا ظني سآتي دل بن علي فآخذ داري منه، فصارت دار آل جحش بن رياب لعثمان بن عفان حين قاسم يعلى دوره فكانت في يد عثمان وولده لم تخرج من أيديهم من يومئذ، وانما سميت دار ابان لأن ابان بن عثمان كان ينزلها في الحج والعمرة إذا قدم مكة فلذلك سميت به، وقال أبو أحمد بن جحش بن رياب يذكر الذي بينه وبين بني أمية من الرحم والصهر والحلف وكان حليفهم، وأمه اميمة بنت عبد المطلب، وكانت تحته الفارعة بنت أبي سفيان فقال أبو أحمد بن جحش بن رياب:

ابني امية كيف أظلم فـيكـم

 

وأنا ابنكم وحليفكم في العسر

لا تنقضوا حلفي وقد حالفتكم

 

عند الجمار عشية النـفـر

وعقدت حبلكم بحبلي جاهـداً

 

وأخذت منكم أوثق الـنـذر

ولقد دعاني غيركم فأبيتـهـم

 

وذخرتكم لنوايب الـدهـر

فوصلتم رحمي بحقن دمـي

 

ومنعتم عظمي من الكسـر

لكم الوفاء وأنتـم أهـل لـه

 

إذ في سواكم أقبح الـغـدر

منع الرقاد فما أغمض ساعة

 

هم يضيق بذكره صـدري

قال: ولآل جحش بن رياب أيضاً الدار التي بالثنية في حق آل مطيع بن الأسود ويقال لها: دار كثير بن الصلت دار الطاقة، ابتاعها كثير بن الصلت من آل جحش بن رياب في الاسلام.

ربع آل الأزرق بن عمرو

بن الحارث بن أبي شمر الغساني حليف المغيرة بن أبي العاص بن أمية  
دار الأزرق دخلت في المسجد الحرام كانت إلى جنب المسجد جدرها وجدر المسجد واحد وكان وجهها شارعاً على باب بني شيبة إذ كان المسجد متقدماً لاصقاً بالكعبة وكانت على يسار من دخل المسجد بجنب دار خيرة بنت سباع الخزاعية دار خيرة في ظهرها، وكان عقبة بن الأزرق يضع على جدرها مما يلي الكعبة مصباحاً عظيماً، فكان أول من استصبح لأهل الطواف حتى استخلف معاوية فأجرى للمسجد قناديل وزيتاً من بيت المال فكانوا يثقبون تحت الظلال وهذا المصباح يضيء لأهل الطواف فلم يزالوا يستصبحون فيه لأهل الطواف حتى ولي خالد بن عبد الله القسري لعبد الملك بن مروان فكان قد وضع مصباح زمزم الذي مقابل الركن الأسود، وهو أول من وضعه فلما وضعه منع آل عقبة بن الأزرق أن يصبحوا على دارهم فنزع ذلك المصباح، فلم تزل تلك الدار بأيديهم وهي لهم ربع جاهلي حتى وسع ابن الزبير المسجد ليالي فتنة ابن الزبير فادخل بعض دارهم في المسجد واشتراه منهم بثمانية عشر ألف دينار وكتب لهم بالثمن كتاباً إلى مصعب بن الزبير بالعراق فخرج بعض آل عقبة بن الأزرق إلى مصعب فوجدوا عبد الملك بن مروان قد نزل به يقاتله فلم يلبث ان قتل مصعب فرجعوا إلى مكة، فكلموا عبد الله بن الزبير فكان يعدهم حتى نزل به الحجاج فحاصره وشغل عن اعطائهم فقتل قبل أن يأخذوا شيئاً من ثمنها، فلما قتل كلموا الحجاج في ثمن دارهم وقالوا: ان ابن الزبير اشتراها للمسجد، فأبى أن يعطيهم شيئاً وقال: لا والله لا بردت عن ابن الزبير هو ظلمكم فادعوا عليه فلو شاء أن يعطيكم لفعل، فلم تزل بقيتها في أيديهم حتى وسع المهدي أمير المؤمنين المسجد الحرام فدخلت فيه فاشتراها منهم بنحو من عشرين ألف دينار فاشتروا بثمنها دوراً بمكة عرضاً منها وكانت صدقة محرمة فتلك الدور اليوم في أيديهم وكان دخولها في المسجد الحرام في سنة احدى وستين وماية، ولآل الأزرق بن عمرو أيضاً دارهم التي عند المروة إلى جنب دار طلحة بن داود الحضرمي يقال لها: دار الأزرق وهي في أيديهم إلى اليوم وهي لهم ربع جاهلي وهم يروون ان النبي صلى الله عليه وسلم دخلها على الأزرق بن عمرو عام الفتح وجاءه في حاحة فقضاها له وكتب له كتاباً أن يتزوج الأزرق في أي قبائل قريش شاء وولده، وذلك الكتاب مكتوب في أديم أحمر فلم يزل ذلك الكتاب عندهم حتى دخل عليهم السيل في دارهم التي دخلت في المسجد الحرام سيل الجحاف في سنة ثمانين فذهب بمتاعهم وذهب ذلك الكتاب في السيل، وذلك ان الأزرق قال له: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اني رجل لا عشيرة لي بمكة وانما قدمت من الشام وبها أصلي وعشيرتي وقد اخترت المقام بمكة فكتب له ذلك الكتاب.

ربع أبي الأعور

قال أبو الوليد: ربع أبي الأعور السلمي واسمه عمرو بن سفيان بن قايف ابن الأوقص الدار التي تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعي، وهذه الدار شارعة في السويقة البير التي في بطن السويقة بأصلها يقال لها: دار حمزة وهي من دور معاوية كان اشتراها من آل أبي الأعور السلمي فلما كانت فتنة ابن الزبير اصطفاها في أموال معاوية فوهبها لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير، فبه تعرف اليوم، وهي اليوم في الصوافي، ودار يعلى بن منبه كانت في فناء المسجد الحرام يقال لها ذات الوجهين كان لها بابان، وكان فيها العطارون وكانت مما يلي دار بني شيبة دخلت في المسجد الحرام حين وسعه المهدي سنة احدى وستين وماية، وكانت هذه الدار لعتبة بن غزوان حليف بني نوفل فلما هاجروا أخذها يعلى بن منبه وكان استوصاه بها حين هاجر، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتكلم أبو أحمد بن جحش في داره فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال وكره أن يرجعوا في شيء هجروه لله تعالى وتركوه فسكت عنها عتبة بن غزوان، وكان ليعلى بن منبه أيضاً داره التي في الحناطين ابتاعها من آل صيفي فأخرجه منها الذر، وهي الدار التي صارت لزبيدة بلصق المسجد الحرام عند الحناطين.

ربع آل داود بن الحضرمي

واسم الحضرمي عبد الله بن عمار حليف عتبة بن ربيعة
قال أبو الوليد: لهم دراهم التي عند المروة يقال لها: دار طلحة بين دار الأزرق بن عمرو الغساني ودار عتبة بن فرقد السلمي، ولهم أيضاً الدار التي إلى جنب هذه الدار عند باب دار الأزرق أيضاً يقال لها: دار حفصة، ويقال لها: دار الزوراء، ومن رباعهم أيضاً الدار التي عند المروة في صف دار عمر بن عبد العزيز، ووجهها شارع على المروة، الحجامون في وجهها، وهي اليوم في الصوافي اشتراها بعض السلاطين، اشترتها رملة بنت عبد الله بن عبد الملك بن مروان وزوجها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، فتصدقت بها ليسكنها الحاج والمعتمرون، وكان في دهليز دارها هذه شراب من أسوقة محلاة ومحمضة تسقي فيها في الموسم، وكان لهشام بن عبد الملك وهو خليفة شراب من أسوقة محمضة ومحلاة يسقي في الموسم على المروة في فسطاط في موضع الجنبذ الذي يسقي فيه الماء على المروة فمنع محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام ابن عبد الملك بن مروان، وهو أمير على مكة رملة بنت عبد الله بن عبد الملك أن تسقي على المروة شرابها، فشكت ذلك إلى عمها هشام بن عبد الملك فكتب لها: إذا انقضى الحاج أن تسقى في الصدر، فلم تزل تلك الدار يسقى فيها شراب رملة من وقوف وقفتها عليها بالشام، ويسكن هذه الدار الحاج والمعتمرون حتى اصطفيت حين خرجت الخلافة من بني مروان، وهذه الدار من دار عمر بن عبد العزيز إلى حق أم انمار القارية، والدار التي على ردم آل عبد الله عندها الحمارون بلصق دار آل جحش بن رياب، وهي بيوت صغار كانت لقوم من الأزد يقال لهم: البراهمة، ومسكنهم السراة، وهم حلفاء آل جرب بن أمية، فاشتراها منهم خالد بن عبد الله القسري فهي تعرف اليوم بدار القسري ثم اصطفيت.

رباع بني نوفل بن عبد مناف

قال أبو الوليد: كانت لهم دار جبير بن مطعم عند موضع دار القوارير اللاصقة بالمسجد الحرام بين الصفا والمروة، اشتريت منهم في خلافة المهدي أمير المؤمنين حين وسع المسجد الحرام قال: فأقطعت تلك الرحبة جعفر بن يحيى في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، ثم قبضت في أموال جعفر فبناها حماد البربري للرشيد بالرخام والفسيفساء من خارجها، وبنى باطنها بالقوارير والمينا الأصفر والأحمر وكانت لهم أيضاً دار دخلت في المسجد الحرام يقال لها: دار بنت قرضة، وكانت لهم الدار التي إلى جنب دار ابن علقمة صارت للفضل بن الربيع، اشتراها من أهل نافع بن جبير بن مطعم وبناها، وهي الدار التي احترقت على الصيادلة، كانت لنافع بن جبير خاصة من بين ولد جبير، ولهم دار عدي بن الخيار كانت عند العلم الذي على باب المسجد الذي يسعى منه من أقبل من المروة إلى الصفا، وكانت صدقة، فاشترى لهم بثمنها دوراً، فهي في أيدي ولد خيار بن عدي إلى اليوم، وعم دار ابن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل دخلت في المسجد الحرام، وكانت صدقة، فاشترى لهم بثمنها دوراً فهي في أيديهم إلى اليوم.

رباع حلفاء بني نوفل بن عبد مناف

قال أبو الوليد: دار عتبة بن غزوان من بني مازن بن منصور كانت إلى جنب المسجد الحرام يقال لها: ذات الوجهين، قد كتبت قصتها في رباع يعلى بن منبه، ودخلت هذه الدار في المسجد الحرام ودار حجير بن أبي اهاب بن عزيز بن قيس ابن عبد الله بن دارم التميمي، وكانت قبلهم لآل معمر بن خطل الجمحي، وهي الدار التي لها بابان، باب شارع على فوهة سكة قعيقعان، وباب إلى السكة التي تخرج إلى المسجد إلى باب قعيقعان، ثم صارت ليحيى بن خالد بن برمك اشتراها من آل حجير بستة وثلاثين ألف دينار، ثم هي اليوم في الصوافي وهي الدار التي صارت للصفار ثم صارت للسلطان بعد.

رباع بني الحارث بن فهر

قال أبو الوليد: قال جدي: لهم ربع دبر قرن القرظ بين ربع آل مرة ابن عمرو الجمحيين وبين الطريق التي لآل وابصة مما يلي الخليج وللضحاك بن قيس الفهري دار عند دار آل عفيف السهميين، بينها وبين حق آل المرتفع، وعلى ردم بني جمح دار يقال لها: دار قراد فنسب الردم إليهم بذلك، وكان الذي عمل ذلك الردم عبد الملك بن مروان عام سيل الجحاف مع ما عمل من الضفاير والردم هو الذي يقول فيه الشاعر:

سأملك عبرة وأفيض أخرى

 

إذا جاوزت ردم بني قراد

رباع بن أسد بن عبد العزى

 
قال أبو الوليد: كانت لهم دار حميد بن زهير اللاصقة بالمسجد الحرام في ظهر الكعبة كانت تفيء على الكعبة بالعشي، وتفيء الكعبة عليها بالبكر، فدخلت في المسجد الحرام في خلافة أبي جعفر، ولهم دار أبي البختري بن هاشم بن أسد، وقد دخلت في دار زبيدة التي عند الحناطين، ولهم في سكة الحزامية دار الزبير ابن العوام، ودار حكيم بن حزام، والبيت الذي تزوج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد في دار حكيم بن حزام، وسقيفة فيما هنالك، وخير مما يلي دار الزبير، وفي الخير باب يأخذ إلى دار الزبير ولعبد الله بن الزبير الدور التي بقعيقعان الثلاث المصطفى يقال لها: دور الزبير، ولم يكن الزبير ملكها، ولكن عبد الله ابتاعها من آل عفيف بن نبيه السهميين ومن ولد منبه، وفيها دار يقال لها: دار الزنج، وإنما سميت دار الزنج لأن ابن الزبير كان له فيها رقيق زنج، وفي الدار العظمى منهن بير حفرها عبد الله بن الزبير، وفي هذه الدار طريق إلى الجبل الأحمر وإلى قرارة المدحا موضع كان أهل مكة يتداحون فيه بالمداحي والمراصع، وكانت لعبد الله بن الزبير أيضاً دار بقعيقعان يقال لها: دار الحشني وكانت له دار البخاتي كانت بين دار العجلة ودار الندوة، وكانت إلى جنبها دار فيها بيت مال مكة كانت من دور بني سهم ثم كان عبد الملك بن مروان قبضها بعد من ابن الزبير، ثم دخلت الدار التي كان فيها بيت المال في دار العجلة حين بناها يقطين بن موسى للمهدي أمير المؤمنين، وصارت الاخرى للربيع ثم هي اليوم في الصوافي وهي التي يسكنها صاحب البريد، وإنما سميت تلك الدار دار البخاتي لأن ابن الزبير جعل فيها بخاتياً كان أتى بها من العراق، ولهم دارا مصعب بن الزبير اللتان عند دار العجلة كانتا للخطاب بن نفيل العدوي، ولهم دار العجلة ابتاعها عبد الله بن الزبير من آل سمير بن موهبة السهميين، وإنما سميت دار العجلة لأن ابن الزبير حين بناها عجل وبادر في بنائها، فكانت تبنى بالليل والنهار حتى فرغ منها سريعاً، وقال بعض المكيين: إنما سميت دار العجلة لأن ابن الزبير كان ينقل حجارتها على عجلة اتخذها على البخت والبقر.

رباع بني عبد الدار بن قصي

 
كانت لهم دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تشاور، ولا تناظر، ولا يعقدون لواء الحرب، ولا يبرمون الا فيها، يفتحها لهم بعض ولد قصي، فإذا بلغت الجارية منهم أدخلت دار الندوة فجاب عليها فيها درعها عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، ثم انصرفت إلى أهلها فحجبوها أو بعض ولده، وكانت بيده من بين ولد عبد الدار وإنما كانت قريش تفعل هذا في دار قصي تيمناً بأمره، وتبركاً به، وكان عندهم كالدين المتبع، وكان قصي الذي جمع قريشاً وأسكنهم مكة وخط لهم الرباع ولم يكن يدخل دار الندوة من غير بني قصي إلا ابن أربعين سنة ويدخلها بنو قصي جميعاً وحلفاؤهم كبيرهم وصغيرهم، فلم تزل تلك بأيدي ولد عامر بن هاشم حتى باعها ابن الرهين العبدري وهو من ولده من معاوية بماية ألف درهم، وقد دخل أكثر دار الندوة في المسجد الحرام، وقد بقيت منها بقية هي قايمة إلى اليوم على حالها، قال أبو محمد الخزاعي: قد جعلت مسجداً وصل بالمسجد الكبير في خلافة المعتضد بالله، وقد كتبت قصتها في موضعه، ولهم دار شيبة ابن عثمان وهي إلى جنب دار الندوة وفيها خزانة الكعبة وهي دار أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ولها باب في المسجد الحرام؛ ولهم ربع في جبل شيبة ما وراء دار عبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعي إلى دار الأزرق ابن عمرو بن الحارث الغساني إلى ما سال من قرارة جبل شيبة إلى دار درهم، وربع بني المرتفع فذلك كله لبني شيبة بن عثمان، وزعم بعض الناس إن دار عبد الله بن مالك كانت لهم يقال: كانت لسعد بن أبي طلحة، ثم صارت لمعاوية، ولهم ربع بني المرتفع في السويقة إلى دار ابن الزبير، الدنيا التي بقعيقعان يقال: إن ذلك الربع كان لآل النباش بن زرارة التميمي، وقال بعض أهل العلم: كان ذلك الربع لأبي الحجاج بن علاط السلمي، وكانت عنده امرأة منهم يقال لها: فاطمة ابنة الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار فخرج مهاجراً فأخذوا ربعه، وزعم بعض المكيين انه كانت لهم الدار التي عند الخياطين التي يقال لها: دار عمرو بن عثمان كانت لآل السباق بن عبد الدار، وزعم غير هؤلاء انها كانت لأبي أمية بن المغيرة المخزومي.

رباع حلفاء بني عبد الدار بن قصي

قال أبو الوليد: رباع آل نافع بن عبد الحارث الخزاعيين، الربع المتصل بدار شيبة بن عثمان ودار الندوة إلى السويقة إلى دار حمزة التي بالسويقة، إلى ما دون السويقة، والزقاق الذي يسلك منه إلى دار عبد الله بن مالك، وإلى المروة، وينقطع ربعهم من ذلك الزقاق عند دار أم إبراهيم التي في دار أوس ومعهم فيه حق الملحيين، وهو الربع الذي صار لابن ماهان.

رباع بني زهرة

قال أبو الوليد: كانت لهم بفناء المسجد الحرام دار دخلت في المسجد الحرام، كانت عند دار يعلى بن منبه ذات الوجهين، وكانت لهم دار مخرمة ابن نوفل التي بين الصفا والمروة التي صارت لعيسى بن علي عند المروة، ولهم حق آل أزهر بن عبد عوف على فوهة زقاق العطارين، فيها العطارون وهي في أيديهم إلى اليوم، ولهم دار جعفر بن سليمان التي في زقاق العطارين، كانت لعوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة وهو أبو عبد الرحمن بن عوف.

رباع حلفاء بني زهرة

قال أبو الوليد: دار خيرة بنت سباع بن عبد العزى الخزاعية الملحية، كانت في أصل المسجد الحرام تصل دار جبير بن مطعم، ودار الأزرق بن عمرو الغساني، فدخلت في المسجد الحرام، وللغسانيين أيضاً الدار التي تصل دار أوس ودار عيسى بن علي فيها الحذاءون، يقال لها: دار ابن عاصم، وصار وجهها لجعفر بن أبي جعفر أمير المؤمنين، ثم اشتراها الرشيد هارون أمير المؤمنين، وأما مؤخر الدار فهي في أيدي العاصميين إلى اليوم.

ربع آل قارظ القاريين

وهي الدار التي يقال لها دار الخلد على الصيادلة بين الصفا والمروة بناها بناءها هذا حماد البربري، قال الأزرقي: وأما بناؤها هذا مما عمل لأم جعفر المقتدر بالله، وقد أقطعها في أيامه واشتراها الرشيد هارون أمير المؤمنين بين دار آل الأزهر، وبين دار الفضل بن الربيع التي كانت لنافع بن بجير بن مطعم.

ربع آل انمار القاريين

 
الربع الشارع على المروة على أصحاب الادم من ربع آل الحضرمي إلى رحبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقابل زقاق الخرازين الذي يسلك على دار عبد الله ابن مالك، ووجه هذا الربع بين الدارين مما يلي البرامين، فيه دار أم أنمار القارية كانت برزة من النساء، وكانت رجال قريش يجلسون بفناء بيتها يتحدثون؛ وزعموا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في ذلك المجلس ويتحدث بفناء بيتها، وفي هذا الربع بيت قديم جاهلي على بنيانه الأول يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل هذا البيت، وفي وجه هذا الربع مسجد صغير بين الدارين عند البرامين، زعم بعض المكيين ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه فاشترى السري بن عبد الله بن كثير بن عباس بعض هذا الربع وهو أمير مكة، فلما عزل وسخط عليه اصطفاه أمير المؤمنين أبو جعفر وكان فيه حق قد كان بعض بني أمية اشتراه فاصطفي منهم، ثم اشترى أمير المؤمنين أبو جعفر بقيته من ناس من القاريين، فهو في الصوافي إلى اليوم إلا القطعة التي كانت لابن حماد البربري، وليحيى بن سليم الكاتب فاشتراها ابن عمران النخعي ثم صارت لعبد الرحمن بن إسحاق قاضي بغداد.

ربع آل الأخنس بن شريق

دار الأخنس التي في زقاق العطارين من الدار التي بناها حماد البربري لهارون أمير المؤمنين إلى دار القدر التي للفضل بن الربيع، وهذا الربع لهم جاهلي، ولآل الأخنس أيضاً الحق الذي بسوق الليل على الحدادين مقابل دار الحوار، شراء من بني عامر بن لوي.

ربع آل عدي بن أبي الحمراء الثقفي

لهم الدار التي في ظهر دار ابن علقمة في زقاق أصحاب الشيرق يقال لها: دار العاصميين من دار القدر التي للفضل بن الربيع إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقال له: بيت خديجة، وهو لهم ربع جاهلي.

ربع بني تيم

قال أبو الوليد: دار أبي بكر الصديق في خط بني جمح وفيها بيت أبي بكر رضي الله عنه الذي دخله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على ذلك البناء إلى اليوم، ومنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى ثور مهاجراً، ولهم دار عبد الله بن جدعان كانت شارعة على الوادي على فوهتي سكتي أجيادين، أجياد الكبير، وأجياد الصغير، وهي الدار التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حضرت في دار ابن جدعان حلفاً لو دعيت إليه الآن لأجبت، وهو حلف الفضول كان في دار ابن جدعان، وقد دخلت هذه الدار في وادي مكة حين وسع المهدي المسجد الحرام، ودخل الوادي القديم في المسجد، وحول الوادي في موضعه الذي هو فيه اليوم، وكان في موضعه دور من دور الناس إلا قطعة فضلت في دار ابن جدعان وهي دار ابن عزارة، ودار المليكيين التي عند الغزالين إلى جنب دار العباس بن محمد التي على الصيارفة، ولهم حق أبي معاذ عند المروة، ولهم حق كان لعثمان بن عبد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة عند سكة أجياد، دخلت في الوادي، ولهم دار درهم بالسويقة شراء.

رباع بني مخزوم وحلفائهم


قال أبو الوليد: لهم أجيادان الكبير والصغير ما قبل منهما على الوادي إلى منتهى آخرهما إلا حق بني جدعان، وآل عثمان التيمي، وأجيادان جميعاً لبني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، إلا دار السايب التي يقال لها سقيفة، ودار العباس بن محمد التي على الصيارفة، فإنها من ربع العايذيين، ولأهل هبار من الأزد معهم حق بأجياد الصغير، وهبار رجل من الأزد كان الوليد بن المغيرة تبناه صغيراً في الجاهلية، فأحبه وأقطعه، وحق آل هبار هذا بين ربع خالد بن العاص بن هشام، وبين دار زهير بن أبي أمية، ومعهم أيضاً بأجياد الكبير حق الحارث بن أمية الإصغر عبد شمس بن عبد مناف يقال له: دار عبلة، ولآل هشام بن المغيرة من ذلك دار خالد بن العاص بن هشام، ودار الدومة وفي دار الدومة كان منزل أبي جهل بن هشام؛ وإنما سميت دار الدومة ان ابنة لمولى لخالد بن العاص بن هشام يقال له: أبو العدا، كانت تلعب بلعب لها من مقل، فدفنت مقلة فيها وجعلت تقول: قبر ابنتي، وتصب عليها الماء حتى خرجت الدومة وكبرت، فسميت دار الدومة، ومنزل أبي جهل الذي كان فيه هشام بن سليمان ولآل هشام بن سليمان دار الساج بأجياد الصغير أيضاً، وحق آل عبد الرحمن بن الحارث الموضع الذي يقال له: المربد، ودر الشركاء لآل هشام بن المغيرة أيضاً، وإنما سميت دار الشركاء لأن الماء كان قليلاً بأجياد فتخارج آل سلمة بن هشام وآخرون معهم فاحترفوا بير الشركاء في الدار، فقيل: بير الشركاء، ثم قيل: دار الشركاء، وهي لآل سلمة بن هشام، وهم يزعمون انهم حفروا البير، ودار العلوج بمجتمع أجيادين، كانت لخالد بن العاص بن هشام وإنما سميت دار العلوج انه كان فيها علوج له، ولهم دار الأوقص عند دار زهير بأجياد الصغير أيضاً، ولهم دار الشطوى كانت لآل عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، ولآل هشام بن المغيرة أيضاً حق بأسفل مكة عند دار سمرة بن حبيب، يقال: دفن فيها هشام بن المغيرة، وقد اختصم فيها آل هشام بن المغيرة، وآل مرة بن عمرو الجمحيون إلى الأوقص محمد بن عبد الرحمن بن هشام، وهو قاضي أهل مكة فشهد عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، إن خالد بن سلمة أخبره إن معاوية بن أبي سفيان ساوم خالد بن العاص بن هشام بذلك الربع فقال: وهل يبيع الرجل موضع قبر أبيه ? فقسمه الأوقص بين آل مرة، وبين المخزوميين، بعث مسلم بن خالد الزنجي فقسمه بينهم، ولآل زهير بن أبي أمية ابن المغيرة دار زهير بأجياد، وقد زعم بعض المكيين إن الدار التي عند الحياطين يقال لها: دار عمرو بن عثمان، كانت لأبي أمية بن المغيرة، وحق آل حفص ابن المغيرة عند الضفيرة بأجياد الكبير، وحق آل أبي ربيعة بن المغيرة دار الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وقد زعم بعض المكيين انه كان للواصبيين فاشتراه الحارث بن عبد الله؛ ويقال: كان في الجاهلية لمولى لخزاعة يقال له: رافع، فباعه ولده.

رباع بني عايذ من بني مخزوم


قال أبو الوليد: دار أبي نهيك، وقد دخل أكثرها في الوادي، وبقيتها دار العباس بن محمد التي بفوهة أجياد الصغير على الصيارفة، باعها بعض ولد المتوكل ابن أبي نهيك، ودار السايب بن أبي السايب العايذي، وقد دخل بعضها في الوادي، وبقيتها في الدار التي يقال لها: دار سقيفة، فيها البزازون عند الصيارفة، فيها حق عبد العزيز بن المغيرة بن عطاء بن أبي السايب، وصار وجهها لمحمد بن يحيى بن خالد بن برمك، وفي هذه الدار البيت الذي كانت فيه تجارة النبي صلى الله عليه وسلم، والسايب بن أبي السايب في الجاهلية، وكان السايب شريكاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الشريك السايب، لا مشاري ولا مماري ولا صخاب في الأسواق، ومن حق آل عايذ دار عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عايذ في أصل جبل أبي قبيس من دار القاضي محمد بن عبد الرحمن السفياني إلى دار ابن صيفي التي صارت ليحيى بن خالد بن برمك إلى منارة المسجد الحرام الشارعة على المسعى، وكان بابها، عند المنارة ومن عند بابها كان يسعى من اقبل من الصفا يريد المروة، فلما ان وسع المهدي المسجد الحرام في سنة سبع وستين وماية وأدخل الوادي في المسجد الحرام، أدخلت دار عباد بن جعفر هذه في الوادي اشتريت منهم وصيرت بطن الوادي اليوم إلا ما لصق منها بالجبل جبل أبي قبيس، وهو دار ابن روح، ودار ابن حنظلة إلى دار ابن برمك، ومن رباع بني عايذ دار ابن صيفي وهي الدار التي صارت ليحيى بن خالد بن برمك فيها البزازون، ومن رباع بني مخزوم حق آل حنطب وهو الحق المتصل بدار السايب من الصيارفة إلى الصفا، تلك المساكن كلها إلى الصفاء حق ولد المطلب ابن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، ولهم حق السفيانيين دار القاضي محمد بن عبد الرحمن من دار الأرقم إلى دار ابن روح العايذي، فذلك الربع لسفيان، والأسود ابني عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وللسفيانيين أيضاً حق في زقاق العطارين الدار التي مقابل دار الأخنس بن شريق، فيها ابن أخي الصمة يقال لها: دار الحارث لناس من السفيانيين يقال لهم: آل أبي قزعة، ومسكنهم السراة، وربع آل الأرقم بن أبي الأرقم، واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أبي جندب أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم الدار التي عند الصفا يقال لها: دار الخيزران، وفيها مسجد يصلى فيه كان ذلك المسجد بيتاً كان يكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم يتوارى فيه من المشركين، ويجتمع هو وأصحابه فيه عند الأرقم بن أبي الأرقم ويقرئهم القرآن، ويعلمهم فيه، وفيه أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولبني مخزوم حق الوابصين الذي في خط الحزامية بين دار الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وبين دار الزبير بن العوام، ولبني مخزوم دار خرابة وهي الدار التي عند اللبانين بفوهة خط الحزامية شارعة في الوادي صار بعضها لخالصة وبعضها لعيسى بن محمد بن إسماعيل المخزومي، وبعضها لابن غزوان الجندي.

رباع بني عدي بن كعب

قال أبو الوليد: كان بين بني عبد شمس بن عبد مناف وبين بني عدي بن كعب حرب في الجاهلية، وكانت بنو عدي تدعى لعقة الدم، وكانوا لا يزالون يقتتلون بمكة، وكانت مساكن بني عدي ما بين الصفا إلى الكعبة، وكانت بنو عبد شمس يظفرون عليهم ويظهرون، فأصابت بنو عبد شمس منهم ناساً، وأصابوا من بني عبد شمس ناساً، فلما رأت ذلك بنو عدي علموا ان لا طاقة لهم بهم حالفوا بني سهم، وباعوا رباعهم إلا قليلاً، وذكروا إن ممن لم يبع آل صداد فقطعت لهم بنو سهم كل حق أصبح لبني عدي في بني سهم حق نفيل بن عبد العزى وهو حق عمر بن الخطاب، وحق زيد بن الخطاب بالثنية، وحق مطيع بن الأسود هؤلاء الذين باعوا مساكنهم، وكانت بنو سهم من أعز بطن في قريش، وامنعه، وأكثره فقال الخطاب بن نفيل بن عبد العزى وهو يذكر ذلك ويتشكر لبني سهم:

أسكتني قـوم لـهـم نـايل

 

أجود بالعرف من اللافظه

سهم فما مثلهم مـعـشـر

 

عند مثيل الأنفس الفايظـه

كنت إذا ما خفت ضيماً حنت

 

درني رماح للعدى غايظه

وقال الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أيضاً وبلغه إن أبا عمرو بن أمية يتوعده:

أيوعدني أبو عمرو ودوني

 

رجال لا ينهنهها الوعـيد

 

رجال من بني سهم بن عمرو

 

إلى أبياتهم يأوي الـطـريد

جحاجحة شـياظـمة كـرام

 

مراججة إذا قرع الـحـديد

خضـارمة مـلاوثة لـيوث

 

خلال بيوتهم كـرم وجـود

ربيع المعدمين وكـل جـار

 

إذا نزلت بهم سـنة كـؤود

هم الراس المقدم من قريش

 

وعند بيوتهم تلقى الـوفـود

فكيف أخاف أو أخشى عدواً

 

ونصرهم إذا ادعوا عـتـيد

فلست بعادل عنهم سـواهـم

 

هذا الدهر ما اختلف الجديد

ولبني عدي خط ثنية كدا على يمين الخارج من مكة إلى حق الشافعيين على رأس كدا، ولهم من الشق الأيسر حق آل أبي طرفة الهذليين الذي على رأس كدا، فيه اراكة ناتئة شارعة على الطريق يقال لها: دار الاراكة، ومعهم في هذا الشق الأيسر حقوق ليست لهم معروفة منها حق آل كثير بن الصلت الكندي إلى جنب دار مطيع، كانت لآل جحش بن رياب الأسدي ومعهم حق لآل عبلة بأصل الخزنة، وكان للخطاب بن نفيل الداران اللتان صارتا لمصعب بن الزبير دخلتا في دار العجلة، وفي المسجد الحرام بعضها، وزعم بعض المكبين إن دار المراجل كانت لآل المؤمل العدوي باعوها فاشتراها معاوية وبناها، وكانت للخطاب بن نفيل دار صارت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت بين دار محرمة بن نوفل التي صارت لعيسى بن علي، وبين دار الوليد بن عتبة بين الصفا والمروة، وكان لها وجهان، وجه على ما بين الصفا والمروة، ووجه على فج بين الدارين فهدمها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته وجعلها رحبة ومناخاً للحاج تصدق بها على المسلمين وقد بقيت منها حوانيت فيها أصحاب الادم، سمعت جدي أحمد بن محمد يذكر إن تلك الحوانيت كانت أيضاً رحبة من هذه الرحبة، ثم كانت مقاعد يكون فيها قوم يبيعون في مقاعدهم، وفي المقاعد صناديق يكون فيها متاعهم بالليل، وكانت الصناديق بلصق الجدر ثم صارت تلك المقاعد خياماً بالجريد والسعف، فلبثت تلك الخيام ما شاء الله، جعلوا يبنونها باللبن النيء وكسار الآجر حتى صارت بيوتاً صغاراً يكرونها من أصحاب المقاعد في الموسم من أصحاب الادم بالدنانير الكثيرة، فجاءهم قوم من ولد عمر بن الخطاب من المدينة فخاصموا اولئك القوم فيها إلى قاض من قضاة أهل مكة، فقضى بها للعمريين وأعطى أصحاب المقاعد قيمة بعض ما بنوا، فصارت حوانيت تكرى من أصحاب الادم، وهي في أيدي ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى اليوم.

ربع بني جمح

لهم خط بني جمح عند الردم الذي ينسب إليهم، وكان يقال له: ردم بني قراد، دار أبي بن خلف ودار السجن سجن مكة، كانت لصفوان بن أمية فابتاعها منه نافع بن عبد الحارث الخزاعي وهو أمير مكة، ابتاعها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بأربعة آلاف درهم، ولهم دار صفوان التي عند دار المنذر ابن الزبير، ولهم دار صفوان السفلى عند دار سمرة، ولهم دار مصر بأسفل مكة، فيها الوراقون كانت لصفوان بن أمية، ولهم حنبتا خط بني جمح يميناً وشمالاً، وكانت لهم دار حجير بن أبي أهاب فباعوها من أبي أهاب بن عزيز التميمي حليف المطعم بن عدي بن نوفل، ولهم دار قدامة بن مظعون في حق بني سهم، ولهم دار عمرو بن عثمان التي بالثنية، ولهم حق آل جذيم في حق بني سهم، ويقال: إن تلك الدار كانت لآل مظعون، فلما هاجروا خلوها فغلب عليها آل جذيم، ولهم دار أبي محذورة في بني سهم.

رباع بني سهم

لهم دار عفيف التي في السويقة إلى قعيقعان إلى ما جاز سيل قعيقعان من دار عمرو بن العاص إلى دار غباة السهمي إلى ما جاز الزقاق الذي يخرج على دار أبي محذورة إلى الثنية، وكانت لهم دار العجلة ومعهم لآل هبيرة الجشميين حق في سند جبل زرزر، ودار قيس بن عدي جد ابن الزبعري هي الدار التي كانت اتخذت متوضئات ثم صارت ليعقوب بن داود المطبقي ودار ياسر خادم زبيدة، ما بين دار عبيد الله بن الحسن إلى دار غباة السهمي، ولهم حق آل قمطة.

رباع حلفاء بني سهم

قال أبو الوليد: دار بديل بن ورقاء الخزاعي التي في طرف الثنية.

رباع بني عامر بن لوي

 
قال أبو الوليد: لهم من وادي مكة على يسار المصعد في الوادي من دار العباس بن عبد المطلب التي في المسعى دار جعفر بن سليمان، ودار بن حوار، مصعداً إلى دار أبي أحيحة سعيد بن العاص، ومعهم فيه حق لآل أبي طرفة الهذليين، وهو دار الربيع، ودار الطلحيين، والحمام، ودار أبي طرفة فأول حقهم من أعلى الوادي دار هند بنت سهيل وهو ربع سهيل بن عمرو، وهذه الدار أول دار بمكة عمل لها بابان، وذلك إن هند بنت سهيل استأذنت عمر رضي الله عنه أن تجعل على دارها بابين، فأبى أن يأذن لها، وقال: انما تريدون أن تغلقوا دوركم دون الحاج والمعتمرين، وكان الحاج والمعتمرون ينزلون في عرصات دور مكة، فقالت هند: والله يا أمير المؤمنين ما أريد الا أن أحفظ على الحاج متاعهم، فاغلقها عليهم من السرق، فأذن لها فبوبتها، وأسفل منها دار الغطريف بن عطاء، والرحبة التي خلفها في ظهر دار الحكم، كانت لعمرو بن عبدود، ثم صارت لآل حويطب، وأسفل من هذه الدار دار حويطب ابن عبد العزى، في أسفل من هذه الدار دار الحدادين كانت لبعض بني عامر فاشتراها معاوية وبناها والدار التي أسفل منها التي فيها الحمام، ودار السلماني فوق دار الربيع كانت لرجل من بني عامر بن لوي يقال له: العباس بن علقمة، وأسفل من هذه الدار دار الربيع وحمام العايذيين، ودار أبي طرفة ودار الطلحيين كانت لآل أبي طرفة الهذليين وأسفل من هذه الدار دار محمد بن سليمان كانت لمخرمة بن عبد العزى أخي حويطب بن عبد العزى، ودار ابن الحوار من رباع بني عامر، وابن الحوار من موالي بني عامر في الجاهلية، وربعهم جاهلي، وأسفل من دار ابن الحوار دار جعفر بن سليمان كانت من رباع بني عامر بن لوي، ودار بن الحوار لولد عبد الرحمن بن زمعة اليوم، ولبني عامر بن لوي من شق وادي مكة اللاصق بجبل أبي قبيس في سوق الليل من حق الحارث بن عبد المطلب الذي على باب شعب ابن يوسف منحدراً إلى دار ابن صيفي التي صارت ليحيى بن خالد بن برمك، وفيه حق لآل الأخنس بن شريق، شري من بني عامر بن لوي، دار الحصين عند المروة في زقاق الخرازين، ولهم دار أبي سبرة ابن أبي رهم بن عبد العزى، وهي الدار التي بين دار أبي لهب، ودار حويطب بن عبد العزى ودار الحدادين، ودار الحكم بن أبي العاص، فيها الدقاقون والمزوقون، ولهم دار ابن أبي ذيب التي أسفل من دار أبي لهب في زقاق مسجد خديجة ابنة خويلد وهي في أيديهم إلى اليوم.

ذكر حد المعلاة وما يليها من ذلك

قال أبو الوليد: حد المعلاة من شق مكة الأيمن ما جازت دار الأرقم بن أبي الأرقم، والزقاق الذي على الصفا يصعد منه إلى جبل أبي قبيس مصعداً في الوادي فذلك كله من المعلاة ووجه الكعبة والمقام، وزمزم، وأعلى المسجد، وحد المعلاة من الشق الأيسر من زقاق البقر الذي عند الطاحونة ودار عبد الصمد بن علي، اللتان مقابل دار يزيد بن منصور الحميري خال المهدي يقال لها: دار العروس مصعد إلى قعيقعان، ودار جعفر بن محمد، ودار العجلة، وما حاز سيل قعيقعان إلى السويقة وقعيقعان مصعداً فذلك كله من المعلاة.

حد المسفلة

قال أبو الوليد: من الشق الأيمن من الصفا إلى أجيادين فما أسفل منه، فذلك كله من المسفلة وحد المسفلة من الشق الأيسر من زقاق البقر منحدراً إلى دار عمرو ابن العاص، ودار ابن عبد الرزاق الجمحي، ودار زبيدة، فذلك كله من المسفلة، فهذه حدود المعلاة والمسفلة.

ذكر اخشبي مكة

قال أبو الوليد: اخشبا مكة أبو قبيس وهو الجبل المشرف على الصفا إلى السويدا إلى الخندمة وكان يسمى في الجاهلية الأمين ويقال: انما سمي الأمين لأن الركن الأسود كان فيه مستودعاً عام الطوفان، فلما بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت نادى إن الركن منى في موضع كذا وكذا وقد كتبت ذلك في موضعه من هذا الكتاب عند بناء إبراهيم البيت الحرام قال أبو الوليد: وبلغني عن بعض أهل العلم من أهل مكة انه قال: انما سمي أبا قبيس إن رجلا أول من نهض البناء فيه كان يقال له: أبو قبيس، فلما صعد فيه بالبناء سمي جبل أبي قبيس، ويقال: كان الرجل من اياد ويقال: اقتبس منه الركن فسمي أبا قبيس، والأول أشهرهما عند أهل مكة.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي عن سليم بن مسلم عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه انه قال: أول جبل وضعه الله عز وجل على الأرض حين مادت أبو قبيس، والأخشب الآخر الجبل الأحمر: الذي يقال له: الأحمر وكان يسمى في الجاهلية الأعرف الأعرف: وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان وعلى دور عبد الله بن الجر الميزاب الزبير، وفيه موضع يقال له: الجر والميزاب انما سمي الجر والميزاب إن فيه موضعين يمسكان الماء إذا جاء المطر، يصب أحدهما في الآخر فسمي الأعلى منهما الذي يفرع في الأسفل الجر والأسفل منهما الميزاب وفي ظهره قرن أبي ريش: موضع يقال له: قرن أبي ريش وعلى رأسه صخرات مشرفات الكبش: يقال لهن: الكبش عندها موضع فوق الجبل الأحمر يقال قرارة المدحي: له: قرارة المدحي كان أهل مكة يتداحون هنالك بالمداحي والمراصع.

ذكر شق معلاة مكة اليماني وما فيه

مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرم فاضح: قال أبو الوليد: فاضح باصل جبل أبي قبيس ما أقبل على المسجد الحرام والسمعى، كان الناس يتغوطون هنالك، فإذا جلسوا لذلك كشف أحدهم ثوبه فسمي ما هنالك فاضحاً، وقال بعض المكيين: فاضح من حق آل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب إلى حد دار محمد بن يوسف فم الزقاق الذي فيه مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانما سمي فاضحاً لأن جرهم وقطورا اقتتلوا دون دار ابن يوسف عند حق آل نوفل بن الحارث فغلبت جرهم قطورا وأخرجتهم من الحرم وتناولوا النساء ففضحن، فسمي بذلك فاضحاً، قال جدي: وهذا أثبت القولين عندنا وأشهرهما.
الخندمة: الخندمة الجبل الذي ما بين حرف السويداء إلى الثنية التي عندها بير بن أبي السمير في شعب عمرو، مشرفة على أجياد الصغير، وعلى شعب ابن عامر، وعلى دار محمد بن سليمان في طريق منى إذا جاوزت المقبرة على يمين الذاهب إلى منى وفي الخندمة قال رجل من قريش لزوجته وهو يبري نبلا له، وكانت اسلمت سراً، فقالت له: لم تبري هذا النبل ? قال: بلغني ان محمداً يريد أن يفتتح مكة ويغزونا فلئن جاءونا لأخدمنك خادماً من بعض من نستأسر، فقالت: والله لكأني بك قد جئت تطلب محشاً احشك فيه، لو رأيت خبل محمد فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أقبل إليها فقال: ويحك هل من محش ? فقالت: فأين الخادم ? قال لها: دعيني عنك وأنشأ يقول:

وأنت لو أبصرتنا بالخندمه

 

إذ فر صفوان وفر عكرمه

 

وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه

قد ضربونا بالسيوف المسلمه

 

لم تنطقي باللوم أدنى كلمه

قال: وأبو يزيد سهيل بن عمرو، قال: وخبأته في مخدع لها حتى أومن الناس.
الأبيض: والأبيض الجبل المشرف على حق أبي لهب وحق إبراهيم ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله.
المستنذر: وكان يسمى في الجاهلية المستنذر وله يقول بعض بنات عبد المطلب:

نحن حفرنا بذر

 

بجانب المستنذر

جبل مرازم: جبل مرازم الجبل المشرف على حق آل سعيد بن العاص، وهو منقطع حق أبي لهب إلى منتهى حق ابن عامر الذي يصل حق آل عبد الله بن خالد بن اسيد، ومرازم رجل كان يسكنه من بني سعد بن بكر بن هوازن.
قرن مسقلة: قرن مسقلة: وهو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة في دبر دار سمرة عند موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابغة في أصله، ومسقلة رجل كان يسكنه في الجاهلية.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي عن ابن جريج قال: لما كان يوم الفتح فتح مكة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرن مسقلة، فجاءه الناس يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم.
جبل نبهان: جبل نبهان: الجبل المشرف على شعب أبي زياد في حق آل عبد الله بن عامر، ونبهان، وأبو زياد موليان لآل عبد الله ابن عامر.
جبل زيقيا: جبل زيقيا الجبل المتصل بجبل نبهان إلى حايط عوف، وزيقيا مولى لآل أبي ربيعة المخزوميين كان أول من بنى فيه فسمي به ويقال له اليوم جبل الزيقي.
جبل الأعرج: جبل الأعرج: في حق آل عبد الله بن عامر مشرف على شعب أبي زياد وشعب ابن عامر والأعرج مولى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه كان فيه فسمي به، ونسب إليه.
المطابخ: المطابخ: شعب ابن عامر كله يقال له: المطابخ، كانت فيه مطابخ تبع حين جاء مكة، وكسا الكعبة، ونحر البدن، فسمي المطابخ، ويقال: بل نحر فيه مضاض بن عمرو الجرهمي وجمع الناس به حين غلبوا قطورا، فسمي المطابخ.
ثنية أبي مرحب: ثنية أبي مرحب الثنية المشرفة على شعب أبي زياد وحق ابن عامر التي يهبط منها على حايط عوف يختصر من شعب ابن عامر إلى المعلاة وإلى منى.
شعب أبي دب: شعب أبي دب هو الشعب الذي فيه الجزارون وأبو دب رجل من بني سواة بن عامر وعلى فم الشعب سقيفة لأبي موسى الأشعري وله يقول كثير بن كثير السهمي:

سكنوا الجزع جزع بيت أبي موسي

 

إلى النخل من صفي الـسـبـاب

وعلى باب الشعب بير لأبي موسى، وكانت تلك البير قد دثرت واندفنت حتى نثلها بغا الكبير أبو موسى مولى أمير المؤمنين، ونفض عامتها، وبناها بنياناً محكماً، وضرب في جبلها حتى انبط ماءها، وبنى بحذائها سقاية، وجنابذ يسقي فيها الماء، واتخذ عندها مسجداً، وكان نزوله هذا الشعب حين انصرف عن الحكمين، وكانت فيه قبور أهل الجاهلية فلما جاء الاسلام حولوا قبورهم إلى الشعب الذي بأصل ثنية المدنيين الذي هو اليوم فيه، فقال أبو موسى حين نزله: أجاور قوماً لا يغدرون، يعني أهل المقابر، وقد زعم بعض المكيين إن قبر آمنة ابنة وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أبي دب هذا، وقال بعضهم: قبرها في دار رابغة، وقال بعض المدنيين: قبرها بالأبواء.
حدثنا أبو الوليد حدثني محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن عاصم الأسلمي قال: لما خرجت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فنزلوا بالأبواء، قالت هند بنت عتبة لأبي سفيان بن حرب: لو بحثتم قبر آمنة أم محمد فإنه بالأبواء، فإن أسر أحد منكم افتديتم به كل انسان بارب من آرابها فذكر ذلك أبو سفيان لقريش، وقال: إن هنداً قالت: كذا وكذا، وهو الرأي، فقالت قريش: لا تفتح علينا هذا الباب، إذا تبحث بنو بكر موتانا، وأنشد لابن هرمة:

إذا الناس غطوني تغطيت عنهم

 

وإن بحثوا عني ففيهم مباحث

وإن بحثوا بيري بحثت بيارهم

 

الا فانظروا ماذا تثير البحايث

حدثنا أبو الوليد: حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عمر عن عمر بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء فعدل إلى شعب هناك فيه قبر آمنة فأتاه فاستغفر لها، واستغفر الناس لموتاهم فأنزل الله عز وجل "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الآية، إلى قوله عز وجل: وعدها اياه.
الحجون: الحجون الجبل المشرف حذاء مسجد البيعة الذي يقال له مسجد الحرس، وفيه ثنية تسلك من حايط عوف من عند الماجلين اللذين فوق دار مال الله إلى شعب الجزارين وبأصله في شعب الجزارين كانت المقبرة في الجاهلية، وفيه يقول كثير بن كثير:

كم بذاك الحجون من حي صدق

 

من كهول أعفـه وشـبـاب

شعب الصفي: شعب الصفي وهو الشعب الذي يقال له: صفي السباب، وهو ما بين الراحة والراحة، الجبل الذي يشرف على دار الوادي عليه المنارة وبين نزاعة الشوي وهو الجبل الذي عليه بيوت ابن قطر، والبيوت اليوم لعبد الله بن عبيد الله بن العباس وله يقول الشاعر:

إذا ما نزلت حذو نزاعة الـشـوي

 

بيوت ابن قطر فاحذروا أيها الركب


وانما سمي الراحة لأن قريشاً كانت في الجاهلية تخرج من شعب الصفي فتبيت فيه في الصيف تعظيماً للمسجد الحرام، ثم يخرجون فيجلسون فيستريحون في الجبل فسمي ذلك الجبل الراحة، وقال بعض المكيين: انما سمي صفي السباب إن ناساً في الجاهلية كانوا إذا فرغرا من مناسكهم نزلوا المحصب ليلة الحصبة فوقفت قبايل العرب بفم الشعب شعب الصفي فتفاخرت بآبائها وايامها ووقايعها في الجاهلية فيقوم من كل بطن شاعر وخطيب فيقول: منا فلان ولنا يوم كذا وكذا فلا يترك فيه شيئاً من الشرف الا ذكره، ثم يقول: من كان ينكر ما يقول، أو له يوم كيومنا، أو له فخر مثل فخرنا، فليأت به ثم يقوم الشاعر فينشد ما قيل فيهم من الشعر فمن كان يفاخر تلك القبيلة أو كان بينه وبينها منافرة أو مفاخرة قام فذكر مثالب تلك القبيلة، وما فيها من المساوي، وما هجيت به من الشعر ثم فخر هو بما فيه، فلما جاء الله تعالى بالاسلام أنزل في كتابه العزيز "فإذا ضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا" يعني هذا المفاخرة والمنافرة أو أشد ذكراً وله يقول كثير بن كثير السهمي:

سكنوا الجزع جزع بيت أبي موسى

 

إلى النخل من صفي الـسـبـاب

وكان فيه حايط لمعاوية يقال له: حايط الصفي من أموال معاوية التي كان اتخذها في الحرم، وشعب الصفي أيضاً يقال له: خيف بني كنانة وذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم وعد المشركين فقال: موعدكم خيف بني كنانة، ويزعم بعض العلماء إن شعب عمرو ابن عثمان بن عبد الله بن خالد بن اسيد ما بين شعب الخوز إلى نزاعة الشوي إلى الثنية التي تهبط في شعب الخوز، يعرف اليوم بشعب التوبة وانما سمي شعب الخوز لأن نافع بن الخوزي مولى نافع بن عبد الحارث الخزاعي نزله وكان أول من بنى فيه فسمي به، وشعب بني كنانة من المسجد الذي صلى فيه علي بن أبي جعفر أمير المؤمنين إلى الثنية التي تهبط على شعب الخوز في وجهه دار محمد بن سليمان بن علي.
شعب الخوز: شعب الخوز: يقال له: خيف بني المصطلق ما بين الثنية التي بين شعب الخوز بأصلها بيوت سعيد بن عمر بن إبراهيم الخيبري، وبين شعب بني كنانة الذي فيه بيوت ابن صيفي إلى الثنية التي تهبط على شعب عمرو الذي فيه بير ابن أبي سمير، وانما سمي شعب الخوز ان قوماً من أهل مكة موالي لعبد الرحمن ابن نافع بن عبد الحارث الخزاعي كانوا تجاراً وكانت لهم دقة نظر في التجارة وتشدد في الامساك والضبط لما في أيديهم فكان يقال لهم: الخوز، وكان رجل منهم يقال له: نافع بن الخوزي، وكانوا يسكنون هذا الشعب فنسب إليهم وكان أول من بنى فيه شعب عثمان: شعب عثمان: هو الشعب الذي فيه طريق منى، من سلك شعب الخوز بين شعب الخوز وبين الخضراء ومسيلة يفرع في أصل العيرة، وفيه بير بن أبي سمير، والفداحية فيما بين شعب عثمان، وشعب الخوز، وهي مختصر طريق منى سوى الطريق العظمى وطريق شعب الخوز.
العيرة: العيرة الجبل الذي عند الميل على يمين الذاهب إلى منى وجهة قصر محمد بن داود، ومقابله جبل يقال له: العير الذي قصر صالح بن العباس بن محمد بأصله الدار التي كانت لخالصة، وقال بعض الناس: هو العيرة أيضاً، وفيه يقول الحارث بن خالد المخزومي:

أقـــــــوى مـــــــن آل فـــــــطـــــــيمة الـــــــــــــــحـــــــــــــــزم

 

فالـــــــعـــــــيرتـــــــان فـــــــاوحـــــــش الـــــــخـــــــطـــــــــم

خطم الحجون: خطم الحجون: يقال له: الخطم والذي أراد الحارث الخطم دون سدرة آل اسيد والحزم سدرة امامه تتياسر عن طريق العراق.

 

 

ذباب: ذباب: القرن المنقطع في أصل الخندمة بين بيوت عثمان بن عبد الله وبين العيرة، ويقال: لذلك الشعب شعب عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد.
المفجر: المفجر: ما بين الثنية التي يقال لها: الخضراء إلى خلف دار يزيد بن منصور يهبط على حياض ابن هشام التي بمفضى المازمين، مازمي منى إلى الفج الذي يلقاك على يمينك إذا أردت منى، يفضي بك إلى بير نافع بن علقمة وبيرته حتى تخرج على ثور، وبالمفجر موضع يقال له: بطحاء قريش، كانت قريش في الجاهلية وأول الاسلام يتنزهون به ويخرجون إليه بالغداة والعشي وذلك الموضع بذنب المفجر في مؤخره يصب فيه ما جاء من سيل الفدفدة.
شعب حوا: شعب حوا في طرف المفجر على يسارك وأنت ذاهب إلى المزدلفة من المفجر، وفي ذلك الشعب البير التي يقال لها: كر آدم.
 
واسط: واسط: قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المازمين مازمي منى فضرب حتى ذهب، وقال بعض المكيين: واسط الجبلان دون العقبة، وقال بعضهم: تلك الناحية من بير القسري إلى العقبة يسمى واسطاً، وقال بعضهم: واسط القرن الذي على يسار من ذهب إلى منى دون الخضراء في وجهه مما يلي طريق منى بيوت مبارك بن يزيد مولى الأزرق بن عمرو، وفي ظهره دار محمد بن عمر بن إبراهيم الخيبري، فذلك الجبل يسمى واسطاً، وهو أثبت الأقاويل عند جدي فيما ذكر وهو الذي يقول فيه مضاض الجرهمي:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفـا

 

أنيس ولم يسمر بـمـكة سـامـر

ولم يتربع واسـطـاً فـجـنـوبـه

 

إلى المنحنى من ذي الاراكة حاضر

الرباب: الرباب القرن الذي عند الثنية الخضراء بأصل ثبير غيناء عند بيوت ابن لاحق مولى لآل الأزرق بن عمرو مشرفة عليها، وهي التي عند القصر الذي بنى محمد بن خالد بن برمك أسفل من بير ميمون الحضرمي، وأسفل من قصر أمير المؤمنين أبي جعفر.
ذو الاراكة: ذو الاراكة: عرض بين الثنية الخضراء وبين بيوت أبي ميسرة الزيات.
شعب الرخم: شعب الرخم: الذي بين الرباب وبين أصل ثبير غيناء.
ثبير غيناء: الاثبرة: ثبير غيناء وهو المشرف على بير ميمون وقلته المشرفة على شعب علي عليه السلام، وعلى شعب الحضارمة بمنى وكان يسمى في الجاهلية سميراً ويقال: لقلته ذات القتادة، وكان فوقه قتادة ولها يقول الحارث بن خالد:

إلى طرف الجمار فما يليها

 

إلى ذات القتادة من ثبـير

ثبير: وثبير الذي يقال له: جبل الزنج، وانما سمي جبل الزنج لأن زنوج مكة كانوا يحتطبون منه ويلعبون فيه.
ثبير النخيل: وهو من ثبير النخيل، ثبير النخيل ويقال له الأقحوانة، الجبل الذي به الثنية الخضراء وبأصله بيوت الهاشميين يمر سيل منى بينه وبين وادي ثبير وله يقول الحارث بن خالد:

من ذا يسايل عنا أين منزلـنـا

 

فالأقحوانة منا منزل قـمـن

إذ نلبس العيش صفواً ما يكدره

 

طعن الوشاة ولا ينبو بنا الزمن

وقال بعض المكيين: الأقحوانة عند الليط كان مجلساً يجلس فيه من خرج من مكة يتحدثون فيه بالعشي ويلبسون الثياب المحمرة، والموردة، والمطيبة وكان مجلسهم من حسن ثيابهم يقال له: الاقحوانة، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن أبي عمر عن القاضي محمد بن عبد الرحمن بن محمد المخزومي عن القاضي الأوقص محمد بن عبد الرحمن بن هشام قال: خرجت غازياً في خلافة بني مروان فقفلنا من بلاد الروم فأصابنا مطر فأوينا إلى قصر فاستذرينا به من المطر، فلما أمسينا خرجت جارية مولدة من القصر فتذكرت مكة وبكت عليها وأنشأت تقول:

من كان ذا شجن بالشام يحبسـه

 

فإن في غيره أمسى لي الشجن

وإن ذا القصر حقاً ما به وطني

 

لكن بمكة أمسى الأهل والوطن

من ذا يسايل عنا أين منزلـنـا

 

فالأقحوانة منا منـزل قـمـن

إذا نلبس العيش صفواً ما يكدره

 

طعن الوشاة ولا ينبو بنا الزمن

فلما أصبحنا لقيت صاحب القصر فقلت له: رأيت جارية خرجت من قصرك فسمعتها تنشد كذا وكذا، فقال: هذه جارية مولدة مكية اشتريتها وخرجت بها إلى الشام فوالله ما ترى عيشنا ولا ما نحن فيه شيئاً، فقلت: تبيعها ? قال: إذا افارق روحي.
ثبير النصع: وثبير النصع: الذي فيه سداد الحجاج وهو جبل المزدلفة الذي على يسار الذاهب إلى منى وهو الذي كانوا يقولون في الجاهلية إذا أرادوا أن يدفعوا من المزدلفة: أشرق ثبير، كيما نغير، ولا يدفعون حتى يرون الشمس عليه.
ثبير الأعرج: وثبير الأعرج: المشرف على حق الطارقيين بين المغمس والنخيل حدثنا أبو الوليد وحدثني محمد بن يحيى حدثنا عبد العزيز ابن عمران عن معاوية بن عبد الله الأزدي عن معاوية بن قرة عن الخلد بن أيوب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما تجلى الله عز وجل للجبل تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة، وثلاثة أجبل فوقعت بالمدينة، فوقع بمكة حراء، وثبير وثور، ووقع بالمدينة أحد، وورقان، ورضوى.
الثقبة: الثقبة تصب من ثبير غيناء وهو الفج الذي فيه قصر الفضل بن الربيع إلى طريق العراق إلى بيوت ابن جريج.
 
السرر: السرر: من بطن السرر، الأفيعية من السرر مجاري الماء، منه ماء سيل مكة من السرر وأعلى مجاري السرر.
حدثنا أبو الوليد حدثني محمد بن يحيى حدثني عبد العزيز ابن عمران عن عبد الله بن جعفر إن السيل أبرز عن حجر عند قبر المراتين فإذا فيه كتاب أنا أسيد بن أبي العيص يرحم الله على بني عبد مناف.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سليم بن مسلم عن ابن جريج أنه روي عن بعض المكيين أنه قال: الثقبة بين حراء وثبير فيها بطحاء من بطحاء الجنة.
السداد: السداد ثلاثة أسدة بشعب عمرو بن عبد الله بن خالد، وصدرها يقال له: ثبير النصع عملها الحجاج بن يوسف تحبس الماء، والكبير منها يدعى أثال وهو سد عمله الحجاج في صدر شعب ابن عمرو، وجعله حبساً على وادي مكة، وجعل مغيضه يسكب في سدرة خالد، وهو على يسار من أقبل من شعب عمرو والسدان الآخران على يمين من أقبل من شعب عمرو وهما يسكبان في أسفل منى بسدرة خالد وهي صدر وادي مكة، ومن شقها واد يقال له: الأفيعية ويسكب فيه أيضاً شعب علي بمنى، وشعب عمارة الذي فيه منازل سعيد بن سلم، وفي ظهره شعب الرخم، ويسكب فيه أيضاً المنحر من منى، والجمار كلها تسكب في بكة.
وبكة الوادي الذي به الكعبة قال الله تعالى "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين" قال: وبطن مكة الوادي الذي فيه بيوت سراج؛ والمربع حايط ابن برمك.
فخ: وفخ وهو وادي مكة الأعظم وصدره شعب بني عبد الله ابن خالد بن أسيد.
الغميم: والغميم ما أقبل على المقطع ويلتقي وادي مكة ووادي بكة بقرب البحر.
السداد: السداد بالنصع من الأفيعية في طرف النخيل، عملها الحجاج لحبس الماء والأوسط منها يدعى اثال.
سدرة خالد: سدرة خالد: هي صدر وادي مكة من بطن السرر منها يأتي سيل مكة إذا عظم الذي يقال له: سيل السدرة وهو سيل عظيم عارم إذا عظم، وهو خالد بن أسيد بن أبي العيص ويقال: بل خالد بن عبد العزيز بن عبد الله.
المقطع: المقطع منتهى الحرم من طريق العراق على تسعة أميال، وهو مقلع الكعبة ويقال: انما سمي المقطع إن البناء حين بنى ابن الزبير الكعبة وجدوا هنالك حجراً صليباً فقطعوه بالزبر والنار فسمي ذلك الموضع المقطع، قال أبو محمد الخزاعي: أنشدني أبو الخطاب في المقطع:

طريت إلى هند وتربين مرة

 

لها إذا تواقفنا بفرع المقطع

وقول فتاة كنت أحسب انها

 

منعمة في ميزر لم تـدرع

حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سليم بن مسلم عن ابن جريج عن مجاهد قال: انما سمي المقطع إن أهل الجاهلية كانوا إذا خرجوا من الحرم للتجارة أو لغيرها علقوا في رقاب ابلهم لحاء من لحاء شجر الحرم، وإن كان راجلاً علق في عنقه ذلك اللحاء فأمنوا به حيث توجهوا فقالوا: هؤلاء أهل الله اعظاماً للحرم فإذا رجعوا ودخلوا الحرم، قطعوا ذلك اللحاء من رقابهم، ورقاب أباعرهم هنالك، فسمي المقطع لذلك.
ثنية الخل: ثنية الخل بطرف المقطع منتهى الحرم من طريق العراق.
السقيا: السقيا المسيل الذي يفرع بين مازمي عرفة ونمرة على مسجد إبراهيم خليل الرحمن، وهو الشعب الذي على يمين المقبل من عرفة إلى منى، وفي هذا الشعب بير عظيمة لابن الزبير كان ابن الزبير عملها وعمل عندها بستاناً وعلى باب شعب السقيا بير جاهلية قد عمرتها خالصة فهي تعرف بها اليوم.
الستار: الستار ثنية من فوق الانصاب وانما سمي الستار لأنه ستر بين الحل والحرم

ذكر شق معلاة مكة الشامي

وما فيه مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرم

شعب قعيقعان: قال أبو الوليد شعب قعيقعان وهو ما بين دار يزيد بن منصور التي بالسويقة يقال لها: دار العروس إلى دور ابن الزبير إلى الشعب الذي منتهاه في أصل الأحمر إلى فلق ابن الزبير الذي يسلك منه إلى الأبطح والسويقة على فوهة قعيقعان، وعند السويقة ردم عمله ابن الزبير حين بنى دوره بقعيقعان ليرد السيل عن دار حجير بن أبي اهاب وغيرها وفوق ذلك ردم بين دار عفيف وربع آل المرتفع ردم عن السويقة، وربع الخزاعيين، ودار الندوة، ودار شيبة بن عثمان.
 
جبل شيبة: جبل شيبة: هو الجبل الذي يطل على جبل الديلمي، وكان جبل شيبة وجبل الديلمي يسميان في الجاهلية واسطاً، وكان جبل شيبة للنباش بن زرارة التميمي ثم صار بعد ذلك لشيبة.
جبل الديلمي: جبل الديلمي هو الجبل المشرف على المروة وكان يسمى في الجاهلية سميراً، والديلمي مولى لمعاوية كان بنى في ذلك الجبل داراً لمعاوية فسمي به، والدار اليوم لخزيمة بن حازم.
الجبل الأبيض: الجبل الأبيض هو الجبل المشرف على فلق ابن الزبير.
الحافض: الحافض: أسفل من الفلق اسمه السايل وهو المشرف على دار الحمام وانما سهل ابن الزبير الفلق وضربه حتى فلقه في الجبل، إن المال كان يأتي من العراق فيدخل به مكة فيعلم به الناس فكره ذلك فسهل طريق الفلق ودرجه فكان إذا جاءه المال دخل به ليلاً ثم يسلك به المعلاة وفي الفلق حتى يخرج به على دوره بقعيقعان، فيدخل ذلك المال ولا يدري به أحد، وعلى رأس الفلق موضع يقال له: رحا الريح كان عولج فيه موضع رحا الريح حديثاً من الدهر فلم يستقم، وهو موضع قل ما تفارقه الريح.
جبل تفاجة: جبل تفاجة الجبل المشرف على دار سليم بن زياد، ودار الحمام، بزقاق النار وتفاجة مولاة لمعاوية كانت أول من بنى في ذلك الجبل.
الجبل الحبشي: الجبل الحبشي: الجبل المشرف على دار السري بن عبد الله التي صارت للحراني واسم الجبل الحبشي يعني لم ينسب إلى رجل حبشي انما هو اسم الجبل.
آلات يحاميم: آلات يحاميم الأحداب التي بين دار السري إلى ثنية المقبرة وهي التي قبر أمير المؤمنين أبو جعفر بأصلها، قال: يعرفها باليحاميم وأولها القرن الذي بثنية المدنيين على رأس بيوت ابن أبي حسين النوفلي والذي يليه القرن المشرف على منارة الحبشي فيما بين ثنية المدنيين وفلق ابن الزبير ومقابر أهل مكة بأصل ثنية المدنيين وهي التي كان ابن الزبير مصلوباً عليها وكان أول من سهلها معاوية ثم عملها عبد الملك بن مروان ثم كان آخر من بنى ضفايرها ودرجها وحددها المهدي.
شعب المقبرة: شعب المقبرة قال بعض أهل العلم من أهل مكة: وليس بينهم اختلاف انه ليس بمكة شعب يستقبل الكعبة كله ليس فيه انحراف الا شعب المقبرة، فإنه يستقبل الكعبة ليس فيه انحراف مستقيماً وقد كتبت جميع ما جاء في شعب المقبرة وفضلها في صدر هذا الكتاب.
ثنية المقبرة: ثنية المقبرة: هذه هي التي دخل منها الزبير بن العوام يوم الفتح، ومنها دخل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
أبو دجانة: أبو دجانة: هو الجبل الذي خلف المقبرة شارعاً على الوادي ويقال له: جبل البرم، وأبو دجانة، والأحداب التي خلفه تسمى ذات أعاصير.
شعب آل قنفد: شعب آل قنفد: هو الشعب الذي فيه دار آل خلف بن عبد ربه بن السايب مستقبل قصر محمد بن سليمان، وكان يسمى شعب اللئام، وهو قنفد بن زهير من بني أسد بن خزيمة، وهو الشعب الذي على يسارك وأنت ذاهب إلى منى من مكة فوق حايط خرمان، وفيه اليوم دار الخلفيين من بني مخزوم، وفي هذا الشعب مسجد مبني يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وينزله اليوم في الموسم الحضارمة.
غراب: غراب القرن الذي عليه بيوت خالد بن عكرمة بين حايط خرمان وبين شعب آل قنفد مسكن ابن أبي الرزام ومسكن أبي جعفر العلقمي بطرف حايط خرمان عنده.
سقر: سقر هو الجبل المشرف على قصر جعفر بن يحيى بن خالد ابن برمك وهو بأصله وكان عليه لقوم من أهل مكة يقال لهم: آل قريش بن عباد مولى لبني شيبة قصر ثم ابتاعه صالح بن العباس بن محمد فابتنى عليه وعمر القصر وزاد فيه، وهو اليوم لصالح بن العباس، ثم صار اليوم للمنتصر بالله أمير المؤمنين وكان سقر يسمى في الجاهلية الستار، وكان يقال له جبل كنانة، وكنانة رجل من العبلات من ولد الحارث بن أمية بن عبد شمس الأصغر.
 
شعب آل الأخنس: شعب آل الأخنس: وهو الشعب الذي كان بين حراء وبين سقر، وفيه حق آل زارويه موالي القارة حلفاء بني زهرة، وحق الزارويين منه بين العير وسقر إلى ظهر شعب آل الأخنس يقال له: شعب الخوارج وذلك إن نجدة الحروري عسكر فيه عام حج، ويقال له أيضاً: شعب العيشوم نبات يكثر فيه، والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة واسم الأخنس أبي، وانما سمي الأخنس انه خنس ببني زهرة فلم يشهدوا بدراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك الشعب يخرج إلى اذاخر، واذاخر بينه وبين فخ ومن هذا السعب دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح حتى مر في اذاخر حتى خرج على بير ميمون بن الحضرمي ثم انحدر في الوادي.
جبل حراء: جبل حراء وهو الجبل الطويل الذي بأصل شعب آل الأخنس مشرف على حايط مورش، والحايط الذي يقال له: حايط حراء على يسار الذاهب إلى العراق وهو المشرف القلة مقابل ثبير غيناء محجة العراق بينه وبينه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه واختبى فيه من المشركين من أهل مكة في غار في رأسه مشرف مما يلي القبلة، وقد كتبت ذكر ما جاء في حراء وفضله في صدر الكتاب مع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، قال مسلم ابن خالد: حراء: جبل مبارك قد كان يؤتى، قال أبو محمد الخزاعي: وفي حراء يقول الشاعر:

تفرج عنها الهم لما بـدا لـهـا

 

حرء كراس الفارسي المتـوج

منعمة لم تدر ما عيش شـقـوة

 

ولم تعترر يوماً على عود عوسج

القاعد: قال أبو الوليد: القاعد الجبل الساقط أسفل من حراء على الطريق على يمين من أقبل من العراق أسفل من بيوت أبي الرزام الشيبي.
أظلم: أظلم هو الجبل الأسود بين ذات جليلين وبين الأكمة.
ضنك: ضنك: هو شعب من أظلم وهو بينه وبين اذاخر في محجة العراق وانما سمي ضنكا إن في ذلك الشعب كتاباً في عرق أبيض مستطيراً في الجبل مصوراً صورة ضنك مكتوب الضاد والنون والكاف متصلاً بعضه ببعض كما كتبت ضنك، فسمي بذلك ضنكاً مكة السدر: مكة السدر من بطن فخ إلى المحدث.
شعب بني عبد الله: شعب بني عبد الله: ما بين الجعرانة إلى المحدث.
الحضرمتين: الحضرمتين على يمين شعب آل عبد الله بن خالد ابن أسيد بحذاء أرض ابن هربذ.
القمعة: القمعة قرن دون شعب بني عبد الله بن خالد عن يمين الطريق في أسفله حجر عظيم مفترش أعلاه مستدق أصله حداً كهيئة القمع.
القنينة: القنينة شعب بني عبد الله بن خالد بن اسيد، وهو الشعب الذي يصب على بيوت مكتومة مولاة محمد بن سليمان.
ثنية اذاخر: ثنية اذاخر الثنية التي تشرف على حايط خرمان، ومن ثنية اذاخر دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقبر عبد الله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بأصلها مما يلي مكة في قبور آل عبد الله بن خالد بن اسيد، وذلك انه مات عندهم في دارهم فدفنوه في قبورهم ليلاً.
النقوى: النقوى: ثنية شعب تسلك إلى نخلة من شعب بني عبد الله المستوفرة: المستوفره: ثنية تظهر على حايط يقال له: حايط ثرير وهو اليوم للبوشجاني، وعلى رأسها انصاب الحرم، فما سال منها على ثرير فهو حل، وما سال منها على الشعب فهو حرم.
ذكر شق مسفلة مكة اليماني وما فيه مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرم أجياد الصغير: قال أبو الوليد: أجياد الصغير: الشعب الصغير اللاصق بأبي قبيس ويستقبله أجياد الكبير على فم الشعب دار هشام ابن العاص بن هشام بن المغيرة، ودار زهير بن أبي أمية بن المغيرة إلى المتكأ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما سمي أجياد أجياداً ان خيل تبع كانت فيه فسمي أجياد بالخيل الجياد.
رأس الانمان: رأس الانسان: الجبل الذي بين أجياد الكبير وبين أبي قبيس.
حدثنا أبو الوليد قال: سمعت جدي أحمد بن محمد بن الوليد يقول: اسمه الانسان.
أنصاب الأسد: أنصاب الأسد: جبل بأجياد الصغير في أقصى الشعب وفي أقصى أجياد الصغير بأصل الخندمة بير يقال لها: بير يقال لها: بير عكرمة، وعلى باب شعب المتكا بير حفرتها زينب بنت سليمان بن علي، وحفر جعفر بن محمد بن سليمان ابن عبد الله بن سليمان بن علي في هذا الشعب بيراً وهو أمير مكة سنة سبع عشرة ومايتين.
شعب الخاتم: شعب الخاتم: بين أجياد الكبير والصغير.
 
جبل نفيع: جبل نفيع: ما بين بير زينب حتى تأتي أنصاب الأسد، وانما سمي نفيعاً انه كان فيه أدهم للحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم كان يحبس فيه سفهاء بني مخزوم، وكان ذلك الأدهم يسمى نفيعاً.
جبل خليفة: جبل خليفة: وهو الجبل المشرف على أجياد الكبير وعلى الخليج والحزامية وخليفة بن عمير رجل من بني بكر ثم أحد من بني جندع، وكان أول من سكن فيه وابتنى. وسيله يمر في موضع يقال له: الخليج يمر في دار حكيم بن حزام، وقد خلج هذا الخليج تحت بيوت الناس وابتنوا فوقه، وهو الجبل الذي صعد فيه المشركون يوم فتح مكة ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان هذا الجبل يسمى في الجاهلية كيد، وكان ما بين دار الحارث الصغيرة إلى موقف البقرة بأصل جبل خليفة سوق في الجاهلية، وكان يقال له: الكثيب، وأسفل من جبل خليفة الغرابات التي يرفعها آل مرة من بني جمح إلى الثنية كلها.
غراب: غراب جبل بأسفل مكة بعضه في الحل وبعضه في الحرم. حدثنا أبو الوليد وحدثني جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: اسم الجبل الأسود الذي بأسفل مكة غراب.
النبعة: النبعة: نصب في أسفل غراب.
الميثب: الميثب من الثنية التي بأسفل مكة إلى الرمضة، ثم بير خم حفرها مرة بن كعب بن لوي؛ قال الشاعر:

لا نستقي الا بخم أو الحفر

قال أبو الوليد: وكان ماء للمغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم على باب دار قيس بن سالم بير عادية قديمة، وكانت بير قصي ابن كلاب الأولى التي احتفرها في دار أم هاني ابنة أبي طالب.
جبل عمر: جبل عمر: الطويل المشرف على ربع عمر، اسمه العافر وقد قال الشاعر:

هيهات منها ان ألم خيالـهـا

 

سلمى إذا نزلت بسفح العافر.

عدافة: عدافة الجبل الذي خلف المسروح من وراء الطلوب.
المقنعة: المقنعة الجبل الذي عند الطلوب.
اللاحجة: اللاحجة من ظهر الرمضة وظهر أجياد الكبير إلى بيوت رزيق بن وهب المخزومي.
القدفدة: القدفدة: من مؤخر المفجر، واللاحجة ذات اللها، تصب في ظهر القدفدة.
ذو مراخ: ذو مراخ بين مزدلفة وبين أرض ابن عامر.
السلفان اليماني والشامي: السلفان اليماني والشامي: متنان بين اللاحجة وعرنة، وله يقول الشاعر:

ألـــم تـــســـأل الـــتـــنـــاضـــب عـــن ســـــــلـــــــيمـــــــى

 

ننـــاضـــب مـــقـــطـــع الـــســـلـــف الـــــــيمـــــــانـــــــي

الضحاضح: الضحاضح: ثنية ابن كرز، ثنية من وراء السلفيين، تصب في النبعة بعضها في الحل وبعضها في الحرم.

 

 

ذو السدير: ذو السدير: من منقطع اللاحجة إلى المزدلفة.
ذات السليم: ذات السليم: الجبل الذي بين مزدلفة، وبين ذي مراخ.
بشائم: بشائم: ردهة تمسك الماء فيما بين أضاة لبن بعضها في الحل وبعضها في الحرم.
أضاة النبط: أضاة النبط: بعرنة في الحرم كان يعمل فيها الآجر، وإنما سميت أضاة النبط انه كان فيها نبط بعث بهم معاوية بن أبي سفيان يعملون الآجر لدوره بمكة، فسميت بهم.
ثنية أم قردان: ثنية أم قردان: مشرفة على الصلا موضع آبار الأسود بن سفيان المخزومي.
يرمرم: يرمرم: أسفل من ذلك وفيها يقول الأشجعي:

فإن يك ظـنـي صـــادق بـــمـــحـــمـــد

 

تروا خـيلــه بـــين الـــصـــلا ويرمـــرم

ذات اللجب: ذات اللجب ردهة بأسفل اللاحجة تمسك الماء.

 

 

ذات ارحاء: ذات ارحاء: بير بين الغرابات وبين ذات اللجب.
النسوة: النسوة: أحجار تطأها محجة مكة إلى عرنة يفرع عليها سيل القفيلة من ثور يقال إن امرأة فجرت في الجاهلية فحملت فلما دنت ولادتها خرجت حتى جاءت ذلك المكان، فلما حضرتها الولادة قبلتها امرأة، وكانت خلف ظهرها امرأة أخرى فيقال انها مسخن جميعاً حجارة في ذلك المكان، فهي تلك الحجارة.
القفيلة: القفيلة: قيعة كبيرة تمسك الماء عند النسوة وهي من ثور.
ثور: ثور جبل بأسفل مكة على طريق عرنة، فيه الغار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مختبياً فيه هو وأبو بكر، وهو الذي أنزل الله سبحانه فيه، "ثاني اثنين إذ هما في الغار" ومنه هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى المدينة.
شعب البانة: شعب البانة: شعب في ثور وهو الذي يقول فيه الهذلي:

أفي الآيات والدمن المنول

 

بمفضى بين بانة فالغليل

ذكر شق مسفلة مكة الشامي وما فيه مما يعرف اسمه من المواضع والجبال والشعاب مما أحاط به الحرب.
 
الحزورة: قال أبو الوليد: الحزورة وهي كانت سوق مكة، كانت بفناء دار أم هاني ابنة أبي طالب التي كانت عند الحناطين، فدخلت في المسجد الحرام، كانت في أصل المنارة إلى الحثمة، والحزاور، والجباجب الأسواق، وقال بعض المكيين: بل كانت الحزورة في موضع السقاية التي عملت الخيرران بفناء دار الأرقم، وقال بعضهم: كانت بحذاء الردم في الوادي والأولى انها كانت عند الحناطين أثبت وأشهر عند أهل مكة وروى سفيان عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحزورة: أما والله انك لا حب البلاد إلى الله سبحانه، ولولا ان أهلك أخرجوني منك ما خرجت. قال سفيان: وقد دخلت الحزورة في المسجد الحرام، وفي الحزورة يقول الجرهمي:

وبداها قـوم اشـحـا أشـدة

 

على ما بهم يشرونه بالحزاور

الحثمة: الحثمة بأسفل مكة صخرات في ربع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال بعض المكيين: كانت عند دار اويس باسيل مكة على باب دار يسار مولى بني أسد بن عبد العزى، وفيها يقول خالد بن المهاجر بن خالد بن أسد:

لنساء بين الحجون إلى الحثـمة

 

في ليالي مقمـرات وشـرق

ساكنات البطاح أشهى إلى القلب

 

من الساكنـات دور دمـشـق

يتضمخن بالعبير وبالـمـسـك

 

ضماخـاً كـأنـه ريح مـرق

زقاق النار: زقاق النار: بأسفل مكة مما يلي دار بشر بن فاتك الخزاعي وانما سمي زقاق النار لما كان يكون فيه من الشرور.
بيت الأزلام: بيت الأزلام: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سليم بن مسلم عن ابن جريج إن بيت الأزلام كان لمقيس بن عبد قيس السهمي، وكان بالحثمة مما يلي دار أويس التي في مبطح السيل بأسفل مكة التي صارت لجعفر بن سليمان بن علي.
جبل زرزر: جبل زرزر: الجبل المشرف على دار يزيد بن منصور الحميري خال المهدي بالسويقة على حق آل نبيه بن الحجاج السهميين، وكان يسمى في الجاهلية القايم، وزرزر حايك كان بمكة، كان أول من بنى فيه فسمي به.
جبل النار: جبل النار: الذي يلي جبل زرزر وانما سمي جبل النار انه كان أصاب أهله حريق متوالي.
جبل أبي يزيد: جبل أبي يزيد: الجبل الذي يصل حق زرزر مشرفاً على حق آل عمرو بن عثمان الذي يلي زقاق مهر، ومهر انسان كان يعلم الكتاب هنالك، وأبو يزيد هو من أهل سواد الكوفة، كان أميراً على الحاكة بمكة كان أول من بنى فيه فنسب إليه، وهو يتولى آل هشام بن المغيرة.
جبل عمر: جبل عمر: الجبل المشرف على حق آل عمر، وحق آل مطيع بن الأسود وآل كثير بن الصلت الكندي، وعمر الذي ينسب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان يسمى في الجاهلية ذا أعاصير.
جبل الأذاخر: جبل الأذاخر التي تلي جبل عمر، تشرف على وادي مكة بالمسفلة تسمى في الجاهلية المذهبات، وكانت تسمى الأعصاد.
الحزنة: الحزنة الثنية التي تهبط من حق آل عمر، وبني مطيع، ودار كثير إلى الممادر، وبير بكار، وهي ثنية قد ضرب فيها، وفلق الجبل، فصار فلقاً في الجبل يسلك فيه إلى الممادر، وكان الذي ضرب فيها وسهلها يحيى بن خالد بن برمك يحتضر منها إلى عين كان أجراها في المغش، والليط؛ من فخ وعمل هنالك بستاناً.
شعب ارنى: شعب ارني: في الثنية في حق آل الأسود، وقالوا: انما سمي شعب أرنى لمولاة لحفصة بنت عمر أم المؤمنين، لها: أرنى، وقالوا: بل كان فيه فواجر في الجاهلية فكان إذا دخل عليهن انسان قلن: أرنى أرنى يقلن أعطني، فسمي الشعب شعب ثنية كداء: أرنى. ثنية كداء التي يهبط منها إلى ذي طوى، وهي التي دخل منها قيس بن سعد بن عبادة يوم الفتح، وخرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وعليها بيوت يوسف بن يعقوب الشافعي، ودار آل طرفة الهذليين يقال لها دار الأراكة، فيها اراكة خارجة من الدار على الطريق، وهي الدار التي يقول فيها حسان بن ثابت الأنصاري:

عندما خلينا إن لم تروها

 

تثير النقع موعدها كداء

الأبيض: الأبيض: الجبل المشرف على كداء على شعب أرنى على يسار الخارج من مكة.
قرن أبي الأشعث: قرن أبي الأشعث: وهو الجبل المشرف على كداء على يمين الخارج من مكة، وهو من الجبل الأحمر، وأبو الأشعث رجل من بني أسد بن خزيمة يقال له: كثير بن عبد الله بن بشر.
 
بطن ذي طوى: بطن ذي طوى ما بين مهبط ثنية المقبرة التي بالمعلاة إلى الثنية القصوى التي يقال لها: الخضراء تهبط على قبور المهاجرين دون فخ.
بطن مكة: بطن مكة مما يلي ذا طوى ما بين الثنية البيضاء التي تسلك إلى التنعيم إلى ثنية الحصحاص التي بين ذي طوى وبين الحصحاص.
المقلع: المقلع الجبل الذي بأسفل مكة على يمين الخارج إلى المدينة، عليه بيت لعبد الله بن يزيد مولى السري بن عبد الله.
فخ: فخ: الوادي الذي بأصل الثنية البيضاء إلى بلدح الوادي الذي تطأه في طريق جده على يسار ذي طوى، وما بين الليط ظهر الممدرة إلى ذي طوى إلى الرمضة بأسفل مكة.
الممدرة: الممدرة: بذي طوى عند بير بكار ينقل منها الطين الذي يبني به أهل مكة، إذا جاء المطر استنقع الماء فيها.
المغش: المغش من طرف الليط إلى خيف الشيرق بعرنة.
خزرورع: خزرورع: بطرف الليط مما يلي المغش.
استار: استار الجبل المشرف على فخ مما يلي طريق المحدث أرض كانت لأهل يوسف بن الحكم الثقفي.
مقرة النصارى: مقبرة النصارى: دبر المقلع على طريق بير عنبسة بذي طوى.
جبل البرود: جبل البرود وهو الجبل الذي قتل الحسين بن علي بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب وأصحابه يوم فخ عنده بفخ.
الثنية البيضاء: الثنية البيضاء: التي فوق البرود التي قتل حسين وأصحابه بينها وبين البرود.
الحصحاص: الحصحاص الجبل المشرف على ظهر ذي طوى إلى بطن مكة مما يلي بيوت أحمد المخزومي عند البرود.
المدور: المدور: متن من الأرض فيما بين الحصحاص وسقاية أهيب ابن ميمون.
مسلم: مسلم: الجبل المشرف على بيت حمران بذي طوى على طريق جدة وادي ذي طوى بينه وبين قصر ابن أبي محمود عند مفضى مهبط الحرتين الكبيرة والصغيرة.
ثنية أم الحارث: ثنية أم الحارث: هي الثنية التي على يسارك إذا هبطت ذا طوى تريد فخاً بين الحصحاص وطريق جده وهي أم الحارث بنت نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: متن ابن عليا: متن ابن عليا: ما بين المقبرة والثنية التي خلفها إلى المحجة التي يقال لها: الخضراء، وابن عليا رجل من خزاعة.
جبل أبي لقيط: جبل أبي لقيط: هو الجبل الذي حايظ ابن الشهيد بأصله بفخ.
ثنية اذاخر: ثنية اذاخر: وليست بالثنية التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حايط خرمان ولكن المشرفة على مال ابن الشهيد بفخ وأذاخر.
شعب أشرس: شعب أشرس: الشعب الذي يفرع على بيوت ابن وردان مولى السايب بن أبي وداعة السهمي بذي طوى، وأشرس مولى المطلب بن السايب بن أبي وداعة، وأشرس الذي روى سفيان عن أبيه حديث المقام والمقاط حين رده عمر.
غراب: غراب: الجبل الذي بمؤخر شعب الأخنس بن شريق إلى اذاخر.
شعب المطلب: شعب المطلب الشعب الذي خلف شعب الأخنس بن شريق يفرع في بطن ذي طوى، والمطلب هو ابن السايب بن أبي وداعة.
ذات الجليلين: ذات الجليلين ما بين مكة، والسدر، وفخ.
شعب زريق: شعب زريق: يفرع في الوادي الذي يقال له: ذو طوى، وزريق مولى كان في الحرس مع نافع بن علقمة ففجر بامرأة يقال لها: درة مولاة كانت بمكة فرجما في ذلك الشعب فسمي شعب زريق.
كتد: كتد: الجبل الذي بطرف المغش غير ان حلحلة بين الممدرة وبين كتد.
جبل المغش: جبل المغش: ومنه تقطع الحجارة البيض التي يبنى بها وهي الحجارة المنقوشة البيض بمكة، ويقال: انها من مقلعات الكعبة، ومنه بنيت دار العباس بن محمد التي على الصيارفة.
ذو الأبرق: ذو الأبرق: ما بين المغش إلى ذات الجيش.
الشيق: الشيق: طرف بلدح الذي يسلك منه إلى ذات الحنظل عن يمين طريق جدة قد عمل الدروقي حايطاً وعيناً بفوهة ذلك الشعب، وذات الحنظل ثنية في مؤخر هذا الشعب يفرع على بلدح.
أنصاب الحرم: أنصاب الحرم: على رأس الثنية ما كان من وجهها في هذا الشق فهو حرم وما كان في ظهرها فهو حل.
العقلة: العقلة ردهة تمسك الماء في أقصى الشيق.
الأرنبة: الأرنبة: شعب يفرع في ذات الحنظل وما بين ثنية أم رباب إلى الثنية التي بين الليط، وبين شعب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ذات الحنظل: ذات الحنظل: هو الفج الذي من عين الدورقي إلى ثنية الحرم العبلاء: العبلاء: بين ذي طوى والليط.
الثنية البيضاء: الثنية البيضاء: التي بين بلدح وفخ.
شعب اللبن: شعب اللبن الشعب الذي يفرع على حايط ابن خرشة في بلدح.
 
ملحة العراب: ملحة العراب شعب في بلدح يفرع على حايط الطايفي.
ملحة الحروب: ملحة الحروب شعب يفرع على حايط ابن سعيد ببلدح.
العشيرة: العشيرة حذاء أرض ابن أبي مليكة إذا جاوزت طرف الحديبية على يسار الطريق.
قبر العبد: قبر العبد: بذنب الحديبية على يسار الذاهب إلى جدة، وانما سمي قبر العبد إن عبداً لبعض أهل مكة أبق فدخل غاراً هنالك فمات فيه فرضمت عليه الحجارة فكان في ذلك الغار قبره.
التخابر: التخابر: بعضها في الحل وبعضها في الحرم وهو على يمين الذاهب إلى جدة، إلى نصب الأعشاش، وبعض الأعشاش في الحل، وبعضها في الحرم وهي بحيرة البهيما وبحيرة الأصغر والرغباء ما أقبل على بطن مر منهن فهو حل وما أقبل على المريرا منهن فهو حرم.
كبش: كبش: الجبل الذي دون نعيلة في طرف الحرم.
رحا: رحا: في الحرم وهو ما بين أنصاب المصانيع إلى ذات الجيش، ورحا هي ردهة الراحة.
والراحة: والراحة: دون الحديبية على يسار الذاهب إلى جدة.
البغيبعة: البغيبغة: والبغيبغة بأذاخر.
بعونه تعالى انتهى الجزء الثاني وبذلك تم كتاب تاريخ مكة للأزرقي  

********************************************DISCLAIMER******************************************** This email and any files transmitted with it are confidential and contain privileged or copyright  information. If you are not the intended recipient you must not copy, distribute or use this email or the information contained in it for any purpose other than to notify us of the receipt thereof. If you have received this message in error, please notify the sender immediately, and delete this email from your system.  Please note that e-mails are susceptible to change.The sender shall not be liable for the improper or incomplete transmission of the information contained in this communication,nor for any delay in its receipt or damage to your system.The sender does not guarantee that this material is free from viruses or any other defects although due care has been taken to minimise the risk. ************************************************************************************************** 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق